تعود بدايات العلاقات المباشرة بين روسيا وسكان كردستان التاريخية إلى حقبة الحروب الروسية-الإيرانية (الفارسية) والحروب الروسية- التركية (العثمانية) في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، حيث جاءت الاتصالات الأولى بين روسيا والأكراد نتيجة لاقتراب العمليات العسكرية من الأراضي التي كان يقطنها الأكراد. ثم ما لبث ممثلو الإمبراطورية الروسية أن خفضوا مستوى اتصالاتهم مع المفاوضين الأكراد، في الفترة ما بين 1804-1805 لتقتصر، بشكل أساسي، على محاولات ضمان حياد الأكراد في الصراع الروسي-الفارسي والروسي-التركي (1).
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن اهتمام روسيا بالأكراد كان ناتجًا أيضًا عن حقيقة أن المجتمعات الكردية المحلية وجدت نفسها تعيش ضمن حدود الأقاليم التي بسطت عليها الإمبراطورية الروسية سيطرتها (2). فقد كانت النظرة الروسية لتلك المنطقة مؤسَّسة، في المقام الأول، على رؤية عسكرية استراتيجية مفادها أن فرض السيطرة عليها يضمن، عمليًّا، التأثير على كامل منطقة الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، فإن تلك المنطقة مثَّلت موقعًا متقدمًا في "أرض العدو" تأتي منه تهديدات مستمرة للأقاليم الروسية في منطقة القوقاز من قِبَل تركيا وبلاد فارس المتعطشتين آنذاك للانتقام، وكذلك من إنجلترا، ثم لاحقًا من ألمانيا، وهما أبرز منافسي روسيا في الشرق الأوسط. لكن، ومع هذا، فإنه لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن العلاقات مع الأكراد لم تكن تمثِّل أولوية على أجندة السياسة الخارجية الروسية في القرن التاسع عشر حيث رصدت الحكومة القيصرية، أولًا، معظمَ مواردها من أجل دعم المجتمعات السلافية في أوروبا الشرقية. وثانيًا، فلأن الأناضول الشرقية كانت، خلال حقبة العصور الوسطى، محل اهتمام روسي بسبب حقيقة التواجد الواسع لممثلي الدول المسيحية، وخاصة الأرمن، على أراضيها. وهكذا، فإن العلاقات الروسية-الكردية كانت، بالأساس، تختلف مع اختلاف المعطيات على أرض الواقع، ثم اكتسبت تدريجيًّا شكل التعاون قصير المدى خلال فترات الحروب في الغالب.
في نفس الوقت، وبقطع النظر عن حقيقة أن نتائج الحروب الروسية-التركية والروسية-الإيرانية أسهمت في قيام حركات التحرر الوطني للأكراد، فإن الفشل الذي عانت منه الحكومة المركزية التركية، في أعقاب الحروب الروسية-التركية في القرن التاسع عشر، أسهم في تشكيل صورة الإمبراطورية الروسية باعتبارها من قام بتحرير الأكراد، الذين ظلوا تابعين لقرون طويلة، وإن كان اسميًّا فقط، إلى الباب العالي في تركيا. هذا، وكانت المعارضة الكردية (للحكومة المركزية التركية) قد سمحت لروسيا بإشراك الأكراد في أعمال قتالية مشتركة ضد الأتراك، وذلك باعتبارهم حلفاء مؤقتين لروسيا في وقت الحملات المستمرة. لكن ومع ذلك، فإن محاولات قادة الانتفاضات الكردية الرامية لإقامة قنوات اتصال مع روسيا من أجل الحصول على دعمها أثبتت في نهاية المطاف عدم فعاليتها.
