انقسام بوكو حرام: صراع الزعامة وتأثير أيديولوجيا "الدولة الإسلامية"

ظل الاحتراب الداخلي بين القادة المحليين سمة من سمات حركة بوكو حرام، وفي أغلب الأحيان بسبب الاختلاف حول تأويل النصوص الدينية، والمنافسة الأخيرة بين قائدي التنظيم شيخوا والبورناوي قد تلقي بظلالها على الوضع الأمني في نيجيريا وجوارها كما تبينه المقاربة التالية.
26 أكتوبر 2016
6959ff1636af421e9eba03bbce7cc96c_18.jpg
صورة لمقاتلين من بوكو حرام (أسوشيتد برس)

ظلت التجاذبات الداخلية على مدى السنوات القليلة الماضية، إحدى سمات منظمة بوكو حرام النيجيرية الموسومة بصفة الجهادية في التقارير الإعلامية والأمنية، وتبرز تلك التجاذبات في الوقت الراهن بين أبرز لاعبين في حركة بوكو حرام وهما رئيس الحركة أبو بكر شيخوا وابن مؤسسها أبو مصعب البورناوي. فقد عرفت الحركة استقطابًا داخليًا بين توجهين منذ تولى شيخوا القيادة. ولعل الدافع وراء الانقسام الحالي في قيادة الحركة هو في المقام الأول دافع أيديولوجي وتكتيكي؛ حيث يصف أبو بكر شيخوا معارضي منهجه الجهادي بــ"الكفار". ويرى شيخوا أنه "ليس مباحًا لأي شخص الإقامة أو السكن مع الكفار في مجتمع واحد دون أن يصدح بمعارضته أو غضبه علنًا من هؤلاء الكفار"، وأي شخص يفعل ذلك لا يمكن أن يعتبر مسلمًا، سواء أكان ذلك في السراء أو في الضراء، وهو ما يعرف في أدبيات الحركات الموسومة بالجهادية بمبدأ الولاء والبراء. ومن المعلوم أن أبو شيخوا قد أعلن في وقت سابق مبايعته لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة. ويناقش هذا التقرير الانقسامات الأخيرة التي شهدتها منظمة بوكو حرام، مسلطًا الضوء على سبب أو أسباب تلك الانشقاقات وآثارها على مستقبل الجهاد الإسلامي في المنطقة، كما يقدم تصورًا لأربعة سيناريوهات محتملة قد تجعل حدًا للخلاف بين الفصائل.

مقدمة 

تحوَّلت بوكو حرام في ما يزيد قليلًا عن ست سنوات، من عصبة من الدعاة المتشددين إلى جماعة وحشية، لدرجة أنها استحقت في العام 2014 أن تحوز على لقب لا تحسد عليه ألا وهو: "المنظمة الإرهابية الأكثر دموية في العالم"(1) 

ويعود تحول هذه المنظمة السريع -على الأقل جزئيًّا- إلى طبيعة القمع الذي مارسته الدولة النيجيرية ضد نشطاء ثورة يوليو/تموز 2009، والتي شهدت مقتل عدد من أعضاء هذه الجماعة بمن فيهم زعيمها الكاريزمي، محمد يوسف وكان ذلك خارج نطاق القانون(2) أي خلال فترة الاحتجاز لدى الشرطة. 

ومع ذلك، يظل العامل الرئيسي للتحول المذكور هو بروز نائب محمد يوسف المتشدد، أبو بكر شيخوا كزعيم روحي للجماعة؛ إذ تحت قيادته الوحشية استمرت بوكو حرام في تمرد مميت استهدف المدنيين بشكل كبير، وتسبب خلال سبع سنوات في إزهاق أرواح عشرين ألف شخص وتشريد أكثر من 2.6 مليون شخص وتيتيم أكثر من 75 ألف شخص، ناهيك عن الأضرار المادية التي خلفها وقدرت منذ العام 2009 بحوالي تسعة مليارات دولار. 

