تناقش هذه الورقة دور الملف الاقتصادي في توجيه مسار الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران والمزمع إجراؤها في 19 أيار/مايو 2017؛ إذ لايزال هذا الملف ذا أهمية كبيرة بالنسبة للناخبين بعد مرور أكثر من عام على رفع العقوبات الدولية عن الاقتصاد الإيراني.
لا يزال الملف الاقتصادي يتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للشارع الإيراني، وذلك بعد مرور أكثر من عام على رفع العقوبات الدولية عن الاقتصاد الإيراني. ونتيجة الآثار المحدودة لرفع العقوبات الاقتصادية، يتصدر الملف الاقتصادي المشهد في الانتخابات الرئاسية القادمة التي يترشح فيها الرئيس الحالي، حسن روحاني، لفترة ثانية. وعلى الرغم من أهمية المكاسب التي حققها، وخاصة في مجال خفض التضخم، يواجه روحاني تحديات اقتصادية أبرزها ارتفاع معدل البطالة أثناء فترة حكمه الأولى. وكان ارتفاع البطالة من الآثار السلبية للسياسات التي استهدفت خفض معدلاتها، ولكنها أيضًا كانت نتيجة القدرة المحدودة للإدارة الإيرانية على جذب استثمارات أجنبية إلى البلاد. ولعب القطاع المصرفي غير الكفء دورًا في إعاقة جذب استثمارات أجنبية إلى البلاد. واعتمادًا على الإصلاحات التي نجح في تنفيذها خلال الفترة السابقة، سيتمحور خطاب الرئيس روحاني قبالة منافسيه المحافظين في المجال الاقتصادي على مكتسبات الفترة السابقة بصورة رئيسية مع وعود بتنفيذ المزيد من الإصلاحات المستقبلية.
مقدمة
من المزمع أن تبدأ الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة في 19 مايو/أيار 2017، وتُجرى هذه الانتخابات في أوضاع اقتصادية يمكن وصفها بأنها أفضل من الأوضاع التي سادت قبل وخلال الانتخابات الرئاسية التي سبقتها. وعلى الرغم من إنجاز إيران، بقيادة الرئيس حسن روحاني، الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، الذي قضى برفع العقوبات الدولية المفروضة على اقتصاد البلاد، إلا أن رفع العقوبات الاقتصادية لم يكن قادرًا على إزاحة العثرات التي تعوق إعادة دمج الاقتصاد الإيراني في الاقتصاد العالمي بالصورة التي كانت تأملها النخب الإيرانية البراغماتية-الإصلاحية المرتبطة بإدارة الرئيس روحاني.
كانت قدرة إيران المحدودة على قطف ثمار رفع العقوبات عائدة إلى مجموعة أسباب، أهمها:
- استمرار العزلة التي يعاني منها الاقتصاد بعد رفع العقوبات بسبب استمرار ارتفاع مخاطر الاستثمار الأجنبي في إيران.
- عدم قدرة حكومة التدبير والأمل على القضاء على الفساد، وخاصة فيما يتعلق بتعاملات القطاع البنكي والتي تلعب علاقات القوة داخل النظام دورًا في تثبيتها. أسهم هذان السببان بصورة كبيرة في الحيلولة دون وفاء الرئيس حسن روحاني بجوانب مهمة من وعوده الاقتصادية إبَّان الانتخابات الرئاسية السابقة، ولاسيما في مجال خفض معدل البطالة. في أواخر مارس/آذار 2017، انتقد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، السيد علي خامنئي، الأداء الاقتصادي لحكومة روحاني لعدم قدرتها على خفض معدل البطالة وسط تزايد انتقادات شخصيات محافظة وأصولية بارزة للسياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس روحاني(1). وتضيف انتقادات المرشد المزيد من الضغوط على الرئيس روحاني قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة التي سيترشح لها للحكم لفترة ثانية.
