(الجزيرة) |
ملخص تتناول هذه الورقة مسوغات الموقف التركي من النظام المصري بعد الانقلاب العسكري، واحتمالات تطبيع العلاقات بين البلدين، ومناقشة الأسباب التي قد تدفع تركيا لهذا الخيار، والسيناريوهات المحتملة. في المرحلة الحالية، حيث تتراجع فيها القوى المشاركة في الثورات العربية، وبعد المصالحة بين قطر ومصر، يبدو الموقف الذي قد تتخذه أنقرة مهمًّا وحيويًّا جدًّا، ومؤثرًا بلا شك على كلا البلدين، وعلى الحراك المناهض للانقلاب في مصر. وتضع الورقة ثلاثة سيناريوهات محتملة للعلاقة، هي:
|
مقدمة
تمتد العلاقات التركية المصرية لعدة قرون خلت، منذ أن كانت الأخيرة جزءًا من الدولة العثمانية، لكن العلاقات بعد تأسيس الجمهورية التركية شهدت فتورًا كبيرًا وعدة توترات، إثر انضمام تركيا إلى حلف الناتو ومن بعده حلف بغداد ثم توقيعها "الاتفاق الإطاري" أو "حلف المحيط" مع إسرائيل(1). وحتى إلى ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، استمرت العلاقات التركية المصرية فاترة سياسيًّا ومتواضعة اقتصاديًّا، رغم توقيع 14 اتفاقًا اقتصاديًّا بين الطرفين(2).
حملت الثورات العربية لتركيا فرصة غير مسبوقة لاستثمار نظريات أحمد داود أوغلو في الانتقال إلى المبادرة ولعب دور إقليمي ناشط(3)، فكان موقفها متقدمًا في دعم تحركات الشعوب ومطالبها المحقة، رافعة سقف خطابها السياسي في مواجهة النظم الحاكمة في تلك البلدان، وخاصة في مصر وسوريا، تخطت في أحيان كثيرة اللغة الدبلوماسية المعتادة(4).
وقد حاجج صناع القرار في أنقرة أن مواقفهم تنبع من دوافع أخلاقية ومبدئية، ترفض التعامل الفظّ مع الشعوب الثائرة وتقف إلى جانبهم في هبّتهم المشروعة، بينما أشار كثير من المراقبين إلى الفوائد الاستراتيجية التي ترنو إليها تركيا من خلال دعمها للثورات، من حيث قوتها الناعمة وتحالفها المستقبلي مع القوى الصاعدة بعد الثورات، وصورتها وشعبيتها في الشارع العربي.
ترجمت تركيا حرصها على الشريك المصري، فكان الرئيس التركي عبد الله غُل أول رئيس دولة يزور القاهرة بعد الثورة، حيث التقى بالمجلس العسكري والقوى السياسية والشبابية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، ثم تبعتها زيارة رئيس الوزراء أردوغان الذي اصطحب معه 250 رجل أعمال، ووقّع 10 اتفاقات اقتصادية، وهي إشارات تلقفها المراقبون على أنها إرهاصات نظام إقليمي جديد يقوده البلدان(5).
بعد الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر، تميز الموقف التركي بالحدَّة وإصرار الرئيس الحالي -رئيس الوزراء حينها- رجب طيب أردوغان تحديدًا على التنديد بالانقلاب، والحضّ على عدم إعطائه شرعية بأي طريقة، وصلت إلى رفض الجلوس معه على مائدة العشاء في أروقة الأمم المتحدة(6). أما الآن وبعد سنة ونصف، وبعد أن اتضحت معالم المصالحة المنتظرة بين القاهرة والدوحة -حليف أنقرة- فهناك أسئلة تطرح نفسها حول إمكانية أن تتراجع تركيا عن مواقفها الحادّة تجاه النظام في مصر، وبأية طريقة وثمن يمكن أن يتم ذلك.
