اللعبة التي لم تعد صفرية بين طهران وواشنطن

بات خطاب السياسة الخارجية لإيران اليوم أقرب إلى التعبير عن أن "العلاقات الدولية لم تعد لعبة صفرية، بل مجالاً متعدد الأبعاد يتزامن فيه التنافس والتعاون"، ويبدو أن ما وعد به الرئيس الإيراني حسن روحاني من تغيير على هذا الصعيد سنرى ملامحه بوضوح على صعيد التقارب مع واشنطن.
23 سبتمبر 2013
2013924121046174734_20.jpg
الرئيس الإيراني حسن روحاني (يمين) ونظيره الأميركي باراك أوباما (الجزيرة)

بات خطاب السياسة الخارجية لإيران اليوم أقرب إلى التعبير عن أن "العلاقات الدولية لم تعد لعبة صفرية، بل مجالاً متعدد الأبعاد يتزامن فيه التنافس والتعاون"؛ فقد انتهى عصر "العداوات الدموية" (1)، وبات حريًا بزعماء العالم أن "يحولوا التهديدات إلى فرص"، كما يرى الرئيس الإيراني حسن روحاني في مقاله الذي نشرته الواشنطن بوست مؤخرًا. إن ما تحاول إيران فعله اليوم، هو تحويل التهديد الذي يحيط بها من كل جانب إلى فرص، وتوظف لأجل ذلك التنافس والتعاون في ساحات الصراع المتعددة التي باتت إيران لاعبًا رئيسًا فيها. ولا تعدو الساحة السورية أن تكون رقعة شطرنج تحذو فيها إيران حذو روسيا، لتمارس استعراضًا للقوة والنفوذ، مع تحذير ناعم بتبعات تجاوزها في ترتيبات حل الأزمة.

تدرك إيران أن "تحويل التهديد إلى فرصة" لن يتم إلا بإجراء تغيير في الخطاب والسياسة الخارجية، وتعتبر ذلك خطوة أولى لفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن ثم الغرب، وحتى إسرائيل. بدأ الرئيس روحاني عهده بتهنئة اليهود في العالم أجمع بعيد رأس السنة العبرية (روش هشانه)؛ وبالرغم من مسارعة الحكومة الإيرانية إلى نفي ذلك، والتوكيد على أن الرئيس روحاني لا يمتلك حسابًا على "تويتر"، إلا أن الوقائع تناقض تصريحات الناطق الحكومي. فقد أُنشيء حساب روحاني على تويتر مطلع مايو/أيار الماضي وتحدث فعلاً باسم روحاني في الانتخابات، وتضمّن معلومات دقيقة تتعلق بالموقف من عدد من القضايا، وأبرزها الحوار مع أميركا وضرورة إحداث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية. ونشر هذا الحساب منذ ذلك التاريخ أكثر من ثلاث عشرة ألف تغريدة، بمعدل 50 تغريدة في الأسبوع. جاءت التغريدات منسجمة مع دعوة روحاني إلى تغيير في السياسة الإيرانية في الداخل والخارج، ولم يصدر منذ ذلك التاريخ أي نفي لأي منها. لاحقًا، اختار روحاني سيامك مرصدق، النائب اليهودي في البرلمان الإيراني، ليرافقه في زيارته إلى نيويورك. كما نشر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حسابه الرسمي على تويتر مجموعة تغريدات تصب في الاتجاه نفسه، مشيرًا إلى أن بلاده إيران لا تنكر المحرقة، أو "الهولوكوست"، وأن الرجل الذي أنكر المحرقة قد غادر، قاصدًا بذلك أحمدي نجاد (2).

هل هو قرار روحاني؟

يتبادر إلى الذهن سؤال ما إذا كان هذا التغيير مرتبطًا بصورة حصرية بطروحات روحاني، وبرنامجه الانتخابي الذي وعد بتغيير كبير في السياسة الخارجية الإيرانية، أم أن المسؤولين في إيران في مختلف دوائر صنع القرار باتوا مقتنعين بضرورة التغيير؟

للوهلة الأولى، يبدو الموضوع برمته معنونًا بسياسة خارجية جديدة تفرضها شخصية روحاني، ومن خلفه أستاذه هاشمي رفسنجاني، صاحب طروحات التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد يقرأ البعض في التطورات الأخيرة انتصارًا لتيار رفسنجاني، الذي يعود إلى الساحة بقوة بالرغم مما تعرض له من تضييق وإقصاء على مدى السنوات الماضية؛ ويبدو هذا صائبًا بصورة أو أخرى.

