الصين في إفريقيا: بين متطلبات الاستثمار ودوافع الاستغلال

يتناول الباحث يحيى اليحياوي في هذا المقال الدور المتنامي للصين في القارة الإفريقية، مركزا على أسباب نجاحات الصين في الولوج إلى هذه القارة على حساب الدول الغربية التي كانت تحتكر الاستثمار بإفريقيا وفي نفس الوقت استعرض أوجه التعاون الصيني الإفريقي وحلل تبعات هذا التعاون وسلبياته.
20156910317800734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تعاظم حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا منذ سنوات كما نمت العلاقات الدبلوماسية والثقافية بين الصين والقارة الإفريقية بشكل مطرد. ولعل أحد أبرز أسباب النفوذ الصيني في إفريقيا هو دينامية الصينيين في مقابل تلكؤ الدول الغربية في الاستثمار في إفريقيا وفرض تلك الدولة مسطرة من الشروط على دول إفريقيا لا بد أن تستجيب لها حتى تحصل على منافع استثمارية غربية، في حين ولجت الصين الأسواق الأوربية والمناشط الاستثمارية بسلاسة وسهولة.

لكن ما تبعات هذا النفوذ الصيني المتنامي في القارة الإفريقية؟ يبدو أن الصين ومن خلال نفوذها المتعاظم في إفريقيا تريد الوصول إلى المواد الأولية والمنتوجات الفلاحية الإفريقية بأثمان زهيدة، لكنها في المقابل منحت الدول الإفريقية إعانات معتبرة في مجال تشييد البنى التحتية والاتصالات وانتشار السلع الصينية الرخيصة، وشيئا فشيئا أصبحت الصين بديلا استثماريا أقصى إلى حد كبير الدور الاستثماري الغربي من إفريقيا، خصوصا وأن الصين لا تريد الاصطدام بالأنظمة الإفريقية ولا تضع –وهي تستثمر في إفريقيا- اشتراطات تتعلق بحقوق الإنسان أو الانفتاح الديمقراطي كما هي حال الدول الغربية.

ومن البديهي أن الطريقة الصينية في التعامل مع إفريقيا مريحة بالنسبة للدول الإفريقية إذ خلصتها من الاشتراطات الغربية للحصول على الاستثمارات. غير أن الاستثمار الصيني في إفريقيا صاحبه استعمال واسع لليد العاملة الصينية وليس الإفريقية التي تعاني من البطالة أصلا، كما صاحبه كذلك تزايد في الهجرة الصينية إلى إفريقيا فضلا عن عدم جودة السلع الصينية التي غزت الأسواق الإفريقية. ويبقى التساؤل واردا: هل النفوذ الصيني في إفريقيا استعمارا جديدا بمفهوم جديد؟

مقدمة

عرفت العلاقات الصينية-الإفريقية خلال السنوات العشرين الماضية، تطورات منقطعة النظير في تاريخها الحديث والمعاصر. وعلى الرغم من أن الوجود الصيني بإفريقيا ليس جديدًا ولا وليد العقدين الأخيرين، فإنّ حجم وطبيعة هذه العلاقات قد تغيَّرا -وإلى حد بعيد- منذ بداية تسعينات القرن الماضي. ولعل الشاهد الأساس على ذلك إنما يتمثل في سنّ السلطات الصينية من تاريخه لـ"سياسة إفريقية جديدة"، لم يكن الغرض منها فقط الاستجابة لحاجياتها الاقتصادية المباشرة والمتزايدة، بل أيضًا لمواكبة الصعود الصيني المتسارع على الساحة الدولية، وزنًا اقتصاديًّا ونفوذًا جيوستراتيجيًّا.

ولذلك، فإن انفجار التيارات التجارية بين الصين وإفريقيا، وتعاظم حجم الاستثمارات في البنى التحتية الأساسية، وتمتين العلاقات الدبلوماسية والسياسية والثقافية بينهما، ناهيك عن حجم المعونة التقنية والمالية، إنما هي عناصر تؤشِّر مجتمعة على طبيعة التوجُّه الصيني الجديد بإزاء بلدان القارة الإفريقية، على اختلاف نماذجها الاقتصادية ونظم الحكم القائمة بها.

