الثورات العربية والسياسات الأميركية تجاه إيران

صدر تقرير عن مركز الأمن الأميركي الجديد يبحث في الثورات العربية وانعكاساتها على السياسات الأميركية تجاه إيران، ويقترح رؤية جديدة للتعامل مع الملف الإيراني مؤكدا أن الوقت ليس مناسبا للتفاوض مع طهران في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة.
6 يونيو 2011
1_1066346_1_34.jpg

 

علي حسين باكير

ما زال من المبكر جدا التكهّن بنتائج الثورات التي تعصف بالعالم العربي، وما سينجم عنها، وما إذا كانت ستؤدي إلى ديمقراطية في الدول التي تغير نظامها، وإذا ما كانت الأنظمة الأخرى ستنجو أم أنّ الثورات ستنتشر.
أصدر مركز الأمن الأميركي الجديد تقريرا في 19 مايو/ أيار 2011 بعنوان "ثورة: السياسة الأميركية تجاه إيران في شرق أوسط متغيّر" (*). ووفقا للتقرير فما زال من المبكر جدا التكهّن بنتائج الثورات التي تعصف بالعالم العربي، وما سينجم عنها، وما إذا كانت ستؤدي إلى ديمقراطية في الدول التي تغير نظامها، وإذا ما كانت الأنظمة الأخرى ستنجو أم أنّ الثورات ستنتشر، لكنّ الأكيد -كما يقول التقرير- أنّ الولايات المتحدة ستستمر بالحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة والمتمثّلة بـ: تدفق النفط، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأمن إسرائيل!

يشير التقرير إلى أنّ موجة الثورات التي عمّت العالم العربي ستترك تأثيرا دراماتيكيا على الإستراتيجية الأميركية تجاه إيران، ورغم كل الضبابية التي تحيط بهذه المسائل، هناك شيء واحد فقط يبدو واضحا ألا وهو أنّ أسس إستراتيجية إدارة أوباما تجاه إيران آخذة في التآكل.
ضمن هذا السياق يبحث التقرير في الثورات العربية وانعكاساتها على السياسات الأميركية تجاه إيران، ويقترح في المقابل رؤية جديدة للتعامل مع الملف الإيراني في هذه الظروف المستجدة وضمن هذه المعطيات. وفيما يلي عرض وقراءة لأبرز العناصر كما جاءت في التقرير، ومن ثمّ التعليق عليها في "ملاحظات على التقرير":

إيران والثورات العربية 

أثارت الثورات الكثير من التساؤلات حول موقع ودور طهران في المنطقة، والطريقة التي ستتفاعل بها الأنظمة العربية الجديدة معها، وإذا ما كانت الثورات ستصل إلى إيران نفسها في نهاية المطاف.

ومن غير الواضح ما إذا كانت الثورات العربية عززت من موقع وقدرات إيران في المنطقة أو أنّها على العكس من ذلك أضعفت موقعها وقوّضت نفوذها؛ إذ لا يوجد إجماع على كون هذه الأحداث ذهبت بإيران إلى احد الاحتمالين بشكل قطعي؛ فأنصار الرؤية التي تقول: إنّ الثورات عززت من موقع إيران ونفوذها يستندون في ذلك على عدد من الحجج منها:

  • أنّ الأنظمة التي تمّ الإطاحة بها هي أنظمة حليفة للولايات المتّحدة، والمتبقية منها أيضا تترنح تحت الضغط الشعبي.
  • أنّ الرأي العام العربي معاد لإسرائيل وغاضب من أميركا.
  • أنّ إيران نفسها تنظر إلى الأمر من زاوية أنّه "صحوة إسلامية"، وأنّ ذلك سيفيدها في النهاية.
  • أنّ الأنظمة العربية الجديدة لن تكون مستعدة على الأرجح لاتخاذ إجراءات معادية لإيران، وحتى التي لا تزال قائمة ستكون حذرة من اعتماد سياسية خارجية لا تتمتع بزخم شعبي.

