الدولة الريعية في إيران: عائدات النفط النمو والتضخم

لا تمتد آثار ريعية اقتصاد إيران إلى هشاشة البنى الاقتصادية فقط؛ بل تظهر في آثار سوسيو-سياسية عميقة تتعلق بتشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، تُركز هذه الورقة على البعد الاقتصادي للدولة الريعية، وتُجْرِي رصدًا لتأثير ارتفاع وانخفاض عائدات النفط على معدلات النمو والتضخم في إيران.
20146872358706734_20.jpg
(الجزيرة) 
ملخص
تعاني إيران من ارتباط اقتصادها وموازناتها بالعائدات النفطية التي تحققها, إلا أن ذلك الارتباط يجعل من اقتصادها اقتصادًا ريعيًّا معرِّضًا للهزات التي تصيب الاقتصاد العالمي، لا تمتد آثار ريعية اقتصاد إيران إلى هشاشة البنى الاقتصادية فقط؛ بل تظهر في آثار سوسيو-سياسية عميقة تتعلق بتشكيل علاقات السلطة داخل جهاز الدولة، ورسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، تركز هذه الورقة على البعد الاقتصادي للدولة الريعية، وتُجْرِي رصدًا لتأثير ارتفاع وانخفاض عائدات النفط على معدلات النمو والتضخم في إيران؛ وذلك من خلال استعراض أهم الفترات التي كان هذا التأثير فيها واضحًا، وتمر الورقة على ثلاث حقب مختلفة منذ انتصار الثورة الإسلامية، وتتناول الورقة هذه الإشكالية بمناقشة رأي التيار العام من الباحثين الإيرانيين؛ الذين ينتمون إلى المدرسة النقدية في الاقتصاد، والذين تسيدوا المشهد الاقتصادي في إيران منذ تولي هاشمي رفسنجاني للحكم؛ وذلك بعد خفوت نجم تيار الاقتصاديين الذين تصدَّوْا للشأن الاقتصادي إبان وزارة مير حسين موسوي في الثمانينات من القرن الماضي، وتبقى السرديات الاقتصادية موضوعًا للجدل والصراع بين النخب الإيرانية تبعًا لانحيازها الاجتماعي والاقتصادي.

تُعرَف دولةً ما بـ"الريعية" حين تعتمد على عائدات صادراتها من المواد الأولية لتغطية الجزء الأكبر من إنفاقها الحكومي؛ وذلك مع تغطية حيز صغير من عائداتها غير الريعية، وتذهب عائدات هذه المصادر (الريع) إلى خزانة الدولة وليس لمؤسسات خاصة أو أفراد، وحديثًا جرى تسمية الدول المُنتجة والمُصدرة للنفط والغاز والمعتمدة بصورة شبة كلية على تغطية إنفاقها من خلال عائدات تصدير المواد الأولية, دولاً ريعية.

تتميز بنى الدول الريعية بالبعدين الآتيين (1):

  1. البُعد المؤسسي والسياسي: يؤدي اعتماد الدولة على الريع إلى إضعاف أدائها الإداري؛ وذلك في كفاءة هيكلها وقدراتها الاستخراجية فيتحوَّل إلى كيان رخو؛ حيث تصبح مهمة الدولة توزيع الأرباح؛ وبذلك تتحوَّل مهمتها التوزيعية بشكل محتمل إلى مصدر من مصادر مشروعية بقاء النظام الحاكم؛ وبناءً على عدم اعتماد الدولة على قطاعها الضريبي يُعفي النظام الحاكم نفسه من المحاسبة السياسية ويزيد انفصاله عن القوى الاجتماعية الفاعلة(2).

    وامتدادًا للهشاشة المؤسسية ينتج عن الاعتماد على الريع والضخ المستمر للفوائض ظهور ما يسمى بالزبونية (Clientalism)؛ التي تتمثل في تبادل الخدمات السياسية بين لاعبين غير متماثلين لتعزيز مواقعهم من خلال علاقة الرعاة-العملاء (Patron-Client)؛ حيث تتبلور هذه العلاقة –في صورة من صورها- في إطار رغبة لاعبين داخل جهاز الدولة في الاستحواذ على جزء أكبر من عائدات الدولة لصالح مؤسساتهم؛ وذلك في مقابل دعمهم للدوائر العليا في هرم السلطة؛ التي تمنحهم الحماية (وهي علاقة معقدة), وهي ما تسمى ممارسات البحث عن الريع (Rent-seeking)، وينتج عن هذا النمط المؤسسي ظاهرة "دولة ملوك الطوائف".