الموقف من الانقلاب
صاغت تركيا موقفها وسقف خطابها من الأحداث والتطورات في المشهد المصري ابتداءً من الثالث من يوليو/تموز 2013 بناءً على عدة مسوغات وأسباب، أهمها:
-
حساسية المجتمع والنظام في تركيا تجاه الانقلاب العسكري، وهي الدولة التي عانت من أربعة "تدخلات" للجيش في الحياة السياسية، اثنان منها على شكل انقلاب عسكري مباشر. وقد حرصت القيادة التركية في هذا الإطار على التذكير بالنتائج السيئة للانقلابات العسكرية على اقتصاد وتنمية ومستقبل البلاد(7).
-
استمرار محاكمة الجنرالات والضباط المتهمين في المشاركة في انقلابي عام 1980 و1997، إضافة إلى أولئك المتهمين بالتخطيط لانقلاب عسكري ضمن قضيتي أرغنكون والمطرقة في الفترة التي حصل فيها الانقلاب في مصر، وهو ما كان من شأنه إيقاع أنقرة في حرج التناقض بين محاكمة مَن فكر في الانقلاب أو نفّذه داخل تركيا والاعتراف بشرعية مَن قام بذلك خارجها.
-
قناعة القيادة التركية بأن ما حدث في مصر لم يكن شأنًا مصريًّا داخليًّا بل انعكاسًا لمخطط خارجي، وشعور بعضهم بأن تركيا يمكن أن تكون مستهدفة في حال استقرت الأوضاع في مصر بهذه الطريقة، وهو ما عبّر عنه أردوغان خلال احتجاجات حديقة "جزي" في إسطنبول التي انطلقت في بداية يونيو/حزيران 2013 وعلى امتداد الأشهر اللاحقة، ثم في قضية الفساد التي اتهم فيها بعض الوزراء في حكومته، واعتبرها "مؤامرة خارجية" بأذرع داخلية(8).
-
انسجامًا مع الموقف التركي التقليدي بدعم خيارات الشعوب والتعامل مع الأنظمة التي تفرزها الانتخابات في البلدان المختلفة بغضّ النظر عن أيديولوجياتها ومواقفها وخلفياتها الفكرية، وآخر مثال على ذلك تهنئتها للباجي قائد السبسي في تونس على فوز حزبه "نداء تونس" في الانتخابات البرلمانية ثم على فوزه في الانتخابات الرئاسية، وتأكيدها على استمرار التعاون بين البلدين في عهده(9).
-
آمال بنتها تركيا على شراكة واعدة مع مصر بعد الثورة، رأى فيها وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو تحالفًا استراتيجيًّا أسماه "محور الديمقراطية" في المنطقة، وتراجع فرص هذه الشراكة بعد الانقلاب العسكري في مصر(10).
-
صعوبة غضّ تركيا النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت الانقلاب واستمرارها لشهور طويلة حتى الآن، حيث وصف أردوغان فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة أكثر من مرة "بالمذبحة"(11).
وبناء على هذه المحددات والسياقات الحاكمة للمقاربة التركية للأحداث في مصر وموقفها منه، فقد اتخذ الموقف التركي أشكالاً وتمظهرات عدة، أهمها:
-
توصيف ما جرى على أنه انقلاب عسكري.
-
التأكيد على رفض إقالة الرئيس والحكومة المنتخبَيْن وإسقاط الخيار الديمقراطي بالقوة.
-
التذكير بالموقف التركي ومهاجمة النظام في مصر في كل مناسبة داخلية أو خارجية.
-
لوم الأمم المتحدة والدول الغربية تحديدًا على عدم اتخاذ موقف رافض للانقلاب.
-
الحرص -رغم ذلك- على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع القاهرة.
-
محاولة تجنيب العلاقات والاتفاقات الاقتصادية الثنائية آثار التوتر مع مصر.
