فشل المفاوضات سيستفيد منه تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يأمل أن لا يتم التوافق على حكومة وحدة وطنية |
ملخص وهنالك احتمالات مفتوحة؛ يتمثل أولها في التوصل إلى اتفاق يقضي ببناء المؤسسة الأمنية، وتشكيل حكومة توافق وطني تحت رقابة مجلس النواب والمؤتمر الوطني أو المجلس الأعلى للدولة؛ بينما يتمثل الثاني في توقيع مسودة الاتفاق بالأحرف الأولى في حال حضور المؤتمر الوطني العام أو عدم حضوره، وبدء مناقشة تفصيلات حكومة التوافق الوطني، وإصدار بيان من مجلس الأمن الدولي يعلن فيه تأييد الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية للاتفاق، أما الثالث فهو توقيع المؤتمر على مسودة الاتفاق بعد إدخال تعديلات متعلقة بصلاحيات المجلس الأعلى للدولة في سحب الثقة من حكومة التوافق؛ بحيث تكون ملزمة. |
مرَّ الحوار السياسي بين أطراف الأزمة الليبية بمرحلتين؛ الأولى قبل حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية في 6 من نوفمبر/تشرين الثاني؛ الذي فُسِّر على أنه حكم بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس النواب الليبي، وانتهت جلسة غدامس الأولى في 29 من سبتمبر/أيلول 2014 بالدعوة إلى وقف الاقتتال في غرب ليبيا وشرقها، وفتح المطارات المغلقة، وعلاج جرحى طرفي المعارك(1)؛ وذلك على أن تستأنف جلسات الحوار بعد 7 من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي؛ بينما نادت الجلسة الثانية بالعاصمة طرابلس في 11 من أكتوبر/تشرين الأول بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وممثلة الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، بالتئام مجلس النواب الليبي؛ ومن ثَمَّ محاولة الخروج بحكومة توافق وطني يتفق عليها جناحا مجلس النواب(2).
أمَّا المرحلة الثانية فكانت بعد صدور حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وهي اللحظة التي تغيَّر فيها مسار التفاوض؛ فطرفا الحوار من أعضاء البرلمان المقاطعين والمؤيدين أضحت شرعيتهم محل جدل، ولا معنى للتفاوض بينهما في الوقت الذي تحول فيه المؤتمر الوطني العام إلى طرف واقعي في الحوار السياسي؛ وهي اللحظة التي عملت لاحقًا بمقترح من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على توسيع دائرة المشاركين في الحوار، فأُعلن عن حوار يضمُّ العسكريين وزعماء القبائل والأحزاب السياسية والحركة النسائية في ليبيا.
مسودة الحوار الرابعة والخامسة ومواقف الأطراف
تتلخَّص نقاط الخلاف بين طرفي الأزمة الليبية في اختصاصات مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، وإجراءات منح الثقة وسحبها من الحكومة، وبناء الجيش والأجهزة الأمنية. ولم تختلف المسودة الخامسة عن الرابعة فيما يتعلق بآليات تشكيل الحكومة؛ إلا أن نقطة الافتراق بدت في آلية سحب الثقة من الحكومة؛ حيث كان رأي المجلس الأعلى للدولة ملزمًا في الرابعة، وأصبح استشاريًّا في الخامسة، بإضافة موافقة 150 عضوًا من مجلس النواب على حجب الثقة.
وفيما يتعلق بالجيش والمؤسسات الأمنية نصت النسخة الرابعة من المسودة على إعادة بنائه، في حين أوكلت الخامسة مهمة تفعيل الجيش إلى حكومة التوافق، وهو ما فهمه المؤتمر الوطني على أنه شرعنة لما هو موجود على الأرض؛ خاصة عملية الكرامة التي يقودها خليفة حفتر.
ليس من السهل القول: إن كل طرف من أطراف الأزمة السياسية والعسكرية يمتلك مواقف واستراتيجيات واضحة وثابتة في الإطار السياسي للعملية التفاوضية؛ فالمؤتمر الوطني العام والكتائب الدائرة في فلكه والأحزاب السياسية المصطفة معه ليست لديها جميعًا مواقف موحَّدة، وهو ما ينطبق على مجلس النواب والدائرين في فلكه من عملية الكرامة أو شخصيات مجتمعية وقبلية ومدن.
