مستقبل غزة: الخروج من فم الكماشة

تتحكم في مستقبل غزة عدة عوامل، منها ما يساعد على الاستقرار، ومنها ما يزعزعه، وحتى وإن كانت العوامل الثانية كثيرة إلا أن طريقة تعامل الفصائل الفلسطينية معها تظل الأمر الحاسم.
5 سبتمبر 2010







 

وليد عبد الحي


يتحكم في مستقبل الوضع في قطاع غزة منذ الانقسام الفلسطيني ثلاث دوائر متداخلة يؤثر كل منها في الأخرى، وهي:


أولا: الدائرة المحلية، وتضم هذه الدائرة دوائر فرعية، هي:



  1. حركة حماس.
  2. السلطة الفلسطينية.
  3. الوضع الاقتصادي في قطاع غزة.
  4. الكثافة السكانية في القطاع.

ثانيا: الدائرة الإقليمية، وتضم الدوائر الفرعية التالية:



  1. إسرائيل.
  2. مصر.
  3. إيران.
  4. تركيا.
  5. المجتمع المدني العربي.

ثالثا: الدائرة الدولية، وتضم الدوائر الفرعية التالية:



  1. الولايات المتحدة.
  2. الاتحاد الأوروبي.
  3. الأمم المتحدة.
  4. الرأي العام الدولي.

السيناريو المستقبلي المرجح


ذلك يعني أن تحديد مستقبل قطاع غزة يحتاج من الناحية المنهجية إلى تحليل التأثير المتبادل بين 13 متغيرا فرعيا، ثم تحديد المتغيرات الأكثر تأثيرا في تحديد هذا المستقبل، والمتغيرات الأكثر تأثرا بغيرها.


ولنتمكن من تحديد الاحتمالات المستقبلية لابد من فهم التشابك بين هذه المتغيرات كلها، ووزن كل متغير منها في رسم ملامح الصورة المحتملة.


أولا: الدائرة المحلية 


1- حركة حماس



يمكن تحديد إستراتيجية إسرائيل في التعامل مع قطاع غزة في عدد من البدائل تلتقي كلها عند نقطة محددة هي "تحويلها إلى ضفة غربية أخرى" من حيث السلوك السياسي
رغم أن قبضة الحركة على قطاع غزة غير معرضة للاهتزاز داخليا من قِبل أي من التنظيمات الموجودة في الوقت الحالي، إلا أن الحركة تعيش في بيئة إقليمية يطغى عليها القلق من نجاح أي نموذج سياسي يستند للمنظور الديني.

كما أن القوى الإقليمية التي تتعاطف مع هذه الحركة الدينية تعاني هي الأخرى من أنماط مختلفة من الحصار، مثل الحال مع إيران (مشكلات داخلية وإقليمية ودولية)، وسوريا التي رغم تراخي الضغوط عليها فإن إستراتيجيتها الإقليمية لا تجد قبولا كافيا من قبل دول المنطقة.


من ناحية أخرى، تجري عمليات اجتثاث مواصلة لكوادر الحركة في الضفة الغربية؛ مما أضعف قدرة الحركة على الرد على العمليات الإسرائيلية ضدها من اغتيال أو قصف مراكز تجمع لمقاتلي الحركة أو تدريبهم، وهو ما يجعل صورة الحركة كتنظيم مقاوم تبهت بشكل تدريجي في نظر المجتمع الفلسطيني والعربي، لاسيما إذا جرى التمديد المستمر للهدنة المعلنة مع إسرائيل، وهو الأمر الذي يبدو أنه هو السائد حاليا.


2- السلطة الفلسطينية
من الواضح أن الإستراتيجية المهيمنة في دوائر السلطة الفلسطينية هي السعي إلى إعادة سلطتها إلى قطاع غزة بأي شكل من الأشكال.


وتعمل السلطة الفلسطينية على استغلال ظروف الحصار على غزة من خلال خلق "نمو اقتصادي واستقرار" في الضفة الغربية، بمساعدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، لتكريس مقارنة بين الحالتين في الضفة الغربية والقطاع في ذهن الفرد الفلسطيني، وهي مقارنة ليست في صالح قطاع غزة، بل وتشكل ضاغطا على حركة حماس.


ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية لن تقبل أي تعديل على الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية، وستستثمر كافة المعطيات المتاحة لزيادة الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري على حماس.


