الاتحاد الاقتصادي الأوراسي: حماية للاقتصاد وحصانة للأنظمة

يقوم الاتحاد الاقتصادي الأوروبي-الأسيوي الذي ترعاه روسيا بوظائف متعددة، أهمها استمرار النفوذ الروسي في الدول المنضوية تحته ومنها دول آسيا الوسطى، وترى الأخيرة فيه عامل استقرار لأمنها الداخلي والخارجي، رغم ما قد يتضمنه من سلبيات أو يطرحه من تحديات.
2015517103654160734_20.jpg
[الجزيرة]

ملخص

يتناول هذا التقرير العوامل التي تُحرك الجهود الروسية لتوسيع وتعزيز الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الأوروبي الأسيوي) ويعرض للخيارات المتاحة أمام الدول المشاركة في الاتحاد -لا سيما دول آسيا الوسطى الخمسة، كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان- وطرق استجابتها له المحكومة بعدد من العوامل ومنها: تراجع مدخول حوالات العمالة المهاجرة إلى روسيا وتراجع قيمة الروبل إضافة إلى الحاجة لتوفير مظلة لحماية أنظمة هذه الدول من مخاطر الداخل والخارج. ويتضمن التقرير مسحاً موجزاً لتعليقات مؤيدين ومعارضين للاتحاد الاقتصادي يتضمن الإيجابيات والسلبيات من مصادر غربية وأخرى باللغة الروسية. وأخيراً، يهتم التقرير بالصين بوصفها القوة الاقتصادية الإقليمية الأعظم والمحرك الأساسي لمنظمة شنغهاي للتعاون، وكيف يمكن لروسيا ودول وسط آسيا أن تستفيد من الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي كمظلة توفر لها الحماية ضد تزايد النفوذ الصيني، وخاصة في دول وسط آسيا.

يتشكل الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي (EUU) من دول تقع في شمال أوراسيا، وتم إنشاؤه في 29 أيار/مايو 2014 ضمن اتفاقية وقعها رؤساء كل من روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا، ودخل الاتحاد حيّز التطبيق في 1 كانون ثاني/ يناير 2015، وقد انضمت أرمينيا إلى الاتحاد في اليوم التالي لدخوله حيز التطبيق، وانضمت إليه قرغيزستان مؤخرا (في مايو/أيار 2015 بعد أن استوفت متطلبات الانضمام خلال صيف العام نفسه).

موسكو والاتحاد الاقتصادي الأوراسي

تؤثر العديد من العوامل في سلوك موسكو حيال مبادرة الاتحاد الاقتصادي مثل استراتيجية موسكو في تعزيز مساعيها الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن أن الاقتصاد الروسي نفسه يقرر طبيعة الموارد التي يمكن لموسكو أن تجندها في مساعيها من أجل تعزيز النفوذ والإقناع والضغط، لأن القوة التي تمارسها لتحقيق أهداف سياستها الخارجية لن تخرج عن تلك التي تتناسب مع قوتها الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن القيادة الروسية تنشط في بعض الأحيان لمواجهة ما تعتبره إجراءات يتخذها منافسوها لاحتواء أو تطويق مصالح موسكو أو حلفائها(1).

شهدت أسعار النفط إبان ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هبوطاً حاداً، من 110 دولارات إلى 50 دولاراً للبرميل الواحد ما بين أيلول/سبتمبر 2014 وشباط/ فبراير 2015، وجاءت العقوبات المفروضة على روسيا لتفاقم من حدة التراجع الاقتصادي، فأظهر هذان التطوران أن إدارة بوتين لاقتصاد البلاد في وضع سيء. وفي هذا السياق تُعد مبادرة بوتين لإنشاء "الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي" رسالة منه وعلى طريقته الخاصة، على أنه سينشئ تحالفاته الخاصة ووفق شروطه، وفيها أيضا رسالة لجمهور الناخبين الروس بأنه ماض في القتال من أجل الحقوق العرقية للأقلية الروسية في أوكرانيا وغيرها على الرغم من فرض عقوبات قاسية على بلاده، وبأنه لم يتخلَّ عن الجماعات الروسية في "دونيتسك ولوهانسك" في شرق أوكرانيا وأنه سيواصل دعم "الانفصاليين الروس" من أجل أن ينتزعوا أفضل صفقة ممكنة من الحكومة الأوكرانية.