المؤتمر الوطني العام
من المفيد قراءة مواقف المؤتمر الوطني العام من المسار التفاوضي بعد إشراكه كطرف فاعل على الأرض بعد صدور حكم المحكمة العليا؛ إذ أعلن المؤتمر عن موقفه وشروطه للدخول في عملية التفاوض في بيانه الصادر في 18 من يناير/كانون الثاني من العام الجاري؛ فاشترط المؤتمر لدخول الحوار الالتزام بأهداف ثورة السابع عشر من فبراير/شباط؛ وهو في هذا الشرط يلوِّح بأن مجلس النواب غير ملتزم بها؛ خاصة بعد تأييد المجلس لعملية الكرامة التي يراها المؤتمر محاولة انقلابية على المسار الديمقراطي.
وقد طالب المؤتمر في بيانه بأن يكون حكم الدائرة الدستورية للمحكمة العليا مبدأ غير قابل للمساومة السياسية، وانتهى إلى طلب أن يكون الحوار على الأراضي الليبية؛ مقترحًا أن تكون مدينة غات بالجنوب الليبي مقرًّا لانطلاق جولاته، مستبعدًا مدينة غدامس؛ التي جرت فيها المفاوضات الأولى؛ حتى لا يربط بينه وبين أية اشتراطات أو اتفاقات أو التزامات أعلنها طرفا مجلس النواب المؤيد والمقاطع لجلساته(3).
وظلَّت بيانات المؤتمر تسير على هذا المنوال من التمسك بالشروط سالفة الذكر؛ سواء في جلسات حوار جنيف أو الصخيرات المغربية إلى أن قدَّم مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المسودة الثالثة للاتفاق السياسي في 28 من إبريل/نيسان الماضي؛ التي اعترفت بمجلس النواب ممثلاً شرعيًّا للشعب الليبي، وثبتت مركزه القانوني في المرحلة الانتقالية الثالثة، وهو ما اعتبره المؤتمر إنقاذًا للبرلمان؛ الذي ستنتهي ولايته في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري؛ وذلك في الوقت الذي منحت فيه المسودة المؤتمر دورًا استشاريًّا بعد تحوُّل مسمَّاه إلى المجلس الأعلى للدولة؛ إذ عاب المؤتمر على مقترح البعثة الأممية عدم التوازن في قراءة الواقع بشكل دقيق، فسيطرة الكتائب المسلحة الموالية للمؤتمر تمتد على ثلثي مساحة ليبيا تقريبًا، فأعلن المؤتمر الوطني في بيان له في نهاية إبريل/نيسان الماضي موقفه الرافض للمسودة جملة وتفصيلاً(4).
لا يخفى على المتابع للشأن الليبي العام عدم الانسجام بين رئاسة المؤتمر الوطني العام وبعض أعضائه؛ الذين يمكن تسميتهم بالصقور، وبين الفريق الممثل للمؤتمر في حوار الصخيرات، وعلى الرغم من عدم وجود تصريحات أو بيانات رسمية تدعم هذه الفرضية، فإن رئيس المؤتمر (نوري أبو سهمين) وبعض الأعضاء يدعمون بعض قادة الكتائب المسلحة الرافضين للمسار التفاوضي الجاري على المستوى العام، والرافضين -أيضًا- لبعض إجراءات المصالحات الداخلية؛ التي قام بها بعض كتائب مدينة مصراتة شرق العاصمة طرابلس 200كم؛ مثل كتيبة الحلبوص مع بعض قادة جيش القبائل من مناطق ورشفانة المتحالف مع مدينة الزنتان، والمؤيدان لعملية الكرامة بقيادة حفتر، وكذلك ما قامت به القوة الثالثة التي تعتمد بشكل رئيس على قوات من مصراتة من عقد مصالحات في جنوب ليبيا مع بعض الكتائب المؤيدة هي الأخرى لعملية الكرامة.