إن "قبول" القارة الإفريقية بهذا الوجود الكثيف للصين، لا يجب البحث عنهما فقط في دينامية الدور الصيني، حكامًا وفاعلين اقتصاديين، بل أيضًا في كون هذا الدور قد جاء لتعويض الدبلوماسية المتلكئة والمعونات المشروطة، التي لطالما ميّزت سلوك الدول الغربية (الأوروبية على وجه التحديد)، وحالت لعقود طويلة من الزمن، دون تمكين إفريقيا من بدائل تفسح لها في المجال للنهوض والنمو(1).

بيد أن هذا الوجود متعدد الأوجه والمستويات، وإن بات واقعًا قائمًا ومعيشًا من بين ظهراني الأفارقة، استثمارًا جاريًا وعلاقات "إنسانية" مقبولة، فإنه مع ذلك لا يعفي الدارس من الوقوف عند العديد من الأسئلة عن مدى نجاعة الوجود إياه وحدوده، ثم عن تبعاته الاقتصادية والأمنية والإنسانية، ثم عن نتائجه القريبة وآفاقه بعيدة المدى.

1- الأهداف الكبرى للوجود الصيني بإفريقيا

عندما نستقرئ تطور العلاقات بين الصين وإفريقيا منذ فترة حكم الرئيس ماو تسي تونغ وإلى يومنا الحاضر، تبدو لنا الاختلافات والتمايزات جليّة للغاية، سواء بمقياس طبيعة هذه العلاقات أو بمؤشرات حجمها ومستواها. ومع ذلك، فإن العين لا يمكن أن تزيغ كثيرًا عن ملاحظة أن ثمة بين الفترتين عناصر استمرارية ثابتة، لعل أقواها على الإطلاق ذلك البُعد التضامني جنوب/جنوب، الرافع للواء "مناهضة الإمبريالية والاستعمار والهيمنة"، والذي لا يزال مروَّجًا على الرغم من تبدُّل السياقات واختلاف الظروف والملابسات(2).

ما سوى هذا البُعد الناظم لخطاب صانع القرار في الصين (وعند بعض القادة الأفارقة أيضًا)، فإن باقي الأبعاد قد عرفت تحولات جوهرية منذ بداية تسعينات القرن الماضي، بمقياس توجهات الفاعلين السياسيين وسلوك رجال الأعمال على الأرض.

ولعل قراءة سريعة لأهداف الصين بإفريقيا، منذ العام 1990 وإلى اليوم، تبيِّن بقوة عمق هذا التحول والتوجهات الجذرية الكبرى التي طالته:

  • فالأهداف "الجديدة" للصين بإفريقيا باتت أهدافًا اقتصادية خالصة، غايتها الوصول إلى المواد الأولية والمنتوجات الفلاحية التي تشكو الصين من خصاص كبير فيها. ولذلك، فهي تعمد هنا إمّا إلى اقتناء المقاولات المستخرجة لهذه الموارد، أو تستخلص رُخصًا لاستغلال الأراضي والغابات، مع العمل على ضمان تغطية تكاليف هذه الموارد، ببيع إفريقيا كميات ضخمة من السلع المصنعة أو السلع الاستهلاكية بأثمان زهيدة للغاية.

    بامتداد لذلك، استغلت الصين حاجة إفريقيا الصارخة إلى البنى التحتية الأساسية، ففتحت لمقاولاتها وشركاتها سُبُلًا جديدة في التدويل، من خلال الاستثمار في بناء الطرق وتشييد الموانئ والسدود وشبكات السكك الحديدية والاتصالات والمطارات وما سوى ذلك.

  • وباتت أهدافًا استراتيجية وجيوسياسية في جزء كبير منها، إذ تتطلع الصين ليس فقط لإثبات أنها القوة الاقتصادية الثانية في العالم، بل تطمح أيضًا إلى أن تكون البديل القادم لشركاء إفريقيا التقليديين، أوروبيين وأميركيين، لا بل وحتى شركائها الآخرين في آسيا أو في أميركا اللاتينية أو ما سواهم.

    ولذلك، فقد كانت الصين سبّاقة، ومنذ العام 2000، إلى إقامة منتدى التعاون الصيني/الإفريقي(3)، ليس فقط بغاية الاحتفاء والاحتفال الرمزي بـ"الأخوة الصينية/الإفريقية"، بل لإطلاق مشاريع ضخمة بهذا البلد الإفريقي أو ذاك، تعبيرًا من لدنها عن اقتران نهجها بالفعل على الأرض.