وبالرغم من وجود توقعات بقدرة الرئيس، حسن روحاني، على الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أن ترشُّح شخصيات محافظة تمثِّل ثقلًا في هرم السلطة في إيران، مثل إبراهيم رئيسي، سادن مؤسسة قدس رضوى (حرم الإمام الرضا)، قد لا تجعل فوزه بهامش عريض يسيرًا. وبالرغم من الإشارات التي تدل على الدعم الذي يتمتع به روحاني من المرشد الأعلى، إلا أن أداء روحاني ومنافسيه قد يؤثِّر على انتخابات أخرى ستتزامن مع الانتخابات الرئاسية، ألا وهي انتخابات مجالس المحافظات. في هذه الانتخابات، سيتنافس مرشحون من التيارات المحافظة، والأصولية، والبراغماتية-الإصلاحية (فضلًا عن المرشحين المستقلين) على المجالس على مستوى الجمهورية. فمدى قدرة الرئيس الحالي ومنافسيه على صياغة خطاب انتخابي قادر على جذب المواطنين الإيرانيين من مختلف الشرائح الاجتماعية قد يؤثر على مدى قدرة التيارات السياسية الداعمة للمرشحين الرئاسيين على الاستحواذ أيضًا على عدد مؤثر من مجالس المحافظات (وخاصة العاصمة طهران). فقد تسهل التيارات السياسية التي ستهيمن على المجالس من تمرير الرئيس القادم لإيران لأجندته الاقتصادية أو تعرقلها جزئيًّا.
هناك عدد من الملفات الاقتصادية الملحَّة التي سيهتم بها الرئيس روحاني ومنافسوه في حملاتهم الدعائية. ستكون أبرز هذه الملفات خفض معدل البطالة، وإبقاء معدل التضخم تحت التحكم، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتقليص الفوارق الاقتصادية بين المحافظات الإيرانية، فضلًا عن مكافحة الفساد.
ثنائية البطالة والتضخم
عندما فاز الرئيس، حسن روحاني، في الانتخابات الرئاسية، في عام 2013، كان الهدف الأول للإدارة الجديدة خفض معدل التضخم الذي قارب 40% في ذلك العام. في العام السابق للانتخابات الرئاسية، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قطاع النفط الإيراني ثم عزل جميع البنوك الإيرانية المتهمة بخرق عقوبات الاتحاد الأوروبي عن منظومة "السويفت" ((SWIFT الدولية. بالإضافة إلى هذه الصدمات المتتالية التي كان لها دور كبير في ضرب الاستقرار المالي لإيران، كان لسياسات الإنفاق غير المسؤولة للإدارة السياسية السابقة قبيل الانتخابات الرئاسية والسياسات الشعبوية دور في تفاقم مشكلة التضخم.
استطاعت إدارة الرئيس روحاني خفض معدل التضخم من مستوى يقارب 40% في النصف الثاني من عام 2013 إلى متوسط 9% في السنة المالية الماضية المنتهية في 20 مارس/آذار 2017. وفقًا للبنك المركزي الإيراني، كانت هذه المرة الأولى التي تتمكن إدارة اقتصادية فيها من خفض معدل التضخم إلى معدل ذي رقم واحد منذ عام 1990
(2). في مقابل هذا الإنجاز الذي استطاعت إدارة روحاني تحقيقه، أسهم خفض التضخم في رفع معدل البطالة؛ فبينما كان معدل البطالة 10.4% في عام 2013، وصل هذا الرقم في عام 2015 إلى 11%
(3). ووصل معدل البطالة أخيرًا إلى 12.3% في عام 2016 (أنظر الشكل رقم 1)
(4).