وسبب عدم تأييد المؤتمر الوطني العام لهذه الإجراءات التصالحية التفاوضية هو عدم رجوع هذه الكتائب -على الرغم من تبعية بعضها الظاهرة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني- إلى رئاسة المؤتمر، والتنسيق معها بشأن هذه الإجراءات، ويعود ارتباك فريق حوار المؤتمر إلى الضغط الذي يمارسه بعض أعضاء المؤتمر عليه مدعومًا بقادة عسكريين رافضين بشكل عام للمسار التفاوضي؛ كالقائد الميداني بعملية فجر ليبيا صلاح بادي، وبعض النشطاء السياسيين من عملية فجر ليبيا. وكذلك إلى الاستجابة السريعة لبعثة الأمم المتحدة لتعديلات مجلس النواب، وإهمال ملاحظات المؤتمر الوطني، أو الأخذ بالحد الأدنى منها. في الوقت الذي يعتقد فيه فريق حوار المؤتمر أنه تنازل عن حكم المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية مجلس النواب، وهو لم يتلقَ تنازلات معقولة من الطرف الآخر.
بعد رفض المؤتمرِ الوطني المسودةَ الثالثة صراحة قدَّم المبعوث الأممي ليون مسودة رابعة وازنت بين سلطات المؤتمر بعد تحوُّله إلى مجلس أعلى للدولة وصلاحيات مجلس النواب الليبي؛ إذ أصبح رأيه ملزمًا في حجب الثقة عن حكومة التوافق، وكذلك في تولي المناصب القيادية العليا، وهو ما تمَّ تعديله في جلسة الصخيرات في 29 من يونيو/حزيران الماضي، بتخفيض صلاحياته بسحب دوره الإلزامي في سحب الثقة من الحكومة، ومنح هذه الصلاحية لمجلس النواب.
غالبية المؤتمر الوطني من حزب العدالة والبناء وكتلة الـ "17" المؤلفة من أعضاء مستقلين داخل المؤتمر معارضين بشكل أساسي لتوجهات رئيس المؤتمر (نوري أبو سهمين)، هذه الغالبية تؤيد عملية الحوار، وأبدت استعدادها لقبول الحد الأدنى من مسودة البعثة الأممية الرابعة والتعديلات المدخلة عليها(5).
موقف دار الإفتاء الليبية
أحدث موقفٌ لدار الإفتاء الليبية -التي يترأسها الشيخ الصادق الغرياني- كان في 30 من يونيو/حزيران الماضي، معضلة كبيرة، وذلك عندما رأت عدم جواز التوقيع على أي اتفاق يُبطل أحكام القضاء الليبي؛ معلِّلة ذلك بأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ولا يجوز نقضه -بإجماع الأمة- ما لم يخالف النص أو الإجماع حسب نص الفتوى. وهو ما يعني أن أي اتفاق في الصخيرات المغربية لا يضع في حسبانه حكم الدائرة الدستورية فهو باطل شرعًا؛ أي إن مستوى التصعيد في الأزمة تداخلت فيه الفتوى الدينية بالعمل السياسي، ويعني -أيضًا- ضربة موجعة لجهود فريق حوار المؤتمر الوطني العام؛ الذي دخل مفاوضات الصخيرات بعقلية سياسية متنازلة عن حكم المحكمة العليا في سبيل تحقيق حدٍّ أدنى من الاستقرار ووقف العمليات العسكرية(6).
موقف عملية فجر ليبيا
على الرغم من أن عملية فجر ليبيا التي انطلقت في يوليو/تموز من العام الماضي لم تكن حركة سياسية؛ بل كانت ردًّا عسكريًّا -حسب أدبياتها المنشورة- على المحاولة الانقلابية التي دشنها قائد جيش مجلس النواب الليبي خليفة حفتر بمدينة بنغازي شرق ليبيا في 16 من مايو/أيار 2014، المسماة بالكرامة؛ التي امتدت إلى غرب ليبيا على يد كتائب القعقاع والصواعق والمدني المؤيدة لعملية كرامة حفتر؛ فإن العملية العسكرية بدأت تدخل خط العمل السياسي منقسمة على نفسها بين مؤيد للحوار ومعرقل له حسب تعريف مشروع قرار مجلس الأمن الدولي؛ الذي تحفَّظت عليه روسيا والصين، اللتان اعترضتا على إدراج عضو مجلس النواب المقاطع من مصراتة عبد الرحمن السويحلي والقائد الميداني من الزنتان عثمان المليقطة على القائمة الخاصة بالعقوبات الدولية لمعرقلي الحوار(7).
