الانتخابات الإيرانية: هاجس الأمن والصدام مجددا

تولي السلطات الإيرانية اهتماما بالغا للانتخابات التشريعية القادمة، حتى أن الخامنئي حذر من تحد أمني قد تواجهه إيران في هذه الانتخابات، ووصفها وزير الاستخبارات بأنها الأكثر حساسية في عمر الجمهورية الإسلامية.
29 فبراير 2012
20122298386351580_2.jpg
أهم المفاصل التاريخية من عمر مجلس الشورى الإيراني (الجزيرة)

باتت العملية الانتخابية في إيران تأتي مقترنة بمصطلحات من قبيل: "الفتنة"، "الثورة المخملية"، "العلاقات بالخارج"، "تيار الانحراف" والمخططات الأميركية التي تتضمن حربا ناعمة. تقول الأرقام الرسمية أن نسبة المشاركة  في الانتخابات على مدى الدورات السابقة كانت في المتوسط 65% لانتخابات رئاسة الجمهورية و60% لانتخابات مجلس الشورى.  وبصرف النظر عن مصداقية هذه النسب، فإن اهتمام السلطة بالانتخابات القادمة يتعلق في الدرجة الأولى بتحقيق نسبة مشاركة كبيرة.

فمنذ الانتخابات الرئاسية العاشرة  التي جرت عام 2009، بدأ المسؤولون على اختلاف مستوياتهم ينظرون إلى الانتخابات بوصفها قضية أمن وطني، وجرى استعادة شعار للخميني بأن الانتخابات"اختبار للإيرانيين أمام العالم" و"فرصة لإجهاض مخططات قوى الاستكبار". وركز خامنئي في خطبة الجمعة في طهران مؤخرا على أن "مشاركة الناس في الانتخابات هي في الواقع تصويت للدستور والحكم الإسلامي، وضمانة لأمن إيران وصيانة لها" (1).

حذر خامنئي مبكرا من تحد أمني قد تواجهه إيران في هذه الانتخابات، وربما كان هذا التحدي هو ما جعل وزير الاستخبارات يصف هذه الدورة بأنها الأكثر حساسية من بين جميع الانتخابات التي مرت في عمر الجمهورية الإسلامية.  فالانتخابات كما يراها خامنئي اليوم هي فرصة النظام لمواجهة "مخططات خارجية للقيام بانقلاب مخملي في إيران" (2)، فـ "الهجوم الخارجي الناعم يواصل مسعاه لإحداث انسداد سياسي يقود إلى أزمة سياسية وأمنية"(3). وتكرار أزمة الانتخابات، معناه "إضعاف بنية الحكم وتراجع مستوى قبوله لدى الناس، وفي المحصلة ظهور ما يمكن تسميته أزمة الشرعية التي ستفتح الباب واسعا أمام أزمات أُخرى عديدة" (4)، وهنا قد تفهم أسباب الاهتمام  أكثر من أي وقت مضى بمشاركة واسعة للناس في هذه العملية السياسية.

لا يخفي وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي القلق مما قد يرافق الانتخابات أو يتبعها، "لو كانت نسبة المشاركة في الانتخابات مرتفعة، فإن العدو يشكك في نزاهتها، ولو كانت منخفضة فإنه يطرح موضوع حظر الانتخابات ومقاطعتها".  وتحدث مصلحي عن "معلومات موثقة حول سعي الأعداء لإيجاد أزمة سياسية بواسطة استغلال الحدث الانتخابي"(5). فهؤلاء الأعداء "يعتبرون الانتخابات أفضل أرضية ممكنة لضرب الثورة ويسعون للإيحاء بأن نموذج السيادة الشعبية الدينية في إيران نموذج فاشل"، أما تيار الرئيس نجاد وصهره أسفنديار رحيم مشائي والمسمى من قبل خصومه بـ"تيارالانحراف"  فيعمل لتعزيز هذا التوجه.

تميل بعض الأصوات الداعية إلى مقاطعة الانتخابات إلى القول بأنها "تمثيلية" وأن أعضاء المجلس جرى اختيارهم مسبقا، لكن وأيا كان مستوى صدق هذه الاتهامات، فالحقيقة أن الانتخابات البرلمانية التاسعة تأتي أهم من كل الانتخابات التي سبقتها.

