تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز قد أصبح بمثابة تهديد تستعمله طهران في كل أزمة تواجهها مع العالم الخارجي لاسيما في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية (الجزيرة) |
اشتدت حدة التوتر في منطقة الخليج العربي، بعد المنعطف الجديد الذي يمر به الملف النووي الإيراني، حيث توالت خلال الأسابيع الأخيرة التهديدات والتهديدات المضادة بين إيران من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى. وإن لم يكن في ذلك جديد؛ إلا أنه اقترن هذه المرة بتطورات ملموسة على أرض الواقع.
"حرب التهديدات"
بالتزامن مع "حرب التهديدات"، أبدت كل من إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية جديةً غير مسبوقة لخوض معركة فرض الإرادة على الخصم؛ ففي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011، أقرت دول الاتحاد الأوروبي في 23 يناير/كانون الثاني 2012، عقوبات تقضي بحظر استيراد النفط الإيراني، وهو القرار الذي وصفه مراقبون بأنه بمثابة " قنبلة موقوتة" سيكون موعد انفجارها الأول من يوليو/ تموز 2012.
وقد هدفت العقوبات الأوربية والأميركية إلى إجبار إيران على وقف تطوير برنامجها النووي، فردت طهران برسالتي تهديد واضحتين إلى الولايات المتحدة ودول المنطقة، الأولى تتضمن التهديد بإغلاق مضيق هرمز وقطع شريان الملاحة النفطية فيه، في حال فُرض عليها المزيد من العقوبات الغربية؛ حيث أعلن نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي أنه إذا منع الغرب تصدير النفط الإيراني فإن إيران ستغلق مضيق هرمز "ولن تسمح بعبور حتى نقطة نفط واحدة". واعتبر قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري أن "إغلاق المضيق يُعتَبر بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية أبسط من ارتشاف قدح من الماء"؛ فردت واشنطن بأنها لن تسمح بأي إغلاق لهذا المضيق الإستراتيجي لإمدادات النفط الدولية؛ حيث يمر عبره يوميًا نحو 40% من إجمالي الصادرات النفطية العالمية، مؤكدة أنه إذا كانت إيران قادرة على إغلاق المضيق؛ فإن الولايات المتحدة ستتخذ الإجراءات الكفيلة بفتحه من جديد"، وقامت بإرسال 6 سفن حربية تقودها حاملة طائرات أميركية.
وتضمنت الرسالة الإيرانية الثانية تحذير دول الخليج من تعويض حصة إيران النفطية في حال فرض المجتمع الدولي عقوبات إضافية عليها، معتبرة أن فرض حظر على صادراتها ومبيعاتها النفطية يعد "إعلان حرب"، ومن المتوقع أن تتصاعد حدة التوتر مع اقتراب موعد الحظر النفطي.
كما حذَّر مندوب إيران لدى "أوبك"، علي خطيبي، دول الخليج العربي من تعويض إمدادات النفط الإيراني بالسوق إذا حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الخام من إيران، مشيرا إلى أنَّ "عواقب مثل هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها؛ لذا لا ينبغي لجيراننا العرب التعاون مع هؤلاء المغامرين، وعليهم إتباع سياسات حكيمة".
واستكمالاً لإستراتيجية "الدفع إلى حافة الهاوية" أضفت طهران طابعًا من الجدية على تهديدها بإغلاق مضيق هرمز؛ فنظمت مناورات حربية بحرية -ولايتي 90- في المضيق لمدة 10 أيام، والتي عُدَّت بمثابة محاكاة لعملية إغلاقه، كما أعلنت عن إجراء مناورات جديدة منتصف فبراير/شباط 2012.
مأزق دول الخليج
وسط هذه التطورات المتلاحقة، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مأزقًا حقيقيًا، يتمثل في أمرين ربما يصعب التوفيق بينهما:
-
أولهما: كيفية التعامل مع التداعيات التي قد تنجم عن تنفيذ إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز أو على أقل تقدير جعل الملاحة فيه غير آمنة، وذلك بالنظر إلى كون المضيق يعد الممر الوحيد لبعض دول الخليج (الكويت والبحرين وقطر)، وشبه الوحيد للبعض الآخر (السعودية والإمارات وسلطنة عمان)، لجميع صادرات النفط وغيره، ولجميع الواردات أيضًا.
-
وثانيهما: أنَّ دول المجلس ستكون بين مطرقة إثبات المصداقية في الالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بالعقوبات النفطية على إيران وسندان التهديد الإيراني لدول الخليج بأنها ستواجه "مسارًا خطيرًا" في حال قيامها بتعويض النقص في إنتاج إيران النفطي.
كما ترتبط بذلك معضلة أخرى، تتمثل في أن دول الخليج ستكون حائرة بين تلبية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة من جهة، وتعويض النقص في الصادرات النفطية الإيرانية من جهة أخرى.
احتمالات إغلاق مضيق هرمز
تنطلق إيران في تهديداتها بإغلاق المضيق من عدة عوامل:
-
أولاً: إشرافها المباشر على المضيق من ناحية الشمال.