فكتيبة الحلبوص أكبر كتائب مصراتة تسليحًا وقوة بشرية يتهمها خصومها بمحاولة تحييد المؤتمر من المشهد والانقلاب على الشرعية؛ وذلك بالتصالح مع كتائب الزنتان وإدخالها كقوة أمنية مشتركة لحماية العاصمة طرابلس بحجة التوافق؛ وهو ما ترفضه كبرى كتائب سوق الجمعة وتاجوراء وكتائب أخرى ترى في محاولة التصالح مع الزنتان انقلابًا على المسار الثوري؛ الذي تحرَّكت بسببه ومن أجله عملية فجر ليبيا.
وقد جعلت هذه الوضعية الأمنية المعقدة داخل العاصمة وخارطة التحالفات التي تمتاز بالعسكرة وتراجع دور السياسة، جناح الصقور داخل المؤتمر الوطني العام يحاول التملص من أية اتفاقات تتعلق بمستقبل المرحلة الانتقالية في حوار الصخيرات، متحالفًا مع كتائب منحها المؤتمر شرعية وجود، فأصدر قرارًا بتشكيل "لواء المنطقة الغربية" المكون من مقاتلين من مدن ومناطق غرب ليبيا؛ وذلك على أن يُصرف لهم رقم عسكري، كما أن باب القبول للانضمام إلى هذا اللواء ما زال مفتوحًا، وبلغ عدد من تم قبولهم حتى الآن قرابة 1400 عنصر، وسُمح لهم بالازدواجية في العمل، وسيكون مقر اللواء إداريًّا مدينة الزاوية غرب طرابلس بشكل مؤقت؛ أما مقره العسكري فسيكون في مدينة صرمان غرب طرابلس، وتتمثل مهمة هذا اللواء الجديد في ضرب أي تحرك عسكري قد تقوم به كتيبة الحلبوص بالتحالف مع أية قوة عسكرية من الزنتان، وحسب هذه المعطيات فليس مستبعدًا أن تكون طرابلس ساحة حرب جديدة بين رفقاء يوليو/تموز الماضي؛ أي فجر ليبيا.
موقف مجلس النواب الليبي
مجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق منقسم بدوره حيال جدوى استثمار فرصة التفاوض للخروج بحل سلمي، أو الركون إلى معادلة خليفة حفتر القاضية باستمرار الحرب إلى نهايتها حتى تحقيق الانتصار؛ فالأعضاء: عيسى سليمان العريبي، وطارق صقر الجروشي، ويونس فنوش، وطارق الجهاني، وفرج بوهاشم، وزياد دغيم، وسياسيون وإعلاميون مساندون لهم كمستشارَيْ فريق الحوار السابقَيْن بمجلس النواب: يوسف القماطي، ومحمود المصراتي، يدفعون في اتجاه أن لا يتنازل مجلس النواب عن شروطه؛ التي من أهمها اعتبار البرلمان الجهة الشرعية الوحيدة، وهو ما عنى عدم الاعتراف بحكم المحكمة العليا، وإسناد سحب الثقة من الحكومة إلى البرلمان، وأن تكون تبعية القائد الأعلى للقوات المسلحة ضمن صلاحيات مجلس النواب، ورفض مسألة إعادة تشكيل الجيش والشرطة، والمطالبة بدعم ما هو موجود منهما من أجسام واقعية على الأرض، إضافة إلى اختصاص تعيين المناصب العليا في الدولة الليبية(8)؛ بل من الأعضاء من ذهب إلى حدِّ الدعوة إلى مقاطعة الحوار، والتركيز على معارضة الفراغ الدستوري بعد انتهاء ولاية مجلس النواب المنعقد في طبرق(9)؛ بينما يعتبر عضو مجلس النواب المشارك في حوار الصخيرات أبو بكر بعيرة، ورئيس الوفد العضو امحمد شعيب من ذوي الاتجاه الوسط غير الرافض لمبدأ التفاوض والتنازل لإنجاحه.