ورغم أن ذلك طمأن جمهور الناخبين الروس غير أنه أقلق جيران روسيا بشأن نواياها المحتملة، وهو ما حَمَل أحد أبرز المراقبين إلى أن يشير إلى أن الأزمة الأوكرانية ستُبقي قادة دول وسط آسيا متيقظين في ليلهم(2). ومن هنا يُقال إن "اعتداء روسيا على أوكرانيا لم يُنتج أزمة دولية فقط، وإنما أيضاً مخاوف في أوساط الدول المجاورة لروسيا؛ حتى أن الدول التي تتعاون مع روسيا باتت تخشى أن تكون هي التالية على قائمة الضم الروسي"(3). وأثارت وسائل الإعلام الغربية في تقارير نشرتها بأن مخاوف حكومات دول وسط آسيا دفعتها إلى متابعة أحداث شبه جزيرة القرم بنوع من العصبية، خشية أن يُعدّ ما أظهرته روسيا من قدر كبير من الحزم نذير شؤم بالنسبة لهذه الدول(4).

دول آسيا الوسطى والاتحاد، التحديات والمخاوف

فرضت التحركات العسكرية الروسية ضد القرم عدداً من الفرص والتحديات على أجندة "بوتين" لفترة ما بعد توحيد أعضاء رابطة الدول المستقلة (CIS)، والتي يشكل الاتحاد الاقتصادي الجزء الحاسم فيها(5). وبالنسبة لهذه الأخيرة يذكر المحللون عدداً من العوامل التي تدفع دول آسيا الوسطى الخمسة، كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، للاستجابة للاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي؛ أولها الهجرة وغيرها من العوامل الاقتصادية؛ وثانيها وجود الأقليات الروسية في هذه الدول؛ وثالثها وجود القواعد العسكرية الروسية واتفاقات الدفاع التاريخية. وتماشياً مع هذه التحديات، على قادة دول آسيا الوسطى أن يتعاملوا مع مجموعة مركبة من الأولويات(6).

وحسب البروفيسور "فلاديمير غلمان"، فإن استجابة السياسة الخارجية الروسية ستعتمد على مدى عمق واستمرار الأزمة المالية التي تعصف بروسيا حالياً(7)، حيث شكلت عائدات النفط والغاز ما يزيد على 68% من مجموع عائدات الصادارات الروسية في عام 2013، والتي تركَّز معظمها في مجال النفط ومنتجاته. ومن هنا فإن هبوط أسعار النفط أعاق النمو الاقتصادي في روسيا؛ ففي كانون ثاني/ يناير 2015 تنبأ البنك الدولي بنسبة نمو للاقتصاد الروسي تقل عن 2.9% للعام نفسه.

وبالنسبة لدول وسط آسيا الخمسة فإن هذه الظروف تشكل لها أربعة من التحديات، وإن بدرجات متفاوتة.

1- تواجه تركمانستان وكازاخستان تراجعاً ثابتاً في الواردات بسبب هبوط أسعار النفط والغاز لأنهما تعتمدان على صادرات الهيدروكربون.

2- تعاني دول آسيا الوسطى المربوطة عملاتها بالروبل من انخفاض قيمة قوتها الشرائية على المستوى المحلي بسبب انخفاض قيمة الروبل، لا بل يُضاف إلى ذلك عبء دينها المربوط بالدولار الأمريكي حيث أصبحت صادراتها إلى روسيا مكلفة جداً مقارنة بالروبل.

3- تأثرت سلباً وعلى وجه التحديد، اقتصاديات كل من طاجيكستان وأوزبكستان، وكذلك قيرغيزستان وغيرها وإن بدرجة أقل؛ بسبب تراجع كل من العقود الروسية ومدخول الحوالات المالية من العمالة المهاجرة في روسيا.

