[الجزيرة] |
ملخص تحرص منظومة مجلس التعاون الخليجي على تحصين الجبهة الداخلية لدولها لمواجهة المخاطر المتزايدة التي تفرضها التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في البيئة الإقليمية، لاسيما في دول التماس المباشر معها، من أجل تعزيز الأمن الوطني والجماعي لدول المنظومة. من هذا المنطلق جاء سَنُّ دولة الكويت لقانون جمع السلاح والذخائر أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، كـ"نموذج دالّ" على الجهود الخليجية الجادّة من أجل صيانة الأمن والاستقرار على المستوى الوطني؛ ودفعًا لأية ارتدادات أمنية سلبية محتملة نتيجة حالة السيولة الأمنية السائدة في المنطقة في السنوات الأخيرة. يسعى الباحث في تقريره هذا، إلى تَسليط الضوء على أبعاد مصادقة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي على قانون جمع السلاح غير المرخص، ويرصد الأسباب المحفزة لذلك. كما يبحث في تبيان المخاطر الإقليمية الراهنة وتداعياتها المحتملة على الأمن الوطني الخليجي من خلال نموذج دولة الكويت. ويصل الباحث إلى نتيجةٍ مفادها أن قانون تنظيم حيازة السلاح والذخائر الذي أقره البرلمان الكويتي مؤخرًا، سوف يشكِّل حجر الزاوية في استراتيجية دولة الكويت الأمنية لمواجهة تداعيات ارتدادات حالة الفوضى الأمنية في الإقليم. حيث تقتضي الرؤية الإستراتيجية من الحكومة الكويتية –حسب الباحث-، تعزيز التعاون في مجال أمن الحدود المشتركة، وتقوية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودول الجوار الأخرى "العراق وإيران"؛ دون إهمال دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم الجهود الحكومية، من خلال نشر التوعية الأمنية بين المواطنين في مجال مكافحة انتشار الأسلحة والتحذير من مخاطر حيازتها. |
مقدمة
تُظهر المؤشرات العامة لمجمل التطورات على الساحة الخليجية حرصًا دؤوبًا على تحصين الجبهة الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي وتقويتها، من أجل مواجهة المخاطر المتزايدة التي أصبحت تفرضها الأحداث الدراماتيكية المتسارعة في البيئة الإقليمية، لاسيما في دول الجوار المباشر، على الأمن الوطني والجماعي لدول الخليج.
ويأتي سَنُّ دولة الكويت لقانون جمع السلاح والذخائر والمفرقعات أواخر يناير/كانون الثاني 2015، كـ"نموذج دالّ" على الجهود الخليجية على المستوى الوطني، لصيانة الأمن والاستقرار الداخليين؛ ودفعًا لأية ارتدادات أمنية سلبية محتملة نتيجة حالة السيولة الأمنية وعدم اليقين الاستراتيجي السائدة في المنطقة في السنوات الأخيرة.
وبناء على ذلك، يسلِّط هذا التقرير الضوء على أبعاد مصادقة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي على قانون جمع السلاح غير المرخص، ويرصد الأسباب المحفزة لذلك، وبخاصة المستجدات الأمنية في البيئة الإقليمية في المنطقة عمومًا وفي الدول المجاورة لدول الخليج العربي على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار سيبحث التقرير في تبيان المخاطر الإقليمية الراهنة وتداعياتها المحتملة على الأمن الوطني الخليجي من خلال نموذج دولة الكويت، والاستراتيجيات المستقبلية لتحصين الداخل الكويتي في مواجهة تعاظم التحديات والتهديدات الأمنية الإقليمية.
السلاح غير المرخص: الظاهرة القديمة/الجديدة في الكويت
تعاني دولة الكويت منذ تحريرها من الغزو العراقي عام 1991 من ظاهرة انتشار السلاح غير المرخص، حيث خلَّف الغزو كميات كبيرة من الأسلحة بمختلف أنواعها، لاسيما الخفيفة.
