السياسة الأوروبية تجاه إيران.. فرص التغيير نحو الأفضل

يعالج هذا البحث الذي أعده الباحث باولو بوتًّا ونشرته مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي آفاق تطور العلاقات بين بلدان الاتحاد الأوروبي وإيران، ويربط التحولات في العلاقات الإيرانية الأوروبية بمواقف الإدارة الأمريكية من إيران، ويتضمن عددا من الخلاصات الهامة والتوصيات ذات القيمة.







 

باولو بوتًّا


عرض محمد فال ولد المجتبى


يقدم مركز الجزيرة للدراسات قراءة في بحث أعده الباحث باولو بوتًّا ونشرته مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي (FRIDE) على الموقع الإلكتروني للمؤسسة (1)، ويعالج هذا البحث آفاق تطور العلاقات بين بلدان الاتحاد الأوروبي وإيران.





ترغب أوروبا في أن تكون طرفا فاعلا في النظام الدولي، إلا أنها تنتظر إرشادات واشنطن لتبين لها الطريق الذي ينبغي السير فيه.
ويستعرض محددات هذه العلاقة وجوانبها المختلفة والعوامل المؤثرة فيها وآفاقها المستقبلية، حيث يربط التحولات في العلاقات الإيرانية الأوروبية بمواقف الإدارة الأمريكية من إيران وسياساتها تجاه المنطقة عموما.


ويناقش البحث الموقع الذي يمكن أن تحتله إيران ضمن سياسات أوروبا المستقبلية في ميدان الطاقة، وإمكانيات استغلال الشراكة في هذا الإطار لتطوير العلاقات السياسية بين الطرفين.


ويتضمن البحث عددا من الخلاصات الهامة والتوصيات ذات القيمة.


*       *       *


مرت العلاقات الإيرانية الأوروبية عبر العقود الثلاثة الماضية بلحظات من التقارب والتباعد، بالتزامن مع تحولات السياسة الخارجية لواشنطن تجاه طهران، وذلك لما تتركه الرؤية السياسية الأميركية بهذا الصدد من أثر على السياسة الأوروبية وبما يتناسب مع العلاقة الجدلية التي تجمع الأطراف الثلاثة.


وتميزت الفترة ما بين عامي 1992 و1997 بهيمنة مقاربة "الحوار النقدي"، التي كانت تسعى إلى تجنب فرض عزلة تامة على إيران عبر الاحتفاظ بقناة اتصال مفتوحة، إلا أن تداعيات الأزمة الناجمة عن قضية ميكونوس -التي اتهمت فيها محكمة ألمانية حكومة طهران بممارسة إرهاب الدولة إثر اغتيال قيادي كردي على الأراضي الألمانية- أحدثت تحولا في العلاقات لتنتظم في "إطار حوار شامل"بين عامي 1998 و2001.


وفتحت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 باب التغير الجذري في العلاقة مع الغرب، حيث بدت إيران مستعدة للغاية للتعاون مع الولايات المتحدة في عملياتها في أفغانستان الهادفة للقضاء على طالبان والقاعدة، إلا أن الرئيس الأميركي جورج بوش أعلن في خطابه حول حالة الاتحاد في يناير/كانون الثاني 2002 إدراج إيران والعراق وكوريا الشمالية ضمن "محور الشر"، متهما البلدان الثلاثة بالسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وداعيا لعزلها والعمل على تغيير أنظمة الحكم فيها.


وبهذا تم تفويت فرصة الإمساك بسياسة الانفتاح التي أعلنها الرئيس الإيراني في ذلك الوقت محمد خاتمي، واستمرت سياسة "المضايقة اللفظية" طوال فترتي رئاسة بوش وحتى وصول باراك أوباما إلى السلطة.





لا تفهم طهران لماذا يشكل البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق لأوروبا بينما لا تهتم بالبرنامج النووي لباكستان أو إسرائيل
وابتداء من عام 2003 أصبحت المواضيع الرئيسية على الأجندة الإيرانية الأوروبية هي الانشغال بالبرنامج النووي الإيراني، والخطاب العدائي ضد إسرائيل وإنكار الهولوكوست باعتباره خطابا لا فائدة منه. كما أبدت أوروبا اهتمامها بوضع حقوق الإنسان في إيران (عقوبة الإعدام، حرية التعبير، الأحكام ضد المثليين)، لكن دون أن تترجم هذه المواضيع إلى سياسات محددة.

