مقدمة
ليست الهند وباكستان القوتين الخارجيتين الوحيدتين الساعيتين للتأثير في أفغانستان، فهناك أيضًا تنافس على التأثير من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، وكذلك إيران وباكستان. ولطالما تراجعت أجندة هزيمة الطالبان بفضل هذا التنافس. إلا أن الشيء الذي قلَّما تتم ملاحظته هو القدرة المتزايدة للدولة الأفغانية ومؤسساتها على بسط سلطتها، وهو الشيء الذي لم تشهده أفغانستان خلال صراعاتها السابقة وخاصة في حقبة الاتحاد السوفيتي.
تاريخيًّا، كان التجار والبدو والمستعمرون، والآن قوى ما بعد الاستعمار، ولا يزالون، منجذبين لأفغانستان بطريقة لافتة. ولم يكن هدفهم من هذا الاستيلاء على الأفغان أنفسهم أو استعمارهم، ولكن إيجاد طريق آمن يؤدي إلى الإمبراطوريات القوية والمناطق الغنية التي تحيط بحدود أفغانستان مثل الصين والهند والخليج وآسيا الوسطى. وقد ازدهرت قصص القومية الأفغانية بهزائم مذلة لحقت بإمبراطوريات جرَّبت حظها مع الأفغان. لكن، وبالرغم من ذلك، لم تستطع هذه الدولة الواقعة في مفترق طرق إيجاد دولة قومية مركزية مشابهة لإمبراطوريات إسلامية أخرى مثل الإمبراطوريات الصفوية والعثمانية والفاطمية. وفي غياب نظام دولة قوي فإن الصراع الداخلي بين مختلف الجماعات الإثنية واللغوية الأفغانية كان يهدف إلى إيجاد مؤسسة دولة بديلة لكل من هذه الجماعات على حدة ومن خلال العنف والتسليح. وعقب العديد من التدخلات الخارجية ابتداءً من الإسكندر الأكبر ومرورًا بالغزو البريطاني–الروسي وصولًا إلى العمليات العسكرية الحالية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد طالبان، فإن الديناميات الداخلية لأفغانستان لم تستطع توحيد الأفغان ضد أية قوة خارجية لمدة زمنية طويلة الأمد. وإن استمرار الحرب والأزمة كان الوسيلة الوحيدة لتأجيل انسحاب وشيك للمطامع الإمبريالية أو الاستعمارية. وإن تحول الديناميات الداخلية في عصرنا الحالي يتمركز حول مفهوم "إما أن تكون مع طالبان أو ضدها" والذي أنتج تحالفات عديدة في الماضي، إلا أن هذه التحالفات لم تفلح حتى الآن.
وقد ظهرت أفغانستان -بحدودها اليوم- دولة مستقلة عقب لعبة طويلة الأمد بين روسيا وبريطانيا. وأفغانستان تجاور أكبر بقعة من حيث الكثافة السكانية في العالم، وهي الصين والهند. ويفصل بين هاتين الدولتين سلسلة جبال وأودية ذات كثافة سكانية منخفضة في آسيا الوسطى. كما أن أفغانستان تجاور منطقة غنية بمصادر الطاقة، وهي الخليج. وكان بالإمكان لهذه الجغرافيا السياسية المعقدة والمتنازع عليها أن تصبح مكسبًا كبيرًا من خلال كونها مركز جذب للنقل وللتجارة ونقل الطاقة في جنوب وجنوب شرق آسيا. فعلى سبيل المثال، فإن خط نقل الغاز بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند (TAPI) مثال بسيط يوضح أن مشاريع نقل الطاقة تستطيع تكوين مركز للنقل في أفغانستان. ولكن، وبدلًا من ذلك فقد أصبحت هذه الدولة مسرحًا للحروب بالوكالة منذ زمن الحرب الباردة إلى درجة فقدانها لتأثيرها الإيجابي على جميع المناطق المجاورة لها. وأضحت أفغانستان ما بعد الاحتلال البريطاني أقرب إلى النظام الإقليمي جنوب الآسيوي نتيجة سياسات الحرب الباردة والغزو السوفيتي الفاشل. وقد تركت الحرب السوفيتية شعورًا مناهضًا بشدة لروسيا وللشيوعية. كما أنتجت خطابًا جهاديًّا ضد السوفييت في الذاكرة السياسية للوطن.