ويُعرِّف معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، الأسلحة الخفيفة والصغيرة بأنها "هي التي تضم المسدسات والبنادق الهجومية والرشاشات والبنادق الآلية ونصف الآلية، والقذائف الصاروخية المحمولة المضادة للطائرات أو الدبابات، إضافة إلى مدافع المورتر، والألغام بأنواعها"(1).
وقد حاولت الحكومات الكويتية المتعاقبة جاهدة سنَّ قانون لجمع السلاح غير المرخص، لاسيما في مرحلة ما بعد التحرير من الغزو العراقي عام 1991؛ فقد صدر المرسوم الأميري بقانون رقم 94 لسنة 1992، الذي نظَّم إجراءات التفتيش الخاصة بضبط الأسلحة والذخائر والمفرقعات المحظورة. وأجاز المرسوم بقانون للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة الإذن لرجال الشرطة بتفتيش الأشخاص والأماكن ووسائل النقل العام والخاص إذا ما دلَّت التحريات الجدية على حيازة أسلحة أو ذخائر ومفرقعات، غير أن هذا التشريع حدَّد هذه الصلاحية لمدة عامين فقط.
كما حصر المرسوم حيازة السلاح المرخص في المواطنين الكويتيين فقط، ووضع ضوابط تتعلق بسِنِّ طالب الترخيص ولياقته البدنية وحسن سيرته وسلوكه وسجله الجنائي، وحدَّد مدة سريان الترخيص بعام واحد، على أن تتم مراجعة تلك الشروط عند تجديد الترخيص(2).
ورغم صفته المؤقتة وقِصر مداه الزمني؛ فقد حقَّق هذا المرسوم بقانون نتائج إيجابية في جمع الأسلحة والذخائر والألعاب النارية؛ حيث شكَّلت الحكومة الكويتية قوة لجمع السلاح الذي خلَّفه الغزو العراقي، ومارست هذه الفرقة المشكَّلة من المباحث الجنائية التابعة لوزارة الداخلية عــملها لمدة تجاوزت 8 سنوات، تم خلالها جــــمع ما يقـــارب 85 ألف قطعة سلاح متنوعة مـــن مسدســــات ورشاشات، ناهيك عن الذخائر(3).
وفي الإطار ذاته، صدر القانون رقم 4 لعام 2005 بشأن إجراءات التفتيش الخاصة بضبط الأسلحة والذخائر والمفرقعات المحظور حيازتها أو إحرازها، وتم بمقتضاه إنشاء قوة جديدة لجمع السلاح وحُدِّدت اختصاصاتها في إجراء التحريات وتفتيش الأشخاص والمساكن والأماكن ووسائل النقل العام والخاص، وتسلُّم المضبوطات وعرضها على الجهات المختصة، واتخاذ الإجراءات التي تحول دون وجود هذه الأسلحة والذخائر من دون تصريح وفق الاشتراطات المطلوبة.
غير أن هذه الجهود الحكومية ظلَّت محدودة النتائج؛ بسبب معارضة بعض أعضاء مجلس الأمة، الذين اعتبروا أن القوانين المتعلقة بجمع السلاح، بما تتضمنه من منح صلاحيات لرجال الأمن بالتفتيش بحثًا عن السلاح المخالف، ربما تمثل انتهاكًا لحرمة المنازل وانتقاصًا من الحريات.
وبالتالي، تُرك أمر جمع السلاح، منذ ذلك الحين، ليكون بشكل طوعي لمن يرغب بتسليم ما لديه من أسلحة إلى الجهات المختصة.
ظاهرة مقلقة لا تجارة سلاح
من الملاحَظ أنه على الرغم من أن انتشار الأسلحة الخفيفة والصغيرة في دولة الكويت أصبح بمرور الوقت يمثل ظاهرة مقلقة وخطيرة أمنيًّا واجتماعيًّا، إلا أنه لم يتحول إلى تجارة رائجة للسلاح. وربما يُعزَى ذلك إلى عدة أسباب، أهمها:
• صغر المساحة الجغرافية لدولة الكويت؛ الأمر الذي حال دون حدوث انفلات أمني على نحو يسهِّل من نشوء سوق لتجارة للسلاح، والتي غالبًا ما تنشط في البلدان الكبيرة مترامية الأطراف التي يصعب السيطرة الأمنية عليها.