في مارس/آذار 2015، أعلن شيخوا ولاءه لزعيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أبو بكر البغدادي. وأيَّد زعيم الدولة الإسلامية انضمام بوكو حرام إلى دولته، واصفًا أعضاءها بأنهم "إخوتنا في الجهاد"(3). 

وسرعان ما غيَّرت بوكو حرام اسمها لتصبح: "الولاية الإسلامية بغرب إفريقيا". وعلى الرغم من أن هذه الولاية الجديدة ظلت "موحدة" منذ ذلك الحين، فإن تصدعًا في قيادتها ظهر على السطح في يونيو/حزيران 2016؛ إذ ذكر الجنرال الأميركي توماس وولهاوسر بأن بوكو حرام شهدت انقسامًا داخليًّا، انفصلت بموجبه مجموعة كبيرة عن زعامة شيخوا متهمة إياه بالفشل في اتباع تعليمات الدولة الإسلامية(4). 

وفي أغسطس/آب 2016، أصبح الانقسام جليًّا عندما عيَّنت الدولة الإسلامية أبو مصعب البورناوي زعيمًا جديدًا لبوكو حرام، لكن الزعيم أبو بكر شيخوا نفى نبأ استبداله وتعهد بمواصلة التمرد. 

يتناول التقرير الحالي الانقسام الأخير الذي شهدته جماعة بوكو حرام. ويناقش سبب أو أسباب انقسام قيادتها، كما يسلط الضوء على آثار الخلاف بين الفصائل على مستقبل الجهاد الإسلامي في منطقة بحيرة تشاد، ويقدم أربعة سيناريوهات محتملة لرأب الصدع الذي طال زعامة هذه الجماعة. 

الانقسام الحالي في زعامة بوكو حرام 

في 2 أغسطس/آب 2016، أعلنت الدولة الإسلامية في بيان نشرته مجلتها الدعائية "النبأ" تعيين المدعو أبو مصعب البورناوي واليًا أو زعيمًا جديدًا للولاية الإسلامية بغرب إفريقيا. ويعتقد الخبراء أن البورناوي هو ابن مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، وقد كان في السابق المتحدث باسم بوكو حرام تحت زعامة شيخوا. وبعيد تعيينه، شن البورناوي هجومًا لاذعًا على زعامة شيخوا، متهمًا إياه باستهداف المسلمين العاديين واعدًا بتركيز هجماته على المسيحيين. 

 وقد استشاط شيخوا غضبًا من تعيين البورناوي، ونشر رسالة صوتية في الرابع من أغسطس/ آب 2016 أكد فيها أنه لا يزال زعيم جماعة بوكو حرام. وادعى في التسجيل أنه تعرض لخدعة، ناعتًا البورناوي بـ"الكفر". 

وقال شيخوا في هذا الصدد: "لقد خدعت ولكن كل ما أعرفه هو أن البورناوي وكل من يدور في فلكه كفار ولن أحيد أبدًا عن عقيدة جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد والتي تستمد تعاليمها من القرآن الكريم"(5). 

 وقد أدى هجوم شيخوا الناري على خصمه إلى تفشي الدعاية والدعاية المضادة بين الزعيمين الجهاديين، ففي 6 أغسطس/آب 2016 بث فصيل البورناوي، وبدعم من ممان نور تسجيلًا صوتيًّا ندد فيه بشيخوا ووصفه بأنه "منافق وجبان". وزعم فيه أن الإطاحة بشيخوا جاءت نتيجة ما اقترفه من جرائم مختلفة، بما في ذلك قتل إخوانه المسلمين والتمتع بالملذات بينما يعيش مقاتلوه الحرمان والجوع. 

ويرى المحللون أن شيخوا ونور ما فتئا يُغذِّيان صراع الفصائل، ويبعثان من وراء الكواليس تسجيلات يدين فيها كل منهما غريمه(6). 