أما بالنسبة لطهران، فهي تنظر إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره فاعلا يقر مبادئ واجبة الاتباع، ولكنها أي طهران تدرك أن الاتحاد يترك مناطق رمادية عند الشروع في تطبيق مبادئه، بسبب تفاوت قدرات ومصالح أعضائه، ففي الوقت الذي تفرض مؤسسات الاتحاد في بروكسل عقوبات اقتصادية، تباشر الدول الأعضاء تطوير علاقات تجارية مربحة.


وتجد إيران صعوبة في فهم تصلب أوروبا إزاء طهران، في حين أن أوروبا تتعامل مع الصين وتبدو منفتحة على روسيا رغم الحرب مع جورجيا. كما لا تفهم لماذا يشكل البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق لأوروبا بينما لا تهتم بالبرنامج النووي لباكستان أو إسرائيل. وتكرر طهران باستمرار أنه "منذ 2000 عام لم نبادر بالحرب ضد أي كان، فكم من هذه البلدان يمكنه أن يقول الشيء نفسه؟".


وهذا التقابل بين الطرفين يقود إلى انطباع: بأن إحباطات الإيرانيين المتمثلة في قولهم "أوروبا لا تفهمنا"، تتناسب عكسيا مع التطلعات الأوروبية المنعكسة في ترديدهم مقولة "إيران لن تتغير".


وترغب أوروبا في أن تكون طرفا فاعلا في النظام الدولي، إلا أنها تنتظر إرشادات واشنطن لتبين لها الطريق الذي ينبغي السير فيه.


ومع أن العلاقة بين البلدان الأوروبية وطهران لا تنطوي على تاريخ من سوء التفاهم كما هو الحال في العلاقة مع واشنطن، فإن التردد الأوروبي في رسم سياسة شاملة يبدد هذا الميزة الإيجابية.


وتنتظر بروكسل الآن الرئيس أوباما كي يستلم زمام المبادرة، وذلك بعد أن كانت تحجم عن أي مبادرة أو فعل بسبب النزعة الأحادية لسياسة بوش.


وعلى كل، في حال إقرار سياسات ملائمة ومنسجمة من خلال المنظور الجديد، فقد تتحول بعض التوترات إلى فرص ومجالات للتواصل.


برنامج إيران النووي
تحديات أفغانستان
مسالك الطاقة
البلدان العربية
خلاصات


برنامج إيران النووي





الواقع القائم حتى الآن، أنه يطلب من إيران التنازل عن مشروع محدد (المشروع النووي) في مقابل مزايا مفترضة ذات طابع مبهم إلى حد كبير، وتتوقف على مفاوضات لاحقة.

يمكن أن يعزى فشل مجموعة (5+1) -التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا- بشأن ملف طهران النووي إلى تهميش المبادرات الدبلوماسية خلال فترة إدارة الرئيس بوش، إضافة إلى وجود مصالح لروسيا والصين في إيران.


ويبدو أن قرارات الإدانة والعقوبات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تشعر أوروبا براحة الضمير، حيث أن هذه الإدانات والعقوبات لم تحل دون استمرار الشركات الأوروبية في التعامل مع إيران، فهناك خمسة بلدان أعضاء في الاتحاد الأوربي، من بينها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ضمن قائمة البلدان العشرة الأولى من حيث المبيعات لإيران.


وهي القائمة التي تتصدرها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تقوم بلدان عديدة بتصدير منتجاتها رسميا إليها ومنها إلى إيران، باعتبار أنها الوسيلة الأمثل للقفز على العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن.


وعليه فإن أي سياسة أوروبية تسعى إلى وضع حد للشكوك الدولية بشأن البرنامج الإيراني ينبغي أن لا تقتصر على عقوبات لا يتم الالتزام بها، بل ينبغي أن تركز الإستراتيجية الأوربية على الاعتراف بإيران كقوة إقليمية، في مقابل تقديم طهران ضمانات أمنية بشأن خطتها النووية.


والواقع القائم حتى الآن، أنه يطلب من إيران التنازل عن مشروع محدد (المشروع النووي) في مقابل مزايا مفترضة ذات طابع مبهم إلى حد كبير، وتتوقف على مفاوضات لاحقة.