  • ثم باتت أهدافًا ثقافية أيضًا (وإنسانية كما يقول البعض)، إذ بالتزامن مع توسيع تمثيلياتها الدبلوماسية والقنصلية بمعظم دول القارة الإفريقية، فقد عمدت الصين إلى فتح العديد من المعاهد الثقافية لتعليم اللغة الصينية، وإلى تقوية حضورها الإعلامي، إمّا عبر إيفاد صحفييها إلى عين المكان، أو فتح محطات إذاعية وتلفزيونية تغطي نشاطها بإفريقيا.

صحيح أن الصين تعمد لبلوغ هذه الأهداف، إلى إيلاء الأولوية للبلدان الإفريقية ذات النفوذ الجهوي المتميز، أو الغنية بالموارد الأولية والطبيعية، كجمهورية جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا ومصر بالصنف الأول، ثم السودان (جمهورية جنوب السودان تحديدًا، حيث 80% من مخزون السودان النفطي) والكونغو والنيجر والجزائر بالصنف الثاني. وصحيح أن الصين تذهب بإفريقيا حيثما تجد موطئ قدم لمصالحها، سواء كَبُر ذات الموطئ أو صَغُر. إلا أن الذي لا يقلّ صحة عن كل ذلك، إنما السلوك البراغماتي للصين وعدم اكتراثها بطبيعة الأنظمة السياسية القائمة، أو بمنسوب الحريات الفردية والجماعية التي يسمح بها هذا الحاكم أو ذاك(4).

إن للصين -بهذه الجزئية- قدرة تكيف كبيرة، تُفسِح لها في المجال واسعًا لخدمة مصالحها، لكن دون أن تصطدم مع هذا النظام أو ذاك، أو يستشفّ من سلوكها أنها تتدخل في أموره الداخلية. إنها تفاصيل تعمد "الصين الجديدة" إلى تجنبها، والعمل من خارجها بمرونة قلّ نظيرها في العلاقات الاقتصادية الدولية.

2- عن حجم المبادلات التجارية بين الصين وإفريقيا

إذا كان للحضور الصيني بإفريقيا أهداف متعددة وأوجه مختلفة، فإنّ الوجه الطاغي لهذا الحضور هو الوجه الاقتصادي، أو لنقُلْ تحديدًا الوجه التجاري. فقد عرفت التبادلات التجارية بين الطرفين طفرة كبيرة، إذ انتقلت من 12 مليار دولار أميركي في العام 2000 إلى أكثر من 200 مليار في نهاية العام 2012، لتتبوأ الصين بذلك المرتبة الثالثة ضمن الشركاء التجاريين لإفريقيا، بعد الاتحاد الأوروبي (439 مليار دولار)، وأمام الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2012.

فإذا كانت الولايات المتحدة بالعام 2008، أول مزود عالمي لإفريقيا (118 مليار دولار) أمام الصين (56 مليار دولار)، فإن الصادرات الصينية لإفريقيا في العام 2011 قد وصلت إلى 73 مليار دولار، في حين ارتفعت الواردات منها إلى 93 مليار دولار، أي بما مجموعه 166 مليار دولار، مقابل 115 مليار دولار فقط للولايات المتحدة الأميركية(5).

وعلى الرغم من أن الإحصائيات -وهي شحيحة للغاية- لا تأخذ بعين الاعتبار هونغ كونغ في المبادلات التجارية بين الصين وإفريقيا تصديرًا أو استيرادًا، فإن الميزان التجاري يرجِّح كفة الصين عمومًا، حيث تجاوزت السلع الصينية المصدّرة لإفريقيا أكثر من 100 مليار دولار بنهاية العام 2012(6).

