إثيوبيا: اختيارات الحكومة الجديدة وتحدياتها

أعطى اختيار رئيس للحكومة الإثيوبية من أغلبية الأورومو، وتشكيلة حكومته التي يهيمن عليها الأورومو فضلًا عن خطابه المعتدل، وتحركاته الكثيفة على المستوى الجغرافي والسياسي الداخلي، شعبية لرئيس الوزراء الجديد، أبي أحمد، ويحاول التقرير فهم هذا الاختيار ومعرفة التحديات التي يواجهها أبي أحمد.
22668310215341b9919586293298be59_18.jpg
أبِي أحمد.. أول رئيس وزراء من قومية الأورومو بإثيوبيا (رويترز)

مقدمة 

ربما كانت مفاجأة أن يتم اختيار أبي أحمد أول رئيس وزراء لإثيوبيا من أغلبية الأورومو "34-40% ذات الأغلبية المسلمة"، والتي ظلت مهمشة طيلة عقود لاحتكار كل من الأمهرا "18-27%" والتيغراي "6%" للسلطة، وهي نفس المعاناة التي كانت تعاني منها، وإن كان بصورة أقل، إثنية الإقليم الجنوبي "2.3%" التي ينحدر منها رئيس الوزراء المستقيل، هايلامريام ديسالين. وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب هذا الاختيار، وهل لهذا علاقة بتوترات الأورومو التي دفعتها منذ عام 2015 إلى الخروج في مظاهرات احتجاجًا على القمع الحكومي الأمني من ناحية، والاستغلال الاقتصادي لصالح التيغراي من ناحية ثانية؟ وهل هناك فعلًا رغبة حقيقية في حل هذه الإشكاليات أم أن الأمر لا يعدو مجرد مسكنات خاصة إذا ما عرفنا أن هناك تمايزات بين القوى المشكِّلة للائتلاف الحاكم "الجبهة الثورية الديمقراطية" والتي تنتمي للإثنيات الأربع، وبين القوى المعارضة الحقيقية لها على الأرض، خاصة بالنسبة للأورومو، ثم يبقى التساؤل الأهم عن أبرز التحديات التي تواجه أبي أحمد سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي في فترة رئاسته للحكومة التي لم يتبق لها سوى عامين فقط. 

ملابسات اختيار رئيس الحكومة الجديدة 

من الملاحظ أن إحدى الإشكاليات التي واجهت ديسالين ودفعته إلى الاستقالة هي الرغبة في التحرر من هيمنة التيغراي، لاسيما على المؤسسة العسكرية رغم أنه رئيسها بحكم الدستور، والتي كانت تتصرف بصورة فردية عبر وزير الدفاع وكبار الجنرالات، لعرقلة أية خطوات إصلاحية تستهدف معالجة الاختلالات الاقتصادية في مناطق الاضطرابات، والتي كان أحد أسبابها هيمنة التيغراي على قطاع الاقتصاد، وأيلولة الأراضي التي تمت مصادرتها سواء في مناطق الأورومو أو الأمهرا إليهم. لذا، تعددت التفسيرات بشأن استقالة ديسالين، وكان من أبرزها شعوره بعدم رغبة الجيش في تهدئة الأوضاع في البلاد، بل والسعي الدائم لإفساد أية محاولات إصلاحية. وقد ألمح هو ونائبه إلى ذلك من قبل؛ ففي كلمة له في خضم أحداث 2015، دعا جميع أحزاب الائتلاف الحاكم إلى الاصطفاف في محاربة الفساد والإرهاب ومواجهة ما وصفه بالتكابر والاستعلاء الذي يمارسه البعض "في إشارة ضمنية للتيجراي"، في حين كان نائبه أكثر صراحة عندما قال: إن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ليست أهم ولا أقوى من بقية أحزاب الائتلاف(1). 

وبالتالي، بات اختيار خليفة لديسالين مرتبطًا بعدة اعتبارات منها عدم انتمائه للتيغراي، لكن لابد من أن يحظى بقبولها، وموافقة الأورومو والأمهرا عليه مع تفضيل أن يكون من أي منهما خاصة الأورومو باعتبار أنه لم يتبوأ أحد منها هذا المنصب من قبل، وكذلك موافقة الإقليم الجنوبي الذي ينحدر منه ديسالين ويطمع في أن يستمر أحد تابعيه في المنصب حتى موعد الاستحقاقات القادمة. 