ومن شأن علاقة أكثر سلاسة مع أوروبا أن ترفع من مستوى الثقة وتسمح بمراقبة أفضل للأنشطة النووية الإيرانية وفقا لمقتضيات القانون الدولي والالتزامات القائمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما المطالبة بإلغاء البرنامج النووي الإيراني فهي هدف غير قابل للتحقيق، ويثير الحساسيات، حيث ينظر إليه باعتباره مظهرا من مظاهر "سياسة الكيل بمكيالين" حيث يختلف عن الموقف من إسرائيل أو الصين أو روسيا.


تحديات أفغانستان 


من شأن المخاطر الإقليمية والعالمية المترتبة على الفشل في بناء دولة قابلة للحياة في أفغانستان أن تؤدي إلى التقاء في المصالح بين إيران والأوروبيين والولايات المتحدة.


حيث أن تزايد عدم الاستقرار في أفغانستان يعني عودة طالبان والقاعدة إلى السلطة وزيادة في إنتاج وتسويق الأفيون؛ الأمر الذي يمثل مشكلة إقليمية بامتياز، كما تتمتع الحدود الإيرانية الأفغانية بميزة مشبوهة باعتبارها إحدى المناطق الحدودية الأكثر نشاطا في مجال الاتجار بالمخدرات، التي تعتبر عائداتها المورد الرئيسي لطالبان ويمكنها من مواجهة القوات الغربية في هذا البلد.


وسابقا، في عام 2006 نبه تقرير بيكر-هاملتون إلى ضرورة إقامة حوار بين الولايات المتحدة وإيران (ومع سوريا أيضا) للاستفادة من النفوذ الإيراني في تحقيق الاستقرار في العراق وأفغانستان، لكن هذه الفكرة رفضت من طرف إدارة بوش.


وإذا كانت قدرة إيران على التأثير في أفغانستان محدودة (القطاعات الشيعية، الهزارة والطاجيك) فإنها تتمتع بميزة العضوية في منظمة التعاون الاقتصادي، وقد وفرت هذه العضوية إطارا مكن إيران وأفغانستان (إلى جانب دولة أخرى ناطقة بالفارسية هي طاجاكستان) من تنفيذ بعض اتفاقيات التعاون والمبادرات المشتركة.


وتعاونت إيران مع الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول للقضاء على حركة طالبان. وبعد الغزو الأميركي كانت طهران من بين القلائل الذين وفوا بوعودهم بمساعدة أفغانستان، حيث قامت بتطوير البنية التحتية فى غرب البلاد.





من شأن المخاطر الإقليمية والعالمية المترتبة على الفشل في بناء دولة قابلة للحياة في أفغانستان أن تؤدي إلى التقاء في المصالح بين إيران والأوروبيين والولايات المتحدة
مع الأخذ بالاعتبار أن ظروف الدعم اللوجستي للقوات الغربية قد أصبحت أكثر تعقيدا بعد رفض قيرغيزستان الاستمرار في التنازل لأميركا عن قاعدة ماناس، وأدى هذا التطور في عام 2009 إلى زيادة نفوذ روسيا بوصفها البلد الذي تمر به الآن أهم طرق الإمداد الرئيسية، بينما يتم البحث عن طرق أخرى عبر القوقاز وبحر قزوين وباكستان.

وبحكم عدم الاستقرار في منطقة القوقاز والشكوك حول مستقبل باكستان، يمكن أن تتحول إيران إلى خيار سياسي مقبول، حيث سيسهم ذلك في إدماج طهران ضمن المجهود الدولي لتحقيق الاستقرار في أفغانستان.


أضف إلى ذلك أن هذا سيكون الخيار الأمثل من وجهة النظر الجغرافية لأنه يوفر أقصر الطرق وأقلها تكلفة للوصول إلى أفغانستان من الغرب. فهذا الخيار من شأنه أن يجنب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاعتماد حصرا على روسيا أو باكستان.


