الانسحاب الأميركي: أفغانستان ومعضلة "الاستخدام لمرَّة واحدة"

تبحث هذه الورقة في مواقف الأطراف الأفغانية من الانسحاب الأميركي و"الاتفاقية الأمنية والدفاعية" مع الولايات المتحدة الأميركية والتي أثارت جدلاً كبيرًا، كما تناقش من خلال مقابلات أجرتها الباحثة مع مسؤولين وناشطين في كابل رؤيتهم لهذه القضايا وتأثيراتها على مستقبل أفغانستان.
15 يناير 2014
201411584846721734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
دخلت أفغانستان "عام الانسحاب الأميركي" بقلق مبرر؛ حيث تتحدث التوقعات عن أن "الفوضى ستعم أفغانستان بسرعة ما لم تسرع واشنطن وكابل في التوقيع على معاهدة أمنية تتيح إبقاء قوات أميركية في البلاد إلى ما بعد موعد الانسحاب الغربي منها في 2014". وتقف هذه المخاوف سببًا يدفع البعض إلى القول بضرورة توقيع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على الاتفاقية الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة الأميركية؛ فـ"هذا السمُّ لا تملك أفغانستان المثقلة بسنوات الحرب والصراع إلا أن تتجرعه".

تبحث هذه الورقة في مواقف الأطراف الأفغانية من الانسحاب الأميركي و"الاتفاقية الأمنية والدفاعية" مع الولايات المتحدة الأميركية والتي أثارت جدلاً كبيرًا، كما تناقش من خلال مقابلات أجرتها الباحثة مع مسؤولين وناشطين في كابل رؤيتهم لهذه القضايا وتأثيراتها على مستقبل أفغانستان.

وتخلص الورقة إلى أنه على الرغم من تأكيد الجيش الأفغاني على أنه يُحكم السيطرة، إلا أن الخبراء العسكريين يرون أن قدرته على مواجهة حركة طالبان ستزول سريعًا بعد انسحاب القوات الدولية. ومن المؤكد أن استقرار أفغانستان رهن بعوامل كثيرة، يأتي في مقدمتها بناء الجيش والمؤسسات الأمنية وهو ما يحتاج تحقيقه إلى بضع سنوات. وفي خضم هذه الحالة تطفو على السطح مطالبات بشكل جديد من العلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان تُخرج الأخيرة من دائرة التابع وتُدخلها إلى دائرة تبادل المصالح.

يحذر تقرير استخباري أميركي جديد مما وصفه بـ"ضياع التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان في السنوات الثلاث الأخيرة بحلول العام 2017 حتى في حال بقاء أعداد من القوات الأميركية في البلاد بعد 2014.(1) ويتحدث التقرير عن أن "الفوضى ستعم أفغانستان بسرعة ما لم تسرع واشنطن وكابل في التوقيع على معاهدة أمنية تتيح إبقاء قوات أميركية في البلاد إلى ما بعد موعد الانسحاب الغربي منها في 2014". ويزيد من المأزق الأفغاني تجاه هذه المسألة أن المعاهدة يجب أن تكون سارية المفعول من أجل أن تتمكن الولايات المتحدة والدول الغربية من مواصلة دعمها المالي لأفغانستان. وورد في التقرير الذي ساهمت في إعداده 16 وكالة استخبارية، أن "غياب الوجود العسكري المستمر وتواصل الدعم المالي، سيؤدي إلى تدهور الوضع في أفغانستان بسرعة كبيرة". وتعيد هذه القراءة المتشائمة بعض التصورات التي وُضعت لمستقبل أفغانستان بعد عام 2015 وتحدثت عن إمكانية قيام "حرب أهلية".(2)

في أفغانستان التي دخلت "عام الانسحاب الأميركي" بقلق مبرر، يلاحظ الباحث بسهولة مقدار الاستقطاب السياسي، وهشاشة الوضع هناك، وربما تكون المحاذير السابقة، سببًا يدفع البعض إلى القول بضرورة توقيع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، فـ"هذا السم لا تملك أفغانستان المثقلة بسنوات الحرب والصراع إلا تجرعه".