ومن هنا، يمكن فهم أسباب إجراء انتخابات داخلية في منظمة الأورومو الديمقراطية، فبراير/شباط 2018، قبيل اختيار خليفة ديسالين في الائتلاف الحاكم، أتت بأبي أحمد الذي يوصف بأنه أكثر توافقًا مع التيغراي من نائبه ليما مغيرسا ذي الميول الإصلاحية، فضلًا عن كون أبي يحتفظ بعلاقات وطيدة مع التيغراي لاسيما خلال فترة عمله في الجيش الذين شكلوا أغلبيته في مواجهة منغيستو، بل وتعلمه لغتهم، والتدرج في السلك العسكري، ما جعله يحظى بثقة، مكنته من تبوُّء مكانة كبيرة في السلك الاستخباراتي من ناحية، وكذلك في سلك التكنوقراط كونه متخصصًا في هندسة الاتصالات، حيث بات وزيرًا لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في عهد ديسالين. 

إذن، هو شخصية تحظى بتوافق من الأورومو وكذلك الأمهرا "باعتبار أن الأورومو أقرب إليهم من التيغراي الذين أطاحوا بهم من الحكم عام 1991"، فضلًا عن كونه ربما يكون مقربًا من التيغراي والجنوبيين إلى حد ما. 

ولقد عكس السلوك التصويتي في اللجنة المركزية للائتلاف الحاكم هذه المواقف للفصائل الأربعة؛ فاللجنة تتكون من 180 عضوًا بواقع 45 عضوًا لكل فصيل من الفصائل الأربعة، "ويناط بها اختيار رئيس الائتلاف الذي يحظى بالتبعية بتصديق البرلمان الذي تستحوذ عليه باستثناء مقعد واحد فقط"؛ حيث حصل أبي على 108 أصوات بنسبة 60% فقط؛ فقد حصد كل أصوات الأورومو والأمهرا "90 صوتًا"، مقابل 18 صوتًا فقط داخل الحـركة الديمقـراطية لشعـوب جنـوب إثيـوبيا التي يبدو أنها ترغب في أن يخلف ديسالين أحدُ المنتمين إليها أيضًا وهو شيفورو شقوتي نائب رئيس حزب شعوب جنوب إثيوبيا، أما الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، فلم يحصل منها على أي صوت. 

إذن، تشكِّل حالة عدم التوافق هذه أحد التحديات الأساسية التي تواجه أبي أحمد لاسيما في ظل التعارض بين مطالب الأورومو والأمهرا من ناحية وإرضاء التيغراي المسيطرين على الأمن من ناحية ثانية. 

دلالات تشكيل الحكومة الجديدة 

لقد كان هاجس التهميش، والرغبة في التخلص من هيمنة التيغراي مسيطرًا على رئيس الوزراء السابق، ديسالين، باعتباره أول مدني يأتي من خارج الأمهرا والتيغراي، ونفس الأمر بالنسبة لأبي، فالأول سعى لإرضاء الأورومو تحديدًا عبر إعطائهم 10 حقائب وزارية منها الخارجية للمرة الأولى "ورقنة جبيوا"، وكذلك إرضاء الأمهرا باختيار نائبه منهم، أما الثاني، فربما لم يكتف بهذا فقط، وإنما قام بتحولات جذرية لصالح الأورومو، الإقليم الجنوبي، ثم الأمهرا، فالتيغراي. 

وبنظرة فاحصة على الجانب الكمي في تشكيل الحكومة الجديدة لأبي أحمد والمكونة من 29 وزيرًا، نجد أنه أبقى على 13 منهم في مناصبهم، في حين قام بتغيير 10، وإحداث تنقلات لستِّ وزراء. وقد كان نصيب الأورومو 12 وزيرًا، بينما حصل إقليم جنوب إثيوبيا على 7 وزارات، وإقليم أمهرا على 5 وزارات فضلًا عن نائب أبي، ثم إقليم تيغراى على ثلاث، وإقليم الصومال على اثنين، وأخيرًا، إقليم عفار على وزارة واحدة. 