ويعكس القلق الرسمي في جزء منه قناعة لدى الممسكين بزمام الأمر في إيران بأن ما حدث عام 2009 لم يسو بعد، وأن حالة الاحتجاج قد تجد في الانتخابات فرصة للاندلاع مجددا. وزاد من حدة هذا القلق والتوتر الداخلي تزامنه مع ضغوط وتهديدات خارجية، وأوضاع اقتصادية  متردية، وهي قضايا ستؤثر وتتأثر بما ستسفر عنه الانتخابات والتشكيلة السياسية للمجلس القادم. فالجمهورية الإسلامية تدخل انتخابات المجلس التاسعة وهي تواجه تحديين هما: تحدي المشاركة وتحدي المنافسة السياسية.

مجلس الشورى الإيراني.. مفاصل تاريخية وتحولات

لعب مجلس الشورى الإيراني وعلى مدى دورات ثمان دورا مهما في تاريخ الحياة السياسية الإيرانية. ونجد عند المراجعة لتاريخ مجلس الشورى الإسلامي أن انتخابات المجلس حازت على أهمية كبرى ولعبت دورا حساسا في تشكيل مجريات العملية السياسية وصراع الأجنحة داخل إيران، فضلا عن علاقات الجمهورية الإسلامية مع الخارج. ويمكن رصد أهم المفاصل التاريخية من عمر المجلس في الجدول التالي:

 

 

الدورة الأولى

جرت أول انتخابات للمجلس عام 1980، ولقب ذلك العام بعام إيران الانتخابي، إذ شهد خمس عمليات انتخابية، فقد جرى وضع الدستور الإيراني الجديد وتم الاستفتاء عليه شعبيا ليتم بعدها إجراء أول انتخابات لرئاسة الجمهورية ثم مجلس الشورى .جرت انتخابات المجلس الأولى بحضور عدد من التيارات السياسية. قدم حزب الجمهورية الإسلامية وجمعية الروحانية قائمة مشتركة ولقب تحالفهما بالتحالف الأكبر، وشاركت تيارات أخرى أبرزها مكتب التنسيق بين الشعب ورئيس الجمهورية  متمثلا بأبوالحسن بني صدر والنهضة والحرية. وشارك في الانتخابات أيضا منظمة مجاهدي خلق التي تطلق عليها إيران اليوم "المنافقون". زاد عدد من يحق لهم التصويت عن العشرين مليونا، وزادت نسبة الاقتراع عن 52%، وتمت الانتخابات على مرحلتين: انتخب في الأولى 97 نائبا، وفي الثانية 137 نائبا .

 

الدورة الثانية

جرت في العام 1984 في مرحلة حساسة من تاريخ الحرب بين العراق وإيران، وشهدت تلك الفترة عزل بني صدر عن رئاسة الجمهورية وتفجير مكتب حزب الجمهورية الإسلامية ومقتل بهشتي المقرب من الإمام الخميني و72 شخصا من المؤيدين للثورة، وبلغت نسبة المشاركة فيها 64.64% وشهدت هذه الدورة تنافسا بين تيارات الثورة وبداية ظهور قوائم فرعية لليسار واليمين .

 

الدورة الثالثة

جرت هذه الانتخابات في العام 1989، وجاءت بعد أحداث كبيرة في مقدمتها صدامات موسم الحج وانتخاب آية الله خامنئي رئيسا للجمهورية في دورة الرئاسة الرابعة وتشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام .وتم حل مؤسسة المجاهدين وحزب الجمهورية الإسلامية بموافقة الخميني، وانفصال مجمع (الروحانيون) عن مجتمع (الروحانيين). وبلغت نسبة التصويت في هذه الانتخابات 59.72%، وكان من أهم التطورات المرتبطة بهذه الانتخابات استقالة هاشمي رفسنجاني الذي كان نائبا عن طهران ورئيسا للمجلس ليتم اختياره رئيسا للجمهورية.

 
الدورة الرابعة

تشكل هذه الدورة بداية لمفصل تاريخي آخر في إيران، وأثرت في مجرياتها مجموعة قضايا أهمها انتهاء الحرب مع العراق ووفاة الخميني وانتخاب آية الله خامنئي مرشدا للثورة وبداية رئاسة رفسنجاني للجمهورية .وزادت نسبة الاقتراع في هذه الانتخابات التي جرت عام 1993 عن 57%.