وكما هي الحال في جولات الاقتتال الداخلي الماضية التي وقعت منذ تولى شيخوا القيادة، فإن الدافع وراء انقسام القيادة الحالية هو في المقام الأول أيديولوجي وتكتيكي يقف فيه شيخوا في وجه أولئك الذين يعارضون منهجه التكفيري في الجهاد. وكان شيخوا قد أوضح موقفه الجهادي الأيديولوجي بهذه العبارات: "أنا ضد أي فكر يبيح للشخص الإقامة والسكن مع الكفار في مجتمع واحد دون أن يصدح بمعارضته أو غضبه علنًا من هؤلاء الكفار كما ورد في القرآن الكريم، وأي شخص يفعل ذلك لا يمكن أن يعتبر مسلمًا، سواء أكان ذلك في السراء أو في الضراء، هذا هو ما ثبت لدينا وهذا هو موقفي شخصيًا"(7). 

وبناء على هذه القناعة، لا يميز فصيل بوكو حرام التابع لشيخوا بين المسيحيين والمسلمين، وقد أمر بتفجيرات انتحارية استهدفت مرارًا المساجد والكنائس والأسواق ومحطات الحافلات وقدم مبرراته الخاصة لتلك الأعمال، هذا فضلًا عن الهجمات المتقطعة التي أسفرت عن قتل وتشويه واختطاف وتشريد آلاف المدنيين، ولعل أحد أكثر تلك الحوادث شهرة هو ما حصل يوم 14 أبريل/نيسان 2014 عندما خُطف أكثر من 250 تلميذة من بلدة تشيبوك، لا يزال معظمهن أسيرات في يد بوكو حرام. 

يعارض فصيل البورناوي بشدة الموقف التكفيري لشيخوا، ومن بين ما يأخذونه على موقفه الأيديولوجي ما أورده ممان نور في الكلمات التالية: "في القرآن الكريم، يحرم الله على المسلمين قتل بعضهم البعض... ومن بين تعاليمه كذلك التحذير من القتل في الخفاء، فإذا كانت العقوبة خطيرة، يجب أن تنفذ جهرًا أمام عامة الناس ليعرفوا عنها ويشهدوها. فبمجرد أن يكون القتل بشكل سري، تبدأ الشكوك والريبة تحوم حول دوافعه، وهذا هو بالضبط ما رأيناه عند شيخوا(8). 

ولهذا السبب تستمر الفصائل التابعة لنور وللبرناوي، في انتقاد شيخوا لقتله العشوائي للمسلمين، كما يتهمونه بانتهاك حرمة المقدسات الأمر الذي أثر سلبًا -حسب قولهم- على قدسية حملتهم الجهادية وهو ما نتج عنه تسجيل القوات العسكرية نجاحات ضدهم في ساحة المعركة. 

وثمة تناقض واضح بين انتماء البورناوي للدولة الإسلامية التي تمجد الفكر التكفيري وبين انتقاده للفكر ذاته لدى شيخوا، لكنه في واقع الأمر يبني رؤيته وطموحه وقناعته على فكرة مفادها أن التوصل إلى الخلافة في غرب إفريقيا من الممكن جدًّا تحقيقه في ظل نهج الدولة الإسلامية القائم على مقاربة "القفز التطوري" "saltationist" على عكس ما عليه نهج تنظيم القاعدة القائم على مقاربة "التدرج" في الجهاد الإسلامي(9). 

هكذا أصبح الخلاف بين الجانبين منصبًّا على "من" ينبغي أن يُقتل و"كيف" ينبغي قتله، وعلى مدى تأثير ذلك على قدسية تمردهم الجهادي الأمر الذي غذى الانقسام والعداء بين زعامات بوكو حرام. 

