الانتخابات العامة الهندية: اتجاهات الناخبين والعوامل المؤثرة فيها

تستعرض هذه الورقة خارطة المتنافسين في الانتخابات العامة الهندية. وتذهب أغلب التوقعات إلى أن حزب الشعب الهندي المتشدد (بهارتيا جاناتا)، هو الأوفر حظًا في هذه الانتخابات، لكن تكتل البديل الثالث المتمثل بالأحزاب العلمانية واليسارية، والذي يقوده "حزب الرجل العادي"ربما يشكّل مفاجأة قد تخلط الأوراق.
201442011181909734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تنطوي الانتخابات العامة في الهند لعام 2014 على أهمية كبيرة؛ إذ تُظهر توجهات الناخبين أن ثمة رغبة في إحداث تغيير جوهري على المستوى الوطني عبر البحث عن بدائل للحكومات التي يتزعمها حزب المؤتمر الهندي منذ عشر سنوات، والتي عجزت خلال السنوات الثلاث السابقة عن زيادة معدل النمو الاقتصادي، وكبح تزايد الأسعار، فضلاً عن اتهامات الفساد التي تلاحق أعضاءها في بعض الولايات.

وتذهب أغلب التوقعات إلى أن حزب الشعب الهندي المتشدد (بهارتيا جاناتا)، هو الأوفر حظًا في هذه الانتخابات، لكن تكتل البديل الثالث المتمثل بالأحزاب العلمانية واليسارية، والذي يقوده "حزب الرجل العادي" الجديد والصاعد بقوة، ربما يشكّل مفاجأة قد تخلط الأوراق، وتعيد تشكيل التحالفات، بما يؤثر في نمط السياسات التي تتبعها الأحزاب التقليدية الكبرى، بما فيها تطبيق نوع جديد من الحوكمة تستند إلى أفكار المهاتما غاندي، كما سيأتي. ومع أن صعود أي من البديلين: القومي المتشدد أو اليساري العلماني ستكون له انعكاسات على المستوى الوطني بالدرجة الأولى، فإن تشكيل أي منهما للحكومة القادمة سيسفر أيضًا عن انتهاج سياسة خارجية تختلف نسبيًا عن السياسة التقليدية لحزب المؤتمر.

على الرغم من التعداد الكبير لعدد السكان في الهند، فإن ذلك لم يمنعها من أن تكون الدولة المنظمة لأكبر ديمقراطية في العالم؛ فمنذ استقلالها عام 1947 وإجراء أول انتخابات عام 1951، انتظمت الانتخابات بصورة دورية طوال ما يزيد على ستين سنة، فلم يُعلّق العمل بالدستور مطلقًا، ولم تؤجَّل أيٌ من انتخاباتها، ولم يمنع انتشار الفقر والأمية على نطاق واسع، أو تعدد الولايات وتباعدها، أو الاختلافات اللغوية والدينية والطائفية، أو الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية، أو المذاهب السياسية المتضاربة، أو النظام الطبقي الصارم والظالم، من تنظيم تلك الانتخابات وضمان صحة نتائجها إلى حد بعيد، على الرغم من قلة الإمكانات المتوافرة وبساطة الوسائل والأدوات في إجرائها، وبخاصة في بداياتها.

واليوم، تعد انتخابات عام 2014 الأكبر في التاريخ؛ حيث يشترك فيها 814 مليون ناخب، لاختيار أعضاء مجلس النواب (لوك سبها Lok Sabha)، البالغ عددهم 543 نائبًا. وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الناخبين (أكبر من عدد الناخبين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية مجتمعتين) الذي زاد خلال خمس سنوات فقط نحو 101 مليون ناخب حيث كان عددهم في انتخابات عام 2009 نحو 713 مليونًا، فإن الفرق الكبير بين دورتين انتخابيتين، لم يربك أو يمنع السلطات المنظمة لها من إجرائها بكل سهولة ويسر؛ فمن أجل أن تتمكن اللجنة العامة للانتخابات من التعامل مع جميع مراكز الانتخاب البالغ عددها 930 ألف مركز (1) ؛ فإنه يعد منطقيًا أن تستمر الانتخابات على امتداد خمسة أسابيع، وعلى تسع مراحل، ابتداء من 7 إبريل/نيسان وحتى 12 مايو/أيار 2014.