لكن فشل السلطة الفلسطينية في إنجاز أي تقدم في تحقيق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، وتسارع وتيرة السيطرة الإسرائيلية على الأرض، يغذي التأييد الشعبي لخيار المقاومة الذي تطرحه حماس، مع ضرورة التنبه إلى أن هذه التغذية قد تضعف إذا طالت فترة الهدنة مع إسرائيل، وتوقفت العمليات العسكرية، وهو ما قد ينعكس على الوضع الداخلي في حركة حماس بشكل سلبي.


3- الوضع الاقتصادي
يبلغ عدد سكان القطاع (1,500,202) نسمة طبقا لإحصاء عام 2008، تصل نسبة البطالة بينهم إلى 45،5%، وتصل نسبة الاعتماد على المساعدة الخارجية حوالي 86% طبقا لمعطيات عام 2010، وهو ما يعني زيادة تصل إلى 23% قياسا لعام 2006، أي أن الاعتماد على الخارج يتزايد بوتيرة عالية، وهو ما يجعل حرية اتخاذ القرار من قبل حركة حماس أقل، ويضيق خياراتها.


فإذا أضفنا لذلك، تراجع متواصل في قدرات القطاع الخاص المسئول عن 53% من القدرة التشغيلية، وتزايد النقص في إمدادات الطاقة، ومشكلات التلوث البيئي بشكل كبير يصل إلى 84 ألف م3 من المياه العادمة تُقذَف في البحر يوميا، رغم اعتماد نسبة مهمة من السكان على صيد السمك، تزداد الصورة قتامة.


4- الكثافة السكانية
تصل الكثافة السكانية في غزة 4117 فردا/كم2، وهو ما يعادل 11,2 ضعفا للكثافة في إسرائيل، و10,7 أضعاف في مصر، 56 ضعفا في الأردن. وحيث إن التكدس السكاني يشكِّل أحد عوامل تفجر العنف، فإن ذلك ينبئ بتوترات اجتماعية حادة، خصوصا إذا أضفنا لذلك أن معدل الخصوبة للمرأة في غزة يُعَد من أعلى النسب عالميا؛ حيث يصل إلى 5,19 طفلا للمرأة، بينما التوازن السكاني يحتاج إلى 2,1 طفل للمرأة.


ماذا نستنتج من الدائرة المحلية؟


إن المتغيرات الأربعة المركزية في هذه الدائرة ليست في صالح حركة حماس بشكل عام من ناحية، كما أن إسهامها في تفجر الوضع الداخلي يمثل احتمالا عاليا من ناحية أخرى.


ثانيا: الدائرة الإقليمية 


1- إسرائيل
يمكن تحديد إستراتيجية إسرائيل في التعامل مع قطاع غزة في عدد من البدائل تلتقي كلها عند نقطة محددة هي "تحويلها إلى ضفة غربية أخرى" من حيث السلوك السياسي، أي أن توافق على خيارات أوسلو، وخارطة الطريق، والتوقف عن المقاومة، والتنسيق الأمني، والتنمية الاقتصادية المرتبطة بالشروط السياسية الإسرائيلية.


لذا فإن الخيارات لتحقيق ذلك هي:



  1. التصفية العسكرية للتنظيمات الفلسطينية على غرار ما جرى في الضفة الغربية. ويُعد هذا البديل الأكثر تكلفة لإسرائيل سياسيا وعسكريا، لاسيما في ظل تنامي الصورة السلبية عنها لدى الرأي العام الدولي بعد تقرير غولدستون، وسفينة الحرية التركية، والتقارير الدولية عن الأوضاع المأساوية في القطاع.