وهذا الاختلاف داخل مجلس النواب الليبي يعود إلى تباين توجهات الأعضاء؛ فعضو المجلس بالحوار أبو بكر بعيرة من ذوي التوجهات الفيدرالية؛ التي اختلفت مع توجهات أعضاء آخرين مؤيدين لعملية كرامة خليفة؛ وذلك بعد أن تبين نزوع الأخير نحو الاستحواذ على السلطة، من خلال تكليفه قائدًا عامًّا للجيش الليبي في مارس/آذار الماضي؛ وهذا في الوقت الذي يوجد فيه منصبان، القائد الأعلى للقوات المسلحة المناط برئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الأركان العامة المناط باللواء عبد الرازق الناظوري؛ فرفض أبو بكر بعيرة تأجيج الشارع من قبل أنصار عملية الكرامة ضد عملية الحوار الجارية، معتقدًا أن الحوار ضرورة لمحاربة الجماعات الإرهابية وإنهاء معاناة الناس(10)؛ وعلى الرغم من الفرصة المتاحة لمجلس النواب من خلال الحوار للاستمرار ضمن المشهد السياسي في المرحلة الانتقالية الثالثة، فإن ارتهان بعض أعضائه لعملية الكرامة العسكرية محليًّا، ولتوجهات إقليمية جعله يطالب باختصاصات لنفسه؛ وذلك في مقابل نزعها عن المؤتمر الوطني، وهو ما يعني تجميد الحوار ومراوحته أو فشله.
عملية الكرامة
استطاعت عملية الكرامة بقيادة حفتر منذ انطلاقها أن تحصل على دعم وتأييد شعبي في شرق ليبيا، ليس فقط بدعوى محاربة الإرهاب؛ بل نالت الاعتراف الرسمي من قِبَل مجلس النواب الليبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014(11)؛ مستفيدة من قرارات البرلمان التي وضعت كل معارضي عملية الكرامة في سلة الإرهاب(12)، ووفقًا لحفتر فإنه يرفض أي صيغة اتفاق لا يكون هو جزءًا رئيسًا منه، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أنه من المستحيل التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا؛ لذلك ينبغي دعم جيشه عسكريًّا ضد ما يعتبرها الميلشيات الإسلامية من فجر ليبيا؛ لكنه على الرغم من ذلك لا يحظى بكامل ثقة المجتمع الدولي(13).
نَهْجُ حفتر قد يصطدم بالرؤية الغربية -التي دعمته على الأقل إلى الآن- بالرغبة في إنهاء الأزمة الليبية عن طريق تسلُّم حكومة قوية إدارة البلد، تكافح خطر تنظيم الدولة الإسلامية؛ الذي بات لا يهدد الداخل الليبي فقط؛ بل من المحتمل أن يتوسع في نطاق عملياته ليشمل عدة دول مجاورة لليبيا إفريقية وعربية، وقد أعرب المبعوث الأميركي لليبيا ديفيد ساترفيلد عن هذا التوجه أو المصير الذي يخشاه حفتر في أحاديث جانبية على هامش لقاء الفرقاء الليبيين في برلين في 10 من يونيو/حزيران الماضي؛ إذ فتح الباب أمام حفتر للخروج الآمن من المعادلة السياسية الليبية(14)، ووفق هذا التحليل ليس أمام عملية الكرامة وقائدها حفتر إلا الاستمرار في تصعيد المعارك العسكرية، وفتح جبهات جديدة في غرب وشرق وجنوب ليبيا، إلى حين عقد تسوية مرضية يكون لحفتر فيها موقع الصدارة.
عوامل نجاح وفشل الحوار الليبي
ليس من السهل رصد عوامل نجاح وفشل الحوار الليبي برعاية أممية في ظل بيئة متحركة عسكريًّا أكثر منها سياسيًّا، وشبه انفصال الأذرع المسلحة عن التيارات السياسية؛ فالانفصال والهوة بين المكونات السياسية وما يتبعها من مسلحين تزداد يومًا بعد يوم، وليس أدل على ذلك من بيان المؤتمر الوطني العام الذي حذر فيه أي مكون تابع لحكومة الإنقاذ الوطني أو رئاسة الأركان من دخول الحوار دون الحصول على إذن سابق من رئاسة المؤتمر(15). وبيانه في 21 من مايو/أيار الماضي الذي أعلن فيه استياءه من انفراد بعض المجالس البلدية والكتائب المسلحة في عقد مصالحات أو زيارة دول أجنبية وعربية دون التنسيق معه(16)، وكان آخرها الشكوى التي تقدم بها رئيس المؤتمر (نوري أبو سهمين) احتجاجًا على زيارة المبعوث الأممي ليون لمدينة مصراتة وعقد اجتماعات مع مجلسها البلدي وقادة بعض الكتائب المسلحة من المنطقة الغربية(17).