بل إن لجنة الانتخابات الهندية تعهدت بأنها لن تجعل أي ناخب ينتقل لأكثر من كيلومترين فقط للوصول إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بصوته، وأن أي مركز انتخابي يجب ألا يتعامل مع أكثر من 1500 ناخب (2) . علمًا بأن هناك نحو خمسة ملايين شخص يعملون على تنظيم هذه الانتخابات وإدارتها، فضلاً عن خمسة ملايين شرطي لتأمين انتظامها وحفظ أمن المنظمين والناخبين. وابتداء من عام 2004 أصبحت الانتخابات تُنظَّم في الهند بطريقة إلكترونية وليست ورقية. لذلك، وفرت لجنة الانتخابات لعام 2014 نحو 1.7 مليون وحدة تحكم إلكترونية، ونحو 1.8 مليون وحدة اقتراع إلكترونية في أنحاء البلاد كافة (3) .

الخريطة الانتخابية والحزبية الرئيسية 

تكمن أهمية انتخابات مجلس النواب في أن السلطة التنفيذية تُشكَّل من قبل الحزب أو الائتلاف الذي يحقق الأغلبية المطلقة بالحصول على 272 مقعدًا من أصل 543، ومن ثم يمكنه تحديد سياسات الدولة داخليًا وخارجيًا للسنوات الخمس المقبلة (4) . ولأن تقسيم عدد مقاعد المجلس بين ولايات الهند يقوم على أساس نسبة عدد سكانها إلى مجموع سكان البلاد، فثمة أهمية للفوز في الولايات ذات الكثافة السكانية الأعلى؛ إذ إن الفوز في بعضها يعني نسبة كبيرة من مقاعد المجلس؛ فهناك مثلاً 80 مقعدًا لولاية أوتار براديش، و48 مقعدًا لولاية مهاراشترا، و42 مقعدًا لولاية أندرا براديش، و42 مقعدًا لولاية البنغال الغربية، و40 مقعدًا لولاية بيهار، و39 مقعدًا لولاية تاميل نادو، و26 مقعدًا لولاية غوجرات. وهكذا تتوزع بقية المقاعد بحصص أقل على الولايات الأخرى، لتصل في بعضها إلى مقعد واحد فقط، كما هي حال ولايتي ميزورام وسيكيم. كما أن هناك سبع ولايات اتحادية يخصص لكل ولاية منها مقعد واحد، باستثناء ولاية دلهي التي يخصص لها سبعة مقاعد. 

وتتنافس على هذه المقاعد أحزاب كبيرة وتقليدية، مثل: حزب المؤتمر الهندي Indian National Congress بزعامة راهول غاندي، سليل أسرتي نهرو وغاندي. ويتزعم هذا الحزب "التحالف التقدمي المتحد" الذي يضم ثمانية أحزاب أخرى؛ علمانية ومسلمة. ويعد حزب المؤتمر أعرق الأحزاب الهندية؛ حيث قاد حكومات كثيرة منذ الاستقلال، وهو الحزب الحاكم خلال السنوات العشر الماضية؛ إذ حل الأول في انتخابات عام 2009 بحصوله على 206 مقاعد.    

ومن بين الأحزاب التقليدية الكبيرة، يعد حزب الشعب الهندي "بهارتيا جاناتا" Bharatia Janata، بزعامة ناريندرا مودي رئيس وزراء ولاية غوجرات، المنافس الرئيسي لحزب المؤتمر؛ فقد حلّ ثانيًا في الانتخابات السابقة وحصل على 117 مقعدًا. ويتزعم هذا الحزب "التحالف القومي الديمقراطي" الذي يتكون في أغلبيته من أحزاب هندوسية، مثل: حزب شيف سينا الذي حصل على 11 مقعدًا.   

كما أن هناك أحزابًا رئيسية معروفة -ولكن تأثيرها وحجمها أقل- تنافس في هذه الانتخابات، وعلى رأسها ما يُسمّى: تكتل "الجبهة الثالثة" ذا التوجهات اليسارية، بزعامة الحزب الشيوعي الهندي (4 مقاعد في المجلس الحالي)، والحزب الاجتماعي الثوري (14 مقعدًا)، وحزب باوهجان ساماج (11 مقعدًا). وهناك أيضًا تكتل "الجبهة الرابعة"، المؤلّف من حزبين، بزعامة حزب ساماج وادي (22 مقعدًا)، وراشيسترا جاناتا دال (4 مقاعد). 