• يقظة الأجهزة الأمنية الكويتية، وسرعة تحركها، وقدرتها المتواصلة على ضبط الحدود؛ مما أسهم، بدرجة كبيرة، في الحد من عمليات تهريب الأسلحة وقلَّصها إلى حدودها الدنيا.
ولذلك، ربما تبدو الإشكالية المتأتية من وراء انتشار ظاهرة السلاح غير المرخص في الكويت -خلال الفترة الماضية- كامنةً في غياب تشريع متكامل يعالج هذه الظاهرة على نحو حاسم وحازم، وهو ما تأمل الحكومة الكويتية أن يحققه القانون الجديد الذي أُقِرَّ أخيرًا من البرلمان.
قانون جمع السلاح والذخائر الجديد: الدوافع والمضامين
أسهمت عدة معطيات محلية وإقليمية في تحفيز جهود الحكومة الكويتية، وحثها على تسريع وتيرة إنجاز قانون جامع للقضاء على ظاهرة السلاح غير المرخص.
ويتعلق بعض هذه المعطيات بالأوضاع المحلية، فيما يتصل بعضها الآخر -وربما الأهم- بإفرازات البيئة الأمنية في المنطقة ولاسيما في بعض دول الجوار المباشر خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا على خلفية ما بات يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي".
وعلى الرغم من أن الجهود الحكومية الكويتية لسَنِّ تشريع لجمع السلاح غير المرخص لم تنقطع على مدى السنوات الماضية وحتى اليوم، إلا أن إنعام النظر في ماهية الظروف الإقليمية الراهنة وما تفرضه من تحديات متعاظمة على الأمن الوطني والجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي، يشير إلى أن القانون الجديد الذي أقره مجلس الأمة الكويتي لجمع السلاح والذخائر والمفرقعات غير المصرح بها، جاء ليعكس النظرة المختلفة التي أصبح من المتعين على دول الخليج أن تنظر من خلالها إلى واقع الحال الجديد المثير للقلق في المنطقة.
وبالتالي؛ يمكن النظر إلى هذا القانون باعتباره مؤشرًا على الاستشعار الخليجي لخطورة التطورات الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الأمن الوطني لدول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن وخلال المستقبل المنظور.
وبوجه عام، تتمثل المعطيات المحلية المحفزة لسَنِّ هذا القانون في التالي:
1. ارتفاع معدلات الجريمة المتعلقة بالأسلحة النارية، سواء من ناحية استخدامها في أعمال القتل والانتحار أحيانًا، أو الاستخدام غير المنضبط حتى للسلاح المرخص في المناسبات الاجتماعية وبخاصة الأعراس وكذلك في مخيمات البَرِّ؛ مما أصبح يُنذر بخطرٍ داهم على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة على السواء.
ومن ثَمَّ، باتت قضية انتشار السلاح إحدى أهم القضايا التي تشغل الرأي العام الكويتي؛ نظرًا لتداعياتها الخطيرة على أمن الفرد واستقرار المجتمع.
ومما يؤشر على تعاظم خطورة هذه الظاهرة، إحالة العديد من جرائم حيازة سلاح من دون ترخيص والاتجار بها إلى الجهات المختصة خلال السنوات الـخمس الأخيرة(4).
وفي هذا السياق، سجَّلت وزارة الداخلية الكويتية ما يقارب 167 حالة إصابة أو وفاة بطلق ناري خلال الفترة (2000-2005)، و113 حالة في الفترة (2005-2010)، فيما رصدت 21 حالة إصابة أو وفاة في الفترة (2010–2013)؛ وتشمل هذه الإحصاءات حالات الوفيات والإصابات التي أدَّت إلى عجز جزئي أو كلي، إضافة إلى الحالات التي يُحجم أصحابها عن تسجيل قضايا لعدم وجود خسائر بالأرواح(5).