دوافع تركيا نحو التقارب
الموقف التركي الحاسم وخطاب أردوغان الحاد دفعا بالقاهرة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بطردها السفير التركي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، والذي ردت عليه تركيا وفق مبدأ المعاملة بالمثل(12). وفي تاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2014 أعلنت مصر عن رفضها لتمديد اتفاقية الخط الملاحي مع تركيا (الرورو) وإيقاف العمل بها في إبريل/نيسان 2015 موعد انتهائها(13).
وقد ساد في تركيا صوت واحد وخطاب موحَّد في مواجهة النظام في مصر، قاده أردوغان ولم يشذّ عنه إلا الرئيس التركي عبد الله غُل الذي أرسل رسالة تهنئة للسيسي إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو ما استدعى نقدًا مبطنًا له من أردوغان(15). ولكن مؤخرًا، صدرت عن عدد من المسؤولين الأتراك تصريحات تصب في خانة الرغبة في تصحيح العلاقة مع القاهرة. فقد أكد نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة بولند أرينتش على ضرورة تحسين العلاقات مع دول الخليج على قاعدة أن الطرفين يحتاج بعضهما إلى بعض، وإلى التعامل مع الأمر الواقع في مصر(16). كما أشار وزير الخارجية جاويش أوغلو إلى رغبة تركيا (ومصر) في تحسين العلاقات، كاشفًا عن مبادرات سابقة طرح فيها كل طرف مطالبه(17).
يصدر التغير في الموقف التركي المعلن من النظام في مصر عن عدة أسباب وسياقات، أهمها:
أولاً: نجاح نظام الانقلاب في مصر في تثبيت أركانه بعد تجاوز الفترة الأولى الحرجة، من خلال القبضة الأمنية في الداخل، والدعم الخليجي المالي إقليميًّا، والقبول الدولي. فأصبح الانقلاب أمرًا واقعًا، تتعامل معه كافة الدول، ولا تريد تركيا أن تكون الاستثناء هنا بما يزيد من عزلتها السياسية.
ثانيًا: التبعات الاقتصادية للموقف التركي. فقد خسرت تركيا بعد الأزمة السورية بوابتها إلى العالم العربي، وهي التي بنت تجربتها في الأساس على التنمية الاقتصادية والتعاون التجاري. وقد شكَّلت اتفاقية الخط الملاحي "الرورو" مع مصر بديلاً لها عن الطريق السورية البرية لنقل بضائعها إلى دول الخليج. إثر الموقف التركي من النظام المصري بعد الانقلاب، أعلنت مصر عدم نيتها تجديد الاتفاقية، ما ألجأ تركيا للموانئ السعودية لنقل بضائعها إلى دول الخليج(18)، التي يبلغ حجم التجارة معها 4 مليارات دولار(19).
ولا يمكن إغفال الفرص الاقتصادية الكبيرة التي تراها أنقرة في القاهرة ويعوقها الخلاف الحالي بين البلدين، وهو ما كانت قد سعت إليه خلال زيارة أردوغان لمصر في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، التي شهدت توقيع 10 اتفاقيات للتعاون بين البلدين في مجالات الصناعة والتجارة والتعليم، وهدفت لرفع حجم التبادل التجاري بينهما من 3,5 مليارات دولار في ذلك العام، إلى 5 مليارات دولار عام 2014، إلى 10 مليارات دولار عام 2015 (20).
إضافة إلى ذلك، فقد تحملت أنقرة أعباء اقتصادية أخرى في مجال إيواء وإغاثة اللاجئين السوريين تخطت 5 مليارات دولار(21)، كما تستنزفها سخونة الأوضاع في العراق وسوريا، وتداعيات "الحرب على الإرهاب" الدائرة على حدودها.
ثالثًا: العزلة الدولية التي تعانيها تركيا منذ فترة، على خلفية مواقفها عالية السقف من قضايا المنطقة تحديدًا، وعلى رأسها سوريا ومصر. ويبدو أن أنقرة تستشعر أن هذه العزلة تتحول شيئًا فشيئًا إلى إهمال أو استهداف، وهذا آخر ما قد ترغب به دولة مثل تركيا في ظل الرمال المتحركة في المنطقة.