4- بالنسبة لكل من طاجيكستان وقرغيزستان تحديداً، يبدو أن الحصول على معونات روسية بشكل استثمارات وعقود روسية، وخاصة في مجال قطاع البنى التحتية، كسبيل للخروج من الأزمة الحالية سيتأجل حتى تتحسن ظروف روسيا(8).

ويبقى المدى الذي ستصل إليه دول وسط آسيا في تأثرها بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا هو التحدي الأبرز بالنسبة لحكوماتها، ومن أخطرها الانتهاء بنظام سياسي واجتماعي عرضة للاضطرابات والفساد والفقر والاضطهاد، لاسيما وأن اقتصاديات هذه الدول تعتمد بشكل أساسي على الحوالات المالية التي بلغت خلال السنوات الأخيرة 49% من الناتج المحلي الإجمالي في طاجيكستان (بلغت عام 2008 على سبيل المثال 2.2 مليار دولار(9))، و30% في قرغيزستان. وبذلك تعد العودة القسرية للمهاجرين إلى دولهم الفقيرة تهديداً أكثر واقعية واحتمالاً من ذلك المتعلق بالغزو أو بانتزاع الأراضي، وذلك حسب دبلوماسي غربي في "دوشنبه"، موضحاً: "أستطيع رؤية سيناريو خروج التظاهرات إلى الشوارع يقودها المهاجرون العائدون الذين لا يعدون ساخطين فحسب، وإنما أكثر من ذلك، فهم لا يجدون وظائف في بلادهم"(10).

وبالإشارة إلى المعضلات التي تواجهها دول وسط آسيا، كتبت "مارلين لريول" عن الخيارات الضيقة والحاجات المتزايدة لاقتصادات هذه الدول التي بقيت تعتمد بشكل كبير على الحوالات المالية من روسيا. فطاجيكستان وقرغيزستان لم تجد خياراً سوى الحفاظ على علاقات استثنائية مع روسيا وتمنحها امتيازات. ولم يقتصر ذلك على هاتين الدولتين، وإنما تضاف إليهما أوزبكستان، وإن بدرجة أقل؛ فهذه الدول الثلاثة "مضطرة لأن تُبقي على آمالها بأن يستمر الاقتصاد الروسي بالازدهار وأن لا يتهاوى. ذلك أنه في حال أضرت العقوبات الدولية بنمو الاقتصاد الروسي على نحو خطير، فإن التبعات على الاقتصاد الكزخي، وعلى الاستثمارات الروسية في قرغيزستان وطاجيكستان –والتي تأثرت أصلاً بسبب الارتفاع المضطرد لأسعار الوقود الروسي- وعلى ملايين الأسر في دول وسط آسيا الذين يعتمد مستقبلهم على الحوالات المالية من روسيا؛ فإن كل هذه التبعات ستكون وخيمة وستشكل خطراً كبيراً على شرعية الأنظمة المستقرة في هذه الدول"(11). وبالتأكيد، سببت تصريحات فلاديمير زيرينوفسكي، القومي الروسي وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، الكثير من السخط عندما أعلن في شباط/ فبراير 2014 بأنه يشعر بحاجة دول وسط آسيا لأن تعود مجدداً إلى السيطرة الروسية وفق نوع من الاتفاقيات الفيدرالية(12).

ويتخوف البعض في كازاخستان بأنه إذا تم خرق مذكرة بودابست لعام 1994 بشأن الضمانات الأمنية لكل من روسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا فإن "أحداً لا يمكنه بعد الآن أن يثق بهذه الضمانات التي تمنحها الدول النووية لها"(13)(14)، كما أن الضم الخاطف للقرم أخاف العديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وإلى جانب أوكرانيا، هنالك الجمهوريات المنشقة الموالية لروسيا في ترانسنيستريا بمولدافيا، ومناطق الحكم الذاتي في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بجورجيا الذين يتطلعون إلى مزيد من الدعم الروسي من أجل تحسين موقفهم.
وبخصوص المنطقة الشمالية من كازاخستان حيث تتركز القومية الروسية، تشير "سمانثا برليتش" إلى أنه: "إذا اختارت كازاخستان أن لا تتعاون مع روسيا، فستكون رهينة السياسة الخارجية الروسية، فبعد ضم موسكو للقرم لم يبقَ أمام كازاخستان سوى التعاون مع الخطط الروسية للدمج، انطلاقاً من أن التوافق مع روسيا وسياسات بوتين تعدّ طريق كازاخستان من أجل الحفاظ على وحدة أراضيها"(15).