2. وقوع حوادث سرقة للذخائر، كما حدث من استيلاء مجهولين في شهر إبريل/نيسان عام 2013، على نحو 35 ألف طلقة وسمَّاعة خاصة بعملية الرماية وأدوات مكتبية وأخرى خاصة بتنظيف الأسلحة من أحد المستودعات الحكومية(6).
أما على صعيد المعطيات الإقليمية، فهناك عدد من العوامل:
1. استمرار حالة الانفلات والفوضى الأمنية في العراق، وبخاصة مع اجتياح تنظيم ما يُعرف "بالدولة الإسلامية في العراق والشام"، لمناطق واسعة داخل الأراضي العراقية منذ يونيو/حزيران 2014، والخشية من الامتداد الجغرافي لنشاط هذا التنظيم وانتقاله من الحدود مع دولة الكويت، أو إلى داخل الأراضي الكويتية.
ويكفي للتدليل على صحة هذه المخاوف وواقعيتها، التنويه إلى مؤشرات عملية، منها:
أ- نشر "داعش" عقب اجتياحه مدينة الموصل العراقية، خريطة لما يسميه "الدولة الإسلامية" التي يسعى إلى إقامتها(7)؛ وبدا لافتًا أن التنظيم وضع الكويت ضمن دولته التي يسعى لإعلانها، وهو الأمر الذي اعتبرته دولة الكويت مؤشرًا على تعاظم خطورة التنظيم ليس على أمنها فحسب بل وعلى أمن واستقرار دول المنطقة برمتها.
وفي هذا الإطار، شدَّد وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد الجار الله على أن "تهديد داعش مباشر، وحقيقي لدول المنطقة كلها"، داعيًا إلى ضرورة "أن تعي دول مجلس التعاون الخليجي خطورة هذه التهديدات، وأن تتصرف بما يحقق تحصين جبهاتها الداخلية، ويحقق لها القدرة على مواجهة مثل هذه التحديات الخطيرة والمتزايد، وذلك من خلال التحرك بشكل جيد على مستوى التنسيق الأمني فيما بينها" (8).
وحتى قبل ظهور تنظيم "داعش" على واجهة الأحداث الإقليمية، زخرت الصحف ووسائل الإعلام الكويتية بالعديد من الأخبار عن إحباط حرس الحدود والجمارك محاولة تهريب أسلحة وذخائر (بنادق وطلقات) عبر الحدود مع العراق، وبخاصة خلال الفترة من 2011 إلى 2013.
ب- أما المؤشر الآخر، فيتمثل في بروز شواهد عملية على احتمال انتقال حالة الفوضى الأمنية من الداخل العراقي إلى الأطراف الحدودية مع دولة الكويت، ومن ذلك مثلًا إحباط قوات الأمن العراقية في يناير/كانون الثاني 2015، هجومًا بصواريخ "كاتيوشا" وعبوات ناسفة استهدفت ميناء "أم قصر" التجاري، قرب الحدود الجنوبية مع الكويت(9).
2. التنامي المطَّرد وغير المسبوق لظاهرة انتشار الأسلحة الخفيفة والصغيرة بين الأفراد في عددٍ من دول المنطقة في السنوات الأخيرة، ولاسيما في الدول التي شهدت ما يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي"؛ نظرًا للانفلات الأمني وأحداث العنف التي صاحبت تلك التطورات؛ حيث ارتفع الطلب على السلاح وازدهرت تجارته في إطار ضعف الأجهزة الأمنية في تلك الدول وعدم قدرتها على ضبط حدودها، كما هي الحال في كل من ليبيا واليمن وسوريا.
وفي هذا الصدد، يشير بعض التقديرات إلى وجود ما يفوق 50 مليون قطعة سلاح يتم تداولها في اليمن وحده(10).