تبحث هذه الورقة في مواقف الأطراف الأفغانية من الانسحاب الأميركي و"الاتفاقية الأمنية"، كما تناقش من خلال مقابلات أجرتها الباحثة مع عدد من المسؤولين والفاعلين السياسيين في كابل رؤيتهم لهذه القضايا وتأثيراتها على مستقبل أفغانستان.

2014 عام التحديات الصعبة

تحوي الأروقة السياسية الأفغانية اليوم إجماعًا على حساسية وخطورة هذا العام وما يمكن أن يتركه من تأثير على مستقبل أفغانستان. ويبدو أن هذا المستقبل مفتوح على احتمالات عدة أقلها تداولاً ذلك الذي يحمل صيغة متفائلة. وفيما تستعجل الولايات المتحدة الأميركية توقيع الحكومة الأفغانية على اتفاقية أمنية تنظم العلاقة بين الطرفين، يحجم الرئيس الأفغاني حامد كرزاي عن التوقيع واضعًا مجموعة من الشروط.  وقد قامت الحكومة الأفغانية بنشر مسودة الاتفاقية التي سميت بـ"عقد التعاون الأمني والدفاعي المشترك بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية"(3) تشتمل على ست وعشرين مادة وملحقين، وتعطي بعض بنودها حق إقامة القواعد الأميركية الدائمة في أفغانستان، لتمركز القوات الأميركية التي ستتواجد في أفغانستان بعد عام 2014م.

لم يُرِدِ الرئيس الأفغاني حامد كرزاي رفض الاتفاقية؛ لأنه يعتبرها ضرورة في هذه المرحلة، كما قال في افتتاح مجلس الأعيان "لويا جركا": "نخوتي ترفض إعطاء القواعد لبلد أجنبي في أفغانستان، وأنا أقرر ذلك بحثًا عن الصلح، فإن لم نصل إلى الصلح نتيجة هذه الاتفاقية نكون قد خسرنا كل شيء، سيبقى هؤلاء مطمئنين في قواعدهم ونحن سنتقاتل بيننا وسنخرج مثخنين بالجراح". ولا يخرج ما يراه عن إجماع كثيرين على أن "مفتاح الصلح ومفتاح الأمن الذي تحتاجه أفغانستان، بيد كل من الولايات المتحدة وباكستان، وتستطيع واشنطن أن تعيد الاستقرار إلى أفغانستان".(4)

ووضع كرزاي المدرك لضرورة هذه الاتفاقية بعض الشروط لتوقيعها، وهي:

  1. أن يكون التوقيع بعد الانتخابات الرئاسية القادمة؛ وذلك ضمانًا لعدم تدخلهم في نتائج الانتخابات كما تدخلوا في نتائج الانتخابات الماضية، إما أن يكون التوقيع بعد الانتخابات أو تعطي أميركا موثقًا من عندها بعدم التدخل فيها.
  2. إعادة الصلح والاستقرار إلى أفغانستان، أو على الأقل بدء محادثات الصلح مع حركة طالبان بصورة جادة.
  3. توقيف العلميات العسكرية الليلية ودخول القوات الأميركية إلى بيوت الناس، فيجب أن تتوقف هذه الإجراءات حالاً.
  4. إطلاق سراح المعتقلين الأفغان من معتقل غوانتنامو.(5)

وتقضي خطة الانسحاب الأميركية التي أُعلنت سابقًا، بإنهاء التواجد الأميركي الذي استمر 13 عامًا مع نهاية العام 2014. وتتشابك قضية الانسحاب مع الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في إبريل/نيسان 2014.

ويكشف استطلاع أخير للرأي،(6) أُجري لمعرفة توجهات الناخبين بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة أن 61% سيصوتون لمرشح يريد فتح محادثات مع طالبان، ويعتقد 51% أن مرشحهم يجب أن يكون قادرًا على بناء علاقات جيدة مع باكستان، ويؤكد 71 في المئة أنهم يؤيدون علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، لكن ذلك لا ينسحب على مسألة بقاء القوات القوات الأميركية والأوروبية لما بعد 2014؛ حيث أظهر الاستطلاع الذي شمل 2.148 ناخبًا محتملاً، أن 40% فقط يرون أنه من المهم أن يحافظ المرشحون المطلوبون على القوات الأجنبية هنا بعد عام 2014.