وظل المجاهدون، بجميع أشكالهم وتياراتهم، الأساس لأية عملية سياسية ذات شرعية. بينما لم يتمكن جيل السياسيين وزعماء الحرب ما بعد حقبة المجاهدين من بسط نفوذهم على دوائرهم الانتخابية السياسية. وفي عام 2007، انضمت أفغانستان رسميًّا إلى منظمة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC) منهية بذلك تشويشًا استراتيجيًّا طال أمده.
ونتج عن قرار الانضمام إلى منظومة جنوب آسيا سير أفغانستان بين تضاريس دبلوماسية معقدة وذلك في محاولة لإيجاد التوازن بين المتنافسين اللدودين في المنظمة، وهما الهند وباكستان. فمفردات أفغانستان الدبلوماسية تجعل "باكستان الشقيق التوأم والهند الصديق الحميم"، كما صرَّح بذلك الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، خلال زيارته للهند عام 2011. وخلال تلك الزيارة وقَّع كرزاي اتفاق شراكة استراتيجية مع الهند، وقال: "إن هذه الاتفاقية الاستراتيجية بيننا وبين صديقنا الحميم لن تؤثِّر على شقيقنا التوأم. فلا الهند ولا أفغانستان يرغبان في أن تتجاوز هذه الاتفاقية نطاق البلدين". وكانت هذه إشارة واضحة للسعي نحو إيجاد التوازن بين الهند وباكستان(1).
ولإدراك المسعى الحساس، والذي قد يبدو مستحيلًا، والذي ينبغي على الحكومة الأفغانية سلوكه لإيجاد التقارب الأمني، علينا أن نطَّلع على تنوع وتقارب المصالح بين أصحاب المصالح المختلفة، والتهديد الذي يشكِّله كل منهم بشكل رسمي وغير رسمي. فبينما تُجري كل من الولايات المتحدة الأميركية والهند وإيران تقاربًا من خلال قلقهم المشترك من طالبان، فإن باكستان استطاعت بطريقة أو بأخرى جلب روسيا والصين للضغط باتجاه مقاربة إقليمية تساعد أفغانستان فيما بعد الانسحاب الأميركي. فهذه الدول الثلاثة لا ترى في الوجود الأميركي العسكري طويل الأمد داعمًا للسلام والاستقرار. لذلك، يجب على الحكومة الأفغانية إيجاد توازن بين هذين المعسكرين الرئيسيين وبين الهند وباكستان على وجه الخصوص. ولهذا الغرض، قامت أفغانستان مؤخرًا بالانضمام لمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة والتي لاقت معارضة هندية شديدة، خاصة فيما يخص مرور الطريق بإقليم كشمير الذي تسيطر عليه باكستان.
على الرغم من استخدام أفضل الأسلحة والموارد المالية والدبلوماسية الممكنة ضد طالبان، فإن الدولة الأفغانية بعيدة كل البعد عن السلام والاستقرار، كما يعتبر الانتصار على طالبان هدفًا بعيد المنال، وينطبق ذات الأمر على طالبان والتي ترى في سقوط حكومة كابول المعترف بها دوليًّا ليس فقط مستحيلًا بل أمرًا غير مقبول شعبيًّا أيضًا. ولم تعلن إدارة أوباما انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان فقط، ولكنها أيضًا فتحت قنوات للحوار مع طالبان، وهي خطوة أغضبت الحكومة الأفغانية(2). ورغم أن الحكومة الأفغانية وافقت على التعاطي مع طالبان فيما بعد إلا أنها كانت غاضبة جدًّا من مكتب طالبان في الدوحة(3) وأدى ذلك إلى التعليق المؤقت للحوار الأمني مع الولايات المتحدة من قبل الرئيس كرزاي(4). كما أدى إعلان إدارة أوباما أن القوات العسكرية الأميركية ستنسحب من أفغانستان بحلول عام 2014 وفتح قنوات الحوار مع طالبان ومنح باكستان دور الوسيط في هذا الحوار إلى استفزاز السياسيين الأفغان الذين رأوا في رجوع طالبان إلى الساحة إفشالًا لجميع المكتسبات السياسية التي أعقبت الحرب. كما انزعجت الهند أيضًا من أي انسحاب عسكري غير مخطط له وغير ناضج والذي قد يؤدي إلى رجوع حالة عدم الاستقرار إلى أفغانستان مرة أخرى(5). وتُبين المعطيات أن مستوى العنف قد ازداد بدرجة كبيرة منذ عام 2016، وشهد العام 2018 هجمات عديدة لطالبان(6).
