انسحاب الوفاق: ينهي حوار التوافق الوطني دون توافق وطني

انسحاب جمعية الوفاق من الحوار، وتسليم توصيات للحوار لم تصادق عليها المعارضة ولم تعترف بها، يُنذر بفصل جديد من الصراع السياسي في البحرين؛ فسقوط الرهان على الحوار يعني استمرار الفراغ العميق بين النظام والمعارضة، وتعليق التفاوض يعني العودة للشارع وتهاوي الحل المؤسسي.
1_1074261_1_34.jpg

معارضون يطالبون بإصلاحات سياسية ودستورية (الجزيرة)

لميس ضيف

شهدت البحرين بعد يوم واحد فقط من تسلم عاهل البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة لمرئيات الحوار الوطني- احتجاجات شعبية واسعة عمت مناطق البلاد، وأدت لاشتباكات بين قوات الأمن وأنصار المعارضة بعد أن نظمت الأخيرة مهرجانين شعبيين يوم الجمعة الموافق للتاسع والعشرين من يوليو/تموز؛ أولهما بمعية جمعية الوفاق -كبرى جمعيات المعارضة- بعنوان «الشعب مصدر السلطات»، والثاني لائتلاف شباب 14 فبراير/شباط بعنوان «حق تقرير المصير» في مؤشر واضح على أن الحوار الوطني، الذي انطلق مطلع يوليو/تموز بمبادرة من عاهل البلاد، قد فشل في احتواء غليان الشارع وتهدئة الأوضاع المتأزمة منذ فبراير/شباط الماضي.

هذا ويرى مراقبون أن انسحاب جمعية الوفاق من الحوار، وتسليم توصيات للحوار لم تصادق عليها المعارضة ولم تعترف بها، يُنذر بفصل جديد من الصراع السياسي في البحرين أشد تعقيدًا من سابقيه؛ فسقوط الرهان على الحوار يعني استمرار الفراغ العميق بين النظام والمعارضة، وتعليق التفاوض يعني العودة للشارع وتهاوي الحل المؤسسي الذي عوَّل عليه الكثيرون لإخراج البلاد من محنتها التي تُعد الأسوأ منذ ستينيات القرن الماضي..

هل تهاوى التوافق الوطني بسبب انسحاب الوفاق؟
أصابع الاتهام توجهها السلطة وموالوها لجمعية الوفاق الوطني -كبرى جمعيات المعارضة- التي أغلقت بانسحابها المفاجئ من الحوار الوطني نوافذ الحوار مع السلطة؛ فمنذ انطلاق موجة الاحتجاجات الشعبية في البحرين، والتي أدت لسقوط 33 قتيلاً على الأقل ومئات الجرحى، وتشهد البحرين صراعًا داخليًا حادًا ألقى بظلاله على الأمن والاقتصاد والسياحة، وأدى لفرض الأحكام العرفية (لفترة ما) ودخول قوات درع الجزيرة للمساهمة في السيطرة على الشارع الهائج.. وفي إطار سعيها للتهدئة واحتواء الشارع قررت السلطة البحرينية إطلاق هذا الحوار الذي رحبت به دول عديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي كمخرج للأزمة. ولا يبدو أن الحوار، بعد انسحاب الوفاق وتأكيد باقي الجمعيات المعارضة على امتعاضها لنتائجه ومخرجاته، سيكون خطوة في سبيل الحل بقدر ما هو خطوة في سبيل التأزيم..



