أميركا والإسلام السياسي: تحول من العسكرة إلى الاندماج والتحالف

تؤكد دراسة "أميركا والإسلام السياسي"، الصادرة عن معهد السياسات الاجتماعية والتفاهم، أن التيارات الإسلامية لا تعتنق جميعها منهج التطرف والعنف وتدعو أميركا لأخذ ذلك بالاعتبار، وتقترح أن سبب إخفاق إستراتيجية بوش في محاربتها "للإرهاب" هي وضعها الإسلاميين في سلة واحدة.







 

قراءة عمرو عبد العاطي


بدأت مراكز الفكر والرأي الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، تُولي اهتمامًا لدارسة الحركات الإسلامية داخل العالم الإسلامي وخارجه، أي بعد أن وصلت تهديداتها للأراضي الأميركية وعديد من الدول الأوروبية بل والإسلامية ذاتها؛ فتنوعت وتعددت الكتابات والدارسات والبرامج البحثية المهتمة بدراسة "الإسلام السياسي" سعيا إلى كشف ماهيته وسبر أغواره لتقديم فهم أعمق له، وهو ما اهتمت به المراكز والبرامج البحثية الأكاديمية. في حين ركزت دراسات وكتابات أخري على تقديم مقترحات وسياسات للإدارة الأميركية للتعامل مع الحركات الإسلامية من جهة، وتقييم السياسات التي اتبعتها الإدارات على أرض الواقع من جهة أخرى.





تجدر الإشارة إلى أن قضية تعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي ليست أولوية أميركية لإدارة الرئيس "باراك أوباما".
انقسمت تلك الكتابات إلى تيارين رئيسيين: أولهما داعٍ إلى العمل العسكري في التعامل مع الحركات الإسلامية غير مميز بين الحركات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة؛ انطلاقا من أن كليهما يمثل تهديدا للأمن والمصلحة القومية الأميركية بصفة خاصة والمصالح الغربية بصفة عامة. أما التيار الثاني فيتبنى رؤية مغايرة؛ إذ يدعو لضرورة الانفتاح الأميركي على الحركات الإسلامية في ظل تفرقته بين المعتدلين والمتطرفين الإسلاميين، وتوافر مصلحة متبادلة بين الطرفين (الأميركي والإسلامي المعتدل) في حال تحالفهما وتعاونهما.

تأتي الدراسة التي أصدرها معهد السياسات الاجتماعية والتفاهم Institution for Social Policy and Understanding  في ديسمبر/كانون الثاني 2010 والتي حملت عنوان "أميركا والإسلام السياسي: تحول من العسكرة إلى الاندماج والتحالف"* ضمن التيار الثاني. وتكمن أهمية تلك الدراسة في ثلاثة اعتبارات:



  • أولها: متعلق بالمعهد الصادر عنه الدراسة؛ حيث إنه من المراكز البحثية الأكاديمية التي تُولي اهتمامًا لدراسة القضايا المرتبطة بمجتمع المسلمين داخل الولايات المتحدة الأميركية، وتقديم فهم أعمق لهم ولقضاياهم. وكذلك لقضايا السياسة الداخلية الأميركية لا سيما التغيرات والتحولات المجتمعية، وسياساتها الخارجية تجاه قضايا العالم الإسلامي.


  • الاعتبار الثاني: يتعلق بكاتب الدارسة وهو الدكتور "معتز عبد الفتاح" أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميتشغان، وهو أحد المتخصصين في دراسة القضايا المتعلقة بظاهرة الإسلام السياسي وقضية الديمقراطية في الإسلام، التي كانت موضوع رسالته لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، ناهيك عن كتاباته ودراساته المتعلقة بقضايا العالم الإسلامي والسياسة الخارجية الأميركية تجاهه باللغتين العربية والإنجليزية. ويدير معتز حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميتشغان المركزية بالولايات المتحدة الأميركية.


  • الاعتبار الثالث والأخير: يتمثل في محتوي الدراسة التي تقدم تقييمًا للإستراتيجية التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي "جورج دبليو بوش" خلال سنواتها الثماني في البيت الأبيض تجاه الحركات الإسلامية. وتقديمها رؤية بديلة لإدارة "باراك أوباما" أكثر نجاحا مع الحركات الإسلامية التي بدأ دورها يتزايد على الساحة السياسية في العالم الإسلامي مؤخرا.

