التدخل الأجنبي وتأثيره في مسار ومصير الرئاسيات الصومالية المقبلة

مهما اختلفت تأثيرات الدول الأجنبية ومع سياسات الصومال الداخلية والخارجية، فمما هو مؤكد أن مستقبل الصومال مرهون بمدى تجاوزه العقبات الداخلية، بعدها يمكنه وضع حلول لتأثيرات التدخل الأجنبي السلبية، وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية التي أضحت معركة مصيرية ومستقبلية للدول الفاعلة في الصومال.
عكست الرئاسيات الصومالية في الفترة ما بين عام 2012 و2017 مدى التأثير الدولي والإقليمي (رويترز).

منذ انتخابات عام 2012، برز العامل الخارجي كمحرك أساسي ولاعب مؤثر خلف الستار في الانتخابات الرئاسية في الصومال، نتيجة تعاظم تأثير التدخل الأجنبي في السياسة الصومالية منذ الألفية الجديدة، وبرزت دول عدة إقليمية وعربية (خليجية) وغربية في مشهد الانتخابات الرئاسية، وأصبحت تلك التحالفات الخارجية تؤثِّر على مجريات الانتخابات قبل وبعد انعقادها؛ الأمر الذي فرض جدليات شائكة في المشهد السياسي وتحوَّل من موجة استقطاب سياسية إلى نفور شعبي جرَّاء تداعيات هذه التدخلات الأجنبية التي أثَّرت في استقلالية الصومال كدولة لها السيادة في تبني قراراتها وتحالفاتها إقليميًّا وعربيًّا.

في هذه الورقة، نعرِّج على مسألة التدخل الخارجي وتداعياته على المشهد السياسي قبل الانتخابات، وما هي أسباب هذا التدخل الأجنبي، وإلى أي مدى يفاقم هذا التدخل الوضع الصومالي سياسيًّا وأمنيًّا، وما هي أدوار تلك الدول التي لها مصالح وتحالفات استراتيجية في الانتخابات المقبلة 2020، إلى جانب استشراف أدوار اللاعبين والفاعلين الرسميين في الانتخابات المقبلة، في ظل التكتلات الدولية والإقليمية مع افتقار الحكومة الصومالية لتوجهات خارجية لبناء سياسية توازن استراتيجية للحفاظ على مصالح دول متناقضة من حيث أجنداتها السياسية وتموضعها الاستراتيجي في القرن الإفريقي.

الانتخابات الرئاسية (2012- 2017): مقاربة تحليلية

عكست الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الصومال في الفترة ما بين عام 2012 و2017 نمطًا جديدًا من التدخل الأجنبي في البلاد، وأظهرت مدى هذا التأثير الدولي والإقليمي على مجريات الانتخابات في المشهد الصومالي؛ حيث إن تلك الفترة كان الدور الأجنبي لافتًا وطاغيًا فيها من حيث تحديد جدول مواعيد الانتخابات النيابية والرئاسية، فضلًا عن ترسيم معالم السياسة من خلال دعمها العسكري واللوجستي للصومال من بوابة بعثة الاتحاد الإفريقي (22 ألف عسكري إفريقي) وبعثة مكتب الأمم المتحدة في مقديشو (UNSOM)، لدرجة أن معسكر حلني الذي يضم مقار البعثات الأجنبية السياسية والعسكرية أصبح محطَّ أنظار الرؤساء للبتِّ في القضايا السياسية، ما تحول لاحقًا إلى تململ ونفور شعبي في أواخر فترة الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد (2009- 2012). 

في انتخابات 2012 والتي ترشح فيها أكثر من عشرين مرشحًا للانتخابات كان التدخل الإقليمي بارزًا فيها، بحكم أن إثيوبيا كانت المحرك الرئيسي للمجريات السياسية في الصومال، وتأثر السياسيون بتوجهات السياسة الخارجية الإثيوبية في عهد رئيس الوزراء الراحل، ميلس زيناوي (1994- 2012)، إلى جانب كل من كينيا وجيبوتي، بحكم وجودهما العسكري ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي في البلاد، هذا بالإضافة إلى أدوار دول غربية عدة مثل بريطانيا وأميركا، بينما غاب التدخل العربي وخاصة الخليجي، لكن مع صعود حسن شيخ محمود (2012- 2017)، المقرب من التيار الإسلامي، إلى سدة الحكم تداول كثيرون أن دولة عربية ساعدت في إنجاح هذا الرجل وأوصلته إلى القصر الرئاسي بمقديشو، وذلك في أوج ثورات الربيع العربي في الدول العربية.