فريق الموالاة: الوفاق تخطط لاختطاف المطالب الشعبية
من جهتها أكدت القوى الوطنية المحسوبة على السلطة أن انسحاب الوفاق جاء لأن الحوار لم يصب في مصلحتها، ولأن "أغلب أطروحاتها لم تحظ بتوافق من أغلبية المشاركين، خاصة في محور الحكومة المنتخبة" على حد قول رئيس تجمع الوحدة الوطنية. وتصر قوى الموالاة على أن الوفاق لم تكن راغبة في المشاركة أصلاً وأن مشاركتها كانت صورية وإجراء تكتيكيًا اتخذته استجابةً للضغوط الخارجية خصوصًا أن الحوار بشكله الحالي لا يخدم أجندتها.. وتتهم تلك القوى جمعية الوفاق بأنها تفتعل الأزمة بإصرارها على مطالب سياسية تبتغي من ورائها الوصول للسلطة؛ فالوفاق -كما تزعم فرق الموالاة- تطالب ببرلمان كامل الصلاحيات، وإعادة توزيع الدوائر الانتخابية لتحظى بسيطرة كاملة تمكنها من أن تشكل هي الحكومة.. وتتسق تلك الاتهامات مع اتهامات أخرى ترمي الوفاق بامتلاك أجندة خارجية تخدم الأطماع الإيرانية في البحرين.

الوفاق تبرر انسحابها: الحوار "مسرحية"
من جهتها أعلنت جمعية الوفاق أن انسحابها من الحوار الذي وصفته على لسان ناطقها الرسمي خليل المرزوق "بالمسرحية" جاء بعد أن لمست عبثية الحوار، وحقيقة أن السلطة فرضت أجندتها سلفًا باستئثارها بـ90% من مقاعد الحوار وتخصيصها 35 مقعدًا من أصل 320 لكافة الجمعيات المعارضة بما فيها الوفاق التي تمثل 64% من الكتلة الانتخابية في البلاد، ورغم ذاك لم يتعد تمثيلها في الحوار الـ 6,1٪ بخمسة مقاعد فقط.

ولم يكن التمثيل المجحف هو مأخذ الوفاق الأوحد بل انتقدت بشده حذف محاور أساسية من أجندة الحوار لصالح محاور هامشية، وتجاهل الحوار لطرح قضايا تمس جوهر الصراع من قبيل الملكية الدستورية، وجزئية الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء، والمجلس التأسيسي لإصدار دستور جديد، وهي العناوين العريضة لمطالب المعارضة التي عبّر عنها الأمين العام للحركة الشيخ علي سلمان بقوله: "مطالبنا تتمحور حول إصلاح جذري ديمقراطي يتمثل في حكومة منتخبة بإرادة شعبية، ومجلس منتخب يتفرد بالصلاحية التشريعية والرقابية الكاملة، ودوائر عادلة، ونظام انتخابي شفاف ونزيه، وقضاء مستقل وآمن من حيف وتعسف الأجهزة الأمنية". وهي نقاط تجاهلها الحوار على حد زعم المعارضة.

وقد طالبت جمعية الوفاق بعرض نتائج الحوار في استفتاء شعبي عام وهو ما رفضته السلطة التي أوضحت على لسان القاضي خالد عجاجي أحد منسقي الحوار أن الحوار "لن يخرج بقرارات إنما مرئيات تُرفع للملك" وهو ما اعتبرته الوفاق استهانة برغبات الشارع؛ لأن الحوار بشكله الحالي "لن ينتج حلا سياسيا جذريا للأزمة البحرينية بل إن مخرجاته معدّة سلفا وستزيد الأزمة السياسية تعقيدا".

الجمعيات المعارضة الأخرى تبقى وترفض
يشار إلى أن ثلاث جمعيات سياسية معارضة هي "وعد" و"المنبر التقدمي" و"التجمع القومي" كانت قد هددت بالانسحاب من مؤتمر الحوار الوطني أيضا، ولكنها لم تنسحب بيد أنها أكدت في بيان مشترك على أن تركيبة الحوار لا تمثل الإرادة الشعبية "وبالتالي فإن الجمعيات الثلاث ترفض الموافقة على النتائج التي تم التوافق عليها أو تلك التي لم يتم التوافق عليها في الحوار الوطني لأنها لا تمثل رغبة الشعب".

وبغياب التوافق داخل الحوار وصف بعض المحللين الوضع بأن الحكومة البحرينية "تتحدث مع نفسها" خصوصا بعد تهميش آراء الجهات التي تخالفها وتتعارض معها، واعتبر المراقبون أن الأمر بزيادة الرواتب وزيادة صلاحيات المجلس التشريعي الذي أصدره عاهل البلاد تزامنًا مع انتهاء الحوار الوطني مجرد "مسكنات لا تعالج الأزمة والعلّة السياسية"؛ إذ لن يتوقف الشعب عن المطالبة بالإصلاح الحقيقي والتعديلات الدستورية التي تقود لتداول السلطة.