انطلقت الدراسة من إخفاق الإستراتيجية التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق "جورج دبليو بوش" تجاه الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي لانطلاقها من فرضية أن معظم -إن لم يكن كل- الحركات الإسلامية يتبنى منهج العنف والتطرف، وأن لها أجندة عالمية تهدف إلى تهديد المصلحة والأمن القومي الأميركي والغربي؛ ولذا اعتمدت الإستراتيجية على استخدام القوة الصلدة (Hard Power) متمثلة في القوة العسكرية في تعاملها مع تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية. ومع إضافة الإدارة السابقة بُعد "الدمقرطة" إلى إستراتيجيتها فإنها سرعان ما تراجعت عنه مع تحقيق الإسلاميين مكاسب سياسية في انتخابات 2005 و2006. ولإخفاقات تلك الإستراتيجية في تحقيق الأمن والمصلحة القومية الأميركية من جهة، وانعكاساتها السلبية على العالم الإسلامي من جهة أخري، فنَّد كاتب الدراسة منطلقات إستراتيجية "بوش الابن"، وقدم مقترحات لإستراتيجية جديدة تتبناها إدارة "باراك أوباما" مع الحركات الإسلامية في ظل انفتاحها على العالم الإسلامي وقضاياه.


وفيما يلي قراءة في النقاط الأربع التي طرحتها الدراسة إضافة إلى رؤية ختامية للقراءة، وهي كالآتي:



هل الإسلاميون فصيل واحد؟ 


انطلقت إدارة الرئيس الأميركي "بوش الابن" في تعاملها مع الحركات الإسلامية من قناعة: "حجم واحد يناسب الجميع" أي "التعامل مع الجميع بسياسة واحدة"، وذلك في وقت تتمايز فيه الحركات الإسلامية فيما بينها على أساس أجندتها وأيديولوجيتها وأساليب عملها، والتي تنقسم إلى تيارين رئيسيين حسب منظورها لاستخدام العنف والقوة؛ هما كالأتي:





يدعو كاتب الدراسة إدارة "أوباما" لإنجاح إستراتيجيتها في التعامل مع الحركات الإسلامية -لاسيما المعتدلة منها والرافضة للعنف- إلى أن تركز الولايات المتحدة على الانخراط في تعزيز المشاركة السياسية والديمقراطية والحريات باعتبارها إحدى القيم الأميركية العليا.
التيار الأول: يضم الحركات الإسلامية التي تتبنى العنف والقوة في تنفيذ أجندتها مثل "تنظيم القاعدة"، و"حركة حماس" و"حزب الله اللبناني". وتذهب الدارسة إلى أنه ليس كل الحركات الإسلامية التي تتبنى منهج القوة والعنف ذات أجندة دولية، بل هناك نوع يعمل في نطاق جغرافيا سياسية محدد، مثل إسرائيل والأراضي الفلسطينية بالنسبة لحركة حماس، ولبنان وشمال "إسرائيل" بالنسبة لحزب الله اللبناني، وباكستان وأفغانستان بالنسبة لحركة طالبان غير المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة. وهي الحركات التي يطلق عليها "فواز جرجس" في كتابه "كيف يصبح الجهاد عالميا؟" "القوميين الدينيين Religious Nationalists" وهم الذين يتبنون أجندة تميزهم عن الحركات العابرة للحدود مثل تنظيم القاعدة.


التيار الثاني: ويأتي في مقابل التيار المذكور آنفا، حركات إسلامية لها أجندات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ترفض استخدام القوة ضد حكوماتها ومجتمعاتها –خاصة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية- وهي التي لم يتم إدراجها ضمن التصنيف الأميركي للجماعات الإرهابية الدولية التي تهدد المصلحة والأمن القومي الأميركي.


وهذه الحركات ترفض استخدام العنف رغم كل الصعاب والدواعي التي قد تضغط عليها باتجاه استخدامه، لأنها على يقين من أن العنف ضد الأنظمة التسلطية التي تحكمها، لا يأتي إلا بنتائج عكسية سيحول دون تحقيقها لأهدافها السياسية، لا سيما أن الأجهزة الأمنية لهذه الأنظمة مجهزة ومدربة جيدا للتعامل مع هكذا خيار.


