دور المرتزقة في حماية نظام القذافي

نظام القذافي استعان بالمرتزقة لقمع شعبه. وهم من دول مختلفة إفريقية وأوربية و عربية. وينتمي عدد منهم إلى قوات سابقة أنشأها القذافي تحت مسمى الفيلق الإسلامي أو الإفريقي.
1_1049601_1_34.jpg







 

بدر حسن شافعي


أثار استخدام العقيد الليبي معمر القذافي لمرتزقة أجانب وأفارقة من ذوي القبعات الصفراء عدة تساؤلات خاصة بأسباب لجوئه إليهم في مواجهة شعبه، لاسيما في ظل وجود القوات المسلحة الليبية، ثم عن ما هي نوعية هؤلاء وكيف يتم تجنيدهم؟ وما هو عددهم؟ وما هي المهام المنوطة بهم؟ وهل هذا الفعل مجرم دوليا؟ وما هي الآثار المترتبة على تدخل هؤلاء؟ بمعنى هل يؤدي استخدام هؤلاء إلى انتصار القذافي ونجاحه في السيطرة على مقاليد الأمور أم ستكون له أثار عكسية تؤدي إلى انهيار نظام حكمه؟


من هو المرتزق؟
أنواع المرتزقة في ليبيا
أسباب لجوء النظام الليبي للمرتزقة
المهام، التجنيد ، العدد، المقابل
الآثار المترتبة على استخدام القذافي للمرتزقة


من هو المرتزق؟ 


تعريف المرتزق في إطار القانون الدولي أو حتى الأفريقي ضروري في ظل الاختلاف بين الثوار الذين يرون أنهم مرتزقة، ونظام القذافي الذي يرى أن هؤلاء يحملون الجنسية الليبية، أو أن بعضهم من الأفارقة الموجودين في البلاد، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم المرتزقة عليهم.


لقد عّرفت الفقرة (أ) من المادة الأولى من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية، التي تم توقيعها عام 1977، بشأن حظر المرتزقة والتي صادقت عليها ليبيا عام 2005، المرتزق بأنه شخص:





يمكن القول بأن الكثير من الأجانب الأفارقة الذين شاركوا في القتال ضد الثورة لا يمكن وصفهم بالمرتزقة وفق قواعد القانون الدولي.
أ‌- يجند خصيصا للمشاركة في القتال في صراع مسلح.
ب‌- يشارك مباشرة في الأعمال العدائية.
ت‌- الباعث الأساسي له للمشاركة في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مكسب شخصي، ويوعد به فعلا من قبل طرف في الصراع أو نيابة عنه.
ث‌- ليس من رعايا "يحمل جنسية" أحد أطراف الصراع، أو من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة أحد أطراف الصراع.
ج‌- ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف الصراع.
ح‌- ولم يتم إرساله من قبل دولة ليست عضوا في الصراع في مهمة رسمية بصفته عضوا في القوات المسلحة التابعة لها.

ويلاحظ على هذا التعريف ما يلي:



  1. أنه تناول المرتزقة كظاهرة فردية، بمعنى أن معيار العدد قد لا يكون حاسما في هذا الشأن، فيمكن إطلاق اللفظ على المجموعات الصغيرة التي تحمل السلاح لحساب الغير.


  2. حصر وظائف المرتزقة في الأعمال العسكرية فحسب، وعدم التطرق للأعمال غير العسكرية. وقد يكون ذلك راجعا إلى الظرف التاريخي الذي وُقّعت المعاهدة في إطاره، حيث كانت ظاهرة الارتزاق مرتبطة بالتدخل العسكري المباشر.


  3. التأكيد على قضية الربح فيما يتعلق بأهداف المرتزقة.


  4. استبعاد بعض الفئات من التصنيفات الخاصة بالمرتزقة وشركات الأمن والتسليح الخاصة (1)، ومن بين هؤلاء المتطوعون الأجانب  في القوات المسلحة الوطنية من ناحية، والمجندون الأجانب دون الضباط في وحدات الجيش الوطني من ناحية ثانية. حيث استبعد البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف"12 أغسطس/آب 1949" والذي تم توقيعه عام 1977، المتطوعين الأجانب في حالة ما إذا كانت دوافعهم في الحرب أيدلوجية وليست مادية، كحال المجاهدين العرب في أفغانستان. أما بالنسبة للوحدات الأجنبية العاملة في الجيش الوطني، فإنها تختلف أيضا عن المرتزقة بالرغم من أنها تعمل أيضا خارج البلاد، كوحدات كورخا البريطانية العاملة في بروناي، والهند؛ والفيلق الأجنبي "الوحدة الأجنبية" في القوات الفرنسية والتي لعبت دورا هاما في قمع الثورة الجزائرية مما دفع ديجول إلى تصفيتها عام 1959، والحراس السويسريين في الفاتيكان. والسبب في استبعاد هؤلاء يرجع إلى النظر إليهم على أنهم جنود نظاميون مثل الجنود الوطنيين ويقومون بأداء قسم الولاء للدولة التي يعملون بها، ويخضعون لنفس النظام العسكري في الدولة الوطنية مثل باقي أفراد القوات المسلحة بها، كما أن اتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني يعتبرهم مثل القوات الوطنية، ومن ثمّ فهم مسئولون عن جميع تصرفاتهم داخل هذه الدولة.

