بعد "الانسحاب الأميركي": طهران تواجه العقوبات مجددًا والاستثمار الأجنبي مهدد

تناقش هذه الورقة التداعيات والتأثيرات الاقتصادية المحتملة على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، ويرى الباحث أن الخطوة ستعيد تشكيل توقعات المستهلكين والفاعلين في الأسواق الإيرانية وهو ما ينسحب على الاستثمارات الغربية؛ حيث إنها قد تجعل الفاعلين الدوليين أقل رغبة في المخاطرة.
db69bb8c30e7422e93451a9cb3f816c9_18.jpg
توتال الفرنسية من أولى الشركات التي دخلت سوق الاستثمار في إيران. (الأناضول)

مقدمة 

من المتوقع أن يكون لانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، في 9 مايو/أيار 2018، تأثيرات متراوحة على الاقتصاد الإيراني الهش. ويُرَجح أن يكون التأثير الأولي على الأسواق في إيران ذا طابع نفسي، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أنه وبالتزامن مع التلويح الأميركي المتكرر بالانسحاب من الاتفاق النووي خلال الشهور الماضية، تظاهر الآلاف من المواطنين الإيرانيين على خلفية تراجع المستوى المعيشي وعدم المساواة، بين ديسمبر/كانون الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018، وهي التظاهرات التي كان جزء من محركها هو اتساع الفجوة بين توقعات المواطنين بشأن ثمار الاتفاق النووي ورفع العقوبات وبين الواقع المعيشي والمؤشرات الاقتصادية. مع انسحاب واشنطن من الاتفاق يعاد تشكيل توقعات المستهلكين والفاعلين في الأسواق في إيران بشأن تأثيرات العقوبات الأميركية على الاتجاهات الاقتصادية في الداخل. وهو ما تبحثه هذه الورقة وتناقش أبعاده. 

النمو الاقتصادي: عين على صادرات خام النفط 

كان تنامي صادرات وعوائد خام النفط والمكثفات الغازية مسؤولًا عن نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2016/2017 في إيران، الذي وصل إلى 12.5 في المئة (انظر إلى الشكل رقم 1)(1). ويتضح أن للمعدل المرتفع الذي حققته إيران في ذلك العام دورًا في ضخ الدماء في القطاعات الاقتصادية غير النفطية التي شكَّلت عماد النمو في العام التالي، 2017/2018، الذي بلغ 4.3 في المئة بعد استقرار الإنتاج النفطي، حيث كان نصيب الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي فيه 4.0 نقاط مقارنة بالناتج المحلي النفطي الذي بلغ 5.2 نقاط(2). 

في العام المالي 2017، بلغ الناتج غير النفطي 3.3 نقاط فقط في مقابل 61.6 للناتج النفطي(3). كان عماد نمو القطاعات غير النفطية في إيران في العام المالي الماضي هو قطاع الإنشاءات والإسكان(4). تاريخيًّا، شكَّل قطاع الإنشاءات والإسكان في إيران محرك نمو القطاع الخاص، وخاصة في ثمانينات القرن الماضي (على خلفية إعادة الإعمار بعد الحرب مع العراق)(5). ويرتبط قطاع الإنشاءات والإسكان في إيران بسلسلة من القطاعات غير النفطية الأخرى، منها: الحديد والصلب، والإسمنت، والسيراميك، والمفروشات، بالإضافة إلى النقل. ولذلك، قد يهدد تراجع الصادرات الإيرانية من النفط الخام (بالإضافة إلى المكثفات الغازية) على المدى المتوسط نمو قطاع الإنشاءات والإسكان. تذهب تقارير إيرانية إلى أن سوق الإسكان ستتأثر سلبيًّا بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي بفضل عدة عوامل، منها: تراجع حجم العوائد النفطية، وتذبذب سعر الصرف، والنمو، ودخل العائلات(6). ولذا، فتراجع العائدات النفطية بفضل تراجع الصادرات سيكون له تأثير على نمو قطاعات الاقتصاد غير النفطية.  