وفي الوقت الحاضر فإن الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي يُعدّ الخيار الآمن في العاصمة الكزخية "أستانا". وفي واقع الأمر فإن تبعات عدم تجاوب كازاخستان سيسبب الكثير من الإشكالات لها كما سبق وأشارت لريول، والتي تضيف :"قد يواجه النظام مستويات لا يُعتدّ بها من الرأي العام المؤيد لروسيا؛ غير أن الإجماع الأهلي والمجتمعي في كازاخستان مبني على تحسين مستوى المعيشة، ومن هنا فإن فشل الاتحاد الجمركي/ الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي في إحداث أثر إيجابي في الاقتصاد الكزخي، من شأنه أن يؤثر بصورة سلبية على شرعية روسيا في البلاد والرواية التصالحية التي تتبناها السطات الكزخية"(16).

دول آسيا الوسطى وإيجابيات الاتحاد

تُركز المصادر الغربية في الأغلب على سلبيات الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي, إلا أن هناك عدداً من التعليقات من مصادر ناطقة باللغة الروسية تعدد إيجابيات الاتحاد.

تناول منتدى نُظِّم في روسيا حول وجهات النظر إزاء الاتحاد الأوروبي- الآسيوي القضايا التالية: "تواجه دول وسط آسيا اليوم مجموعة من التحديات بشأن استقرار العملية الاقتصادية وتحقيق الأمن. وعلاوة على ذلك، فستُجري بعض دول وسط آسيا انتخابات وستعيّن قريباً حكومات جديدة. وتُظهِر دول وسط آسيا اهتماماً أكثر من غيرها لتضمن أن هذا التغيير لن يستلهم سنياريوهات من قَبِيل "الربيع العربي"، ومن هنا، تُفضل هذه الدول أن تستمر روسيا في لعب دور الضامن الرئيسي للاستقرار السياسي في وسط آسيا"(17).

يذكر أحد المعلقين في معهد الدراسات الاستراتيجية الروسية بأن الضغط الخارجي بدلاً من أن يعطل فرص نجاح الدمج فإنه على النقيض من ذلك حفز أشكالاً من التعاون العميق والمتزايد في مناطق جديدة. ويدّعي "أجدر كورتز" بأن العقوبات الغربية فشلت في إضعاف الروابط الاقتصادية بين روسيا وشركائها المقربين، وذلك في ضوء أن روسيا تستثمر 18 مليار دولار في كل من روسيا البيضاء وكازاخستان، بينما تستثمر هاتان الدولتان 10 مليارات دولار في الشركات الروسية. ويضيف بأنه ليس من قبيل الصدفة أن أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي قرروا في "أستانا" أن ينسقوا فيما بينهم سياساتهم النقدية وأن يضعوا في الحسبان تشكيل وحدة نقدية، وبأنه "ليس من الصعب إدراك نجاح تجربة الاتحاد الاقتصادي وملاحظة النمو المتدرج لمركز قوة جديد في مواجهة المخططات الغربية"(18).

ويدّعى عدد من المعلقين في مؤسسات ناطقة باللغة الروسية في وسط آسيا بأن المنتدى الاقتصادي الموحد سيُمكن أعضاء رابطة الدول المستقلة من أن تتجاوز وتتغلب على الصعوبات المنظورة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا(19). ومثال ذلك المعلق القرغيزي "باكيت باكيتاييف" الذي أوضح في رسالة له إلى رابطة الدول المستقلة بأنهم جميعاً في الهم سواء، ولذلك ينبغي عليهم أن يتحدوا استعداداً "للأيام الصعبة" القادمة.