ومنذ أن أسقطت الولايات المتحدة الأميركية حكم طالبان، شهدت أفغانستان أربع عمليات انتخابية، لكن تلك الانتخابات لم تنجح إلى اليوم في وقف الصراع المسلح، أو التخفيف من معاناة الناس، في ظاهرة قد تقلب الحكمة التقليدية في الديمقراطيات الأكثر رسوخًا لعقود والتي تقوم على الاقتراع.

جاهزية الجيش الأفغاني

لا توافق قيادة الجيش الأفغاني على توقعات تطرح احتمالات عودة "حركة طالبان"؛ فالحركة من وجهة نظرها هُزمت بعد أكثر من 12 عامًا من القتال وليست متقدمة عسكريًا. ومع ذلك، لا يحبذ الجيش الأفغاني فكرة استمرار المواجهة المسلحة معها؛ ولذلك أعلن عن موافقته على مشروع المصالحة ودعم المساعي التي يبذلها مجلس السلام. وترى قيادة الجيش أن بناء قوته بشكل متخصص هو ما سيجعل منه جسمًا قويًا قادرًا على فرض المصالحة بين الأطراف المتصارعة، وترى قيادة الجيش أن المجتمع الدولي بأسره يجب أن يضمن ويساهم في بناء الجيش الأفغاني.(7)

وترى أطراف عديدة في الدولة الأفغانية أن الولايات المتحدة الأميركية مسؤولة بشكل أساسي عن تجهيز الجيش الأفغاني. وبدأت الأسئلة تُطرح منذ العام 2002 عن المدة اللازمة لبناء جيش قوي في أفغانستان، لكن الخطوات العملية لبناء هذا الجيش بشكل مؤسسي لم تبدأ إلا في العام 2011، وبدأت أفغانستان الاستقلال بجيشها منذ عام 2006. (8)

وكانت قطاعات الجيش الأفغاني في غالبها قطاعات برية، وخلال العامين الأخيرين تم بناء قطاعات جديدة مدربة تكون قادرة على مواجهة مقاتلي "حركة طالبان" والقاعدة؛ وهو ما مكّن الجيش الأفغاني من تنفيذ عمليات مشتركة، وقاد إلى أن يفرض الجيش الأفغاني سيطرته على مناطق واسعة.

وتعترف قيادة الجيش بوجود 47 نقطة خارج سيطرته في مختلف أنحاء أفغانستان، لكنها تصفها بأنها نقاط "لا تحمل أهمية استراتيجية أو سياسية، وستسقط تلقائيًا"، كما أن عملياتها في الأغلب لا تقوم على المواجهة المباشرة بل تتم بصورة مخفية عن طريق زرع الألغام والحملات الانتحارية.(9)

ويعاني الجيش الأفغاني بشكل كبير من مشكلات تتعلق بالقطاعات الجوية، والراجلة والمتحركة والاستخبارات والتعامل مع الألغام والمتفجرات، وهي مشكلات يسعى لحلها في العام الحالي، كما يسعى إلى تأكيد استقلاله وتأكيد حضوره كجيش وطني، خاصة مع تنامي الثقة فيه من قبل المواطنين.

الاتفاقية الأمنية

ورغم الحديث عن ضرورة بناء جيش مستقل إلا أن قادة الجيش الأفغاني يعتقدون بـ"ضرورة وجود قوات دولية في أفغانستان في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها؛ فهي مرحلة هشة وحساسة، ويمكن زلزلة الاستقرار من قبل البعض". ويرى الجيش جدوى الإصغاء إلى توصية مجلس "لويا جركا" بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية ويرى أن "مخالفيها أقلية"، رغم أنه لا يقلل من التحفظات والشروط التي وضعها الرئيس الأفغاني. أما القوات الدولية بما فيها القوات الأميركية فيطالب بأن تتمركز في قواعد محددة عقب الانسحاب من أفغانستان المزمع إنهاؤه هذا العام؛ وكلها ستكون في نقاط جغرافية قريبة من معسكرات الجيش الأفغاني وسيكون من ضمن مهماتها تقديم التدريب للجيش الأفغاني.