  2. البُعد الاقتصادي: على الرغم من حفز عائدات النفط للناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير, يضر الاعتماد على الريع على المدى البعيد أداء الاقتصاد هيكليًّا؛ حيث تظهر أعراض ما يسمى بـ"المرض الهولندي" (Dutch disease)، وتظهر أعراض هذا المرض في صورتين: 1- ارتفاع قيمة العملة بدرجة تفوق قيمتها الحقيقية؛ مما يؤدي إلى عجز سلع التصدير غير النفطية عن المنافسة في الأسواق العالمية مع انخفاض قيمة الواردات؛ وبالتالي اجتياحها للأسواق المحلية. 2- ضعف أداء القطاعات غير النفطية على المدى المتوسط والبعيد (ومن ثم تراجع الناتج المحلي غير النفطي).

وفقًا للتصور المبدئي للمدرسة النقدية في الاقتصاد (التي يتبعها التيار السائد من الاقتصاديين في إيران), التي تفسر ظاهرة التضخم من خلال نظرية مقدار النقود (خلافًا للمدرسة الكينزية)3؛ وينتج عن تدفق عائدات النفط في وضع الاقتصادات النفطية, ظهور ما يسمى بتضخم سحب الطلب (Demand-pull inflation) (4)؛ حيث يسهم الإنفاق الحكومي المتزايد (في ظل سياسة اقتصادية غير منضبطة) في ارتفاع السيولة النقدية؛ ومن ثَمَّ ارتفاع مستوى الطلب الكلي عن مستوى العرض الكلي مسببًا التضخم، وفي هذه الحالة يضر التضخم بميزان المدفوعات؛ لأنه سيحفز الواردات (بسبب ارتفاع قيمة السلع المحلية) وسيقلل من الصادرات, لكن في النهاية تزيد أسعار الواردات والسلع المحلية(5).
 
عندما تلجأ الحكومات أيضًا -في وضع الاقتصادات المغلقة أو شبة المغلقة- إلى التوسع في تحرير الواردات لمعالجة ضعف العرض الكلي غير القادر على مواكبة الطلب الكلي الصاعد، أو لتحقيق نمو اقتصادي سريع, تتضرر القطاعات الإنتاجية المحلية؛ لعدم قدراتها على المنافسة, وبالتالي تزيد أزمة التضخم على المدى البعيد بسبب تدهور مستوى العرض الكلي، ويوضح الشكل (1) علاقة تدفق العائدات النفطية بالتضخم في ظل سياسات اقتصادية غير منضبطة:

الشكل (1)

 

أما في حالة تراجع العائدات النفطية (سواء بسبب عقوبات اقتصادية أو انخفاض أسعار النفط), تتصاعد أزمة التضخم لتتحول إلى تضخم جامح (Hyperinflation)، وفي حال عجز العائدات النفطية عن تغطية تكاليف المدفوعات الخارجية تنخفض قيمة العملة المحلية، في هذه الحالة ترتفع قيمة الواردات أولاً، ثم ترتفع قيمة السلع المحلية لاحقًا؛ ولعجز الحكومة عن الالتزام بتعهداتها الخارجية, يتم الاتجاه إلى تقييد الواردات؛ ومن ثَمَّ تزيد حدة التضخم أكثر(6).
 
بذلك يدفع التراجع في العائدات النفطية وتراجع قيمة العملة إلى نوع آخر من التضخم؛ وهو تضخم التكاليف (Cost-push inflation)، الذي يحدث نتيجة تراجع العرض الكلي بسبب ارتفاع أجور العاملين وصعود سعر المواد الخام (مع ارتفاع قيمة الواردات وتقييدها), في هذه الحالة يكون مصدر التضخم من جانب العرض وليس الطلب(7).