إن العائق الأهم في مسيرة الحوار الليبي ليس في التوصل إلى اتفاق مُرْضٍ لكلا طرفي النزاع؛ بل في إمكانية تطبيقه في ظل ما يمكن تسميته بتدخل قادة الميلشيات المسلحة على خط القبول أو الرفض للاتفاقات السياسية، دون الرضوخ للممثلين السياسيين، وتنطبق هذه الظاهرة على مجلس النواب الليبي وعملية الكرامة، كما ينطبق على المؤتمر الوطني وعملية فجر ليبيا العسكرية.
فداخل كل تيار من طرفي النزاع متشددون سياسيًّا وعسكريًّا يرغبون في الوصول بالمعركة على الأرض إلى نهايتها في معادلة تصفير الخصم والقضاء عليه، وإذلال قواعده المجتمعية، وتصنيفهم عدوًّا يجب قتاله، على الرغم من أن التجربة من منتصف مايو/أيار 2014 أبانت أنه لا يمكن حل الأزمة السياسية من خلال الحرب الأهلية.
ويدخل على خط عوامل الفشل والنجاح قدرة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على تقديم حلول ناجعة تشرك الجميع في السلطة، وليس فقط توزيعها وفق اتفاق طائف ليبي جديد؛ فالملاحظ أن بعثة الأمم المتحدة والدول الكبرى من ورائها تحاول ترقية مجلس النواب الليبي وتصعيده من جهة الاختصاصات الممنوحة له؛ وذلك في الوقت الذي كادت مدة مجلس النواب القانونية تنتهي فيه.
إن عدم رغبة البعثة والدول الكبرى في النظر إلى واقع يسيطر فيه المؤيدون للمؤتمر الوطني على ثلثي مساحة ليبيا، يؤجج الصراع في صورة مظلومية، وهي مظلومية تملك من عوامل التسلح والقوة ما يجعل احتواءها وفق توافقات سياسية مرضية من ناحية الإشراك في السلطة، والتوجيه نحو محاربة خطر تنظيم الدولة الإسلامية، أفضل في اتجاه التسوية وعملية السلم الأهلي.
السيناريوهات الممكنة
السيناريو الأول: يتمثل في التوصل إلى اتفاق يقضي ببناء المؤسسة العسكرية والشرطية، وتشكيل حكومة توافق وطني ذات صلاحيات تنفيذية، وتحت رقابة مجلس النواب والمؤتمر الوطني أو المجلس الأعلى للدولة، وتعيين كبار مسؤولين الدولة بموجب اتفاق بين الجسمين التشريعيين، وتوجيه الجهود لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
السيناريو الثاني: توقيع مسودة الاتفاق بالأحرف الأولى في حال حضور المؤتمر الوطني العام أو عدم حضوره، وبدء مناقشة تفصيلات حكومة التوافق الوطني، وإصدار بيان من مجلس الأمن الدولي يعلن فيه تأييد الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية للاتفاق؛ خاصة أن سفراء الدول الأوروبية عدا ألمانيا توعدوا المؤتمر الوطني في رسائل لرئيسه (نوري أبو سهمين) بفرض عقوبات دولية على معرقلي الحوار.
السيناريو الثالث: توقيع المؤتمر على مسودة الاتفاق بعد إدخال تعديلات متعلقة بصلاحيات المجلس الأعلى للدولة في سحب الثقة من حكومة التوافق؛ بحيث تكون ملزمة، وإشراك المجلس الأعلى في إدخال مسودة الاتفاق كتعديل تاسع على الإعلان الدستوري كمرحلة انتقالية ثالثة لمدة سنة قابلة للتمديد.