أنواع المرتزقة في ليبيا 


في إطار ما هو متاح من معلومات من مصادر مختلفة عربية وأجنبية يمكن تقسيم هؤلاء العاملين مع نظام القذافي إلى نوعين أساسيين:



  • أولا: المرتزقة الوافدون إلى ليبيا خلال الثورة.
  • ثانيا: الأفارقة الموجودون في ليبيا قبل وأثناء الثورة.

بالنسبة للفئة الأولى "المرتزقة الوافدون إلى ليبيا خلال الثورة"، يقدر عددهم ببضعة آلاف، ومن ثم فهم أقل بكثير من الفئة الثانية التي تقدر بعشرات الآلاف. وهؤلاء تم استقدامهم  منذ اندلاع الثورة من خلال عدة طائرات، ويحملون جنسيات مختلفة أوربية وعربية وإن كان معظمها أفريقية. وتبين بطاقات الهوية التي كانت مع الذين تم أسرهم من قبل رجال الثورة، انتماء هؤلاء لعدة دول أفريقية مثل تشاد، الكونجو الديمقراطية، غانا، النيجر، مالي، السودان، موزمبيق وغيرها، هؤلاء قدموا إلى ليبيا من أجل الربح تحديدا، مثل بعض شباب غانا الذين أكدوا أن أصدقائهم تم التعاقد معهم على السفر إلى ليبيا مقابل 10 آلاف دولار، على أن يحصلوا على ألف دولار يوميا. كما أن مهمتهم محددة وهي المشاركة في القتال لقمع المتظاهرين، وهو ما أكده بعض هؤلاء الذين تم أسرهم، حيث أشار إلى أن المهمة هي الحصول على السلاح، واستخدامه لقمع المتظاهرين. ومعنى هذا أن هؤلاء مرتزقة بلا جدال وفق الشروط الست الواردة في الاتفاقية الأفريقية السابق الإشارة إليها، خاصة وأنهم لا يحملون الجنسية الليبية أو حتى من المقيمين في الأراضي الليبية وقت وقوع الحادث.


أما الفئة الثانية "الأفارقة الموجودون في ليبيا قبل وأثناء الثورة" فهي مثار جدل كبير سواء من حيث عددها، أو تقسيمها، أو حتى تصنيفها القانوني.





هناك فئة أخرى من المرتزقة الأوربيين الذين اعتمد عليهم القذافي في قيادة الطائرات المقاتلة الليبية لقمع المعارضة بعد رفض العديد من الطيارين الليبيين القيام بهذه المهمة. هؤلاء المرتزقة هم من الصرب.
فهذه المجموعة تضم الأفارقة المقيمين في ليبيا منذ فترة، ويقدر عدد هؤلاء بقرابة مليون شخص ينتمون إلى جنسيات أفريقية متنوعة معظمها من دول الجوار، ودول الظهير الساحلي للبحر المتوسط والتي تضم مالي، تشاد، النيجر. وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين أساسيين:

