المصدر [الجزيرة] |
ملخص تعتبر إشكالية البطالة من كبريات المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الدول، حيث تؤدي إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، وإلى عدم الاستقرار السياسي، ناهيك عن الآثار الاجتماعية السبلية الناتجة عنها والتي تنعكس على سلوك الأفراد. إن العمل على إيجاد حل لهذه الإشكالية يكون بمواجهتها من خلال تبني أفكار جريئة واعتماد وسائل مبتكرة؛ وعليه فلابد من توفر الإرادة السياسية الفاعلة، والقدرة على مواجهة المقاومة المضادة التي قد تنشأ من المستفيدين من وضع سوق العمل الحالي، وكذلك التخفيف من الجوانب السلبية لأي حل تتغلب فوائده على مضاره، كما يتطلب الأمر جرأة وقبولاً بتقديم بعض التضحيات، حيث لا بد من اليقين بأن لا وجود لحلول سحرية ترضي جميع الأطراف. يتناول هذا التقرير بالبحث والتحليل ظاهرة البطالة في المملكة العربية السعودية من خلال تسليط الضوء على العناصر التالية: تطورات سوق العمل المحلية؛ دور نظام التعليم؛ دور قطاع العقارات؛ دور القطاع الخاص؛ والنمو الاقتصادي والتضخم. كما يخلص إلى عدد من النتائج والتوصيات التي يراها الباحث مفيدة للتقليل من الآثار السلبية الناجمة عن البطالة، والتي يمكن أن تسهم في إيجاد حلول ناجعة لها. |
مقدمة
تعتبر إشكالية البطالة من كبريات المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الدول، حيث تؤدي إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، وإلى عدم الاستقرار السياسي، ناهيك عن الآثار الاجتماعية السبلية الناتجة عنها والتي تنعكس على سلوك الأفراد.
إن العمل على إيجاد حل لهذه الإشكالية يكون بمواجهتها من خلال تبني أفكار جريئة واعتماد وسائل مبتكرة؛ وعليه فلابد من توفر الإرادة السياسية الفاعلة، والقدرة على مواجهة المقاومة المضادة التي قد تنشأ من المستفيدين من وضع سوق العمل الحالي، وكذلك التخفيف من الجوانب السلبية لأي حل تتغلب فوائده على مضاره، كما يتطلب الأمر جرأة وقبولاً بتقديم بعض التضحيات، حيث لا بد من اليقين بأن لا وجود لحلول سحرية ترضي جميع الأطراف.
إن كلمة السر لحل إشكالية البطالة هي "الإنتاجية"؛ حيث لن يكون الحل من خلال إحلال العامل السعودي مكان العامل الوافد، بل بإحلال العامل السعودي مكان عدد من العمال الوافدين. بما أن الإنتاجية هي ما ينتجه العامل خلال يوم واحد من العمل، عليه يمكن خفض عدد العمالة المطلوبة لأي وظيفة بواسطة المكننة والتدريب المناسب؛ بحيث يتم ربط مستوى الأجور بالإنتاجية لتتناسب مع مستوى المعيشة السائد في الدولة ومن دون رفع نسبة التضخم، بل يمكن خفض نسبة التضخم كلما ارتفع مستوى الإنتاجية، وبذلك يرتفع مستوى المعيشة إلى الحد الذي يحقق الرضى المادي والمكانة الاجتماعية للعامل، ويجعل الناس يقبلون على الوظائف التي قد يعتبرونها متدنية ولا تليق بكرامة العامل الوطني.
يتناول هذا التقرير بالبحث والتحليل ظاهرة البطالة في المملكة العربية السعودية من خلال تسليط الضوء على العناصر التالية:
• تطورات سوق العمل المحلية؛
• دور نظام التعليم؛
• دور قطاع العقارات؛
• دور القطاع الخاص؛
• النمو الاقتصادي والتضخم؛
كما يخلص إلى عدد من النتائج والتوصيات التي يراها الباحث مفيدة للتقليل من الآثار السلبية لإشكالية البطالة، والتي يمكن أن تسهم في إيجاد حلول ناجعة لها.