بينما كان دور التدخل الإقليمي، وخاصة إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، حاضرًا في المشهد السياسي والانتخابي في البلاد، من خلال الاتصال المباشر مع اللجان الانتخابية والزعماء السياسيين. هذا فضلًا عن دور أكبر للدول الغربية التي كانت الراعية والممول الرئيس للانتقال السياسي الذي شهده الصومال من الفترة الانتقالية إلى عهدة الفترة الدائمة الرسمية، وهو ما اعتبره كثيرون تدخلًا إيجابيًّا لانتشال البلاد من أتون الفوضى السياسية والأمنية، أما الدور العربي فقد كان خجولًا ومكملًا أيضًا لأدوار دول غربية أو إقليمية فقط، بحجة عدم الانخراط في سياسات الصومال التي كانت تطبخها إثيوبيا وكينيا والمجموعة الأوروبية وأميركا، ويوعَز هذا التراجع العربي السياسي في الصومال لسببين، أولهما: فشل جهود الدول العربية قاطبة في حلحلة الأزمة السياسية الصومالية منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، وثانيهما: غياب رؤية عربية مشتركة لمواجهة أو الحد من تداعيات المعضلة الصومالية، وهو ما نتج عن غياب دور حقيقي عربي وإسلامي للقضية الصومالية، لتصبح بأيدي الدول الغربية والإقليمية، ويدور المشروع العربي في فَلَك تلك التدخلات تجاه قُطر عربي مفكك أمنيًّا وسياسيًّا.

أما في انتخابات 2017، والتي فاز بها الرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو (2017- 2021)، فقد كان التدخل الأجنبي سائدًا فيها، سيما التدخل العربي وخاصة من الدول الخليجية؛ حيث اصطدمت المصالح وتناقضت الأجندات الدولية والإقليمية والعربية تجاه الصومال، فمن دول تبحث عن مصالحها الاستراتيجية في الشأن الصومالي، لحماية اتفاقياتها ومعاهداتها مع حكومة مقديشو، وأخرى تريد توسيع نفوذها الاقتصادي والتجاري من بوابة الصومال نحو دول شرق إفريقيا، إلى جانب دول إقليمية تعتبر الصومال مدخلًا لنهضتها الاقتصادية عبر الاستفادة من موانئه، فضلًا عن دول غربية تريد ضخَّ استثماراتها في قطاع الذهب الأسود (النفط) في الصومال، وبدأت تشرع في فتح قنوات الصومال مبكرًا مع الحكومة الفيدرالية منذ عام 2018.

كل هذه الحسابات والأجندات الدولية والإقليمية والعربية حضرت في مشهد الانتخابات الرئاسية في الصومال، والتي حبست أنفاس بعض الدول؛ حيث إن كل دولة مهما كان وزنها السياسي وثقلها في المحافل الدولية والتي لم تكن تعُد الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، خيارها المناسب تبحث عن مرشح آخر ينصاع لها على الأقل وتريد من خلاله فرض أجنداتها واستراتيجيتها تجاه الصومال، بينما الدول التي كانت علاقتها وثيقة بالحكومة الفيدرالية السابقة تؤيد عودة الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، وكان خيارًا محتملًا، لكن رياح التغيير أتت من حيث عكس التوقعات. فعودة هذا الرئيس أو تنصيب رجل آخر كان مثالًا حيًّا لمدى تعاظم دور التدخل الأجنبي في انتخابات 2017.

تزداد التدخلات الأجنبية بقوة مع اقتراب الصومال من موعد الاستحقاقات الرئاسية في الصومال، وهو تدخل مباشر يأتي أولًا من مجموعة شركاء الصومال (1) والتي تضم دولًا إقليمية وأوروبية وتركيا، وثانيًا: من جانب دول عربية والتي كان حضورها السياسي وعلاقاتها الثقافية والتاريخية بالبلاد أقرب وأوثق من النفوذ الأجنبي السياسي والعسكري الإقليمي منها والدولي.

التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية: الأسباب والدوافع

تمثل البيانات الصحفية لمجموعة شركاء الصومال وبعثة الأمم المتحدة في مقديشو والاتحاد الإفريقي، نوعًا من التدخل غير المباشر بالسياسة الصومالية (2) ، وذلك منذ عام 2009، وهو ما يسدل الستار على دور هذا التدخل الأجنبي سلبًا أو إيجابًا، على الرغم من المبررات التي تصاغ لقبول هذه التوجهات الخارجية من مجموعة الدول الغربية (الدول المانحة) وأميركا، والتي أولها ضرورة الحفاظ على ديمقراطية التداول السلمي للسلطة بين الزعماء السياسيين في الصومال، والحفاظ على مكتسبات ومنجزات الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الإفريقي السياسية والأمنية.

يمكن أن نوضح دور التدخل الأجنبي من خلال الرصد والتحليل طبقًا لحجمه وأدوات تأثيره بالبنود الآتية: 

1. التدخل الدولي: 

أميركا: تعد واشنطن بمنزلة المحرك الفاعل في غرفة إنعاش الأزمة الصومالية منذ سقوط الدولة عام 1991، وأصبح نفوذها السياسي والعسكري يتعاظم شيئًا فشيئًا منذ عملية (إعادة الأمل)، 1992، إلى الحرب بالوكالة (إثيوبيا وأمراء الحرب) ضد التيار السلفي الجهادي في الصومال، إلى دورها السياسي في الإسهام لبناء دولة صومالية بعد سنوات من الخراب والفوضى بعد عقود من الزمن، وبدأت تضغط على الرؤساء الصوماليين من خلال تقديمها المساعدات العسكرية واللوجستية للجيش الصومالي ودعمها للحكومات الصومالية، ما أكسبها زخمًا وصوت مسموعًا في المشهد السياسي في الصومال.