ويشير "أندري روساكوف" مدير المركز الروسي للدراسات الأوروبية-الآسيوية بأن الانطباع السائد يميل إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا عززت فقط من رغبة روسيا في تقوية نفوذها في منطقة وسط آسيا، ويدعي بأن السعي وبجد من أجل تحقيق الرفاهية الاقتصادية لشعوب أوراسيا يُعد الوصفة الناجحة "لإنقاذ المنطقة من أي اضطرابات"(20). بينما يحذر المعلق القرغيزي "توتوغل كاتشليف" من التخلي عن فكرة السوق الأوروبية- الآسيوية المشتركة، مبدياً تخوفة من أن ينتهي المطاف بالتجار القرغيزيين إلى باعة للبضائع الصينية في طاجيكستان أو إلى عمال في الصين.

وبالانتقال إلى الأسباب الجيوسياسية، فإن بوتين امتلك صورة القائد الصلب الذي تمكن من إعادة الشيشان مجدداً تحت العباءة الروسية. كما أن ارتفاع أسعار النفط مكّن الاقتصاد الروسي من تحقيق النمو خلال فترة رئاسته للبلاد 2000-2008 وخلال رئاسته للحكومة 2008-2012(21). ويذكر أستاذ علم النفس "أليكس هاسلم" بأن روسيا في ظل إدارة بوريس يلتسين الفوضوية بدت تفقد مكانتها وما يستدعيه ذلك من تقدير على المستوى الدولي. ويضيف بأن مثل هذه الظروف "جعلت النظام الأبوي أكثر جاذبية لمعظم السكان وهو ما استوعبه بوتين بشكل جيد؛ حيث عرف كيف يوظف الكبرياء القومي الجريح، كما عرف جيداً كيف يفرض نفسه بوصفه تجسيداً لأمة حية وقوية وذكورية"(22).

ويُشار هنا إلى أن قرار قادة العالم بمقاطعة الدورة الأربعين لقمة مجموعة الثمانية في حزيران/ يونيو 2014 في "سوتشي" بروسيا أحرج الروس، كما أن الجفاء الذي تلقاه بوتين في قمة العشرين في "بريزبين" بأستراليا قد فُسِّر على أنه تجاهل لهم ما عمق الجراح في الكبرياء الروسي(23). علاوة على ذلك، فإن تكثيف العقوبات على روسيا حثها على المضي قدما نحو تشكيل تحالفات جديدة(24)، ذلك لأن بعض القادة الروس يحبون أن يتوسطوا المسرح وأن يخطفوا الأنظار وأن يحظوا بالاهتمام ليُذّكروا العالم دوماً بأنهم يستحقون مقعداً في صدر المجلس(25)، وعندما لا تتلقى القيادة الروسية الاعتبار المناسب في قضية دولية، فإنها في الغالب تلجأ إلى استكشاف مسارات بديلة، مذّكرةً بدورها المركزي الذي يمكن أن تلعبه. وبينما كان كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي يفكرون ملياً في فرض مزيد من العقوبات على موسكو، كان بوتين في سباق دبلوماسي مع قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون ( (SCOفي طاجيكستان في أيلول/ سبتمبر 2014، وكانت الرسالة من قمة منظمة شنغهاي بأن روسيا تعمل على إنعاش تحالفاتها الإقليمية، انعكاساً لعلاقاتها الوثيقة مع دول الإقليم على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي.

وافقت منظمة شنغهاي في تموز/ يوليو2015 على ضم كل من الهند وباكستان، وهما بلدان يبلغ مجموع سكانهما 1.5 مليون نسمة. وبالإضافة إلى سكان باقي الدول الأعضاء، فإن منظمة شنغهاي باتت تمثل 2.9 مليار نسمة، وهو ما يشكل 40% من سكان العالم، حيث سيكون لروسيا دور مهم. وبطريقة غير مباشرة، توصل هذه الإحصاءات اثنتين من الرسائل؛ أولهما بأن روسيا تعرف تماماً مع أي مناطق العالم تفضل أن تعقد شراكاتها؛ وثانيهما أن عدد سكان أوروبا يبلغ 742 ميلوناً، أي ما يشكل 11% من سكان العالم، وانطلاقاً من هذه الإحصاءات، تتساءل محطة "فستي" الإخبارية الروسية وبسخرية فيما إذا كانت هذه هي العزلة التي تحاول بعض الدول الغربية أن تتوعد وتخوف بها روسيا.