الجدول رقم (1) يوضح توزيع مناصب الحكومة الإثيوبية الجديدة برئاسة أبي أحمد(2)  

 

أما ما يتعلق بالنظرة الموضوعية للتشكيل فسنجد ما يلي:

  1. هيمنة الأورومو على الوزارة "12 من 29"، وبالرغم من أن هذا تحقق في عهد ديسالين "10 وزارات"، لكن الفارق هذه المرة ليس في العدد فقط، وإنما في طبيعة الوزارات، حيث سيطروا على وزارات سيادية كالدفاع والخارجية والنائب العام "يقوم مقام وزير العدل لعدم وجود حقيبة للعدل".
  2. يرتبط بذلك أيضًا أن حقيبة الدفاع تحولت من الإقليم الجنوبي "سراج فيجيسا"، إلى الأورومو "موتوما ميكاسا" الذي كان أحد أهم الرموز الوطنية الأورومية التي قادت الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2016. وهي خطوة مهمة تشي بسعيه لتحقيق الاستقرار المفقود في البلاد بسبب تعامل التيغراي العنيف مع الاضطرابات في الأورومو والأمهرا، وإن كان الأمر سيكون له ما بعده خاصة فيما يتعلق برئيس الأركان وكبار رجال الجيش التابعين للتيجراي.
  3. محاولة كسب ود كل من الأمهرا والجنوبيين من ناحية، وباقي الفئات الأخرى من ناحية ثانية، فبالرغم من أن عدد الوزارات التي حصلت عليها الأمهرا أقل بالنسبة لحجمها "5 وزارات فقط"، إلا أنه عمل على تعويضها بالإبقاء على ديمكي مكنون، نائب ديسالين في منصبه، في حين سعى لاسترضاء الجنوبيين بزيادة عدد الوزارات الممنوحة لهم مقارنة بعددهم "7 وزارات".
  4. بالنسبة للتيغراي، فقد حصلوا على حقيبة سيادية واحدة هي حقيبة المالية "إبراهام تكستي"، فضلًا عن وزارة شؤون الحكومة في البرلمان، وشؤون المرأة والطفل. وهو أمر ربما له دلالته خاصة ما يتعلق بإمكانية وجود اتفاق سري بينه وبينهم يقضي بسحب هيمنتهم من الجانب الأمني باعتبار أن ذلك أحد أسباب عدم الاستقرار، مقابل الإبقاء على الامتيازات الاقتصادية عبر هذه الحقيبة. وهو نمط يشبه إلى حد كبير نموذج تقاسم السلطة في جنوب إفريقيا بين السود "المناصب السياسية والأمنية، مقابل سيطرة البيض على الاقتصاد"، وإن كان هذا سيواجَه بتحد آخر في البلاد، وهو أن في الجوانب الاقتصادية "سوء عدالة التوزيع للعوائد الاقتصادية بين الأقاليم المختلفة كان أحد أسباب الاحتجاجات في منطقتي الأورومو والأمهرا". 

التوجهات العامة للحكومة الجديدة

يمكن القول بأن خطاب أبي أحمد أمام البرلمان بعد القسم، يكشف الكثير عن توجهات حكومته الجديدة الداخلية والخارجية.

فعلى الصعيد الداخلي، أكد على أن الديمقراطية هي أساس التعايش وسر الوجود، هذه الديمقراطية يجب أن تقوم على فكرة التشاركية وليس الإقصاء "يجب أن نضع في اعتبارنا أن إثيوبيا بلدنا ويجب بناء ديمقراطية تشاركية تسمح للجميع بالاستماع إلى الجميع والاستفادة منها"، مؤكدًا كذلك على حرية التعبير والتظاهر باعتبارها من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور، لذا تعهَّد بإتاحة الحريات والممارسة السياسية أمام أحزاب المعارضة ومواطني المهجر، ومحاربة الفساد، وتطوير الاقتصاد"، مشدِّدًا على "ضرورة معالجة التباينات الداخلية عبر الحوار خاصة مع قوى المعارضة؛ لن ننظر إليكم كأعداء بل كأشقاء"، لذا اعتذر عن الأحداث والاضطرابات التي شهدتها الأعوام الثلاثة الماضية والتي سقط فيها شباب ورجال بلغ عددهم أكثر من ألف ومئة"(3). 

وربما حاول أبي ترجمة بعض هذه الأقوال إلى أفعال، فقام بزيارة الأقاليم المختلفة في البلاد، بل كانت زيارته الأولى لإقليم الصومال "الذي ضمَّته إثيوبيا بعد حرب الأوغادين"، والذي يعاني حاليًّا من اضطرابات سواء بسبب ممارسات الحكومة المحلية، أو بسبب الخلافات الحدودية مع إقليم الأورومو، وما تردد في حينها عن دعم الحكومة الفيدرالية السابقة وإيعازها لحكومة الإقليم الصومالي بتوتير العلاقات مع الأورومو لشغلهم بها عن مطالبهم التي دفعتهم للاحتجاجات، كما زار بلدة أمبو في أوروميا التي كانت في قلب الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن منذ عام 2015 حيث تعهد بمعالجة المظالم. 