وقد سبَّبت الاستراتيجية الأفغانية الجديدة، والتي تبنَّتها إدارة ترامب، بعض الارتياح؛ فقد قام ترامب بإلغاء الانسحاب المخطط له من قبل أوباما والذي وصفه ترامب بأنه "سيشكِّل فراغًا يسمح للإرهابيين مثل تنظيم الدولة والقاعدة بملئه، تمامًا كما حدث قبل هجمات 11 سبتمبر"(7). وقد وجدت الحكومة الأفغانية العزاء عندما اتهم الرئيس ترامب باكستان بـ"توفير ملاذ آمن لعناصر الفوضى والعنف والإرهاب". وما أثار الاهتمام في تصريحه هو ذِكره للعداء الهندي-الباكستاني وتأكيده أن الإرهاب في أفغانستان قد يصعِّد التوتر بين الهند وباكستان.
جدول يوضح الوفيات الناتجة عن العنف المرتبط بالإرهاب (2001- 2017)(8)
السنة |
المدنيون |
أفراد قوات الأمن |
إرهابيون |
المجموع |
2001 |
1067 |
590 |
2850 |
4507 |
2005 |
521 |
218 |
1000 |
1739 |
2006 |
349 |
168 |
599 |
1116 |
2007 |
164 |
121 |
492 |
777 |
2008 |
69 |
90 |
382 |
541 |
2009 |
55 |
78 |
242 |
375 |
2010 |
36 |
69 |
270 |
375 |
2011 |
34 |
30 |
119 |
183 |
2012 |
16 |
17 |
84 |
117 |
2013 |
20 |
61 |
100 |
181 |
2014 |
32 |
51 |
110 |
193 |
2015 |
20 |
41 |
113 |
174 |
2016 |
14 |
88 |
165 |
267 |
2017 |
57 |
83 |
218 |
358 |
استراتيجية الهند في أفغانستان
في هذا السياق، فإنه عندما تطلب إدارة ترامب من الهند أن "تعمل المزيد" في أفغانستان، فإن كثيرين يفسرون ذلك بأنه طلب لتعزيز دور الهند العسكري؛ وهذا يسبب ارتيابًا حتى لأكثر المتحمسين عسكريًّا في نيودلهي؛ فقلَّة من الصقور في الهند يرحبون فعليًّا بعرض إدارة ترامب للهند للعب دور عسكري في أفغانستان(9). إلا أن المرتابين وحكومة الرئيس "ناريندرا مودي"، ذات التوجه القومي، يبدون موقفهم بشكل صريح لا لبس فيه وهو "عدم إرسال الجنود إلى أفغانستان"(10).
تقوم الهند ببناء خياراتها الاستراتيجية في أفغانستان حول دبلوماسيتها التنموية والتي أنجزت حتى الآن العشرات من المشاريع المهمة ومحطات الطاقة والسدود والطرق ومشاريع مياه الشرب ومشاريع التنمية الاجتماعية والطاقة البديلة والإسكان قليل التكلفة والسيطرة على الفيضانات والطاقة المائية قليلة التكلفة والرياضة والبنى التحتية الحكومية. وقد مكَّنت هذه المشاريع الأفغان العاديين من تحسين حياتهم اليومية. وتمنح الهند حاليًّا 1000 منحة دراسية لأبناء قتلى قوات الأمن الأفغانية. أما البرنامج الأكثر أهمية فقد يكون المساعدات الهندية في بناء وتطوير القدرات العسكرية الأفغانية مثل الهبة الحالية المكونة من أربع طائرات مروحية من نوع (Mi-25) والتي تم منحها للقوات الجوية الأفغانية.
وتشمل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الهندية-الأفغانية، الموقَّعة في أكتوبر/تشرين الأول 2011، تقديم المساعدات في "تدريب وتجهيز وبناء قدرات القوات الأمنية الأفغانية"(11). فمن خلال بناء وتعزيز المؤسسات الوطنية ومن خلال برامج بناء القدرات قد تستطيع الهند تكوين دولة قوية وشاملة تمكِّن جميع الأفغان من المشاركة فيها بحرية، وستتمكن أفغانستان من خلال هذا التحول السياسي، من لعب دور بنَّاء في جنوب آسيا. ولهذا، تجد الهند الاتفاق الثنائي مع أفغانستان مناسبًا وأكثر فعالية من اعتمادها على أية دولة أخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
وعادة ما ترسم الهند ثلاثة خطوط حمراء في تصريحاتها الرسمية لتعريف سياساتها تجاه أفغانستان:
- الأول: "لا يوجد إرهاب جيد وإرهاب سيء" كناية عن "عدم وجود دور لطالبان" أو عدم العودة لحقبة طالبان.