رابعًا: دفعت تركيا -وفق بعض سياسييها- ثمن مواقفها في بعض الملفات، مثل فشلها في الحصول على مقعد في مجلس الأمن، أو إخفاقها في الفوز بتنظيم مسابقات رياضية عالمية، ويدور وراء الكواليس في أنقرة حديث عن أن اللوبي الخليجي قد يكون له يد في ذلك(22).
خامسًا: فشل الرهان على القوى المناهضة للانقلاب أو قوى الربيع العربي بشكل عام، بعد الإخفاقات المتتالية وتراجع الثورات كظاهرة، تُوِّجت بانتخابات الرئاسة في تونس، فكان على تركيا أن تختار الحفاظ على مصالحها ومسك العصا من المنتصف عبر هذا التراجع التكتيكي.
سادسًا: تدرك تركيا أن القدرة على التأثير في ملف ما يقتضي "التواصل" السياسي ولو بالحفاظ على شعرة معاوية. وفي مناخ العلاقات الدولية التي تتحدد فيها قيمة ومكانة الدول بمقدار ما تلعب من أدوار وتستطيع من تأثير، تبدو تركيا حريصة على ترك مقاعد المتفرجين، والعودة لدائرة الضوء والمشاركة في صنع الأحداث.
سابعًا: تعمق العزلة التركية بعد المصالحة القطرية-المصرية بضغط من دول مجلس التعاون الخليجي.
ثامنًا: الحاجة للتنسيق مع دول الخليج ومع مصر في بعض الملفات المهمة، وعلى رأسها الأزمة السورية والتحالف الدولي في مواجهة تنظيم الدولة، إضافة إلى حاجة تركيا لدعم الدول العربية في ملفات أخرى مثل قبرص وغاز المتوسط، قد تدفعان تركيا لتجنيب الخلاف مع وعلى مصر في الفترة المقبلة(23).
عوائق المصالحة
رغم هذا الاستعداد التركي المبدئي لتحسين العلاقة مع مصر، ورغم أن بعض الإجراءات تبدو وكأنها قد دخلت حيز التنفيذ مثل خفوت حدة التصريحات الإعلامية المهاجمة للنظام المصري(24)، ورغم انخفاض سقف الموقف التركي من الرفض "المبدئي" للنظام في مصر باعتباره نتيجة انقلاب عسكري إلى انتقاد "أدائه" في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، فثمَّة عوائق جدية قد تجعل من الصعب توقع مصالحة تركية-مصرية قريبًا.
فقد أعطى أرينتش إشارات على رغبة تركيا المبدئية بتصحيح العلاقة مع مصر، لكنه اشترط أن تكون هي البادئة بالخطوة الأولى نحو أنقرة، وهو ما يجعل العملية برمتها منوطة برغبة وقدرة السلطات المصرية على التقارب، وهو ما تحوم حوله علامات استفهام وجيهة، ولذلك لم يكن مفاجئًا أن يكون أول رد فعل مصري رسمي على الإشارات التركية سلبيًّا(25).
وهنا يبدو اشتراط تركيا "إيقاف انتهاكات حقوق الإنسان والظلم" تحديًا كبيرًا لا يمكن الجزم بمدى استطاعة الرئيس المصري لتحقيقه. كما أن التقارب أو المصالحة بين البلدين تفترض أن هناك ثمنًا ستقدِّمه القاهرة لأنقرة، سيكون متعلقًا بنسبة أو بأخرى بمصالحة مصرية داخلية أيضًا، ستحتاج تركيا أن تقنع به معارضي الانقلاب وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، التي ألمحت في بيان لها إلى عدم قبولها أي حلول سياسية للأزمة(26).
كما أن التقارب مع مصر يتطلب أن تُذيب تركيا أولاً الجليد في علاقاتها مع دول الخليج، وخاصة السعودية التي توسطت من أجل التقارب القطري-المصري، والتي يمكنها لعب الوسيط مرة أخرى مع تركيا، ما يفرض انتظار نتائج زيارة وزير الخارجية التركي لها ولبعض الدول الخليجية الأخرى خلال الشهر الجاري.