 
الدورة الخامسة

وشارك فيها أربعة تيارات رئيسة هي: ائتلاف خط الإمام، ومجتمع الروحانيين المقاومين، وحزب كوادر البناء، وجمعية الدفاع عن قيم الثورة  وجرت عام 1997، وشهدت هذه الدورة أكبر نسبة اقتراع في تاريخ المجلس وصلت إلى 71.1%.

 

 

الدورة السادسة

جرت في الفترة الرئاسية الأولى لمحمد خاتمي، وسبقتها حوادث كبيرة أهمها مسلسل القتل لعدد من المفكرين والشخصيات الإيرانية. وامتازت هذه الدورة بارتفاع عدد النواب من 270 إلى 290 نائبا بعد تعديل قانوني جرى في الفترة السابقة من عمل المجلس. وبلغت نسبة التصويت في هذه الانتخابات التي جرت عام ( 2000) 67.35%..

 
الدورة السابعة

هي دورة الملف النووي ومواجهة الضغوط الغربية بهذا الصدد، وجرت عام 2004 بعد استقالة عدد من النواب في آخر عمر الدورة السابقة. وبلغت نسبة الاقتراع فيها 51.21%.

 

 
الدورة الثامنة

جرت عام 2008، و ترشح لها 7200 مرشح بعد رفض صلاحية عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين، وبلغت نسبة التصويت فيها 51%، وفاز الأصوليون (7) بما يعادل 74% من المقاعد، ويمكن وصفها بأنها دورة الصدام مع حكومة نجاد، فقد تعرض الكثير من وزرائه للمساءلة، ومنعت الثقة عن عدد منهم بصورة غير مسبوقة، وتصدى نواب في مقدمتهم علي مطهري وأحمد توكلي للكشف عن ضعف أداء الحكومة اقتصاديا وقصور سياسات الرئيس، وربطها بما أطلق عليه الخصوم "تيار الانحراف" بزعامة رحيم مشائي، ونجح النواب المنتقدون باستصدار قرار لمساءلة نجاد نفسه، وهو ما سيكون له نتائج سياسية هامة تقرر مستقبل الرئيس، وإن كانت المساءلة ستتم أمام المجلس الذي سينتخب مطلع مارس/ آذار.

ونجد أن الجمهورية الإسلامية مرت بثلاث دورات مما يمكن تسميته بـ "إعادة الترتيب" بهدف تعيين الحدود السياسية بين من هم داخل النظام السياسي ومن هم  خارجه. وكان للمجلس على الدوام دور كبير في دعم مرشد الثورة وهو يرسم هذه الحدود(6). كانت أولى هذه الدورات عام 1982، عندما انتخب بني صدر رئيسا ثم أقصي  بقرار  من مجلس الشورى، وتبع ذلك التصفية الدموية التي شهدتها الجمهورية الإسلامية في عقد الثمانينيات وغيرت من الحدود السياسية بين القوى الموجودة داخل النظام السياسي وخارجه. وجاء التجديد الثاني بعد سبع سنوات عندما تم إقصاء آية الله منتظري عن منصب نائب المرشد، ولعب المجلس أيضا دورا مهما في ذلك. وجاءت الدورة الثالثة بعد 20 عاما في انتخابات رئاسة الجمهورية العاشرة عام 2009 لتكون الانتخابات أداة تستخدم ليصبح قرار المرشد علي خامنئي بإخراج القوى الإصلاحية من الحياة السياسية نهائيا وعمليا وعلنيا. وبعد كل عملية تجديد أو "إعادة ترتيب" كانت المنافسة تتم بين القوى الموجودة داخل حدود النظام السياسي، وهي القوى التي بات يطلق عليها في القاموس السياسي الإيراني "خودي" أي "جماعتنا"، لكن مجريات الحالة السياسية كانت تولد عقب كل مرة تيارا أو قوة سياسية تتصدر المواجهة والمعارضة من داخل النظام نفسه.