وبالإضافة إلى تنافس تلك الأحزاب والكتل المعروفة، ثمة ظاهرة جديدة في انتخابات عام 2014؛ إذ تُسلط الأضواء على إمكانية صعود بديل ثالث يساري وعلماني مكون من 14 حزبًا، من غير العناصر اليسارية المحسوبة على الحزبين الكبيرين. ويأتي على رأس هذا التحالف حزب جديد، وهو "حزب الرجل العادي" Aam Aadmi Party, AAP، الذي لم يخض أية انتخابات برلمانية عامة سابقًا، ومع ذلك فإنه مرشح لأن يحصل على نتيجة جيدة. 

وبوصفه حزبًا جديدًا؛ حيث تأسس في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فهو غير ممثل في أية هيئة تشريعية، باستثناء ولاية دلهي التي جرت انتخاباتها في ديسمبر/كانون الأول 2013، وأظهرت هذا الحزب بشكل مفاجئ؛ فقد تفوق على الأحزاب التقليدية وفاز بـ 28 مقعدًا من أصل 70 مقعدًا في برلمان الولاية؛ ما أهّله لتشكيل حكومة ولاية دلهي، وأضحى زعيمه أرفيند كيجريوال Arvind Kejriwal رئيسًا لهذه الحكومة (5) . وكدليل على حجم تصاعد قوته وثقته بنفسه؛ فقد رشح لهذه الانتخابات 426 مرشحًا مقابل 451 لحزب الشعب، و414 لحزب المؤتمر (6)

ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات مختلفة، يبدو أنه لا حزب الشعب الهندي ولا حزب المؤتمر الهندي سيحققان بمفردهما الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة المقبلة. وتُظهر الاستطلاعات أن حزب الشعب قد يفوز بنحو 32-38% من أصوات الناخبين، وقد يشكّل الحكومة؛ مما يشير إلى إنهاء حكم حزب المؤتمر، وذلك بحسب استطلاع شبكة CNN – IBN، ومركز دراسات المجتمعات النامية Centre for the Study of Developing Societies. وقد أعطى الاستطلاع في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان نحو 234 إلى 246 مقعدًا للتحالف القومي الديمقراطي الذي شكّله حزب الشعب. أما حزب المؤتمر فقد توقع الاستطلاع أن يفوز التحالف القومي المتحد الذي يقوده بنحو 111 إلى 123 مقعدًا فقط (7) .     

ولكن مع مرور أكثر من أسبوع على الانتخابات زادت التوقعات بأن يحصل التحالف القومي الديمقراطي على أكثر من النصاب اللازم لتشكيل الحكومة؛ أي 275 مقعدًا، منها 227 مقعدًا لحزب الشعب وحده. أما التحالف القومي المتحد فقد يحصل على 111 مقعدًا منها 92 مقعدًا فقط لحزب المؤتمر، وهي أقل نتيجة يحصل عليها على الإطلاق، بحسب استطلاع تليفزيون NDTV. (8) 

العوامل المؤثرة في الانتخابات 

ثمة قضايا مهمة تشغل الناخبين في الهند وتُحدَّد نتائج الانتخابات بناء عليها، مثل: ضعف النمو الاقتصادي، وقضايا الفساد المنتشرة والتي لم يسبق لها مثيل في جميع أنحاء البلاد، وزيادة التضخم والارتفاع الكبير في الأسعار، وقلة فرص العمل. وإذا أخذنا في الاعتبار انتشار الفقر وارتفاع نسبة الشباب في الهند، يمكننا عندها تقدير الاهتمام الكبير الذي يوليه الشعب الهندي للعامل المعيشي والاقتصادي بالدرجة الأولى؛ فعلى الرغم من النمو الجيد عمومًا الذي حققته خلال العقد الماضي، تبقى الهند مأوى لثلث الفقراء في العالم. وبما أن أصوات الفقراء أكبر بكثير من أصوات الأغنياء في هذه الانتخابات، فإن الأنظار تتجه إلى الأحزاب التي يمكن أن تحقق لهم فرص العمل وكبح الأسعار. أما تأثير فئة الشباب؛ ففي ظل أن 65% من الشعب الهندي هو دون الخامسة والثلاثين من العمر، وأن متوسط العمر في الهند هو 27 عامًا؛ فيعني ذلك أن النسبة الأكبر من الناخبين ستكون من بينهم (9) . وبما أن الهند تشهد ثورة معلوماتية، وأن روادها هم الشباب، فمن المؤكد أن همومهم ستكون محددة لنتائج الانتخابات. إن أهم ما يقلق الشباب هو بناء مستقبلهم المهني والعائلي، وفي ضوء أداءٍ اقتصادي ضعيف فمن المرجح أن تذهب أصواتهم إلى البرامج التي تركز على النمو الاقتصادي والشراكات الاقتصادية والاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة. 