تتفاقم مشكلة التضخم أيضًا بسبب عملية تنقيد عجز الموازنة (Monetizing budget deficit) أو تنقيد ديونها من خلال طبع البنك المركزي للأوراق النقدية لتمويل النفقات الحكومية أو تسديد الديون، وبجانب جميع العوامل التي تم ذكرها, تؤدي التوقعات التضخمية دورًا كبيرًا في العملية.

يوضح الشكل (2) ارتباط الموازنة بالعائدات النفطية في ظل سياسات مالية ونقدية غير منضبطة:

الشكل (2)  

 

رفسنجاني (1989-1997): مساعٍ لإعادة هيكلة الاقتصاد

منذ عام 1986 بدأت الجمهورية الإسلامية تعاني من حالة تضخم بسبب انخفاض عائدات النفط على خلفية انخفاضها في الأسواق العالمية منذ عام 1984 بالإضافة إلى الحرب مع العراق، وأدى تراجع العائدات النفطية وانخفاض قيمة العملة إلى تراجع واردات المواد الخام؛ ومن ثَمَّ تراجع الإنتاج (مسببًا تراجعًا في العرض الكلي في مقابل ثبات أو ازدياد الطلب الكلي)؛ مما دفع معدلات التضخم إلى الارتفاع، فقد ارتفع التضخم من 7% في عام 1985 إلى 23.7% في عام 1986، واستمر في ارتفاعه ليصل إلى 28.9% في عام 1988؛ ولكن بانتهاء الحرب مع العراق عاودت أسعار النفط الارتفاع واستطاعت الحكومة احتواء الآثار التضخمية(8).

خطة التنمية الأولى (1989-1990 إلى 1993-1994)

في يناير/كانون الثاني 1990 صدَّق مجلس الشورى الإسلامي رسميًّا على الخطة الخمسية الأولى للتنمية، التي قدمها الرئيس هاشمي رفسنجاني لإجراء برنامج التعديل الهيكلي (Structural Adjustment)؛ وذلك في إطار السياسات الليبرالية الجديدة لإعادة هيكلة الاقتصاد، وكانت سياسة الانفتاح التي اتبعتها حكومة رفسنجاني سببًا رئيسيًّا في أزمات التضخم التي شهدتها إيران؛ وذلك بسبب الاقتراض المتزايد، وتفاقم أزمة الدين الخارجي.

انعكس ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بين عامي 1989 و1991 على نمو الناتج المحلي الإجمالي في هذه الفترة، وحققت إيران نموًّا اقتصاديًّا بين عامي 1990 و1991 بلغ 12-14%, ومع ذلك لم تستطع الإدارة الإيرانية المحافظة على هذه النسبة المرتفعة في السنوات اللاحقة؛ حيث انخفض معدل النمو (تبعًا لتقلُّبات أسعار النفط) إلى 4% في عام 1992 و1.5% في عام 1993م(9).

لم تمضِ فترة طويلة بعد أزمة عام 1988 حتى عاودت معدلات التضخم الارتفاع من جديد بين عامي 1994 و1995؛ بسبب انخفاض العائدات النفطية مع عام 1993؛ وذلك في ظل اتجاه الحكومة سابقًا إلى زيادة الاقتراض الخارجي، واتباع سياسات نقدية توسعية، إضافة إلى اعتماد نظام عائم للصرف، وقد أدركت حكومة رفسنجاني لاحقًا (في ظل مرحلة إعادة البناء ومساعي حفز النمو) انعكاسات سياسة الباب المفتوح في دعم الواردات وخفض التعريفات الجمركية مع تفاقم الدين الخارجي؛ بسبب تراجع عائدات النفط, وأدى منع الواردات بشكل مفاجئ إلى تفاقم مشكلة التضخم مرة أخرى.

وصل معدل التضخم في 1994 إلى 35.3% وقفز إلى 49.3% في 1995، وعادت الحكومة بعد أزمة عام 1994 مرَّة أخرى لتبني سياسات نقدية انكماشية، وبدأت في تثبيت قيمة العملة لاحتواء آثار التضخم؛ فانخفض التضخم إلى 23% في عام 1996، ثم إلى 17% في العام التالي(10)؛ ومن جهة أخرى هددت هذه السياسات الانكماشية بدخول الاقتصاد في حالة من الركود.