ولا تستطيع قيادة الجيش الأفغاني معرفة عدد القوات الدولية التي ستبقى في أفغانستان لكنها تتحدث عن رقم يقارب العشرين ألف جندي، معظمهم من الجيش الأميركي. ومنذ غزو أفغانستان وصل عدد القوات الدولية إلى 140 ألفًا، لكنها اليوم لا تزيد عن 60 ألفًا، سينسحب العدد الأكبر منها هذا العام.(10)

اتفاق الضرورة

يرى معارضو الاتفاقية المزمع توقيعها أن الولايات المتحدة الأميركية بهذه الاتفاقية ستتمتع قواتها التي ستتواجد في القواعد العسكرية الدائمة في أفغانستان بحرية كاملة في التحرك داخل وخارج أفغانستان بعد عام 2014م، وأن تلك القوات والمتعاقدون معها سيتمتعون كذلك بحرية كاملة في كل ما يريدون أن يقوموا به من الاستيراد والتصدير وتخزين السلاح والعتاد والأجهزة والعمليات العسكرية، وكلما زادت تلك الحرية نقصت في مقابلها السيادة الوطنية الأفغانية، ومن هنا فهذه الاتفاقية تمثل تنازلاً عن السيادة الوطنية.(11)

كانت التوقعات -قبل أن تظهر هذه المسودة الرسمية- ترجِّح أن الإدارة الأميركية ستتعهد بتوفير ميزانية القوات المسلحة والشرطة وقوات الأمن، وأنها ستتعهد بالدفاع المشترك حال تعرض أفغانستان لهجوم خارجي، وأن توقيع هذه الاتفاقية سيردع الجيران عن التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى الاستقرار في أفغانستان، لكن الكثيرين أُصيبوا بخيبة أمل بعد ظهور هذه المسودة.

ولم تتعهد أميركا بشيء في مقابل ما ستحصل عليه من أفغانستان؛ فقد كان الوفد الأفغاني المفاوض يطالب بتوفير ميزانية معينة للقوات الأفغانية المسلحة، إلا أن الطرف الأميركي لم يتعهد بمبلغ بتوفير ميزانية للقوات الأفغانية المسلحة، وأُعيد في هذه الاتفاقية تكرار ما ورد ذكره في الاتفاقية الاستراتيجية التي تم توقيعها في 5 مايو/أيار عام 2012م؛ حيث ورد في البند الثالث من المادة الرابعة، بالإشارة إلى مواد الاتفاقية الاستراتيجية بين أفغانستان وأميركا وبالنظر إلى قرارات مؤتمر شيكاغو عام 2012م فإن من مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية أن تبحث عن منابع مالية لتدريب القوات الأفغانية المسلحة والشرطة والأمن وتجهيز تلك القوات وتقويتها بصورة مستمرة إلى أن تتمكن أفغانستان من تحمل أعباء الدفاع عن نفسها.(12) وهذا لا يُلزم الإدارة الأميركية بشيء، لأنها تعهدت بالبحث عن منابع مالية لذلك ولم تتعهد بتقديمها.

أما بالنسبة للاعتداء الخارجي فإن ما تعهدت به في المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة حال تعرض أفغانستان لاعتداء هو التشاور وعقد الجلسات المشتركة، وتنص الاتفاقية في البند الثالث من المادة المذكورة: حين تعرض أفغانستان للاعتداء الخارجي أو التهديد بالاعتداء يتشاور الطرفان بصورة منظمة بخصوص الخطوات السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة ويكون ذلك جزءًا من الرد على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء. كل البنود الواردة في هذه المادة المذكورة تتلخص في التشاور حول الرد المناسب على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء؛ وهذا لا يرقى أبدًا إلى ما كانت الجهة الأفغانية المفاوضة تطلبه.

وقد تعهدت الإدارة الأميركية في المادة الثانية بالمساعدة في التخلص من الألغام المزروعة في الطرقات، وكذلك المساعدة في تدريب القوات الأفغانية، وفي تجهيزها، وإيجاد النظام اللوجستي والتمويني الخاص بها وتطويره، وتدريب تلك القوات على تبادل المعلومات الاستخبارية، والعمل على التدريبات المشتركة بين القوات الأفغانية والقوات الأميركية. لكن هذه الأمور كلها والتي تكفلت بها الولايات المتحدة الأميركية -كما يرى معارضو الاتفاقية- لا ترقى إلى المستوى الذي يمكن التنازل من أجلها عن حق السيادة الوطنية.