- الثاني هو: "عملية سلام شاملة ومصالحة واسعة النطاق يقودها الأفغان ويملكها الأفغان أنفسهم"، والذي يذهب الكثير من المعلقين إلى تفسيره بأن الحكومة الأفغانية هي السلطة الشرعية الوحيدة التي ينبغي لها اتخاذ أي قرار حول أية عملية سلمية(12).
- والثالث هو: الاعتراف بالدستور الأفغاني كأساس للمضي قدمًا بأية عملية سلمية(13).
ورغم رفض الهند التعاطي مع أية مجموعات مسلحة، ففي 20 مايو/أيار 2017، فاجأت الكثيرين بمد يدها إلى قلب الدين حكمتيار، وهو زعيم حرب شرس استطاع طرد معظم منافسيه من كابول ليصبح رئيسًا للوزراء عام 1993؛ وذلك بدعم كامل من باكستان.كما قام زعيم طالبان السابق، الملا عبد السلام ضعيف، بعدة زيارات غير رسمية للهند إحداها كانت لحضور حوار ضمن فعالية نظَّمتها مجموعة إعلامية، وكان وزير المالية (تشيدامبارام) مشاركًا في هذه الفعالية(14).
وفي عام 2012، أصدرت طالبان تصريحًا لافتًا يشكر الهند لعدم قيامها بدور أمني في أفغانستان نيابة عن الولايات المتحدة؛ وذلك بوصف الهند بأنها "دولة مهمة في المنطقة"(15). وقد أرسلت الهند رسالة عبر لقائها بحكمتيار بأنها لا تفضِّل أية جهة سياسية في أفغانستان على الأخرى ما دام الجميع لديه رغبة في العمل ضمن الدستور. كما لاقت مبادرة السلام التي قدَّمتها الحكومة الأفغانية مؤخرًا تأييدًا من قبل الهند مما يشير إلى تغيير في التحفظات السابقة المتعلقة بمثل هذه الحوارات(16). لا يعد أمرًا واقعيًّا أن تلعب الهند استراتيجية احتواء لباكستان في أفغانستان، كما يردد دومًا إعلام الإثارة الباكستاني. فهذا السيناريو سيدفع باكستان نحو توجه إما أحادي أو غير إقليمي، وهو احتمال مفضل حاليًّا من قبل الصين وروسيا معًا.
الاستراتيجية الباكستانية
لا يمكن فهم ما تريده باكستان في أفغانستان من خلال التصريحات الرسمية، إلا أن دبلوماسية الحوار الخاصة بها تدعم طالبان كقوة سياسية شرعية. وكانت الأجندة الأميركية لسنوات عديدة تهدف إلى هزيمة طالبان عسكريًّا وجعل عودتها أمرًا مستحيلًا. وهناك ثلاثة مسارات رئيسية للحوار تجري الآن للوصول إلى حل سلمي للنزاع الأفغاني-الطالباني. فعلى سبيل المثال تستضيف روسيا حوارًا إقليميًّا في موسكو والذي بدأ بمشاركة ثلاث دول فقط، هي: باكستان وروسيا والصين، وشمل في دورته الثالثة إحدى عشرة دولة. إلا أن الحكومة الأفغانية تقول بأن المكان الأفضل للنقاشات وجهًا لوجه مع طالبان هو الأراضي الأفغانية نفسها. كما أبدت كابول استياءها من حوار موسكو؛ فالدورة الأخيرة للحوار هناك والمكون من ستة أطراف(17)، فشل في الوصول إلى أي إنجاز بسبب عدم اقتناع الحكومة الأفغانية بشكل الحوار والذي يستثني التمثيل العسكري الأميركي موحيًا بأن الدور العسكري الأميركي غير مرغوب فيه. ولا تستطيع الحكومة الأفغانية الموافقة على هذا الأمر في هذه المرحلة على الأقل.
وقد عقدت كل من الصين وأفغانستان وباكستان اجتماعًا ثلاثيًّا مؤخرًا جعل من أفغانستان جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية. وقد دعت الأطراف طالبان للانضمام للحوار في أقرب وقت ممكن من خلال مؤتمر صحفي مشترك ظهر على الصفحة الإلكترونية لوزارة الخارجية الباكستانية(18). وقد تم افتتاح مكتب طالبان في الدوحة من قبل الولايات المتحدة لتسهيل الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية، إلا أن هذا الحوار بقي معلَّقًا حتى هذه اللحظة. وقد تم إعادة إحياء اجتماعات مجموعة التنسيق الرباعية والتي تضم الصين وأفغانستان وباكستان والولايات المتحدة وذلك في مدينة مسقط العُمانية(19).