إضافة إلى ذلك لجأت إدارة رفسنجاني إلى خفض النمو السكاني لخفض الطلب الكلي؛ ومن ثَمَّ التضخم على المدى المتوسط والبعيد؛ وذلك بعد ارتفاع معدل النمو السكاني بعد الثورة، وهو ارتفاع يمكن عزوه بشكل ما إلى السياسات الاجتماعية للقيادة الجديد بعد الثورة، ورؤيتها لدور المرأة في المجال العام.

حققت إيران متوسط نمو 7% في فترة الخطة الخمسية الأولى، وكان ارتفاع سعر برميل النفط وتدفُّق العائدات النفطية التي حققتها الحكومة سببًا في تحقيق هذا المعدل؛ خاصة في السنوات الأولى؛ إذ زاد الإنفاق الحكومي على إثر تضاعف حجم العائدات النفطية، التي زادت من 9.7 إلى 18 مليار دولار بين عامي 1988 و1990؛ ولكنها انخفضت لاحقًا إلى 14 مليار في آخر سنوات الخطة(11).

خاتمي (1997-2005): جهود لتخفيف الاعتماد على النفط

حاولت الإدارة الإيرانية بقيادة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إنعاش الاقتصاد؛ وذلك باعتماد خطة التنمية الثالثة بعد الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الإدارة السابقة عقب أزمة تضخم عام 1995، إضافة إلى آثار انخفاض أسعار النفط في أواخر التسعينات في ظل خطة التنمية الثانية، التي دخلت إلى حيز التنفيذ منذ عام 1994، فانخفض متوسط النمو الاقتصادي أثناء فترة الخطة الثانية إلى 2.8% (في مقابل 5.1% خُطط لها).

بدأت أسعار النفط في الأسواق العالمية تشهد انخفاضًا بين عامي 1997-1998؛ حيث فقد برميل النفط 35% من قيمته في هذه الفترة، وأدى هذا الانخفاض إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 3.4% في عام 1997 إلى 1.6% في عام 1998، وشهد عام 1998 ارتفاعًا في نسبة السيولة النقدية وصل إلى 28.1%؛ بسبب ديون الحكومة للبنك المركزي، التي انعكست على ارتفاع أسعار السلع والخدمات(12).

وفي 1999 عاد الاقتصاد الإيراني ليشهد تحسنًا تدريجيًّا مرَّة أخرى؛ وذلك على إثر ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية؛ ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2000 استعاد برميل النفط 55.7% من قيمته ليرتفع من 16.78 إلى 26.13 دولار، وانعكس تدفق العائدات النفطية على ارتفاع السيولة النقدية إلى 29.3% في عام 2000م(13).

 خطة التنمية الثالثة (1995 – 1999)

كان تقدير خطة التنمية الثالثة لعائدات النفط في هذه الفترة قائم على أساس افتراضات لسعر لبرميل النفط تجاوزتها أسعار أسواق النفط العالمية في السنوات التالية(14)، وقد ساهمت أسعار النفط المرتفعة بين عامي 2000 و2003 في تحقيق الناتج المحلي الإجمالي لمتوسط نمو بلغ 6% في هذه الفترة؛ وذلك حسب تقديرات صندوق النقد الدولي (وهي متوسط النسبة نفسها التي استهدفتها الخطة الثالثة)(15)، وكذلك استمرَّ نموُّ الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2003 و2004؛ وذلك بفضل ازدياد حصة إنتاج إيران النفطية في منظمة الأوبك.

مع ذلك بدأت معدلات التضخم في معاودة الارتفاع في عام 2002 إلى 15.8%، وارتفع حجم السيولة النقدية إلى 30%، كما شهد العام نفسه ارتفاعًا في أسعار السلع والخدمات بنسبة 15.6% مقارنة بعام 2001، ويمكن تفسير ذلك بأن تدفق عائدات النفط في ظل اتباع الحكومة الإيرانية والبنك المركزي لسياسات نقدية ومالية غير منضبطة، أدَّت إلى عودة شبح التضخم مرَّة أخرى(16).