تطورات سوق العمل
كانت سوق العمل خلال الطفرة الأولى (1974-1984) تتسم بالتناسق والهيكلية السليمة؛ حيث كان المواطنون يغلب عليهم البساطة والفقر والقدرة على تحمل المصاعب، وكان عدد المتعلمين منهم قليلاً جدًا، وكانت تطلعاتهم الحياتية بسيطة ومتواضعة، وآمالهم ونمط استهلاكهم بسيط، وكان مستوى الإنفاق الحكومي هائلاً بالنسبة لمعايير ذلك الوقت مما أدى إلى ارتفاع الأسعار والأجور بنسب غير مسبوقة وصلت إلى أكثر من 30% سنويًا، ولكن ذلك لم يكن محسوسًا في حينها لأن متوسط ارتفاع الدخل كان أكبر من ذلك بكثير وكانت هناك حالة تشغيل كاملة بسبب أن سوق العمل كانت تنمو بمعدلات مذهلة أدت إلى استقدام آلاف من العمال الوافدين وبأجور عالية؛ فكانت هناك مطارات وموانئ تُنشأ من العدم، وطرق ومدارس ومستشفيات وجامعات... إلخ.
إن نوعية العمالة المستقدمة كان يغلب عليها الطابع الفني، وكانت متخصصة من دول متقدمة مثل أميركا ودول أوروبا الغربية وبعض الدول الآسيوية المتقدمة علميًا ككوريا مثلًا، وكانت الشركات الكبرى تستقدم عمالتها الماهرة معها وتسكنهم وتتولى أمورهم وتأخذهم معها عند انتهاء مشاريعها الكبرى، وعندما كانت تستعمل العمالة المحلية، كانت تلك الشركات تتولى هي تدريبهم وتأهيلهم تأهيلاً جيدًا كما فعلت شركة أرامكو الأمريكية عندما قدمت إلى السعودية.
بدأت سوق العمل بعد نهاية فترة الطفرة تأخذ مجرىً آخر، وبدأت التشوهات الهيكلية تظهر في سوق العمل، وخصوصًا عندما أفلس الكثير من شركات المقاولات المحلية التي سرّحت عمالها، واقتصرت المقاولات على أعمال الصيانة والتشغيل، وتقلصت الميزانيات الحكومية وصارت تركز على (أرخص الأسعار)، وفتحت أبواب الاستقدام للأفراد الذين اكتشفوا بابًا للرزق مع تقلص مصادر الدخل الأخرى وظهور أنماط جديدة من الاستهلاك التفاخري نتيجة الدخول العالية خلال فترة الطفرة التي تم التعود عليها، من منازل كبيرة وسيارات فاخرة، وظهرت الأسواق الكبرى "المولات"، والمطاعم والفنادق والورش والخدم والسائقون، وأصبحت سوق العمل تركز على العمالة الرخيصة غير الماهرة وغير المدربة، وتحول مفهوم العمل بالتدريج إلى هذه الأعمال المتواضعة، وظهر احتقار للعمل اليدوي والعمل المهني.
في الوقت نفسه فقد زاد فيه عدد المتعلمين، وارتفعت نسبة حاملي الشهادتين المتوسطة والثانوية، إلى أن أصبحت الشهادة الجامعية هي أمل كل من دخل في النظام التعليمي العام، وأصبحت الشهادة الجامعية تمثل مستوى اجتماعيًا ذا قيمة لما كان يتمتع به الجامعي من مزايا أخرى تميزه عن باقي أفراد المجتمع.