تحدي المشاركة

طوال ثلاثة عقود كانت إيران تقدم ميزان المشاركة في الانتخابات كمؤشر لقياس مدى المشروعية التي يتمتع بها النظام في مواجهة معارضيه. وتأتي العملية الانتخابية مصحوبة دائما بدعاية سياسية تتحدث عن "المشاركة العظيمة"  بتعبيرات مغرقة في الحماسة، وبطريقة تصور عملية الإدلاء بالصوت كفعل مواجهة يلزمه الحماس وشحذ الهمم، وتقدم انتخابات إيران كحدث لا مثيل له في العالم. وقصة "شرعية النظام وتفرده" في تقديم عملية انتخابية يصنفها مرشد الثورة كفعل مؤثر في إطار "حكم الشعب الديني" لم تفقد أهميتها في مجال دفاع النظام عن نفسه في الداخل والخارج.

بقي الشارع ومنذ انتصار الثورة الإسلامية ميدان حراك النظام السياسي، ووسيلته للجم معارضيه، وبقي ماهرا في ذلك حتى عام 2009 عندما خرج الشارع الذي يعد ميدان تجلي سلطة الدولة من يد النظام ليقع بيد المحتجين لأيام. وأعطى الانحياز المؤقت للشارع والقدرة على توظيفه للمحتجين شعورا بالتفوق رافقه حضور طغى على صوت النظام في الفضاء الافتراضي والإعلامي الخارجي.  لذلك لا تريد الجمهورية الإسلامية بشقها الرسمي تكرار فقدان السيطرة على الشارع، وتستعد للانتخابات بحضور أمني مكثف، يتربص بأية محاولة للاحتجاج.

إيران معنية اليوم بإثبات مقولة أن حالة الاحتجاج التي شهدتها في السابق كانت حدثا عابرا، وبناء عليه فلن يكفي النظام نسبة مشاركة تصل إلى 60%، بل أصبح الوضع يقتضي نسبة أعلى تقدم من خلالها الحكومة دليلا على أن التظاهرات لم تكن سوى "طارئ جاء نتيجة لمخطط خارجي رسمه أعداء الجمهورية الإسلامية". وهذه النتيجة مهمة أيضا للزعم بأن العلاقة بين الشعب والنظام لا توصف بأنها "سليمة" فقط، بل إن الشعب مصمم على دعم النظام والوقوف خلف قراراته.

في المقابل بات هدف المعارضين تقويض سعي النظام لتحقيق ذلك من خلال الدعوة لمقاطعة الانتخابات ووصفها بأنها لا تعدو أن تكون مسرحية، وبينما يسعى النظام لتحقيق أعلى نسبة مشاركة للتدليل على مشروعيته، تسعى المعارضة إلى خفض النسبة للتدليل على حضورها وتأثيرها بين عامة الشعب.

ويحتاج النظام إلى عملية انتخابية ناجحة لمخاطبة مخالفيه ومؤيديه على حد سواء، فهو يدرك أنه يستمد مشروعيته من حضور مخالفيه، وفي الوقت ذاته بات معنيا بأن يثبت لمؤيديه أنه ما زال نظاما قويا مستحكم الأركان، وأنه لم يفقد شرعيته الأخلاقية. وسيساعده ذلك على مخاطبة الخارج بالقول أنه ما زال يلقى التأييد والدعم الشعبي على الرغم من الضغط  والتهديد والعقوبات.  ولذلك فنسبة المشاركة في الانتخابات التاسعة تعني مضمونا سياسيا أكثر من كونها عملية انتخابية عادية، وهذا المضمون يمكن رصده بالتالي(8)

  • من الممكن أن تكون مؤشرا كليا على نتيجة المنافسة بين النظام ومنافسيه.
  • من الممكن أن تكون مؤشرا على قدرة أو عدم قدرة النظام السياسي على استعادة ثقة مؤيديه.
  • من الممكن أن تكون عرضا لرد الفعل الشعبي على الضغط الدولي والعقوبات.

ويبقى تحدي التشكيك بالنتيجة ونزاهة العملية الانتخابية قائما، ولذلك فالنظام معني بمشاركة واسعة، وبعملية انتخابية لا تشوبها شبهات التزوير والتدخل،  وهو ما يرى كثيرون أنه بات أمرا صعبا  مع غياب المؤسسات المستقلة والمحايدة التي تشرف على الانتخابات.

