أمن الخليج في عام 2015: الإدراك والخطاب والسلوك السياسي

مثَّل العام 2015 مرحلةً دقيقةً وعصيبة للأمن الخليجي، الذي واجه على مدار العام تحدياتٍ كبيرة وشهد تطورات دراماتيكية مسَّت على نحو مباشر صميم الأمن داخل البيت الخليجي؛ وطغت ظاهرة الإرهاب على مضمون الخطاب السياسي الخليجي، رسميًّا وشعبيًّا؛ واتسعت دائرة الاهتمام بها على نحو غير مسبوق.
20151222102426621734_20.jpg
[الجزيرة]

ملخص

كان العام 2015 عامًا دقيقًا وعصيبًا لدول الخليج العربية؛ حيث واجهت خلاله تحدياتٍ كبيرة، كما شهد تطوراتٍ دراماتيكية مسَّت على نحو مباشر وخطير صميم الأمن داخل البيت الخليجي.
وقد أظهرت الأوساط الرسمية والشعبية الخليجية، على مدار السنوات الـ35 الماضية، درجة عالية من الإدراك السياسي والوعي المجتمعي بأهمية الأمن ومحوريته لها، مرتكزةً في ذلك على عدة اعتبارات موضوعية مرتبطة بالبيئة الاستراتيجية الأمنية للمنطقة.
وانعكس هذا الإدراك المفرط لقدسية الأمن على مضمون الخطاب السياسي الخليجي، لاسيما على المستوى الرسمي، على نحو ما عبَّرت عنه البيانات الختامية للقمم الخليجية المتواترة، منذ قمة "أبو ظبي" التأسيسية في مايو/أيار من العام 1981 وصولًا إلى القمة الـ36 التي استضافتها الرياض مؤخرًا.
وأصبح الإرهاب يمثِّل التحدي الأمني الأبرز لدول الخليج العربية في العام 2015، بعدما ضربت هجماته الدامية بعضًا من دول مجلس التعاون الخليجي.
واستكمالًا لقدرتها على التصدي بفعالية لما تواجهه من تحديات أمنية، تبنَّت دول الخليج عدَّة سياسات لمكافحة الإرهاب، تمثَّل أحدثُها في التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيله بقيادتها وضم 34 دولة حتى الآن.
ولمَّا كان من المُرجح تزايد خطر الإرهاب؛ فإنه جديرٌ بدول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ حزمة تدابير لصون استقرارها وأمنها، ولعلَّ أبرزها: تعزيز الانتماء والهوية الوطنية والخليجية، وتسريع خُطى الوحدة والتكامل المشترك، والمساهمة في حلول جذرية لأزمات دول الجوار.

مقدمة
اختتمت دول مجلس التعاون الخليجي العام الحالي 2015، بعقد قمة قادتها السادسة والثلاثين بالعاصمة السعودية الرياض في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2015، وسط تحديات بالغة الخطورة أصبحت محدقة بأمن واستقرار المنطقة برمتها، وهو الأمر الذي يُعظِّم من محورية أمن الخليج باعتباره القضية ذات الأولوية في أجندة العمل الخليجي المشترك.

وقد مثَّل العام 2015 مرحلةً دقيقةً وعصيبة للأمن الخليجي، الذي واجه على مدار العام تحدياتٍ كبيرة وشهد تطورات دراماتيكية مسَّت على نحو مباشر وخطير صميم الأمن داخل البيت الخليجي.

وانطلاقًا من ذلك، يبدو من الأهمية بمكان، ونحن على مشارف عام جديد، تحليل الوضع الراهن لقضية أمن الخليج خلال العام 2015 الذي قارب على الانتهاء، وتقييمها من حيث الإدراك والخطاب السياسي الخليجي على المستويين الرسمي والشعبي، وبيان الكيفية التي تمت بها ترجمة هذا الإدراك في شكل سياسات ملموسة وإجراءات فعَّالة على أرض الواقع، وصولًا إلى استشراف مستقبل هذا الأمن خلال العام القادم 2016، الذي بات على الأبواب.

وفي ضوء ذلك، تجتهد هذه الورقة في رصد وتحليل طبيعة التطورات الدراماتيكية المتسارعة، وتسليط بعض الضوء على المخاطر التي أصبحت تتهدد الأمن الخليجي، واستجلاء المعطيات والعوامل التي حولت هذه التهديدات من مجرد تهديدات محتملة لأمن الخليج إلى خطرٍ داهم على هذا الأمن، وصولًا إلى استشراف استراتيجية خليجية موحدة للتصدي لتلك الأخطار المحدقة خلال الفترة المقبلة.