يعتبر رجوع قلب الدين حكمتيار إلى الساحة الأفغانية نجاحًا لباكستان، ولم يكن هذا الأمر ليحدث بدون تفاهم واضح مع الحكومة الأفغانية. وقد كان الرئيس، أشرف غني، والرئيس السابق، حامد كرزاي، في مقدمة الذين باركوا هذا الاتفاق واستقبلا حكمتيار شخصيًّا. وعَلَتْ أصوات الباكستانيين ضد التأثير الهندي في أفغانستان والذي ينظر إليه الكثير من الباكستانيين بريبة شديدة. إلا أن الهم الرئيسي، كما يبدو، هو اختلاف أفغانستان اليوم عن نسخها السابقة؛ فقد استطاعت كابول الاستفادة من المدن الأخرى في البلاد، وبالرغم من الفساد المتفشي فإن مؤسسات الدولة في تحسن مستمر فيما يخص قدراتها ووصولها إلى أرجاء البلاد المختلفة. وقد لاقت الدولة الأفغانية ما بعد الحرب قبولًا كبيرًا من معظم أصحاب المصالح. إن الاتفاق بين عبد الله والرئيس غني أصبح ممكنًا نتيجة التوزيع الواضح للسلطات والموارد. ومن الصعب لطالبان الإطاحة بالدولة الأفغانية الحديثة وإزالة جميع مؤسساتها من خلال قدراتها العسكرية المحدودة وذلك بالرغم من شراستها ودعم المؤيدين الخارجيين مثل باكستان. إن اعتماد باكستان المبالغ به على طالبان لتسيير مصالحها الاستراتيجية ثبت أنه أسلوب فاشل؛ فقد آن الأوان لباكستان لإيجاد تقارب بينها وبين الحكومة الأفغانية وأصحاب المصالح الآخرين.
وقد أبدت الهند حذرها من الحساسيات الباكستانية في أفغانستان وبقيت بعيدة عن أي دور عسكري في أفغانستان ما عدا الدور الذي باركته طالبان بطريقة غير متوقعة في عام 2012. في ذلك الحين، وصفت طالبان الهند بأنها "دولة مهمة في المنطقة". وقد أثبتت المفاوضات مع طالبان حتى الآن أنها عقيمة وملهاة أدت إلى شَرْعَنَة طالبان كلاعب سياسي وإلى التقليل من سلطة الحكومة الأفغانية. أما إذا أظهرت طالبان بعض المرونة وقبلت بما يسميه اللاعبون الدوليون بـ"عملية سلام شاملة يقودها الأفغان ويملكها الأفغان"، وخاصة إذا قبلت بالدستور الأفغاني، فإن هؤلاء اللاعبين الدوليين بما فيهم الهند سيجدون في التعاطي مع طالبان أمرًا أكثر سهولة.
خلاصة
ذكر السفير الأفغاني في الهند "شايدة محمد عبدلي" الكلمات التالية: "أفغانستان هي جنة آسيا الوسطى والدول الثلاث: أفغانستان وباكستان والهند، تملك كل منها مصالح غير مسبوقة جرَّاء الاستقرار في المنطقة. وتشمل هذه المصالح: الاقتصاد والسياسة والأمن. لذلك، فعلى الدول الثلاث تكوين علاقات مختلفة تمامًا فيما بينها والتي ستحدد مستقبل هذه الدول بشكل أو بآخر"(20).
ينبغي على الهند وباكستان تشكيل تعاون تنافسي في أفغانستان؛ وهذا ما يسعى إليه الكثير من السياسيين الأفغان بشكل فعَّال. هل تستطيع الهند وباكستان الاستفادة مما تقدمه لهم أفغانستان؛ وذلك في صورة تنافس صحي من خلال تمكين مشروع خط نقل الغاز (TAPI) والفرص الاستثمارية الأخرى، والتي تتعلق بمواردها الطبيعية وبناها التحتية وقطاعات أخرى، بالإضافة إلى طرق النقل التجارية ونقل الطاقة من وإلى أفغانستان؟ يصعب التخيل بأن طالبان تستطيع الآن استعادة جميع مؤسسات الدولة التي تم إنشاؤها خلال فترة ما بعد الحرب، كما يصعب تخيل أنها تستطيع تغيير المؤسسات الأمنية والعسكرية والأهم من ذلك بأن تُسقط كرسي الحكم في كابول. فبعد أن أصبحت جزءًا من مشروع (BRI) الصيني، استطاعت الحكومة الأفغانية جذب الصين إلى جانبها للضغط على طالبان من أجل حوار مباشر. وسيؤدى تعرض باكستان لمزيد من الضغوطات الأميركية إلى ممارسة الضغط على طالبان للانضمام للمفاوضات. وقد وضع اتفاق السلام مع قلب الدين حكمتيار حركة طالبان في وضع صعب سيضعفها سياسيًّا في حال استمرت في توظيف العنف ضد الحكومة.