كما عرفت تلك الفترة بداية تمتع طلبة الجامعات بمكافآت مالية مجزية (في وقتها) عن باقي فئات المجتمع (كان الهدف هو جذب المواطنين من سوق العمل إلى سوق المؤهلات العلمية العالية نظرًا لندرتها في ذلك الوقت). وبالرغم من افتتاح معاهد وكليات مهنية ودفع مكافآت مالية للمنتسبين فيها، إلا أنها لم تكن توازي المكافآت الجامعية، ولم تكن دخولها توازي أو تقارب دخول الخريجين الجامعيين، وأصبحت الشهادة الجامعية شرطًا من شروط الترقية الوظيفية، بغض النظر عن الإنتاجية أو الخبرة العملية، وبدأت سوق العمل تتشوه ومفاهيم العمل والإنتاجية تتراجع، وازداد الطلب على الشهادات الجامعية، وأصبح النظام التعليمي والنظام الاجتماعي يركز على مستوى الشهادات وليس على مستوى التعليم أو الخبرة أو المهارة أو الإنتاجية.
دور نظام التعليم
لقد ساهم نظام التعليم في تغيير هيكلية سوق العمل والتركيز على التعليم النظري، وعدد المتعلمين، وليس على نوعية التعليم ومستوى إنتاجية المتعلمين أو مهاراتهم، وأهمل جانب الخبرات المتراكمة، وركز على الشهادات فقط؛ مما خلق وضعًا اجتماعيًا مشوهًا لسوق العمل. أضف إلى ذلك أن الجيل الجديد الذي نشأ في زمن الوفرة والرفاهية تعود على سهولة الحياة، ووجود الخدم والحشم من حوله في كل مكان؛ حيث إن تغير نمط الحياة للأسرة السعودية أدى إلى تغير نظرة المجتمع للعمل اليدوي والمهني، فأصبح يحتقر العمل اليدوي والمهني الذي كان آباؤه وأجداده يقومون به في الماضي، حتى الزراعة ورعي الأغنام اللذين كانا المصدر الوحيد للرزق، لم ينجوا من هذه النظرة الدونية، وأصبح كل مواطن يرغب في العمل الحكومي أو أن يكون صاحب عمل خاص، أو الاثنين معًا إن أمكنه ذلك!
لقد أدى نظام التعليم دوره في الماضي من حيث نقل المجتمع من مجتمع أُمّي إلى مجتمع متعلم، ولكنه لم ينجح في تأهيل المواطن لاحتياجات سوق العمل، لأن البطالة لم تكن مشكلة في ذلك الوقت، فلم يتم تأهيل المزارع مثلاً للزراعة الآلية الحديثة ذات الدخل المرتفع، أو الرعي على نطاق واسع، أو نشر ثقافة الطب البيطري لتحسين السلالات وزيادة الإنتاجية من اللحوم والألبان بالوسائل الحديثة كما في الدول المتقدمة، وتمّ الاكتفاء بفتح باب استقدام العمالة من الدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض للقيام بأعمال الزراعة والرعي، والتي تعتبر موارد اقتصادية ذات عوائد مالية عالية لو استُخدمت فيها الوسائل العلمية الحديثة مع كثافة رأس المال والآلات بدل جلب الآلاف من اليد العاملة الرخيصة.
كما أصبحت التجارة في العمالة، مصدر رزق لقطاع كبير من المواطنين، وأصبحت التجارة في تأشيرات العمل مصدر رزق للبعض الآخر، وازدادت سوق العمل تشوهًا وانقلبت هيكلية سوقها وتدهورت فيه قيمة العمل في المجتمع وأصبح معظم السعوديين يطمح لأن يكونوا هم أنفسهم أصحاب العمل وليسوا عمالاً، وأصبح مفهوم العمل أحيانًا إشكالية للعامل وليس فخرًا له.
