أزمة الحكومة العراقية واحتمالات مرشح رابع للتسوية

تريد الولايات المتحدة الأمريكية نظاما سياسيا في العراق يلعب فيه رجال الدين الشيعة دورا مهيمنا، وأن يتمكن هذا النظام في مرحلة ما، من دمج "بقايا النظام الشمولي السابق", ولكن مع دور خاص لطهران في ضبط إيقاع اللعبة








فاضل الربيعي


كشفت أزمة تشكيل الحكومة العراقية (منذ الإعلان الرسمي لنتائج انتخابات مارس/ آذار 2010) عن أهم متغيّر في علاقات القوة داخل العراق، فقد اتضح أن قوى العملية السياسية غير قادرة على إنتاج محاصّة جديدة، وفي الآن ذاته، لم تعد راغبة في الحفاظ على المحاصّة القديمة، أو هي-في أحسن الحالات- غير قادرة فعليا على حمايتها. وهذا يعني، أن قوى العملية السياسية لم تعد قادرة لا على البقاء في مواقعها القديمة، والحفاظ على المكاسب التي حصلت عليها في انتخابات 2005، ولا هي قادرة كذلك، على التقدم إلى أمام. وهذا ما تدُل عليه طبيعة التحالفات والتوافقات الهشة، فهي تنهار بالسرعة ذاتها التي تعقد فيها.


بين الضرورات الداخلية والاقتضاءات الخارجية
العامل الداخلي.. جدلية التقارب والتباعد
العامل الخارجي.. ساحة الصراع الأمريكي الإيراني


بين الضرورات الداخلية والاقتضاءات الخارجية





قد تدفع مسألة تشكيل الحكومة إلى نمط من الصراع حول الأحجام والأوزان في المعادلة فأي جماعة من هذه الجماعات وهي تعيش مأزق عجزها عن البقاء في المواقع نفسها، أو التقدم إلى أمام والحصول على مكاسب جديدة ستضطر إلى طرح مطالب تعديل الحصص، بوصفه الشرط الوحيد لفك الاستعصاء
هناك عاملان مركزيان لعبا طوال الشهور السبعة الماضية دورا معطلا في تشكيل الحكومة، وأديا إلى ظهور بوادر انزلاق البلاد نحو نمط من الاستعصاء السياسي الخانق.

الأول: عامل محلي (داخلي) ويتصل عضويا بطبيعة التوازن الدقيق في القوة والقدرة على حسم النزاع حول المناصب السيادية الثلاث (رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان).


الثاني عامل إقليمي- دولي، ويتصل بطبيعة التجاذب في الساحة العراقية بين طهران وواشنطن.


لقد خلقت انتخابات 2010 وضعا استثنائيا على مستوى علاقات القوة، فكل كتلة أو قائمة انتخابية، باتت قادرة، فقط على تعطيل إمكانية حصول الكتل الأخرى على فرصة تشكيل الحكومة، ولكن من دون أن تكون لديها هي فرصة مماثلة.


واليوم، تملك معظم الجماعات السياسية الفائزة في الانتخابات - شكليا - فرصة، وإمكانية الدخول في تحالف نيابي مع قوى أخرى لتشكيل الحكومة، بيد أن أيا منها لا يستطيع-واقعيا - التقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه، لأن أيا منها سوف يصطدم بمطالب ملحّة لتغيير الحصص.


وهذا من شأنه أن يحول مسألة تشكيل الحكومة إلى نمط من الصراع حول الأحجام والأوزان في المعادلة السياسية، وهو ما من شأنه أن يدفع أي جماعة من هذه الجماعات- وهي تعيش مأزق عجزها عن البقاء في المواقع نفسها، أو التقدم إلى أمام والحصول على مكاسب جديدة- إلى طرح مطالب تعديل الحصص، بوصفه الشرط الوحيد لفك الاستعصاء.


وكما بينت مجريات النقاش طوال الأشهر الماضية؛ فإن مسألة تشكيل الحكومة، باتت عنوانا لهذا النمط الجديد من النزاع السياسي الداخلي الذي تتحكم في مجرياته أربع كتل كبرى.