تحدي المنافسة

بعد الانتخابات الرئاسية العاشرة، جرى إخراج تيارين سياسيين خارج حدود النظام،  تمثل الأول ببقايا التيار الإصلاحي، والذي عبر عن نفسه بما سمي بالحركة الخضراء، الذي أطلق عليه النظام "تيار الفتنة"، ولم تفلح محاولات خاتمي وتأكيداته على حرص الإصلاحيين على نظام الجمهورية الإسلامية في وقف سياسة ممنهجة لإقصاء تياره. وتمثل الثاني في  مؤيدي نجاد أو ما أطلق عليه "تيار الانحراف" الذي أثار تحديه لقرارات المرشد وحديثه عن البعد القومي والشخصية الإيرانية إحساسا لدى النظام بأنه يمثل تهديدا يجب التصدي له.  وإن كان إخراج الحركة الإصلاحية والحركة الخضراء خارج حدود النظام  قد تم، فإن ما يسمى "تيار الانحراف" مازال في طريقه نحو الخارج، لكنه صار قريبا من الحدود غير الآمنة.

وداخل حدود النظام ما زالت هناك ثلاثة تيارات تتبارى فيما بينها للحصول على دعم المرشد وحمايته وهي:

  • اليمين المتطرف، والذي يحظى بثقة المرشد وتأييده.
  • اليمين المعتدل، ما زال المرشد يتعامل وينسق معه.
  • اليمين التقليدي، وهو تيار تراجع دوره بصورة كبيرة، وبات دوره رمزيا.

هذه التيارات الثلاثة هي التي تتنافس فيما بينها اليوم، وتسعى جميعها للفوز بدعم المرشد والحصول على نصيب أكبر من أسهم النخبة السياسية الحاكمة، وهذا التنافس هو الذي يؤثر في تشكيل هوية المجلس السياسية. ومن المعروف أن تركيبة المجلس يكون لها تأثير كبير في انتخابات الرئاسة التي تليها(9)، فالتنافس لانتخابات المجلس هو مقدمة لمنافسة انتخابات الرئاسة. وقد يتطور التدافع السياسي لهذه التيارات فيما بينها من جهة، ومع ما يسمى "تيار الانحراف" من جهة أخرى ليصبح خطرا أمنيا يهدد النظام، خاصة على صعيد المنافسة بين اليمين المتطرف والمعتدل وتيار أحمدي نجاد المشار إليه بـ"تيار الانحراف".

أطياف تتصارع

تقول أرقام إيرانية أخيرة أن تيار نجاد ومقربيه والذي يسمى بـ"تيار الانحراف"  يشارك بـ 520 مرشحا في مختلف مناطق إيران، مقارنة بـ 1090 مرشحا من الأصوليين، و862 مرشحا إصلاحيا، و103 مرشحين مستقلين من المحسوبين على تيار أحمدي نجاد، و1258 مرشحا من الميالين إلى التيار الإصلاحي، و819 مرشحا من أساتذة الجامعات. وعلى الرغم من الحديث عن مقاطعة إصلاحية للانتخابات إلا أن قوائم المرشحين تشير إلى مشاركتهم بعدد لا يستهان به.

لا يمكن وصف الأرقام المتعلقة بتيار نجاد ومرشحيه للانتخابات النيابية بالدقيقة، وبينما تتحدث آراء عن ضعف التيار وتراجع فرصه بسبب تراجع شعبية الرئيس الإيراني، تتحدث آراء أخرى عن أن هذا التيار سيحوز على غالبية مقاعد المجلس القادم. ويجري الحديث عن قائمة معلنة وأخرى خفية لهذا التيار. ويقول متخصصون إن 100 مرشح في هذه الانتخابات هم من مؤيدي نجاد ومشائي.

وتشارك جبهة الثاني من خرداد الإصلاحية بقائمة مخفية أيضا، إذ إن الكثير من مرشحيها الذين ترشحوا وجرى تأييد صلاحيتهم هم شخصيات ذات ميول إصلاحية وإن كان ترشيحهم لم يأت تحت مسمى مرشحي التيار الإصلاحي. وبالإضافة إلى حزب "مردم‌ سالاري" حكم الشعب الإصلاحي، تشارك أحزاب إصلاحية أخرى في الانتخابات رغم إعلان بعض الأحزاب والشخصيات الإصلاحية الأخرى مقاطعتها.