إخفاق سياسة بوش تجاه الإسلاميين 


إن عدم إدراك إدارة الرئيس الأميركي الأسبق "بوش" لهذا التعقيد والتشابك في ظاهرة الإسلام السياسي، والانطلاق من فرضية أن الإسلاميين –كلهم- متطرفون ولديهم أجندة عالمية يمثل خطأ إستراتيجيًا، دفع الإدارة لصياغة إستراتيجية للتعامل مع الجماعات الإسلامية المتبنية للقوة والعنف متغافلة عن صياغة إستراتيجية متماسكة للتعامل مع الحركات الإسلامية الرافضة لاستخدام القوة والعنف، والتي حققت مكاسب في الانتخابات خلال العقد الماضي، والتي أصبحت أغلبية داخل تيار الإسلام السياسي.


فقد ركزت إستراتيجيتا بوش لمكافحة الإرهاب الصادرتان في فبراير/شباط 2003 وسبتمبر/أيلول 2006 على العمل العسكري-الأمني؛ فإستراتيجية 2003 قامت على تحقيق أربعة أهداف رئيسية، هي:



  1. هزيمة الإرهابيين وتفتيت منظماتهم.
  2. عدم توفير الدعم والملاذات الآمنة للإرهابيين.
  3. تعزيز الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب، وتقوية الدول الهشة والضعيفة في حربها ضده.
  4. حماية المصالح والمواطنين الأميركيين.

وفي إستراتيجية 2006 تم إضافة الالتزام الأميركي بقضية الديمقراطية باعتبارها الترياق طويل الأجل للأيديولوجية المتطرفة الإرهابية.


كانت تلك الإستراتيجيات محل انتقاد لكونها غير فاعلة من جهة، وأنها تحمل بذور فنائها من جهة أخرى؛ فلم تركز على الجماعات الإسلامية المعتدلة الرافضة للعنف. ناهيك عن تصنيفها لكل الحركات الإسلامية على أنها متبنية للعنف ومعادية للولايات المتحدة مع أن الكثير من تلك الحركات مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس لم تنخرط في تنفيذ هجمات ضد أهداف أميركية وغربية. ومساواة تلك الحركات بتنظيم القاعدة يعزز من فرضية أن الولايات المتحدة مستهدفة من العالم الإسلامي على المدى الطويل، وتلك الرؤية غير الصحيحة سوف تجمع الأعداء المحتملين ضد الولايات المتحدة، وتزيد من احتمالات ومخاطر تهديد مصالحها.


وإذا أُجريت انتخابات حرة ونزيهة داخل الدول الإسلامية فإنه لا يمكن إنكار تحقيق الحركات الإسلامية المعتدلة والرافضة للعنف مكاسب سياسية تصل إلى تحقيق الأغلبية في البرلمانات الإسلامية، أو على الأقل تمكنها من أن تكون معارضة قوية لها دور في تشكيل الأجندة السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ وذلك نظرا لما تتمتع به من شعبية داخل الشارع السياسي.


وهو الأمر الذي يدعو إلى إحداث تحول في إستراتيجية تعامل الإدارة الأميركية مع ظاهرة الإسلام السياسي من التركيز على المواجهة الأمنية للحركات الإسلامية المتبنية لمنهج العنف والتطرف -رغم أنها تشكل أقلية داخل تيار الإسلام السياسي- للتركيز بصورة أكبر على الحركات الرافضة للعنف والتي يشكل التعاون معها مصلحة متبادلة بين الطرفين (الأميركي والإسلامي). وتقوم الإستراتيجية الجديدة -حسب كاتب الدراسة- على شقين: أولهما يتمثل في سياسات تعزيز الديمقراطية، وثانيهما متعلق بسياسات بناء سلام شامل في المنطقة.


أربع معضلات لتعزيز الديمقراطية 


بداية تجدر الإشارة إلى أن قضية تعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي ليست أولوية أميركية لإدارة الرئيس "باراك أوباما"؛ فللمرة الأولى منذ الرئيس الأميركي رونالد ريجان (1981) غابت قضية الديمقراطية عن خطاب التنصيب للرئيس "أوباما" في العشرين من يناير/كانون الثاني 2009، وذكر "الحرية" ثلاث مرات، في حين استخدمها الرئيس الأسبق "بوش الابن" أربعًا وعشرين مرة في خطاب تنصيبه عام 2005.