1 - العامل الداخلي.. جدلية التقارب والتباعد


أ : القائمة العراقية


وكما هو الحال مع الائتلافين (دولة القانون والوطني) تجد القائمة العراقية بقيادة إياد علاوي نفسها، وكأنها تعيش المأزق ذاته، فهي غير قادرة لا على فرض وإنتاج محاصّة جديدة، ولا على القبول بما حصلت عليه طوال السنوات الماضية. ويتجلى هذا المأزق على أكمل وجه في اصطدامها بظهور تحالف شيعي عريض يضم الصدريين، هو التحالف الوطني الذي يمكن له بسهولة، أن يشكل حكومة أغلبية برلمانية في حال توافقه على مرشح واحد. ويبدو أن أزمة التصريحات بين ائتلاف دولة القانون والعراقية، بعد وصف المالكي للقائمة العراقية بأنها (قائمة سنية) كانت في أحد أوجهها، تعبيرا عن دخول علاقات القوة إلى حقل النزاع الطائفي، وبالتالي انتقال النقاش حول الاستحقاق الانتخابي وتشكيل الحكومة إلى حيز الحصص الطائفية، وهذا ما يمكن فهمه من تلميح المالكي خلال محادثاته من علاوي(بأن منصب رئيس الوزراء هو من حصة الشيعة، وذلك ما أعلنه علاوي صراحة في مؤتمر صحفي بموسكو خلال زيارته الشهر الماضي).


ب - ائتلاف دولة القانون


يبدو إصرار ائتلاف دولة القانون على تسمية المالكي مرشحا وحيدا، وهو ما نجح في فرضه طوال الأشهر الماضية، برغم أنه حصل على المرتبة الثانية في الانتخابات بعد القائمة العراقية، تعبيرا دقيقا عن المأزق الذي يواجه حزب الدعوة الإسلامية، فهذا الحزب لم يتمكن من الحصول على ضمانات كافية ببقاء حصته من السلطة (منصب رئيس الوزراء الذي شغله الجعفري من قبل ثم المالكي تاليا) وفي الآن ذاته، يبدو عاجزا عن إنتاج أو فرض محاصّة جديدة، تبقيه قوة أساسية في المعادلة. لقد تعرض حزب الدعوة خلال عهد الجعفري (رئيس الحزب ورئيس الحكومة) إلى هزّات داخلية عنيفة، جراء اضطراره إلى استبدال الجعفري بعد نزاع مرير مع رئيس الجمهورية جلال الطالباني على خلفية تقاسم الصلاحيات مع رئيس الوزراء. وبطبيعة الحال، فقد أدت هذه الهزات المتتابعة إلى انقسامات جديدة داخل الحزب، وهو ما يخشى من تكراره في حال اضطر مرة أخرى إلى التخلي عن زعيمه. بهذا المعنى، يصبح مأزق تشكيل الحكومة نتيجة عامل داخلي، بأكثر مما يبدو نتاج عامل خارجي. ولذلك يسعى الحزب إلى تصوير ترشيح المالكي لولاية ثانية كحق دستوري، وليس مجرد عناد سياسي، فالكتلة الفائزة بحسب تفسير المحكمة الدستورية التي انتزع منها الحزب، تأويلا قانونيا مناسبا، هي الكتلة البرلمانية التي تتشكل من تحالفه مع جماعات أخرى؟


