مقدمة
منذ تاريخ 25 أغسطس/آب 2017، وفي عملية تهجير غير مسبوقة، أُجبر ما لا يقل عن 400 ألف روهينغي، من شمال ولاية راخين، على اللجوء إلى دولة بنغلاديش المجاورة(1)، وأُفرغت القرى التي كان يقطنها الروهينغيا بنسبة تقارب 40%. وقال زيد بن رعد بن الحسين، رئيس المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في حديث له حول الأزمة التي يواجهها مسلمو الروهينغيا في بورما: "يبدو الوضع وكأنه مثال تطبيقي من كتاب التطهير العِرقي"(2)، وشبَّه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الوضع بالإبادة الجماعية(3)، في حين أجمع المجتمع الدولي على الغضب واستنكار ما يجري في راخين. هذا وطالبت ملالة يوسف زاي، الناشطة في مجال حق الأطفال في التعليم والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، مستشارةَ الدولة البورمية والزعيمة الفعلية، أونغ سان سو تشي، أن تعلن موقفها وأن تضع حدًّا للعنف الذي خلَّف مئات القتلى في صفوف السكان الروهينغيا. لكن سو تشي أصرت على موقفها المدافع عن توجهات حكومتها، وكانت ادَّعت، بعد بضعة أيام من اندلاع الأزمة، أن "الإرهابيين" هم من يتحملون المسؤولية عن الاضطرابات الأخيرة وعن نشر "جبل جليدي ضخم من التضليل الإعلامي"(4). وبينما تظل هذه السردية الرسمية للحكومة على حالها، فإن التاريخ يخبر بما يخالفها عما تم فعله ضد الروهينغيا؛ بما في ذلك ما تنتهجه الحكومة البورمية من سياسات عنصرية ومعادية للأجانب ما دعا الأمم المتحدة إلى إعلان أقلية الروهينغيا واحدة من بين أكثر الأقليات اضطهادًا وملاحقة قانونية في العالم.
وفي هذا السياق، تحاول الورقة إلقاء الضوء على تاريخ أزمة الروهينغيا، ومن ثم شرح كيف تمخضت هذه الأزمة عمَّا شهده العالم مؤخرًا من موجة عنف عارمة. كما تناقش ردود الفعل على المستويين الإقليمي والدولي. وأخيرًا، تعرض الورقة باختصار ما سيحمله المستقبل للروهينغيا وكيف سيكون وضعهم في بورما.
جذور أزمة الروهينغيا
تم إدراج الروهينغيا ضمن قائمة الجماعات الإثنية، البالغ عددها 135، التي تعترف بها حكومة بورما. لكن إثنية الروهينغيا تعتبر كيانًا غير قانوني تصنف الحكومة أفراده على أنهم أجانب قَدِموا من دولة بنغلاديش المجاورة، وتشير إليهم باستعمال وصف "بنغاليون" بهدف "ازدرائهم" وإنكار وجود أي شعب روهينغي أصيل على أرض البلاد.
وعلى العكس من ذلك، يوجد عدد لا يُحصَى من الأدلة على أن الروهينغيا كانوا موجودين في منطقة راخين منذ القرن السادس عشر(5). وقد كانت هناك حروب أهلية اندلعت، خلال القرن التاسع عشر، بين البوذيين والروهينغيا على إثر تسهيل قوات المستعمر استقدام أعداد كبيرة من العمال الروهينغيا بهدف الاستقرار والعمل في المناطق التي تمثِّل اليوم بورما الحديثة.
وخلال النصف الأول من القرن العشرين، وفي الوقت الذي تواصلت فيه النزاعات بين البوذيين والروهينغيا المسلمين، شهدت أوضاع الروهينغيا ترديًا ملحوظًا مع وصول المجموعة العسكرية إلى الحكم عام 1962. وفي العام 1982، صدر قانون تم بمقتضاه سحب الجنسية من الروهينغيا، وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية الأساسية، مثل حرمانهم من حق العمل والإنجاب، وتواصل هذا المنع إلى ما بعد فترة الحكم العسكري(6).