آثار التشرذم داخل التمرد الجهادي 

 المتوقع هو أن تتجلى الآثار المترتبة على الخلاف الأخير بين هذين الفصيلين في أشكال مختلفة، من قبيل المواجهة العنيفة بين الطرفين والعمل من أجل السيطرة على مزيد من المناطق والبساتين التي تفصل بينهما، ولن يألوَ أيُّ طرف جهدًا من أجل الهيمنة على مزيد من الأراضي والطرق والموارد والأتباع. 

وفي الوقت الذي يتحكم فيه فصيل البورناوي، المدعوم من طرف الدولة الإسلامية، في معظم الجزء الشمالي من ولاية بورنو، التي تشترك في الحدود مع النيجر وتشاد والكاميرون على طول شواطئ بحيرة تشاد، يهيمن فصيل شيخوا في الأجزاء الوسطى والجنوبية من نفس الولاية، حيث المساحات الواسعة من غابات سامبيسا. 

ويمكن لأي مواجهة عنيفة بين الفصيلين أن تزيد من الضرر اللاحق بالمدنيين. كما يمكن للانقسام الداخلي أن يزيد من تعقيد مشهد انعدام الأمن والتمرد في منطقة بحيرة تشاد، وتماشيًا مع مرجعية كل فصيل الأيديولوجية، سينصب اهتمام البورناوي بشكل أكبر (على الخطف والهجمات والغارات) الموجهة أساسًا إلى المسيحيين وكذلك المواقع أو المراكز السكانية التي تستضيف الغربيين. أما فصيل شيخوا فسيستمر في القتل العشوائي مستهدفًا المسيحيين والمسلمين على حد سواء بحيث لا ينجو منه سوى أتباعه. وهذا من شأنه إدامة العنف في نيجيريا والدول المجاورة، لا سيما في النيجر وتشاد والكاميرون. 

 وعلاوة على ذلك، يمكن لفصيل البورناوي، في محاولة للاستفادة من صلاته القوية مع الدولة الإسلامية، أن يحاول استقطاب مقاتلي بوكو حرام الفارين من ليبيا واستقطاب من يفر معهم من الأجانب إلى صفوفه(10). 

ومن شأن ذلك أن يزيد حضور العنصر الأجنبي المقاتل في المنطقة ويعمق التنافس بين المجموعات الأخرى للسيطرة على طرق التجارة والتهريب ذات المردودية المالية الكبيرة في منطقة بحيرة تشاد(11). 

ويمكن لانقسام القيادة أن يعقد تحديات إنقاذ أكثر من 200 من فتيات تشيبوك، اللاتي اختطفن من قبل مسلحين في 14 أغسطس/آب 2014، والسبب في ذلك أنه يعتقد أن كل واحد من الفصيلين يحتجز جزءًا من هؤلاء الفتيات ولا يتوقع أن يطلق سراحهن إلا وفقًا لشروطه الخاصة، على سبيل المثال، بث شيخوا شريط فيديو يوم 13 أغسطس/آب يثبت فيه أن جماعته تحتجز جزءًا كبيرًا من فتيات تشيبوك، وذكر حليفه منذ فترة طويلة أبو زنيرة في نفس الفيديو استعداد فصيله لمبادلة الفتيات بمعتقلي بوكو حرام(12). 

سيناريوهات المستقبل 

 وقد حفز الشقاق الأخير بين زعماء بوكو حرام المحللين على تحليل ما يجري داخل الجماعة، دون أن يعطوا اهتمامًا يذكر لاستقراء السيناريوهات المحتملة لنهاية هذا الصدع. والواقع أن ثمة أربعة سيناريوهات رئيسية يمكن أن نستشفها من تطور أوضاع هذه الحركة (انظر الجدول 1). 