بيد أن ذات الميزان يعرف عجزًا حقيقيًّا، لاسيما مع الدول التي تستورد منها الصين معظم حاجياتها من المواد الأولية والموارد الطبيعية، كجمهورية جنوب إفريقيا وأنغولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وليبيا والسودان. في حين أن بعض الدول الإفريقية الغنية بهذه الموارد والمواد، والتي لا تصدّر للصين إلا جزءًا منها (بحكم الحاجيات المتزايدة لهذه الدول من هذه المواد) تعرف عجزًا تجاريًّا شبه بنيويّ مع الصين (كالجزائر ونيجيريا مثلًا). ويُظهِر الجدول التالي نموذجًا من حجم المبادلات التجارية بين الصين و12 دولة إفريقية شريكة لها:

الجدول 1: مبادلات الصين مع 12 من شركائها الأفارقة (بملايين الدولارات)(7)

الدولة/الترتيب

الصادرات الصينية

الواردات الصينية

المجموع

جمهورية جنوب إفريقيا (1)

13 362 (18,3 %)

32 108 (34,4 %)

45 470 (27,3 %) 

الجزائر (6)

4 472 (6,1 %)

1 960 (2,1 %)

6 432 (3,9 %)

أنغولا (3)

2 784 (3,8 %)

24 922 (2,7 %)

27 206 (16,4 %)

الكونغو (7)

490 (0,7 %)

4 672 (5 %)

5 162 (3,1 %)

مصر (5)

7 283 (10 %)

1 518 (1,6 %)

8 801 (5,3 %)

غانا (11)

3 110 (4,3 %)

363 (0,4 %)

3 473 (2,1 %)

ليبيريا (8)

4 967 (6,8 %)

41  (0,04 %)

5 008 (3 %)

المغرب (10)

3 402 (4,7 %)

477 (0,5 %)

3 519 (2,1 %)

نيجيريا (4)

9 204 (12,6 %)

1 584 (1,7 %)

10 788 (6,5 %)

ج. الكونغو الديمقراطية (9)

827 (1,1 %)

3 160 (3,4 %)

3 987 (2,4 %)

السودان (3)

1 995 (2,7 %)

9 541 (10,2 %)

11 536 (6,9 %)

زامبيا (12)

617 (0,8 %)

2 772 (3 %)

3 389 (2 %)

المجموع

73 083 (100 %)

93 240 (100 %)

166 323 (100 %)

يبدو من الجدول أعلاه، كما بمعظم الإحصائيات المتوفرة، أن الذي يهيمن على الواردات الصينية إنما الموارد الطبيعية (أكثر من 80% بنهاية العام 2011)، ثم المواد النفطية (ما بين 65 و70%)، ثم المعادن (ما بين 5 و15%)، ثم السلع الفلاحية والغذائية (من 5 إلى 10%)، في حين أن الواردات من السلع المصنّعة لا تتعدى 10 إلى 15%.

بالمقابل، وعلى عكس الاعتقاد الرائج، فإنّ بنية الصادرات تظهر هيمنة ليس للسلع الاستهلاكية (20% فقط من صادرات الصين)، بل لمواد التجهيز (36%) والسلع الوسيطة (35%)، والتي تذكّيها بقوة حاجيات البلدان الإفريقية إلى دعامات البنى التحتية.

3- عن الاستثمارات الصينية في البنى التحتية الإفريقية

الاستثمارات الصينية في البنى التحتية هي الخاصية الجلية لطبيعة الوجود الصيني بإفريقيا، إذ تنجز الشركات الصينية بها حوالي ثلث عقود مشاريعها الدولية الموجّهة للبنى التحتية الأساسية، وتمثل أكثر من 10% من مجموع الاستثمارات الإفريقية في هذه البنى.

وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن الشركات الصينية غالبًا ما تقدِّم العروض التنافسية الأقوى في الصفقات المتعلقة بمشاريع بناء الطرق وشبكات السكك الحديدية والموانئ والسدود والمطارات والاتصالات السلكية واللاسلكية، وغالبًا -أيضًا- ما تحصل بموازاة ذلك على القروض الموجهة لتمويلها، من لدن البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي أو البنك الإفريقي للتنمية أو ما سواهم.

بصلب ذلك، فإن الشركات الصينية غالبًا ما تلجأ لما يُسمَّى بـ"النموذج الأنغولي"، والذي مفاده أن الصين تقتني حاجياتها من المواد الأولية، مقابل تمويل مشاريع بنية تحتية يتكفل بها عمومًا بنك الدولة الصيني "إكسيم بانك"، وهو ما يجعل الدولة/الزبون "رهينة"، ليس للشركات الصينية فقط، بل أيضًا للعديد من جهات التمويل الأجنبية.