في السنوات الخمس الماضية، تمكن الروهينغيا من فرض قضيتهم كمادة إعلامية لأهم العناوين الإخبارية الرئيسية في مختلف وسائل الإعلام العالمية، وفضح حملات كراهية الأجانب التي نُظِّمت ضدهم بقيادة مجموعة متحمسة من الرهبان البوذيين شديدي العداء للمسلمين. وتقود حملات الكراهية تلك، واحدة من المجموعات الرئيسية المسماة "ما با ثا"، والتي وضعت لنفسها هدفًا وحيدًا يتمثل في اجتثاث مظاهر النفوذ الإسلامي في البلاد، الذي يُنظر إليه باعتباره تهديدًا للهوية البوذية للدولة، على الرغم من كون نسبة المسلمين الروهينغيا لا تتجاوز 4% من مجموع السكان(7)، وكان من أبرز زعماء تلك المجموعة الراهب "ويراثو" الذي اكتسب شهرة عالمية واسعة بسبب مقترحاته المعلنة المعادية للروهينغيا خصوصًا والمسلمين عمومًا، ومن ذلك أنه دعا لفرض مقاطعة على الشركات الإسلامية العاملة في البلاد واقترح على الحكومة منع النساء البوذيات من الزواج من الرجال المسلمين، أو على الأقل ربط ذلك بموافقة أولياء أمر الفتيات البوذيات وعدم اعتراض السلطات المحلية(8).
وفي الوقت الذي تدَّعي فيه الجماعة البوذية المتشددة أنها حركة شعبية غير عنيفة، كانت من الجهة الأخرى تدعم كل عمل عسكري هدفه إنهاء وجود الروهينغيا في ولاية راخين. وخلال الأزمة الأخيرة في 30 أغسطس/آب 2017، قال ويراثو لمجموعة من المتظاهرين في العاصمة يانغون(9): "قائد الجيش وحده هو الذي يمكنه حماية أرواح أبناء الشعب وممتلكاتهم...الجيش وحده هو المُخوَّل بإعطاء الدروس حول كيفية ترويض الإرهابيين البنغاليين". وفي مايو/أيار 2017، خلال مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، وردًّا على سؤال حول الانتهاكات العسكرية الواسعة التي شملت أيضًا اغتصاب نساء الروهينغيا، ردَّ ويراثو: "هذا أمر مستحيل، فأجسادهم عفِنة للغاية"(10).
التصعيد الأخير ودور الدولة البورمية
أعلنت السلطات البورمية، في 25 أغسطس/آب 2017، عن استهداف عدد من نقاط التفتيش التابعة للشرطة في ولاية راخين من طرف عناصر تابعة لجماعة مسلحة تُسمَّى "جيش إنقاذ روهينغيا أراكان" (ARSA)، وهي جماعة مؤلَّفة من المُقاومين الروهينغيا كانت وراء مقتل 12 ضابطًا شرطيًّا وفقًا لتأكيدات صادرة عن الحكومة البورمية(11).
تبع تلك الحادثة، وعلى امتداد الأسابيع القليلة التي تلتها، تنفيذ عمليات عسكرية شارك فيها الجيش بقوة وسُمِّيت بـ"عمليات تطهير"؛ وشملت حرق كل قرى الروهينغيا عن بكرة أبيها كما لقيت المحال التجارية نفس المصير، في حين فُتحت نيران الأسلحة على المدنيين العزل بمن فيهم النساء والأطفال. واستنادًا إلى البيانات المسجلة، التي أبانت عنها صور الأقمار الصناعية، أفادت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن نحو 200 قرية روهينغية أُحرقت حتى سُوِّيت بالأرض. أما آخر عملية عسكرية ضخمة من هذا النوع فتم تنفيذها في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ حيث شهدت ظروفًا مماثلة من القتال بين قوات الأمن البورمية ومقاتلي المقاومة الروهينغية وأدت إلى فرار ما يقرب من مئة ألف شخص من المنطقة نحو بنغلاديش(12).
في الوقت الحالي، نجد أن كلًّا من الحكومة المدنية وقوات الجيش متحدَيْن في انتهاج نفس التكتيكات تجاه الروهينغيا؛ حيث أعلنت مستشارة الدولة والقائدة الفعلية لها، أونغ سان سو تشي، قرار جيش بلادها شن حملات عسكرية على الروهينغيا في المناطق التي يشكِّلون فيها غالبية سكانية، ورفضت الاعتراف بارتكاب تلك القوات أي جرائم في حق الروهينغيا. وكانت سان سو تشي خاطبت شعبها، في كلمة ألقتها باللغة الإنجليزية في العاصمة يانغون في 19 سبتمبر/أيلول 2017، كانت موجهة لتهدئة الغضب الدولي وزعمت فيها عدم وضوح السبب وراء الفرار الجماعي لروهينغيا ولاية راخين، وهي تسعى من وراء تعليقاتها هذه إلى حماية الجيش من الخضوع للمحاسبة(13).