ومن ثم، فقد عززت هذه التطورات الميدانية على الحدود مع بعض الدول التي تشهد انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق، كالعراق، المخاوف الأمنية لدى دولة الكويت من التداعيات في دول الجوار.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن هذه المخاوف برزت جليةً أيضًا لدى بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تربطها حدود مباشرة مع العراق واليمن، كالمملكة العربية السعودية؛ حيث أحبط حرس الحدود السعودي العديد من عمليات تهريب السلاح عبر الحدود مع اليمن، بل إن استفحال هذه الظاهرة، دفع الرياض للشروع في بناء أطول سياج أمني على حدودها مع اليمن، التي تمتد إلى قرابة 2000 كم، حيث تمت مضاعفة النطاق الحدودي الفاصل بين البلدين من 10 كم ليصبح 20 كم، وذاك بموجب اتفاقية الحدود الموقَّعة بين البلدين عام 2000(11).
لقد انعكست هذه المخاوف الأمنية الخليجية المتنامية حول الارتدادات المحتملة للتدهور الأمني في المنطقة، من خلال تأكيد دول الخليج على يقظة أجهزتها الأمنية ورصدها الثغرات الأمنية والعمل على سدِّها، عبر تعزيز إمكانات تقوية الجبهة الداخلية. من هنا يأتي تصريح وكيل وزارة الداخلية الكويتية الفريق سليمان الفهد: "إننا في محيط إقليمي مُستعرٍ يعيش الفوضى والتناحر بسبب انتشار الأسلحة وغيرها"، وأضاف: "لن نسمح بوجود ميليشيات للسلاح غير المرخص في بلدنا"(12).
وانطلاقًا من هذه المعطيات المحلية والإقليمية، بادر مجلس الوزراء الكويتي أواخر شهر أغسطس/آب 2014، إلى اعتماد مشروع قانون "تنظيم جمع الأسلحة والذخائر والمفرقعات" الذي اقترحه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح، وأحاله إلى مجلس الأمة الذي وافق عليه بأغلبية كبيرة في 27 يناير/كانون الثاني 2015.
وجاءت موافقة مجلس الأمة على هذا القانون خلال زمن قياسي؛ حيث لم يستغرق أربعة أشهر منذ أن اقترحته الحكومة وأحالته إلى المجلس. وربما يعكس التوافق الحكومي النيابي على هذا القانون وسرعة إنجازه، الإدراك المتزايد لنوعية وكثافة المخاطر والتحديات التي تحملها التطورات الإقليمية على أمن الكويت والمنطقة.
وفي مؤشر على أهمية هذا التشريع والحرص الحكومي على إنفاذه بحزم وتطبيقه على الجميع دون استثناء، وجَّه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح كتابًا إلى الديوان الأميري دعا فيه أبناء الأسرة الحاكمة للمبادرة بتسليم ما لديهم من أسلحة وذخائر لمراكز جمع السلاح؛ ليكونوا بذلك قدوة للجميع في الامتثال لسيادة القانون(13).
ومن أهم ما يتسم به القانون الجديد مقارنة بالتشريعات السابقة في هذا الخصوص، أنه أصبح قانونًا دائمًا، وليس مؤقتًا، كما تم تغليظ العقوبات الواردة فيه على كل من حاز سلاحًا غير مرخص؛ حيث يعاقب القانون -المشتمِل على 9 مواد- كل من حاز أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات غير مرخصة أو محظور حيازتها، بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على 10 آلاف دينار كويتي، أو بإحدى العقوبتين، ويُعفى من العقوبة كلُّ من يبادر بتسليم الأسلحة غير المرخصة إلى وزارة الداخلية خلال 4 أشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.
كذلك، نصت المادة الخامسة من القانون على "العقوبة بالحبس لمدة لا تزيد على 10 سنوات، وغرامة مالية لا تزيد على 50 ألف دينار كويتي، لكل من تاجر في سلاح ناري غير مرخص أو ذخائر أو مفرقعات أو مكونات بتصنيعها أو تهريبها أو تخزينها أو التعاقد مع المنظمات أو الخلايا الإرهابية لبيعها لها أو شرائها منها ومصادرة المضبوطات في جميع الأحوال"(14).