ج : الائتلاف الوطني


في المقابل كشفت المشاورات التي أجراها الائتلاف الوطني- بقيادة الحكيم والذي حلّ ثالثا من حيث الترتيب-مع سائر الكتل الفائزة، أنه يقوم بالمناورة نفسها، ولكن بأقل قدر من العناد السياسي، وباستخدام خطاب تصالحي يدعو إلى حكومة شراكة وطنية عريضة. بيد أن الائتلاف برغم ذلك لا يطرح على القائمة العراقية- الفائز الأول- إلا صيغة القبول بمرشحه عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، مقابل توليها منصب رئيس الجمهورية، وهو ما يرى فيه قادة العراقية دليلا على أن ائتلاف الحكيم قد يدفع بهم إلى خسارة الدعم الكردي مبكرا في حال موافقتهم على مناقشة هذا الاقتراح. ولذلك بدت العراقية شديدة الحذر والتوجس من إمكانية حصولها على دعم من الائتلاف، لحقها في تشكيل الحكومة، ولكنها في الوقت ذاته لم تبد لا موافقتها على عادل عبد المهدي ولا رفضها له، تاركة الباب مواربا أمام إمكانية مواصلة الحوار، مع طرف رأت فيه مرونة عالية يفتقدها ائتلاف دولة القانون. لقد أدركت القائمة العراقية، وبعد جولات عدّة من الحوار، أن المشاورات مع الائتلاف، آخذة في التحول إلى مشاورات مع طرف هو في الأصل جزء من تحالف أكبر، يضم خصمها العنيد ائتلاف دولة القانون (ويعرف باسم التحالف الوطني). وفي هذا الإطار فقط، اضطرّت العراقية إلى القول علنا أن هذا التحالف غير قانوني وأنها لن تعترف به، لأنه مصمم للتلاعب بحقها الدستوري (الاستحقاق الانتخابي).


وفي الواقع، يسعى الائتلاف الوطني بقيادة الحكيم هو الآخر، من وراء مواصلة حواره الهادئ ولكن المتقطع مع العراقية، إلى تعديل حصته القديمة (منصب نائب الرئيس) ولكن من دون أن يكون قادرا على إنتاج محاصّة جديدة. ولذلك، يتخذ طرح اسم عادل عبد المهدي القيادي في المجلس الأعلى، مرشحا لمنصب رئيس الوزراء، طابع المناورة التي تستهدف قطع الطريق على حزب الدعوة الإسلامية لفرض مرشحه من جديد. ولأن الائتلاف الوطني بقيادة الحكيم يشعر بمرارة الغبن (التاريخي) الذي لحق به جراء حرمانه من شغل منصب رئيس الوزراء، طوال السنوات السبع الماضية، وان منافسه (وشريكه) حزب الدعوة حصل على فرصتين متتاليتين، فقد آن الأوان بالنسبة له، لتغيير قواعد اللعبة.


ولذلك فهو بطرحه لمرشحه عادل عبد المهدي، يكون قد سعى مثل الكتل الأخرى إلى أحد أمرين، إما الحفاظ على حصته القديمة أو الفوز بفرصة منصب رئيس الوزراء، وهما أمران بات في حكم المؤكد، أن تحقيقهما يرتبط بتغيير علاقات القوة، أي بحصول تغير جذري في طبيعة العامل الداخلي. إن رهان الائتلاف الوطني على إسقاط خيار المالكي، مستمد بالكامل من تجربة سابقة، اضطرّ فيها الدعوة إلى التخلي عن الجعفري، وسيناريو التخلي عن المالكي- في هذه الحالة- يبدو بالنسبة لائتلاف الحكيم احتمالا واقعيا . بيد أن الائتلاف لا يملك إمكانية حقيقية لفرض مرشحه البديل، لأن مساومات اللحظة الأخيرة، قد تجعل التخلي عن المالكي مشروطا بقبول بديل من داخل حزب الدعوة لا من خارجه.


د: التحالف الكردستاني


في هذا الإطار، يشكل الأكراد بكتلتهم الانتخابية الكبيرة، مع صعود دور حركة التغيير بقيادة نوشروان مصطفى، المنشق على الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني، وتبلور تيار إسلامي كردي في مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، قوة جذب رئيسة في توازن القوى الراهن، فهم يستطيعون التفاهم مع أي كتلة برلمانية تطرح مرشحها لرئاسة الوزارة، ولكن شرط حصولهم على ضمانات لا بالإبقاء على حصتهم في السلطة (منصب رئيس الجمهورية ورئيس أركان الجيش والخارجية) وحسب، وإنما كذلك التعهد بالتزام تطبيق المادة 140 الخاصة بالاستفتاء في كركوك. وهذا ما يتجلى على أكمل وجه في المشاورات التي جرت في أربيل وبغداد، حول ما بات يعرف بورقة المطالب ال19، وهي مطالب لا تستطيع أي كتلة، لا تخطيها ولا الالتزام بها، إذا ما كانت راغبة في الحصول على دعم الأكراد لتشكيل الحكومة.