الأصوليون..الوحدة التي لم تتحقق

بعد شد وجذب وحديث طويل عن وحدة الصف الأصولي يشارك الأصوليون في هذه الانتخابات من خلال ست قوائم (10)، تتصدرها "الشورى المركزية للجبهة المتحدة للأصوليين"، وهي المجموعة التي تنضوي تحت زعامة آية الله مهدوي كني، والتي أعلنت عن قائمة تضم 28 مرشحا، وبقي مرشحان من المفترض أن يكونا من رجال الدين لم يعلن عنهما. وخرج كل من النائب علي مطهري والنائب كاتوزيان والنائب علي عباسبور تهراني من قوائم الجبهة، وكان النواب الثلاثة قد وجهوا الكثير من النقد لحكومة نجاد وأداء المجالس حيال قراراتها.

وغاب عن القائمة أيضا أسماء أصولية بارزة مثل شهاب الدين صدر نائب رئيس مجلس الشورى في دورته الثامنة، وحسن شيخ الإسلامي ومهرداد بذرباش صاحب الدور البارز في الحملات الانتخابية السابقة للأصوليين والذي أقصي عن منصبه كمعاون لرئيس الجمهورية بعد معارضته لبعض القرارات التي قيل إنها جاءت بتأثير من جماعة مشائي أو ما يسمى بـ"تيار الانحراف". وكان عدد من النواب المعروفين والوزراء الذين جرى إبعادهم من حكومة نجاد التاسعة والعاشرة قد تحدثوا عن قائمة مستقلة تحمل اسم "جبهة بايداري" أو جبهة الثبات، وعرف عن أفرادها انتهاج خط نقدي للأداء العام بصورة أكبر من الجبهة المتحدة.

وتشير مجريات العملية الانتخابية إلى أن قائمة مستقلة لهذه الجبهة بات أمرا واقعا، ويتحدث أعضاؤها عن أهداف في مقدمتها "التصدي للفتنة وتيار الانحراف في الحكومة". ورغم أن شخصيات هذه القائمة كانوا من المعروفين بدعمهم لنجاد، إلا أن نقدهم المستمر لمدير مكتبه المقرب أحدث شرخا في العلاقة بين الطرفين، وبات من المؤكد أن هذه القائمة لا تحظى بترحيب حكومي.

وجاء حذف مطهري، عباسبور، کاتوزيان، إضافة إلى نواب وشخصيات منتقدة للحكومة من قائمة الجبهة المتحدة ليوفر أرضية لظهور القائمة الثالثة داخل الجسم الأصولي بزعامة على مطهري، ويتوقع لهذه القائمة أن تلقى نجاحا يعود إلى الشعبية الكبيرة التي بات يحظى بها مطهري عقب أدائه الناقد لنجاد وحكومته ومجلس الشورى، ودفعه لاستجواب الرئيس واستقالته من المجلس احتجاجا على "تقاعسه" في التصدي لمخالفات الحكومة، وتعرف هذه المجموعة باسم "جبهة منتقدي الحكومة العاشرة"، وهذه القائمة لا تأتي من خارج الجسم الأصولي، فأفرادها أصوليون، لكنها تأتي في قائمة منفصلة للتأكيد على قرارها بمواجهة التيار الداعم لنجاد. وجاء البيان الأول لهذه المجموعة ليؤكد مجموعة أهداف، أهمها: التصدي للتجاوزات القانونية، وتقوية الاعتدال والعقلانية، واحترام الحريات وحقوق المواطنين في إطار الدستور لتشكيل مجلس مقتدر.

ومع تطور الحدث الانتخابي بدا مستحيلا حديث الأصوليين عن مشاركة لا تتجاوز القائمتين. وإضافة إلى القوائم السابقة يبرز اسم جبهة "ايستادگي" المقاومة، وتضم مقربين من القائد السابق للحرس الثوري ومدير مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي. وبعد حديث ومحاولات للاتحاد مع الجبهة المتحدة، إلا أن القائمة أعلنت مشاركتها بصورة مستقلة.