تمثِّل الانتفاضة الكردية المندلعة في عام 1880، برعاية الزعيم الديني النافذ، الشيخ عبيد الله، أبرز مثال حي على ذلك. فقد كان مؤتمر الزعماء الأكراد، الذي سبق الثورة، قرر إنشاء إمارة كردية مستقلة لتمكين الأكراد الإيرانيين والأتراك من الاتحاد داخلها، وكان من المفترض -وفقًا لخطة الأكراد- أن تصبح هذه المنطقة منطقة الحكم الذاتي لهم، لكن المثير للاهتمام أن أصحاب تلك المبادرة، الذين اعتمدوا على مساعدة القوى الغربية، حاولوا الحصول على دعم روسيا من خلال إجراء اتصالات مع القنصل الروسي في أرضروم، ثم مع نائب القنصل في مدينة فان(3)، أما الشيخ عبيد الله، فقد قال حينها: "من الأفضل أن نقف إلى جانب الأسد بدلًا من أن نكون مع الثعلب"(4).
واصل الأكراد مغازلتهم للروس، وقد كان بإمكان الملاحظين، منذ العام 1905، أن يرصدوا ذلك التحول الذي حققته الحركة الوطنية الكردية على أراضي الإمبراطورية العثمانية. وقد أدى ذلك، في نهاية الأمر، إلى بدء الأكراد إيلاء اهتمامهم لروسيا متوقعين الحصول منها على الدعم ومنحهم فرصة لردع السلطات التركية. فكان أن عمل الأتراك، بشكل خاص، على نشر شائعات تتحدث عن علاقة تربط بين نيكولاس الثاني والشعب الكردي (5). ثم كان أن تقدم عدد من الزعماء الأكراد، كان من أبرزهم: كور حسين باشا والشيخ عبد القدير، بطلب إلى روسيا يقترحون فيه ضم كامل كردستان إلى السلطات الروسية (6).
لكن، وحتى أثناء الحرب العالمية الأولى، فإن السلطات القيصرية لم تكن تسمح بأي شكل من أشكال الاستقلال السياسي، ليس فقط للأكراد، بل للأرمن أيضًا؛ فقد كانت تنوي ضم كامل شرق الأناضول إلى الإمبراطورية الروسية. وبالرغم من حقيقة أن عددًا كبيرًا من ممثلي الإدارة القيصرية تجاوبوا بشكل إيجابي مع مناشدات الأكراد وأرسلوا طلبات إلى سان بطرسبورغ من أجل الحصول على الدعم، إلا أن الإدارة القيصرية لم تكن ترى ضرورة في تطوير العلاقات الروسية-الكردية خاصة وأنها قد تتسبب في حصول تدهور كبير في العلاقات الروسية-العثمانية والعلاقات الروسية-الإيرانية على حدٍّ سواء.
أتباع السوفيت
غيَّرت نهاية الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من ثورة روسية توجه دفة السياسة الكردية؛ فخلال السنوات الأولى من عمر الاتحاد السوفيتي، كانت الرغبة في بناء علاقات مع تركيا أهم بكثير من دعم الحركات الانفصالية الكردية (7).
عرفت العلاقات السوفيتية-الكردية زخمًا جديدًا عقب الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك مرتبطًا بحركة الملا مصطفى البرزاني. كانت تلك حقبة يمكن تسميتها بـ"الحقبة الذهبية للعلاقات السوفيتية مع الأكراد". في العام 1946، عبَرت فصائل كردية تابعة لمصطفى البرزاني الحدود الإيرانية-السوفيتية ومن ثم بدأت في تلقي تدريبات عسكرية تحت إشراف الأجهزة الأمنية الحكومية للاتحاد السوفيتي. وفي مقابل تقديمهم المساعدة لإسقاط حكومة نوري السعيد في العراق، قدَّم أمين اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، ميخائيل سوسلوف، للأكراد وعدًا بالمساعدة من أجل إنشاء جمهورية كردية عند نقطة التقاء الحدود المشتركة لكل من تركيا وسوريا والعراق وإيران (8)، غير أن تلك الوعود لم تتحقق.
بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في بغداد، في 14 يوليو/تموز عام 1958، صعد الجنرال عبد الكريم قاسم إلى سدة الحكم في العراق واتبع سياسة تقارب مع الاتحاد السوفيتي أدت إلى إبرام سلسلة من المعاهدات معه. ثم قرر قاسم إعادة تسليح قوات الجيش العراقي، وفي خريف العام 1959، أبرم عددًا من الاتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي تقضي بتقديم السوفيت أسلحة وعتادًا عسكريًّا للعراق، بالإضافة إلى توفير التدريب للضباط والخبراء التقنيين العراقيين داخل الاتحاد السوفيتي. في نفس الوقت، انسحب العراق من معاهدة التعاون الأمني المشترك والعلاقات الثنائية التي كانت تربط بلاده ببريطانيا، كما انسحب العراق أيضًا من الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية. وهكذا، أدى هذا التقارب العراقي-السوفيتي إلى خلق واقع جديد باتت معه العلاقات السوفيتية-الكردية مجمدة.
كنتيجة لما تقدم، ولأن قاسم لم يكن يرغب في رؤية ما تبقى من الأكراد أقوياء، فقد بادر في العام 1960 إلى اتهام البرزاني بالتآمر ضد الجمهورية، وقد حدث ذلك أثناء المصادمات التي جدَّت بين مناصري الحزب الديمقراطي الكردستاني والقبائل المناهضة له. وكان أن أدت تلك الأحداث إلى اندلاع حرب استمرت ما بين 1961-1963 تشكلت أثناءها ميليشيا البيشمركة الكردية، ولأن الحكومة السوفيتية، كانت تولي اهتمامًا للتعاون مع النظام العسكري العراقي، فقد فضلت عدم تقديم الدعم للأكراد حلفاء "الأمس" في صراعهم مع عبد الكريم قاسم (9).
لم تتغير سياسات الاتحاد السوفيتي تجاه الأكراد حيث استمرت على وتيرة مماثلة خلال فترة حكم صدام حسين للعراق. ففي بعض الأحيان (في فترة السبعينات على سبيل المثال)، لعب الاتحاد السوفيتي دور الوسيط بين البرزاني والسلطات في بغداد، وهو ما تمخض عنه طرح الحكومة السوفيتية فكرة منح كردستان العراق حكمًا ذاتيًّا تم تنفيذه في العام 1974، غير أن ذلك لم يحل "المسألة الكردية". وفي عقد الثمانينات، اتخذت القيادة السوفيتية، مرة أخرى، موقفًا معتدلًا من القضية، حيث كانت مهتمة بتطوير العلاقات مع السلطات في بغداد.
روسيا الحديثة: حكومات جديدة وأساليب معالجة قديمة
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، شهدت السياسة الروسية انحسارًا مهمًّا في اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط عمومًا وبالقضية الكردية على وجه الخصوص. لكن، ومع ذلك، فقد استمرت القيادة الروسية في انتهاج نفس الأساليب التكتيكية لتحديث تعاطيها مع "المعطى الكردي" وجعل موقفها منه متساوقًا مع الفترات التي تبدو فيها مضطرة للتوصل إلى توافق مع بلدان منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تركيا. وقد تم اتباع نفس هذا التكتيك، في حالتين على الأقل، منذ تأسيس الدولة الروسية الحديثة.