لقد عصفت أزمة الروهينغيا بالصورة المثالية التي كان يحملها الكثيرون في العالم عن سو تشي ويرونها بطلة الديمقراطية والمدافعة المستميتة عن حقوق الإنسان، وأصبح العالم يراها عائقًا في وجه حلِّ الأزمة أكثر من كونها حَكَمًا نزيهًا فيها. خلال المرحلة التي سبقت انتخابات أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015 والتي أوصلت حزبها إلى سدة الحكم، رفضت سو تشي أن يترشح أي مسلم على قائمة حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية(14). كما منعت في العام 2016 موظفي الدولة من استخدام مصطلح "الروهينغيا"، وهو ما اعتُبر حينها، على نطاق واسع، حركة تهدف إلى تهدئة غضب المتطرفين البوذيين في ولاية راخين. وكانت وزارة الإعلام البورمية أصدرت تعليمات لموظفيها بالإشارة إلى الروهينغيا على أنهم "أناس يؤمنون بالإسلام يعيشون على أرض ولاية راخين"(15).
تعكس هذه القرارات السيطرة شبه المطلقة للجيش على سياسة الدولة حيال الروهينغيا، في حين يظل قائد القوات المسلحة في مأمن من خضوعه للمحاسبة من قبل الحكومة المدنية، بل وحتى من زعيمة ذات شهرة عالمية مثل سو تشي.
وفي حديث أدلى به آرون كونيلى، الزميل الباحث في برنامج شرق آسيا في معهد لويي في سيدني لشبكة (سي. إن. إن)، قال فيه: إنه وفقًا للدستور البورمي، فإن "القائد العام للقوات المسلحة (في دولة ميانمار) هو سيد نفسه وغير مسؤول أمام أونغ سان سو تشي، ولا يمكن عزله من منصبه"(16).
هذا، ويضمن الدستور البورمي لعام 2008، الذي صاغه النظام السابق، نسبة تمثيل للعسكر داخل البرلمان لا تقل عن 25% من مجموع المقاعد، كما يضمن للجيش مناصب وزارية رئيسية مثل وزارتي الدفاع وأمن الحدود -وهي مناصب حاسمة في الإشراف على أية عملية انتخابية تجُرى داخل البلاد-، بالإضافة إلى منح الجيش الحق في اعتماد وإقرار ميزانيته الخاصة دون الخضوع لأية رقابة مدنية؛ ومن ثم تعبيد الطريق أمام جنرالات الجيش السابقين وقادة القوات المسلحة وتمكينهم من رسم توجهات السياسات الأمنية في بورما، وخاصة منها تلك المتعلقة بالتعامل مع الروهينغيا(17). وفى مارس/آذار 2017، قال قائد القوات المسلحة البورمية، الجنرال مين أونغ هلينغ: "استطعنا بالفعل جعْل العالم يعرف أنه لا وجود للروهينغيا فى بلادنا...والبنغاليون الموجودون في ولاية راخين ليسوا مواطنين في دولة ميانمار وهم لا يعْدُون كونهم أناس قَدِموا إلى بلادنا وبقوا فيها"(18). كما شجب هلينغ، كل دعوة أو حديث عن إمكانية منح الجنسية البورمية للروهينغيا حاسمًا بذلك موقف الجيش من الصراع القائم؛ وتؤكد هذه التصريحات على أن الاستراتيجية المتبعة، التي يتم تنفيذها اليوم، تقوم على اعتماد تصفية جسدية متواصلة للروهينغيا في ولاية راخين.
رد فعل الروهينغيا
كان ردُّ فعل غالبية الروهينغيا تجاه مأساتهم الموجعة سلميًّا بشكل عام. والشكل المقاوِم الوحيد الذي وُجد تَمَثَّل في تشكيل مجموعة مسلحة صغيرة ومحدودة العدد مثل "جيش إنقاذ روهينغيا أراكان"، الذي وجَّه أسلحته لأهداف محددة دون غيرها: المنشآت العسكرية داخل ولاية راخين.