شهدت فترة حكم الرئيس خاتمي ارتفاعًا في عائدات النفط بنسبة 67% عن فترة حكم الرئيس رفسنجاني؛ بسبب ارتفاع قيمة برميل النفط في الأسواق العالمية بنسبة 33%؛ وبذلك استطاعت الحكومة تحقيق نموٍّ مرتفع نسبيًّا من خلال تدفُّق العائدات النفطية(17).

أسست الحكومة في هذه الفترة "صندوق النفط لتثبيت الاقتصاد" تحت إدارة البنك المركزي كآلية للتحكم في العائدات النفطية، ونصت المادة (60) للصندوق على أن يكون لهذا الكيان مهمتين: 1- تثبيت الموازنات السنوية. 2- تمويل مشروعات القطاع الخاص والتشاركي بالعملة الصعبة من خلال البنوك الاستثمارية(18).

استهدفت الحكومة من إنشاء الصندوق إعادة توجيه عائدات صادرات النفط؛ بحيث لا تستخدم جميعها في الموازنات السنوية، ويتم تخصيص جزءٍ منها في تمويل المشروعات المعطى لها أولوية في الخطط الخمسية؛ ولكن بقت الأولوية في النهاية لتمويل الحكومة بالمبالِغ اللازمة عند حدوث عجز؛ خاصة لتسديد ديونها الخارجية.

مما سبق نرى أن سعر النفط في الأسواق العالمية كان سببًا أساسيًّا في تشكيل الأداء الاقتصادي لإيران في فترتي الخطة الثانية والثالثة؛ ولكن حدث تغيرٌ مهمٌّ -وإن لم يكن ملموسًا في حينها- وهو تأسيس صندوق النفط في مسعى لضبط السياسة المالية للحكومة.

أحمدي نجاد (2005-2013): تذبذب المؤشرات

خطة التنمية الرابعة (2005-2009)

امتدادًا لخطة التنمية الثالثة وَضَعَتْ خطة التنمية الرابعة (2005-2009) عددًا من الأهداف لتنظيم العلاقة بين عائدات النفط والإنفاق الحكومي في المادتين (1) و(2) ونصتا على: 1- الحفاظ على فوائض عائدات النفط التي تتجاوز الأرقام المخطط لها. 2- استخدام عائدات النفط الفائضة سلفًا في حال انخفاض عائدات النفط عن الأرقام المخطط لها. 3- استثمار الدولة لـ 50% من العائدات النفطية الفائضة في مشروعات استراتيجية. أما فيما يخص تخفيف الاعتماد على العائدات النفطية فقد استهدفت الخطة الآتي: 1- الاتجاه إلى تأمين الإنفاق الحكومي من العائدات الضريبية وباقي العائدات غير النفطية. 2- محاولة الحدِّ من معالجة عجز الموازنة من خلال الاقتراض من البنك المركزي(19).

على خلاف مساعي خطة التنمية الرابعة تُوَضِّح إحصاءات للبنك المركزي الإيراني أن اعتماد الحكومة الإيرانية على العائدات النفطية كان في ازدياد؛ وذلك إلى حدٍّ يتجاوز ضعف الأرقام التي وضعتها الخطة؛ بسبب ارتفاع مستوى الإنتاج، ووضع الحكومة لافتراضات غير واقعية، وتُوَضِّح أرقام الجدول رقم (1) علاقة عائدات النفط في أول ثلاثة أعوام الخطة بمعدلات النمو والتضخم:

الجدول رقم (1)
(مليار دولار – نسبة مئوية)

(المصدر: البنك المركزي الإيراني)

وقد سجل  نمو الناتج المحلي الإجمالي هبوطاً إلى 0.8% في سنة 1387 المالية (2008-2009) بعد أن بلغ مايقرب من 7% في سنة 1386، ويعود ذلك إلى انخفاض العائدات النفطية؛ بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية من 100-145 دولار في النصف الأول من عام 2008 إلى 35-50 دولار للبرميل بداية من نوفمبر/تشرين الثاني 2008 إلى إبريل/نيسان 2009، وهو ما يعني أن البرميل فقد 65% من قيمته، (ويُشير التقرير السنوي للبنك المركزي لعام 2008 إلى انخفاض حجم الإنتاج النفطي إلى 3.9 ملايين برميل يوميًّا؛ وذلك بعد أن بلغ 4.1 ملايين في السنة المالية السابقة أي انخفض بنسبة 17%) كما انخفضت صادرات النفط بنسبة 4.4% في العام نفسه(20).