السيناريوهات المحتملة لمستقبل الانقسام الأخير في حركة بوكو حرام 

السيناريو

الخيار المحتمل

الوصف

الدوافع

درجة الاحتمال

السيناريو الأول

المواجهة

اشتباكات مسلحة عنيفة بين عناصر الفصائل المتنافسة

  • خلافات أيديولوجية عميقة
  • الصراع الذاتي (شخصنة الصراع)
  • تغير ولاءات المقاتلين

الأكثر احتمالًا

السيناريو الثاني

المصالحة

تقارب يفضي إلى استسلام أحد الفصيلين للآخر وذوبانه داخله بعد تصالح الطرفين

  • خسارة الرجال والموارد الضرورية بسبب عمليات مكافحة التمرد
  • وساطة الجهاديين الأجانب المنتمين لنفس التيار العقائدي

محتمل جدًّا

السيناريو الثالث

حل أحد الفصيلين أو كليهما

مزيدًا من الانقسام الداخلي في أحد الفصيلين أو كليهما

  • الحرمان والهزيمة في المعارك
  • فقدان القادة الرئيسيين
  • لجوء المجندين قسريا للهروب أو الاستسلام

محتمل

السيناريو الرابع

التآمر

خيانة أحد الفصيلين المتنافسين للآخر للحصول على الدعم والتعاطف المحلي أو الإقليمي

  • الشكوك المتبادلة
  • تسلل المخبرين إلى داخل الفصائل

أقل احتمالًا

السيناريو الأول: أول سيناريو محتمل هو سيناريو المواجهة التي تعني وقوع اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الفصيلين، فقد تكهن الخبراء بأن يؤدي انقسام القيادة -على الأرجح- إلى مناوشات بين الفصائل المتناحرة. فيمكن لعوامل مثل الخلافات الأيديولوجية العميقة، وحظوظ النفس والتحول في الولاء أن تدفع إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين الجماعة، فنبرة فصيل البورناوي في الرسالة الصوتية التي بثها في 6 أغسطس/آب 2016 تشي بذلك؛ إذ يقول "سنتحدى كل من يتحدانا"، وهذا يعني الاستعداد للدخول في صراع مسلح مع فصيل غريمه شيخوا. هذا السيناريو هو الأكثر احتمالًا وقد بدت بوادره في الأفق، فقد وردت أنباء تفيد بحدوث اشتباكات متفرقة مميتة بين الفصيلين في قرى آبادام وعرفة ومونغونو وييلي وزاوا في أقصى الشمال الشرقي لنيجيريا وذلك أواخر أغسطس/آب وأوائل سبتمبر/أيلول 2016(13). 

وحسب ما رشح فإن غالبية المصابين ينتمون لفصيل شيخوا ولو استمرت المواجهة المسلحة العنيفة فإن ذلك سيؤدي للاجتثاث الكلي لأحد الفصيلين من قبل الفصيل الآخر. 

السيناريو الثاني: هو الذي يمكن أن ينتهي بمصالحة، فاستمرار عمليات مكافحة الحركات الجهادية التي تقوم بها القوات العسكرية الوطنية والإقليمية تؤدي لاستنزاف مقاتلي وموارد كلا الفصيلين، مما قد يضطر قادتهم إلى إعادة النظر جذريًّا في العداء بينهما لتجنب الإبادة في نهاية المطاف من قبل القوات الحكومية. وفي مثل هذه الحالة، يمكن لوساطة الجهاديين الأجانب المنتمين لنفس التيار العقائدي أن تسهل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وهذا وارد جدًّا في ظل رغبة الدولة الإسلامية في رؤية الولاية الإسلامية بغرب إفريقيا متحدة لتعويض خسارتها الأخيرة للمقاتلين والأراضي في مواطن أخرى في جميع أنحاء إفريقيا، وخاصة في ليبيا. كما أنه على الرغم من الخلافات بين شيخوا والبورناوي وكذلك فصيل نور، فإن المؤشرات تدل على أن ولاءهم جميعًا للبغدادي بوصفه خليفة المسلمين لم يتزعزع(14). وهو ما يوفر أساسًا يمكن للدولة الإسلامية أو الأطراف ذات الأيديولوجية المشابهة أن تبني عليه لإعادة اللحمة بين فصائل بوكو حرام المختلفة. 