الواقع أن مسألة التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، والوصول بالأمر إلى إمكانية حدوث انفراج حقيقي في العلاقة التي اتسمت بالقطيعة على مدى ما يزيد عن ثلاثة عقود، يتجاوز تيارًا سياسيًا بعينه ليصل إلى توافق عام، تتشارك فيه مجمل القوى، مع التأكيد على الدور الكبير والمحوري لـ "بيت المرشد"، وهي التسمية الدارجة في السياسة الإيرانية للفريق السياسي والأمني والعسكري الذي يحيط بالمرشد ويدار من قبله، ويعتبر القوة السياسية الأكثر تأثيرًا في مجريات القرار الإيراني اليوم.

ولعل مراجعة لمجمل الخطاب الإيراني، حتى قبل مجيء روحاني، تكشف عن أن الجمهورية الإسلامية قد اتخذت قرارًا بإحداث التغيير الذي ستكون شخصية روحاني هي الحامل الأمثل للسير به وتحقيق مبتغاه؛ فالخطاب الإيراني الذي كان يرى، في أغلبه، أن قضية إيران مع الولايات المتحدة الأميركية تتعلق بمسألة "الاستكبار والاستضعاف"، وأن إيران تقف في جبهة المستضعفين في مواجهة جبهة "المستكبرين"، أخذ منذ سنتين تقريبًا في إجراء عملية إعادة قراءة و"تأويل" لخطاب الخميني على هذا الصعيد. وبدأت تنتشر تسريبات عن أن الخميني لم يكن موافقًا على اقتحام السفارة الأميركية ولم يكن معارضًا للعلاقة مع الولايات المتحدة جملة وتفصيلاً.

نجد هذا التغيير أيضًا في خطاب آية الله علي خامنئي، الذي كان يصف التصريحات الأميركية والمتضمنة الرغبة في التفاوض، بأنها لا تعدو أن "تكون خدعة" (3)، ويسخر من اعتقاد البعض بأن "التفاوض سيزيل العداء" فالخصومة من وجهة نظره لا تزول بالتفاوض. ونجده في موضع آخر يشرح أسباب رفض المحادثات لأكثر من مرة، خالصًا إلى أن إيران وصلت، بعد تفحص تجارب الدول الأخرى ومشورة أصحاب الاختصاص، إلى أن التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية يتنافى مع المصالح الوطنية الإيرانية ويتعارض معها (4). والسبب برأيه هو الاستكبار؛ "فالمستكبر عندما يجري محادثات مع دولة أخرى؛ فذلك لا يعني أنه سيقبل وجهة نظرها". ‏وليس الاستكبار وحده هو السبب، فخامنئي يرى في العلاقات والمفاوضات مع "دولة تعمل وتخصص ميزانية للإطاحة بنظام الحكم في إيران حماقة وخيانة" (5).

تجنب خامنئي في تصريحاته على مدار العام الماضي نفي قيام علاقات بصورة قطعية، وتعمّد أن يبقي الباب مواربًا، جاعلاً المسألة محكومة بمصلحة إيران. وسبق أن قال خامنئي في حديث للنخب الثقافية في مدينة يزد عام 2007: "العلاقة مع أميركا في الوقت الحاضر لا تحمل أي نفع لإيران ولكن في اليوم الذي ستكون فيه العلاقات ذات نفع للشعب الإيراني سأكون أول شخص يؤيد ذلك" (6). ورغم موقفه المتشدد من صفقة مع الولايات المتحدة إلا أن التيار الأصولي بدأ يتحدث قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة عن أن هذه القضية مسألة ترجع إلى قرار المرشد، وإذا ما قرر إعطاء الضوء الأخضر على هذا الصعيد فسيشهد العالم تحولاً في الخطاب الإيراني تجاه الولايات المتحدة الأميركية. وكان من مشكلات أحمدي نجاد على هذا الصعيد أنه حاول إحراز تقدم بقرار مستقل ودون الرجوع إلى المرشد.