إن العامل الاقتصادي يصب في مصلحة حزب الشعب الهندي، فيما يصب عامل انتشار الفساد في مصلحة حزب الرجل العادي والأحزاب اليسارية والعلمانية المتحالفة معه. لكن هذين العاملين مجتمعين يؤثران سلبيًا في حظوظ حزب المؤتمر الحاكم؛ إذ إن الأداء الاقتصادي الضعيف لحكومة حزب المؤتمر خلال السنوات الثلاث الماضية أثّر كثيرًا في توجهات الناخبين، فهم ينظرون إلى جارتهم الصين التي تتشابه معهم في العامل السكاني، والتي حققت خلال السنوات العشر الماضية نسبة نمو تتراوح بين 8-10% فيما استقرت الهند عند 5% منذ عام  2012(10) . وفي ظل هذه الظروف، يحاول حزب المؤتمر تحسين حجم شعبيته عبر إعلان رئيس الوزراء مانموهان سينغ أنه لن يترشح لولاية ثالثة كرئيس للحكومة، وذلك ليتيح المجال لراهول غاندي كي يتسنّم المسؤولية. وعلى الرغم من أن شخصية راهول قد تؤدي دورًا إيجابيًا في محاولة تحسين نتائج الحزب، فإنها في الوقت نفسه تعد من سلبيات حزب المؤتمر أحيانًا؛ إذ إن حملة حزب الشعب المعارض تركز على دور العائلة "المالكة" التي لا تُمسّ! وعلى أن ترشيح راهول يأتي على أساس عائلي أكثر منه على أساس الكفاءة. ومع ذلك، فلا يمكن تجاهل حقيقة أن العائلات تبقى مؤثرة في الحياة السياسية في الهند؛ إذ يعتبر نحو 30% من أعضاء البرلمان الحالي من أبناء العائلات السياسية في البلاد (11) . لقد أوضحت انتخابات ولاية دلهي في ديسمبر/كانون الأول 2013، أن هناك مشاعر معادية لحزب المؤتمر بين الناخبين، لاسيما بسبب مزاعم فساد غير مسبوقة ضد الحكومة التي يترأسها الحزب في ولاية أوتار براديش، أكبر الولايات من حيث عدد المقاعد البرلمانية. 

بالمقابل، يسهم العامل الاقتصادي في تزايد احتمالات تفوق حزب الشعب الهندي بسبب ما يسمى بـ"موجة مودي"، في إشارة إلى زعيم الحزب ناريندرا مودي، الذي اكتسب شهرة وأصبح ذا جاذبية وكاريزما اقتصادية بسبب نجاحاته طوال الاثنتي عشر سنة الماضية كرئيس لوزراء ولاية غوجرات؛ حيث حقق نموًا اقتصاديًا متواصلاً وجذب الاستثمار إليها. كما يشار إليه كقائد للتنمية الاقتصادية والحكم الرشيد. ويتخذ الحزب في حملته الانتخابية الحالية شعارًا يعتمد على دلالتين رمزيتين، هما: "وقت التغيير.. وقت مودي" (12) ، في إشارة إلى شخصية مودي والتغيير الذي أحدثه منذ تسلم غوجرات، والتغيير الذي يمكن أن يحدثه في حال تسلمه رئاسة الوزراء في الهند. ولهذا، ركزت حملته للانتخابات الحالية على الاقتصاد بالدرجة الأولى، فقد قال للآلاف من مؤيديه في بلدة بيجنور في ولاية أوتار براديش: "سأخلصكم من كل المشاكل التي ابتليتم بها في السنوات الستين الماضية في غضون ستين شهرًا فقط" (13)