مشهد مربك
انتهى الحوار الوطني ولكن نهاية الأزمة البحرينية تبدو بعيدة المنال في ظل تزايد الاحتقان الشعبي وتعالي التوتر المذهبي؛ فوفقا لـ"هيومن رايتس ووتش" فإن أعداد المفصولين من أعمالهم بسبب المشاركة في الاحتجاجات قد "تخطى حاجز الـ 2000 موظف منذ مارس/آذار الماضي. كما تعرض أكثر من 1600 بحريني للاعتقال وقُدِّموا لمحاكمات جائرة أمام محكمة عسكرية خاصة". كما لا يزال عدد من أفراد الطواقم الطبية بالإضافة لرموز المعارضة في المعتقل ضمن تقارير حقوقية تؤكد تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

وسط كل هذا يعتقد محللون أن انسحاب جمعية الوفاق كان تحصيل حاصل؛ فحتى لو كانت الوفاق قد استمرت وتوافقت على أطروحات السلطة فإن الشارع لن يهدأ لاسيما في ظل استمرار القبضة الأمنية ومضايقة النشطاء.

حوار جديد.. من رحم حوار فاشل
تمامًا كباقي المجتمعات التي تعيش ربيع الثورات العربية، يسعى المجتمع البحريني لإعادة إنتاج نفسه بشكل جديد في وجود تيارات متحفزة للتغيير وأخرى مستميتة لإبقاء الأوضاع الداخلية على ما هي عليه.

وكانت السلطة في البحرين قد حاولت عبر حوار التوافق الوطني الأخير أن تحتوي الشارع وتمتص غضبه، ولكن استمرار التحركات الشعبية، وتعالي وتيرتها، وتصاعد خطابها قد بعث برسالة مفادها أن الأوضاع لن تهدأ إلا بمعالجات حقيقية وإصلاحات جذرية يتوافق عليها الشعب بكافة فصائله وأطيافه؛ فيبدو أن الجماهير قد تلقت خبري زيادة الرواتب وتعزيز صلاحيات البرلمان ببرود، فتلك الحلول ربما جاءت محبطة ومتأخرة على حد تعبير المحللين؛ فلو كانت بدرت من قبل لربما كان لها وقع آخر أما بعد هذه الأحداث فالناس حسب ما تظهره تحركات الشارع تتطلع لتغييرات حقيقية، "على الملك أن يصحح الوضع الآن قبل أن يتأخر الوقت" هكذا يقول أحد أقطاب المعارضة ناصحًا الملك بـ"الاستماع إلى شعبه وإطلاق حوار جاد يبحث المشاكل السياسية".

وربما كان فشل الحوار الحالي بوابة لدعوة الفرقاء لحوار جديد يتجنب أخطاء الماضي ويقود لمصالحة وطنية تنهي أزمة البلاد الطاحنة؛ فقطار المطالبات الديمقراطية في البحرين قد انطلق ولا يبدو أنه سيتوقف بعد كل التضحيات التي قُدمت دون مكتسبات حقيقية.
___________________
كاتبة وباحثة بحرينية

المصادر
1-
البحرين تقول: إن الحوار الوطني سيستمر رغم انسحاب جمعية الوفاق.. رويترز
2- المنامة: «الوفاق» المعارضة تنفذ تهديدها وتنسحب من الحوار الوطني.. صحيفة الشرق الأوسط 18 يوليو/تموز
3- إحباط الحوار الوطني مع انسحاب الوفاق واستمرار القمع.. تقرير لشبكة آيفكس
4- مقال لأنور الرشيد الأمين العام لمنتدى مؤسسات المجتمع المدني الخليجي
5- البيان المشترك للجمعيات المعارضة 17 يوليو/تموز



نبذة عن الكاتب