كانت الحالة الأولى مرتبطة بوضع عبد الله أوجلان في نهايات عقد التسعينات من القرن الماضي. حينها كان زعيم حزب العمال الكردستاني قد وصل إلى موسكو عن طريق استخدام وثائق سفر مزورة، ومن ثم تقدم بطلب إلى السلطات الروسية لمنحه حق اللجوء السياسي. كان أوجلان يعتمد حينها على تلاقي اهتمام كل من روسيا وكردستان بمنطقتي بحر قزوين والشرق الأوسط، غير أن رئيس الوزراء في حينها، يفغيني بريماكوف، رفض "رفضًا حاسمًا" منح أوجلان حق اللجوء السياسي، وذلك بالرغم من تصويت 299 نائبًا في مجلس الدوما، من أصل 300 نائب في جلسة البرلمان المنعقدة بتاريخ الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1998، لصالح أوجلان، ولم يسجَّل حينها سوى امتناع نائب واحد عن التصويت (10). ومع ذلك، فقد اعتبرت حكومة بريماكوف أن تدهور العلاقات الروسية-التركية قد تكون له تداعيات سلبية بالنسبة لموسكو أكثر من التداعيات التي قد تنجم عن رفضها التعاون الوثيق مع الأكراد. بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبح قرار موسكو في قضية أوجلان جزءًا من الاتفاق مع أنقرة، التي لم تكتف فقط بتقديم دعم مالي وطرح صفقات عقود مربحة لصالح روسيا، بل تعهدت أيضًا بوقف دعمها للانفصاليين الشيشان في شمال القوقاز.
أما الحالة الثانية، والتي لا تقل وضوحًا عن سابقتها، المتعلقة بتوظيف "المعطى الكردي" من قبل القيادة الروسية في العلاقات التي تربطها بتركيا، فتتمثل في واقع العلاقات بين البلدين في أعقاب حادثة إسقاط القاذفة الروسية SU-24 في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015. فعلى الجانب الروسي، قادت تلك الحادثة إلى إطلاق حملة إعلامية واسعة هدفت إلى تشويه السياسة التركية تجاه الأكراد، حيث باتت التصريحات الرسمية الروسية لا تجد حرجًا في استخدام عبارات من قبيل "الإبادة الجماعية للأكراد"(11)، في حين بثت قناة "روسيا اليوم" المقربة من النظام، عددًا من الوثائقيات التي تكشف عن جرائم ادَّعت أن أنقرة ارتكبتها ضد الأكراد (12).
يجدر التذكير، في هذا السياق، بأنه قبل أحداث نوفمبر/تشرين الثاني 2015، لم يكن الموقف التركي يُصوَّر على أنه "إبادة جماعية" بل كان يوصف بـ"الأزمة في تركيا"(13). أما افتتاح أول مكتب تمثيلي لكردستان سوريا على مستوى العالم في موسكو، في شهر فبراير/شباط من عام 2016، فيعود إلى نفس تلك الحقبة من تاريخ العلاقات بين البلدين (14).
من جانبها، كثفت تركيا سياستها في جنوب القوقاز. وبمساعدة أنقرة، التي قدمت دعمًا كاملًا لأذربيجان في صراع ناغورنو كاراباخ، اندلعت، في الثاني من أبريل/نيسان عام 2016، اشتباكات مسلحة على خطوط التماس. لم تكن "حرب الأيام الأربعة" تلك لتلائم روسيا، التي حاولت أثناء هذا الصراع لعب دور الوسيط وكان لديها رغبة واضحة في الحفاظ على الوضع القائم، حيث إن أي تطور للأحداث حول ناغورنو كاراباخ، سواء أكان لصالح أرمينيا أم يصب في مصلحة أذربيجان، كان سيعرِّض مواصلة موسكو فرض تأثيرها في منطقة جنوب القوقاز للخطر.
كانت نتيجة ما تقدم، أن قرر كل من رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، خلال لقائهما في سانت بطرسبورغ، في يوليو/تموز 2016، تطبيع العلاقات الروسية-التركية. فبالإضافة إلى استعادة العمل على المشاريع المشتركة بين البلدين، خفضت أنقرة أنشطتها في القوقاز في مقابل تجميد موسكو، مرة أخرى، علاقاتها بالأكراد. بدا ذلك واضحًا في ضوء تراجع أنشطة مكتب كردستان سوريا في موسكو، الذي بات استمرار وجوده، مع ما يعانيه من نقص في التمويل، محل تشكيك متكرر في 2017.