تأتي تطورات العلاقة في وقت تتحدث الصحافة الإيرانية عن قرب الإعلان عن تفاوض مباشر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. وقد حدد بعض الدبلوماسيين الإيرانيين مطلع العام القادم كموعد لإعلان انطلاق المفاوضات. ويواكب هذه المواقف "تسريب" أخبار لقاءات وشائعات تتحدث عن زيارة سرية لمستشار خامنئي ووزير الخارجية السابق علي ولايتي إلى واشنطن، يرافقه رئيس شعبة الاستخبارات في الحرس الثوري. واللافت أن هذه الشائعات تزامنت في ذلك الوقت مع تصريحات أدلى بها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، المقرب أيضًا من خامنئي، للصحافة الغربية، حول عملية تفاوض واسع، يفتح ملفات الخلاف جميعًا. ويشير هذا المناخ من التصريحات والتسريبات والشائعات إلى أن التفاوض المباشر الذي يجري الحديث عنه اليوم ما هو إلا تتويج لمفاوضات سابقة جرت بالفعل في دول أوروبية مثل سويسرا وألمانيا، وأن من بدأ هذه الخطوة هو مرشد الثورة نفسه. لقد تم تهيئة الأرضية المناسبة وبات مطلوبًا من روحاني أن ينجز الصفقة، مستخدمًا براعته ومرونته في التفاوض والدبلوماسية.

ويبدو أن روحاني لا يتحرك في هذا الاتجاه بقراره المستقل بل بدا واضحًا أنه حصل على ضوء أخضر من مرشد الثورة؛ فقرار المرشد سيجعل من الصعب على معارضي التقارب مع أميركا مهاجمة روحاني وتعويق مساره، وذلك على عكس ما حدث مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي سعى، ورغم تصريحاته المستفزة بشأن إنكار المحرقة وغيرها، إلى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية. وكذلك ما حدث مع محمد خاتمي، الرئيس الأسبق، الذي خرجت ضده مسيرات أكفان تندد بمحاولاته طي صفحة الخلاف مع الولايات المتحدة الأميركية.

وقبل أيام قليلة على نشر مقال روحاني في الواشنطن بوست، وتصريحات خامنئي حول "الدبلوماسية المرنة الشجاعة"، كشف حسين موسويان، العضو السابق في الفريق الإيراني المفاوض مع الغرب حول الملف النووي والقريب من هاشمي رفسنجاني، عن تفويض حصل عليه الرئيس حسن روحاني من قبل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي للدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية (7).

المقالة الكاشفة

وتكشف مقالة روحاني في الواشنطن بوست، "لماذا تسعى إيران إلى الانخراط البنّاء" (8)، الكثير عن الأسباب الكامنة وراء هذا التغيير؛ إذ يستهل روحاني الحديث بالتأكيد على أن برنامجه الانتخابي "التدبير والأمل" حصل على تفويض شعبي واسع، مما يجعله ملزمًا بالوفاء بتعهداته بإحداث تغيير في القضايا المحلية والدولية. وهذا يعني بشكل كبير أن الأولوية بالنسبة له هي السعي لإصلاح اقتصاد بلاده والوفاء باحتياجات المجتمع الإيراني وتعزيز مكانة إيران الدولية. لكنه يعتقد أن تحقيق الكثير من أجندته يرتبط بشكل مفصلي بتهدئة التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب.