وفي الوقت الذي تنمو فيه منظمة شنغهاي في الحجم، يرى "إيغور كلانسكي" أستاذ العلوم السياسية في الجامعة القرغيزية-السلافية حاجةً "لضم كل من تركيا وإيران أيضاً وذلك نظراً لحاجة روسيا لرد مناسب على العقوبات المفروضة عليها، وإن توظيفها للمنظمة يمنحها هذا الرد المناسب على كل من أوروبا والولايات المتحدة". ويتنبأ "كلانسكي" بأن السنوات الخمس المقبلة ستشهد مواجهة بين منظمة شنغهاي والمجموعة الاقتصادية لدول شرق آسيا والقوقاز (EAEC). ورغم أن المجموعتين ستتعاملان مع بعضهما، إلا أن كلا من الصين وروسيا سيسعيان وراء أهداف جيوسياسية واستراتيجية موازية(26).

ويشير المعلق القرغيزي "توتوغل كاتشكييف" إلى نشاطات منظمة شنغهاي للتعاون، مؤكداً على أن هذه النشاطات ستُفضي إلى المنافسة بين روسيا والصين، نظراً لأن الأخيرة تعتقد بأن المصالح الاقتصادية لكل من الصين وروسيا بدأت في التمايز والاختلاف.

وفي السنوات القادمة، ينبغي على أنظمة وسط آسيا أن تتجاوز مبادئها وما يتصل بها من تطلعات، وأن تتبنى "مفهوماً واقعياً في العلاقات الدولية يضع في أهم اعتباراته علاقات القوة المادية، وقوة الجغرافيا والتاريخ؛ فضلاً عن الحضور الاقتصادي"، وذلك وفق "مارلين لريول" التي توصي بأن إدراك هذه الأنظمة أن مواجهتها لموسكو ستكون بدعم شريك واحد فقط وهو الصين، من شأنه أن يشجع على مراجعة وتكييف استراتيجيات سياسة "الجوار الثالث" من قِبل كل من الأنظمة والنخب، وعلى إدخال تعديلات معقولة على مقاربات السياسة الخارجية التي تتبناها هذه الأنظمة تحت شعار "تحقيق الربح لكل الأطراف"(27).

الخلاصة

يسعى كل من الدول التي أعلنت انضمامها إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي- الآسيوي لأهداف مختلفة، حيث يعتقد مناصرو الاتحاد الاقتصادي في روسيا بأن الاتحاد سيوفر الحماية الاقتصادية، كما أنه سيسهم في التصدي لأي انكشاف سياسي غير مرغوب يقف وراءه مخططات خارجية، وذلك نظراً لأن الاتحاد يوفر آلية آمنة ضد أي مؤامرات لتغيير النظام، وهو لذلك يضمن بقاء الوضع القائم واستمراره، وهو ما ترغب بتحقيقه الدول الأصغر لاسيما في وسط آسيا، لكنها تريد إضافة إلى ذلك الاستقرار السياسي والأمن الاقتصادي.

كما أن مناصري الاتحاد من المعلقين يدافعون بأن دمج الموارد والخدمات سيعزز من موقف الدول المشاركة في الأسواق التقليدية، وسيقوي من وجودها في الخارج أيضاً، فضلاً عن أنه سيسهل فرص نجاح الاستثمارات الضخمة التي لا تقوى أي دولة على أن توفر لها الموادر منفردة. وتحت ظروف مناقِضة، يحذر هؤلاء المعلقون من أن اقتصادات عدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق ستقع تحت نفوذ القوى الاقتصادية سواءً في المنطقة أو خارجها. ويدّعون بأن التخلي عن فرصة من هذا النوع سيُفضي إلى حالة من الانحطاط مقارنة بالوضع القائم وسيحوِّل المنطقة إلى ساحة تنافس جيواقتصادية وجيوسياسية، وسينتهي بدول المنطقة إلى أن تخسر تطلعاتها المتعلقة بالتنمية وإبقاء سيطرتها على مواردها القومية.