أما على صعيد مكافحة انتشار الفساد، فيبرز تأثير حزب الرجل العادي، الذي انبثق أصلاً من الحركة الشعبية التي يطلَق عليها: "الهند ضد الفساد" India Against Corruption والتي تأسست عام 2011. ويرى الحزب أن مفهوم المهاتما غاندي للسواراج أو "حكم الشعب" Swaraj، لم يتحقق حتى الآن؛ لأن الشخصيات السياسية المنتخبة تحولت عبر الزمن من ممثلين للشعب إلى آلات انتخابية فحسب، أي تعمل لمصالحها الذاتية. وبرأيه، فإن تمكين حكم الشعب يجب أن يبدأ بتأسيس مؤسسة مستقلة لمكافحة الفساد تملك كل سلطات المساءلة والرقابة، ويخضع لها جميع من يتبوأ مسؤولية في الدولة ابتداء من رئيس الوزراء والنواب وحتى جميع الموظفين، وتكون بعيدة عن تأثير جميع الأحزاب ونفوذها (14) . وبهذا، فإن إنشاء مثل هذه المؤسسة يجعل المسؤولين مراقبين من قبل عموم الشعب. 

إن إحياء مثل هذا المفهوم الذي له دلالة رمزية تعود لشخصية المهاتما غاندي، وتصدي الحزب وحركة "الهند ضد الفساد" خلال السنوات الثلاث الماضية فعليًا لقضايا الفساد، عبر الرصد الممنهج لهذه القضايا ومتابعتها أمام المحاكم وكشف المتورطين فيها، أكسب الحزب شعبية. وعلى الرغم من أن استقالة زعيم الحزب كيجريوال من منصبه كرئيس لوزراء ولاية دلهي بعد 49 يومًا من توليه المنصب بسبب إخفاقه في تحقيق وعوده الانتخابية قد تضعف الحزب في الانتخابات الحالية، فإن الحزب يعوّل على مسألة المصداقية؛ حيث يروج لأن زعيمه استقال على خلفية قضية يعتبرها مشرّفة، فحينما لم يستطع الوفاء بوعده بجعل برلمان ولاية دلهي يقر قانونًا لإنشاء مؤسسة مختصة لملاحقة قضايا الفساد (وهو مشروع قانون Jan Lokpal Bill)، قدّم استقالته، وذلك بعكس السياسيين الآخرين الذي فشلوا في تحقيق وعود كثيرة لسنوات ومع ذلك ما زالوا يتحدثون عن وعود وإنجازات ومحاربة الفساد (15) . لهذا، يحاول الحزب وتحالفه اليساري والعلماني الاستفادة من مثل هذه القضايا واستثمارها لتحقيق مكاسب انتخابية على مستوى عموم الهند في الانتخابات الحالية. 

وفضلاً عن ذلك، هناك عامل يؤثر تقليديًا في الانتخابات لمصلحة حزب المؤتمر الهندي، وهو المتعلق بالمسلمين في الهند؛ ففي محاولة لكسب أصواتهم كالعادة، حذر راهول غاندي من أن فوز مرشح اليمين الهندوسي ناريندرا مودي قد يقود إلى اندلاع فتنة دينية بين الهندوس والمسلمين؛ ففوز هؤلاء "يخلق المعارك والمشاكل أينما توجهوا، وسيحرضون الهندوس على المسلمين"، ويضيف: "أما نحن، فنعمل مع الجميع، إن كانوا من الهندوس أو المسلمين أو السيخ أو المسيحيين. نحن نعمل مع كل الطوائف والطبقات والأديان والمناطق، هذه هي سياستنا" (16) . وما يؤثر فعلاً في حظوظ شخصية مودي على هذا الصعيد هو أعمال الشغب التي وقعت في غوجرات عام 2002؛ والتي راح ضحيتها نحو 1000 شخص معظمهم من المسلمين، وكان هو من الشخصيات القومية المتشددة التي أدت دورًا في تأجيجها (17) . كما أن برنامج حزب الشعب الهندي تضمن تحت بند الإرث الثقافي عبارة تعد مستفزة للمسلمين، وهي: "سنعمل على استكشاف جميع السبل والإمكانيات وفي إطار الدستور من أجل تسهيل بناء معبد رام في أيودويا" (18)