بعد انتخابات عام 2012، تحولت السياسة الخارجية الأميركية نحو فتح آفاق علاقات رسمية مع الحكومة الصومالية، لتمنح اعترافًا رسميًّا لأول دولة صومالية عام 2013 في فترة الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، وذلك من خلال زيارة وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، إلى مقديشو(3) وهو ما عكس توجهًا أميركيًّا جديدًا للتعاون مع الصومال كدولة ذات سيادة وسياسة مستقلة بدل الاعتماد على حلفائها ووسطائها الإقليميين، لكن لم تنجح واشنطن في تطوير علاقاتها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية السابقة، وشهدت سياستها تراجعًا طفيفًا وخاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي والعسكري.

أما فيما يتعلق بانتخابات 2017، فقد أيدت واشنطن فكرة تنصيب سياسي جديد بدل الرئيس السابق، حسن شيخ محمود(4)، لكن ما لاحظه الكثير من المتابعين أن التدخل الأميركي في تلك الانتخابات كان ضئيلًا جدًّا، نتيجة عدم فاعلية الدبلوماسية الأميركية وخاصة سفير واشنطن لدى مقديشو والذي كان يعمل من نيروبي، لكن لم تكن تود أن يستمر شيخ محمود في تولي رئاسة الصومال لفترة ثانية، نتيجة مصالح واشنطن التي اصطدمت باتفاقيات نفط وقَّعتها الحكومة الفيدرالية مع شركات بريطانية (5).

في الانتخابات المقبلة، والتي ستُجرى مطلع عام 2021، من المرتقب أن يكون التدخل الأميركي فيها مؤثرًا، نظرًا لجنوح واشنطن للرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو، وذلك من أجل تصحيح مسارات الدبلوماسية الأميركية تجاه الصومال، وتبديد الصورة النمطية المغلفة في ذهنية المواطن الصومالي البسيط، والذي يعتبر واشنطن دولة عدوًّا من الدرجة الأولى سياسيًّا وعسكريًّا، إلى جانب القضاء على التنظيمات المسلحة المرتبطة بالجماعات المسلحة الراديكالية في القرن الإفريقي.

بريطانيا: يتسم التدخل البريطاني غالبًا في المشهد السياسي بأنه تدخل ناعم مستخدمًا أدوات تأثير محدودة لا تضاهي تأثير قوة التدخل العسكري والسياسي الفجة التي تمارسها واشنطن ودول إقليمية وعربية أخرى، فمن خلال دخول الاتفاقيات الاقتصادية ودعم الجهود الأوروبية في الصومال تمارس بريطانيا تدخلها دون أن يكون مبالغًا وطاغيًا في المشهدين السياسي والانتخابي في البلاد، ففي الانتخابات التي شهدها الصومال مؤخرًا كانت الحاضر الغائب، كونها تتمسك مع دول أوروبية أخرى بسياسة الضغط على الحكومات الصومالية لاحترام القوانين الدولية وعدم المساس بالحريات العامة وصون حقوق النساء وتمكين المرأة الصومالية من حصد حقوقها السياسية المشروعة، وذلك عبر توظيف دور المنظمات البريطانية المنتشرة في ربوع البلاد، والتي تخدم السياسات البريطانية تجاه الصومال والتي ترافقها دبلوماسية نشطة تزداد حينًا بعد الآخر.

يرى كثير من المتابعين أن بريطانيا تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الصومال، وهذا ما يدفعها لعدم الانخراط في عمق المسألة الصومالية وخاصة الانتخابات الرئاسية، أي إنها تمارس سياسة توازن استراتيجية تنأى بنفسها عن الخوض في تأييد مرشح على حساب آخر، لكن من المحتمل أن تؤيد مرشحًا من الكتلة الحاكمة سواء من الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، أو رئيس حكومته، حسن علي خيري؛ إذ أعلنا ترشحهما للانتخابات المقبلة.

تركيا: يصنف الباحثون الدولة التركية بأنها اللاعب القديم الجديد في القرن الإفريقي؛ فمنذ عام 2011، بات التدخل الـتركي عبر البوابة الإنسانية يزداد قوة ككرة الثلج، فمن توفير الدعم الإغاثي العاجل إلى استثمارات تركية في أهم القطاعات الحيوية مرورًا بدعم الحكومات الصومالية عسكريًّا وسياسيًّا، وهو ما جعلها بالنسبة للمجموعة الأوروبية دولة استراتيجية منافسة بشكل قوي، تسعى لضخِّ استثماراتها الاقتصادية في إفريقيا من بوابة الصومال.

لم يكن الدعم التركي للرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، خفيًّا، بل كانت من بين الدول التي كانت تدعم ميزانية الدولة شهريًّا بملايين من الدولارات، هذا إلى جانب تنفيذ برامج إنمائية ومشاريع إنسانية في ربوع البلاد، ما أكسب تركيا -رغم تدخلها في الشأن السياسي الصومالي- تعاطفًا شعبيًّا معها وهو ما اتضح في المحاولة الانقلابية الأخيرة عام 2016؛ حيث كانت مقديشو في صدارة الدول التي دعمت الرئيس أردوغان.