أمّا أنصار الرأي المعاكس الذي يقول: إنّ الثورات العربية وضعت إيران في مأزق، وهي تناضل من أجل الخروج منه لتجد مكانا لها في البيئة الإقليمية التي ستنبثق بعد هذه الثورات، فيستندون إلى عدد من الحجج منها:

  • أن سياسة القمع التي اعتمدها النظام الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية 2009، نفّرت الكثير من العرب من إيران.
  • أن الصعود التركي وموقف تركيا من غزّة سحبا البساط من تحت إيران وادعائها بأنها قائدة معسكر الممانعة.
  • أن الدور الإيراني في العراق خلق معارضة سنيّة واسعة له في المنطقة العربية.
  • أن تحالف إيران-حزب الله خسر بريقه الذي وصل الذروة في "انتصاره" على إسرائيل عام 2006، ومن ثمّ فقده مع انغماس وغرق حزب الله في السياسة الداخلية اللبنانية.
  • أن اتفاق الرأي العام العربي في مصر وفي غيرها من الدول مع إيران على كراهية إسرائيل لا يعني أنّ الرأي العام العربي يترجم ذلك بتعاطف مع إيران أو أجندتها الخارجية الأوسع خاصة أنّ بعض ما كان من هذا التعاطف آخذ في التراجع.

تأثير الثورات العربية على الحسابات الأميركية تجاه إيران 

مع بداية عهد أوباما، حاولت إدارته التعامل مع عدد من الملفات المتعلقة بالأزمة النووية الإيرانية من خلال مقاربة تعتمد على الوقت والمواعيد الزمنية المتعلقة بثلاثة موضوعات على الأقل، منها: تخصيب اليورانيوم، والهجوم الإسرائيلي على إيران، والتحولات السياسية في الداخل الإيراني. لقد نجحت في تأخير عملية التخصيب كما نجحت في لجم الخيار العسكري الإسرائيلي وحاولت الانخراط مع السياسة الإيرانية، لكن من المتوقع أن تؤثر الثورات العربية على هذه الملفات كما يلي:

أولا: تخصيب اليورانيوم
على الرغم من أنّه لم يطرأ أي تعديل على تطبيق العقوبات المتعلقة بإيران من ناحية مضمونها أو التشدد في مراقبتها إلا أنّ البعض يخشى من أن تكون الثورات العربية دفعت اهتمام المجتمع الدولي بعيدا عن إيران. لكن ما يمكن أن يكون قد تغيّر بالفعل بعد الثورات العربية هو الحسابات الإيرانية المتعلقة بأهمية الحصول على سلاح نووي؛ فالحملة العسكرية على نظام معمّر القذافي قد تعزز من طرح المتشددين في إيران من أنّه سيكون من الحماقة بمكان وقف البرنامج النووي للبلاد أو مقايضته بوعد دولي بعدم التعرض لها كما سبق وفعلت ليبيا؛ ولذلك قد تسرِّع الثورات العربية من سعي إيران لزيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم المطلوب لامتلاك سلاح نووي.

ثانيا: الخيار العسكري الإسرائيلي
يعتقد الكثير من الإسرائيليين أنّ الاضطراب الذي تمر به المنطقة الآن بفعل الثورات العربية يدفع إلى تغيير البيئة الإستراتيجية بما يتعارض مع ما يريدونه خاصّة أنّ التغييرات التي حصلت في مصر تعتبر بمثابة جرس إنذار حقيقي كما أنّها دفعت العديد من حلفاء أميركا إلى التشكيك علنا بالتزاماتها تجاههم. أضف إلى ذلك، أنّ العديد من التقارير تشير إلى أنّ النظام المضاد للصواريخ الذي نشرته إسرائيل مؤخرا قد يمنح تل أبيب ثقة أكبر بقدراتها على تحمّل الرد الذي من الممكن أن يقوم به حزب الله أو طهران إزاء أي عمل عسكري إسرائيلي ضدها.

هذه المعطيات قد تغيّر من الحسابات الإسرائيلية في الخيار العسكري باتجاه إعادة الاعتبار له بعدما كان يتم تأجيله دوما وهو الأمر الذي سيصعّب من المهمة الأميركية في تأجيل الوقت المحتوم المتعلق بهذا الخيار ومنع إسرائيل من سلوكه كما حصل سابقا في بداية عهد أوباما خلال عامي 2009 و2010.