ضرورات اقتصادية

ويبدو أن الاقتصاد هو الملف الضاغط على هذا الصعيد؛ فقد انشغل العالم بمصطلح "الاقتصاد المقاوم" الذي أطلقه مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بوصفه الحل للعقوبات الاقتصادية التي فعلت فعلها في السنوات الأخيرة وأدخلت الاقتصاد الإيراني في أزمات خطيرة. وتعد هذه الأزمات اليوم سببًا جوهريًا لينحت خامنئي مصطلحًا جديدًا هو "الدبلوماسية المرنة الشجاعة" (9)؛ فالاقتصاد المقاوم ما عاد قادرًا على مواجهة المزيد من العقوبات. إن تفحص الأرقام والمؤشرات الاقتصادية لإيران اليوم يعطي فكرة واضحة عن الوضع الحرج الذي تعيشه البلاد. لم تحقق إيران أي تقدم في نسبة النمو الاقتصادي على مدى العامين الماضيين؛ مما يجعلها المرحلة الأسوأ اقتصاديًا بالنسبة لإيران منذ الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988). ويؤكد تقرير لمركز الدراسات التابع لمجلس الشورى الإسلامي عن عدم تجاوزه نسبة 0% خلال العامين الماضيين؛ ما يبتعد بالبلاد كثيرًا عن سكة تحقيق خطة عام 2025، التي تهدف للارتقاء باقتصاد البلاد في كافة المجالات وتحقيق نسبة نمو اقتصادي تبلغ 8% حتى ذاك العام (10). هذا، بالرغم من تحقيق إيران لعائدات نفطية كبيرة، تُقدر بـ 720 مليار دولار خلال الأعوام الثمانية الأخيرة (هي فترة حكم أحمدي نجاد)؛ ما يزيد عن العائدات التي حصلت عليها حكومات ثلاثة رؤساء سبقوا أحمدي نجاد منذ الثورة، والتي بلغت بالمجمل 432 مليار دولار (11).

وفي الوقت ذاته وصلت معدلات التضخم الاقتصادي إلى 4 بالمائة (12)، وأعلن البنك المركزي عن تضخم وصل إلى 45 بالمائة في يونيو/حزيران الماضي (13)؛ ويأتي ذلك مصحوبًا بتدهور سعر العملة الوطنية. فمع أواخر 2011، فقد الريال الإيراني ثلثي قيمته أمام الدولار نتيجة للعقوبات الغربية التي استهدفت القطاع المصرفي وصادرات النفط، ولم يعد بمقدور البلاد استلام عائداتها بالدولار، وشهدت إيران ازدهارًا في تجارة العملة في السوق السوداء.

لم تعد لعبة صفرية

يعتقد روحاني أن "السياسة الدولية لم تعد لعبة محصلتها صفر ولكنها ساحة متعددة الأبعاد تشهد التعاون والمنافسة في وقت واحد. ويرى أن عصر الثأر قد انتهى" (14). يعني ذلك أن روحاني مؤمن بأن الوقت قد حان للتعايش، وخروج كل الأطراف من سياسة المواجهة والثأر والقبول بالجمهورية الإسلامية بدلاً من الإطاحة بها (15). ويتحدث روحاني عما يواجه المجتمع الدولي اليوم من تحديات تتمثل في الإرهاب والتطرف، والتدخل العسكري الأجنبي، والاتجار بالمخدرات والجريمة والغزو الثقافي، ويرى أن ذلك كله قد جاء ضمن الإطار الذي تبنى القوة الصلبة والاستخدام الغاشم للقوة (16). وهو هنا لا ينسى أن يسجل إدانته للسياسة الأميركية على هذا الصعيد. والحديث عن "التدخل العسكري الأجنبي" فيه إشارة واضحة للمخاوف الإيرانية من نوايا الغرب (17)، وهو في جانب منه يعكس قلقًا جديًا لروحاني لكنه في جانب آخر قد يكون مقصودًا لإرضاء التيار الأصولي في إيران فالتدخل الأميركي تحت ذريعة ما يسمى بـ "محاربة الإرهاب" زاد الطين بلة ووسّع من دائرة العنف. وفي كلتا الحالتين، فإن مخاوف التدخل العسكري هي القضية الأبرز في العلاقة بين الجانبين رغم تداخلها مع الكثير من القضايا الأخرى. ولا ينسى روحاني أن يذكّر الجانب الأميركي بأن أحمدي نجاد قد غادر موقع صنع القرار كما غادر بوش الابن، وأن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ. وفي موضع آخر من المقالة يكشف روحاني أن إيران تريد من الولايات المتحدة أن تعترف بأن الجمهورية الإسلامية هي دولة مشروعة، وأن تتوقف محاولة الإطاحة بها.