في الانتخابات الأخيرة، عام 2017، كانت أنقرة تؤيد فكرة عودة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، كخيار مناسب لاستمرار مكتسبات الحكومة الصومالية الفيدرالية وعدم العودة إلى الوراء، لكن صعود "فرماجو" إلى سدة الحكم على حساب الرئيس، حسن شيخ محمود، فاجأ الجميع حيث توقع كثيرون عودة "محمود" لفترة ثانية، ومع ذلك استمرت العلاقات التركية-الصومالية لكن بنسق أقل عمَّا عهده المراقبون من قبل.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فإن أنظار تركيا مشدودة نحو الاستحقاق الانتخابي المقبل، فبحكم تحالفاتها الاستراتيجية مع دول إفريقية كثيرة فإن أنقرة تطمح لترسيخ وجودها ودورها في القرن الإفريقي، وهو ما يدفع تركيا للبحث عن مرشح مناسب لها تعوِّل عليه استراتيجياتها تجاه القرن الإفريقي، لكن يعتقد كثيرون أن تركيا تدعم الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، مهما اختلفت الموازين والحسابات السياسية.

دول أخرى

تلعب دول أوروبية دورها في السياسات الصومالية وخاصة فيما يتعلق بالحوكمة الرشيدة وفرض الديمقراطية كنظام بديل من الأنظمة الفاشلة التي شهدها الصومال منذ تاريخه الحديث، ورغم أن دور تلك الدول الأوروبية، مثل إيطاليا (المستعمِرة التقليدية) وألمانيا والنرويج والسويد، يتقاطع مع مصالح الدول الإقليمية وأميركا من جهة، إلا أن دور تلك الدول لا يعدو كونه مكمِّلًا للجهود الأوروبية المشتركة في الشأن الصومالي.

فمثلًا، تحاول النرويج الاقتراب من مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة لتدعم رئيس الوزراء الحالي، حسن علي خيري، الذي يحمل جنسيتها، وذلك طمعًا في تمرير صفقاتها واتفاقياتها مع حكومة مقديشو وخاصة فيما يتعلق بمشروع حيازة تنقيب حقول النفط على سواحل الصومال؛ حيث تم اكتشاف نحو مئة حقل من النفط، والتي عرضت مؤخرًا في مؤتمر لندن حول نفط الصومال(6).

أما الدور الإيطالي فقد اقتصر على توفير التدريبات للمؤسسة العسكرية الصومالية (الجيش والشرطة)، إلى جانب محاولة التوسط بين الصومال وكينيا فيما يتعلق بقضية النزاعات الحدودية البحرية بين البلدين، على الرغم من أن شركات إيطاليا أبرمت اتفاقيات مع كينيا للتنقيب عن النفط في مناطق متنازع عليها بين مقديشو ونيروبي، وبعد انتقال مشكلة النزاع البحرية بين الدولتين إلى محكمة العدل الدولية، بعث هذا التطور المفاجئ قلقًا كبيرًا لدى إيطاليا، حيث تواجه مصالحها الاقتصادية في المنطقة مصيرًا غامضًا، وهذا ما دفعها لدعم رئيس الوزراء السابق، عمر عبد الرشيد علي شرماركي، كمرشح لها(7).

يمكن القول: إن دور كل من إيطاليا والنرويج وألمانيا متفاوت وبالقدر الذي تبذل كل دولة أوروبية جهودًا حثيثة، وخاصة في العملية السياسية، بالإضافة إلى دورها المحوري في دعم مؤسسات الدولة والقضاء على حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة؛ وأعلنت برلين عن دعمها للانتخابات الرئاسية المقبلة بمبلغ مالي قدره 2.7 مليون دولار أميركي(8).

2. التأثير الإقليمي 

إثيوبيا وكينيا: لعبت الدول الإقليمية، وخاصة إثيوبيا، دورًا سلبيًّا في المسألة الصومالية، وبحكم أن سجل إثيوبيا والصومال حافل بالصراعات والعداء التقليدي، إلا أن سياسات إثيوبيا الخارجية في الفترة الأخيرة تغيرت نحو عدم الانخراط أكثر في الشأن السياسي الداخلي، وذلك منعًا لتفاقم موجات خلاف جديدة، ولتغيير الصورة النمطية بين مقديشو وأديس أبابا، وذلك لتأسيس مرحلة جديدة تسود فيها لغة السلام والتفاهم الإقليمي بدل التوترات والتدخلات السياسية والأمنية.

ورغم هذا التطور في القرن الإفريقي، لا تزال إثيوبيا تمتلك مفاتيح التأثير كواحدة من أقوى الدول الإقليمية التي كانت تتحكم بالشأن السياسي في الصومال، لتصبح الشرطي الدولي في المنطقة. وبحكم احتكاكها بالسياسيين الصوماليين لعقود من الزمن، تخضع سياسة إثيوبيا الخارجية لاختبار شديد الحساسية، وتساؤلات مثيرة في المرحلة القادمة: هل تغيرت سياسة إثيوبيا الخارجية تجاه الصومال أم إنها خطة سياسة ممنهجة مسبقًا، بعيدًا عن سياسات أبي أحمد المعتدلة للتعاطي مع ملف الأزمة الصومالية لتوظيف المصالحة كمدخل لسياسة إقليمية هادئة بدل التوترات والفوضى السياسية؟