السيناريو الثالث: سيناريو الحل (أي حل الفصائل)، وهو الذي قد ينتج عن عوامل مثل الهجوم العسكري المستمر والخسارة في نهاية المطاف لزعيم عسكري أو قادة كبار مما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام ومن ثم إلى ظهور جماعات منشقة صغيرة يمكن أن تشكل تهديدًا محدودًا أو قد تتلاشى تدريجيًّا مع مرور الوقت. 

وهذا الوضع محتمل في ظل قطع رؤوس زعماء بعض الجماعات الجهادية أو المتمردة الذي قد يؤدي إلى استعاضتهم بنشطاء آخرين أو يؤدي إلى مزيد من التشرذم تتفتت فيه الجماعات إلى مجموعات صغيرة تكون ميالة لمحاربة بعضها البعض تماما كما تحارب عدوها المشترك(15). ويمكن لهذه المجموعات الصغيرة أن تستمر تحت زعاماتها الجديدة في إذكاء التمرد أو تحول ولائها إلى فصيل آخر أو ربما تنصهر في حركة أوسع نطاقًا، وفي مثل هذه الحالة، قد يتلاشى الخلاف بشكل طبيعي. 

السيناريو الرابع: سيناريو التآمر، هذه هي الحالة التي يقوم فيها قادة فصيل ما أو مؤيدوه بخيانة الجماعة المنافسة من خلال الكشف عن معلومات حيوية حولهم لجهات فاعلة أخرى أو للقوات الحكومية رغبة منها في الحصول على الدعم المحلي أو تقويض وجود المجموعة المنافسة ويرى أحد المحللين بأن خيانة أحد الفصيلين أو كليهما هو ربما الذي يفسر سلسلة الغارات التي شنتها القوات الجوية النيجيرية أواخر أغسطس الماضي على غابات سامبيسا وكذلك آبادام وموبار وكوكوا والتي استهدفت تدمير قيادة الفصيلين في آن واحد، ولا سيما فصيل شيخوا(16). 

ونظرًا إلى أن قوات التحالف الوطنية وإقليمية وكذلك القوات المدنية لا تفرق بين حركة بورناوي وفصيل شيخوا، فإن إمكانية التآمر أقل احتمالًا؛ لأن النتيجة ستكون وبالًا على الفصيل الخائن والفصيل المتعرض للخيانة على حد سواء، وعلاوة على ذلك، فإن أي فصيل يشارك في مثل هذا العار، سوف يدفع إلى سلسلة من الخيانات والخيانات المضادة مما قد يؤدي في النهاية إلى الدمار المؤكد والمتبادل لكلا الفصيلين. وعلى الرغم من كل ذلك لا يمكن استبعاد الخيانة بشكل كامل. 

خلاصة 

ليس الاقتتال الداخلي شيئًا جديدًا تمامًا على بوكو حرام. فقد ظلت الجماعة دومًا مسرحًا لتنافس القادة المحليين الأقوياء الذين يختلفون في بعض الأحيان حول التعاليم المذهبية وحول أهداف وتكتيكات الجهاد الإسلامي. ومع ذلك، فإن اللجوء إلى المواجهات العنيفة الذي ميز أحدث خلاف بين الفصائل لا يبشر بالخير لبوكو حرام. كما أن وجود عدة فصائل من شأنه أن يزيد من تعقيد الوضع الأمني في منطقة بحيرة تشاد، في الوقت الذي ترتسم فيه عدة سيناريوهات خلال الأشهر المقبلة. ومن السابق لأوانه استنتاج -على وجه التحديد- الكيفية التي سينتهي عليها الخلاف بين الفصائل، بيد أن هذا التطور يحمل في طياته نتائج إيجابية للأمن والاستقرار في المنطقة إذا تمكنت القوى الوطنية والإقليمية من الاستفادة من الخلاف الحالي لمواصلة تحييد أحد الفصيلين أو كليهما. من المعروف أن التجارب السابقة أثبتت أن تسلل قوات أمن الدولة إلى صفوف بوكو حرام صعب للغاية، لكن الانقسام الأخير داخل هرم القيادة من شأنه أن يمثل فرصة لدق إسفين بين الفصائل المتناحرة وتسميم الأجواء لجعل مستقبل جماعة بوكو حرام قاتمًا.