وكان جيش إنقاذ روهينغيا أراكان، الذي مضى على تأسيسه ثلاثة أعوام، مرَّ خلالها بأطوار متقلبة، قد برَّر هجماته تلك بسبب سياسة التحريض على الروهينغيا التي انتهجتها الدولة البورمية. وفي شريط فيديو تم تحميله على شبكة الإنترنت بتاريخ 15 آب/أغسطس 2017، أي أيامًا قليلة فقط قبل اندلاع الصراع، أكَّد جيش إنقاذ روهينغيا أراكان وجوده في راخين منذ ثلاث سنوات و"أنه لم يلحق أي أذى أو ضرر بحياة سكان ولاية راخين أو ممتلكاتهم، بمن فيهم الروهينغيا"(19).
لكن، وعلى الرغم من إصرار الحكومة وتكرارها المتواصل اتهام الجماعة بتبعيتها لتنظيمات إرهابية من منطقة الشرق الأوسط أو جنوب آسيا، فإن جيش إنقاذ الروهينغيا يرفض تلك الاتهامات تمامًا. وأصدرت الجماعة بيانًا في 14 سبتمبر/أيلول 2017، أوضحت فيه أن: "لا علاقة لها لا بتنظيم القاعدة ولا بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ولا بجماعة "لشكر طيبة" أو بأي جماعة إرهابية عابرة للحدود"(20).
من ناحيته، قال الدكتور ماونغ زارني، الناشط البورمي المخضرم، حول جماعة جيش إنقاذ الروهينغيا خلال مقابلة مع قناة الجزيرة: "إنهم رجال فقدوا الأمل فقرَّروا تشكيل مجموعة للدفاع عن أنفسهم وحماية شعبهم الذي يعيش في ظروف هي أقرب إلى معسكر اعتقال نازي"(21). وبغضِّ النظر عن تأكيدات الحكومة بأن المجموعات المسلحة مثل جيش إنقاذ الروهينغيا تشكِّل تهديدًا وجوديًّا على الدولة، إلا أن قدرة الجماعة على القتال محدودة جدًّا، وغالبًا ما تعتمد على العصي والسكاكين وبضع البنادق المسروقة.
الرد الإقليمي والدولي
أشعلت الأزمة، على المستويين الإقليمي والدولي، غضبًا عارمًا حول العالم؛ فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، شاهد المليارات من الناس تلك الصور المروعة القادمة من ولاية راخين للاجئين الروهينغيا، الذين لم يجدوا من يساعدهم، وهم يفرون من البلاد ويسلكون طرقًا خطيرة ووعرة وسط الغابات بحثًا لهم عن ملجأ آمن. وخرجت مظاهرات حاشدة من كندا إلى ماليزيا للدفاع عن قضية الروهينغيا، كما رأينا عددًا كبيرًا من الزعماء السياسيين في العالم يرفعون أصواتهم ويلعبون دورًا أكبر في الأزمة وأكثر وضوحًا مما كانوا يقومون به خلال أحداث سابقة.
من جهته، قال نجيب رزاق، رئيس وزراء ماليزيا، والذي تشهد بلاده موجات نزوح كبيرة للروهينغيا، (في 9 سبتمبر/أيلول 2017): "بالاعتماد على التقارير التي وصلتنا، فإن الروهينغيا يعانون من التمييز ولا يلقون أية رحمة أو شفقة...أما الآن، فإن كل هذا يُنفَّذ ضدهم بشكل مخطط له ومُمنهج، فهم اليوم يواجهون التمييز العرقي والديني ويُعذبون ويُقتلون وتُغتصب نساؤهم"(22).
مما لا شك فيه أن أكثر الأماكن تأثرًا بالأزمة هي بنغلاديش، الجار الشمالي لدولة بورما؛ حيث فرَّ إليها الجزء الأكبر من آلاف اللاجئين. ومؤخرًا، وصفت الأمم المتحدة المشاهد على الحدود بين البلدين بالفوضوية، وأن "مساعدات دولية ضخمة" باتت ضرورية لإغاثة اللاجئين الروهينغيا(23). أما استجابة الحكومات وتفاعلها مع الأزمة الحالية فقد حققت نتائج أفضل بكثير مما كان منها في أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ حيث ذكرت جماعات حقوق الإنسان حينها أن الحكومة البنغالية تقاوم تدفق اللاجئين(24).