بيد أن المفارقة هنا أنه على الرغم من الوجود الصيني القوي في البنى التحتية الإفريقية، فإن الثابت بالإحصاءات المتوفرة، أن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة يبقى متواضعًا، حتى وإن كان يتزايد باطِّراد. والواقع أن هذه الاستثمارات كانت إلى حين بداية الألفية الثالثة، ضعيفة للغاية وتبدو متأرجحة لحد التردد في مستوياتها: حوالي 6 مليارات دولار في العام 2008، حوالي 2 مليار سنة 2010، وحوالي 3 مليارات بنهاية العام 2011. (8)

ومع أن المصالح الصينية المختصة تتكتم كثيرًا على الاستثمارات الصينية في إفريقيا، فإن بعض المؤسسات (وضمنها "إيريتاج فاونداشيون") تُقدّرها بإفريقيا جنوب الصحراء، بأكثر من 97 مليار دولار، مقابل 58 مليار دولار بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا... إلا أن عيب هذه التقديرات أنها تعمد إلى تجميع الاستثمارات، ولا تعطي فكرة دقيقة عن حجمها السنوي.

ويبين الجدول التالي الحجم الإجمالي للاستثمارات الصينية بإفريقيا، حسب وزارة التجارة الصينية وتقديرات مؤسسة "إيريتاج فاونداشيون":

الجدول 2: الحجم الإجمالي للاستثمارات الصينية بإفريقيا (بملايين الدولارات، يناير/كانون الثاني 2013)(9)

الدولة (الترتيب حسب المعطيات الصينية)

وزارة التجارة الصينية

إيريتاج فاونداشيون

جمهورية جنوب إفريقيا (1)

4060 (25%)

8600 (8,8%)

الجزائر (5)

1059 (6,5%)

10500  (10,7%)

أنغولا (13)

401  (2,5%)

6500 (6,6%)

بوتسوانا (17)

200 (1,2%)

-

الكاميرون (31)

62 (0,4%)

4600 (4,7%)

الكونغو (20)

142 (0,9%)

2000 (2%)

ج. الكونغو الديمقراطية (6)

709  (4,3%)

7800 (8%)

مصر (12)

403 (2,5%)

4000 (4,1%)

إثيوبيا (10)

427  (2,6%)

7800 (8%)

الغابون (21)

127 (0,8%)

-

غانا (15)

270 (1,7%)

4400 (4,5%)

غينيا (18)

168 (1%)

1900 (1,9%)

جزر موريس (7)

606 (3,7%)

-

كينيا (14)

309 (1,9%)

-

ليبيريا (23)

115 (0,7%)

110 (0,1%)

ليبيا (29)

68 (0,4%)

4300 (4,4%)

مالي (19)

160 (1%)

-

مدغشقر (16)

254 (1,6%)

290  (0,3%)

النيجر (9)

430 (2,6%)

5200 (5,3%)

نيجيريا (3)

1416 (8,7%)

15600  (16%)

أوغندا (22)

126 (0,8%)

1900 (1,9%)

سيراليون (34)

52 (0,3%)

4700 (4,8%)

تشاد (24)

108 (0,7%)

6800 (7%)

السودان (2)

1526 (9,4%)

2500 (2,6%)

جنوب السودان (-)

-

1400 (1,4%)

تنزانيا (11)

407 (2,5%)

-

زامبيا (4)

1200 (7,4%)

3900 (4%)

زيمبابوي (8)

576 (3,5%)

900 (0,9%)

مجموع إفريقيا جنوب الصحراء

 

97800 (100%)

مجموع إفريقيا

16244 (100%)

 

بامتداد لذلك، فإن الملاحظ على هذه الاستثمارات أنها جِدّ ممركزة حول عدد قليل من الدول الإفريقية، كما يبرز ذلك من الجدول التالي:

الجدول 3: حجم الاستثمارات الصينية المباشرة بإفريقيا (يناير/كانون الثاني 2013)(10)