كذلك عمل على لقاء زعماء وقوى المعارضة المختلفة، والتي كانت ترفض التواصل مع ديسالين، بل كانت تقود الاحتجاجات في الأورومو وغيرها، ومن أبرز هؤلاء: ميرارا جودينا، رئيس حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، وبيكيلي جيربا، الأمين العام للحزب، وغيرهم. 

وربما أسهمت هذه التحركات في إحداث حالة من الهدوء النسبي لدى القوى المعارضة خاصة الأورومو، وكذلك الأوغادين، فبالرغم من أن الجبهة الوطنية لتحرير الأوغادين أوضحت في بيان لها عدم تفاؤلها من فوز أبي بسبب هيمنة التيغراي، إلا أنها أعربت عن أملها في تحقيق مفاوضات حقيقية، ومؤكدة على نهجها السلمي في التفاوض. في حين امتدح رئيس حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، ميرارا جودينا، هذه التصريحات "أعفانا في خطابه من التوصيف القديم بأننا من (العناصر المعادية للسلام)، وهو التوصيف الذي ظلت تطلقه علينا قيادات الائتلاف الحاكم في السابق. وهذا يمثل مؤشرًا إيجابيًّا(4). 

أما خارجيًّا، فقد دعا الرجل إريتريا إلى الحوار، ومؤكدًا في الوقت ذاته على أن سدَّ النهضة مشروع وطني يجب الالتفاف حوله، كما قام بأول زيارة خارجية لجيبوتي، وهي زيارة حملت العديد من الدلالات والأهداف كون جيبوتي تشكِّل المنفذ الرئيس لصادرات بلاده، فضلًا عن سعيه لوساطة الرئيس، عمر جيله، الذي ينتمي للعيسى في الخلاف الدائر في الإقليم الصومالي والذين يشكلون أحد أطرافه(5)، لاسيما أن هذا الإقليم يزخر بحقول الغاز الطبيعي التي تقوم مجموعة بولي الصينية بالتنقيب عنه، ويتوقع أن يصل إنتاجه إلى الأسواق بحلول 2019، وهناك اتفاق بين إثيوبيا وجيبوتي، فبراير/شباط 2016، يقضي ببناء خط أنابيب يعمل على تصديره عبر ميناء جيبوتي. 

هذه التصريحات الداخلية والخارجية، أعقبتها تحركات فعلية إيجابية حتى الآن، إلا أنها لا تعني أن الطريق مفروش بالورود، حيث لا تزال هناك تحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي تتطلب التعامل الحكومي السريع والناجز معها. 

التحديات الداخلية 

تتعدد هذه التحديات ما بين تحديات سياسية وأمنية، وأخرى اقتصادية واجتماعية:

أولًا: التحديات الأمنية

  1. لعل من أبرز هذه التحديات القضاء على العنف الذي قد يكون مصدره القوات الرسمية" الجيش والشرطة" تجاه المتظاهرين، أو العنف المترتب على اندلاع المواجهات بين الأقاليم المختلفة أو حتى داخل الإقليم الواحد.
  2. إلغاء قانون مكافحة الإرهاب (2009)، الذي تم إبرامه لقمع المعارضة والتضييق على الحريات، ونفس الأمر بالنسبة لقانون الطوارئ، الذي لم يحل دون وقوع الاضطرابات، وبالتالي فهو سقط فعليًّا. وبالرغم من أن البرلمان صادق على تمديد الطوارئ ستة أشهر بأغلبية 346 نائبًا من 547 "يفترض أن تنتهي في أغسطس/آب القادم (2018)"، إلا أن الجلسة شهدت غيابًا لعدد من الأعضاء أبرزهم ديسالين، وأبي أحمد(6). ما قد يشي بالاعتراض عليه من ناحية، والسعي لعدم تجديده مستقبلًا. وقد فسر حديثه داخل البرلمان بالحق في التجمع بأنه اعتراض صريح منه على الطوارئ.
  3. تحدي سيطرة التيغراي على المفاصل الأمنية في الدولة، فأكثر من نصف ضباط الجيش ينتمون إليهم وهذه النسبة تزداد بارتفاع الرتب. وربما سعى في تحقيق ذلك عبر تعيين وزير دفاع من معارضة الأورومو، وكذلك استحداث نواب لرئيس الأركان، حتى لا يستبد بالأمر. 