الشكل رقم (1)
|
المصدر: الباحث استناداً لبيانات المركز الإيراني للإحصاء |
كيف يمكن فهم صعود معدل البطالة خلال هذه الفترة؟ باتباع الإدارة سياسات مالية ونقدية انكماشية للتحكم في معدل التضخم، تراجع المعروض النقدي وبالتالي تراجع النشاط الاقتصادي (غير النفطي) المسؤول عن خلق وظائف جديدة. ولكن تظهر آثار هذه العملية على المدى القصير فقط. وبالرغم من قصر تأثير هذه السياسات على البطالة من الناحية الزمنية، إلا أنها قد تؤثِّر نسبيًّا على الاتجاهات التصويتية في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ إذ تشير الإحصاءات الحكومية عن جغرافيات البطالة في صيف 2016 إلى ارتفاع البطالة في 15 محافظة إيرانية بمتوسط نسبة 14.2% تقريبًا، وتراجُع البطالة في 14 محافظة إيرانية بمتوسط نسبة 10.19% تقريبًا(5).
دعمت 16 محافظة إيرانية مرشحين ينتمون للتوجه الإصلاحي-البراغماتي في دورتين رئاسيتين سابقتين غير متتاليتين (2005 و2013)
(6). من بين هذه المحافظات، ارتفعت البطالة في 8 من تلك المحافظات بنسب متفاوتة (المحافظات: أذربيجان الشرقية، وأردبيل، وسيستان وبلوشستان، وفارس، وكردستان، وكرمان، وكرمنشاه، وجلستان) في صيف 2016، وكان الارتفاع الأكبر في معدل البطالة من بين هذه المحافظات من نصيب محافظتي كرمان وكرمنشاه (ارتفعت البطالة في الأولى من 6.5 إلى 11.9 في المئة، وارتفعت في الثانية من 15.2 إلى 20.3 في المئة)
(7). ولكن في المقابل، تراجعت البطالة بصور متفاوتة في 6 محافظات داعمة للتيارات السابق ذكرها (المحافظات: إيلام، ولرستان، وهرمزجان، وأذربيجان الغربية، وجيلان، وزنجان) من بين 14 محافظة إيرانية تراجع فيها معدل البطالة خلال هذه الفترة.
ومن أصل 11 محافظة إيرانية صوَّتت لمرشح من التيار المحافظ في عام 2005 ثم صوَّتت إلى مرشح ينتمي للتيار الإصلاحي-البراغماتي. في عام 2013، تراجع معدل البطالة بصور متفاوتة في 7 من تلك المحافظات (مرکزي، ومازندران، وقم، وقزوين، وسمنان، وخراسان الشمالية، وخراسان رضوي)، وبقي المعدل دون تغيير في محافظة واحدة (يزد) وارتفع المعدل في ثلاثة محافظات (خراسان الجنوبية، وطهران، وأصفهان)
(8).
مركزية دور القطاع المصرفي في جذب الاستثمارات
فيما أسهمت السياسات الاقتصادية التي استهدفت مكافحة التضخم في رفع مستوى البطالة، كانت إدارة الرئيس روحاني تعول على جذب استثمارات أجنبية مباشرة لخلق وظائف جديدة وخفض البطالة بعد التحكم في معدل التضخم. إذ تستطيع تدفقات الاستثمار الأجنبي خلق وظائف جديدة وتستطيع الإسهام في دفع عجلة التنمية في المحافظات الإيرانية ذات النمو المنخفض على المديين المتوسط والبعيد.
وفقًا للبيانات الحكومية، جذبت إيران استثمارات أجنبية بقيمة 12 مليار دولار تقريبًا منذ التوقيع على الاتفاق النووي وحتى نهاية السنة المالية السابقة
(9). يعد هذا الرقم ضئيلًا نسبيًّا بالنسبة لتوقعات صنَّاع القرار الإيرانيين وتقديراتهم لحاجات قطاعات الاقتصاد الاستثمارية عقب التوقيع على الاتفاق النووي. فناهيك عن قطاعات الاقتصاد غير النفطية والمتربطة بالقطاع النفطي أيضًا، يحتاج قطاعا النفط والغاز إلى 200 مليار دولار تقريبًا خلال السنوات الخمس القادمة
(10).