انعكس تراجع العائدات النفطية في ذلك العام على ارتفاع التضخم لتصل إلى 25.4%، واستطاعت الحكومة احتواء التضخم من خلال سياسات مالية ونقدية انكماشية؛ لينخفض التضخم إلى 7.5% في أكتوبر/تشرين الأول 2009.

يوضح الجدول رقم (2) متوسط اعتماد الموازنات السنوية على عائدات النفط خلال فترات مختلفة حتى منتصف الخطة الرابعة:

الجدول رقم (2)
(نسبة مئوية)

(المصدر: مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي)

متوسط مستويات التضخم على مدار الخطط الأربعة:

الجدول رقم (3)

(المصدر: مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي)

 

خطة التنمية الخامسة (2011-2014)

مثَّلت رؤية الخطة الخامسة (2011-2014) امتدادًا للخطة الرابعة في رؤيتها لإشكالية ارتباط عائدات النفط بالإنفاق الحكومي؛ حيث ركزت على أهمية إصلاح القطاع الضريبي والقطاعات الإنتاجية غير النفطية.

ومن أجل إبعاد الحكومة عن السحب من فوائض عائدات النفط, وضعت الخطة آليات أكثر إحكامًا؛ تتمثل في تأسيس الصندوق الوطني للتنمية (NDF) بجانب صندوق النفط لتثبيت الاقتصاد (OSF)، ونصت الخطة على أن يُخَصَّص للصندوق سنويًّا 20% على الأقل من عائدات النفط والغاز بالعملة الصعبة؛ وذلك لاستثمارها في مشروعات استراتيجية، وتمويل مشروعات يتبنَّاها القطاع الخاص.

في عام 1390هـ. ش (2011-2012) وصلت العائدات النفطية إلى أعلى مستوياتها؛ إذ بلغت 118 مليار دولار بعد أن بلغت 90.1 مليارات في عام 1389(21)، وتعود هذه الطفرة بشكل رئيس إلى ارتفاع سعر البرميل؛ الذي قفز إلى 107.46 دولار في عام 2011؛ (ارتفع سعر البرميل بنسبة 46% مقارنة بعام 1384 (22)، وأدى تدفُّق عائدات النفط الضخمة -بسبب عدم انضباط السياسات الاقتصادية- إلى مستويات تضخم مرتفعة وصلت إلى 21.5%؛ بحيث انعكست على الناتج المحلي الذي بلغ 3%.

وخلافًا للأعوام السابقة شهد عام 1391 (2012-2013) انخفاضًا شديدًا في عائدات النفط بسبب العقوبات الاقتصادية؛ التي فرضتها القوى الغربية في ذلك العام؛ إذ وصلت العائدات إلى 67.4 مليارات دولار؛ فانعكس هذا الانخفاض سلبًا على الناتج المحلي؛ إذ انكمش بنسبة 5.8% مع ارتفاع نسبة التضخم إلى 30.5%.

ومع انخفاض العائدات النفطية ظلَّت إحدى مشكلات إدارة إيران للاقتصاد, هي لجوء الحكومة إلى الاقتراض من الجهاز المصرفي؛ بحيث يؤدي الاقتراض المتتالي وتراكم الديون إلى زيادة السيولة النقدية، التي تسهم في تأزيم مشكلة التضخم، ويوضح الجدول رقم (4) حجم ديون الحكومة للجهاز المصرفي:

الجدول رقم (4)
(مليار تومان)

(المصدر: مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي)

 

حسن روحاني: تركة ثقيلة

تلقى إدارة الرئيس حسن روحاني تركة اقتصادية ثقيلة تعود إلى عقود من الاعتماد المتزايد على عائدات النفط في مقابل انخفاضها تدريجيًّا؛ بسبب العقوبات المتتالية التي فرضتها القوى الغربية.

مع تحسن وضع صادرات النفط الإيرانية يتوقع صندوقُ النقد الدولي أن يقف متوسط النمو الاقتصادي في عامي 2014-2015 (1393) في حدود 1-2% بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية وفقًا لاتفاق جنيف، ويتوقع البنك الدولي خفض معدل التضخم إلى 15–20%.