الأمن في الإدراك السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي
أظهرت الأوساط الرسمية والشعبية الخليجية، على مدار السنوات الـ 35 الماضية، ومنذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، درجةً عالية للغاية من الإدراك السياسي والوعي المجتمعي بأهمية الأمن ومحوريته بالنسبة لدول المجلس.
وعبَّرت الدوائر الرسمية والشعبية الخليجية، عن حساسية واضحة -وربما مفرطة في بعض الأحيان- إزاء المخاطر والتحديات الأمنية التي تتهدد دول الخليج، فرادى ومجتمعة. وقد نبع هذا الإدراك الخليجي المبكر والمتواصل لحساسية قضية الأمن وقدسيتها من عدة اعتبارات موضوعية، أهمها:

1. الموقع الجيوستراتيجي الحاكم لمنطقة الخليج، اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا؛ مما جعل دولها عرضةً لأطماع القوى الدولية والإقليمية الطامحة إلى بسط نفوذها وسيطرتها على ثروات ومقدرات المنطقة، وتسخيرها على نحوٍ يخدمُ مصالح هذه القوى بغضِّ النظر عن أمن واستقرار دول المنطقة، ومصالح ورفاهية شعوبها.

2. توافر الثروة النفطية في دول المنطقة بكميات واحتياطيات هائلة، وفي المقابل ضعف الإمكانات البشرية والعسكرية الذاتية القادرة على حماية هذه الثروة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه -إن جاز التعبير-: مفارقة "الثروة المفرطة-الأمن الهش".
وبناء على ذلك، ظلَّ الأمن يمثِّل الهاجس الأكبر والهمَّ الأعظم الكامن في العقل والوعي الجمعي الخليجي على مدار العقود الماضية، وهو الأمر المرشَّح -على الأرجح- للاستمرار كذلك على المديين المتوسط والبعيد.
 

الأمن في الخطاب السياسي الخليجي
شكَّل الهاجس الأمني الدافع الرئيس لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وفرضت معطيات البيئة الإقليمية والدولية أن تظل قضايا الدفاع والأمن على رأس أجندة عمل المجلس طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
ومن ثَمَّ، لم يكن مستغربًا أن تحتل التحديات والتهديدات الأمنية بؤرة اهتمام الخطاب السياسي الخليجي، لاسيما على المستوى الرسمي الجماعي، كما عبَّرت عنه البيانات الختامية للقمم الخليجية المتواترة، منذ قمة "أبو ظبي" التأسيسية في مايو/أيار من عام 1981 وصولًا إلى القمة الـ36 التي استضافتها الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2016.

وفي السنوات الأخيرة، طغت قضية الإرهاب على مضمون الخطاب السياسي الخليجي، رسميًّا وشعبيًّا؛ إذ لم يعد الإرهاب موضوعًا يقتصر النقاش فيه على الأوساط الأكاديمية والمراكز البحثية الخليجية، بل اتسعت دائرة الاهتمام الرسمي به على نحو غير مسبوق، حتى إنه يصعب أن نجد في السنوات الأخيرة، اجتماعًا رسميًّا خليجيًّا-خليجيًّا، أو خليجيًّا-إقليميًّا أو دوليًّا، إلا وقد ناقش ظاهرة الإرهاب، ونوَّه إلى مخاطرها، وضرورة تكثيف الجهود الجماعية للتصدي لها والقضاء عليها.

كما لم تعد مناقشة هذه الظاهرة الخطيرة تتم داخل الاجتماعات المغلقة، وإنما أصبحت قضية رأي عام، تحتل أولويات الخطاب الإعلامي في دول الخليج، وذلك بعدما كشفت العمليات الإرهابية عن وجهها القبيح وغرست مخالبها الدامية في الجسد الخليجي لاسيما خلال العام 2015.

الإرهاب يتصدر مُهددات أمن الخليج في 2015
شهد العام 2015 تبدلًا نوعيًّا في طبيعة التحديات الأمنية التي أصبحت تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي قياسًا بالأعوام الخمسة الأخيرة.

وبالإضافة إلى التحديات التي واجهت –ولا تزال- الأمن الإقليمي لدول الخليج العربية، بات الأمن الداخلي المباشر لهذه الدول مهدَّدًا من الإرهاب المتنامي، دوليًّا وإقليميًّا.