  2. تأجيج النزاعات بين التنظيمات الفلسطينية داخل القطاع وإغراقه في ما يشبه الحرب الأهلية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التكتيكات التالية:




    • من الضروري التنبه إلى أن تركيا تتنازعها توجهات متناقضة، فهي تسعى بكل قوة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من ناحية، وتحاول أن توسع من مجالها الحيوي في غرب آسيا بما فيها المنطقة العربية من ناحية أخرى.
      اغتيالات لبعض قادة التنظيمات في قطاع غزة بشكل يعيد هذه التنظيمات إلى القيام بعمليات معينة تعارضها حركة حماس (كالعمليات الاستشهادية، أو قصف صاروخي على إسرائيل، أو اغتيالات غامضة لبعض قيادات حماس أو فتح بشكل يفتح المجال لاتهامات متبادلة بين التنظيمين فيتجدد الصراع بينهما، خاصة إذا استمر فشل الحوار الفلسطيني). ويعد هذه البديل هو الأفضل والأقل تكلفة لإسرائيل.
    • محاولة خلق قنوات اتصال مع بعض المعتدلين في حركة حماس، وتقديم بعض المكاسب لهم في مجالات معينة بهدف جذبهم نحو خيارات غير خيار المقاومة؛ مما يؤدي إلى تنازع داخلي على غرار ما جرى مع حركة فتح في مراحل مختلفة.
    • القيام ببعض العمليات السرية من خلال عملاء لإسرائيل بداخل التنظيمات في القطاع ضد مصالح عربية أو إيرانية أو تركية، ومحاولة ربط ذلك بتنظيمات موجودة داخل القطاع بشكل يفجر النزاع بين التنظيمات.
    • التحريض الإعلامي واستغلال بعض القيود التي تضعها حركة حماس على بعض النشاطات أو التصرفات بدوافع دينية، لاسيما في الأوساط والتنظيمات العلمانية الفلسطينية.
    • توظيف الضغوط العربية والغربية على حركة حماس لقبول التوقيع على صيغة ورقة المصالحة المصرية دون تعديل، وهو الأمر الذي يفتح المجال لصراعات مع حركات فلسطينية أخرى كالجهاد الإسلامي، أو حدوث انشقاق داخل حماس.
    • استمرار الحصار الاقتصادي بأشكاله المختلفة، التضييق المستمر على اقتصاديات الأنفاق، بهدف المراهنة على اضطرابات شعبية بسبب الفقر.

2- مصر
يبدو أن الوضع الداخلي في مصر خلال العامين القادمين سيشغلها عن موضوع القطاع، (الانتخابات الرئاسية، والتوريث، وتنامي التوترات الاجتماعية الداخلية)، غير أن التوجه العام سيبقى على حاله: إغلاق الحدود، وإعاقة النموذج الديني من النجاح في غزة لما لذلك من انعكاسات على الداخل المصري.


3- إيران
تمثل هذه الدولة الدعم الأكبر ماديا ومعنويا لحركة حماس والجهاد الإسلامي، ولإيران مصلحة كبرى في تكثيف التأييد للقطاع لعدة أسباب، منها الرغبة في دعم حركة دينية سنية لإضعاف الدعاوى الخاصة "بالهلال الشيعي"، ثم لاستخدام نفوذها كورقة قابلة للمقايضة مع الدول الغربية التي تُشدِّد من حصارها على غزة.


ومن الضروري ملاحظة أن نسبة تدين المجتمع الإيراني أقل من النزعة الدينية في نظامها السياسي، وهو ما قد يشكل ضاغطا في مراحل لاحقة لتخفيف العلاقة مع التنظيمات الدينية الشيعية أو السنية، ولعل الشعارات التي طُرِحت خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة (بخاصة الشعارات التي تؤكد على الاعتناء بالداخل الإيراني أكثر من القضايا الإقليمية) تعزز هذا التوجه على المدى المتوسط.


غير أن التحول الإيراني عن مساندة حماس لن يحدث على الأرجح في المدى الزمني القصير.


4- تركيا
من الضروري التنبه إلى أن تركيا تتنازعها توجهات متناقضة، فهي تسعى بكل قوة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من ناحية، وتحاول أن توسع من مجالها الحيوي في غرب آسيا بما فيها المنطقة العربية من ناحية أخرى.


ورغم البعد الديني الذي يحدد بعض التوجهات الإستراتيجية التركية لاسيما في موقفها من حماس والقضية الفلسطينية بشكل عام، إلا أن من الضروري إدراك أنها أيضا عضو في حلف الأطلسي، وأن هذه العضوية تقيد بعضا من مرونة حركتها.


ويمكن اعتبار التحولات التي أصابت التوجهات التركية مكسبا لحركة حماس، إلا أن احتمالات تجاوز تركيا لنهجها الأتاتوركي في المدى القصير هي من قبيل التمنيات.