وتنسحب معضلة "الاتفاقية الأمنية" مع الولايات المتحدة الأميركية على السلم الأهلي؛ ففيما يرى البعض فيها شرطًا ضروريًا للمصالحة يراها البعض الآخر معوقًا حقيقيًا. وترى حركة طالبان أن الاتفاقية سارت بمعايير مقلوبة، وكان من الأولى أن تتحقق المصالحة، ومن هذه المصالحة تولد حكومة مؤقتة تدير الانتخابات، ويكون على الحكومة المنتخبة فيما بعد إنهاء مسألة الاتفاقية الأمنية.(13)

تتراوح آراء المؤيدين لتوقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية بين من يرى أنها جيدة، ومن يضعها في باب الضرورة التي تمليها الظروف التي مرت وتمر على أفغانستان، ويرى فريق آخر أنها لا تحقق المصالح الوطنية لأفغانستان.

عندما ترشح كرزاي للمرة الثانية عام 2009م قدم خمسة وعود للشعب الأفغاني تضمنت:

  1. انتقال المسؤوليات إلى القوات الأفغانية وتقوية القوى الأمنية الأفغانية لتكون قادرة على تحمل هذه المسؤولية. 
  2. تعزيز الحاكمية الوطنية لتكون أفغانستان دولة كمستقلة تملك زمام أمرها وتملك برها وجوها. 
  3. تقوية الاقتصاد الوطني.
  4. الوصول الى المصالحة والسلم الأهلي. 
  5. تعزيز علاقات أفغانستان مع دول العالم.

ويرى مؤيدو الاتفاقية أن كرزاي حقق تقدمًا على صعيد تحقيق هذه الأهداف وتقدمًا ملحوظًا على صعيد نقل المسؤوليات إلى الحكومة الأفغانية. ودخلت أفغانستان المرحلة الخامسة من عملية نقل الصلاحيات، وهذه المرحلة تفرض الحاجة لبناء شكل جديد من العلاقة بين أفغانستان والمجتمع الدولي، ليتمكن هذا البلد من الوقوف على قدميه وتحقيق استقلاله وتعزيز قدرة مؤسساته في إطار الحاكمية الوطنية.(14)

ويرفض الفريق المؤيد للاتفاقية الأمنية الزعم بأنها مليئة بالثغرات، ويؤكد أنها جاءت بعد توقيع الاتفاقية الاستراتيجية وعقب سنة من التفاوض تم خلالها طرح الكثير من القضايا المحورية والحساسة، المتعلقة باحترام مقدسات الناس، والقيم الوطنية وتعزيز الحاكمية الوطنية، واستقلال أفغانستان، وبناء الجيش والأمن، وعدم الاستفادة من الأراضي الأفغانية للعدوان على الدول الأخرى وخاصة المجاورة، وتقديم ضمانات أمنية ودفاعية في حال تعرضت أفغانستان لعدوان خارجي.(15)

وجرى التركيز خلال المحادثات على ضرورة محدودية عمليات القوى الدولية في القرى والمدن الأفغانية وضرورة وجود تعريف واضح للإرهاب. وتم بحث موسع لمسألة المداهمات الليلية لمنازل الأفغانيين وضرورة أن تكون المداهمات عند الضرورة بواسطة القوى الأمنية الأفغانية، وكذلك ضرورة وقف استهداف البيوت والمدن الأفغانية.

وفي اجتماعات "لويا جركا" تم بحث بنود هذه الاتفاقية واقتُرحت بعض التعديلات ومن ذلك الضمانات العملية لتحقيق الاتفاق. ويرى الفريق المطالب بالإسراع في التوقيع أن الشروط التي طالب بها رئيس الجمهورية موجودة في نص الاتفاقية؛ ومن ذلك عدم مداهمة بيوت المواطنين، كما أن إمضاء هذه الاتفاقية سيقود إلى إيجاد مصالحة دائمة في أفغانستان مما يضمن إجراء انتخابات شفافة ونزيهة. وما زال النقاش قائمًا بشأن الأسباب التي جعلت حميد كرزاي يرفض توقيع الاتفاقية، وتجد من بين معارضي كرزاي سياسيًا من يدعم الاتفاقية لكنه في نفس الوقت يرى أن الشروط التي وضعتها الحكومة الأفغانية "شروط معقولة ووطنية".