ثانيًا: التحديات السياسية والقانونية

وهي عديدة أبرزها:

1. استرضاء القوى الأخرى غير السياسية وفقًا لتعهده بإجراء ذلك خلال 100 يوم.

2. السماح بتشكيل أحزاب وطنية وليست إثنية وهل يعد ذلك إعمالًا لنظام الفيدرالية القائم على الإثنية أم خصمًا منه.

3. تحقيق أحد الشروط المهمة للتنمية السياسية، والقائمة على عدالة توزيع موارد الدولة المختلفة على كافة الفئات، وهي التي تشهد حالة من عدم العدالة سواء داخل الائتلاف الحاكم بمكوناته الأربعة، أو حتى خارجه. فداخل الائتلاف، ستكون الإشكالية الأساسية تحقيق التوازن بين الأورومو والأمهرا من ناحية والتيغراي من ناحية ثانية، فهل سيحدث نوع من التوازن من خلال حصول أكبر إثنيتين على المناصب السياسية مقابل هيمنة التيغراي على الاقتصاد والأمن، أم سيُسحب الملف الأمني منهم أيضًا، ويُبقى على الاقتصادي، أم ستُعاد عملية الفك والتركيب كلية؟ ولا شك أنه كلما كانت هذه العملية شاملة، تحققت التنمية السياسية بصورة أكبر، لكن تظل العقبة في مدى قبول أو رفض الطرف المهيمن "التيغراي" لذلك، وما هي ردوده المتوقعة. وربما تكون عملية تشكيل الحكومة خطوة في هذا الطريق الذي ربما يحتاج لمدة أطول قد تتجاوز سقف الانتخابات القادمة.

4. تغيير نهج الائتلاف الحاكم بخصوص الانتخابات، فمنذ عام 2000، لم تغير الجبهة الثورية سياستها في إدارة الانتخابات، فقد شكَّل قمع المعارضة سياسة مستمرة، كما تدخلت في صناعة أحزاب إقليمية وقومية، لتكون ذراعًا للسيطرة، أو تقسيم الأحزاب المنافسة وتقويضها، كما عملت جبهة التيغراي والحكومة الإثيوبية على تقويض محاولات إنشاء أحزاب وطنية (غير إثنية) باعتبارها تشكل تهديدًا للفيدرالية الإثنية(7).

لذا، فإن الانتخابات القادمة، 2020، تشكل تحديًا لأبي أحمد والائتلاف الحاكم ككل وفي القلب منه التيغراي، ومدى القبول ببروز أحزاب وطنية وقوى أخرى غير القوى الأربعة من ناحية، ومدى تنفيذ الحكومة هذه الإجراءات القمعية أو رفضها من ناحية ثانية. أو بمعنى آخر، فإن المطلوب إنهاء التلازم بين الانتخابات منذ 1994، واستحواذ الحزب الحاكم عليها بمفرده(8). "حصوله على جميع المقاعد البرلمانية باستثناء مقعد واحد فقط في انتخابات 2015".

5. إطـلاق سـراح جميـع السجنـاء السيـاسييـن ووقـف كافـة الانتهـاكات التعسفيـة لحقـوق الإنسـان والحـريات الأسـاسية، لتهيئـة المنـاخ والظـروف المـلائمة لإجـراء حـوار وطنـي شـامل، بهـدف إعـادة الثقـة بيـن ألـوان الطيـف السيـاسي، وبنـاء مشـروع الدولـة الوطنيـة على أسـس سيـاسية سلميـة قائمـة على العـدل والقـانون، لأن بقـاء المعارضـة دومـًا خـارج إطـار الحكـم يعنـي حـرمانها من ممارسـة حقـوقها السيـاسية ويـؤدي بهـا إلى انعـدام الثقـة واليـأس من العمليـة السيـاسية واللجـوء إلى الوسـائل العسكـرية وتـدفعها إلى أحضـان القـوى الدوليـة والإقليميـة ذات المصـالح في المنطقـة. ويرتبط بذلك أيضًا تحقيـق مصـالحة وطنيـة شـاملة وتشجيـع التقـارب بيـن الثقـافات المختلفـة، لإحـداث الانسـجام والتفـاهم بيـن مكـونات المجتمـع الإثيـوبي، وإعـادة اللحمـة الوطنيـة والعيـش المشترك بيـن مختلـف المكـونات العرقيـة والإثنيـة والدينيـة(9).