وينبغي أن تكون إيران جزء من جميع المبادرات الدولية الرامية إلى تشجيع مقاربة إقليمية لحل المشاكل في أفغانستان، وهو أمر سيخدم البلدان الغربية مثلما هو من مصلحة إيران، لأن من مصلحة الطرفين تحقيق الاستقرار في المنطقة، فتعزيز التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالمخدرات، على سبيل المثال، يمكن أن يكون وسيلة مناسبة للتعامل مع مشكلة مشتركة بشكل جماعي، وهو تعاون يمكن أن تنضم إليه بلدان الخليج العربية التي تمثل سواحلها نقطة انطلاق للمخدرات في طريقها إلى أوروبا.


مسالك الطاقة 


تحتاج  أوروبا لتنويع مصادر الطاقة في السنوات المقبلة لتجنب الاعتماد على جهة واحدة، ومن هنا يمكن أن تؤدي الموارد الإيرانية دورا هاما في الحد من الأهمية النسبية للمصادر الروسية.


وفي الوقت الراهن، تستورد أوروبا نسبة 84٪ من الغاز و90٪ من النفط الذي يتم استهلاكه في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتمثل روسيا مصدرا نسبته 42% من الغاز و34% من النفط المستورد، وليس من شأن احتياجات أوروبا من الطاقة في المستقبل أن تؤدي إلى زيادة حجم الاستيراد من المصادر الحالية (روسيا والنرويج والجزائر وليبيا) فحسب، بل إنه سيترتب عليها أيضا استحداث مصادر جديدة، الأمر الذي يجعل من إيران ذات أهمية كبرى في أي خطة للطاقة خلال السنوات المقبلة، باعتبار أنها تملك ثاني أكبر احتياطي معروف من الغاز.


وستظل خطوط أنابيب الغاز المصدر الرئيسي لإمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات المقبلة، لأن  شبكة باكو-تبليسي-سيهان، وهي تمثل الخيار الأمثل بالنسبة للأمريكيين، قد تأثرت كثيرا بالنزاع الأخير في القوقاز (الحرب بين جورجيا وروسيا أجبرت أذربيجان على وقف استخدام الشبكة).


وهناك ثلاثة بدائل ممكنة لتزويد أوروبا بالمحروقات انطلاقا من منطقة بحر قزوين، وهذه الخيارات قابلة للتطبيق سياسيا واستراتيجيا، وستحدد مصادر تأمين احتياجات أوروبا من الطاقة، وهي:




  1. خيار "ساوث ستريم" الروسي.


  2. خيار "مشروع نابوكو"، المدعوم من الاتحاد الأوروبي.


  3. "مشروع بارس"، وهو البديل الذي تشجعه طهران.

مشروعا نابوكو وساوث ستريم



ارتباط إيران بأوروبا في مجال الطاقة هو أفضل ضمانة للأمن بالنسبة للطرفين.
يهدف مشروع نابوكو لنقل الغاز الروسي إلى النمسا عبر تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر. وإذا كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعما هذا المشروع منذ انطلاقته عام 2002، فإن الأحداث في جورجيا قد تحدث تغييرا في الموقف، حيث أن هذه المبادرة تزيد من اعتماد أوروبا على روسيا.

ومن المهم الإشارة إلى أن أغلب الغاز الذي سيتم نقله لن يكون روسي المنشأ، وإنما يمر فقط عبر هذه الشبكة الخاصة بالنقل والتوزيع، وهو ما سيحول موسكو إلى بوابة لدخول الغاز الروسي وغاز بحر قزوين.


أما بالنسبة لمشروع "ساوث ستريم"، فهو شراكة بين شركتي غازبروم الروسية وايني الإيطالية، وانطلق في يونيو /حزيران 2007 بهدف بناء خط أنابيب بطول 900 كيلومتر يمتد من ساحل البحر الأسود، وصولا إلى رومانيا (عبر المنصة البحرية لأوكرانيا ورومانيا).


وستنطلق من الساحل البلغاري شبكتان:




  1. شمالية تتجه إلى النمسا عبر المجر وسلوفينيا؛


  2. وجنوبية ستمر عبر اليونان والبحر الأيوني لتصل إلى جنوب إيطاليا.

وسيصبح هذان المشروعان، مشروع "ساوث ستريم"، ومشروع "نابوكو"، جاهزين للعمل بحلول عام 2013.