من جهة أخرى، سيكون التقارب التركي موضع اختبار وبحث حول مدى جديته والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه أنقرة، في ظل شكوك مصرية أن يكون الأمر مجرد مناورة لتخفيف الضغط الإقليمي والدولي عليها دون أن يكون هناك تطورات فعليّة في العلاقات، بحيث يبقى الأمر في إطار اشتراطات تركية من الصعب على مصر تحقيقها، كما تفعل منذ سنوات في ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل(27).
وفي كل الأحوال، سيكون من الصعب على القيادة التركية أن تغيِّر موقفها 180 درجة في فترة قصيرة، ليس فقط لمدى تأثير ذلك على مصداقيتها في الشارع المصري والقوى السياسية المعارضة، ولكن أيضًا أمام الرأي العام التركي الرافض للانقلاب والداعم للمعارضة في معظمه وخاصة القاعدة الشعبية للحزب الحاكم، وهو ما يجعل أي تقارب كبير مع النظام في مصر مغامرة سياسية لا تخلو من مخاطرة، فيما تركيا تستعد لخوض انتخابات برلمانية مهمة بعد أشهر.
السيناريوهات المحتملة
في ضوء تطورات الأحداث والتصريحات الواضحة من المسؤولين الأتراك بخصوص المصالحة، يمكن رصد ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول: مصالحة شاملة وتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين، بما في ذلك العلاقات السياسية والاقتصادية وإنهاء التراشق الإعلامي، ولكن هذا سيحتاج وقتًا طويلاً، وسيطبق على مراحل متدرجة وفق النموذج القطري في المصالحة، وربما على مدى زمني أطول. ويبدو هذا السيناريو الأقل حظًّا في ظل عدم حماسة مصر للتصريحات والاشتراطات التركية، خاصة أن موضوع المصالحة مطروح منذ فترة، ولكن مطالب الطرفين منعت استمرار اللقاءات أو تحقيق أي اختراق فيها.
الثاني: إنهاء القطيعة وعودة العلاقات بالحد الأدنى، عبر تبادل السفراء أو القائمين بأعمالهم واستئناف العلاقات التجارية بين البلدين، على قاعدة التعامل مع الأمر الواقع، دون القدرة بالضرورة على تجاوز الخلافات الجوهرية أو إنجاح عملية المصالحة المصرية الداخلية. في هذا السياق، ستكون نتائج زيارة وزير الخارجية التركي الخليجية والتصريحات على هامشها وردّات الفعل عليها مهمة في تقييم احتمالات نجاح هذا السيناريو.
الثالث: يتضمن بقاء الحال على ما هو عليه؛ أي غياب التراشق الإعلامي والتأكيد على الرغبة بالمصالحة وعلى شروط تركيا (وربما مصر) لتحقيقها، لكن دون تجاوب مصري أو خطوات عملية لذلك، وهو ما يضمن لتركيا تخفيف الضغوط عليها دون أن تضطر لدفع أي أثمان سياسية في الخارج أو انتخابية في الداخل.
وبغض النظر عن أيّ السيناريوهات سيكون أوفر حظًّا ويرى النور، إلا أنه من المتوقع أن يكون للموقف التركي الحالي المتمثل بالاستعداد المبدئي لتصحيح العلاقة مع القاهرة انعكاسات على الحراك المصري المناهض للانقلاب، بإحدى وجهتين:
الأولى: أن يتراجع الدعم السياسي والإعلامي المقدَّم من أنقرة للمعارضة المصرية، كما فعلت قطر التي طلبت من بعض القيادات المصرية مغادرة أراضيها ثم أعلنت عن إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، فيكون هناك إبعاد لبعض القيادات أو تضييق على ظهورها العلني، إضافة إلى وقف بعض المنابر الإعلامية التي تبث من تركيا. ويمكن فهم هذا التراجع -إن حصل- بوصفه تعبيرًا عن حسن النوايا بين يدي أي اتفاق مع القاهرة، أو ضغطًا على المعارضة المصرية لتقبل هي أيضًا حلاًّ سياسيًّا ما يُعرض عليها، وربما هذا ما دفع جماعة الإخوان لنشر بيان تؤكد فيه على رفضها التام لأية تسوية سياسية مع نظام السيسي.