وتعود عدم قدرة إيران على جذب تدفقات الاستثمارات الأجنبية (وخاصة إلى قطاعات الاقتصاد غير النفطية) في جزء منها إلى عدم نجاح الإدارة الإيرانية برئاسة حسن روحاني في إصلاح القطاع المصرفي للبلاد الذي يمثل القناة الرئيسية التي تمر منها التدفقات. ففي التقرير الأخير الذي أصدره صندوق البنك الدولي عن حالة الاقتصاد الإيراني في عام 2016، ذكر الصندوق كلمة "عاجل" ((Urgent خمس مرات تقريبًا في التقرير، وذُكرت الكلمة خصيصًا في الأجزاء التي تناول فيها خبراء الصندوق تحديات إصلاح القطاع المصرفي الإيراني. وتتمثل مشكلات القطاع المصرفي بصورة أساسية في مساحتين مترابطتين:
• استمرار انقطاع المصارف الإيرانية عن النظام المصرفي العالمي
في بداية عام 2016، أعطى الاتحاد الأوروبي إشارة خضراء لإعادة ربط المصارف الإيرانية بمنظومة السويفت الدولية بمقتضى الاتفاق النووي الموقَّع بين إيران ومجموعة 5+1. وبالرغم من قانونية تلك الخطوة، يخشى الكثير من المصارف العالمية إعادة علاقاتها بالمصارف الإيرانية بسبب خشيتها من ارتباطها بمؤسسات أو شخصيات إيرانية لا تزال على قوائم عقوبات الأمم المتحدة أو قوائم واشنطن وبروكسل. كما أن عدم اليقين السياسي الذي لا يزال يخيم على علاقات طهران بواشنطن والغرب عمومًا يؤثِّر على قرارات هذه المصارف.
ويظل عدم التطبيق الكامل لخطة العمل التي اشترطتها مجموعة العمل المالي في باريس ((FATF لرفع النظام المصرفي الإيراني عن قائمتها السوداء التي تضم الدول الأكثر خطورة في مجالات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب عائقًا يقف قبالة إعادة ربط مصارف إيران بالمصارف العالمية. وقد أوصى تقرير صندوق البنك الدولي الذي صدر عن حالة الاقتصاد الإيراني في عام 2016 بضرورة تفعيل قوانين غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب والالتزام بخطة العمل السابق ذكرها حتى تتم إعادة ربط المصارف الإيرانية بشبكة المصارف العالمية بصورة فعالة
(11). وبذلك، يظل إعادة دمج الجهاز المصرفي الإيراني عالميًّا ضرورة لتلقي خطوط ائتمان من مؤسسات مالية أجنبية ولتيسير تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى إيران.
• الاختلالات الرأسمالية في المصارف الإيرانية
يشير صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن الاقتصاد الإيراني إلى انخفاض نسبة كفاية رأس المال في البنوك الإيرانية من 8.4% بعام 2012 إلى 5.8% في مارس/آذار 2015، أي أقل من نصف النسبة التي تطلبها مقررات إطار بازل 3 المصرفي، التي تتطلع إيران لتطبيقها في مصارفها
(12)؛ إذ يؤثِّر تراجع نسبة الكفاية على قدرة المصارف على مد النشاطات الاقتصادية بالائتمان اللازم للتوسع ومن ثم جذب المستثمرين الأجانب. وتعود مشكلة انخفاض نسبة كفاية رأس المال إلى سببين: 1) تصاعد نسبة القروض المتعثرة نتيجة فرض العقوبات الأوروبية على الاقتصاد الإيراني في عام 2012 التي ضربت الاقتصاد الإيراني. 2) خلقت الممارسات المصرفية غير المنضبطة التي رعتها إدارة الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، البيئة الملائمة لإضعاف القطاع المصرفي.