للاستخدام مرة واحدة

ويخرج من قلب المؤيدين للاتفاقية الأمنية من يطالب بشكل مختلف للعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، يُخرج أفغانستان من دائرة "البلد التابع" لتكون قادرة على مواجهة التحديات المتمثلة بشكل أساسي في "الحرب مع طالبان والمشكلة مع باكستان، وغياب الفعاليات والأنشطة الاقتصادية الكبرى".(16)

يلخص هذا الفريق مطلبه بالقول: "نريد صداقة مع واشنطن، تجلب الصلح لأفغانستان لأن ذلك شرط أساسي للنهوض الاقتصادي والاستغناء عن المساعدات الخارجية".

والصداقة التي يريدونها، لا تستقيم إذا ما بقي التعامل مع أفغانستان قائمًا بصفتها "حليفًا لمرة واحدة" كما حدث في فترة الجهاد ضد السوفيت؛ فبعد هزيمة الروس جرى التعامل مع أفغانستان كشيء معد للاستخدام مرة واحدة! ونحن لا نريد أن يتكرر ذلك، لدينا منافع مشتركة مع الإدارة الأميركية لكننا غير تابعين لها، وإذا لم تقبل واشنطن بالشروط التي وضعها كرزاي فذلك يعني أنها تنظر الينا أننا بلا قيمة".(17)

وفي عام 1960 عقدت الإدارة الأميركية اتفاقية مع باكستان، تم على أساسها بناء قاعدة عسكرية تجسسية على الأرض الباكستانية للتجسس على الاتحاد السوفيتي، وفي مقابل ذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بالمساعدة في بناء الجيش الباكستاني. وعلى مدى 13 عامًا كان كل أفغانستان قاعدة أميركية، والسؤال المطروح بقوة اليوم: إلى متى سيستمر ذلك؟

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن "التوقيع على الاتفاقية بدون شروط يعني نتيجة واحدة، أن تبقى أفغانستان دولة معتمدة على الغير"، وهذا الاعتماد سببه غياب الأمن، ويُرجعون حالة غياب الأمن إلى "تدخل باكستان المتكرر". ويجزمون بأن "التهديد الإرهابي مصدره باكستان، وأفغانستان دولة مهمة على صعيد مواجهة ذلك وليست دولة مجانية، ولابد أن تصبح دولة آمنة".

وفي مقابل القواعد الأميركية التي ستقام على الأرض الأفغانية يطالبون بضرورة أن تقدم واشنطن ثمنًا لها، وهو تحقيق الأمن في أفغانستان، ويتهمونها بالتقصير على هذا الصعيد. وإذا أرادت الحوار مع طالبان فعليها أن تعرف أنها "لا تحاور ممثلاً للشعب الأفغاني"، وإذا وصلت إلى اتفاق بدون موافقة الحكومة الأفغانية فهذا معناه "عودة الحرب الداخلية في أفغانستان". ويذهب هذا الفريق إلى القول بأن الديمقرطية وتحقيق الأمن والاستقرار، هي أمور مستحيلة التحقيق بدون جيش قوي ومؤسسات أمنية قوية.(18)

ويظهر في المشهد طرف ثالث لا يُلقي بالاً للتحفظات والشروط التي وضعها كرزاي، ويرى أن هذه الاتفاقية "من أفضل الاتفاقيات، وأنها تصب في مصلحة أفغانستان وجاءت ثمرة لجهود تفاوضية كبيرة من قبل الطرف الأفغاني". ويعتقد هذا الطرف أن من أهم بنودها تقوية الجيش وإدامة الحرب على الإرهاب، وتعهد الإدارة الأميركية بالدفاع عن أفغانستان إذا ما تعرضت لأي اعتداء.(19)