6. شكْل نظام الحكم في البلاد وهل ستستمر وفق النظام البرلماني أم ستأخذ بالنظام الرئاسي، والسبب في ذلك حديث أبي المثير للجدل عن وضع حدود قانونية لتولي رئيس الوزراء رئاسة الحكومة، وما قد يستتبع ذلك من تعديلات دستورية ربما تكون غير مسبوقة منذ التصديق عليه عام 1994. وهو ما تم تفسيره بأنه ربما يكون هناك تحول بهذه الطريقة من النظام البرلماني حيث يحكم رئيس حزب الأغلبية لأكثر من مدة ما دام يهيمن على البرلمان، إلى النظام الرئاسي الذي يجعل هناك مدة محددة للرئيس(10). 

ثالثًا: التحديات الاقتصادية والاجتماعية

 وهي عديدة، أبرزها:

  1. إنهاء احتكار التيغراي للاقتصاد، والذي يهيمنون عليه بطرق مختلفة منها الصندوق الوقفي لإعادة تأهيل إقليم تيغراي، والذي يعتبر أحد أبرز شركاء الحكومة الإثيوبية في مشروعاتها الإنشائية الكبيرة خاصة في قطاع السدود، كما حرصت الجماعة على السيطرة على الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، وعلى رأسها شركة الصلب والهندسة (METEC) عبر رئيسها كينفي داجنيو، وهي شركة الإنشاءات الوطنية الوحيدة المشاركة في بناء سد النهضة، كما يتحكم جبري ميكائيل، الرئيس الجديد للجبهة، في قطاعي الاتصالات والكهرباء(11).
  2. الموقف من مسودة قانون العاصمة "التابعة إداريًّا للأورومو"، والذي أعدته منظمة الأورومو التي يرأسها أبي أحمد في مارس/آذار 2017، ورغم إقراره من الحكومة، إلا أن اعتراضات التيغراي والأمهرا عليه، حالت دون إقراره، بسبب الخلاف بشأن تعريف المصالح الخاصة. هذا المشروع برز بعد طرح الحكومة مشروع التنمية المستمرة للعاصمة عام 2015، والذي دفع إلى طرد السكان الأصليين بدعاوى المشروع القومي والمصلحة العامة، في حين كان يتم إعطاء الاستثمارات للتيغراي، وبالتالي فإن مسودة القانون ترى أن كون أديس أبابا عاصمة فيدرالية لا يعني الإضرار بالسكان الأصليين.
  3. تحدي الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد المستشري في البلاد، والذي كان أحد أسباب اندلاع اضطرابات الأورومو، هذا التحدي أشار إليه وزير المالية السابق أمام البرلمان خلال الجلسة المخصصة لمناقشة الميزانية، حيث قال: إن القطاعات العامة لا تستخدم ميزانيتها في مكانها الصحيح، وحذرها من أنها قد تخضع للمساءلة وحكم القانون. ومع ذلك، فإن المشكلة لا تزال قائمة حتى في المؤسسات التعليمية العليا. ويرتبط بذلك أيضًا الفصل بين المهام الحزبية ومهام الحكومة، حيث يؤدي الخلط بينهما إلى الاهتمام بالصالح الخاص والمصالح الفئوية على حساب الصالح العام. وفي المقابل، لابد من تشجيع نظام الحوافز من أجل زيادة الإنتاجية وعدم اقتصاره بصورة سرية على كبار الموظفين الذين لديهم نفوذ في الجهاز البيروقراطي والحزبي أيضًا(12).
  4. الاستمرار في مواجهة مشكلات البطالة والتفاوت في الأجور؛ فالاقتصاد الإثيوبي وفق البيانات الرسمية يعد من أفضل الاقتصاديات الإفريقية وفق المؤشرات الرسمية الوطنية والدولية؛ حيث بلغ متوسط النمو الاقتصادي 10.5 في المئة بين عامي 2003/2004 و2016/2017. وزاد الناتج المحلي الإجمالي أكثر من الضعف من 32 مليار دولار في 2010/2011 إلى 81 مليار دولار في 2016/2017، كما تضاعف دخل الفرد من 396 دولارًا إلى 862 دولارًا في نفس الفترة. فضلًا عن زيادة المدخرات المحلية لتشكل 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2016/1720 مقارنة بـ 17.2 في المئة في 2010/2011. ومع ذلك، فلا يزال يواجه بعض العقبات وأبرزها مشكلة الفقر الذي تراجع من 45.5% عام 2000 ليصبح 23.5% عام 2016، ومشكلة عدم المساواة في الدخول التي تُصنَّف وفق معامل جيني بأنها منخفضة(13).
  5. مواجهة مشكلات نقص العملات الأجنبية، وزيادة حجم الدين الخارجي، وارتفاع التضخم بعد ثباته العام الماضي، حيث وصل إلى 15.6% بحلول فبراير 2018. وتتعلق التحديات الرئيسية بالقدرة التنافسية المحدودة، والقطاع الخاص المتخلف، والاضطرابات السياسية، وخلق الوظائف، وزيادة الصادرات(14).
  6. التغلب على مشكلات المجاعة التي تصيب البلاد من حين لآخر، فوفق بيانات شبكة الإنذار المبكر الخاصة بالمجاعات أوائل مارس/آذار 2018the Famine Early Warning systems Network (FEWS NET) ، فإن البلاد تحتاج لمساعدات طارئة في مجال التغذية والأمن الغذائي والصرف الصحي وخلافه، خاصة في الإقليم الصومالي. وربما هذا ما دفع إدارة المساعدات الأميركية لتقديم معونة إضافية لإثيوبيا تقدر بـ10 ملايين دولار(15). 