إن قضيةً إشكاليةً كبيرةً مثل بناء معبد رام الهندوسي مكان مسجد بابري الذي هدمه متطرفون هندوس عام 1992 في أيودويا، تعد من القضايا الحساسة والمثيرة للفتن والصراعات في الهند. ولكن بقدر ما تنفر مثل تلك العبارات المسلمين وتبعدهم عن تأييد حزب الشعب الهندي، فإن تضمينها في البرنامج الرسمي لحملته الانتخابية يبدو ضروريًا لإرضاء قاعدته الانتخابية العريضة من الهندوس، وكي لا تذهب أصواتهم إلى أحزاب هندوسية متطرفة أخرى، مثل حزب شيف سينا. ولأن مثل هذه القضية خطيرة وقد تنعكس سلبيًا على أداء حزب الشعب الهندي في حال تسلمه الحكومة، بسبب الاضطرابات التي قد تنشأ عن تطبيقها على أرض الواقع؛ فقد جاءت صياغتها مقيدة "في إطار الدستور"؛ أي من خلال تشريعات تؤيد ما يسميه: الإرث الثقافي للهندوس. ويعني هذا صعوبة تحقق مثل هذه التشريعات في المدى القريب، وهو ما يريده فعليًا، لأن أولويته تتركز مرحليًا على تهيئة الأجواء لتطبيق برنامجه الاقتصادي بما يمكّنه من زيادة شعبيته على مستوى البلاد كافة. 

   مكانة السياسة الخارجية في الانتخابات 

في الواقع، لا تحظى السياسة الخارجية وقضاياها بأهمية كبرى أثناء الانتخابات العامة في الهند، لسببين مهمين على الأقل، الأول: أن شواغل عامة الناس، الذين يغلب عليهم الفقر، هي تأمين الحاجات الأساسية وتوفير فرص العمل وكبح الأسعار المتصاعدة. والسبب الثاني: أن السلوك الهندي الخارجي منذ الاستقلال وحتى الآن اكتسب مصداقية كبيرة لدى الشعب، بصرف النظر عن الحزب أو الائتلاف الحاكم؛ فقد استطاعت الهند أن تراكم عبر السنين إنجازاتها على صعيد علاقاتها الخارجية، عبر تزعمها لسياسة عدم الانحياز في العالم، ثم استفادتها من العلاقات الودية مع الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، أظهرت عبر محطات عديدة سلوكًا صارمًا تجاه المشاكل الإقليمية التي تمس أمنها وبخاصة تجاه الصين وباكستان. إن الإدراك الجمعي في الهند لحقيقة أن السياسة الخارجية تعتمد على مؤسسات راسخة وخبرات متراكمة ولها نشاط إقليمي ودولي ملحوظ، يقلّل من دورها كعامل مؤثر أثناء الانتخابات؛ فهي تعد من القضايا المسلّم بها. ولا ينفي هذا أن لكل حزب أو تحالف رؤيته الخاصة لتوجهات السياسة الخارجية، وأن ذلك يؤثر بالضرورة في مستوى علاقات الهند الإقليمية والدولية بحسب تلك الرؤية، لكن هذا التأثير يظهر في ما بعد الانتخابات؛ أي بعد تشكيل الحكومة، وليس أثناء الانتخابات. 

وبناء على ذلك، يمكن فهم عدم تركيز أي من البرامج الانتخابية للأحزاب الهندية على قضايا السياسة الخارجية إلا في نطاق ضيق؛ فعند مراجعة هذه البرامج، نجد أنه من أصل 48 صفحة لدى حزب المؤتمر ثمة صفحة واحدة للسياسة الخارجية، أما حزب الشعب الهندي فمن أصل 52 صفحة نجد نحو صفحة واحدة، فيما نجد من بين 28 صفحة في برنامج حزب الرجل العادي أقل من نصف صفحة للسياسة الخارجية (19) . إن المسألة ليست كمية هنا، ولكنها يمكن أن تدل على أن الأولوية في الانتخابات هي للاقتصاد والمستوى المعيشي بوصف تلك البرامج قد أفردت أغلب صفحاتها لتفاصيل الإجراءات والتدابير الاقتصادية التي ستعمل عليها الأحزاب في حال انتخابها. 

ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن ثمة فرقًا مهمًا في نظرة الحزبين الرئيسيين للسياسة الخارجية؛ ففي حين ركّز حزب المؤتمر الهندي على صياغات تقليدية ومفاهيم عامة بشأن دور الهند في العالم، من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، وبخاصة دورها الآسيوي، والمساهمة في مواجهة التحديات العالمية، مثل: تغير المناخ والتنمية المستدامة، وعدم انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب العالمي، وتعزيز العلاقات مع الدول الصاعدة والدول الكبرى عمومًا دون إشارة محددة للولايات المتحدة مثلاً، نجد أن برنامج حزب الشعب الهندي يركز على إعادة توجيه أهداف السياسة الخارجية ونهجها بما يجعل الهند منخرطة استراتيجيًا على المستوى العالمي، ليس دبلوماسيًا فحسب، وإنما سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وعلميًا وثقافيًا، كي تصبح في موقع أقوى، وكي يُسمَع صوتها في الساحة الدولية. ولهذا، فهو يسعى إلى أن تتبنى الهند دبلوماسية نشطة وفعالة Proactive diplomacy. في الواقع، شهدت الهند إبان حكم هذا الحزب (1999-2004) نشاطًا كثيفًا على صعيد تعزيز العلاقات الدفاعية والصناعية مع روسيا، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات التجارية والتكنولوجية و"مكافحة الإرهاب" مع الولايات المتحدة. ومن المتوقع في حال تشكيله للحكومة المقبلة أن يولي أهمية للعلاقات مع كلتا القوتين في آنٍ معًا، حتى في ظل التوتر الناشئ بينهما بسبب أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على تحالفات الطرفين، لأن الأولوية في الهند تتركز على النمو الاقتصادي الذي يحتاج إلى شراكات واستثمارات دولية جديدة ومتعددة.
________________________

عماد قدورة، باحث في الدراسات الاستراتيجية.

الهوامش والمصادر

1- Election Commission of India, “General Elections – 2014 Schedule of Elections,” New Delhi, 2014, at: http://eci.nic.in/eci_main1/current/Press%20Note%20GE-2014_05032014.pdf  ; Lok Sabha, House of the people, at: http://loksabha.nic.in/  ; “India General Elections 2014,” at: http://www.mapsofindia.com/parliamentaryconstituencies /      

2- Election Commission of India, “The Function (Electoral System),” at: http://eci.nic.in/eci_main1/the_function.aspx  

3-Election Commission of India, “General Elections,” op. cit.

4-  The Constitution of India, at: http://india.gov.in/sites/upload_files/npi/files/coi_part_full.pdf  

5- “Kejriwal Becomes CM,” The Economic Times, December 23, 2013; “India activist Arvind Kejriwal’s Aam Aadmi Party vows change,” BBC, November 26, 2012.

6- Brajesh Kumar, “Aam Aadmi Party seeks national role, names 426 candidates,” Hindustan Times, April 3, 2014.

7- “India opposition could clinch election win: opinion polls,” Reuters, April 8, 2014, at: http://www.reuters.com/article/2014/04/05/us-india-election-poll-idUSBREA340AB20140405  

8- “For first time, an opinion poll gives NDA a clear majority,” The Times of India, April 15, 2014, at: http://timesofindia.indiatimes.com/home/lok-sabha-elections-2014/news/For-first-time-an-opinion-poll-gives-NDA-a-clear-majority/articleshow/33754560.cms  

9- Peter Bergen and Anna Swanson, “11 things to know about world's biggest election,” CNN, April 6, 2014, at: http://edition.cnn.com/2014/04/06/opinion/bergen-india-elections-11-things /

10- Ibid.

11-  Ibid.

12-   See the BJP Party official Website, at: http://www.bjp.org /

13- Peter Bergen and Anna Swanson, op. cit.

14- Amm-Aadmi Party, “National Manifesto-2104,” at: https://app.box.com/s/q9k6f7e21265olkpxrzq  

15- “Chief Minister of Delhi Resigns after 49 Days, Citing Resistance to Antigraft Bill,” New York Times, February 14, 2014, at: http://www.nytimes.com/2014/02/15/world/asia/delhis-newly-appointed-chief-minister-resigns.html?_r=0  

 16- "غاندي: الهند تواجه مخاطر فتنة دينية لو فاز مودي"، بي بي سي عربي، 6 إبريل/نيسان 2104، انظر:

http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2014/04/140405_india_rahul_modi_elections.shtml  

17- Peter Bergen and Anna Swanson, op. cit.

18- BJP Party, “Manifesto 2014,” at: http://www.bjp.org/images/pdf_2014/full_manifesto_english_07.04.2014.pdf  

19- Indian National Congress Party, “Lok Sabha Manifesto 2014,” at: http://inc.in/media/pdf/English_Manifesto_for_Web.pdf  ; BJP Party, “Manifesto 2014,” op. cit.; Amm-Aadmi Party, op. cit.

نبذة عن الكاتب