الأول عبارة عن المقاتلين السابقين الذين حملوا السلاح إلى جانب النظام الليبي في إطار ما عرف باسم الفيلق الإسلامي، والذي كان يستهدف إقامة دولة إسلامية في شمال أفريقيا، و يقدر عدد أفراده بعشرات الآلاف.هذا الفيلق تم تأسيسه أوائل السبعينات من القرن الماضي، وضم أفرادا عربا وأفارقة من جنسيات مختلفة خاصة من تشاد وقبائل الزغاوة الدرافورية. وخاض به القذافي معركة خاسرة في مواجهة تشاد المدعومة من الفيلق الفرنسي الأجنبي في الخلاف الحدودي حول شريط أوزو، وكانت النتيجة قيام القذافي بحل هذا الفيلق عام 1987. لكنه  أبقى على الكثير من المشاركين فيه، حيث منح بعضهم الجنسية، والبعض الأخر الإقامة حتى لا يتم وصفهم بالمرتزقة وفق اتفاقيتي جنيف والاتفاقية الأفريقية، فهؤلاء صاروا مواطنين ليبيين أو مقيمين في البلاد، ومن ثم لا يجوز وصفهم بالمرتزقة. وهذا ما جعل النظام الليبي يستخدم بعضهم في مواجهة الثوار في المواجهات الأخيرة، وكان الكثير منهم لا يتحدث اللغة العربية، بل يتحدثون الفرنسية والإنجليزية. وهنا يلاحظ استغلال القذافي الشروط المعقدة الواردة في هاتين الاتفاقيتين لتجنيد هؤلاء ضد الثوار مع عدم خضوعه للمساءلة القانونية في هذا الشأن، وهو ما دفع الكثير من منظري القانون الدولي إلى المطالبة بإجراء تعديلات على الشروط الواردة في هاتين الاتفاقيتين. كما تضم هذه الفئة أيضا الأفراد الأجانب الذين استقدمهم القذافي من العديد من الدول الأفريقية في إطار ما عرف بالفيلق الأفريقي الذي قام بتشكيله في إطار حديثه عن الوحدة الأفريقية، واعتبار هذا الفيلق نواة للجيش الأفريقي الموحد، حيث يتراوح عدد هؤلاء ما بين ألف وثلاثة آلاف، وهم إما متطوعون انضموا للخدمة في هذا الجيش ذو الأهداف النبيلة من وجهة نظر القذافي، أو مواطنون حصلوا على الجنسية أو الإقامة الليبية.


أما القسم الثاني، فهو يضم الأفارقة الموجودين في ليبيا، ولم يشاركوا في القتال ضد الثورة وهؤلاء هم الأكثرية، أو هؤلاء الذين قدموا إلى ليبيا كمحطة انتقالية إلى أوربا في إطار الهجرة غير الشرعية، إذ لا يمكن وصف هؤلاء بالمرتزقة ما داموا لم يشاركوا أيضا في القتال ضد الثورة.


وفي ضوء ما سبق، يمكن القول بأن الكثير من الأجانب الأفارقة الذين شاركوا في القتال ضد الثورة لا يمكن وصفهم بالمرتزقة وفق قواعد القانون الدولي، وهو ما جعل نائب وزير الدولة للشئون الخارجية الليبية يتحدى من يثبت وجود مرتزقة في البلاد. طبعا هو يقصد هؤلاء حاملي الجنسية أو الإقامة، وليس الفئة الأولى القادمة خصيصا للمشاركة في القتال بدافع الربح.


أسباب لجوء النظام الليبي للمرتزقة 


هناك أسباب عديدة تفسر حاجة النظام الليبي لهؤلاء المرتزقة، لعل أبرزها ما يلي:


أولا: ضعف المؤسسة العسكرية، وعدم قدرتها على مواجهة قوى المعارضة. وهو ما حدث في حالات أخرى مشابهة بدءا من زائير"الكونجو الديمقراطية حاليا" مرورا بإثيوبيا ووصولا إلى الصومال في الآونة الأخيرة. ويلاحظ أن النظام الليبي هو المسئول عن عملية الإضعاف هذه من أجل منع انقلاب المؤسسة العسكرية عليه، خاصة بعد تزايد المحاولات الانقلابية ضده خلال الفترة الأولى من حكمه، ومن ثم عمل على إيجاد أطر موازية مثل الميليشيات الشعبية، والكتائب الخاصة التي يقودها أبناؤه، خاصة الكتيبة 32 التي يقودها نجله الخميس، والتي تعد الأقوى حتى الآن.


ثانيا: تصدع المؤسسة العسكرية وامتناع القائمين عليها عن تنفيذ الأوامر الصادرة لهم بإطلاق النار على المدنيين الذين يضمون أقاربهم وذويهم وأبناء عمومتهم.


ثالثا: رغبة القذافي في حسم المواجهة مبكرا مع الثورة من خلال الاستعانة بهؤلاء من أجل العمل كقوة مساندة أو مضاعفة للقوات المسلحة من أجل سرعة قمع الثورة ومنع انتقالها من مدن الشرق، خاصة بنغازي، إلى مدن أخرى، بما في ذلك العاصمة طرابلس في الغرب، لذا حرص أن يشكل من هؤلاء تحصينات في مصراته التي تبعد 150كم شرق العاصمة كخط دفاع أول في مواجهة الثورة.