أما الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت أقرب حليف لسان سو تشي، فقد ندَّدت بدورها بالعنف المرتكب؛ ففي اجتماع حول عمليات السلام عُقد في الأمم المتحدة، في 20 سبتمبر/أيلول 2017، أشار نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إلى "الوحشية الرهيبة" للجيش البورمي في حق الروهينغيا"، مضيفًا: "صدمت صور العنف المرتكب ضد الضحايا الشعب الأميركي وكل الشعوب المحترمة حول العالم"(25).
لكن ومع ذلك، فإن مايك بنس لم يوجِّه نقدًا علنيًّا لحكومة سو تشي، وهي خطوة حذرة منه مبنية على مراعاة العلاقات الأميركية-البورمية التاريخية، ولذلك لم يكن موقفه مستغربًا؛ فعلاقات سو تشي الوثيقة مع إدارات البيت الأبيض السابقة -التي كانت تدعم نضالها بقوة- تُقيِّد الحكومة الأميركية، في بعض الأحيان، وتمنعها من انتهاج سياسة أكثر صرامة ضد حكومتها. ونذكِّر في هذا السياق بإشادة وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، بدور الولايات المتحدة وجهودها لإنجاح سو تشي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، واصفة ذلك الدعم بأنه "تأكيد على الدور الحاسم الذي تلعبه، ويجب أن تلعبه، أميركا في العالم لتأييد ومناصرة السلام والتقدم"(26).
من بين مؤيديها القليلين، كانت الصين هي الدولة الوحيدة التي دعمت حكومة ميانمار بشكل كامل منذ بدء الأزمة، وقال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في اجتماع له مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: "إن لحكومة ميانمار الحق في حماية بلادها من التهديدات المحدقة بها"(27). ومعروف أن للصين علاقة وثيقة مع الجيش البورمي تعود إلى حقبة حكم المجلس العسكري، الذي قدَّمت له بيجين حينها معونات سخية من الأسلحة وبَنَت منشآت عديدة عسكرية في البلاد ساعدت النظام العسكري على تأكيد فرض سلطته على البلاد(28).
أما موقف الحكومة الهندية، وهي أيضًا حليف وثيق للحكومة البورمية، فكان أقرب لرفض انتقاد حكومة حليفتها خاصة أن وسائل الإعلام الهندية الرئيسية ووزراء في الحكومة كانوا يحذِّرون من احتمال دخول "إرهابيين" من الروهينغيا إلى البلاد. وتنظر المحكمة الهندية العليا حاليًّا في تقرير مصير أربعين ألف روهينغي كانت الحكومة قد أعلنت عن نيتها ترحيلهم(29). إلا أن الهند عمدت مؤخرًا، وبعد ملاحظتها خطورة الوضع وحالة الغضب العام في جميع أنحاء العالم، إلى التخفيف من التشدد في موقفها، ودعت حكومة ميانمار إلى وضع حدٍّ لاضطهاد الروهينغيا(30). كما دعت الصين، من جانبها، إلى إيجاد حل دبلوماسي للصراع، ووعدت مؤخرًا بنقل قلق الحكومة البنغالية من قضية الروهينغيا لحكومة ميانمار(31).
في الوقت الذي لا يوجد فيه لشعب الروهينغيا تقريبًا أي موارد سياسية أو مادية في وطنهم، ولا حتى جماعات ضغط مقيمة في الخارج للدفاع عن قضيتهم، فإن زيادة الوعي العام، الذي كانت تفتقده قضيتهم في السنوات السابقة، يمكن أن يكون هو الأمل الوحيد لهم في مثل هذا الوضع الكارثي.
آفاق الأزمة
في الفترة الماضية، وفي الوقت الذي كانت فيه موجة العداء الموجَّه ضد الروهينغيا على أشدها، ورغم أن عناوين كبريات الصحف العالمية كانت تهتم بمتابعة قضيتهم، إلا أن ذلك الزخم الذي جلبته القضية كان يتبدد في نهاية المطاف بسبب انشغال الهيئات الدولية بمتابعة الحروب الجارية في الشرق الأوسط مثل تلك التي يشهدها العراق وسوريا.
لكن مع هذا التصعيد الأخير، بات من الواضح أن قضية الروهينغيا لاقت اهتمامًا أكبر مما كان عليه الأمر في السنوات السابقة، ومن المرجح أن تحتل هذه القضية مكانًا متقدمًا على قائمة الأزمات الدولية التي تتطلب معالجة عاجلة. مع الأخذ بالاعتبار، أنه بالنظر إلى الأسس الجيوسياسية للصراع الذي يشمل دولًا ذات وزن كبير مثل الصين المنحازة بقوة لجانب الحكومة البورمية، فسيكون من الصعب التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه القضية.
أما بالنسبة لآفاق نجاح المقاومة المسلحة في تحقيق أهدافها، فإنه من المستبعد جدًّا حدوث ذلك؛ لأن الروهينغيا لن يكونوا قادرين على المواجهة في معادلة قوة غير متكافئة مع ما تمتلكه حكومة ميانمار من موارد عسكرية ضخمة. ومع تزايد العنف المرتكب ضد مجتمع الروهينغيا، فإن المقاومة الروهينغية التي تستهدف الجيش البورمي سوف تستمر في النمو.
أما أفضل خيار للروهينغيا من أجل ليِّ ذراع الحكومة البورمية، التي تتزعمها سو تشي، وحملها على وقف حملاتها العنيفة ضدهم فيكمن في الدعم الذي تلقاه قضيتهم لدى الرأي العام في جميع أنحاء العالم وأملهم في أن يتحول ذلك الدعم إلى خطوات فعالة من قبل حكومات البلدان الأجنبية والمؤسسات الدولية التي تُحمِّل حكومة ميانمار المسؤولية عن تجاوزاتها ضد مجتمع الروهينغيا.
__________________________
أسيد صديقي، كاتب وباحث كندي مستقل
ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه د. كريم الماجري إلى اللغة العربية. النص الإنكليزي على الرابط أدناه:
1. “More than 400,000 Rohingya have fled to Bangladesh”, PBS, 16 September 2017, (Visited on 20 September 2017):
www.pbs.org/newshour/bb/400000-rohingya-fled-bangladesh/
2. Tarabay, Jamie, “Myanmar government: Almost 40% of Rohingya villages are now empty”, CNN, 14 September 2017, (Visited on 25 September 2017):
www.cnn.com/2017/09/14/asia/myanmar-rohingya-empty-villages/index.html
3. “UN human rights chief points to 'textbook example of ethnic cleansing' in Myanmar”, UN News Centre, 11 September 2017, (Visited on 27 September 2017):
www.un.org/apps/news/story.asp?NewsID=57490#.Wcv141UrJhE
4. Safi, Michael, “Aung San Suu Kyi says 'terrorists' are misinforming world about Myanmar violence”, The Guardian, 6 September 2017, (Visited on 26 September 2017):
5. Ullah, A. Ahsan, "Rohingya refugees to Bangladesh: Historical exclusions and contemporary marginalization", Journal of Immigrant & Refugee Studies, No. 9.2, 2011, p. 139-161.
6. Lewa, Chris, "North Arakan: an open prison for the Rohingya in Burma", Forced Migration Review, No. 32, 2009, p. 11.
7. Zin, Min, "Anti-Muslim Violence in Burma: Why Now?", Social Research: An International Quarterly, No. 82.2, 2015, p. 375-397.