دور قطاع العقارات
لعب القطاع العقاري دورًا كبيرًا في تدهور مفهوم وقيمة العمل في المجتمع؛ فبعد أن كانت الأرض تُشترى للبناء عليها، أو الاستفادة منها في مشروع تجاري، أصبحت تشترى لتباع، وتباع لتشترى، وتحول عدد هائل من المواطنين إلى قطاع العقار إما تجار عقار أو سماسرة عقار وتركوا وظائفهم وأعمالهم المنتجة، إلى ذلك القطاع غير المنتج، لأنه يحقق أرباحًا هائلة وبدون جهد يذكر؛ فقيمة الأراضي دائمًا في ارتفاع مستمر (بسبب الاحتكار)، فكيف يمكن إقناع الشباب بالعمل وبقيمة العمل، وهم يرون أنه يمكن الحصول على دخول أفضل بدون عمل؟
وعليه، لا يمكن السماح باستمرار الوضع الحالي لسوق العمل السعودي؛ لأنه سيؤدي إلى نتائج كارثية لا محالة، وقد بدأت بوادرها في الظهور، وخصوصًا مع التسارع في نمو القوى العاملة السعودية. كما لا يمكن الاستمرار في رمي الكرة في ملعب القطاع الخاص وإجباره على توظيف السعوديين، في الوقت الذي يقوم فيه القطاع الخاص بالاعتماد المفرط على العمالة الوافدة الرخيصة.
القطاع الخاص
إن الاقتصاد السعودي ينمو بوتيرة متسارعة؛ ففي عام 2009 وفّر القطاع الخاص أكثر من 847 ألف فرصة عمل، ولكن معظم فرص العمل هذه ذهبت إلى الوافدين وليس للسعوديين، ولا يمكن وضع اللوم كله على القطاع الخاص فقط؛ فرجل الأعمال يسعى إلى تحقيق الربح ويعمل بالتنافس مع غيره في الداخل والخارج؛ فهو في الحقيقة يستغل الفرص التي يتيحها نظام العمل وسوق العمل المحلية بكل أشكالها وتناقضاتها؛ فهذه النظم تسمح له بالاعتماد على العمالة الوافدة الوفيرة والرخيصة، والتي تعمل ساعات غير محددة وتلبي جميع الطلبات بدون قيد أو شرط، وتتنازل في كثير من الأحيان عن حقوقها التي يوفرها نظام العمل، وكل ذلك بسبب أن نظام المناقصات الحكومية يطلب أقل الأسعار في تنفيذ أعماله ومشاريعه.
ولا يستطيع السعودي الباحث عن عمل منافسة نظيره الوافد، سواء في الأجر أو ساعات العمل أو في ظروف العمل والمعيشة؛ فهو يعيش بين أهله وعشيرته وعليه التزامات عائلية واجتماعية متعددة. فهناك فرق شاسع بين مستوى المعيشة والأجور في السعودية، ومستوى الأجور والمعيشة السائدة في دول مثل الهند وباكستان وبنغلاديش والفلبين. ولذلك، فإن المعركة بين العمالة الوافدة والعمالة المحلية محسومة مسبقًا لصالح العمالة الوافدة.
إن رفع الحد الأدنى لأجور السعوديين وحدهم إلى 3000 ريال سعودي مثلاً، لن يحل المشكلة، بل سزيدها اتساعًا طالما ظل باب الاستقدام مفتوحًا بدون تنظيم دقيق أو ضوابط صحيحة. ويعتبر الحصول على العمالة الوافدة بسهولة وبتكلفة منخفضة، أحد أهم أسباب مشكلة البطالة في السعودية، فلابد من رفع الحد الأدنى لجميع الأجور إلى ذلك المستوى، ما عدا العمالة المنزلية.
النمو الاقتصادي
رغم النمو الذي حققه الاقتصاد السعودي خلال العقد الماضي 2000-2010، إلا أن نسبة البطالة بين الشباب السعودي ارتفعت في نفس الفترة بشكل كبير، واشتد الشعور بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي لدى خريجي الجامعات وجميع العاطلين عن العمل، وزادت نسبة البطالة المقنعة في القطاع الحكومي؛ وذلك بسبب سوء التخطيط والتنفيذ للسياسات الاقتصادية والعمالية وسياسات الإحلال التي لم تكن مدروسة دراسة كافية، ولم تطبق بالطريقة الصحيحة، وبسبب عدم ربط نظام الحوافز الاقتصادية للقطاع الخاص بنظام الجزاءات للمخالفين، والاعتماد على إصدار تعليمات وأنظمة وقوانين متعارضة ومبهمة وغير واقعية في كثير من الأحيان.