ليس ثمة شك في أن علاقات حكومة مقديشو بأديس أبابا في أحسن أحوالها منذ انتخاب أبي أحمد رئيسًا للحكومة الإثيوبية، عام 2018، نتيجة الجهود المبذولة بين البلدين لتجاوز السنوات العجاف الماضية وفرض مصالحة إقليمية جديدة، وخاصة بين جيبوتي وإريتريا. وبناء على هذه العلاقة، فإن إثيوبيا ستدعم الرئيس، محمد عبد الله فرماجو، للعودة إلى الرئاسيات لفترة ثانية، كما أبدت رغبتها في انتخابات 2017 في عودة حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال لولاية جديدة، لكن بتدخل أقل وأكثر نعومة من السابق، عبر توظيف سياسة التعاون مع النتائج النهائية للانتخابات المقبلة، وهي سياسة تنتهجها دول كثيرة في التعاطي مع المسألة الصومالية.

أما كينيًّا، فالوضع مختلف، نتيجة الاضطرابات السياسية التي شابت علاقة مقديشو ونيروبي، بسبب النزاع البحري بينهما، وهو نزاع تطور لاحقًا إلى أزمة شلَّت العلاقات بشكل مخيف، وتطورت لاحقًا إلى سحب السفراء بين الدولتين، لتعكس عمق الأزمة السياسية التي أجَّج شرارتها خروج تصريحات متناقضة من الرئاسة الكينية وأعضاء من الحكومة في نيروبي؛ حيث تبنت الخارجية الكينية تصعيدًا دبلوماسيًّا مع الصومال، بينما ذهبت الرئاسة الكينية إلى خيار آخر، وهو إيجاد فرص حل للأزمة الراهنة؛ ما يوحي بأن كينيا تمارس سياسة "العصا والجزرة" بشأن ترويض مقديشو، لإخضاعها لمطالبها السياسية(9).

فنتيجة هذا الخلاف المعلن والذي تخبو جذوة ناره تارة وتشتعل تارة أخرى، من المستحيل أن تؤيد كينيا عودة الرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو، حيث ستتجه نحو خيار آخر بالبحث عن مرشح بديل تدفعه دول عربية أخرى تتقاطع مصالحها مع كينيا لكنها تتشارك في البحث عن رئيس آخر أكثر قربًا منهما. ومما يعزز هذه الفرضة مدى تدخل كينيا في انتخابات كسمايو والتي ساندت أحمد مدوبي رئيسًا لإقليم جوبا لاند لفترة ثالثة.

جيبوتي: مثَّلت جيبوتي حاضنة سياسية بالنسبة للصومال في أعقاب سقوط الدولة المركزية مطلع التسعينات من القرن الماضي، وكانت ركنًا أساسيًّا في بناء الصومال الجديد، حيث احتضنت الانتخابات الرئاسية عام 2001 وعام 2009، ومهدت الطريق لتأسيس نظام سياسي صومالي رغم اعوجاجه وافتقاره للمؤسساتية والحكم الرشيد بدل المحاصصة القبلية المعمول بها في الصومال.

وطبقًا لهذا الدور، فإن التدخل الجيبوتي لم يكن بصدد التأثير في مجريات السياسة الصومالية بل دفعًا لنظام سياسي مستقر للحؤول دون الوقوع في فخ الأزمات السياسية مجددًا، وأصبح الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيلة، بالنسبة للرؤساء الصوماليين مقصدًا لفهم مقتضيات السياسة الإقليمية والدولية، بحكم العلاقات وصلة الدم بين جيبوتي والصومال.

التأثير العربي 

قطر: إذا كانت واشنطن بمنزلة الدولة المتحكمة في السياسة الصومالية منذ التسعينات من القرن الماضي، فإن للدوحة كغيرها من عواصم المنظومة الخليجية مكانتَها التي تعززت في الصومال منذ عام 2012، وشهد هذا التوجه القطري مراحل ومنعرجات مختلفة، غير أن بروز قطر كدولة مهتمة في الشأن الصومالي أصبح واضحًا مع اندلاع أزمة المجاعة الإنسانية في البلاد عام 2011، حيث نشطت قطر في تقديم الدعم الإنساني للمتضررين الصوماليين. كما أصبحت الدوحة مهتمة أكثر بانتخابات 2012؛ حيث أفادت تقارير إعلامية أنها ساندت صعود الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، إلى سدة الحكم في الصومال، لتصبح سياسات الدوحة تجاه مقديشو أكثر نشاطًا وتحركًا في فترة حكم الرئيس السابق الذي كان يحاول أن يقف على مسافة واحدة من الدول العربية.