الثانية: أن تستثمر تركيا لاحقًا علاقاتها المتحسنة مع الدول الخليجية ثم مع مصر للدفع نحو تحسين الأوضاع الداخلية للأخيرة، خاصة ما يتعلق بالإجراءات التعسفية ضد المعارضين، وهو ما يمكن تلمسه من خلال إشارة بعض المسؤولين الأتراك لشروط أنقرة للمصالحة(28).
_____________________________________
د. سعيد الحاج - باحث مختص بالشأن التركي
المصادر والهوامش
1- OfraBengio, TheTurkish-IsraeliRelationship. ChangingTies of MiddleEasternOutsiders, New York, PalgraveMacmillan, 2004.
للمزيد انظر أيضًا: أكمل الدين إحسان أوغلو ومحمد صفي الدين أبو العز، العلاقات العربية التركية من منظور تركي، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1991 - 1993)، ج2.
2- العرب وتركيا، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، ص237.
3- أحمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للنشر، 2010)، ص487.
4- في أحد خطاباته، وجّه أردوغان ما أسماه "نصيحة صادقة" للرئيس المصري حسني مبارك للتجاوب مع مطالب شعبه جاء فيها "كلنا في النهاية سنصير إلى حفرة من مترين"، انظر مثلاً:
Hurriyet Daily News, Turkish PM Erdo?an urgesMubaraktoheedEgyptianoutcry, 01 February 2011
http://goo.gl/BBpJbk
5- Los Angeles Times, JeffreyFleishman, GrowingtiesbetweenEgypt, Turkeymaysignalnewregionalorder, 13 october 2012 http://goo.gl/sfA37a
6- Yeni?afak English, Erdo?an skips UN luncheontoavoidlegitimizingEgyptcoup, 26 September 2014, http://goo.gl/IcgI1q
7- لمزيد من المعلومات حول تاريخ الانقلابات والعلاقات المدنية العسكرية في تركيا، انظر مثلاً:
Tylorand Francis - N. Narli, Civil – MilitaryRelations in Turkey, TurkishStudies, 2000: http://goo.gl/nNQ7ZF
8- Al-monitor, ErdoganBlames International ConspiracyforProtests, 14 June 2013,
http://goo.gl/Fd1cKD
9- وكالة الأناضول للأنباء، "داود أوغلو" يهنئ "الباجي قائد السبسي" بفوز حركته بالانتخابات التونسية، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، http://www.aa.com.tr/ar/world/416293
انظر أيضًا: بوابة الشرق، أردوغان يهنئ السبسي بفوزه في الانتخابات الرئاسية، 23 ديسمبر/كانون الأول 2014، http://goo.gl/iQSZjN
10- T. Fouad, EgyptandTurkey, an Axisagainst Democracy?,Democrati.net, 30 September 2011
http://goo.gl/SHj5Ia
11- الجزيرة نت، أزمة بين مصر وتركيا وأردوغان يلوِّح بإشارة رابعة، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013،
http://goo.gl/GTfuzJ
12- Reuters,EgyptexpelsTurkishambassador, Turkeyretaliates, 23 November 2013
http://goo.gl/xWlgmi
13- زمان عربي، مصر ترفض تجديد اتفاقية "الرورو" مع تركيا بسبب أردوغان، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2014
http://www.zamanarabic.com/?p=14168
14- سي إن إن بالعربي، الرئيس التركي يهنئ عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر، 11 يونيو/حزيران 2014
http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/06/11/turkey-sisi-egypt
15- Middle East Monitor, ErdogancriticisesGulforcongratulating Al-Sisi: We do not congratulatecoups, 27 June 2014 http://goo.gl/aktgLl