5- الرأي العام العربي
قد يكون هذا البعد هو الأكثر دعما لحركة حماس، وهو ما يتجلى في نشاطات المجتمع المدني العربي، رغم أن فعالية هذه المساندة بقيت محصورة في ما يمكن تسميته "الإسعاف السياسي"، والذي يتمثل في المساعدات الاقتصادية المدفوعة بدوافع سياسية أكثر من البعد الإنساني البحت، كما هو الحال في المساعدات المقدمة من المجتمعات الغربية.


ورغم أهمية هذا البعد، فإن آثاره الملموسة على الصعيد السياسي لن تظهر في المدى الزمني القصير.


ما الذي نخلص له من متغيرات البعد الإقليمي؟


من الواضح أن هذا البعد يشتمل على جوانب إيجابية (إيران والرأي العام العربي)، ومؤشرات أخرى تتراوح بين التأثير السلبي إلى حد ما وبين التأثير السلبي تماما، لكن وزن العوامل السلبية أقوى من وزن العوامل الايجابية في القدرة على التحكم بتفاعلات المشكلة.


ثالثا: الدائرة الدولية 


1- الولايات المتحدة
تقوم أسس السياسة الأمريكية مع قطاع غزة على الأبعاد التالية:






  • توقع حدوث تغير إيجابي ذي دلالة في الموقف الأمريكي خلال عهد أوباما هو أمر فيه مبالغة مفرطة، نظرا لعوامل هيكلية في السياسة الأمريكية.
    اعتبار حماس حركة "إرهابية" بكل ما يعنيه ذلك من تبعات سياسية مثل القطيعة الدبلوماسية معها، واشتراط قبولها بشروط اللجنة الرباعية للسلام في المنطقة، وتقليص علاقاتها مع إيران وسوريا وحزب الله.
  • مساندة موقف السلطة الفلسطينية في موضوع المصالحة.
  • تخفيف الحصار الاقتصادي عن القطاع طبقا للقواعد الإسرائيلية في هذا المجال.
  • تكثيف الضغوط على الدول العربية لتضييق تعاملها مع حركة حماس.
  • الاعتراض على لقاءات بعض الأطراف الدولية، مثل روسيا والصين أو بعض القادة الأوروبيين مع قيادات حركة حماس.

ذلك يعني أن توقع حدوث تغير إيجابي ذي دلالة في الموقف الأمريكي خلال عهد أوباما هو أمر فيه مبالغة مفرطة، نظرا لعوامل هيكلية في السياسة الأمريكية.


2- الاتحاد الأوروبي
يتسم الموقف الأوروبي من مشكلة غزة بعدد من السمات:



  • التباين التكتيكي مع الموقف الأمريكي؛ إذ يميل الأوروبيون إلى الاعتقاد بأن الحوار مع حركة حماس (سرا وعلانية)، قد يقود تدريجيا إلى تحول هادئ في موقف الحركة من إسرائيل، لاسيما إذا ترافق ذلك مع سياسة غض الطرف عن الضغوط الإسرائيلية على القطاع من ناحية وإرسال مبعوثين أوروبيين إلى غزة.
  • هناك بعض المسافة بين مواقف الدول الأوروبية إذا نُظِر إليها فرادى، ويمكن استثمار هذه المسافة دون الاعتقاد الواهم بأنها رحبة إلى حد ممارسة تمارين الفروسية فيها.
  • التحول المهم والتدريجي في موقف الرأي العام الأوروبي، وهو أمر تدل عليه استطلاعات الرأي العام الذي قامت به جهات أوروبية مختلفة (الاتحاد الأوروبي، وهيئة الإذاعة البريطانية..الخ). ويتضح هذا التحول الإيجابي في قوارب الإغاثة الأوروبية إلى غزة ومواقف بعض الجامعات والنقابات والأحزاب الأوروبية.

3- الأمم المتحدة
إذا استثنينا مجلس الأمن الدولي، فإن إسرائيل تنظر لكافة مؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها الخاصة بنظرة شك كبير، بل وتتهمها بالانحياز للطرف الفلسطيني. ولعل نظرة إلى قرارات الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو لجنة حقوق الإنسان ووكالة غوث اللاجئين...إلخ، تشير إلى مواقف إيجابية لصالح الطرف الفلسطيني.