في انتخابات عام 2017، دعمت الدوحة الرئيس السابق، شيخ محمود، لكنها خسرت الرهان، ومع نجاح الرئيس المنتخب، محمد عبد الله فرماجو، فقد سارعت الدوحة إلى تشبيك علاقتها مع الرئيس الجديد. وفيما يتعلق بالانتخابات المقبلة فإن قطر ستحاول تجنب خسارة رهانها هذه المرة، نظرًا لتداعيات الأزمة الخليجية التي ستزيد حدَّة التنافس العربي/الخليجي في الانتخابات الصومالية، ويرى محللون مهتمون بالشأن الصومالي أن قطر تمر حاليًّا بمنعطف حساس يحدد مستقبل علاقتها الاستراتيجية بالصومال، وهذا ما يدفعها إلى دعم أكثر من مرشح، سواء من المعارضة أو من الترويكا الحاكمة حاليًّا، وهي سياسة مزدوجة تنافسية تعرضها لانخراط أكثر في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الإمارات والسعودية: بناء على سياسة دول الحصار المعادية للدوحة، فإن التدخل الإماراتي/السعودي سيكون ثقيلًا في الانتخابات المقبلة، وهذا ما يجعل الصومال يترنح بين سياسة دول عربية تختلف من حيث التوجهات وتتناقض في الرؤى السياسية ومستقبل علاقاتها مع الصومال سياسيًّا واقتصاديًّا، فبالرغم من أن العلاقات التاريخية بين الرياض ومقديشو قديمة، لكن الصومال عانى من تهميش سعودي لعقود طويلة دون أن يجد دعمًا حقيقيًّا من الشركاء السعوديين، وهذا ما يعرفه القاصي والداني، بينما السياسات الإماراتية ارتبطت واقتصرت على الشق الاقتصادي، نتيجة حاجة الصومال لموانئ الإمارات كحلقة وصل اقتصادية بين مقديشو والعالم الخارجي، لكن تلك السياسات السعودية/الإماراتية تعرضت لصدمة سياسية من الصومال بعد أن أعلن حياده الإيجابي تجاه الأزمة الخليجية عام 2017(10).

ونتيجة هذا التحرك والتوجه السعودي/الإماراتي لتفكيك علاقات الصومال مع قطر، تحاول هاتان الدولتان أن تتدخلا على نحو قوي في الانتخابات المقبلة، لكن غياب سياسة موحدة بين الدولتين أو مرشح واحد متفق عليه بين أبوظبي والرياض، يجعل من الصعب أن يصل إلى الحكم شخص مقرب من البلدين، نتيجة عدم وجود مرشحين أقوياء ينحازون بشكل كامل للتوجهات السياسية للرياض وأبوظبي، فحتى لو تم تنصيب سياسي آخر، فليس من السهل قطع العلاقات مع الدوحة، نتيجة عدم وجود سياسات سعودية/إماراتية بنَّاءة أولًا، وثانيًا: عدم تقبل رئيس صومالي قطع العلاقات مع دولة عربية لإرضاء دولة أخرى وهو ما يخالف المنظومة الأخلاقية والعرف التقليدي للمجتمع الصومالي.

ففي الانتخابات الأخيرة التي شهدها الصومال، دعمت الإمارات رئيس الوزراء السابق، عمر عبد الرشيد علي شرماركي، وكان مرشحًا مدعومًا من كل من إيطاليا وكينيا، لكنه لم يتمكن من الانتقال إلى الجولة الثانية، وذلك رغم أن علاقات حسن شيخ محمود مع أبوظبي كانت ممتازة، لكنها لم تراه خيارًا مناسبًا بحجة أنه كان قريبًا من تيار إسلامي مرفوض إماراتيًّا(11)، أما في انتخابات 2020/2021، فإن اختيار السعودية والإمارات سيكون من كتلة المعارضة السياسية، وخاصة خصوم "فرماجو" من الأحزاب المعارضة.

مصر: إذا كانت علاقة الصومال بمصر تاريخية اقتصاديًّا وسياسيًّا، إلا أن واقع الحال بين مقديشو والقاهرة يعتريه الكثير من الخلط والخبط، فمنذ فشل سياسات مصر تجاه الصومال أمام إصرار إثيوبيا على تفكيك الصومال (1991-2006)، تضاءلت مكانة مصر لدى مقديشو واكتفت بالجانب الثقافي فقط، واليوم بات دورها في الصومال مجرد عنصر مكمل لدور الإمارات أو السعودية، ويردِّد المسؤولون المصريون مقولة مفادها "أن دولة مصر تتعامل دومًا مع النتائج النهائية للانتخابات الصومالية"؛ ما يعكس استمرار غياب سياسة وتوجه خارجي مصري تجاه الصومال منذ عقود من الزمن.

شبهة المال الأجنبي في الانتخابات: حسابات الداخل والخارج

يحضر المال السياسي عادة في الانتخابات الرئاسية لأي بلد يتجه نحو استحقاق انتخابي وخاصة في الدول النامية، لكن أن تتحول هذه الشبهة إلى ظاهرة "الماكينة المالية" الطاغية في بلد مثل الصومال فهذا يعكس مدى فشل القوانين واللوائح المنظمة للانتخابات، ناهيك عن عدم استكمال الدستور المحلي منذ عام 2012، وهو ما يمثِّل فشلًا قانونيًّا أيضًا لتوفير غطاء قانوني وحماية دستورية للعملية الانتخابية، وذلك بهدف الحد من التدخل الأجنبي الممول الرئيسي لحملات بعض المرشحين للانتخابات الصومالية.