المهام، التجنيد، العدد، المقابل 


المهمة الأساسية للمرتزق كما أوضحت الفقرة الثانية من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية السابق الإشارة إليها هي المشاركة المباشرة في العمليات القتالية، وربما هذا أحد الفروق الهامة بين المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة التي لا يشترط قيامها بالمشاركة المباشرة في القتال، وإنما قد تساهم في عمليات تدريب القوات المسلحة، تقديم الدعم اللوجيستي، وضع الخطط وغيرها. لذا فقد اعترف بعض المرتزقة الذين تم القبض عليهم في أحداث الثورة الليبية بأن الأوامر الصادرة إليهم هي قتل المتظاهرين.





يلاحظ أن القذافي اعتمد على تجربة قديمة فاشلة، "المرتزقة"، ترتبت عليها الإطاحة بالعديد من النظم الحاكمة السابقة مثل موبوتو الذي كان مصيره الإبعاد والموت وحيدا في منفاه بالمغرب.
وإذا كان هذا يصدق بصفة عامة على المرتزقة الأفارقة، فإن هناك فئة أخرى من المرتزقة الأوربيين الذين اعتمد عليهم القذافي في قيادة الطائرات المقاتلة الليبية لقمع المعارضة بعد رفض العديد من الطيارين الليبيين القيام بهذه المهمة. هؤلاء المرتزقة هم من الصرب. وقد أكدت صحيفة daily Alo الصربية هذا الأمر، حيث أشارت إلي أن هذه ليست المرة الأولي التي يستأجر القذافي طيارين من صربيا. حيث تم ذلك خلال التسعينات في عملياته ضد المقاومة الإسلامية (2).

أما بالنسبة لكيفية تجنيد هؤلاء، فإن النماذج الأفريقية تشير إلى وجود عملاء " سماسرة " يقومون بتوفير هؤلاء الأشخاص، فلقد عهد رئيس زائير السابق موبوتو سي سيسكو إلى اثنين من الضباط الفرنسيين السابقين ضمن فريق حراساته الخاص وهما ألين لو كارو lain le Carro، وروبري مونتايو Robery Montayo، مهمة تجنيد ما بين 200-300 من المرتزقة من دول شرق أوربا لمواجهة المعارضة التي يقودها لوران كابيلا.


وفي حالة ليبيا أشارت بعض التقارير إلى أن القائم بعملية التجنيد للنظام الليبي هو العقيد عبد الله السنوسي المسئول عن منظمة أمن الجماهيرية منذ عام 1992، وأقاله القذافي بعد أسبوعين من الثورة.


فقد أشار موقع Inyan Merkazi العبري على النت بأن هناك شركة إسرائيلية مملوكة لأحد القادة العسكريين تعمل في تجنيد هؤلاء المرتزقة من بلدان عدة، وأن ممثلي هذه الشركة سافروا إلي تشاد لمقابلة السنوسي الذي وافق على الدفع للشركة من أجل تجنيد 50 ألف مرتزق من دول أفريقية مختلفة (3)، كما أكد بعض المرتزقة الذين تم القبض عليهم أن تجنيدهم تم لحساب اللجان الثورية. ووفق بعض الروايات الأخرى فإن عملية التجنيد تتم من خلال أحد أبناء عمومة القذافي ويدعى "إبراهيم القذافي، الذي يشرف شخصيا على جلب أولئك المرتزقة من خلال الشركة التي يرأس مجلس إدارتها وهي (تايم أويل) النفطية التي لديها فروع في 22 دولة أفريقية" (4).


ويلاحظ أن هؤلاء المرتزقة معروف أماكن تواجدهم، بل إن بعضهم يقوم بعرض خدماته من خلال بعض الإعلانات في الصحف والمجلات تحت عنوان جندي للإيجار، وقد قام بعض الجنود في غينيا ونيجيريا بعرض أنفسهم للعمل في ليبيا في ظل المرتبات الكبيرة التي تدفع لهم، والتي قدرت بألفي دولار يوميا (5)، خاصة بعدما سرت أخبار في غانا عن وجود بعض الغانيين يعملون في ليبيا مقابل 2500 دولار يوميا  . ومعنى هذا أن هناك العديد من الجنود الذين يعرضون خدماتهم مقابل العائد الكبير الذين يحصلون عليه، وهذا يفسر أسباب التنوع الكبير في جنسية هؤلاء حسب روايات الشهود ما بين جنسيات عربية ، وأفريقية، من تشاد وغانا ، والكونجو وموزمبيق وكينيا، يتحدثون الانجليزية والفرنسية، وغيرها. وبالرغم من أن العديد من الدول، مثل تشاد، نفت قيامها بتجنيد هؤلاء من أجل تجنب المساءلة القانونية، إلا أن القيادة السياسية في بعض الدول الأخرى مثل كينيا أكدت علمها بسفر مرتزقة عبر أراضيها إلى ليبيا للمشاركة في القتال، وهو ما أكدته صحيفة ديلي نيشن الكينية نقلا عن كل  من قائد القوات الجوية الكيني ومساعد وزير الخارجية.