وبشكلٍ عام، يمكن أن نرصد أهم تحديات الأمن الخليجي خلال العام 2015، في النقاط الأربع التالية:

1.الإرهاب: أدَّت العمليات الإرهابية المتوالية التي تعرض لها بعض دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2015 -وبخاصة السعودية والكويت والبحرين- إلى تحول الإرهاب من تهديد مستقبلي محتمل إلى خطر آني قائم بالغ الخطورة على أمن دول الخليج العربية واستقرارها، ومن ثَمَّ، أصبحت مكافحته تحتل قمة أولويات أجندة الأمن الخليجي في اللحظة التاريخية الراهنة.

إذ لم يعد خطر الإرهاب يقتصر على التوسع الجغرافي لتنظيم ما يُعرف بـ "داعش" في الجوار المباشر والقريب للخليج العربي، في العراق وسوريا، وتهديده دولًا محورية لأمن الخليج، مثل: مصر، بل تجاوز ذلك إلى ضرب الداخل الخليجي.
فقد أعلن تنظيم "داعش" عن وصوله إلى دول مجلس التعاون الخليجي، عبر تبنِّيه تفجيرين إرهابيين بالقطيف والدمام بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في جمعتين داميتين متتاليتين صادفتا 22 و25 مايو/أيار 2015، ثم تنفيذه تفجيرًا إرهابيًّا ثالثًا في جمعة دامية أخرى في دولة الكويت يوم 26 يونيو/حزيران 2015. وبذلك يكون الخطر قد وصل بالفعل إلى الداخل الخليجي ولم يعد يقف على الباب أو يطرقه كما كانت الحال من قبل.
وتتعاظم خطورة الإرهاب الذي يتبنَّاه تنظيم ما يُعرف بـ "داعش"، بالنظر إلى أنه، وخلافًا لتنظيم "القاعدة"، يرتكز على "أيديولوجية مذهبية" قوامها الضرب على وتر الانقسام وبث الفتنة الطائفية، وقد بدا ذلك جليًّا حين أكَّد التنظيم المتطرف أن هدف أعماله الإرهابية التي نفذها ضد مساجد تابعة لأبناء المذهب الشيعي في السعودية والكويت، هو ضرب الشيعة في شبه جزيرة العرب.

وبالتالي، فإن مثل هذه الأيديولوجية، تهدد في العمق هوية الدولة الوطنية في دول الخليج العربية، خاصة تلك التي تحتضن في مجتمعاتها نسبة كبيرة من أبناء المذهب الشيعي، كأحد المكونات المجتمعية الأساسية لأبناء الوطن الواحد.

2."إيران النووية": فقد وقعَّت طهران اتفاقًا مع القوى الدولية الست الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وألمانيا)، مطلع يوليو/تموز 2015، سمحت بموجبه هذه القوى لإيران بمواصلة برنامجها النووي وفق شروطٍ وضوابط زعمت أن من شأنها جعل هذا البرنامج سلميًّا ولا يهدد أمن واستقرار دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا.

ويعني هذا الاتفاق، عمليًّا، الاعتراف بـ"إيران نووية"، بما من شأنه فتح الباب واسعًا أمام طهران لتحقيق طموحاتها ورغباتها في أن تكون القوة المهيمنة والمسيطرة في المنطقة، لاسيما في ضوء غياب العراق، الموازن الإقليمي التقليدي لإيران.

ويُظهر إمعان النظر في مضمون الخطاب والسلوك السياسي الإيراني تجاه دول الخليج العربية في الفترة التالية لتوقيع الاتفاق النووي، تغيرًا لافتًا في إدراك صُنَّاع القرار في طهران للدور الذي يمكن أو ينبغي أن تقوم به إيران في المنطقة، كما تثبت الشواهد العملية رصدًا لا يقبل الشك لسلوك تدخلي من قِبل إيران تجاه دول مجلس التعاون الخليجي(1).

3. التدهور السياسي والأمني في اليمن: تداعت الأوضاع الميدانية في اليمن خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام 2015 على نحو دراماتيكي، تمثَّل في استيلاء جماعة الحوثي مدعومة بميليشيات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء ما أدَّى إلى خروج الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وعدد من أعضاء الحكومة اليمينة إلى عدن ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية، وكذلك سيطرت الميليشيات الحوثية على المعسكرات الرئيسة للجيش اليمني، واعتقالها عشرات المسؤولين الكبار مما شكَّل انقلابًا على الشرعية في البلاد.