مشروع بارس
ضمن هذا السياق الذي تطبعه احتياجات الطاقة والصراعات السياسية يندرج المشروع الإيراني "بارس". فقد أطلقت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط (NIOC) هذه المبادرة الجديدة للوصول إلى قلب أوروبا دون المرور عبر بلدان أوروبا الشرقية.


ويهدف المشروع الإيراني إلى نقل 37 بليون متر مكعب من الغاز سنويا إلى إيطاليا عبر تركيا واليونان، مع إمكانية تمديد الخطوط في اتجاه سويسرا وألمانيا والنمسا.


ولا تزال هذه المبادرة مجرد مشروع يخضع للقيود المفروضة على الاستثمار الدولي في إيران، جراء العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على خلفية البرنامج النووي لطهران.


ويتوقف مصير مشروع "بارس" على أوروبا، لأن شركاتها هي التي ستساهم فيه إذا ما تمت بلورته عمليا. وبغض النظر عن السياسة الأمريكية تجاه إيران، فإن على أوروبا أن تتعامل بجدية مع البديل الإيراني لأنه مشروع استراتيجي يقلل من اعتماد الدول الأوروبية في ميدان الطاقة على موسكو. أما بالنسبة لإيران فإن هذا المشروع يعني الحصول على الاستثمارات والتكنولوجيا وزيادة صادراتها من الغاز واكتساب زبائن جدد.


وتتلاءم هذه الأهداف الإيرانية تماما مع رغبة أوروبا في الحصول على مصادر جديدة للإمدادات، ومن ثم فإن المنفعة متبادلة.


وسيعمل تكثيف العلاقات الاقتصادية في هذا المجال كمحفز للمصالح المشتركة ويقلل من احتمالات الصراع. فارتباط إيران بأوروبا في مجال الطاقة هو أفضل ضمانة للأمن بالنسبة للطرفين.


البلدان العربية 





يجب إدراك أن النفوذ الإيراني في كل من العراق ولبنان وسوريا وفلسطين ليس بالقدر الذي يرغب القادة الإيرانيون تضخيمه وإيهام العالم به.

إن أي تحسن في العلاقات بين إيران وأوروبا ينبغي ألا يتم على حساب العلاقات مع الدول العربية، بل ينبغي أن يتيح لأوروبا فرصة التوسط بينهما، وقد تمثلت آخر فصول المشاكل بين هذه الأطراف الفاعلة في التوتر بين إيران وكل من مصر والمغرب، وذلك مثال على التقلب الذي يطبع منطقة الخليج.


ويجب إدراك أن النفوذ الإيراني في كل من العراق ولبنان وسوريا وفلسطين ليس بالقدر الذي يرغب القادة الإيرانيون تضخيمه وإيهام العالم به. فالواقع أنه لا حزب الله ولا حماس تمثل توابع لطهران، بل إن لها أجنداتها السياسية الخاصة بها. والحكومة العراقية ليست مجرد حكومة شيعية، ناهيك عن أن الانتماء الشيعي لا يعني بالضرورة التماهي مع إيران ومصالحها. وفي النهاية، فهم عراقيون أولا، رغم كونهم شيعة.


وعلى أوروبا أن تنبه إيران إلى ضرورة دعم مبادرة السلام العربية، وهو ما يعني حصولها على دعم الفاعلين المهمين في المنطقة؛ كما سينظر إلى الأمر باعتباره تعبيرا من إيران عن قدر من الواقعية السياسية.


كما أن قدرة إيران على التأثير في فلسطين تبقى محدودة جدا، فيما تنظر قطاعات واسعة من المواطنين الإيرانيين إلى تمويل جماعات مثل حماس وحزب الله كأمر بعيد للغاية عن مشاكلها اليومية.


وعلى الرغم من الخلافات بين العرب والإيرانيين عموما، والفلسطينيين والإيرانيين على وجه الخصوص، تبنت حكومة أحمدي نجاد خطابا عدائيا ضد إسرائيل كما نفت وقوع الهولوكوست.


ويتعين على أوروبا أن تبين بوضوح لا لبس فيه أن مثل هذا الخطاب غير مقبول وعديم الجدوى ولا ينطوي على أي فائدة ملموسة لإيران ويخلق موقفا سلبيا منها لدى الرأي العام الغربي.