ومن المتوقع ظهور قائمة جديدة تحمل اسم "مجمع المتخصصين" يتزعمها نائب رئيس مجلس الشورى في دورته الثامنة شهاب الدين صدر، وسيكون لهذه القائمة تأثير واضح يرجع لإمكانيات أعضائها وقدرتهم على التنظيم.

ومن داخل الجسم الأصولي أيضا لا يبدو مستبعدا ظهور جبهة مؤيدي الحكومة، وتتبنى هذه الجبهة الاعتقاد الكامل بحكومة نجاد وكفاءة مسؤوليه، حتى أولئك الذين أثاروا الجدل. وتحمل هذه القائمة اسم "حاميان گفتمان انقلاب اسلامي" المدافعون عن خطاب الثورة الإسلامية.

الصدام القادم

وبناء على ما سبق فالنظام في إيران قد يتبع ثلاثة مسارات مختلفة للسيطرة على الانتخابات القادمة، فقد يلجأ إلى إدامة إقصاء الإصلاحيين، وإخراج من تبقى منهم، والوقوف في وجه  مؤيدي أحمدي نجاد إلى  المجلس، و ضبط  عملية المنافسة بين القوى المتبقية داخل النظام، للحد من النتائج غير المرغوبة لعملية المنافسة هذه.

كان إعادة ترتيب حدود النظام السياسية التي جرت عام 2009 متفاوتة مع ما سبقها، فمرشد الثورة أراد من خلال إدارته لأزمة الرئاسة أن يوصل رسالة لمعارضيه ومؤيديه على حد سواء مفادها أن أية محاولة للمساس بموقع وصلاحيات الولي الفقيه لن تمر، وأن الانتخابات لن تكون مجالا يسمح بالتغيير داخل النظام، أو للحديث عن "الجمهورية الإسلامية الجديدة " التي يعد مفكرو التيار الإصلاحي أول من بشر بها. ولذلك أصبحت إستراتيجية النظام  لفظ أية قوة سياسية يظن أنها تسعى للتغيير خارج حدود النظام ومواجهتها بقوة. ووجه خامنئي بذلك ضربة أصابت معنى ودور الانتخابات وفق الرؤية الإصلاحية، ولذلك بات الإصلاحيون عاجزين عن تحقيق أهدافهم وفق الأساليب القديمة وبوسيلة الانتخابات.

وقد يشكل التنافس الذي يوشك أن يتحول إلى مواجهة بين اليمين وتار أحمدي نجاد (تيار الانحراف) فرصة للتيار الإصلاحي، قد لا يفلح باستثمارها بشكل كبير بسبب عدم استعداده وعدم جاهزيته الاجتماعية والسياسية بسبب ما تعرض له من قمع وتضييق على مدى السنوات الماضية.

وإذا جاء المجلس بتركيبة توافق رغبة المرشد فسيكون نجاد وحكومته في السنتين المتبقيتن تحت ضغط كبير، وسيكون نجاد هو المقصر الأول، وسيوجه له اللوم كونه المسؤول عن الخراب الذي أصاب العديد من القطاعات، لكن المواجهة مع نجاد لن تكون سهلة، وإذا لم ينجح خامنئي في السيطرة سياسيا على المجلس القادم  وجاءت تركيبته من قوى مستقلة نسبيا وقوى مقربة من الإصلاحيين أو من تيار نجاد، فذلك يعني ساحة سياسية ملتهبة، ومواجهة سياسية تتعالى حدتها كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية القادمة.