ومثَّلت هذه التطورات مساسًا مباشرًا بالأمن الخليجي؛ ما أدَّى إلى تشكيل تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية وذلك بناءً على طلب من الرئيس الشرعي لليمن، أُطلق عليه اسم عملية "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015؛ لاستعادة الشرعية في اليمن.

4.زيادة الانكشاف الأمني في العراق: الذي شهد تحسنًا نسبيًّا في معطيات استقرار المشهد السياسي المحلي خلال العام 2015 بعد إزاحة نوري المالكي عن منصب رئيس الوزراء وتولي حيدر العبادي المنصب خلفًا له؛ مما أسهم في تخفيف حدَّة التوتر الداخلي وسط تفاؤل بمكافحة الفساد والبُعد عن السياسات الطائفية والإقصائية.

إلا أن العام الجاري شهد أيضًا مزيدًا من الانكشاف الأمني في العراق من زاويتين:

أولًا: استمرار سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة ومهمة من البلاد، بما فيها مناطق حدودية ذات أهمية استراتيجية.

ثانيًا: زيادة الاختراق الإيراني للأراضي العراقية على نحو جعل بغداد تشتكي من سماح طهران لقرابة نصف مليون زائر إيراني بعبور الحدود إلى داخل العراق دون الحصول على تأشيرة دخول(2)، إضافة إلى إرسال تركيا قوات تابعة لها إلى معسكر قرب مدينة الموصل؛ مما نجم عنه أزمة مستحكِمة بين أنقرة وبغداد وصلت إلى حدِّ تقدم الأخيرة بشكوى ضد الأولى في مجلس الأمن الدولي.

5.التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا: حيث شهدت الأزمة السورية مزيدًا من التعقيد والتشابك، وأصبحت، وبشكل علني ومباشر، ساحةً لتسوية المصالح وتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، خاصة مع تدخل روسيا بشكل عسكري مباشر في الأزمة.
وتبدَّى هذا التعقيد في عدة شواهد، أبرزها: توتر العلاقات الروسية-التركية على خلفية إسقاط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية من طراز "سوخوي 24" بعد أن اخترقت المجال الجوي التركي دون إذن حسب الرواية التركية.
ولا شك أن هذا الوضع الجديد في الأزمة السورية، يشكِّل تهديدًا غير مباشر للأمن الإقليمي الخليجي بمنظوره الاستراتيجي الواسع.

الأمن في منظور السياسات الخليجية
أثبت مجلس التعاون الخليجي منذ قيامه عام 1981، قدرته على تبني سياسات عملية واستراتيجيات فعَّالة للتصدي للتحديات والمخاطر التي تهدد أمن دوله.

وظهرت هذه القدرة بشكل واضح خلال الأزمات العاتية التي كادت تعصف بدول المجلس على مدار العقود الثلاثة الماضية، ويأتي في مقدمة تلك الأزمات: الحرب العراقية-الإيرانية "1980-1988"، والغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، وتداعيات اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، والغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وفي تعاملها مع هذه التحديات الأمنية وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة، نجحت دول الخليج العربية في ترجمة إدراكها للمخاطر إلى سلوك استراتيجي، وقائي أحيانًا ورادع أحيانًا أخرى، مكَّنها على نحو فريد من تجنب العواقب الكارثية لتلك التهديدات، أو على أقل تقدير تقليل التبعات الاستراتيجية لتلك الأزمات ووضعها في حدِّها الأدنى.

واستكمالًا لهذه القدرة الفائقة، ومن أجل التصدي للإرهاب باعتباره التحدِّي الأمني الأبرز الذي واجهته غالبية دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2015، تمَّ اتخاذ عدَّة سياسات أمنية فعَّالة لمواجهته، سواءً على المستوى الجماعي لدول المجلس، أو على الصعيد الوطني لكل دولة على حدة.

ومن بين هذه السياسات والإجراءات، على سبيل المثال لا الحصر: تفعيل الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاقية قمع أعمال الإرهاب النووي.

وفي الإطار ذاته، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إدراج العديد من المنظمات والشخصيات على لائحة الإرهاب ومنظماته، وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني والمرتبطون به. كذلك، فقد قامت المملكة ببناء سياج أمني على امتداد حدودها مع كلٍّ من العراق، واليمن.