الدولة

حجم الاستثمارات الصينية المباشرة

جمهورية جنوب إفريقيا

من 4,1 مليارات إلى 8,6 مليارات دولار

السودان

من 1,5 مليار إلى 2,5 مليار دولار

نيجيريا

من 1,4 مليار إلى 15,6 مليار دولار

زامبيا

من 1,2 مليار إلى 3,9 مليارات دولار

الجزائر

من 1,1 مليار إلى 10,6 مليارات دولار

ج. الكونغو الديمقراطية

حوالي 7,8 مليارات دولار

ثم إنها -أعني الاستثمارات- تبقى في غالبيتها العظمى موجّهة للصناعات النفطية (6 مليارات دولار في العام 2011) والصناعات الاستخراجية (13 مليار دولار)، ناهيك عن صناعة النسيج والأحذية وتجميع أجزاء السيارات وصناعة الاتصالات، حيث لشركة "هواوي" بهذه الأخيرة، حصص بالسوق الإفريقية نحّت جانبًا شركات أوروبية عملاقة من قبيل ألكاتيل الفرنسية وإريكسون السويدية وغيرها.

كل هذه المشاريع والاستثمارات أقدمت عليها الصين بالارتكاز على مسوغين اثنين لطالما راجا بخطب القادة ورجال الأعمال الصينيين:

  • المسوغ الأول: ويتمثل في تجاوز الصين لمبدأ "المساعدة" وتعويضه بمصطلح براغماتي، مصطلح "الربح للجميع"؛ لذلك عمدت الصين -بناء على هذا الطرح- إلى منح العديد من دول إفريقيا قروضًا بدون فائدة، أو بنسب فائدة تفضيلية، وهبات عينية مجانية من قبيل بناء المستشفيات والمدارس ومراكز التكوين التقني، وهكذا.

    ومع أن الإحصاءات الصينية تتكتم على هذه الجوانب، فإنّ معطيات "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" تفيد بأن الصين قد قدّمت معونات لإفريقيا (ما بين 1949 و2009) بما مقداره 38 مليار دولار، 16 منها هبات جزافية، و11 قروض بدون فائدة، و11 أخرى قروض تفضيلية.

  • أما المسوغ الثاني: فيكمن في الخاصية "الإنسانية" التي تطبع العلاقة بين الصين وإفريقيا، والتي تعبر عنها هجرات اليد العاملة المتبادلة بين الطرفين، وتزايد أعداد "المصاهرة" بينهما، ناهيك عن تعايش اليد العاملة والتجار الصينيين مع الثقافات المحلية، والتكيف التدريجي مع العادات والتقاليد. (11)

    ومع كل ذلك، فإن هذا الوجود المتزايد للصين بإفريقيا لا ينفي عنه بعض المؤاخذات من لدن الأفارقة أنفسهم، وبعض الانتقادات من لدن الدول الغربية.

4- هل الصين دولة "نيوكولونيالية"؟

ليس ثمة من شك أن تطور العلاقات بين الصين وإفريقيا قد أسهم في تنويع اختيارات الحكومات الإفريقية، وفي تقوية وضعها في المفاوضات مع شركائها التقليديين، لاسيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، كما مع المؤسسات المالية الدولية، خصوصًا البنك الدولي وصندوق النقد العالمي.

وليس ثمة من شك أيضًا أن "النموذج الصيني" في العلاقات مع إفريقيا قد أسهم -وإلى حد كبير- في تخليص هذه الأخيرة من ضغط الحكومات الغربية، ومن نمط المشروطية الذي كانت تفرضه عليها للحصول على الاستثمارات أو على خطوط الاقتراض.

بيد أن كل هذا لا يكفي للخلوص إلى القول بأن إفريقيا باتت حقًّا وحقيقة "الحديقة الخلفية" للصين، أو أن وجودها بإفريقيا ليس مثار انتقادات أو مكمن احتقانات.

والواقع أن المؤاخذات الموجّهة للصين بإفريقيا غالبًا ما تتمحور حول ثلاث قضايا كبرى: الاستعمال الواسع لليد العاملة الصينية، وصول "دياسبورا" جديدة للقارة، ثم تواضع جودة السلع ومرافق البنى التحتية التي تقوم عليها الصين.

- فاستجلاب اليد العاملة الصينية لإنجاز مشاريع البنى التحتية الإفريقية غالبًا ما يصطدم بنسب البطالة المرتفعة بالقارة، ويحول دون تكوين وتشغيل اليد العاملة المحلية، بما فيها اليد العاملة الكُفُؤة والمتخصصة.