الشكل رقم (1) يوضح توقعات تقارير صندوق النقد الدولي لعامي 2016 و2018 بشأن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيران (%)

المصدر: التقارير السنوية لصندوق النقد الدولي 

ولكن تختلف آفاق صادرات النفط الإيرانية بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية عمَّا كان عليه الوضع حينما فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا على استيراد النفط الإيراني في عام 2012؛ حيث إن الاتحاد الأوروبي لن يكون طرفًا في العقوبات المفروضة على إيران. وتستورد دول الاتحاد الأوروبي من إيران نفطًا خامًا بمتوسط 450 ألف برميل من خام النفط من إيران يوميًّا، وفقًا لتقرير لرويترز في 11 مايو/أيار 2018(7). في عام 2017، استوردت دول الاتحاد من إيران خام نفط بمتوسط 620 ألف برميل يوميًّا في مقابل 1.8 مليون برميل استوردتها دول آسيا(8). على الرغم من عدم اشتراك الاتحاد الأوروبي بقيادة الثلاثي الأوروبي (بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا) مع الولايات المتحدة الأميركية في فرض عقوبات على إيران، هناك مساحات قد تستطيع واشنطن التأثير من خلالها على الواردات الأوروبية من خام النفط والسوائل. تعد المصارف الوسيطة هي الحلقة الأضعف في تجارة النفط بين إيران ودول الاتحاد حيث لا تستطيع إيران التأثير عليها نظرًا لانكشافها على الأسواق الأميركية؛ مما يمكِّن السلطات الأميركية من الضغط عليها. هناك مساحة أخرى تستطيع واشنطن استخدامها للضغط على الزبائن الأوروبيين، ألا وهي شركات تأمين النقل البحري. ولكن فيما كان الإجماع الأميركي-الأوروبي على فرض عقوبات نفطية على طهران حاضرًا في عام 2012، فإن هذا الإجماع يغيب اليوم، وهو ما قد يجعل العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية ذات أثر سلبي، ولكن ليس كوضع عام 2012. 

أما في آسيا، فستسعى واشنطن، على الأرجح، إلى الضغط، بشكل من المتوقع أن يكون أيسر مقارنة بوضع دول أوروبا، على حلفائها، اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، لمنع (أو تقليص على الأقل) وارداتهم النفطية من إيران. تستورد الدول الثلاث السابق ذكرها من إيران 557 ألف برميل من خام النفط يوميًّا من إيران(9). وفي ظل استمرار التوترات بين الصين وبين جوارها الآسيوي على خلفية بكين بحريًّا، تظل هذه الدول في حاجة إلى شراكة أمنية وعسكرية مع واشنطن. على الرغم من أن هذه الدول لم تنضم رسميًّا لمظلة العقوبات النفطية الأوروبية المدعومة أميركيًّا في بداية العقد الحالي، إلا أنها قلصت آنذاك من وارداتها النفطية من إيران بأكثر من النصف (في حالتي اليابان وكوريا الجنوبية بشكل خاص). هناك عامل آخر يؤثر على استجابة هذه الدول الآسيوية الحليفة لواشنطن للضغوط، ألا وهو دخول الولايات المتحدة الأميركية سوق النفط العالمية كمصدر للنفط الأحفوري بعد رفع حظر الكونغرس عن التصدير في 2015؛ حيث إنها باتت تصدِّر الآن 1.7 مليون برميل يوميًّا(10). أصبحت واشنطن قادرة، بفضل تنامي إنتاجها النفطي، على تعويض حلفائها الآسيويين، ربما جزئيًّا، بصادرات نفطية ذات أسعار تنافسية. 

تهديد لاستثمار أجنبي هش 

منذ رفع العقوبات الدولية على إيران وإعادة ربط المصارف الإيرانية نظريًّا بشبكة التحويلات الدولية، المعروفة بـ"السويفت" في عام 2016، كان تدفق الاستثمارات الأجنبية ضعيفًا، بعكس الكثير من التوقعات في طهران آنذاك. يعود ذلك من جهة إلى عدم رغبة المصارف العالمية الكبرى، التي تمر معظم التحويلات عبرها، بالتعامل مع طهران، سواء لضغوط غربية وخليجية محتملة أو خشية مخاطر محتملة. من جهة أخرى، هناك خشية لدى بعض المستثمرين الأجانب من التعامل مع شركات إيرانية تتبع بشكل مباشر مؤسسات إيرانية على قوائم إرهاب غربية/دولية. وبذلك، لم تجن طهران فعليًّا الكثير من الاستثمارات الأجنبية، وخاصة الدول الأوروبية التي طمحت في الحصول من خلالها على تقنيات متقدمة (وهندستها عكسيًّا). ولكن جذبت طهران بعض الاستثمارات الأجنبية (وبالأخص الغربية) في بعض القطاعات الحيوية كالنفط والسيارات. ومنذ منتصف 2017 وحتى فبراير/شباط 2018، استطاعت طهران تأمين خطوط ائتمان بقيمة 31.7 مليار دولار من الصين، وكوريا الجنوبية، والنمسا، والدنمارك، وإيطاليا، وفرنسا، وروسيا، لدعم مشروعات في إيران(11). 