يُشير تقرير مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي لمصادر موازنة عام 2014-2015 إلى أن حجم ارتباط الموازنة العامة بالنفط سيبلغ 40% في مقابل 35-40% لموازنة سنة 2013 المالية (التي انتهت في مارس/آذار 2014)، وتتوقَّع الموازنة الجديدة تصدير 1.5 مليون برميل يوميًّا بسعر 100 دولار للبرميل، مقارنة بـ95 دولار في الموازنة السابقة، وبسعر صرف 26000 ريال إيراني مقارنة بـ24850 ريال في الموازنة السابقة، وتشهد صادرات النفط (الغاز والبتروكيماويات) في الموازنة الجديدة زيادة بمقدار 17.4% مقارنة بموازنة العام السابق؛ لذا تشهد الموازنة الأخيرة زيادة في الاعتماد على العائدات النفطية مقارنة بموازنة 2013 بشكل واضح(23).

يوضح الجدول رقم (5) حجم اعتماد الموازنة العامة لعام 2014 على النفط مقارنة بالموازنات السابقة:

الجدول رقم (5)
(نسبة مئوية)

(المصدر: مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي)

تواجه إدارة الرئيس الروحاني إشكالية اتساع الفجوة بين الإنفاق الحكومية وموازنتها غير النفطية؛ ففي عام 2004 (نهاية الخطة الثالثة) كانت الفجوة بين الإنفاق الحكومية وعائداتها غير النفطية في حدود 117 تريليون ريال؛ حيث لجأت الدولة إلى معالجة العجز من خلال عائداتها النفطية، وفي 2010 (نهاية الخطة الرابعة) وصل العجز إلى 24.3 مليارات توما، وهو ما يعني أن الخطة الرابعة عجزت عن تقليص الفجوة أو إيقافها؛ وفي نهاية 2011 (تزامنًا مع بدء الخطة الخامسة) وصل العجز إلى 28 مليار تومان، وفي نهاية 2012 بلغ 32.2 مليار تومان، ومن المتوقع أن يصل إلى 37 مليار تومان بحلول نهاية السنة المالية الحالية(24)؛ وحسبما تُشير لائحة موازنة سنة 2014-2015 سيزيد حجم عجز الموازنة غير النفطية إلى أكثر من 50 مليار تومان؛ إذ سيبلغ الدخل المتوقع 92 مليار تومان في مقابل إنفاق سيبلغ 143 مليار تومان(25).

الخلاصة

تحتاج إيران إلى عدد من الآليات للخروج من مشكلة اقتصادها الريعي:

  1. ضبط السياسة المالية والنقدية، والتنسيق بين مختلف مراكز صناعة القرار الاقتصادي والأجهزة التنفيذية، ويتوقف ذلك على الترتيبات الداخلية، التي تتحدَّد وفق شكل توازن القوى بين مختلف اللاعبين داخل جهاز الدولة.
  2. الاتجاه إلى تنفيذ برامج دعم واسعة للقطاعات الإنتاجية غير النفطية؛ لتعزيز جانب العرض في مقابل الطلب المتزايد؛ وذلك للخروج من حالة الركود.
  3. الانتقال إلى اقتصاد (غير ريعي/غير نفطي) بالاتجاه إلى تنمية الصادرات غير النفطية، وتتطلب هذه العملية مشروعات وبرامج تستهدف إعادة هيكلة الصادرات.
  4. إصلاح وتعزيز القطاع الضريبي في سياق سياسة اقتصادية متوازنة تضمن تنمية الاستثمارات لزيادة النمو الاقتصادي, وضبط الطلب المحلي وإعادة توزيع الثروة.