ومن جهة أخرى، فإن ضعف الهياكل التي تعتمد عليها العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك المشاكل الخاصة التي تواجهها أوروبا في هذا النطاق، ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها سندا إضافيا للعلاقات الإيرانية-الأوروبية.


والمشكلة الرئيسية هي أن التنافس التاريخي القائم بين إيران والدول العربية في المنطقة قد يزداد إذا لاحظت تلك الدول أن أوروبا (والولايات المتحدة) تتجه نحو الاعتراف لطهران بدورها كقوة إقليمية دون اعتبار لوجهة نظر تلك الدول.


وتمثل الأهمية الإقليمية في المجال الدبلوماسي لكل من المملكة العربية السعودية وقطر ودورهما في حفظ الاستقرار حافزا إضافيا للتفكير في إستراتيجية شاملة للتعامل مع هذه المنطقة.


وتملك أوروبا موقعا ممتازا للعب دور الوسيط بين العرب والإيرانيين، وتعد التجربة الأوروبية في مسارات مثل مسار هلسنكي خلال فترة الحرب الباردة مثالا يحتذى به عند الرغبة في توفير فضاء للالتقاء بغرض مناقشة قضايا الأمن والحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو تدابير بناء الثقة.


خلاصات 


رغم أن الولايات المتحدة ستظل اللاعب الرئيسي في حل المشاكل بين إيران والمجتمع الدولي، فإن أوروبا مطالبة بالمساعدة من خلال تقديم مبادرات واضحة ومنسجمة، ويجب أن يكون مفهوما أن الهدف الرئيسي لإيران هو الاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية.





من الواضح أن أفضل وسيلة للتأثير في السلوك الإيراني هي رفع مستوى العلاقات، حيث ثبت أن سياسة العقوبات التجارية أداة غير مجدية، فضلا عن عدم الالتزام بها بشكل كامل.
وقد برهنت طهران في الماضي على كونها طرفا فاعلا يمكن أن يسهم تعاونه وتأثيره في صياغة نظام مستقر؛ الأمر الذي قد يشكل اليوم فائدة كبيرة في أفغانستان، وينبغي أن يترتب على القبول بالدور الإقليمي لإيران تصور أمني جديد يشمل ضمانات للدول العربية ولإسرائيل.

وفيما يخص الأخيرة، فإنها كانت وإيران حليفتين في مرحلة سابقة، ويمكنهما أن تعودا حليفتين، وعليه فإن خفض درجة العداء اللفظي بين تل أبيب وطهران يمثل مدخلا مناسبا للعمل في هذا الاتجاه.


ومن الواضح أن أفضل وسيلة للتأثير في السلوك الإيراني هي رفع مستوى العلاقات، حيث ثبت أن سياسة العقوبات التجارية أداة غير مجدية، فضلا عن عدم الالتزام بها بشكل كامل.


بالمقابل قد يحقق اعتماد أوروبا سلوكا منفتحا على مستوى العلاقات التجارية في مجال الطاقة منفعة للطرفين، ومن شأنه أن يمنح إيران حوافز للتفكير في التجاوب مع بعض انشغالات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تقليص معتبر لدرجة اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة. وستتيح هذه الإستراتيجية إدماج تركيا بصورة فاعلة، إذ أن العديد من خطوط الأنابيب تمر عبرها.


ينبغي أن يجد الحرص على احترام حقوق الإنسان -والذي كان أحد المحددات الرئيسية لمواقف المؤسسات الاتحادية تجاه إيران- مكانه في سياق الأجندة المستقبلية، بحيث لا يؤدي التفاهم حول المسائل "الصعبة" إلى التقليل من أهمية حقوق الإنسان.


في نفس الوقت، من شأن تبني إيران سياسة انفتاحية أن ينعكس إيجابا على صورة البلد في الخارج، مثلما حدث في عهد حكومة خاتمي.
ـــــــــــــــ
باحث بمؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي (FRIDE) بمدريد، إسبانيا 


هوامش
1- البحث الأصلي منشور باللغة الإسبانية على الموقع الالكتروني لمؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي www.fride.org  بتاريخ 14/05/2009 وهو الذي تم اعتماده في إعداد هذه القراءة.


الرابط التالي يفعل عنوان الموقع من خلاله
http://www.fride.org/publicacion/602/hay-lugar-para-el-cambio-positivo-entre-europa-e-iran