ويبدو بين السطور في النقاشات الروسية أن موسكو تقترح على شركائها في وسط آسيا بأنه بدلاً من أن تصبح دولهم عرضة للخطر على الصعيد الاقتصادي والسياسي مثل أوكرانيا، فإنهم سيكونون في حال أفضل إن هم التحقوا بالمعسكر الروسي. وبناء على ذلك، يعني الاتحاد الاقتصادي في المدى القصير إظهار الدور الروسي المركزي في النظام الاقتصادي، بينما يعني في المدى البعيد مساعدة دول وسط آسيا على أن تواجه بشكل أفضل النفوذ الصيني الصاعد.
_____________________________________________________
ملاحظة: النص أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الانكليزية، وترجمه إلى العربية عبد الحميد الكيالي.

1-Professor Peter Duncan, The Importance of Domestic Influences on Russian Foreign Policy, talk at King’s College London, 10 February 2015
2-Marlene Laruelle, Why the Ukraine’s crisis keeps the Central Asian leaders Up at Night? PONARS Eurasia, 3 July 2014
www.ponarseurasia.org/article/why-ukraine’s-crisis-keeps-central-asian-leaders-night
Retrieved on May 11, 2015
3-Ukraine Crisis: Russia's Neighbors Are Worried, The National Interest, archived at cco.dodlive.mil/files/2014/02/Ukraine-Crisis_-Russias-Neighbors-Are-Worried.pdf
Retrieved on May 11, 2015
4-Scott Neuman Why Ukraine's Situation Makes Russia's Other Neighbors Nervous, NPR
www.npr.org/blogs/thetwo-way/2014/03/19/291428078/why-ukraine-makes-russia-s-other-neighbors-nervous .
March 19, 2014
في الوقت الذي تركز فيه القوى الغربية على احتواء التحركات الروسية في منطقة الحكم الذاتي في القرم، فإن جمهوريةً ضمن الاتحاد السوفييتي السابق، وهي مولدافيا، تخشى من أن تواجه تهديداً عسكريا مشابها من قِبَل روسيا.
David Kashi, Moldova, Another Former Soviet Republic, Worried Over Russia's Move On Crimea,IBT, March 12 2014
www.ibtimes.com/moldova-another-former-soviet-republic-worried-over-russias-move-crimea-1560938
Retrieved on May 11, 2015
5-Richard Weitz, ‘Ukraine Crisis and Putin's Post-CIS Integration Plans’, CACI Analyst, 02 APRIL 2014
www.cacianalyst.org/publications/analytical-articles/item/12948-ukraine-crisis-and-putins-post-cis-integration-plans.html
Retrieved on May 11, 2015
6- Fabio Belafatti, Ukraine: perspectives from Central Asia, Geopolitika, April 7, 2014
http://www.geopolitika.lt/?artc=6610
Retrieved on May 11, 2015
7-Will Russia’s economic turmoil affect its foreign policy? PONARS Eurasia, December 18, 2014
www.ponarseurasia.org/node/7401
Retrieved on May 11, 2015
8-Nate Schenkkan, ‘Impact of the Economic Crisis in Russia on Central Asia’, Russian Analytical Digest, 17 March 2015, p.3
9-Matthew Holland ,Economic Déjà Vu: Russia and Central Asia, Republic of The East, October 1, 2014
http://russia-eastern-republic.com/2014/10/01/economic-deja-vu-russia-and-central-asia /
Retrieved on May 11, 2015
10-David Trilling, If Crimea Sanctions Bite Russia, Central Asia Will Feel the Pain, Eurasianet, March 19, 2014
http://www.eurasianet.org/node/68168
Retrieved on May 11, 2015
11-Marlene Laruelle, Central Asia's Dilemmas and the Paradoxical Lessons of the Ukrainian Crisis, CSS, December 2014
www.css.ethz.ch/publications/pdfs/RAD-158-8-11.pdf
Retrieved on May 11, 2015
12-Inga Sikorskaya, Timur Toktonaliev, Nazarali Pirnazarov, Gaziza Baituova, In Central Asia, Caution and Concern on Ukraine, IWPR, Mar11, 2014