ثالثا: حدوث تغيّر داخل إيران
أحيت الثورات العربية الآمال بإمكانية حدوث ثورة في الداخل الإيراني على الطريقة العربية يتحدّى فيها الإيرانيون النظام الحالي فتتبدّل المعطيات القائمة، وهي فكرة تبدو ممكنة ومعقولة أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لكثيرين في واشنطن خاصة بعد سقوط مبارك وبن علي.

تأثير الثورات العربية على الخيارات الأميركية تجاه إيران 

أولا: حدود خيار العقوبات

يعتقد الكثير من الإسرائيليين أنّ الاضطراب الذي تمر به المنطقة الآن بفعل الثورات العربية يدفع إلى تغيير البيئة الإستراتيجية بما يتعارض مع ما يريدونه.
نجحت إدارة أوباما في حشد دعم دولي لسياسة العقوبات التي اقترحتها أكبر مما كان في توقعات أي أحد، وتركت هذه السياسة أثرا على الاقتصاد الإيراني كما بات واضحا. لكن في ظل الثورات العربية، خففت الأسعار المرتفعة للنفط من حدّة هذه العقوبات، وسمحت للنظام الإيراني بإلقاء اللوم على الخصوم الخارجيين في كل المشاكل التي يعاني الاقتصاد منها بدلا من تسليط الضوء على سوء الإدارة والفساد في إدارة الاقتصاد؛ فإذا ما بدأ الضغط الاقتصادي يترك أثره بشكل كبير على الداخل الإيراني، فإنه في المقابل سيشد انتباه المجتمع الدولي إلى معاناة الشعب الإيراني مما قد يقوّض من الدعم المقدّم لهذه السياسة لأنها ستصيب في النهاية الشرائح الكبرى من الشعب الإيراني وممن يُفترض أن يكونوا إصلاحيين بينما سيبقى النظام قادرا على النجاة.

أضف إلى ذلك أنّه ومع التحولات الإقليمية الجارية، فإن أنظمة المنطقة قد تكون أقل استعدادا لاتخاذ أيٍّ من الخطوات المكلفة باتجاه تشديد تطبيق العقوبات خاصة إذا كانت ستتأثر هي جرّاء هذه القرارات.

ثانيا :حدود خيار التفاوض
على الرغم من أنّ المفاوضات تعتبر آلية جيدة للحفاظ على الدعم الدولي في الضغط على إيران، وأيضا من أجل إجراءات بناء الثقة أو اكتشاف الفرص السانحة عندما تتهيأ الظروف المناسبة لها، لكن لا يبدو إلى الآن أنّ المفاوضات قادرة على تحقيق خرق يحدث تحولا في العلاقات الإيرانية-الأميركية أو أن يحقق المصالح الأميركية، والوقت ليس مناسبا لطرح أي من المبادرات أو التفاوض على أخرى في ظل حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة ناهيك عن أنه ليس هناك اهتمام بمثل هذا الطرح من قبل الأطراف المعنية.

ثالثا: حدود الخيارات العسكرية
على الرغم من أنّ الكثيرين يجادلون بأنّ عملا عسكريا كقصف المواقع النووية المعروفة سيكون مطلوبا في نهاية المطاف إما لإعادة البرنامج النووي الإيراني عدّة سنوات إلى الوراء أو لإنهائه، فإن سياسة إدارة أوباما كانت إبقاء هذا الخيار على الطاولة بهدف إنجاح الخيار الدبلوماسي والاستعداد في حال فشل سياسة الانخراط مع إيران.

لكن انعكاسات عدم مصداقية التهديد بهذا الخيار يسمم أجواء المفاوضات، ويعزز من موقف الإيرانيين المتشددين الذين يرفضون التفاوض، ويقوّض من إجراءات بناء الثقة؛ لذلك يجب رفض الخيار العسكري إذا لم يكن قادرا على تحقيق نتائج دراماتيكية في منع إيران من التسلح النووي السريع؛ فمنافعه محدودة، وتكلفته عالية، وسيقوض المصالح الأميركية العالمية. كما أنّ هشاشة الأنظمة العربية في البيئة الإقليمية الجديدة تزيد من حساسيتهم إزاء الداخل وتدفعهم على الأرجح باتجاه عدم المخاطرة  في دعم أي هجوم عسكري من الممكن له أن يثير غضب الرأي العام ويدفعه للنزول للشوارع.