مع الخطوة الأميركية، باتت الاستثمارات الغربية التي جذبتها في بعض القطاعات الحيوية مهددة؛ حيث صرَّح وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، بأنه سيكون من الصعب حماية الشركات الأوروبية التي لها مصالح في طهران من القرار الأميركي(12). ومنذ رفع العقوبات الدولية عن إيران في 2016، جذبت طهران، وفقًا لرئيس مؤسسة دعم الاستثمار، والاقتصاد، والدعم التقني الإيرانية، 12 مليار دولار في صورة استثمارات أجنبية مباشرة(13). وذلك فيما تطمح إيران من خلال الخطة الخمسية السادسة التي تمتد من 2017 إلى 2021 إلى جذب 50 مليار دولار في مجمل الفترة(14). وقد تصدرت كل من ألمانيا، وفرنسا، قائمة الدول صاحبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران. ومن أبرز الاستثمارات الأجنبية المباشرة (الغربية) في إيران: مشروع مشترك بين رينو الفرنسية وإيدرو الإيرانية لتدشين خط تصنيع للسيارات، ودخول شركة توتال الفرنسية كمستثمر لتطوير حقل جنوب بارس، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، كما تستثمر عدة شركات ألمانية في العشرات من مشروعات للطاقة النظيفة. 

على الرغم من المحاولات الأوروبية اليائسة لتحييد تأثير الضغط الأميركي على استثماراتها في إيران، فإن التراجع المحتمل في الاستثمارات الأوروبية خلال الفترة المقبلة ربما يكون له تأثيره على التجارة البينية بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي (والعكس) نظرًا لطبيعة الارتباطات ((Linkages بين الاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية. زادت الصادرات الأوروبية إلى إيران في عام 2017 إلى 10.8 مليارات يورو، في مقابل 6.5 مليارات يورو في عام 2015 (زيادة بنسبة 66 في المئة تقريبًا). وذلك فيما وصلت الصادرات الإيرانية إلى دول الاتحاد إلى 10.1 مليارات يورو في مقابل 1.3 مليار دولار في 2015 (زيادة بحجم 677 في المئة)(15). في مقابل تنامي التجارة البينية على مدار السنوات القليلة الماضية، صرَّح مستشار للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأن استخدام اليورو عوضًا عن الدولار لن يكون كافيًا وحده لحماية المصالح الاقتصادية المشتركة من الضغوط الأميركية (في حين يسعى للحصول على إعفاءات للشركات الكبيرة من الإدارة الأميركية)(16). وهو التصريح الذي يماثل تصريح وزير خارجية برلين. وكانت أولى التداعيات السلبية للانسحاب الأميركي إعلان شركة توتال الفرنسية انسحابها من إيران في 16 مايو/أيار 2018(17). 

سيُلقي تراجع الاستثمار الأجنبي والتصدير بظلاله هنا على المصارف الإيرانية التي لا تزال تقع تحت ضغوط مالية ولا تزال في حاجة إلى حزم إنقاذ حكومية. وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2018، تراجعت نسبة كفاية رأس المال (Capital Adequacy Ratio) في نهاية يونيو/حزيران 2017 إلى 4.9 في المئة مقارنة بالعام السابق الذي بلغت فيه نسبة الكفاية 5.2 في المئة (فيما يقف الحد الأدنى لنسبة الكفاية لاتفاقية بازل 3 المصرفية عند 8 في المئة)(18). كذلك زادت نسبة الديون المتعثرة في العام 2017 في البنوك الإيرانية لتصل إلى 11.4 في المئة(19). وهنا يقول تقرير البنك: "إن التناسب بين نبض الائتمان (أي نسبة الائتمان المقدم من قبل القطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) والنشاط الاقتصادي غير النفطي في تلاش بسبب تنامي الديون المتعثرة"(20). ولكسر حالة العزلة المصرفية التي تعانيها طهران، تسعى اليوم الحكومة الإيرانية إلى إحراز تقدم سريع على صعيد الدفع بتشريعات وقوانين أكثر حزمًا لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وفقًا للمعايير الدولية. في إطار توصيات مجموعة العمل المالي الدولية ((FATF، تحرز طهران تقدمًا وفق آخر مراجعة قامت بها مجموعة العمل؛ مما جعل المجموعة ترفع طهران بصورة مؤقتة من قائمتها السوداء. في جلسة عقدها البرلمان الإيراني في 8 مايو/أيار 2018، بدا أنها تستهدف استباق قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي، تمت مناقشة تعديلات على قانون مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب الموجود(21). وعلى الرغم من ذلك، ما زالت الإصلاحات المطلوبة تواجه معارضة داخل النظام الإيراني(22). 