ويجيز القانون للنائب العام أو من يفوضه، بناءً على طلب من وزير الداخلية أو من يفوضه، أن يأذن لرجال الشرطة بتفتيش الأشخاص والمساكن والأماكن ووسائل النقل العام والخاص الكائنة في موقع معين خلال فترة زمنية محددة، إذا ما دلَّت التحريات الجدية على حيازة أو إحراز أسلحة نارية أو ذخائر أو مفرقعات بالمخالفة لأحكام القوانين(15).
وقبيل صدور القانون، حرصت الحكومة الكويتية على نزع الأسباب التي عرقلت في السابق تطبيق القوانين المماثلة لجمع السلاح، وأكدت أن القانون الجديد لجمع السلاح يحترم الأعراف والتقاليد المجتمعية، ويلتزم بعدم المساس بالحريات الشخصية، وفي هذا الصدد شدَّد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح على أن القانون سيطبق "دون المساس بحرمة المنازل والتضييق على الحريات"، لافتًا إلى أن القانون يأتي بناء على رغبة شعبية هدفها الأمن والأمان في نطاق المنظومة الأمنية التي تعمل عليها وزارة الداخلية وأجهزتها(16).
الاستراتيجية المستقبلية لتحصين الأمن الوطني الكويتي
لا شك في أن قانون تنظيم حيازة السلاح والذخائر والمفرقعات الجديد سوف يشكِّل حجر زاوية في استراتيجية الكويت لحماية أمنها الوطني في مواجهة ما قد يتهدده من تداعيات ارتدادات حالة الفوضى الأمنية الإقليمية.
ومع ذلك، فإن الرؤية الإستراتيجية الأوسع تقتضي من الحكومة الكويتية، البناء على هذا الأساس المتين، كي تكتمل منظومة صون أمنها، على مختلف الصُعد السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك من خلال:
• تعزيز التعاون في مجال أمن الحدود المشتركة، وتقوية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، ومع كل من العراق وإيران، لمواجهة أية محاولات لتهريب الأسلحة.
• مواصلة تقوية إمكانات الأجهزة الأمنية، وتدريب كوادرها البشرية، وبناء قدرات أجهزة معلومات قادرة على رصد وتحليل كل ما يتصل بقضايا الأسلحة الخفيفة والصغيرة.
• تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم الجهود الحكومية، من خلال نشر التوعية الأمنية للمواطنين في مجال مكافحة انتشار الأسلحة والتحذير من مخاطر حيازتها.
__________________________________________________
* محمد بدري عيد: باحث مختص بالشؤون الخليجية.
الهوامش
1. http://www. The United Nations Institute for Disarmament Research. (UNIDIR).org
2. انظر في تفاصيل ذلك: الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية الكويتية:
http://www.moi.gov.kw
3. صحيفة "الرأي" الكويتية، 18 مايو/أيار 2013.
4. صحيفة "القبس" الكويتية: 16 سبتمبر/أيلول 2012.
5. صحيفة "الرأي" الكويتية، 18 مايو/أيار 2013.
6. صحف الكويتية، 7 إبريل/نيسان 2013.
7. "العربية نت": "داعش" يرسم خريطة لدولته الإسلامية تشمل الكويت، 12 يونيو/حزيران 2014.
8. انظر تصريحات وكيل وزارة الخارجية الكويتية على هامش حضوره احتفالات السفارة الروسية لدى الكويت بالعيد الوطني، وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 13 يونيو/حزيران 2014.
9. وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)، 12 يناير/كانون الثاني 2015.
10. إحصاءات واردة في دراسة صادرة عن المنظمة العربية للإصلاح الجنائي بعنوان: "ظاهرة الاتجار غير المشروع وحيازة الأسلحة طبقًا للقوانين الدولية المتبعة، مايو/أيار 2013.
11. وكالة أنباء "رويترز"، ووكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)، 13 يناير/كانون الثاني 2015.
12. صحيفة "الرأي" الكويتية، 26 يناير/كانون الثاني 2015.
13. وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 6 فبراير/شباط 2015.
14. انظر نص القانون كاملًا: وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 28 يناير/كانون الثاني 2015.
15. المرجع السابق.
16. وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 29 يناير/كانون الثاني 2015.