رابعا: حدود خيار تغيير النظام
من الممكن أن تشعل الثورة المصرية والثورات العربية بدورها ثورة في الداخل الإيراني، فالسرعة الكبيرة في التغيير الذي يحصل بالمنطقة من الممكن أن يدفع المعارضة الإيرانية لأن تنشط من جديد، لكن في المقابل فإن النظام الإيراني أصبح متنبّها لذلك خاصة بعد الخبرة التي مارسها في الاحتجاجات الداخلية التي اندلعت بعد الانتخابات الرئاسية في العام 2009، كما أنّ الولايات المتّحدة لا يمكنها أن تدعم الحركة الخضراء أو تطالب بتغيير النظام كما كان الأمر بالنسبة لتونس ومصر؛ فالمتظاهرون هناك لا يريدون ولا يحتاجون قيادة أميركية لتحركاتهم لأن مثل هذا التحرّك سيقوّض من جهودهم ويخرّب تحركاتهم. وعلى الرغم من أنّه لا توجد مؤشرات حالية على إمكانية انهيار النظام الإيراني القائم، إلا أنّه لا يجب أن ننسى أنّ الأمر كان كذلك بالنسبة لنظام حسني مبارك في مصر وبالنسبة لسوريا حتى الأمس القريب.

خامسا: حدود خيار احتواء إيران
لطالما كانت سياسة الاحتواء الخيار الأمثل بالنسبة لأولئك الذين يدركون مخاطر الخيار العسكري كما لأولئك الذين لا يفضلون صفقة كبرى ويرون تغيير النظام كاحتمال بعيد المدى. وعلى الرغم من ذلك، فإن طبيعة نوع سياسة الاحتواء المراد اتباعها غير محددة المعالم بعدُ: هل يتم اعتمادها قبل أو بعد إيران نووية؟ هل تعتمد الصبر الإستراتيجي أو تكون سياسة احتواء عدائية؟ ردع عسكري واحتواء أو احتواء سياسي متعدد الأطراف وحرب أيديولوجية باردة؟ وبغضّ النظر عن كل ذلك، فإن سياسة الاحتواء لن تلبي الإستراتيجية بعيدة المدى؛ فالثورات العربية في جزء منها هي نتاج لسياسة الاحتواء التي قامت الولايات المتحدة بتطبيقها طويلا في المنطقة عبر دعم الأنظمة التسلطية بسبب قدرتها على الصمود في مواجهة إيران، ولا يمكن لها أن تتناسب بعد الآن مع النهج القديم في ظل الظروف الحالية خاصة أنّ موجة التظاهرات الاحتجاجية التي تعم المنطقة تظهر الخلل في أسس سياسة الاحتواء على المدى البعيد، خاصة أنّ العامة قد لا تدعم على الأرجح سياسة كهذه كما كانت الأنظمة القديمة تفعل.

توصيات التقرير للتعامل مع إيران 

تمتلك الولايات المتّحدة اليوم فرصة تاريخية لتقف إلى جانب الشعوب في الشرق الأوسط في مقابل مخاطر العودة إلى السياسات التقليدية القديمة، وهناك فرصة اليوم لتجاوز المعادلة الصفرية في الصراع السياسي بين حلفاء أميركا الإقليميين وإيران (Zero sum game). وفي الوقت الذي قد يبدو فيه أنّ الاضطرابات الداخلية التي يواجهها حلفاء أميركا الآن تزيد من قوة طهران على المدى القريب، فإن الإصلاح في هذه الأنظمة على المدى البعيد سيؤثر في النظام الإيراني أكثر من أي سياسة احتواء على الإطلاق.

وعلى الرغم من أنّه لا يوجد حل سحري لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، فإن أيًا من السياسات سواء تلك المتعلقة بالدبلوماسية أو الحرب لن تكون قادرة على تغيير السلوك الإيراني بسهولة وبكلفة مقبولة؛ ولذلك فإن التوصيات التالية تعتبر مكمّلة لأية إستراتيجية وليست بديلا عنها:

نبذة عن الكاتب