من السهل التخلص من الأنظمة الاستبدادية التي لا تتمتع بشعبية، ولكن من الصعوبة إيجاد قيادة ديمقراطية تحافظ على تماسك الدولة من النزاعات الانفصالية.
وما يؤكد على غياب قضية الديمقراطية عن أجندة وزارة الخارجية الأميركية تصريح وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" في جلسة استماع لها بمجلس الشيوخ الأميركي في 13 يناير/كانون الثاني 2009 أن السياسية الخارجية الأميركية تقوم على ثلاثة أبعاد هي الدفاع والتنمية والدبلوماسية، ولم تذكر هي الأخرى كلمة الديمقراطية، ولم تعتبرها أحد محاور السياسة الخارجية الأميركية.

هذا التراجع في قضية الديمقراطية من على الأجندة الأميركية ليس وليد اللحظة، ولكن بوادره ظهرت مع تحقيق الإسلاميين مكاسب سياسية خلال عامي 2005 و2006؛ فعقب تلك الانتخابات تراجع الاهتمام الأميركي بدمقرطة العالم الإسلامي؛ فعند حساب تردد كلمات "الديمقراطية"، و"الحرية" و"حقوق الإنسان" في تصريحات مسؤولي إدارة "بوش الابن" يظهر أن هناك تذبذبًا فيما يتعلق بالالتزام الأميركي اللفظي بالديمقراطية.


لذا، يدعو كاتب الدراسة إدارة "أوباما" لإنجاح إستراتيجيتها في التعامل مع الحركات الإسلامية -لاسيما المعتدلة منها والرافضة للعنف- إلى أن تركز الولايات المتحدة على الانخراط في تعزيز المشاركة السياسية والديمقراطية والحريات باعتبارها إحدى القيم الأميركية العليا. والتأكيد على تلك القيم يُعد أحد مصادر قوة الولايات المتحدة الناعمة. ولكي تتجنب إدارة "أوباما" الفخ الذي وقعت فيه الإدارات السابقة فإن عليها الاستمرار في براغماتيتها المستندة على المبادئ. وعلى العموم إن نجاح إدارة "أوباما" في تعزيز الديمقراطية مرتبط بنجاحها في التعامل مع أربع معضلات تواجه بناء الديمقراطية في العالم الإسلامي، هي:


1. الديمقراطية وفخ عدم الاستقرار
تتسم الدول الإسلامية بصفة عامة والعربية خاصة بأن هناك ارتباطًا قويًا لا ينفصم بين سلطة الحكم وشرعية النظام وسيادة الدولة، وأي تحول في سلطة الحكم سيكون له كبير الأثر على باقي العناصر. وقد كان هذا جليًا في الإطاحة بالرئيس الصومالي "سياد بري" في 1991، و"حركة طالبان" في 2001، و"صدام حسين" في 2003، وهي أمثلة قد تكرر في الدول التي لا يتوافر فيها نسيج اجتماعي قوي مترابط.


فمن السهل التخلص من الأنظمة الاستبدادية التي لا تتمتع بشعبية، ولكن من الصعوبة إيجاد قيادة ديمقراطية تحافظ على تماسك الدولة من النزاعات الانفصالية. فمن الحكمة دفع الأنظمة لتبني إصلاحات ديمقراطية ليبرالية بدلا من إجبارها على ترك السلطة؛ فتغيير النظام يحمل دلالات خطيرة في المجتمعات الهشة غير المستقرة، والدعم المتزايد للإصلاح لابد أن يرافقه حذر وبناء جيد لمؤسسات الحكم بعد مناقشات محلية مكثفة حيال هذا الأمر.


2. تناقض الأجندة الأميركية للديمقراطية
هناك تناقض في الأجندة الأمريكية للديمقراطية بين إيمان الإدارات الأميركية بقضية الديمقراطية كقيمة أميركية عليا دعا إليها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة وإلى نشرها، وبين تحقيق الاستقرار في العالم الإسلامي من أجل حماية المصالح الأميركية في ظل وجود قيادات تخدم المصلحة الأميركية.