في الموقف من سوريا، يأخذ روحاني موقفًا مختلفًا عن الحليف الروسي؛ فهو، وإن كان لا يدين الأسد في هجمات أغسطس/آب بالأسلحة الكيميائية، لا يلقي باللوم أيضًا على "المتمردين"، كما فعلت روسيا. وهذا في صورة أو أخرى يمثّل تراجعًا، له دلالاته، عن الدعم الكامل للأسد، وإن كان لا يعني أن إيران ستغير من سياستها تجاه سوريا بصورة جذرية حتى وهي تعرض الوساطة بين أطراف النزاع.

خلاصة

لم يكن عبثًا أن يطلق آية الله علي خامنئي مصطلح "الدبلوماسية المرنة الشجاعة" في اجتماع لقادة الحرس الثوري، الجهة القادرة أكثر من سواها على إجهاض محاولات التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن يطلب منهم عدم التدخل في السياسة، في تناغم مع ما طلبه روحاني في يوم سبق هذا الاجتماع؛ مما يشير إلى قرار على أعلى المستويات، ربما يُدخل مؤسسة الحرس في مرحلة جديدة، وهي المؤسسة التي لعبت –وما زالت تلعب- دورًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا إلى جانب دورها العسكري. يواكب ذلك اجتماعات مكثفة أجراها وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي مع المراجع الدينية في قم ومشهد. ورغم أنه لم يجرِ الافصاح عن مضامين الاجتماعات إلا أن دلائل تشير إلى أنه أطلع المراجع على مواقف إيران من تطورات الساحة الدولية فيما يتعلق بالقضايا التي تهم الجمهورية الإسلامية (18).

يتحدث روحاني عن سياسة تزاوج بين "التنافس والتعاون"، إلا أن خامنئي لا يُسقط الصراع وهو يقدم مصطلحه الجديد الذي سيؤطر السياسة الخارجية الإيرانية، بقوله: إن "المصارع الذي يضطر للقيام بحركة فنية مرنة ينبغي عليه ألا ينسى من هو منافسه وخصمه". وإن كانت "الساحة الدبلوماسية هي مسرح للابتسام وطلب المفاوضة والدخول فيها، فيجب فهمها في إطار التحديات الرئيسية".

لم يتطرق الرئيس الإيراني إلى تنازلات محتملة في الملف النووي، لكنه يؤكد ضرورة الحوار "بين طرفين يبحثان عن مخرج وليس كلاعبين هم كل منهما أن يسجل نقطة ضد الآخر".

ويبدو أن العرض الإيراني للحوار مع الولايات المتحدة والغرب يتضمن مجموعة محاور، أبرزها:
1. النزاعات في المنطقة؛ حيث لابد للولايات المتحدة أن تقر بفشل سياساتها القديمة في معالجتها.
2. التعاون، والمجال مفتوح بشأن ملفات عديدة من ضمنها مواجهة القاعدة.
3. مقاربة المعضلات والمظالم الكبرى لابد أن تتم عبر حلول تحظى بموافقة جميع الأطراف، وربما يشير ذلك إلى القضية الفلسطينية في إشارة إلى إمكانية قبول إيران بحل يرضاه الطرف الفلسطيني، وسبق أن شهدت الساحة السياسية الإيرانية نقاشا مشابها.
4. الحوار وطرح حلول تفاوضية بشأن سوريا والبحرين، وإن كانت إيران هنا لاتتمتع بمواصفات الوسيط المحايد، إذ ينظر إليها كطرف في الصراع.
في المحصلة، يبدو واضحًا أن إيران باتت أكثر إيمانًا بوجود فرصة للتعاون والحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن الوقت ملائم لاقتناصها من قبل الطرفين؛ وأن هذه الفرصة تحتاجها واشنطن بالقدر الذي تحتاجها طهران، وأن من المفيد لإيران الآن اقتناص هذه الفرصة.
______________________________________
* فاطمة الصمادي - باحثة متخصصة في الشأن الإيراني