لقد أصبح من الواضح أن أي تحالف نيابي لن يتمكن من تخطي سقف المطالب الكردية، وفي الآن ذاته لن يتمكن لا من المغامرة بتحديها ولا تلبيتها. وهذا وجه آخر من أوجه أزمة تشكيل الحكومة بوصفها أزمة عامل داخلي. بيد أن ورقة المطالب الكردية هذه، يمكن لها أن تصبح ورقة ضغط، بوسع أي كتلة استخدامها للضغط على قوة أخرى منافسة. أي أن مطالب تطبيق المادة 140 ليست شرطا مطلقا لا رجعة عنه؛ بل هي مصممة لتثبيت الحصة القديمة.


لقد طرح ائتلاف دولة القانون على القائمة العراقية، بعد مشاوراته في أربيل مع التحالف الكردستاني، القبول بنوع من تقاسم سلطة يصبح فيه مرشح العراقية رئيسا للجمهورية، مقابل بقاء منصب رئيس الوزراء في يد المالكي، بينما طرحت العراقية على ائتلاف دولة القانون، بعد عودة قادتها من لقاء مماثل في أربيل، الخيار نفسه مقلوبا، أي القبول بمنصب رئيس الجمهورية بديلا من تشبثها بمنصب رئيس الوزراء. لكن كلا من ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية، يعلم أن هذا المنصب- وفي الظروف الراهنة-سيظل حكرا على الأكراد. ولذلك اتخذت محاولات جذب الأكراد من جانب هذا الطرف أو ذاك، طابع المناورة بأكثر مما أخذت طابع المشاورات الجدية للتقارب.


2: العامل الخارجي.. ساحة للصراع الأمريكي الإيراني






تبدو إيران وكأنها تدير اللعبة من وراء الكواليس، ترغب في استبعاد إياد علاوي من ساحة التنافس على المنصب، وهذا أمر يقر به علاوي نفسه، ولذا فهي تجد في تشجع المالكي على مواصلة طرح نفسه كمرشح، وسيلة ممتازة لاستبعاد علاوي من التنافس
في الواقع، لم تعد مسألة تشكيل الحكومة "موضوعا عراقيا" خالصا، يمكن معالجته بوسائل الحوار الداخلي. والأدّق أنها تحولت إلى موضوع إقليمي- دولي بات يتطلب حوارا من نوع جديد، تشارك فيه قوى إقليمية ودولية متعددة، ومعنية مباشرة بالحالة في هذا البلد. وهذا وضع شبيه بالحالة اللبنانية بعد انتخابات 2009، عندما فاز السنة، أي تحالف تيار المستقبل، وخسر الشيعة أي حزب الله وحلفائه. لقد تطلب حل أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية، والتوافق على رئيس الجمهورية ميشيل سليمان، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، تنظيم طاولة حوار في الدوحة بعد تفاهم إيراني- سعودي – سوري. إن العامل الخارجي في الحالة العراقية، قد يصبح في لحظة من لحظات الاستعصاء السياسي، عاملا حاسما لا مناص منه للخروج بصيغة توافقية. صحيح أن المرشحين الثلاثة، أياد علاوي ونوري المالكي وعادل عبد المهدي، يتمتعون سواء داخل كتلهم الانتخابية أم في دائرة جماهيرية أوسع، بالقدر نفسه تقريبا من التفضيل، بيد أن الصحيح كذلك، أن تعدد المرشحين هذا، وتعدد وتنافر المصالح الحزبية، من شأنه أن يعقدّ من إمكانية التوصل إلى تفاهم مثمر قبل عدة أشهر من الآن (شهران أو ثلاثة في أحسن التقديرات).