ورغم ضخامة تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية خلال تلك الفترة، فإنها لم تساهم بقدر كاف في تنويع القاعدة الاقتصادية، أو تخفيض مستوى البطالة، أو نقل التقنية الحديثة، أو تدريب وتطوير الأيدي العاملة السعودية، وتركز اهتمامها في قطاع الهيدروكربونات، وزادت من استقدام العمالة الوافدة ولم تخفضها.
فزاعة التضخم
يستخدم كثير من رجال الأعمال والمستفيدين من الوضع الحالي لسوق العمل، ومن بيع التأشيرات ومن التستر، هذه الفزاعة، فيما لو زادت الحكومة رواتب موظفيها، أو رفعت الحد الأدنى للأجور؛ حيث إن الأجور والرواتب جزء من تكلفة الإنتاج مما يؤدي إلى رفع الأسعار للمواطنين، ما سيؤدي إلى هم زيادة في الرواتب والأجور مرة أخرى، وهكذا دواليك. وسنوضح فيما يلي أن هذه هي نصف الحقيقة وليست كلها؛ حيث يمكن تحقيق زيادة الأجور بدون زيادة نسبة التضخم.
إنّ التحدي الحقيقي هو في كيفية تحقيق توظيف العمالة الوطنية وخريجي الجامعات ورفع مستوى الأجور بدون رفع مستوى التضخم، أو بتضخم محدود يتناسب مع مستوى الأجور المرتفعة ويحقق في النهاية رفع مستوى المعيشة الحقيقي، ومستوى الرفاهية للمواطن السعودي.
ولكن في ظل البيئة الاقتصادية السائدة، وسوق العمل الحالية، حيث تنعدم المنافسة والحوافز التي من شأنها رفع الإنتاجية أو استخدام المكننة والتقنيات الحديثة، وإعادة تنظيم العملية الإنتاجية في جميع المرافق الاقتصادية بشكل حديث؛ وذلك بسبب المنافسة الشديدة على توظيف العمالة الرخيصة؛ مما يقلّل من الحوافز للاستثمار طويل الأجل في التدريب والتأهيل أو الإنفاق على المكننة والتقنيات الحديثة التي يمكن توفيرها للعمالة. فعندما ينخفض الطلب على المهارات، يقل معروضها، ويعزف الأفراد عن الاستثمار في تدريب وتأهيل المطلوبين، كما يحجم رجال الأعمال عن الإنفاق على التدريب والتأهيل للعمالة الوطنية طالما توفرت العمالة الوافدة الرخيصة.
ضرورة إعادة هيكلة سوق العمل
لابد من إعادة هيكلة سوق العمل، وتوفير فرص عمل جديدة بأجور مرتفعة للمواطنين، وتقليص عدد العمالة الوافدة منخفضة الكفاءة والأجور؛ فبدون إصلاح وإعادة هيكلة سوق العمل سيضطر القطاع العام إلى توظيف أعداد متزايدة من المواطنين، وتحمل عبء القضاء على مشكلة البطالة بمفرده، وخلق مزيد من التشوه في سوق العمل. كذلك يمكن السماح للعمالة الماهرة الوافدة عوائلهم مما يؤدي إلى زيادة وانتعاش الاستهلاك المحلي وتخفيض نسبة التحويلات الخارجية وزيادة نسبة مضاعفات الإنفاق المالي المحلي؛ ما سيؤدي إلى زيادة نسبة النمو وارتفاع مستوى المعيشة.
الخلاصات
• سوف يؤدي رفع مستوى الأجور والامتيازات والحوافز التي يقدمها القطاع الخاص للعاملين، إلى رفع مستوى الإنتاجية، ورفع مستوى أخلاقيات العمل للعمالة الوطنية، وكذلك رفع مستوى الولاء للمؤسسات الوطنية وعدم التنقل من وظيفة إلى أخرى لفرق بسيط في الأجر.