المصادر
1- Hassan Rouhani, Why Iran seeks constructive engagement, Published: September 20, access date: September 20-2013:
http://www.washingtonpost.com/opinions/president-of-iran-hassan-rouhani-time-to-engage/2013/09/19/4d2da564-213e-11e3-966c-9c4293c47ebe_story.html
2- جاءت تغريدة ظريف ردًا على تعليق من كريستين بيلوسي، ابنة نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية في مجلس النواب الأميركي، وفي تلك التغريدة قالت كريستين ردًا على معايدة ظريف برأس السنة اليهودية: إن رأس السنة الجديدة سيكون أفضل "لو لم تنكر إيران المحرقة".
3- مذاكره و رابطه با أميركا از ديگاه رهبر معظم انقلاب(التفاوض والعلاقة مع امريكا من وجهة نظر قائد الثورة):
 http://www.edalatkhahi.ir/005465.shtml
4- رابطه گرگ و ميش با امريكا را نمي‌خواهيم ، رجا نيوز(سه شنبه، 12 آبان 1388) (آية الله خامنئي :لانريد مع أمريكا علاقة الذئب والحمل):
http://rajanews.com/Detail.asp?id=39103
5- المفاوضات لا تعني بالضرورة الوصول إلى قرار بإعادة العلاقات؛ فقد عقدت الولايات المتحدة وإيران ثلاث دورات من المحادثات بشأن العراق، وجرت مفاوضات أيضًا بشأن أفغانستان وقضايا أخرى.
6- رهبر معظم انقلاب در جمع نخبگان دانشگاهي يزد(قائد الثورة في لقاء مع النخب الثقافية في يزد،:1 دي 86:
-http://www.adlroom.ir/vdch.inzt23nziftd2.html
7  - Iran’s Khamenei urges ‘heroic leniency’ with the West, alarabiya.net ,17 September 2013:
http://english.alarabiya.net/en/News/middle-east/2013/09/17/Iran-s-Khamenei-urges-heroic-leniency-with-the-West.html
8  - Hassan Rouhani, Why Iran seeks constructive engagement, Published: September 20, access date: September 20-2013:
http://www.washingtonpost.com/opinions/president-of-iran-hassan-rouhani-time-to-engage/2013/09/19/4d2da564-213e-11e3-966c-9c4293c47ebe_story.html
9  - ديدار فرماندهان و كاركنان سپاه پاسداران با رهبر انقلاب (لقاء قادة الحرس بقائد الثورة)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، 26/6/1392:
http://farsi.khamenei.ir/news-content?id=24027
10  - محمد عدلي، روايت نماگرهاى اقتصادى از 8 سال گذشته (رواية المؤشرات الاقتصادية للسنوات الثماني الماضية)، صحيفة همشهرى، عدد 6030،   مرداد 1392، 28 يوليو/تموز 2013
http://www.hamshahrionline.ir/details/224912
11  - عدلي المرجع السابق.
 12 - ديدار رئيس جمهور منتخب با نمايندگان مجلس شوراى اسلامى (لقاء الرئيس المنتخب مع نواب مجلس الشورى الإسلامي)، موقع مركز الدراسات الاستراتيجية لمجمع تشخيص مصلحة النظام، 23 تير 1392، 14يوليو/تموز 2013
http://www.csr.ir/Center.aspx?lng=fa&subid=-1&cntid=2702
13  - تورم خرداد ماه 45.1%، (تضخم شهر خرداد/مايو أيار بلغ 45.1%)، موقع رويش نيوز، 4 مرداد 1392، 26 يوليو/تموز 2013
http://rooyeshnews.com/others/political/47364-3920504180802.html
14  - من مقالة روحاني في الواشنطن بوست.
15  - Max Fisher, Iranian President Hassan Rouhani’s Washington Post op-ed, annotated, September 19:
http://www.washingtonpost.com/blogs/worldviews/wp/2013/09/19/iranian-president-hassan-rouhanis-washington-post-op-ed-annotated/
16  - من مقالة روحاني في الواشنطن بوست.
17  - Max Fisher, Iranian President Hassan Rouhani’s Washington Post op-ed, annotated

18  - ديدار وزير اطلاعات با مراجع قم، عصر ايرن، 28 شهريور 1392، تاريخ المراجعة، 21/9/2013:
http://www.asriran.com/fa/news/296450/%D8%AF%DB%8C%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%B2%DB%8C%D8%B1-%D8%A7%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D9%82%D9%85

انتهى

نبذة عن الكاتب