في عام 2014، صعدت نسبة القروض المتعثرة من محفظة الائتمان الكلية للمصارف إلى 15.6% (وهي تمثِّل تقريبًا 4 مرات المتوسط العالمي)
(13). وبالرغم من خفض نسبة القروض المتعثرة خلال السنوات الماضية إلا أنها شهدت انتكاسة بارتفاعها مرة أخرى في الربع الأول من عام 2017 لتصل إلى 11.6% بعد أن تراجعت إلى 10.2% في الربع الأول من العام الماضي
(14). يرد محافظ البنك المركزي الإيراني، ولي الله سيف، صعود النسبة مرة أخرى إلى الفساد الذي لا يزال يشوب التعاملات المصرفية والذي يساعد الدائنين على التهرب من التزاماتهم
(15). ومن أجل ذلك تستهدف الحكومة الإيرانية توسيع السلطات الرقابية للبنك المركزي من أجل تنظيم المصارف الإيرانية بصورة فعَّالة.
تحديات الرئيس الحالي
فيما أدت السياسات المكافحة للتضخم، مضافًا إليها استمرار مشاكل القطاع المصرفي، إلى استمرار مشكلة البطالة، تشير الإحصاءات الحكومية إلى تحقيق إيران نموًّا مرتفعًا في ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2016 بعد أن حققت إيران نموًّا سلبيًّا قبل تولي روحاني للرئاسة(أنظر الشكل رقم 2). بلغ معدل النمو 11.6% وفقًا للبنك المركزي الإيراني خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي السابق و8.9% وفقًا للمركز الإحصائي الإيراني خلال تلك الفترة
(16). بغضِّ النظر عن تضارب الإحصاءات الرسمية، استطاعت إيران تحقيق نسبة نمو مرتفعة بفضل التدفقات المالية التي جاءت من صادرات النفط. ولكن توقع صندوق النقد الدولي في تقاريره الأخيرة أن تصبح معدلات النمو أكثر اعتدالًا خلال السنوات القليلة المقبلة.
الشكل رقم (2)
|
المصدر: الباحث استناداً لبيانات المركز الإحصائي الإيراني |
في حين حققت إيران معدل نمو مرتفع خلال السنة الماضية بسبب تعافي الصادرات النفطية، لم يكن تأثير ذلك كبيرًا على المواطن مقارنة بالتوقعات المرتفعة للشارع الإيراني بعد رفع العقوبات (إلا أنه يُتوقع أن يزيد نصيب الناتج المحلي الإجمالي للفرد مع زيادة العائدات النفطية خلال السنوات المقبلة). مع الأخذ في الاعتبار أنه في السنة المالية الممتدة من مارس/آذار 2014 إلى 2015 تشير بيانات مركز الإحصاء الإيراني إلى ارتفاع عدم المساواة (الاقتصادية) في المجتمع الإيراني بعد تراجعها خلال أربع سنوات متتالية(17).
نظرًا إلى قدرة منافسي الرئيس روحاني على توظيف هذه المؤشرات السلبية، ستكون إحدى التحديات بالنسبة لروحاني هي تسويق إصلاحاته الاقتصادية، اعتمادًا على النجاحات الاقتصادية التي حققها فيما يتعلق بخفض حكومته للتضخم وجهود الحكومة المبذولة حتى الآن لإصلاح الجهاز المصرفي. ومع تزامن عقد انتخابات مجالس المحافظات مع الانتخابات الرئاسية، من المتوقع أن تركز حملة الرئيس روحاني الدعائية على تقليل عدم المساواة الاقتصادية بين المحافظات الإيرانية خلال الفترة الثانية من حكمه.
تشير السياسات الحالية للرئيس روحاني إلى عدم تجاه إدارته إلى ممارسات اقتصادية شعبوية (من قبيل الانخراط في سياسات مالية توسعية) لتحقيق مكاسب قصيرة المدى؛ إذ إنها ستضر بجهود مكافحة التضخم (مع الأخذ في الاعتبار وجود توقعات بارتفاع التضخم خلال عام 2017 نتيجة تقلبات سعر الصرف في العام الماضي). وعلى الرغم من عدم تجاه إدارة الرئيس روحاني لتنفيذ سياسات شعبوية، تشرع إدارة الرئيس روحاني في تنفيذ مشروعات من شأنها الإسهام في رفع أسهمها في الانتخابات الرئاسية القادمة (بالإضافة إلى التيارات الموالية لها في انتخابات المجالس).