ويعارض هذا الفريق إعاقة التوقيع على الاتفاقية ويرى أن موقف كرزاي يبعث على التعجب، "بعد سنوات من التفاوض الذي كان يتم بالتنسيق معه غيّر موقفه، كما أنه يعرف أن غالبية الشعب الأفغاني تؤيد الاتفاقية والدليل موافقة مجلس "لويا جركا" على هذه الاتفاقية". وعلى الرغم من الإقرار بـ "وجاهة تحفظات كرزاي" إلا أن هذا الفريق يقول بأنها "نقاط من الممكن تعديلها بالطرق الدبلوماسية"، خاصة وأن شرط كرزاي المتعلق بتحقيق السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بجهود من أطراف عدة ويستغرق وقتًا طويلاً، ولو كان متحققًا ما كانت أفغانستان بحاجة إلى الاتفاقية. ويقر هذا الطرف بأن الاتفاقية يجب أن تحظى بموافقة البرلمان الذي يمنحها المشروعية، لكنه لا يقلل من قرار مجلس "لويا جركا" فهو يمثل "استفتاء من قبل ممثلين من مختلف أنحاء أفغانستان". (20)

ويأتي من يصف القضية بشكل مختلف، يقول بالآتي: أفغانستان دولة ضعيفة تُجري اتفاقًا مع دولة كبيرة مهيمنة دون ضمانات، ولا يمكنها إلا أن توقع هذه الاتفاقية لأسباب سياسية وعسكرية وأمنية.(21) ويرى أصحاب هذا التوصيف أن مجلس "لويا جركا" يضم ممثلين لمختلف أطياف الشعب الأفغاني، ويدرك أعضاؤه أن هذه الاتفاقية لا تتفق مع سيكولوجية الشعب الأفغاني، لكن ظروف السنوات الأخيرة وتدخل الدول المجاورة وممارسات جنود الناتو، جعلت من هذه الاتفاقية سمًّا لا تملك أفغانستان إلا أن تتجرعه. ومع الإقرار بدور "لويا جركا" المؤثر إلا أن الاتفاقية لن تمتلك أية مشروعية بدون موافقة البرلمان.

ويميل أصحاب هذا التحليل إلى التشكيك في نوايا الإدارة الأميركية؛ فهي تفتعل الحجج للبقاء في أفغانستان. وإذا قبلت واشنطن بالشروط التي وضعها كرزاي فسيصبح من السهل التوقيع على الاتفاقية، وهو ما يضمن التوافق وتحقيق مصلحة الجانبين وفهم الأخطار المتبادلة وتعظيم المنافع لأفغانستان مقابل التنازلات التي ستقدمها كابل وفق الاتفاقية.(22)

خلاصة

تتعامل الحكومة الأفغانية بتوجس شديد مع انسحاب القوات الأميركية بالكامل من أفغانستان والمقرر أن يكتمل مع أواخر العام الحالي. ويبدو أن التجربة العراقية على هذا الصعيد، لم تقدم للأفغانيين سوى القلق من تجدد الصراع بصورة تُدخل أفغانستان مجددًا في الفوضى الأمنية، ويعزز من هذه المخاوف المستوى المرتفع من الصراع السياسي. وكانت هذه الهواجس من الأسباب التي جعلت الرئيس الأفغاني يرفض توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة.

ويبدو الرفض الأفغاني محاولة لتضييق خيارات واشنطن وإجبارها على إعادة جدولة الانسحاب ليكون في العام 2015 مما يمكّن الحكومة الأفغانية من إجراء الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في إبريل/نيسان المقبل، وهي الانتخابات التي كانت التوقعات تشير إلى صعوبة إجرائها في حالة الانسحاب.

ورغم حديث الجيش الأفغاني عن إحكامه السيطرة على الأرض، إلا أن الخبراء العسكريين يرون أن قدرته على مواجهة حركة طالبان ستزول سريعًا بعد انسحاب القوات الدولية؛ فهذا الانسحاب تجده الحركة فرصة كبيرة لإعادة تنظيم صفوفها ومحاولة العودة مجددًا للسلطة في أعقاب رحيل الأميركيين.

ومن المؤكد أن استقرار أفغانستان رهن بعوامل كثيرة، يأتي في مقدمتها بناء الجيش والمؤسسات الأمنية وهو ما يحتاج تحقيقه إلى بضع سنوات.