__________________________________________
عمير أنس- محلل سياسي متخصص في الدراسات غرب الآسيوية
1- “Karzai calls India 'a friend', Pakistan 'a twin brother'”, India Today, 6 October 2011, (Visited on 20 January 2017):
2- “Taliban office in Qatar approved by US”, The Weekend Australia, 1 September 2011, (Visited on 20 January 2017):
3- “Talking to the Taliban: Office set up in Qatar where Afghanistan can negotiate with insurgents face-to-face”, Daily Mail, 27 December 2011, (Visited on 20 January 2017):
4- “Karzai suspends US talks in row over Taliban office”, Hurriyet Daily News, 19 June 2013, (Visited on 20 January 2017):
http://www.hurriyetdailynews.com/karzai-suspends-us-talks-in-row-over-taliban-office-49079
5- “Wary of NATO pullout, India to train 30,000 Afghan troops”, rediff.com, 3 December 2011, (Visited on 20 January 2017):
6- “South Asia Terrorism Portal”, satp.org, (Visited on 1 January 2018):
http://www.satp.org/satporgtp/countries/india/states/jandk/data_sheets/annual_casualties.htm
7- “South Asia Terrorism Portal”, satp.org, (Visited on 1 January 2018):
http://www.satp.org/satporgtp/countries/india/states/jandk/data_sheets/annual_casualties.htm
8- Trump's Afghan shift praised in Kabul but leaves Pakistan wary, The Guardian, 22 August 2017, (Visited on 1 January 2018):
9-Kanal, Gurmeet, “India must deploy troops”, Deccan Chroniclel, 8 April 2017, (Visited on 1 January 2018):
http://www.deccanherald.com/content/605240/india-must-deploy-troops.html
10- “All help, but no troops to Afghanistan”, The Hindu, 26 September 2017, (Visited on 1 January 2018):
11- “Text of Agreement on Strategic Partnership between the Republic of India and the Islamic Republic of Afghanistan”, 4 October 2011, (Visited on 1 January 2018): إضغط هنا.
12- Ministry of External Affairs, Government of India, (Visited on 1 January 2018): http://www.mea.gov.in/Portal/ForeignRelation/1Afghanistan_October_2017.pdf
13- “Talks with Taliban should be within Afghan constitutional framework: Khurshid”, The Hindu, 2 July 2014, (Visited on 1 January 2018):
14- “Officials defend visit of Taliban leader Mullah Abdul Salam Zaeef”, The Economic Times, 13 November 2013, (Visited on 1 January 2018):
15- Sushant Sareen, 21 June 2012, “What lies behind the Taliban statement on India?”, idsa.in, (Visited on 1 January 2018):
https://idsa.in/idsacomments/WhatliesbehindtheTalibanstatementonIndia_ssareen_210612
16- First Post, 9 March 2018, “India backs Afghanistan's offer of peace to Taliban, urges international community to support efforts”, firstpost.com, (Visited on 1 January 2018):
17- “Moscow Six-Party Talks on Afghanistan Commit to ‘Red lines’ on Taliban Engagement”, thewire.in, 16 February 2017, (Visited on 1 January 2018):
https://thewire.in/109617/moscow-six-party-talks-afghanistan-commit-red-lines-taliban-engagement/
18- Joint Press Release of the 1st China-Afghanistan-Pakistan Foreign Ministers' Dialogue, 26 December 2017, mofa.gov, (Visited on 1 January 2018):
http://www.mofa.gov.pk/pr-details.php?mm=NTczNQ,,
19- “Pakistan tells Taliban to ‘prepare' for political dialogue”, theweekendleader.com, 16 October 2017, (Visited on 1 January 2018):
20- Mohammad Abdali, Shaida, Afghanistan Pakistan India: A Paradigm Shift, (Pentagon Press, New Delhi, 2016), p. 12.