https://iwpr.net/global-voices/central-asia-caution-and-concern-ukraine
Retrieved on May 11, 2015
13-Budapest Memorandums on Security Assurances, CFR, 1994, December 5, 1994.
http://www.cfr.org/nonproliferation-arms-control-and-disarmament/budapest-memorandums-security-assurances-1994/p32484
Retrieved on May 11, 2015
14-Abdujalil Abdurasulov, Could a 'Ukrainian scenario' play out in Kazakhstan? BBC, March 12, 2014
http://www.bbc.co.uk/news/world-europe-26549796
Retrieved on May 11, 2015
15-Samantha Brletich, The Crimea Model: Will Russia Annex the Northern Region of Kazakhstan? Modern Diplomacy
www.moderndiplomacy.eu/index.php?option=com_k2&view=item&id=420:the-crimea-model-will-russia-annex-the-northern-region-of-kazakhstan&Itemid=480
Retrieved on May 11, 2015
Also see Martha Brill Olcott, ‘After Crimea: Will Kazakhstan Be Next in Putin’s Reintegration Project?’ La Vanguardia, Op-Ed March 5, 2014
http://carnegieendowment.org/2014/03/05/after-crimea-will-kazakhstan-be-next-in-putin-s-reintegration-project/h2ia
Retrieved on May 11, 2015
16-Marlene Laruelle, Central Asia's Dilemmas and the Paradoxical Lessons of the Ukrainian Crisis, December 2014
www.css.ethz.ch/publications/pdfs/RAD-158-8-11.pdf
Retrieved on May 11, 2015
17-Publichnaya diplomatiya i Yevraziyskoye sblizheniye: storonniki i skeptiki, IA center, August 9, 2012
http://ia-centr.ru/expert/13931 /
Retrieved on May 11, 2015
18-Azhdar Kurtov EAES: Problemy i Tendentsii, RISS, April 15, 2015
riss.ru/smi/11981/
Retrieved on May 11, 2015
19-Igry Rossii i Kitaya v Tsentral’noy Azii, rol’ TS i SHOS, News Asia, January 2015.
www.news-asia.ru/view/ru/Presscentre_NewsAsia/7758
Retrieved on May 11, 2015
20-Ibid.
21-Stephen Bierman, Russian Oil Boom’s End Means Lower Tax That Risks Unrest, Bloomberg Business, February 20, 2015.
http://www.bloomberg.com/news/articles/2012-02-20/russian-oil-boom-s-end-means-lower-tax-that-risks-unrest-energy
Retrieved on May 11, 2015
22-Alex Haslam & Steve Reicher, Putin: The Naked Truth, The Psychologist, 27, (4), 217,The BBC Prison Study. April 2014
http://tinyurl.com/l63zo8u
Retrieved on May 11, 2015
23-10 primerov togo, kak unizhali Putina na vstreche liderov «dvadtsatki» v Avstralii , informdetox, November 11, 2014
http://www.informdetox.com/?p=9606
Unizheniye Rossii v Brisbene, January 5, 2015
http://comnarcon.com/index.php?id=582
Retrieved on May 11, 2015
24-Four reasons for Putin to “wag the dog”, The Star, September 5 2014
www.thestar.com/business/economy/2014/09/05/four_reasons_for_putin_to_wag_the_dog_olive.html
Retrieved on May 11, 2015
25-What does Putin want? The key questions, Channel 4, February 6, 2015
www.channel4.com/news/putin-ukraine-merkel-hollande-moscow-key-questions
Daniel Treisman, The two Putins, CNN, March 4, 2014
http://edition.cnn.com/2014/03/03/opinion/treisman-two-putins/
Retrieved on May 11, 2015
26-Igry Rossii i Kitaya v Tsentral’noy Azii, rol’ TS i SHOS, News Asia, January 2015
http://www.news-asia.ru/view/ru/Presscentre_NewsAsia/7758
Retrieved on May 11, 2015
27-Marlene Laruelle, Central Asia's Dilemmas and the Paradoxical Lessons of the Ukrainian Crisis, CSS, December 2014
www.css.ethz.ch/publications/pdfs/RAD-158-8-11.pdf
Retrieved on May 11, 2015

نبذة عن الكاتب