خاتمة
المشهد السياسي الليبي بالغ التعقيد لتداخل عوامل مجتمعية وثقافية وإقليمية ودولية على خط المعالجات وزوايا النظر إلى طبيعة أزمته؛ حيث إن فشل المفاوضات ستستفيد منه الجماعات المتطرفة؛ خاصة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يأمل أن لا يتم التوافق على حكومة وحدة وطنية تتصدى لتوسعه وسط ليبيا؛ وذلك مع ظهور إرهاصات إمكانية تحجيم دوره كالذي حدث في مدينة درنة شرق ليبيا في يونيو/حزيران الماضي.
____________________________
هشام الشلوي: محلل سياسي وباحث ليبي.
المصادر
(1) جلسة حوار بين الليبيين في غدامس واتفاق على تدابير لبناء الثقة وعلى اجتماعات لاحقة، موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بتاريخ 29 من سبتمبر/أيلول 2014
http://unsmil.unmissions.org/Default.aspx?tabid=5120&ctl=Details&mid=8563&ItemID=1977332&language=ar-JO
(2) مقتطفات من تصريحات الممثل الخاص للأمين العام برناردينو ليون في افتتاح اجتماع البرلمانيين في طرابلس، بتاريخ 11 من أكتوبر/تشرين الأول 2014
http://unsmil.unmissions.org/Default.aspx?tabid=5120&ctl=Details&mid=8563&ItemID=1983816&language=ar-JO
(3) بيان منشور على موقع المؤتمر الوطني العام، بتاريخ 18 من يناير/كانون الثاني 2015
http://gnc.gov.ly/legislation_files/635571713296912097.pdf
(4) بيان المؤتمر الوطني العام الرافض للمسودة الربعة في 28 من إبريل/نيسان 2015
http://gnc.gov.ly/legislation_files/635658261473973536.pdf
(5) فتوى دار الإفتاء الليبية على صفحتها الرسمية بموقع الفيسبوك، بتاريخ 30 من يونيو/حزيران 2015
https://www.facebook.com/IFTALibya/posts/947044318678995
(6) محمد صوان: الدعوة لوفدي المؤتمر والنواب إلى تقديم أكبر قدر من التنازلات، بتاريخ 29 من يونيو/حزيران 2015
https://www.facebook.com/LYabparty/posts/1018401201505669
(7) روسيا والصين تعرقلان إدراج ليبيَين لقائمة الأمم المتحدة السوداء، بتاريخ 6 من يونيو/حزيران 2015
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/06/150606_un_blacklist_block
(8) عضو مجلس النواب الليبي طارق الجروشي، بتاريخ 24 من يونيو/حزيران 2015
https://www.facebook.com/tarek.eljaroushi/posts/826855164075604?pnref=story
(9) عضو مجلس النواب عيسى العريبي ومعالجة الفراغ السياسي، بتاريخ 27 من يونيو/حزيران 2015
https://www.facebook.com/issaaleraby/posts/1455960971389183?pnref=story
(10) أبو بكر بعيرة: هدفُ الحوار هو إنهاءُ معاناة الناس، ووقف تمدد الإرهاب، بتاريخ 28 من يونيو/حزيران 2015 إضغط هنا.
(11) بيان مجلس النواب الليبي يعلن فيه تبنيه لعملية الكرامة، بتاريخ 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 إضغط هنا.
(12) بيان مجلس النواب الليبي يعلن فيه عملية فجر ليبيا إرهابية، بتاريخ 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 إضغط هنا.
(13) ليبيا بعد نحو عام من الحرب الأهلية، مجلة أوروبينيوني الإيطالية، ترجمة: المرصد الليبي للإعلام، بتاريخ 25 من يونيو/حزيران 2015
http://www.europinione.it/in-libia-dopo-un-anno-di-guerra-civile/
(14) حديث شخصي مع مستشار لفريق حوار المؤتمر الوطني العام، بتاريخ 10 من يونيو/حزيران 2015
(15) بيان المؤتمر الوطني العام في 23 من إبريل/نيسان الماضي
http://gnc.gov.ly/legislation_files/635653928331983590.pdf
(16) بيان المؤتمر الوطني في 21 من مايو/أيار
http://gnc.gov.ly/legislation_files/635678323339104844.pdf
(17) بيان (نوري أبو سهمين) رئيس المؤتمر الوطني العام بتاريخ 21 من مايو/أيار 2015
http://gnc.gov.ly/legislation_files/635678323339104844.pdf