8. Kuo, Lily, “2.5 million Burmese support a measure to restrict marriage between Muslims and Buddhists”, Quartz, 18 July 2013, (Visited on 24 September 2017):
9. “Myanmar Buddhist nationalists seek tougher military crackdown on Rohingya 'terrorists'”, The Japan Times, 31 July 2017, (Visited on 23 September 2017):
10. Oppenheim, Marella, “'It only takes one terrorist': the Buddhist monk who reviles Myanmar's Muslims”, The Guardian, 12 May 2017, (Visited on 23 September 2017):
11. Lone, Wa, and Naing, Shoon, “At least 71 killed in Myanmar as Rohingya insurgents stage major attack”, Reuters, 25 Augst 2017, (Visited on 21 September 2017):
12. Htusan, Esther, and Mendoza, Martha, “Burmese soldiers accused of raping and killing Rohingya Muslims”, The Independent, 31 October 2016, (Visited on 28 September 2017):
13. “Myanmar: Aung San Suu Kyi ‘burying her head in the sand’ about Rakhine horrors”, Amnesty International, 19 September 2017, (Visited on 25 September 2017):
14. McPherson, Poppy, “No vote, no candidates: Myanmar's Muslims barred from their own election,” The Guardian, 3 November 2015, (Visited on 28 September 2017):
15. Lloyd, Peter, “Aung San Suu Kyi bans use of Rohingya name”, ABC News, 22 June 2016, (Visited on 28 September 2017):
www.abc.net.au/news/2016-06-22/aung-san-suu-kyi-bans-use-of-rohingya-name/7534410
16. Tarabay, Jamie, “Myanmar's military: The power Aung San Suu Kyi can't control”, CNN, 24 September 2017, (Visited on 26 September 2017):
www.cnn.com/2017/09/21/asia/myanmar-military-the-real-power/index.html
17. “Why does military still keep 25% of the seats Myanmar parliament?”, BBC News, (Visited on 27 September 2017):
18. “Myanmar Military Chief Defends Crackdown Against Rohingya in Rakhine State”, Radio Free Asia, 27 March 2017, (Visited on 27 September 2017):
19. Edroos, Faisal, “ARSA: Who are the Arakan Rohingya Salvation Army?”, aljazeera.com, 13 September 2017, (Visited on 27 September 2017):
www.aljazeera.com/news/2017/09/myanmar-arakan-rohingya-salvation-army-170912060700394.html
20. Edroos, Faisal, “ARSA group denies links with al-Qaeda, ISIL and others”, aljazeera.com, 14 September 2017, (Visited on 25 September 2017):
www.aljazeera.com/news/2017/09/arsa-group-denies-links-al-qaeda-isil-170914094048024.html.
21. Tarabay, Jamie, “Who are Myanmar's militants? Five questions about ARSA”, CNN, 12 September 2017, (Visited on 26 September 2017):
www.cnn.com/2017/09/12/asia/arsa-rohingya-militants-who-are-they/index.html).
22. “Malaysia PM Najib Razak says Rohingya face systematic atrocities in Myanmar”, Hindustan Times, 9 September 2017, (Visited on 27 September 2017):
23. “UNHCR: Bangladesh Needs 'Massive International Assistance' for Rohingya”, VOA News, 24 September 2017, (Visited on 28 September 2017):
www.voanews.com/a/unhcr-bangladesh-needs-massive-international-assistance-for-rohingya/4042078.html
24. Sherwood, Harriet, “Rohingya Muslims fleeing Myanmar 'turned away by Bangladesh'”, The Guardian, 25 November 2016, (Visited on 27 September 2017):
www.theguardian.com/world/2016/nov/25/rohingya-muslims-fleeing-myanmar-turned-away-by-bangladesh
25. “Remarks by the Vice President to the UN Security Council”, The White House, 20 September 2017, (Visited on 27 September 2017):
www.whitehouse.gov/the-press-office/2017/09/20/remarks-vice-president-un-security-council
26. Collinson, Stephen, “Hillary Clinton celebrates Myanmar vote and her role in it”, CNN, 12 November 2015, (Visited on 27 September 2017):
www.cnn.com/2015/11/12/politics/hillary-clinton-myanmar-election-role/index.html.
27. Blanchard, Ben, “China offers support to Myanmar at U.N. amid Rohingya crisis”, Reuters, 19 September 2017, (Visited on 28 September 2017)
28. Arnott, David, "China-Burma Relations", Challenges to Democratization in Burma, 2001, p. 69-86.
29. “India: Rohingya have 'terror' ties”, aljazeera.com, 18 September 2017, (Visited on 27 September 2017)
www.aljazeera.com/news/2017/09/india-rohingya-muslims-terror-ties-170918134840406.html
30. “India Has Asked Myanmar to End Rohingya Persecution, Claims Bangladesh”, The Wire, 15 September 2017, (Visited on 27 September 2017):
thewire.in/178015/india-myanmar-rohingya-swaraj-bangladesh/.
31.“China will try to influence Myanmar to address Bangladesh concerns: AL leader”, bdnews24.com 2017, (Visited on 27 September 2017):
bdnews24.com/politics/2017/09/25/china-will-try-to-influence-myanmar-to-address-bangladesh-concerns-awami-league-leader