التحديات الخارجية 

وهي ليست بنفس حجم التحديات الخارجية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى الدور المحوري الذي تلعبه إثيوبيا على المستوى الإقليمي والقاري، والذي جعلها بمثابة الدولة القائد في شرق إفريقيا، فضلًا عن علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة التي تعتبرها وكيلًا لها في المنطقة منذ بروز المحاكم الإسلامية في الصومال عام 2006. لذا، فإن واشنطن لا تكتفي بتقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية لها، بل تغض الطرف أيضًا عن انتهاكات حقوق الإنسان بها، فقد أوقفت اللجنة الفرعية للشؤون الإفريقية بمجلس النواب الأميركي تمرير قرار، في سبتمبر/أيلول 2017، يلفت الانتباه إلى الانتهاكات لحقوق الإنسان في إثيوبيا، بعد تهديد السفير الإثيوبي في واشنطن لأعضاء اللجنة بوقف التعاون في مكافحة الإرهاب في الصومال(16). 

ومع ذلك، يمكن القول بأن أبرز الملفات التي يمكن أن تشكِّل تحديات تندرج في ثلاثة رئيسية:

  1. ملف سد النهضة والعلاقة مع مصر؛ فمن غير المتوقع أن يحدث تغير جذري أو حتى محدود في هذا الملف؛ فمن وجهة نظر أبي أحمد هو ملف قومي أسهم في وحدة الشعب، فضلًا عن كونه أحد مرتكزات التنمية الاقتصادية(17). وربما كان المثال العملي لذلك فشل جولة المفاوضات التي استضافتها الخرطوم بعد تنصيبه بثلاثة أيام، وكان أحد أسباب فشلها تقديم مصر لاتفاقية 1959 لإقرارها، وهي التي تنظم حصة مصر والسودان المائية وتعد بمنزلة امتداد لاتفاقية 1929. حيث أكدت إثيوبيا أنها لا تعترف بهذه الاتفاقية أو غيرها، بل رفضت بعدها الاستجابة لدعوة القاهرة لاستضافة جولة المباحثات التالية، إلى أن تقرر عقدها في أديس أبابا أوائل شهر مايو/أيار 2018.
  2. العلاقة مع إريتريا، والتي تعد العدو اللدود لإثيوبيا، وسبق أن خاضتا حربين عام 1998، و2000، بشأن مثلث بادمي الحدودي، وبالرغم من لجوئهما للتحكيم الدولي، إلا أن إثيوبيا رفضت تسليمه لأسمرة. ومن هنا، وفي محاولة تكشف عن دهاء سياسي وأمني، دعا أبي أحمد أسمرة للحوار، لكنها اشترطت أولًا ضرورة تسليمها بادمي. وفي سعيه لتحجيم خطورتها، خاصة في ظل تحالفها مع مصر لدعم جبهة الأورومو المصنفة إرهابية في أديس أبابا، سيعمل أبي على توطيد علاقته بالسودان خاصة ما يتعلق بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، ونشر قوات لهما على الحدود مع أسمرة، وكذلك محاولة إضعاف جبهة الأورومو عبر تحقيق حالة من الاستقرار في الإقليم، وتقريب بعض الجبهات كالجبهة الفيدرالية التي قادت الاحتجاجات في الأعوام الماضية.
  3. تحدي الصومال؛ حيث سيسعى الرجل إلى اتباع نهج أسلافه في الإبقاء على الصومال ضعيفًا، حتى لا يطالب بالأوغادين "الإقليم الصومالي"، فضلًا عن محاولة حلحلة المشاكل التي يعاني منها هذا الإقليم سواء تلك التي كان مصدرها حاكم الولاية، أو قبائل العيسى ذات الامتداد في جيبوتي، أو حتى الخلافات الحدودية مع الأورومو. 