أما عن عددهم، فيلاحظ وجود تضارب في التقدير، لاسيما وأن الموضوع محاط بقدر كبير من السرية من ناحية، فضلا عن تضارب أقوال شهود العيان من ناحية ثانية، لكن من الواضح أن أعداد هؤلاء لا تقل عن عشرات الآلاف، وهناك بعض التقديرات تشير إلى أن عددهم الآن يتراوح ما بين خمسين ألف إلى 150 ألف شخص، الكثير منهم كان موجودا قبل اندلاع الثورة، وحصل بعضهم وفق رئيس المجلس الانتقالي الحالي مصطفي عبد الجليل، الذي كان وزيرا للعدل، على الجنسية قبل الثورة، مما أثار حفيظته في حينها. ويلاحظ أن أساس هذا الرقم هو اعتبار الأفارقة الحاصلين على الجنسية أو الإقامة مرتزقة على خلاف القانون الدولي.


الآثار المترتبة على استخدام القذافي للمرتزقة 


يلاحظ أن استخدام القذافي لهؤلاء ترتبت عليه مجموعة من النتائج السلبية على غير مراده.


فمن ناحية أولى، أدى استخدام هؤلاء إلى زيادة حالة التمرد داخل المؤسسة العسكرية، وإعلان العديد من القادة الانضمام للشعب أو الفرار خارج البلاد.


ومن ناحية ثانية، فإن انتشار هؤلاء المرتزقة في الشارع أدى إلى حنق بعض القبائل علي القذافي بسبب الأعراف القبلية الرافضة للاستعانة بالأجنبي لمواجهة أبناء العمومة والوطن، ومن ثم انضم العديد من القبائل لصفوف المعارضة.





أدى استخدام المرتزقة إلى زيادة حالة التمرد داخل المؤسسة العسكرية، وإعلان العديد من القادة الانضمام للشعب أو الفرار خارج البلاد.
ومن ناحية ثالثة، فإن بروز هؤلاء ساهم في إصرار الشعب الليبي على التمسك بموقفه الثوري المطالب بإسقاط النظام، وفقدان الثقة فيه، ورفض فكرة الإصلاحات وأنصاف الحلول التي تعني وفق المنطق الثوري قمع كامل لهم . فلقد تيقن لهم أن النظام يسعى بكل ما أوتي بقوة (سواء أكانت هذه القوة داخلية " الجيش" أو حتى خارجية " المرتزقة الأجانب) لسحقهم باعتبارهم مجموعة من "الجرذان والمأجورين"،  ومن ثم لا بديل عن الصمود.


ومن ناحية رابعة، فقد أدى بروز هؤلاء إلى عدم التعاطف الدولي مع نظام القذافي، بل واضطرار المجتمع الدولي إلى إصدار حزمة من العقوبات ضده، بما فيها إمكانية تحويله للمحكمة الجنائية الدولية بسبب ممارساته، ثم فرض حظر جوي واستعمال القوة لحماية المدنيين.


وهكذا يلاحظ أن القذافي اعتمد على تجربة قديمة فاشلة، "المرتزقة"، ترتبت عليها الإطاحة بالعديد من النظم الحاكمة السابقة مثل موبوتو الذي كان مصيره الإبعاد والموت وحيدا في منفاه بالمغرب.
___________________
أستاذ العلوم السياسية الزائر بجامعة قناة السويس-مصر


مصادر
(1) حول هذه الفئات أنظر
Fred Schreier and Marina Caparini, "Privatising Security: Law, Practice and Governance of Private Military and Security Companies", Occasional Paper
( Geneva: Geneva Centre for the Democratic Control of Armed Forces (DCAF), No.6, March 2005) P.14.
(2) Special Commentary: Can African Mercenaries Save the Libyan Regime؟... للاطلاع إضغط هنا.
(3) http://www.ww4report.com/node/9576
(4) لمزيد من التفاصيل أنظر المرتزقة جنود القذافي ضد شعبه، الجزيرة نت ، 27/2/2011... للاطلاع إضغط هنا.
(5)  Ghanaian Mercenaries For Libya? In... إضغط هنا.





نبذة عن الكاتب