وفي خضم حالة القلق والترقب تطفو على السطح مطالبة ببناء شكل جديد من العلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان تخرج الأخيرة من دائرة التابع وتدخلها إلى دائرة تبادل المصالح.
_________________________________
د.فاطمة الصمادي - باحثة في مركز الجزيرة للدراسات

المصادر والهوامش
1-By Ernesto Londoño, Karen DeYoung and Greg Miller, Washington post, December 29-2013:
 http://www.washingtonpost.com/world/national-security/afghanistan-gains-will-be-lost-quickly-after-drawdown-us-intelligence-estimate-warns/2013/12/28/ac609f90-6f32-11e3-aecc-85cb037b7236_story.html
2- أليكس ستريك وفان لينشوتن، الهجمات الداخلية في أفغانستان: التأثيرات والتداعيات، مركز الجزيرة للدراسات، الاثنين 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012:
http://studies.aljazeera.net/reports/2012/10/20121014111515767652.htm
3- مسودة اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية ص11 المنشور على العنوان التالي:
 http://mfa.gov.af/Content/files/BSA%20-%20PASHTO%26%20DARI%2020%20NOV%202013%20-2.pdf
4- خطاب الرئيس حامد كرزاي في افتتاح مجلس الأعيان يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013م، كان يبث مباشرة عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
5- وردت هذه الشروط في مقابلة الرئيس حامد كرزاي مع إذاعة "الحرة" (مصاحبه اختصاصي با حامد كرزاي رئيس جمهور أفغانستان) لقاء خاص مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على موقع الإذاعة بتاريخ 07.09.1392:
 http://da.azadiradio.org/content/article/25181160.html
6- MATTHEW ROSENBERG, Polling Comes to Afghanistan, Suggesting Limit to Sway of President Karzai, The New York Times (NYT), December 28, 2013:
http://www.nytimes.com/2013/12/29/world/asia/polling-comes-to-afghanistan-suggesting-limit-to-sway-of-president-karzai.html?pagewanted=1&_r=2 &
7- مقابلة أجرتها الباحثة مع قائد الجيش الأفغاني، الجنرال شير محمد كريمي، مبنى وزارة الدفاع، كابل، 3 ديسمبر/كانون الأول 2013.
8- من المقابلة مع قائد الجيش الأفغاني، الجنرال شير محمد كريمي.
9- من المقابلة مع قائد الجيش الأفغاني، الجنرال شير محمد كريمي.
10- من المقابلة مع قائد الجيش الأفغاني، الجنرال شير محمد كريمي.
11- مصباح الله عبد الباقي، الاتفاقية الأمنية بين أميركا وأفغانستان ومخاوف السيادة الوطنية، مركز الجزيرة للدراسات، 8 ديسمبر/كانون الأول 2013:
http://studies.aljazeera.net/issues/2013/12/20131289392564329.htm
12- مسودة اتفاقية التعاون الأمني والدفاعي بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية ص11 المنشور على العنوان التالي:
 http://mfa.gov.af/Content/files/BSA%20-%20PASHTO%26%20DARI%2020%20NOV%202013%20-2.pdf
13- من المقابلة مع وزير خارجية طالبان السابق وكيل الله متوكل، كابل، 2 ديسمبر/كانون الأول 2013.
14- مقابلة أجرتها الباحثة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي، قصر رئاسة الوزراء كابل، 4 ديسمبر/كانون الأول 2013.
15- من المقابلة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي.
16- مقابلة أجرتها الباحثة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح، كابل، 6 ديسمبر/كانون الأول 2013.
17- من المقابلة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح.
18- من المقابلة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح.
19- مقابلة أجرتها الباحثة مع وزير الداخلية السابق حنيف أتمر، كابل، 3 ديسمبر/كانون الأول 2013.
20- من المقابلة مع وزير الداخلية السابق حنيف أتمر.
21- مقابلة أجرتها الباحثة مع الناشط السياسي ورئيس مركز الدراسات الإقليمية عبد الغفور ليوال، كابل، 4 ديسمبر/كانون الأول 2013.
22- من المقابلة مع الناشط السياسي ورئيس مركز الدراسات الإقليمية عبد الغفور ليوال.

نبذة عن الكاتب