خلاصة 

إذن، فإن اختيار أبي رئيسًا للحكومة والذي يتمتع بخلفية عسكرية/تكنوقراطية، فضلًا عن انتمائه لأغلبية الأورومو، وخطابه الوسط، وتشكيلة حكومته التي يهيمن عليها الأورومو، وتحركاته الكثيفة على المستوى الجغرافي والسياسي الداخلي، أكسبته شعبية كبيرة حتى الآن، ما قد يدفعه للاستجابة للمطالب الشعبية التي كانت كلمة السر وراءها "تحجيم نفوذ التيغراي". لكن يبقى السؤال: هل سيستسلم هؤلاء؟

______________________________

د. بدر شافعي- أستاذ العلوم السياسية بأكاديمية العلاقات الدولية وخبير الشؤون الإفريقية بجامعة القاهرة

نبذة عن الكاتب

مراجع

– شافعي، بدر، "إثيوبيا.. الاضطرابات واستقالة ديسالين"، العربي الجديد، لندن، 26 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/DaTvXC

2- خليل، صلاح، "هل التشكيل الوزاري بإثيوبيا جزء من محاولة الإصلاح أم ينذر بانتهاء الائتلاف؟"، موقع صحيفة التحرير، 26 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

 https://goo.gl/2hu8A1

3- NIizar, Manek, “Can Abiy Ahmed Save Ethiopia? Foreign policy”, 4 April 2018, (Visited on 29 April 2018):

http://foreignpolicy.com/2018/04/04/can-abiy-ahmed-save-ethiopia/,

4 – "المعارضة الإثيوبية تتفاعل إيجابيًّا مع أحمد وتترقب"، العربي الجديد، 7 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/XN2wey

5 – الفاتح، عبد الله، "دلالات زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لجيبوتي"، موقع الصومال الجديد، 29 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/nd6WND

6 – "البرلمان الإثيوبي يقر حالة الطوارئ عقب احتجاجات"، الجزيرة نت، 2 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018): https://goo.gl/6u57Ea

7 – عمر، خيري، "إثيوبيا.. مستقبل الفيدرالية الإثنية بعد استقالة ديسالين"، العربي الجديد، 16 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/hQM4f1

8 - المرجع السابق.

9– الفاتح، عبد الله، "انتخـاب الدكتور أباي أحمـد رئيسًـا للوزراء: هـل يخـرج إثيوبيا من حالـة اللاوحـدة واللاانفصـال؟"، موقع الصومال الجديد، 8 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول" 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/N7V2uB

10 – Brook, Abdu, “Calm after the storm”, 28 April 2018, (Visited on 29 April 2018):

https://www.thereporterethiopia.com/index.php/article/calm-after-storm

11 – حمادة، أمل، "ما بعد ديسالين.. حدود التغيير في إثيوبيا"، الأهرام المسائي، العدد 9803، 28 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

12 – Solomon, Dibaba , “Ethiopia: Citizens’ Expectations From the New Prime Minister”, ketofm web, 4 April 2018, (Visited on 29 April 2018):

http://ketofm.org/130082-2/

13 - Paper to be presented to the Inter-Agency Group Meeting On the “Implementation of the Third United Nations Decade for the Eradication of Poverty (2018-2017), 18-20 April 2018, Addis Ababa Ethiopia UNDP Ethiopia, 6 April 2018, p.1.

14 – The World Bank In Ethiopia, Overview”, 19 April 2018 (Visited on 29 April 2018):

http://www.worldbank.org/en/country/ethiopia/overview

15 - Ethiopia - Complex Emergency fact sheet #2, Fiscal Year (FY) 2018, 8 March 2018, us aid project.

https://reliefweb.int/report/ethiopia/ethiopia-complex-emergency-fact-sheet-2-fiscal-year-fy-2018 , (DATE OF SEARCH 29-4-2018)

16 – الطويل، أماني، "فرص الإصلاح السياسي في إثيوبيا بعد ديسالين"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 20 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

http://acpss.ahram.org.eg/News/16547.aspx

17 – "ماذا قال رئيس وزراء إثيوبيا الجديد عن سد النهضة عقب أداء اليمين"، وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء نقلًا عن الأناضول، 2 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2018):

https://goo.gl/tnLzmN