• سيحذر رجال الأعمال صنّاع السياسة الاقتصادية من خطر التضخم لأن أجور المواطنين أعلى بكثير من أجور الوافدين، ولكن ذلك ليس بالضرورة صحيحًا، لأنه (عن طريق المكننة) لو تم توظيف مواطن واحد مقابل عدد من العمال الوافدين، فإن هذا لن يرفع معدل التضخم بل قد يخفضه.
• كما أن تلك السياسات قد تؤدي إلى انخفاض أرباح القطاع الخاص وزيادة تذمرهم مما يمثل ضغطًا على صنّاع السياسة الاقتصادية، ولكن توظيف المواطنين هو هدف أسمى وأهم من المحافظة على نسبة الأرباح الضخمة لتلك الفئة من القطاع الخاص.
• لن تتمكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من القيام بدورها المنشود في خلق فرص العمل للمواطنين وحل مشكلة البطالة لو استمرت في عرض أجور متدنية ورواتب زهيدة على المواطنين.
• كما ينبغي التفكير في آلاف الطلاب الذين يتخرجون من المدارس والجامعات المحلية وآلاف الخريجين المبتعثين في الجامعات الأجنبية، ولا يحصلون على فرص عمل في وطنهم بسبب انخفاض مستوى الأجور وجشع بعض الشركات الخاصة، ولن يكون هناك الحافز الذي يدفع المواطنين إلى التنافس على فرص العمل المتاحة، طالما بقيت الأجور متدنية ولا تكفي للعيش بصورة كريمة، وبقيت ساعات العمل غير محددة، وما دامت سياسة الباب المفتوح للعمالة الوافدة الرخيصة، بحجة المحافظة على مستوى الأسعار والتضخم المنخفض.
التوصيات
• لابد أولاً من إنشاء قاعدة بيانات شاملة ومتكاملة تتضمن جميع القوى العاملة في المملكة العربية السعودية؛ بحيث تشمل جميع المعلومات عن جميع العاملين في المملكة، من حيث الجنسية، العمر، المؤهلات.. إلخ، وتكون مربوطة بجميع الجهات ذات الصلة.
• ينبغي وضع خطة متكاملة يشارك في صياغتها جميع المعنيين، تؤدي إلى القضاء على البطالة بالكامل خلال 7 سنوات، وبجدول زمني لكل مرحلة يعلَن للجميع.
• لابد من تكثيف عملية التدريب الفني والتأهيل النفسي للمواطنين (لتقديس) العمل ورفع قيمته.
• كما ينبغي تعديل قوانين العمل لتيسير عملية توظيف وتسريح المواطنين من أجل رفع أخلاقهم المهنية وتعزيز التنافسية في سوق العمل، بالتزامن مع تسريح العمالة الوافدة الرخيصة منخفضة الإنتاجية والأجور.
• العمل على توحيد الجهود بين جميع أجهزة الدولة والقطاع الخاص والمواطنين لتنفيذ الخطة القومية الموحدة ليلتزم بها الجميع، ويعرف كل طرف دوره فيها؛ وذلك لتخفيض عدد العمالة الوافدة ورفع مستواها وأجورها ليتمكن المواطن من التنافس معها، وتنفذ هذه السياسة بصورة تدريجية وسلسة وبجدول زمني محدد ليتمكن القطاع الخاص من التكيف معها، ولكي ننقل الاقتصاد الوطني من بيئة الرواتب والأجور المنخفضة إلى بيئة الرواتب والأجور والحوافز المرتفعة.
• ينبغي مصاحبة ما تقدّم بزخم إعلامي مناسب، حتى يعلم الجميع مدى اهتمام الحكومة بتلك الخطة وإصرارها على تنفيذها في مواعيدها المحددة، وبدون تردد أو تراجع.
___________________________________________________
* أ.د وديع أحمد كابلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز