أفغانستان وأسئلة المستقبل: المصالحة ما زالت بعيدة

عرض الرئيس الأفغاني على حركة طالبان مشروعًا متكاملًا لإنهاء الحرب، وجاء العرض الذي قدَّمه أشرف غني في وقت تعاني فيه حكومته من أزمات داخلية، يرافقها تخبط إدارة ترامب في سياساته تجاه أفغانستان، تبحث هذه الورقة في مواقف الأطراف المختلفة من عرض المصالحة الأخير.
8395b419adc045e5a90ec6fe10103108_18.jpg
طفل أفغاني يُنْقَل للعلاج عقب غارة جوية للجيش الأفغاني على مدرسة لتحفيظ القرآن قتل فيها 100 شخص بينهم أطفال (الأناضول)

مقدمة 

يتجدد العام حسب التقويم الهجري الشمسي المستعمل في أفغانستان يوم 20 من مارس/آذار في كل سنة ميلادية، واعتبرت الحكومة الأفغانية هذا العام مثل كل الأعوام الماضية: عام المصالحة وإنهاء الحرب، وعرض الرئيس الأفغاني، أشرف غني، على حركة طالبان -ولأول مرة- خلال المؤتمر الثاني للسلام بكابول، قبيل بداية السنة الأفغانية الجديدة، أي يوم 28 فبراير/شباط 2018، مشروعًا متكاملًا لإنهاء الحرب باعتبارها طرفًا في الصراع الأفغاني. يحدث ذلك في وقت تعاني فيه الحكومة الأفغانية من أزمات داخلية، مع تخبط إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سياساته تجاه الوضع في أفغانستان. ومن هنا، تثار مجموعة من الأسئلة حول مستقبل هذا البلد الذي يعاني منذ عقود من ويلات الحرب والدمار: هل يتجه نحو الاستقرار السياسي أم يستمر الصراع؟ وما هي سياسة واشنطن تجاه الصراع القائم فيها؟ وكيف ينظر الطرف الآخر للصراع إلى قضية المصالحة؟ وهي الأسئلة التي تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عليها. 

حاول ترامب أن يعيد النظر في استراتيجية إدارته بشأن وقف الحرب في أفغانستان، لكن الاستراتيجية التي أعلن عنها قبل أشهر كانت تتلخص في الإصرار على البقاء في أفغانستان واستمرار الحرب، وقد أدى ذلك إلى ردود فعل دموية من قبل المعارضة المسلحة؛ حيث قامت حركة طالبان بهجمات نوعية داخل المدن الأفغانية وعلى المراكز العسكرية، ومن هنا اضطرت الحكومة الأفغانية لأن تسعى لاحتواء ذلك الوضع، فحاولت أن تضغط على باكستان لتتخلى عن مساعدة المجموعات المسلحة عمومًا وعن مساعدة حركة طالبان خصوصًا، وأن تضغط على حركة طالبان بحرمانها من تأييد العلماء، وفي نفس الوقت عرضت عليها عرضًا مغريًا للمصالحة لتظهرها بمظهر المعادي للصلح عند رفضها إياه. أما حركة طالبان فتعتبر كل المحاولات التي تبذلها الحكومة محاولات لإضفاء الشرعية على الاحتلال. 

ويبدو أن رفض طالبان قابله عنف حكومي؛ حيث أوقعت غارة جوية نفَّذها سلاح الجو الأفغاني، في الثالث من أبريل/نيسان 2018، على مدرسة دينية بولاية قندوز شمالي أفغانستان، مئة قتيل. وفيما تحدثت أنباء عن سقوط أطفال ومدنيين في حفل لتخريج حَفَظَة القرآن في تلك المدرسة، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع، محمد رادمنش، للجزيرة مقتل عشرين من القيادات الميدانية في حركة طالبان وإصابة عشرين بالغارة. 

الوضع السياسي في أفغانستان 

تعاني الحكومة الحالية منذ بداية تشكيلها، عام 2014، من أزمة الشرعية؛ حيث إن الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في ذلك العام لم تسفر رسميًّا عن نجاح أيٍّ من المرشحيْن، وتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بوساطة من وزير الخارجية الأميركي، حينذاك، جون كيري، بموجب اتفاقية تم التوقيع عليها من قبل المرشحيْن الأكثر أصواتًا في السفارة الأميركية بكابول، وحتى هذه الشرعية المخرومة والمستفادة من الاتفاقية الموقعة بالوساطة الأميركية تنتهي ولايتها حسب الدستور الأفغاني يوم 22 مايو/أيار من العام الجاري (2018)(1)، ولا تلوح في الأفق أية بوادر لإجراء انتخابات رئاسية كما أنها تعرَّضت لهزات عنيفة في مسيرتها. وينصُّ الدستور الأفغاني على أن الرئيس يُنتَخب مع نائبيه انتخابًا عامًّا؛ فهو يخوض الانتخابات كفريق مع نوابه، وكان نائبه الأول في الانتخابات الرئاسية، الجنرال عبد الرشيد دوستم، أحد قيادات الميليشيات سيئة السمعة في عهد نجيب الله الحاكم الشيوعي السابق، اختاره نائبًا له وسجله حافل بالعديد من الجرائم ضد الإنسانية، وبعد انتخابه نائبًا لرئيس الجمهورية اتُّهم من قبل أحد معارضيه ونائبه السابق في الحركة الوطنية الإسلامية، أحمد إيشتشي، عام 2016، بالاعتداء الجنسي عليه(2)، وعندما قُدِّم ملفه بعد شهور إلى النيابة العامة غادر أفغانستان، ومنذ 19 مايو/أيار عام 2017 وهو يعيش في المنفى بتركيا. 

يضاف إلى ذلك أن حكومة الوفاق الوطني عاشت فترة طويلة في صراع حاد بين قطبيها؛ رئيس الدولة والرئيس التنفيذي، وتوقف بسببه استكمال التشكيلات الإدارية والأعمال اليومية فضلًا عن المشاريع التنموية والاقتصادية(3). إلى جانب ذلك، حدَّد الدستور الأفغاني مدة عمل البرلمان بأربع سنوات تنتهي في العام الخامس في الثاني والعشرين من يونيو/حزيران(4). وكانت الانتخابات البرلمانية قد أُجريت عام 2010، وهذا يعني أن البرلمان الأفغاني قد انتهت مدة عمله عام 2015، ومن هنا فهو يعمل منذ أربع سنوات خارج نطاق القانون والدستور، ويتم تمديد فترة عمله بقرار من رئيس الجمهورية الذي لا يملك ذلك. 

وسط هذه الحالة من الضعف وعدم الاستقرار السياسي وأزمة الشرعية، تواجه الحكومة الأفغانية قضايا شائكة ووضعًا أمنيًّا صعبًا؛ حيث يتمرد حكام الولايات أحيانًا فلا يقبلون قرارات التبديل والتغيير والإعفاء من الخدمة كما حدث في ولاية بلخ وسمنجان وغيرهما، حين أقالت الحكومة عطاء محمد نور، والي ولاية بلخ، فرفض التنحي فتدخل نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية ووجَّه الرئيس الأفغاني لإنهاء الأزمة عن طريق الحوار والتفاهم(5)؛ فاضطرت الحكومة للتفاوض معه إلى أن توصل الطرفان إلى صفقة أبرماها يوم 20 مارس/آذار 2018. ويعارض قادة الشرطة أحيانًا قرارات الحكومة كما فعل الجنرال عبد الرزاق في قندهار(6)، فلم تكن الحكومة الأفغانية لتستمر في الحكم لولا الدعم الأميركي. 

المصالحة والاستقرار 

تُعَدُّ المصالحة من القضايا المهمة التي تواجهها أفغانستان في هذه الظروف السياسية غير المستقرة المرافقة للظروف الأمنية الصعبة. وفيما يتحدث الجميع عن إنهاء مأساة الشعب الأفغاني ووضع نقطة النهاية للحرب الدائرة على أراضيه، ما زالت الحرب مستمرة، والدماء ما زالت تراق. 

عندما تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، حاول مثل الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأميركية أن يعيد النظر في استراتيجيته تجاه أفغانستان لإنهاء الصراع، وبعد مداولات مطولة أعلن عنها، فجاءت تتلخص في التهديد والوعيد ومواصلة القتال والإصرار على البقاء في أفغانستان، وكان أهم ما ورد فيها ما يلي حسب تصريحات الرئيس الأميركي:

  • الإصرار على بقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وأن قرار الانسحاب من العراق عام 2011 كان خطأ، وكان سببًا في ضياع إنجازات أميركا على أرض الواقع. 
  • أن أميركا لن تعلن عن استراتيجيتها القتالية في أفغانستان، ولن تفصح عن عدد قواتها هناك، وأن عدد قواتها سيتزايد وسيتناقص حسب الحاجة إليها على أرض الواقع من غير إعلان مسبق عنه.
  • وتنصلت واشنطن في استراتيجيتها هذه عن وعودها بالبناء وتعمير أفغانستان، واعتبرت ذلك مسؤولية الحكومة الأفغانية.
  • وحمَّلت الاستراتيجية الأميركية الجديدة الحكومة الباكستانية مسؤولية إيواء المنظمات الإرهابية -حسب تعبيرها- وطلبت منها أن يتغير هذا الوضع فورًا، وإلا فإن لدى باكستان أشياء كثيرة لتخسرها.
  • بعد استخدام مؤثِّر للقوة العسكرية، يمكن أن يتم تشكيل نظام سياسي يشارك فيه عناصر من حركة طالبان، لكن لا يدري أحد هل سيحدث هذا الأمر حقيقة، ومتى سيحدث.
  • إعطاء الدور الأكبر للهند في محاولة إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان إلى جانب تقديم الدعم الاقتصادي لها(7). 

إن استخدام القوة العسكرية لإخضاع المعارضة المسلحة هي الاستراتيجية الرسمية للولايات المتحدة الأميركية لكنها في نفس الوقت تنادي بالحوار والمصالحة مع حركة طالبان على لسان كبار مسؤوليها(8). ومن هنا، تُظهر التصريحات اضطرابًا في موقفها تجاه القضية الأفغانية، لكن الذي يبدو من تعاملها أنها تريد تطويل أمد بقائها في أفغانستان والمنطقة لمصالح استراتيجية في صراعها مع الصين، ومن هنا تريد أن تتلاعب بقضية المصالحة لتفقد مصداقيتها، وفي نفس الوقت، فإن واشنطن لو تركت شعار المصالحة وابتعدت عنه لتولاه غيرها، ولكانت هناك مساع حقيقية لتحقيق المصالحة، وهذا لا يتسق مع مصالحها الاستراتيجية. 

ويأتي الموقف الأميركي من باكستان في تلك الاستراتيجية ردًّا على سياسات باكستان الاقتصادية والأمنية في العقد الأخير ومحاولة خروجها من الفلك الأميركي، واقترابها من الصين، حيث إن سبع عشرة من المؤسسات الاستخباراتية الأميركية قدَّمت تقريرًا للكونجرس الأميركي يقول: إن باكستان ستخرج تمامًا من النفوذ الأميركي عام 2019 وستدور في فَلَك الصين(9). ومن هنا، تغيرت التحالفات في المنطقة، فالهند التي كانت تقف دائمًا بجانب روسيا تقف اليوم مع واشنطن، وتريد الإدارة الأميركية أن تعطيها دورًا أكبر في أفغانستان، وباكستان الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة تقف اليوم مع التحالف الصيني-الروسي. 

محاولات الحكومة الأفغانية 

بعدما أعلنت الإدارة الأميركية استراتيجيتها المذكورة، زادت هجمات المجموعات المسلحة المعارِضة للحكومة على المراكز العسكرية والأهداف المدنية في المدن الكبيرة وخاصة في مدينة كابول، فقد تعرضت لهجمات دموية عديدة، ويبدو أن أغلبها كان ردًّا على استراتيجية ترامب المبنية على اختيار الحل العسكري لقضية أفغانستان، فاضطرت الحكومة لاحتواء الأزمة، وذلك عن طريق الخطوات التالية: 

أولًا: الضغط على باكستان للتخلي عن مساعدة حركة طالبان، ويتم ذلك عن طريق إصدار البيانات الرسمية، وطرح قضية مساعدة حركة طالبان في اللقاءات الثنائية بين وفود البلدين، وطرح قضية وقوف باكستان وراء حوادث التفجير والتخريب في أفغانستان على كل المنابر العالمية والإقليمية، ومحاولة إدراجها في القوائم السوداء أو الصفراء لمساعدتها للمجموعات المسلحة في أفغانستان، وتستغل الحكومة الأفغانية في جلب التأييد الأميركي للضغط عليها تعارض مصالحها مع مصالح باكستان، ووقوف باكستان مع الصين في الصراع الأميركي-الصيني في المنطقة. 

ثانيًا: عزل حركة طالبان عن محيطها الديني: تحاول الحكومة أن تعزل حركة طالبان عن محيطها الديني وأن تحرمها من تأييد العلماء والعامة عن طريق عقد مؤتمرات ولقاءات مع العلماء، وتحاول الحكومة في هذا السياق أن تقيم مؤتمرًا دوليًّا في إندونيسيا(10) يشارك فيه علماء دول العالم الإسلامي عامة وعلماء ثلاث دول: باكستان وإندونيسيا وأفغانستان خاصة، والاستعداد لعقد هذا المؤتمر على قدم وساق، فقد جاب وفد مجلس الأمن الوطني الأفغاني مختلف الدول في الشهور الماضية لهذا الغرض. 

ثالثًا: عرض مغرٍ لحركة طالبان بالمصالحة: عرضت الحكومة الأفغانية على لسان رئيسها عرضًا مغريًا للمصالحة على حركة طالبان أثناء مؤتمر كابول الثاني، يوم 28 فبراير/شباط 2018؛ حيث قُدِّم ذلك كخطة اتفقت عليها كل القوى الأفغانية ومؤسسات الدولة حسب تعبير الرئيس الأفغاني، وجاء العرض من دون شروط مسبقة، وكان ملخصه كما يلي:

  1. وضع الأطر السياسية للمصالحة؛ ووقف إطلاق النار، واعتبار حركة طالبان حزبًا سياسيًّا، وترتيبات لبناء الثقة المتبادلة، وفي النهاية ترتيبات لإجراء انتخابات عادلة وحرة ونزيهة تشارك فيها حركة طالبان كحزب سياسي معترف به.
  2. وضع الأطر القانونية للمصالحة، بالتعديل في الدستور الأفغاني عند المطالبة وفق الآلية المحددة في الدستور نفسه، وإطلاق سراح المعتقلين، ومتابعة الخطوات القانونية لرفع الحظر عن حركة طالبان وإخراج قياداتها من القوائم السوداء.
  3. الاعتراف بالحكومة الأفغانية، واحترام القانون، وتهيئة الظروف للإصلاح والتنمية المتوازنة، واتخاذ الترتيبات اللازمة لعودة المهاجرين.
  4. اتخاذ الترتيبات اللازمة لتأمين أمن المواطنين الأفغان عمومًا وأمن أفراد حركة طالبان المنضمين لمشروع المصالحة خصوصًا.
  5. استيعاب مقاتلي حركة طالبان في البرامج الاقتصادية والتنموية الوطنية(11). 

لا شك في أن هذا العرض للمصالحة وبهذه الصراحة والجدية يُقدَّم لأول مرة من قبل الحكومة، وكانت مقترحات المصالحة السابقة مع حركة طالبان تُطرَح بشروط. وبهدف تشجيع مقاتلي حركة طالبان على الالتحاق بصفوف الحكومة، لكن الأمر في هذه المرة يختلف تمامًا عمَّا كان عليه قبل ذلك. 

موقف حركة طالبان من محاولات الصلح 

تَعتبر حركة طالبان كل تلك المحاولات التي تقوم بها الحكومة الأفغانية داخل أفغانستان وخارجها بما فيها الاقتراح الأخير للرئيس الأفغاني، والمقترحات التي يقترحها بعض السياسيين مثل حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، وغيرهم محاولات للتغطية على الفشل الأميركي في أفغانستان، وترفضها. وقد أصدرت الحركة بيانًا رسميًّا يعتبر المشاركة في مؤتمر العلماء المزمع عقده في إندونيسيا أمرًا غير مشروع، فقد ذكَّر البيان بأن الجهاد -حسب قول البيان- ضد الولايات المتحدة الأميركية، عام 2001، بدأ بعد إصدار فتوى بذلك من قِبل ألف وخمسمئة شخص من علماء أفغانستان، وأضاف البيان قائلًا: "في سلسلة محاولات إضفاء الشرعية على إدارة كابول العميلة والدعاية المضلِّلة باسم الصلح، يريد أعداء الدين والوطن والاستقلال أن يضلِّلوا علماء العالم الإسلامي عن طريق عقد مؤتمر تحت مسمى "مؤتمر علماء العالم الإسلامي" في مدينة جاكرتا بإندونيسيا أو في دولة أخرى" وورد في تلك الرسالة: "رسالتنا للعلماء أن لا يشاركوا في مثل هذه المؤتمرات، وأن يكون قرارهم مطابقًا لكتاب الله وسُنَّة رسوله، ونابعًا من إيمانهم، وأن لاتعطوا الفرصة للكفار والمحتلين لأفغانستان أن يستغلوا مشاركتكم في المؤتمر للوصول إلى أهدافهم المشؤومة، إن لم يمكن لكم أن تعلنوا عن حمايتكم للمجاهدين فعلى أقل تقدير يمكن لكم أن تبتعدوا عن تلك الحيل الغير المشروعة للكفار، وأن لاتشاركوا في مثل هذه المؤتمرات التمثيلية"(12). 

وقد ورد في مقال رسمي آخر لحركة طالبان بعد التذكير بأن سبب القتال في أفغانستان هو الاحتلال الأميركي لها: "هذا أوضح من الشمس أن قوات الاحتلال الأميركية استخدمت كل ما في وسعها من قوة ووحشية خلال ما يقرب من عقدين، لكنها لم تتمكن من أن تبتلع أفغانستان أو أن تهزم الشعب الأفغاني المؤمن المجاهد، ومن هنا فهو يواجه اليأس حاليًّا، وخاصة بعد فشل الاستراتيجية الحربية لترامب، وللتغطية على هذا الفشل، وللحيلولة دون هزيمتها الحتمية، ولتجبر المجاهدين على الاستسلام لها باسم الصلح بدأت منذ بداية عام 2018 بتمثيليات كاذبة باسم المصالحة. ولأجل ذلك تُقدِّم أحيانًا مقترحات لتجزئة أفغانستان عن طريق بعض المستسلمين(13) لها باسم المصالحة، وأحيانًا تحاول تحت غطاء مؤتمر العلماء أن تستصدر الفتاوى ضد الجهاد(14)، وأحيانًا تعقد مجالس تمثيلية تحت لافتات مختلفة مثل مؤتمر "طشقند" وغيرها، وكل ذلك لأجل إضفاء الشرعية على الاحتلال الأميركي، لكنها تسمِّيها محاولات المصالحة. كل هذه المحاولات في حقيقة الأمر تتم تحت توجيه مباشر من قبل المحتلين، وليست لها علاقة بمصالح أفغانستان"(15). 

تزعم حركة طالبان -كما يظهر من بياناتها الرسمية- أن القضية الأساسية والسبب الحقيقي لاستمرار القتال هو احتلال أفغانستان من قبل القوات الأميركية، فيكون موضوع التفاوض هو إنهاء هذا الاحتلال، وصاحبة القرار في ذلك هي أميركا نفسها. ومن هنا، يكون التفاوض حول هذا الأمر معها دون من سواها، ومن هنا فهي مصرَّة على إجراء المحادثات حول سحب قواتها معها. 

بينما تقول الحكومة الأفغانية: إن سبب بقاء القوات الأميركية هو استمرار القتال، وإصرار حركة طالبان على الحرب وامتناعها عن المصالحة، فإذا توصلت الأطراف الأفغانية إلى حل مشاكلها وإيقاف الحرب عن طريق الحوار سترحل أميركا قطعًا، ولن يبقى مبرر لوجودها في أفغانستان، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيتمكن النظام في أفغانستان من إجبار أميركا على سحب قواتها من أفغانستان؟ وما الآلية التي سيجبر بها أميركا على ذلك، وخاصة إذا استتب لها الأمر في أفغانستان؟ 

إلى جانب ما سبق، تقول الحكومة: إن المشكلة لا تتلخص في انسحاب القوات الأميركية، بل هناك قضايا عديدة عالقة بين الأطراف الأفغانية، وكل تلك القضايا يحتاج حلها للحوار والنقاش حولها بين الأطراف الأفغانية المختلفة بما فيها حركة طالبان. 

خلاصة 

إن العام الأفغاني الجديد يبدو على غرار الأعوام السابقة، تستمر فيه معاناة الشعب الأفغاني لاستمرار القتال والحرب في أفغانستان، والسبب في ذلك هو تباعد وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة. وفيما تزعم الولايات المتحدة الأميركية أن المحادثات لحل القضية الأفغانية، هي شأن داخلي للأطراف الأفغانية، إلا أنها في الحقيقة تسعى وراء النصر النهائي كما يبدو من تصريحات قادتها، وهذا النصر النهائي برأيها يكون عن طريق ضم حركة طالبان للمشروع الذي بدأته عام 2001 بأية وسيلة، سواء كان ذلك عن طريق استمرار الحرب أو المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وحركة طالبان تعتبر الانسحاب الأميركي هو محور محادثات الصلح، وذاك أمر لا يبت فيه إلا واشنطن نفسها. 

لن تتحقق المصالحة ما لم تكن هناك نية حقيقية لدى جميع أطراف الصراع لتحقيقها، ويكون الطريق إلى ذلك بجعل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان مطروحًا على طاولة المحادثات، وأن يتم التفاوض حوله مع الإدارة الأميركية نفسها، وأن يكون محور المحادثات معها هو هذه النقطة، أما باقي القضايا العالقة -كما عرض الرئيس الأفغاني- والتي هي محل نقاش وأخذ ورد بين الأطراف الأفغانية فتكون للحوار الداخلي بين الأفغان أنفسهم، لكن يتم ذلك عبر القنوات غير الرسمية أو القنوات غير المعلنة. 

_________________________________________

مصباح الله عبد الباقي- باحث في الشؤون الأفغانية وأستاذ في جامعة سلام كابول

مراجع

1. الدستور الأفغاني، الفصل الثالث، رئيس الجمهورية، المادة رقم 61.

2. أحمد إيشچي: جنرال دوستم به محفظانش دستور داد به من تجاوز کنند (أمر الجنرال دوستم حراسه بأن يعتدوا علي جنسيًّا)، مقابلة صحفية معه على صفحة إذاعة بي بي سي باللغة الفارسية المنشورة يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2016، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018):

http://www.bbc.com/persian/afghanistan-38301691

3. راجع (اختلافات ميان غني وعبد الله؛ دولت وحدت ملي به بن بست رسيده؟) الخلافات بين محمد أشرف غني وعبد الله عبد الله: هل وصلت حكومة الوفاق الوطني إلى نفق مسدود؟، تحليل خبري كتبه ضيا شهريار ونُشر يوم 9 أبريل/نيسان 2015 على صفحة بي بي سي باللغة الفارسية، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018): http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2015/04/150408_zs_afghan_nug_differences

4. الدستور الأفغاني، الفصل الخامس، البرلمان، المادة رقم 83.