ونتيجة للوضع الاقتصادي المترهل للأحزاب السياسية والمرشحين للانتخابات القادمة، فإن الكثير من المرشحين يلجؤون إلى الدول الأكثر حضورًا في الصومال، وذلك عبر رحلات خاطفة هنا وهناك بحثًا عن هذا المال المشبوه، بغضِّ النظر عن تداعيات هذا التدخل الأجنبي لاحقًا على حساب البلاد والعباد، وتبدأ هذه المرحلة من جمع الأموال من تلك الدول الأجنبية مبكرًا وقبل الذهاب إلى سباق الانتخابات الرئاسية؛ حيث يعزز كل مرشح حضوره في الانتخابات النيابية وهي المعركة القصوى حاليًّا بين المعارضة والرئاسة الصومالية.

ورغم أن هذا المال السياسي يتدفق بشكل مخيف قبل الانتخابات النيابية والرئاسية في الصومال، إلا أن حسابات الداخل ليست تُبنى فقط على المال كماكينة حاسمة تُكسب صاحبها حظوظ الفوز في الانتخابات، وهو ما يشكِّل قلقًا بالنسبة للمرشحين الذين تدعمهم دول أجنبية، وما حدث في الانتخابات الأخيرة، عام 2017، والتي أُنفق خلالها الكثير من المال المشبوه، إلا أن نواب البرلمان منحوا أصواتهم للرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو، وهذا مايشير إلى أن الأكثر سخاء ليس بالضرورة أن يكون مرشحًا منتخبًا للرئاسة الصومالية، وبمعنى آخر أن المرشح المقبول شعبيًّا وعشائريًّا يحظى برصيد وافر من أصوات الناخبين.

إذًا، من المرتقب أن تضخ دول عربية وخاصة الخليجية منها أموالًا كثيرة في الانتخابات المقبلة، وذلك نظرًا للانقسام العربي/العربي وعدم وجود فاعلية لخلق رؤية عربية مشتركة تجاه الصومال، فهذا الانقسام الذي تحول إلى خلاف عربي خليجي سيجعل العملية الانتخابية مصيرية بالنسبة للدول الإقليمية والعربية نظرًا لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في القرن الإفريقي.

اللاعبون والفاعلون الرسميون في الانتخابات الصومالية

بعيدًا عن التدخل الأجنبي كفاعل مؤثر في الانتخابات الرئاسية في الصومال، ثمة لاعبون آخرون يتعاظم دورهم في الانتخابات الصومالية، وهم الذين يمتلكون أدوات الحسم النهائية والتي تؤثر في النتائج الرسمية للانتخابات.

وللتوضيح أكثر، يمكن أن تنناول دور الفاعلين في الانتخابات المقبلة في البنود الآتية:

1. شيوخ العشائر: لا يمكن الاستغناء عن دور زعماء القبائل الصومالية من دون تأسيس فعلي وجذري للعمل الحزبي السياسي في الصومال، وقبل أن يتحقق هذا المطلب يلعب رجال القبائل دورًا في تحديد واختيار نواب البرلمان طبقًا للمحاصصة القبلية المعمولة بها منذ عام 2004، ونتيجة لذلك يمتلك رجال القبائل نفوذًا كبيرًا في المشهد السياسي سيما الانتخابات، ويزداد هذا النفوذ وانخراطهم في العملية السياسية مع كل انتخابات صومالية؛ ما يعطيهم قوة صلبة لحسم المرشحين من خلال اخيتار أعضاء البرلمان الصومالي، وما يجري حاليًّا في إقليم جلمدغ من فوضى سياسية تشوب عملية انتخاب نواب البرلمان المحلي سببها اختلاف التوجهات وتداخل الأجندات بين حكومة مقديشو ومعارضتها المحلية التي تنازع حكومة مقديشو في حصد رئاسة إقليم جلمدغ الفيدرالي.

2. رؤساء الأقاليم: فرضت الفيدرالية في الصومال إشكاليات سياسية عميقة في المعضلة الصومالية، فبدل تذليل صعوباته أضحت عامل انقسام يهدد وحدة البلاد المفككة أصلًا؛ حيث إن رؤساء الأقاليم يحاولون الخروج من تحت عباءة الحكومة المركزية في مقديشو، وهو ما يؤثر فعلًا على العلاقة بين المركز والأطراف في الصومال، وما جرى في كسمايو في الانتخابات الأخيرة دليل كاف على هذه المشكلة، حيث لا تعترف سلطة مقديشو حتى الآن بانتخاب أحمد مدوبي رئيسًا لفترة جديدة في إقليم جوبا لاند، ورغم هذا الخلاف يتمتع رؤساء الأقاليم بنفوذ سياسي وخاصة أثناء اختيار أعضاء مجلس الشعب والشيوخ والذين سيدلون أصواتهم لانتخاب رئيس البلاد. 

3. التيارات الإسلامية: على الرغم من أن دور الحركات الإسلامية في الصومال بشقيها (السلفية والإخوانية) في المشهد السياسي والانتخابي شهد تذبذبًا نتيجة طغيان السلفية الجهادية على المشهد الحركي برمته، فضلًا عن تضاؤل دور الحركة الاسلامية التي تنتسب للإخوان كجماعة مؤثرة وفاعلة نتيجة الهجمة المسعورة ضد هذا التيار في بعض الحواضر العربية، لكن مع وجود كل هذه المؤثرات السلبية التي تحدد حجم التأثير السياسي للتيارات الإسلامية، تبقى تلك الجماعات تلعب دورًا في الانتخابات وخاصة جماعة الاعتصام (السلفية) النشطة في إقليم بونتلاند، والتيار الإخواني (حركة الإصلاح والتجمع الإسلامي) المتمركزة في الجنوب، ومعظم الذين ينتسبون لتلك التيارات لهم دور في الانتخابات الصومالية سواء أفرادًا أو تيارًا دينيًّا بحد ذاته.