________________________________

 د فريدوم أونوها: أستاذ محاضر في قسم العلوم السياسية، جامعة نيجيريا، نسوكا.

ملاحظة: ترجم المادة إلى اللغة العربية د. سيدي أحمد ولد محمد إعلامي ومترجم موريتاني.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1 - Institute for Economics and Peace, (2015). Global Terrorism Index. (accessed 2 August 2015):

http://economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2015/11/2015-Global-Terrorism-Index-Report.pdf

2-  Onuoha, F.C, The Islamist Challenge: Nigeria’s Boko Haram Crisis Explained, African Security Review 19 (2), 2015, pp 54 - 67.

3-  ADF Staff, ISIS moves into Africa, Africa Defence Forum 2 July 2015, (accessed 2 August 2015):

http://adf-magazine.com/?p=3936

4-  Gaffey, C, Boko Haram Splinters with ISIS over Child Suicide Bombers: US General, Newsweek, 22 June 2016, (accessed 3 August 2016):

http://europe.newsweek.com/boko-haram-splinters-isis-over-child-suicide-bombers-us-general-473004

5- Idris, H, Shekau Vs Barnawi: The Battle for Boko Haram’s Soul, Daily Trust, 11 September 2016, (accessed 14 September 2016):

http://www.dailytrust.com.ng/news/news/shekau-vs-barnawi-the-battle-for-boko-haram-s-soul/162159.html#UgUegeToUOgohsBE.99

6-  Adamu, K, Security Risk Management and the Feud Amongst Salafi Jihadists in Nigeria, LinkedIn, 27 August 2016, (accessed 1 September 2016):

https://www.linkedin.com/pulse/security-risk-management-feud-amongst-salafi-jihadists-kabir-adamu   J. Zenn, Op cit

7-  Idris, Op Cit.

8 – Ibid

9 - استخدمت saltationist (القفز التطوري) بالمعنى السياسي للكلمة بوصفها عكس gradualist "الحراك التدريجي".

See Zenn, J, Making sense of Boko Haram’s different factions: Who, how and why? African Arguments, 20 September 2016, (accessed 25 September 2016):

http://africanarguments.org/2016/09/20/making-sense-of-boko-harams-different-factions/

10- Joscelyn, T, Islamic State’s Safe Haven in Sirte, Libya shrinks to a Single, Long War Journal, 22 September 2016, (accessed 2 October 2016):

http://www.longwarjournal.org/archives/2016/09/islamic-states-safe-haven-in-sirte-libya-shrinks-to-a-single-neighborhood.php

11- Chidi, T, Cutting the Head off the Chicken: Decapitation Operations in North East Nigeria, 12 September 2016, (accessed 20 September 2016):

https://www.linkedin.com/pulse/cutting-head-off-chicken-decapitation-operations-north-chidi

12-   Idris, Op Cit.

13-  Vanguard, Shekau's Boko Haram group, Barnawi camps clash”, 8 September 2016, (accessed 20 September 2016):

http://www.vanguardngr.com/2016/09/shekaus-boko-haram-group-barnawi-camp-clash/

14-  Adamu, Op Cit.

15-  Chidi, Op Cit.

16- في 23 أغسطس عام 2016، ادعى الجيش النيجيري أن شيخوا قد "أصيب بجروح قاتلة" في غارة جوية. وقد زعم عدة مرات أنه قتل شيخوا في الماضي لكن ذلك ما يلبث أن تثبت عدم صحته، كما هي حال الجهود الأخيرة.