غير أن انتقال قرارات الأمم المتحدة إلى حيز التنفيذ هو الأمر غير المتحقق منذ نشوء الدولة الصهيونية؛ مما جعل من وزن هذه القرارات لا يعدو مكسبا قانونيا أو أخلاقيا. ورغم أهمية البعد الأخلاقي والقانوني في الصراع السياسي، إلا أن تأثيره السياسي لا يظهر إلا بعد فترات زمنية طويلة جدا.


4- الرأي العام الدولي
أشرت في فقرة سابقة إلى التحول المهم في مواقف الرأي العام الأوروبي، وهو أمر ينطبق على تحول -ولو أقل وضوحا- في موقف المجتمع الأمريكي والآسيوي والأفريقي، وكل ذلك يشكل رصيدا إستراتيجيا لا يجوز التقليل من أهميته.


ويبدو أن إسرائيل بدأت تدرك ذلك، وهو ما يتضح في نماذج عديدة من الدراسات الإسرائيلية، بخاصة أنها تدرك أن أهمية الرأي العام في الدول الأوروبية في أنه هو صانع الحكومات في نهاية المطاف.


ومن المحتمل أن تعمل إسرائيل على استثمار بعض العمليات الهوجاء ضد المصالح الغربية من قبل بعض التنظيمات "الإسلامية" للتأكيد على أن حركة حماس ليست إلا امتدادا لهذه الحركات، وهو ما يتضح في التأكيد المستمر على وجود بعض الخلايا للقاعدة في القطاع، وذلك بهدف إضعاف تنامي التعاطف الدولي مع غزة.


ذلك يعني أن البعد الدولي يشتمل على عوامل لصالح غزة (الرأي العام الدولي)، وعوامل لصالحها بنسبة جيدة (الأمم المتحدة)، وعوامل أقل سلبية من المعتاد (الاتحاد الأوروبي)، وعوامل تحافظ على سلبيتها (الولايات المتحدة).


السيناريو المستقبلي المرجح 


عند رصد المتغيرات المركزية التي اعتبرناها حاكمة لتحديد مستقبل غزة، فإن كلا منها يترتب عليه نتائج سلبية وأخرى إيجابية؛ فالظاهرة الاجتماعية ظاهرة جدلية، أي أنها ليست خيرا مطلقا أو شرا مطلقا.





إن القدرة على التوفيق بين الثبات على الموقف الإستراتيجي لحماس من ناحية، وإدارة الصراع بقدر كبير من العقلانية من ناحية ثانية، هو الذي سيحدد مستقبل غزة.
وعند حساب عدد النتائج السلبية والإيجابية لاحتمالات استقرار الوضع في غزة أو عدم الاستقرار، يتبين أن احتمالات تفجر الوضع تظل أمرا راجحا في المدى المنظور، وذلك بالنظر إلى أن  السيناريو الأنسب لإسرائيل هو العمل على إشعال فتنة داخلية فلسطينية في قطاع غزة من خلال أيٍّ من التكتيكات التي عرضناها فيما سبق، سواء على شكل صراع داخلي بين أجنحة من حماس أو من خلال صراع بين حماس وتنظيمات فلسطينية أخرى قد تمدها دول عربية أو إسرائيل بالمال والسلاح.

ويترافق مع هذا التوجه استمرار الضغط العسكري الذي لا يصل إلى حد الهجوم الشامل، مع ربط تخفيف الحصار بمدى استجابة حماس لشروط إسرائيلية مختلفة.


ذلك يستدعي من قيادة حركة حماس قدرا هائلا من العقلانية في اتخاذ قراراتها من ناحية، والابتعاد عن ردود الفعل على تصرفات أي من التنظيمات في القطاع أو في الضفة الغربية بخاصة إذا تعرضت كوادرها للضغط في الضفة الغربية.


كما أن من الضروري التخلي عن التركيز على بعض شكليات السلوك الديني والتوجه نحو الهموم اليومية للفرد الفلسطيني في القطاع، وتعميق التفاهمات الإستراتيجية مع الفصائل الأخرى في القطاع.


إن القدرة على التوفيق بين الثبات على الموقف الإستراتيجي لحماس من ناحية، وإدارة الصراع بقدر كبير من العقلانية من ناحية ثانية، هو الذي سيحدد مستقبل غزة.
_______________
أستاذ جامعي وباحث في الدراسات المستقبلية

نبذة عن الكاتب