خلاصة 

في نهاية المطاف، يحمل التدخل الأجنبي في الصومال في طياته رياح سلام واستقرار لهذا البلد الإفريقي، لكن في أحيان كثيرة يفرض سياساته وأجنداته والتي تندرج في إطار التهديدات والتحديات التي يواجهها هذا القطر العربي كدولة مستقلة، وهذا ما يعبِّر عنه الكثير من المسؤولين الصوماليين الذين تدفعهم السياسات الأجنبية للاعتقاد بأن الصومال ما زال في عهدة المحمية أو ضمن الانتداب الأوروبي، نتيجة لهذا التدخل الدولي(12)، لكن تبدو حكومة مقديشو أكثر عزمًا على عدم الانصياع كليًّا لقرارات وسياسات المجتمع الدولي، وهذا ما أكدته إثر طردها لمبعوث الأمم المتحدة من مقديشو، بدعوى تدخله في شؤون صومالية داخلية بحتة؛ الأمر الذي أدى إلى استبدال بعض السفراء الأوروبيين لتجنب الغضب الصومالي من تلك التدخلات الأوروبية في سياساته الداخلية(13).

مهما اختلفت تأثيرات الدول الأجنبية وتعارضت مع سياسات الصومال الداخلية والخارجية، لكن ما هو مؤكد أن مستقبل الصومال مرهون بمدى تجاوزه العقبات الداخلية والظروف الأمنية، بعدها يمكن أن يتغلب أو يضع حلولًا جذرية لتأثيرات التدخل الأجنبي السلبية، وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية التي أضحت معركة مصيرية ومستقبلية للدول الفاعلة في الصومال دوليًّا وعربيًّا وإقليميًّا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الشافعي أبتدون، كاتب وباحث صومالي في شؤون القرن الإفريقي.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) يقصد بمجموعة شركاء الصومال كل من (بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال "أميصوم"، والدنمارك، وإثيوبيا، والاتحاد الأوروبي، وفنلندا، وألمانيا، ومنظمة إيغاد للتنمية، وإيطاليا، وكينيا، والنرويج، والسويد، وتركيا، وأوغندا، وبريطانيا، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية).

(2) المجتمع الدولي يصدر بيانًا عن الانتخابات الصومالية، شبكة الصومال اليوم، 21 ديسيمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 23 ديسمبر/كانون الأول 2019):

المجتمع-الدولي-يصدر-بيانا-عن-الانتخاب/ https://somaliatoday.net/

(3) علي عيسى، عبد الرحمن محمود، قراءة في المشهد السياسي والانتخابي في الصومال، تطلعات وتوقعات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأول 2019):

https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_3A130184.pdf

(4) انظر:

Brendon J. Cannon, Foreign State Influence and Somalia’s 2017 Presidential Election, digitalcommons.macalester, march 2019, https://digitalcommons.macalester.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1206&context=bildhaan

(5) انظر:

UK probes Soma’s local ties, africa-confidential, issue date 6th August 2015, visited 25 December 2019, https://www.africa-confidential.com/article/id/11177/UK_probes_

(6) نفط الصومال.. محور صراع جديد في القرن الإفريقي، جريدة الصباح، 30 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 25 ديسمبر/كانون الأول 2019):

https://www.elsaba7.com/details/231740

(7) المرجع السابق.

(8) ألمانيا تعلن دعم الانتخابات الصومالية العامَّة المقبلة، شبكة الصومال اليوم، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 25 ديسمبر/كانون الأول 2019):

ألمانيا-تعلن-دعم-الانتخابات-الصوماليhttps://somaliatoday.net/

(9) ابتدون، الشافعي، هذه الأزمة بين نيروبي ومقديشو، العربي الجديد، 3 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 27 ديسمبر/كانون الأول 2019):

هذه-الأزمة-بين-نيروبي-ومقديشو-1https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/3/2

(10)- الصومال يجدد موقفه المحايد من الأزمة الخليجية، صحيفة الوطن، 22 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول : 27 ديسيمبر/كانون الأول 2019) /97751/الصومال-يجدد-موقفه-المحايد-من-الأزمة-الخليجية/d/20170922%20class= http://www.al-watan.com/news-details/

(11)- مرجع سابق.

(12)- أويس حسن، مقابلة صحفية مع رئيس البرلمان السابق محمد عثمان جواري، قناة دلسن المحلية، 24، ديسيميبر/كانون الأول 2019 (تاريخ الدخول : 28 ديسيمبر/كانون الأول 2019 )https://www.youtube.com/watch?v=oz-HKkU1x4s

(13)  الصومال يطرد مبعوث الأمم المتحدة، صحيفة الشرق، 3 يناير/كانون الثاني 2019، (تاريخ الدخول : 28 ديسيمبر/ كانون الأول 2019 ) الصومال-يطرد-مبعوث-الأمم-المتحدةhttps://al-sharq.com/article/03/01/2019/