ففي عام 2005 قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "كونداليزا رايس" في كلمتها بالجامعة الأميركية بالقاهرة "إن الولايات المتحدة أعطت ستين سنة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على حساب قضية الديمقراطية، ولكنه لم يتم تحقيق أي من الهدفين"؛ فلذا أكدت على الدعم الأميركي للشعوب المتطلعة إلى الديمقراطية والحرية. ومع وصول الإسلاميين في انتخابات 2005 (الإخوان المسلمين)، و2006 (حركة حماس) تراجع الدعم الأميركي. بعبارة أخري تريد الولايات المتحدة ديمقراطية النتائج -أي ديمقراطية تأتي بمن يدعمون المصلحة والأمن القومي الأمريكي، أما إذا جاءت نتائج الانتخابات الديمقراطية بقوي معارضة لواشنطن فإنها ترفضها- وليس ديمقراطية الفرصة، أي تلك الديمقراطية التي تتيح لكل القوي فرصة المشاركة وفقا للقيم والمبادئ الديمقراطية بصرف النظر عن انتماءاتهم في حال التزامهم وتقيدهم بالقيم والإجراءات الديمقراطية.


3. تهديد الديمقراطية غير الليبرالية



هناك فرضية تسيطر على صانعي القرار الأميركي تقوم على أن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في العالم الإسلامي بمثابة دعم لأعداء الولايات المتحدة من الإسلاميين للوصول إلى السلطة.
هناك مخاوف أميركية من أن يؤدي التحول الديمقراطي في العالم الإسلامي إلى تحول الأنظمة السياسية من الشكل الاستبدادي إلى الثيوقراطي (مثل النظام الإيراني) مع وصول الجماعات الإسلامية حتى لو كان هدفها المعلن هو الديمقراطية. وفي الوقت الذي لم يتأصل فيه مبدأ المشاركة السياسية في الثقافة السياسية لمعظم المجتمعات الإسلامية، وأن أغلب الحركات الأكثر تنظيما وشعبية هي الأقل ليبرالية؛ فإن الدارسة تؤكد على ضرورة عدم تركيز جهود تعزيز الديمقراطية على ديمقراطية الإجراءات كما كانت تسعي إدارة "بوش الابن"، ولكن على بناء إطار مؤسسي ودستوري يُصاغ بعناية تسمح فقط للأفراد والحركات الداعمة للقيم الليبرالية بالمشاركة في العملية السياسية التي قوامها المنافسة.

ويدعو الكاتب إلى أن تَبعُد البراغماتية الأميركية المستندة على القيم والمبادئ الأميركية عن النماذج الاستبدادية الثلاثة السائدة في العالم العربي حيال التعامل مع الحركات الإسلامية الرافضة للعنف والتي تتمثل في:


أولا، الاحتواء وليس الإقصاء: وهو نموذج جلي في مصر حيث يُسمح بمشاركة الحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والمحلية والنقابات بدون خطوط حمراء شريطة عدم فوزها بالأغلبية. وفي حال استشعار النظام إمكانية فوزهم بالأغلبية يحدث التلاعب في الأصوات والاستبعاد والقبض على بعض عناصرها.


ثانيا، الاستيعاب القانوني والتحييد السياسي: هو نموذج جلي في الأردن، والكويت، والمغرب والبحرين؛ حيث إن الحركات الإسلامية مسموح لها بالوجود القانوني ولكن الملك والأمير هو من له القول الفصل في توزيع المكاسب السياسية.


ثالثا، الاستبعاد الاستبدادي: ويتمثل في القضاء على الإسلاميين كما (كان) في تونس، وسوريا وليبيا؛ فالإسلاميون في تلك البلدان في المنفى أو السجن أو موتى.


4. الخوف من وصول الأعداء
هناك فرضية تسيطر على صانعي القرار الأميركي تقوم على أن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في العالم الإسلامي بمثابة دعم لأعداء الولايات المتحدة من الإسلاميين للوصول إلى السلطة. ولكنها فرضية خاطئة؛ حيث إن هناك مصلحة مشتركة في التعاون والتحالف الإستراتيجي بين الطرفين.


إنه وإن كانت معظم الحركات الإسلامية الرافضة للعنف -وإن كان خطابيا- تعارض كثيرا من جوانب السياسة الخارجية الأميركية في العالم الإسلامي، لا سيما الدعم الأميركي اللامتناهي لإسرائيل، وعلاقات واشنطن الوثيقة بالأنظمة الاستبدادية، والوجود العسكري، إلا أن من مصلحة واشنطن التحالف الإستراتيجي مع تلك الحركات المعتدلة؛ بحيث تكون إحدى أدوات الإدارة في مواجهة الحركات المتشددة والمتطرفة. ناهيك عن قبول تلك الحركات المعتدلة بحلول وسط. وهذا التحالف جلي في التعاون بين "حزب العدالة والتنمية" في تركيا والولايات المتحدة داخل منظومة حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) أو خارجه.