كما عزَّزت دول مجلس التعاون الخليجي دور أجهزتها الأمنية، وكثَّفت من برامج التأهيل لرجال الأمن والشرطة، إضافةً إلى التصدي للتطرف الديني فكريًّا وتعليميًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا ومجتمعيًّا. وفي هذا الصدد، بذلت المملكة العربية السعودية عبر مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، جهودًا كبيرة وناجحة لإعادة تأهيل الشباب المنضم للجماعات المصنفة دوليًّا على أنها إرهابية، والعمل على عودتهم إلى حياتهم الطبيعية مما حدا بالكثير منهم إلى الخروج من هذه التنظيمات.

وبموازاة ذلك، بادرت دول الخليج العربية إلى تفعيل آليات تحرك إقليمي ودولي في مواجهة الإرهاب، وكان من أبرز هذه الآليات وأحدثها: التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عن تشكيله المملكة العربية السعودية في مؤتمرٍ صحفي لولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وذلك في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول 2015.

ويهدف هذا التحالف، الذي يضم 34 دولة وتم الإعلان عن إنشاء مركز عمليات مشتركة له مقره الرياض، إلى مكافحة الإرهاب على محورين: الأول أمني؛ يتضمن التدخل العسكري ضد التنظيمات الإرهابية في حال الضرورة، والثاني فكري-إعلامي يتمثل في مجابهة جذور الإرهاب من النواحي الفكرية والأيديولوجية واجتثاث بذور التطرف والعنف(3).
وقد حظي هذا التحالف بدعم وترحيب القوى الدولية الكبرى، وفي مقدمتها: الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.

مستقبل الأمن الخليجي في عام 2016
يُرجَّح أن يظل الإرهاب أبرز التحديات التي سيواجهها أمن دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجديد 2016؛ بالنظر إلى البيئة الجيوستراتيجية الراهنة، دوليًّا وإقليميًّا وخليجيًّا، والتي تتسم بعدم الاستقرار وعدم اليقين وتداخُل وتعقُّد معطياتها، وتسارُع وتيرة تطوراتها على نحو يصعب معه توقع مسارها في الأجل المنظور.

وبالتالي، ولكي تحافظ دول الخليج العربية على وحدتها الوطنية، وتصون استقرارها السياسي والاجتماعي من مخاطر الإرهاب خلال العام الجديد، فيجدر بها اتخاذ حزمة من التدابير، لعل أهمها:

1. بناء دولة المواطنة، بما تعنيه من تعزيز الانتماء والهوية الوطنية والخليجية الجامعة، من خلال تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، والتأسيس لشبكة من العلاقات الاجتماعية يسودها السلام والتسامح وقبول الآخر، بما يوفر بيئة اجتماعية إيجابية ضد التطرف والعنف.

2. تسريع خُطى الوحدة والتكامل للوصول للنموذج التكاملي المأمول، باعتباره الدرع التي تقضي على الإرهاب.

3. مواصلة الجهود الإصلاحية الداخلية وتحقيق التوافق السياسي والمجتمعي في دول الجوار؛ لمعالجة النزاعات الموجودة بها، وبخاصة في كلٍّ من: العراق، واليمن، وسوريا.

4.  صياغة استراتيجية شاملة للأمن الخليجي، تركِّز على سياسات الدفاع المشترك، على أن تتم مراجعتها دوريًّا (كل 10 سنوات مثلًا) على غرار المتَّبع في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
خاتمة
لقد أصبح الإرهاب يُشكِّل تحديًا صعبًا وخطرًا قائمًا يهدد أمن دول الخليج العربية واستقرارها في الوقت الراهن والمستقبل المنظور أيضًا.
ويستدعي الانكشاف الاستراتيجي الراهن على الصعيدين الإقليمي والدولي، من دول الخليج العربية، بعد مرور 35 عامًا على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن تبادر إلى ترجمة إدراكها الواضح لمهددات أمنها، وخطابها السياسي الرسمي والشعبي تجاه هذه المهددات، إلى استراتيجيات أكثر فعالية؛ لضمان أمنها واستقرارها، وتعزيز رفاهية الأجيال الخليجية الحالية والقادمة.
_______________________________________
*محمد بدري عيد: باحث مختص بالشؤون الخليجية

الهوامش
(1) عيد، محمد بدري، " مستقبل العلاقات الخليجية-الإيرانية ما بعد الاتفاق النووي"، مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر:4 أكتوبر/تشرين الأول 2015، تاريخ الدخول إلى الرابط: 14 ديسمبر/كانون الأول 2015،
http://studies.aljazeera.net/reports/2015/10/201510410339837824.htm

(2)  وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) ووكالة رويترز، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
(3)  راجع النص الكامل لإعلان ولي ولي العهد السعودي عن التحالف الإسلامي، وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015.