- وتواضع جودة السلع (حتى وإن توافقت في أسعارها مع القدرة الشرائية لإفريقيا) يبقى حقيقة ثابتة، تمامًا كما هو الشأن بالنسبة للعديد من مشاريع البنية التحتية التي قد يطولها الاهتراء بفترات زمنية قصيرة.

- وتحكُّم الدياسبورا الصينية بعين المكان لا يقتصر فقط على المشاريع التقنية الصرفة، بل يتعداه إلى حؤولها دون نقل المعارف والخبرات للفاعلين الأفارقة، وتبرمها عن الإسهام أو التعاون في المشاريع التي يكون للشركات الغربية إسهام فيها.(12)

هل يشي كل هذا بأن سلوك الصين بإفريقيا بات سلوكًا "نيوكولونياليًّا" حقًّا؟

قد يكون الأمر كذلك، على اعتبار تلهُّف الصين على المواد الأولية والموارد الطبيعية، واستعدادها للدفاع عن مصادرها بقوة النار والحديد، لاسيما وقد أضحت عصب اقتصادها، والسر خلف منسوب نموها المرتفع.

وقد يكون الأمر كذلك أيضًا، لو قسنا ذات السلوك بطبيعة الوجود، والذي يتجاوز الاقتصادي والتجاري والسياسي، ليطال الثقافي واللغوي والإعلامي وما سواهم.

لكن ذات الحكم لا يمكن أن يقوم أو يستقيم لو قسنا ذلك بمقياس "نعومة" المشروطية التي غالبًا ما تطبع سلوك الفاعلين الصينيين بإفريقيا، وبطبيعة العلاقات الإنسانية التي تميز ذات السلوك، ناهيك عن "الخلفيات الإيديولوجية" التاريخية التي ألمحنا إليها ببداية الدراسة.

أضف إلى ذلك، أن الصين لا تراهن على تصدير "نموذجها السلطوي" الذي قد لا يتساوق مع ثقافة قارة خضعت لاستعمار لا تزال لغته ومؤسساته سائدة بالعديد من الدول، ولا يزال جزء كبير من نُخبتها يحنّ إلى لغة مستعمِره ونمط عيشه وهوامش الحرية السائدة لديه.(13)

وكيف ما يكون الحال، فلو سلمنا بأن السلوك الصيني هو حقًّا سلوك "كولونيالي جديد"، فلن يكون أكثر خشونة وعنفًا من ذاك السلوك الكولونيالي الذي عاشته إفريقيا أيام استعمارها من لدن الدول الغربية (الأوروبية على وجه الخصوص).
_______________________________
د. يحيى اليحياوي - باحث وأكاديمي مغربي

الإحالات
(1) Cf : Delcourt. L, «La Chine en Afrique : enjeux et perspectives», Alternatives Sud, Vol 18, Juillet 2011.
(2) Cf : Shambaugh. D, «China goes global. The partial power», Oxford University Press, 2013.
(3) Forum on China-Africa cooperation.
(4) Gabestan. J. P, «Les relations Chine-Afrique : nouvelles responsabilités et nouveaux défis d’une puissance mondiale en devenir», Héredote, n° 150, Mars 2013, P. 156.
(5) Cf : Lorgeoux. J et Alii, «La présence de la France dans une Afrique convoitée», Rapport, Paris, Octobre 2013, pp. 151-186.
(6) Lorgeoux. J et Alii, «La présence de la France.. », Rap. Précité.
(7) National Bureau Of Statistics, «China statistics Yearbook», 2012.
(8) معطيات تم تجميعها من مصادر مختلفة، من ضمنها مصادر وزارة التجارة الصينية.
(9) National Bureau Of Statistics, «China statistics Yearbook», 2012. Heritage Foundation, Janvier 2013.
(10) Gabestan. J. P, «Les relations Chine-Afrique… », Art. Précité.
(11) Cf : Gabas. J. J ET Alii, «Le temps de la Chine en Afrique», Ed. Karthala, Paris, 2012.
(12) Cf : Schiere. R et Alii, «La Chine et l’Afrique : un nouveau partenariat pour le développement», Banque Africaine de Développement, Tunis, 2011, 174 p.
(13) Cf : Girouard. E, «La Chine en Afrique : néocolonialisme ou nouvel axe de coopération Sud-Sud ?», Forum Afrique-Afrique, Avril 2008.

نبذة عن الكاتب