بناء سلام شامل 


يرتبط نجاح التعامل الأميركي مع ظاهرة الإسلام السياسي في العالم الإسلامي بالسياسة الأميركية في العالم الإسلامي بجانب الدعم الأميركي لدمقرطة دول العالم الإسلامي. وأولى القضايا التي لها جُل الأثر على نجاح الإستراتيجية هي قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، والتي لها كبير الأثر على تراجع شعبية الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي، وأحد مصادر تزايد كراهية المسلمين للولايات المتحدة، واستمرار تلك الكراهية رغم الجهود التي تبذلها إدارة "أوباما" لتحسين الصورة الأميركية بالعالم الإسلامي منذ اليوم الأول لها في البيت الأبيض.


وهو ما دفع الجنرال "ديفيد بترايوس" إلى قوله: إن استمرار الصراع العربي-الإسرائيلي يضر بالقدرة الأميركية على تحقيق مصالحها بالعالم الإسلامي، ويساعد على تقوية شوكة القوى المعارضة للولايات المتحدة ويقوض من الشراكات مع الحكومات الإسلامية.


رؤية ختامية للقراءة في التقرير 


وفي هذا الصدد من المتوقع أن تُواجه جهود الإدارة الأميركية التي أشار إليها كاتب الدارسة حيال التحول في التعامل مع الحركات الإسلامية -لاسيما المعتدلة والرافضة للعنف- تحديات جمة لعديد من الأسباب، منها: عدم نجاح الإدارة في تحقيق انفراجة في الصراع العربي-الإسرائيلي الذي كان أولوية أميركية خلال الأيام الأولى للإدارة في البيت الأبيض مع انصياع إدارة أوباما للمطالب الإسرائيلية، والتعنت الإسرائيلي في عملية السلام، وما يزيد من صعوبة تحقيق انفراجة في هذا الملف اختلال تركيبة الكونغرس الأميركي لصالح الحزب الجمهوري القريب من إسرائيل، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وتركيز الرئيس الأميركي باراك على قضايا داخلية تهم المواطن الأميركي تسمح له بإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، بجانب استمرار الوجود الأميركي في العالم الإسلامي تحت مسميات مختلفة لا سيما في العراق وأفغانستان.





يرتبط نجاح التعامل الأميركي مع ظاهرة الإسلام السياسي في العالم الإسلامي بالسياسة الأميركية في العالم الإسلامي بجانب الدعم الأميركي لدمقرطة دول العالم الإسلامي.
وهو الأمر الذي يضع الحركات الإسلامية المعتدلة والرافضة للعنف، والراغبة في التعاون مع الولايات المتحدة في مأزق؛ حيث قد يكون التحالف الأميركي مع الجماعات الإسلامية المعتدلة مصدر خسارة الحركات المعتدلة لشعبيتها في الشارع السياسي لصالح الحركات المتطرفة مع استمرار الإدارة الأميركية الحالية في تقديم الدعم بصورة مباشرة وغير مباشرة للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي والتي تخدم المصلحة الأميركية، بجانب غياب قضية الديمقراطية من على الأجندة الأميركية، والتي أصابت المعولين على دور أميركي في قضية الديمقراطية بخيبة أمل.

وختاما، إن السياسة الأميركية التي تنظر إلى الحركات الإسلامية من منظور أنها حركات تتبنى العنف، وإيلاء اهتمام للعمل العسكري على ما عداه من آليات وإستراتيجيات أخرى يضر بالأمن والمصلحة الأميركية على المدى الطويل، وهو الأمر الذي يستدعي إحداث تحول في الإستراتيجية الأميركية لتحفيز دول العالم الإسلامي على تبني إصلاحات ديمقراطية؛ حيث إن سياسة الاحتواء والاستبعاد والإقصاء التي تبناها عديد من الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي تأتي بنتائج عكسية؛ مما يستدعي إيلاء اهتمام لصياغة أطر مؤسسية وقانونية تدعم الممارسة الديمقراطية، وتسمح للحركات الإسلامية بالاندماج في العملية السياسية القائمة على المنافسة والالتزام بالقيم الليبرالية والديمقراطية.
_______________
باحث في الشؤون الأميركية






* يمكن الرجوع إلى أصل الدراسة بالإنكليزية " The United States & Political Islamism: From Demobilization to Deradicalization? "، على الرابط التالي: إضغط هنا.

نبذة عن الكاتب