5. راجع (دخالت معاون رئيس جمهور أمريكا در جنجال بين اشرف غني و عطا) تدخل نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية في النزاع بين أشرف غني وعطاء محمد نور، وقد ورد في الخبر أن مايك بنس اتصل بالرئيس الأفغاني وأكد على ضرورة حل الخلافات الحالية مع عطاء محمد نور عن طريق التفاهم والحوار، أوردت الخبر شفقنا نقلًا عن وكالة آريانا على صفحتها باللغة الفارسية يوم 27/9/1396هـ ش الموافق 17 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018):

http://af.shafaqna.com/FA/0183407

6. راجع للتفصيل: (جنرال عبد الرازق: به زور مردم آمدم، كسي مرا بركنار كرده نمي تواند) الجنرال عبد الرازق: تم تعييني بحماية الشعب؛ لا أحد يستطيع أن يقيلني، خبر نقلته وكالة خبر على صفحتها باللغة الفارسية يوم 3 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018): http://www.1tvnews.af/fa/news/afghanistan/32848-2018-01-03-12-40-40

7. راجع خبرًا بعنوان (ترامپ درباره استراتيژي جديد امريکا در افغانستان چي گفت) ماذا قال ترامب عن استراتيجية أميركا الجديدة تجاه أفغانستان؟، المنشور على صفحة بي بي سي الفارسية يوم 22 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 26 مارس/آذار 2018):

http://www.bbc.com/persian/afghanistan-41012451

8. راجع خبرا بعنوان (امريکا از طالبان خواست تا پشنهاد اشرف غني را پذيرفته و به جنگ پايان دهند) طلبت أميركا من حركة طالبان أن تقبل عرض أشرف غني وتُنهي القتال"، المنشور على موقع راديو ازادي (إذاعة الحرية) يوم 19/12/1396ه ش، الموافق 10 مارس/آذار 2018)، (تاريخ الدخول: 28 مارس/آذار 2018):

 https://da.azadiradio.com/a/29089901.html.

9. خبر نشر في جريدة باكستانية يوم 16فبراير/شباط 2018، على الرابط التالي: (https://www.express.com.pk/epaper/PoPupwindow.aspx?newsID=1105027808&Issue=NP_ISB&Date=20180216) كما نشر في روزنامه اطلاعات ايران، يوم 30/بهمن/1396ه ش الموافق 19 فبراير/شباط2018، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018): http://www.ettelaat.com/etiran/?p=348204

10. راجع خبرًا بعنوان (کنفرانس مشترک علماء افغانستان، پاکستان و اندونيزيا در ماه آينده برگزار مي شود) مؤتمر سيجمع علماء أفغانستان وباكستان وإندونيسيا سيقام الشهر المقبل، نشر الخبر على موقع شفقنا الأفغاني يوم 14فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018):  http://af.shafaqna.com/FA/0189850

11. راجع لذلك نصَّ خطاب الرئيس الأفغاني لمؤتمر كابول الثاني بعنوان (سنخراني رئيس جمهور غني در "دومين کانفرانس پروسه کابل") خطاب الرئيس محمد أشرف غني لمؤتمر كابول الثاني، المنشور على موقع الرئاسة الجمهورية يوم 28 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 28 مارس/آذار 2018): (https://president.gov.af/fa/news/000790)

12. - بيان رسمي لحركة طالبان على موقعها باللغة الفارسية بعنوان: (پيام امارت اسلامي به علماء کرام جهان اسلا در مورد نشست احتمالي در کشور اندونيزيا) رسالة الإمارة الإسلامية إلى علماء العالم الإسلامي حول المؤتمر المحتمل عقده في إندونيسيا، المنشور يوم 10 مارس/آذار 2018)، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2018): http://alemarah-dari.com/?p=75926

13. في إشارة صريحة إلى مقترح حكمتيار الذي اقترح فيه أن تُسلَّم بعض المناطق لحركة طالبان لأجل إجراء المحادثات من داخل أفغانستان.

14. في إشارة صريحة لمحاولات عقد مؤتمر العلماء من قبل مجلس الأمن القومي الأفغاني في المملكة العربية السعودية أولًا ثم إندونيسيا أخيرًا.

15. مقال بعنوان (د سولي په نوم د طرحو او لاريونونو تر شا اهداف) "الأهداف الخفية وراء عروض ومقترحات المصالحة والمسيرات" المنشور على الصفحة الرسمية لحركة طالبان يوم 27 مارس/آذار 2018)، (تاريخ الدخول: 28 مارس/آذار 2018):

 (http://shahamat1.com/?p=112376)