هكذا إذن، ظلت سياسة الصمت في التعاطي مع الأكراد أولوية بالنسبة للقيادة الروسية، ولا يزال ذلك مستمرًّا إلى يومنا هذا. وكما أبان عنه الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق، الذي تم تنظيمه في سبتمبر/أيلول 2017، فإن موسكو تبدو مهتمة بالحفاظ على علاقات مستقرة مع كل اللاعبين، وبالتالي فهي تفضل اتخاذ موقف محايد فيما يتعلق بهذه القضية.
في معرض تعليقه على الاستفتاء الكردي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من جهة، اعترافه بـ"مشروعية تطلعات الأكراد" لكنه، من جهة ثانية، أوضح أن "القضية الكردية تتعدى مسألة رسم حدود العراق الحديث، وأنها تؤثر على الوضع في عدد من بلدان الجوار"(15) التي لابد من أخذ أوضاعها بعين الاعتبار. في نفس الوقت، فإن مواقف موسكو نابعة من نظرة براغماتية مبنية على مصالح اقتصادية بحتة. لذلك، فإننا نجد من بين شركاء حكومة كردستان العراق العديد من الشركات الروسية (16)، وبالأخص شركة غاز بروم نفط، التي تمارس نشاطها الفعلي هناك ولديها ثلاثة مشاريع للتنقيب عن النفط في حلبجة(17) وشاكال وغارميان. ثم في عام 2017، قدمت إلى المنطقة شركة روس نفط بعد توقيعها عقدًا لشراء وبيع نفط المنطقة، فضلًا عن استكشاف الحقول النفطية الجديدة.
في نفس الوقت، نجد أن الشركات الروسية تقوم على تطوير الجزء العربي من العراق؛ ففي العام 2009، مُنحت شركة "لوك أويل" حق تطوير حقل جنوب قرنة 2، الذي يبعد 65 كيلومترا عن البصرة (في العام الحالي تخطط الشركة لضخ استثمارات تقدر بـ1.5 مليار دولار في هذا المشروع)، أما شركة "غاز بروم نفط" فقد بدأت منذ العام 2010 في تطوير حقل نفطي آخر في نفس المنطقة (18)، وفي العام 2012، حصلت شركة "باش نفط" على حقوق البدء في استخراج النفط في مقاطعتين جنوبيتين أخريين تقعان على تخوم الحدود مع المملكة العربية السعودية. قد يشير هذا التنوع في المصالح النفطية إلى أن الوضع الروسي الحالي في مجال الأعمال -أي اللعب على الحدين في نفس الوقت- من شأنه أن يحقق لها رضى كاملًا أيضًا، وأن فكرة إعلان استقلال كردستان العراق، التي من شأنها زيادة منسوب التوتر إلى مناخ عالم الأعمال في المنطقة لن تجد لها، على الأرجح، أي دعم في موسكو.
وخلاصة الأمر، يمكننا ملاحظة أن "المعطى الكردي"، وإن كان يلعب دورًا مهمًّا في سياسات روسيا الخارجية، فإنه لا يزال خاضعًا، في طبيعته، إلى المعطيات الظرفية ولا يؤدي سوى وظيفة ثانوية بالنسبة لموسكو.
منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، كانت القيادة الروسية تنظر إلى فكرة حصول الأكراد على استقلالهم باعتبارها "أمرًا غير قابل للتحقق". ولكون الكرملين براغماتيًّا، حاول الحفاظ على علاقات مستقرة مع كل القوى في المنطقة، مجتهدًا في تجنبه اتخاذ أية خطوات من المحتمل أن تؤدي إلى تدهور علاقاته مع أي من تلك الأطراف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*د.ليونيد إيساييف، أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بكلية علوم الاقتصاد العليا، الجامعة الوطنية للبحوث، موسكو، روسيا.
ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمه د. كريم الماجري إلى اللغة العربية.
* قُدِّمت هذه الورقة في ندوة "المسألة الكردية: دينامياتها الجديدة وآفاقها المستقبلية" التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة يومي 25 و26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتي شارك فيها باحثون ومفكرون من بلدان وتيارات فكرية مختلفة.