القطاع الخاص والأجور 

من الواضح أن التراجع المتوقع في عائدات النفط، وتراجع قيمة الريال الإيراني، والتدهور المتوقع في القدرات الائتمانية للمصارف سيكون لها تأثيرات سلبية على دخول العائلات الإيرانية، من خلال عدة مسارات. وسيتأثر القطاع الخاص الإيراني، الذي تعتمد أكثر الأسر الإيرانية عليه، تباعًا بشكل سلبي بسبب هشاشته والدور الإسنادي الذي يلعبه لحساب الشركات العامة والحكومية في الأسواق. ضعف الائتمان المصرفي والاستثمار الأجنبي يجعل من ازدهار وتنامي القطاع الخاص عملية صعبة. وبضعف القطاع الخاص، من المتوقع أن تستمر دخولُ شرائح اجتماعية عريضة في التراجع في ظل تنامي عدم المساواة، وفقًا لمؤشر جيني. وفقًا لتقارير إيرانية ترصد دخول المواطنين الإيرانيين في العام المالي 2016/2017، يتلقى أكثر الموظفين الإيرانيين رواتبهم من القطاع الخاص، ولكن متوسط أحجام دخولهم يعد أقل مقارنة بدخول موظفي القطاع العام(23) 

ومن خلال تقسيم دخول المواطنين الإيرانيين على عشر شرائح (الأولى تمثل الأقل والأخيرة تمثل الأكثر)، يمكن رصد التباينات بين دخول المجموعتين. يتركز موظفو القطاع الخاص في شريحة الدخول الثالثة حيث إنهم يستحوذون على 39 في المئة منها، كما أنهم يتواجدون بكثافة في الشريحتين الثانية والرابعة(24). وفي مقابل استحواذ موظفي القطاع الخاص على أقل من 15 في المئة من الشريحة العاشرة، يستحوذ موظفو القطاع العام على 22 في المئة.(25) أما على المستوى المكاني، فإن 28.5 في المئة من أرباب الأسر في المدن يتلقون دخولًا من القطاع الخاص، في مقابل 20 في المئة لمتلقي الدخول من القطاع العام (ولكن من غير الواضح ما إذا كان القطاع التعاوني متضمنًا في القطاع الخاص أو العام) (26). 

سيضع التدهور المحتمل في القدرات التمويلية لحكومة الرئيس حسن روحاني، في ظل التظاهرات التي شهدتها إيران خلال العام 2017، واستمرار معدل البطالة في مستوى مرتفع نسبيًّا (انظر إلى الشكل رقم 2)، ضغوطًا على الحكومة في مجال تخفيف أعباء إنفاق الدعم من على كاهل المالية العامة للدولة (المدفوعات النقدية والمحروقات). فيما قدَّم الرئيس روحاني لائحة ميزانية العام المالي الحالي 2018/2019 في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي (2017) بخفض للدعم المالي على المحروقات وإزالة الملايين من المواطنين غير المستحقين للدعم من كشوف الإعانات النقدية (الشهرية)(27). في ظل احتمالات عودة التظاهرات بذات الكثافة، وفي ظل التحديات الجيوسياسية التي باتت تواجهها طهران في الإقليم، ربما لن تتمكن الحكومة، وفقًا لحسابات سياسية، من الاستمرار في خططها. 