في ديسمبر/كانون الأول 2016، وافقت مفوضية أعمال البنية التحتية بالحكومة الإيرانية على مشروع بناء 571 ألف وحدة سكنية مخصصة لمحدودي الدخل حتى عام 2021
(18). وفقًا لمراقبين، يعد هذا المشروع بديلًا لمشروع مساكن (مهر) المثير للجدل الذي بدأته إدارة الرئيس أحمدي نجاد والذي رأت إدارة الرئيس روحاني أنه كان أحد الأسباب المساهمة في تفجر أزمة التضخم
(19). تضمنت المسودة الأولى لخطة الرئيس الروحاني للإسكان الاجتماعي في 2014 إنشاء 125 ألف وحدة سكنية سنويًّا لمحدودي الدخل. ولكن نتيجة صعوبة توفير الائتمان اللازم، تم تأجيل المشروع حينها وخفض عدد الوحدات السنوية إلى 100 ألف وحدة
(20).
وفي حين أن مشروع الإسكان الاجتماعي قد يدعم أسهم الرئيس روحاني في الانتخابات المقبلة، إلا أن الإدارة الإيرانية قد اتخذت خطوتين قد تؤثران بصورة سلبية على موقف الرئيس روحاني في الانتخابات: الخطوة الأولى هي قطع الدعم النقدي عن شرائح اجتماعية وصل عدد متلقي الدعم فيها إلى ما يقارب 5 ملايين مواطن بحلول 20 يناير/كانون الثاني ضمن برنامج لإعادة هيكلة الدعم
(21). والخطوة الثانية هي تحديد المجلس الأعلى للعمال (يضم ممثلين حكوميين وعماليين) نمو الحد الأدنى للأجور بنسبة 14.5 في المئة. وبالرغم من تجاوز هذه النسبة معدل التضخم، إلا أن هذه النسبة تعتبر من أقل معدلات نمو الأجور التي شهدتها إيران على مدار السنوات العشر السابقة
(22).
ومع توظيف المرشحين المحافظين (المحتملين)، إبراهيم رئيسي وحميد بقائي، نائب الرئيس الإيراني السابق، نقاطَ ضعف الرئيس روحاني الاقتصادية، من المتوقع أن يتسم خطاب روحاني بنزعة انكفائية (محافظة) تتمثل في التركيز على ما يسمى "الاقتصاد المقاوِم" الذي أدخله المرشد الأعلى، على خامنئي، بعد فرض العقوبات الدولية على إيران. إلا أن التركيز على الاقتصاد المقاوم سيستهدف أيضًا الشرائح الداعمة للتيارات المحافظة.
خاتمة
هناك العديد من الإشارات التي تدل على دعم المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، لفوز الرئيس، حسن روحاني، بفترة ثانية؛ إذ إن حكم الرؤساء لفترتين في إيران يمثِّل اتجاهًا رئيسيًّا في السياسة الإيرانية. يتمتع كل من إبراهيم رئيسي وحميد بقائي بدعم من قبل مراكز قوى داخل الدولة الإيرانية إلا أنه ليس من المتوقع أن يتغلب المرشحان على حسن روحاني. ومع ذلك، فإن الملف الاقتصادي يظل ملفًّا ذا تأثير مهم على اتجاهات التصويت بصورة ستعكس مزاج ناخبي شرائح الطبقة الوسطى (بشكل خاص) تجاه الرئيس حسن روحاني. وبالرغم من المكاسب الاقتصادية التي حققها روحاني، فإن اتجاهات التصويت على مستوى الأقاليم الإيرانية ستعكس لأي مدى كان ارتفاع/انخفاض معدل البطالة، إلى جانب المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مؤثِّرًا على اختيارات المواطنين مقارنة بالانتخابات السابقة.
_________________________________
تامر بدوي - باحث متخصص في الشأن الإيراني