إن إيران التي تبدو وكأنها تدير اللعبة من وراء الكواليس، ترغب في استبعاد إياد علاوي من ساحة التنافس على المنصب، وهذا أمر يقر به علاوي نفسه، ولذا فهي تجد في تشجع المالكي على مواصلة طرح نفسه كمرشح، وسيلة ممتازة لاستبعاد علاوي من التنافس، ولكن مع الحرص الشديد على جذب القائمة العراقية، أي حملها على التخلي عن زعيمها والانخراط في عملية سياسية جديدة. وبهذا المعنى فقط، يتوجب رؤية التكتيك الإيراني بوصفه تكتيكا مزدوجا لا يستهدف فرض المالكي، بقدر ما يستهدف إبعاد علاوي في المرحلة الأولى، تمهيدا لاستبعاد المالكي نفسه في مرحلة تالية. وبينما تبدو الولايات المتحدة وكأنها تتدخل علنا في مسألة تشكيل الحكومة، من خلال زيارات نائب الرئيس جو بايدن المتكررة، ومشاوراته مع قادة الكتل الفائزة؛ فإنها وهي تفعل ذلك، تجد نفسها مضطرّة إلى الدخول على خط تفضيل إيران للمالكي، ولكن من دون أن يتحول هذا التفضيل إلى عامل ضغط حقيقي، وذلك ما يترك لها مساحة أفضل من المناورة للتفاهم مع طهران على مرشح رابع للتسوية، بديلا من علاوي والمالكي وعبد المهدي في وقت واحد.


ولذلك، فمن المتوقع أن يكون العراق خلال المرحلة المقبلة أمام السيناريو التالي:



1 : خلال الأسابيع القليلة القادمة سوف ينحصر التنافس على منصب رئيس الوزراء داخل التحالف الوطني بين عبد المهدي وبين المالكي، بينما سيظل علاوي مؤقتا خارج دائرة التنافس، والأكراد بانتظار حسم السباق بين هذين المتنافسين.


2 : من المحتمل أن يفشل التحالف الوطني في حسم موضوع المرشح الواحد، وسيضطر إلى القبول بخيار الذهاب إلى البرلمان المعطل، بعد الحصول على فتوى قانونية تجيز دعوته إلى الانعقاد. ولعل الانقسام في الموقف من ترشيح المالكي داخل التحالف، وهو انقسام حقيقي تجلى بوضوح أكبر من المتوقع في مقاطعة المجلس الأعلى لاجتماع الحسم، سيبدو في أنظار كثيرين، تعبيرا عن رغبة وحاجة المجلس للإبقاء على مرشحه عبد المهدي كورقة ضغط، بأكثر مما هي تعبير عن قدرته على فرضه كمرشح بديل، بينما تبدو موافقة كتلة الأحرار(الصدريون) المفاجئة على التصويت لصالح المالكي، وهي التي تتخذ موقفا مناوئا له، تعبيرا أكثر وضوحا من المعتاد عن فاعلية العامل الإقليمي، وحدود تأثيره وقدرته على تشكيل المعادلة الداخلية، فقد اضطرّ الصدريون أخيرا إلى التخلي عن موقفهم التقليدي تحت ضغط هذا العامل، وصوتوا بشروط لصالح مرشح، أبدوا ما يكفي من الاعتراض عليه. والدلائل كلها، تؤكد أن الخيار الوحيد المتروك أمام التحالف، بعد فشل مكوّناته في الاتفاق على مرشح واحد، سيكون خيار الذهاب جماعيا إلى البرلمان، باعتماد آلية جديدة للتوافق، تقوم من بين ما تقوم على طرح الأسماء الثلاثة للتصويت.


3: في حال ذهبت الكتل الفائزة إلى البرلمان، سيجري في المرحلة الأولى تكليف إياد علاوي زعيم القائمة العراقية تشكيل الحكومة خلال مهلة 15-20 يوما، ولكن هذا التكليف– المحسوب بدقة– سيراهن على تعطيل فوزه من خلال امتناع ائتلاف دولة القانون والتحالف الوطني عن الدخول مع العراقية في ائتلاف برلماني لتشكيل الحكومة.