الشكل رقم (2) يظهر مقارنة لمعدل البطالة الفصلي في إيران بين العامين الماليين 2017/2018 و2016/2017 (%) 

المصدر: الباحث، استنادًا إلى تقارير البنك المركزي الإيراني ومركز الإحصاء الإيراني

خلاصة 

سيرتِّب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تأثيرات نفسية سلبية على الأسواق الإيرانية، وكذلك سيكون له تأثير سلبي على تدفق الاستثمارات الأجنبية، ولكن سيشكِّل التراجع المتوقع في العوائد من صادرات النفط الضربة الأكبر التي سيتلقاها الاقتصاد الإيراني. وستستمر إيران في التنويع الاقتصادي، وهو ما يعزز من عوائد صادراتها غير النفطية. وللعمل على تطوير القدرات الاقتصادية الذاتية، من المتوقع أن تعيد المؤسسات الاقتصادية الإيرانية تصميم برامج في إطار السياسات العامة لما يسمى بـ"الاقتصاد المقاوم" التي اعتمدها مرشد الجمهورية الإسلامية في عام 2014 للاتجاه إلى الاكتفاء الذاتي، في ظل العقوبات الدولية والغربية التي فُرضت على طهران. فقد راكمت إيران على مدار السنوات القليلة الماضية منذ 2014 خبرات بفضل ميراث تجربة الاقتصاد المقاوم. 

كانت لسياسات الاكتفاء الذاتي تأثيرات سلبية على السلامة البيئية ومن ثم الاقتصاد ذاته؛ إذ أدت مساعي الاكتفاء الذاتي على المستوى الزراعي إلى استهلاك غير كفء للموارد المائية؛ مما أسهم في أزمة الجفاف التي تعاني منها إيران، والتي عادت بتأثيرات سلبية واسعة، لاسيما على التوظيف. كما تعاني إيران من نسبة بطالة مرتفعة نسبيًّا مع اتساع عدم المساواة أيضًا. وكان المرشد في إيران لقَّب العام الفارسي الجديد (1397) بـ"عام المنتجات الإيرانية". وقد ربط تنمية المنتجات الإيرانية بتراجع معدلات البطالة. وستظل مشكلة البطالة تشكل ملمحًا مهمًّا من ملامح الخطاب الرسمي نظرًا لحساسيتها السياسية. 

ستستمر طهران في حاجتها إلى استثمارات أجنبية (وأوروبية بشكل خاص) لتطوير قدراتها الذاتية؛ إذ لا تشكِّل السياسات العامة للاقتصاد المقاوم والبرامج التي يمكن وضعها بديلًا عن تنمية علاقات اقتصادية ممتدة مع العالم الخارجي. ولا تسعى فقط طهران إلى تأسيس لعلاقات اقتصادية ممتدة مع اقتصاديات مركزية في النظام الدولية، بل أيضًا اقتصاديات صغيرة وناشئة تستطيع من خلالها تدريجيًّا كسر عزلتها، بالإضافة إلى محاولة الحصول على تقنيات متقدمة من خلالها، بشكل محتمل. في ظل تراجع الثقة في السياسة الأميركية دوليًّا، قد تكون واشنطن أقل قدرة على فرض عقوبات وتشكيل إجماع حول عزل إيران، ولكن من جهة أخرى، الصورة المتداولة عن "طيش" الإدارة الأميركية على مستوى السياسة الخارجية التي يتولى الصقور دفتها، قد يجعل الفاعلين الدوليين أقل رغبة في المخاطرة، وخاصة في إدارة ملف علاقاتهم الاقتصادية مع طهران.

______________________________________

تامر بدوي، باحث متخصص في الشأن الإيراني

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- “Iran Economic Outlook - Spring 2018,” World Bank, 1 April 2018 (accessed 15 May 2018):   http://documents.worldbank.org/curated/en/500121523633901333/Iran-Economic-Outlook-Spring-2018

2- Ibid.

3- “Islamic Republic of Iran: 2018 Article IV Consultation - Press Release; Staff Report; and Statement by the Executive Director for the Islamic Republic of Iran,” International Monetary Fund, 29 March 2018, (accessed 15 May 2018)

https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2018/03/29/Islamic-Republic-of-Iran-2018-Article-IV-Consultation-Press-Release-Staff-Report-and-45767

4- Ibid.

5- Kevan Harris, A Social Revolution: Politics and the Welfare State in Iran (California: University of California Press), p. 105.