______________________________
تامر بدوي - باحث متخصص في الشأن الإيراني
 
الهوامش والمصادر
(1) Gwenn Okruhlik, Rentier Wealth, Unruly Law, and the Rise of Opposition: The Political Economy of Oil States, Comparative Politics, Vol. 31, No. 3 (Apr., 1999) p.295.
(2) p.296, Ibid.
(3) تقوم نظرية مقدار النقود (Quantity theory of money) على المعادلة التالية: MV = PQ، يفترض المنظرين النقديين أن سرعة التداول (V) وحجم المبادلات (Q) ثابتين على المدى القصير والمتوسط، وهو ما يعني أن أيَّ تغير في حجم النقود (M) سينعكس على المستوى العام للأسعار (P) بشكل مباشر.
(4) يوجد تفسيرين شهيرين لتضخم سحب الطلب؛ أحدهم نقدي والآخر كينزي.
(5) Ismael Hossein Zadeh, How the "Structural Adjustment Program" Led to External Debt and Hyperinflation in Iran.
http://politicaleconomics.info/docs/Structural-Adjustment-Program-in-Iran.pdf
(6) Ismael Hossein Zadeh, How the "Structural Adjustment Program" Led to External Debt and Hyperinflation in Iran.
http://politicaleconomics.info/docs/Structural-Adjustment-Program-in-Iran.pdf
(7) خلافًا لتضخم سحب الطلب, تختلف المدرسة النقدية مع فكرة تضخم التكاليف.
(8) تبيين رابطه تورم ورشد اقتصادي در إيران, مجلس پژوهش مجلس شوراي إسلامي (اسفند ماه 1386)، ص 16:
http://rc.majlis.ir/fa/report/download/730083
(9) Hassan Hakimian, Institutional Change, Policy Challenges, and Macroeconomic Performance: Case Study of the Islamic Republic of Iran (1979 – 2004), World Bank, 2008 p.15.
(10) المصدر (3)، ص 16.
(11) Hassan Hakimian, p.16.
(12) المصدر (3)، ص17.
(13) المصدر (3).
(14) Islamic Republic of Iran: Selected Issues, IMF Country Report No. 08/285, August 2008 p.40.
www.imf.org/external/pubs/ft/scr/2008/cr08285.pdf
(15) Islamic Republic of Iran: Selected Issues, IMF Country Report No. 04/308, September 2004 p.9.
http://www.iranwatch.org/sites/default/files/io-imf-selectedissues-report-0904.pdf 
(16) انظر المصدر (3).
(17) امير هادي انواري, تفاوت درآمدهاي نفتي 3 دولت سازندگي، اصلاحات واصولگرا, روزنامه شرق (???? يکشنبه ?? ارديبهشت).
http://sharghdaily.ir/Default.aspx?NPN_Id=112&pageno=4 
(18) p.38, IMF Country Report, August 2008.
(19) مروري بر اهداف قانون برنامه چهارم توسعه, مجلس پژوهش مجلس شوراي إسلامي (اسفند ماه 1386)، ص7.
http://rc.majlis.ir/fa/report/show/734868 
(20) خلاصه تحولات اقتصادي كشور سال 1387, بانک مرکزي إيران (آبان ماه 1388)، ص9.
http://www.cbi.ir/page/6551.aspx 
(21) خلاصه تحولات اقتصادي كشور سال 1390, بانک مرکزي إيران (فروردين ماه 1392)، ص28.
http://www.cbi.ir/page/10556.aspx 
(22) انظر المصدر رقم (12).
(23) ص 18-19, بررسي لايحه بودجه سال 1393 كل كشور: 3. منابع بودجه, مجلس پژوهش مجلس شوراي إسلامي (آذرماه 1392):
http://rc.majlis.ir/fa/report/show/866339 .
(24) بودجه وبودجه ريزي, اطلاعات (16 آذر 1392):
http://www.ettelaat.com/etiran/?p=32046  .
(25) کسري 50 هزار ميلياردي تراز عملياتي در لايحه بودجه 93, خبرگزاري ايسنا (17 آذر 1392):
http://isna.ir/fa/news/92091712127/%DA%A9%D8%B3%D8%B1%DB%8C-50-%D9%87%D8%B2%D8%A7%D8%B1-%D9%85%DB%8C%D9%84%DB%8C%D8%A7%D8%B1%D8%AF%DB%8C-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B2-%D8%B9%D9%85%D9%84%DB%8C%D8%A7%D8%AA%DB%8C-%D8%AF%D8%B1-%D9%84%D8%A7%DB%8C%D8%AD%D9%87

نبذة عن الكاتب