4: في حال فشل علاوي في تشكيل الحكومة، وواجه رفضا علنيا من الكتل الكبيرة (الشيعية باستثناء الصدريين) فإن خيار طرح اسم المالكي كمرشح بديل، سيكون بداية مرحلة ثانية من الصراع داخل البرلمان. وسيواجه المالكي المأزق نفسه الذي واجه علاوي، فلا العراقية ستكون حاضرة في البرلمان (91 صوتا ) للتصويت ضده أو لصالحه- وستفضل خيار التعليق المؤقت لوجودها في البرلمان بانتظار نتائج التنافس واحتجاجا على حرمانها من فرصتها الأخيرة-ولا التحالف الوطني (70 صوتا ) يمكن أن يقبل به، ما دام مرشحه عادل عبد المهدي سيحظى بفرصة مماثلة. ولذلك، سُيترك للصدريين (النواة الصلبة داخل التحالف) أن يلعبوا دور المعطل لتكليف المالكي، تطبيقا لشروطهم المحددة (أي اشترك العراقية) بينما سيلتزم التحالف الكردستاني موقف المراقب.


5 : في النهاية سيتقدم الائتلاف الوطني منفردا - من دون دولة القانون شريكه في التحالف الوطني- باسم مرشحه عادل عبد المهدي. وفي هذه الحالة ستعود العراقية بنوابها إلى البرلمان من أجل مساومات اللحظة الأخيرة، للحصول على تعديل لحصتها في السلطة. ومن المحتمل أن مرشح الائتلاف الوطني سيواجه المصير نفسه، بامتناع العراقية وائتلاف دولة القانون عن التصويت لصالحه.. وبذلك، تنتهي من الناحية الدستورية، المرحلة الثالثة ويصبح الصراع على المرشح الواحد من جديد، مادة للتجاذب السياسي والمشاورات الداخلية والإقليمية خارج البرلمان.


6 : في هذا السياق سيلعب العامل الخارجي دوره الحاسم من خلال تفاهم إيراني- أمريكي على مرشح تسوية (وسيكون حصرا من ائتلاف دولة القانون وقد يكون جعفر باقر الصدر ) بما يطمئن حزب الدعوة، ببقاء المنصب شكليا في قبضته بعد التخلي عن المالكي، وفي الآن ذاته، الحصول على موافقة الأطراف الأخرى لتشكيل حكومة توافق وطني.


7 : بعد التوافق السياسي على تشكيل الحكومة من نواب الكتل الفائزة، وبرئاسة مرشح التسوية، سيجري التوافق بين الكتل على ثلاث مسائل أساسية:



أ : تشكيل ما يسمى حكومة شراكة وطنية، تراعي مسألة " تعديل " حصة السنة من خلال دمج القائمة العراقية بأغلبيتها السنية في عملية سياسية جديدة، ولكن من دون علاوي.


ب : حل التحالفات والائتلافات القائمة والإعلان عن قيام تحالف حاكم، هو خلاصة دمج كل الكتل والقوائم الفائزة. وهذا ما يطمئن العراقية إلى وجودها في قلب المعادلة من دون علاوي.


ج : معالجة الملف الأمني من خلال تشكيل جهازين جديدين للمخابرات والأمن الداخلي، سيكون معظم أفرادهما من مناطق غرب العراق(الرمادي، الفلوجة، بيجي) وذلك لطمأنة أهل السنة، بأن حصتهم السياسية في النظام، تتلازم مع وجود غطاء امني مناسب، ومتوازن مع القوة الشيعية. وهذا من شأنه التمهيد لأوسع عملية دمج لما يسمى " بقايا " النظام الشمولي السابق.



في الأشهر الأولى التي أعقبت احتلال العراق، كتب بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق الفكرة التالية :


إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد نظاما سياسيا في العراق، يلعب فيه رجال الدين الشيعة دورا مهيمنا، وأن يتمكن هذا النظام في مرحلة ما، من دمج " بقايا النظام الشمولي السابق", ولكن مع دور خاص لطهران في ضبط إيقاع اللعبة.
_______________
كاتب عراقي