16- الجزيرة تورك، بولند أرينتش: يجب علينا تصحيح علاقتنا بمصر، 22 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://goo.gl/GTfuzJ
17- الخليج الجديد، وزير خارجية تركيا: من الممكن تحسين علاقتنا بمصر إذا أوقفت الانتهاكات والظلم، 25 ديسمبر/كانون الأول 2014 http://www.thenewkhalij.com/ar/node/7478
18- بوابة الأهرام، بعد إلغاء اتفاقية "الرورو".. تركيا تلجأ للسعودية لنقل البضائع بدلاً من مصر، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014
http://goo.gl/2icH2a
19- Verihaber, Anla?man?n iptali deniz yolu ta??mac?l???n? etkileyecek, 31 October 2014
http://goo.gl/oKIFGJ
20- برهان كورأوغلو، العلاقات التركية مع مصر بعد الثورة: الواقع والطموحات، مركز الجزيرة للدراسات، 2011:
http://goo.gl/1aecsk
21- السورية نت، تركيا تنفق 5 مليارات دولار لإغاثة اللاجئين السوريين، 18 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://goo.gl/ZY1sMM
22- أرجع كثير من الصحافيين والمحللين السياسيين في تركيا خسارة المقعد إلى العلاقات السيئة مع المملكة العربية السعودية ومصر، انظر مثلاً:
Mustafa Ayd?n, Beyond UN Security Councilmembership, Hurriyet Daily News, 23 october 2014
http://goo.gl/GvZvCZ
كما ذكرت صحيفة نيوزويك أن مصادر دبلوماسية عديدة تحدثت عن "حملة سعودية مصرية" لإفشال تركيا، انظر:
Newsweek, TurkeyLoses U.N. Security CouncilSeat in HugeUpset, 16 october 2014
http://www.newsweek.com/venezuela-malaysia-angola-new-zealand-win-un-council-seats-277962
http://goo.gl/IIUZQu
23- أشار بولند أرينتش للحاجة التركية لدعم دول الخليج في هذه الملفات في المقابلة المذكورة آنفًا، انظر:
الجزيرة تورك، بولند أرينتش: يجب علينا تصحيح علاقتنا بمصر، 22 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://goo.gl/GTfuzJ
24 - خلا خطاب أردوغان خلال استقباله أمير قطر من الإشارة لمصر أو السيسي بشكل مباشر، واكتفى بالقول: إن "تركيا وقطر تقفان إلى جانب المظلومين"، وهو ما فسّر على أنه كسر لحدة الخطاب الموجه للقاهرة، انظر:
وكالة الأناضول للأنباء، أردوغان: تركيا وقطر لم تشهدا أي خلافات في وجهات النظر حتى اليوم، 19 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://www.aa.com.tr/ar/news/438145
25- المصري اليوم، مصر ترفض شروط المصالحة التركية، 28 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://www.almasryalyoum.com/news/details/613929
26- بيان صدر عن جماعة الإخوان ونُشر على موقع "بوابة الحرية والعدالة" المقرب منها بعد يومين من تصريح بولند أرينتش بخصوص تسوية العلاقات مع مصر، بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2014، انظر:
http://www.fj-p.com/headline_Details.aspx?News_ID=59748
27- للمزيد حول الشروط التركية الثلاثة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، انظر:
علي حسين باكير وعدنان أبو عامر، تركيا والقضية الفلسطينية في ظل تحولات الربيع العربي، مركز الجزيرة للدراسات، 2012
http://goo.gl/rtc5Kw
28- وكالة الأناضول العربية، داود أوغلو: نتمنى اعتماد عملية سياسية تعكس الإرادة الشعبية في مصر، 28 ديسمبر/كانون الأول 2014
http://www.aa.com.tr/ar/turkey/442149