6- “بازار مسکن در پساخروج" (سوق الإسكان في مرحلة ما بعد الانسحاب)، دنياى اقتصاد، 20 ارديبهشت 1397 (تاريخ الدخول: 15 مايو/أيار 2018): 

https://bit.ly/2IrMP5U

7- “Iran's oil customers in Europe might reduce imports, flag financing issue”, Reuters, 11 May 2018, (accessed 15 May 2018):

 https://www.reuters.com/article/us-iran-oil/irans-oil-customers-in-europe-might-reduce-imports-flag-financing-issue-idUSKBN1IC1BX

8- David Ramin Jalilvand, “Iranian oil exports set to continue under US sanctions,” Al-Monitor, 11 May 2018 2018, (accessed 15 May 2018): https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/05/iran-oil-exports-jcpoa-nuclear-deal-trump-sanctions-sale.html

9- Ibid.

10- “IEA: U.S. oil production, exports means shift in trade patterns”, UPI, 13 February 2018, (accessed 15 May 2018):

https://www.upi.com/IEA-US-oil-production-exports-means-shift-in-trade-patterns/2841518529084/

11- Jacopo, Dettoni, “Iran remains in the cold as JCPOA deal stalls,” FDI Intelligence, 12 April 2018, (accessed 15 May 2018):

https://www.fdiintelligence.com/Locations/Middle-East-Africa/Iran/Iran-remains-in-the-cold-as-JCPOA-deal-stalls

12- “Heiko Maas: Germany can't protect businesses from US sanctions in Iran”, DW, 13 May 2018, (accessed 15 May 2018):

http://www.dw.com/en/heiko-maas-germany-cant-protect-businesses-from-us-sanctions-in-iran/a-43760967

13- “Iran Post-Deal FDI at $14b”, Financial Tribune, 14 October 2018, (accessed 15 May 2018):

https://financialtribune.com/articles/economy-business-and-markets/74118/iran-post-deal-fdi-at-14b

14- Dettoni, “Iran remains in the cold as JCPOA deal stalls”, op, cit.

15- يمكن مراجعة الوثيقة التالية:

http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2006/september/tradoc_113392.pdf

16- “Export finance won't save Iran business: French official”, Reuters, 15 May 2018, (accessed 15 May 2018):

https://www.reuters.com/article/us-iran-nuclear-france/export-finance-wont-save-iran-business-french-official-idUSKCN1IG1RF

17- “France's Total to quit Iran gas project if no sanctions waiver”, Reuters, 16 May 2018, (accessed 15 May 2018):

https://www.reuters.com/article/us-iran-nuclear-france-total/frances-total-says-may-pull-out-of-iran-south-pars-project-idUSKCN1IH1XK

18- “Islamic Republic of Iran: 2018 Article IV Consultation”, p. 14

19- Ibid, p. 14.

20- Ibid, p. 14.

21- Maziar Motamedi, “Iran Parliament Amends AML/CFT Laws to Satisfy FATF”, Financial Tribune, 8 May 2018,  (accessed 15 May 2018):

 https://financialtribune.com/articles/economy-business-and-markets/86068/iran-parliament-amends-amlcft-laws-to-satisfy-fatf

22- انظر على سبيل المثال: "لايحه FATF در مجلس به صورت قانوني مسکوت نماند، آبستراکسيون مي‌کنيم" (لن نسكت على تقنين FATF، سنعطل القانون)، خبرگزاري مهر، 25 ارديبهشت 1397: https://bit.ly/2wOs6rC . انظر أيضًا: "انتظارات FATF از ايران منطقي نيست/دنبال بهانه‌ هستند (توقعات FATF تجاه إيران غير منطقية/يسعون وراء الصيد في الماء العكر)، خبرگزاري مهر، 13 ارديبهشت 1397: https://bit.ly/2L51mX1  

23- "کفه درآمد به نفع دولتي‌ها" (كفة الدخول في صالح متلقي الرواتب الحكومية)، دنياى اقتصاد، 11 ارديبهشت 1397: 

https://bit.ly/2rL4v5B

24- المرجع السابق.

25- المرجع السابق.

26- المرجع السابق.

27- Tamer Badawi, “Socioeconomic Drivers of the Protests”, Sada, 8 January 2018, (accessed 15 May 2018):

https://carnegieendowment.org/sada/75185