لا يبدو التكهن بتركيبة مكررة لمجلس الشورى الإيراني ولا تحدث تغييرا يذكر توقعاً صائبا. وإن جاءت نتيجة الانتخابات حاملة تفوقا أصوليا، فذلك معناه وقوع صدام بوتيرة أكثر حدة مع الرئيس الإيراني، الذي سيكون له نواب داعمون في المجلس. وإن صدقت التقارير القائلة بوجود طبقتين من المرشحين (علنية وسرية) لتيار نجاد ومستشاره المقرب، فذلك يعني أن لدى هذا التيار فرصة كبيرة لتحقيق الفوز بعدد من المرشحين الذين سيكونون مثل "مصباح مطفأ" سيضاء في وقت لاحق، وهو ما قد يدفع إلى  الصدام أيضا، لكن ساحة الصدام في هذه الحالة قد تتسع من كونها بين المرشد والرئيس، إلى صراع يقف فيه عدد كبير من نواب مجلس الشورى إلى جانب الرئيس. وليس ثمة شك في أن انقساما بالغا في مجلس الشورى سيقابل بدور أكبر للحرس الثوري المؤيد للمرشد في الحياة السياسية. مثل هذه المواجهة إن جرت وفق هذه المقتضيات، فذلك معناه أنها لن تقبل بالمراوحة والتسويات كما جرى على مدى الأشهر الماضية، وستتطلب الحسم، وإقصاء نجاد، مما قد يقود إلى حالة احتجاجية جديدة في الجمهورية الإسلامية. ولا يجب أن نسقط هنا احتمال أن تصبح الانتخابات مناسبة لعودة حالة التظاهر والاحتجاج إلى الساحة الإيرانية.
________________________________
فاطمة الصمادي-باحثة متخصصة في الشأن الإيراني

الهوامش
(1) رأي خامنئي أن مشاركة واسعة للإيرانيين في انتخابات مجلس الشورى في دورته التاسعة طريق لتعزيز "هيبة إيران في عيون أعداءها" انظر: رهبر معظم انقلاب در بيانات بسيار مهم، تحليل جامعي از دستاوردهاي انقلاب، شرايط منطقه اي و بين المللي ارائه کردند (قائد الثورة في بيانات هامة: تحليل جامع لمنجزات الثورة، وظروف المنطقة والعالم، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية على الإنترنت، 14/11/1390:
http://www.leader.ir/langs/fa/index.php?p=contentShow&id=9093

(2) "مشاركت در دهمين انتخابات رياست جمهورى وبايسته‌ هاي امنيت ملى جمهورى اسلامى ايران" (المشاركة في الانتخابات الرئاسية العاشرة ومتطلبات الأمن القومي لإيران)، تقرير صادر عن مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني، ارديبهشت ماه 1388 (مايو أيار/ 2009)، في الموقع الإلكتروني التالي:
http://www.majlis.ir/pdf/Reports/9650.pdf
(3) انتخابات با امنيت ملي گره خورده (الأمن الوطني مرتبط بالانتخابات) ، جبهه متحد اصولگرايان (الجبهة المتحدة للأصوليين)، 12/2/2012:
http://www.jebhemottahed.ir/vdceb78vijh8x.9bj.html
(4) المصدر نفسه.
(5) نگراني وزير اطلاعات از امنيتي شدن فضاي انتخابات(قلق وزير الاستخبارات من جعل الانتخابات فضاء أمنيا"، دويچه وله فارسي، 24/1/2012:
http://www.dw.de/dw/article/0,,15687060,00.html
(6) حسين قاضيان، انتخابات مجلس نهم در ايران، چالش‌ها وچشم‌اندازها (انتخابات المجلس التاسع في إيران، التحديات والآفاق)، ?? بهمن ????:
http://www.rahesabz.net/story/49161/
(7) يرجع دخول مصطلح الأصولية للأدبيات السياسية الإيرانية إلى أواخر التسعينيات، ويرى محللون كثر، ومنهم الدكتور علي دارابي، أن الإصلاحيين دأبوا على إطلاق تسمية المحافظين والسلطويين على خصومهم ومنافسيهم السياسيين. ويحمل مصطلح "المحافظة" في القاموس السياسي الإيراني معاني سلبية مثل، التحجر، وتجاهل التغيير، ورفض التطور، والإصرار على منطق حفظ الوضع الموجود من دون الأخذ بعين الاعتبار ما يجري على الساحة الخارجية، وتمثلت ردة فعل تيار اليمين في إيجاد خطاب أطلقوا عليه الخطاب الأصولي ردا على التسمية الإصلاحية لتيارهم.
(8) قاضيان، مرجع سابق
(9) قاضيان، مرجع سابق
(10) اصولگرايان فعلا شش ليست انتخاباتي دارند ،( الأصوليون لديهم حاليا ست قوائم انتخابية)، سايت انتخابات إيران،17/11/1390:
http://www.entiran.ir/show.php?news_id=20391 

نبذة عن الكاتب