-
ثانيًا: إحداثيات المضيق، حيث يبلغ عرضه 60 كم، و34 كم عند أضيق نقطة فيه، فيما يبلغ عرض ممرّي الدخول والخروج فيه 10 و5كم، الأمر الذي يعني أن غرق ناقلتين من القطع المتوسط كفيل بغلق المضيق أمام الملاحة البحرية، إضافة إلى ما تمتلكه البحرية الإيرانية من إمكانيات لمضايقة السفن المارَّة في المضيق.
إنَّ إيران قادرة على إغلاق المضيق، فلديها ثلاث غواصات روسية الصنع، ويُعتقد أنَّ لديها القدرة على زرع ألغام، ولديها أيضًا أسطول من الغواصات الصغيرة، وآلاف الزوارق السريعة المسلحة بقذائف مضادة للسفن والتي يمكن أن تفلت من رادارات السفن إلا أن تكون اقتربت منها مسافة خطرة. لاسيما وأنَّ مضيق هرمز مزروع بجزر إيرانية صغيرة، تصلح لشن هجمات سريعة ومؤثرة.
إلا أن سيناريو إغلاق المضيق يُعد كارثيًا بالنسبة لإيران، فلن تكون تأثيراته محصورة في الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول المستهلكة لنفط الخليج، بل ستتعدى إلى اقتصادها الذي يعاني انكماشًا؛ فالمضيق منفذ رئيسي لمعظم نفطها المصدَّر للخارج، كما سيكون الإغلاق بمثابة دعوة حقيقية لاستخدام الغرب الخيار العسكري لمواجهتها، وليس من المتوقع أن يستخدم إمكاناته العسكرية لمجرد إحباط محاولة إغلاق المضيق، بل على الأرجح سيمتد التدخل الغربي ليشمل توجيه ضربات ذكية للمنشآت النووية الإيرانية.
تداعيات الإغلاق
من شأن إغلاق مضيق هرمز أو الاستمرار في التهديد بإغلاقه أن تكون له تداعيات ضخمة على دول الخليج، أبرزها: احتمالات تضاعف أسعار النفط إلى مستويات قياسية، لاسيما بالنظر إلى أن التهديد بإغلاق المضيق تزامن مع فصل الشتاء حيث موسم ذروة الطلب العالمي على النفط، مما يلحق الضرر البالغ بالاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى ارتفاع كلفة واردات دول الخليج من السلع الضرورية والمواد الوسيطة، بما ينعكس سلبًا على موازين مدفوعاتها، ويتسبب في إرهاق ميزانياتها العامة المرهقة أصلاً.
السيناريوهات المحتملة
1. سيناريو الاحتمال الأسوأ ( الإغلاق التام)
يقوم هذا السيناريو على الإغلاق الكامل لمضيق هرمز سواء من خلال إغراق ناقلات نفط أو عبر زرع ألغام أو باستخدام زوارق سريعة وصواريخ جوالة وقذائف صاروخية.
ويواجه هذا السيناريو عدة صعوبات؛ حيث إنه يستدعي التدخل الدولي، لأن اقتصادات دول العالم ستتضرر بشدة إذا توقفت واردات النفط من الخليج. فقد أوضحت الولايات المتحدة بلا لبس، أنَّ أي تعطيل للحركة البحرية في الخليج سيكون "خطًا أحمر"، علاوة على أن الرئيس باراك أوباما أكد -في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه يوم 25 يناير/كانون الثاني 2012- عزم واشنطن على منع حصول إيران على السلاح النووي بكافة السبل.
وبالتالي ليس من المرجح أن تُقدِم إيران على عمل عدائي مثل هذا، لأن تكلفته عالية بالنسبة للعائد الذي تنشده إيران.
2. سيناريو "حرب الناقلات"
يقوم هذا السيناريو على القيام بعدة أشكال من المضايقات التي تستهدف تجارة النفط بما يؤدي إلى رفع سعر النفط وإبقائه مرتفعًا لصالح إيران، ولكن من دون أن تصبح هذه المضايقات سببًا للحرب أو الإغلاق الكلّي لمضيق هرمز، وذلك على غرار "حرب الناقلات" في ثمانينيات القرن الماضي.
وسيكون الهدف من المضايقات الإيرانية رفع رسوم التأمين وغير ذلك من تكاليف النقل البحري، وزيادة أسعار النفط لإلحاق ضرر بالغرب والتعويض عن العائدات المفقودة بسبب الحظر، ووضع العالم أمام الأمر الواقع، خاصةً في حالة الارتباك المتوقع في الأسواق العالمية نتيجة الخوف من إغلاق مضيق هرمز ولو بصورة مؤقتة وإمكانية ارتفاع أسعار.
البدائل والخيارات الخليجية
أمام هذه المشكلة ستسعى دول الخليج إلى إيجاد ممرات آمنة لصادراتها ووارداتها تعوِّض خسائرها في المضيق، وتمكّنها من الاستغناء عنه إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مثل وقوع كوارث طبيعية كالزلازل أو تعرضه لأعمال تخريبية أو قرصنة، أو نشوب نزاعات أو حروب.
يعزز ذلك، ما تشير إليه الخبرة التاريخية من أن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز قد أصبح بمثابة تهديد تستعمله طهران في كل أزمة تواجهها مع العالم الخارجي لاسيما في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.
وأهم البدائل والخيارات المتاحة، هي:
-
(خط شمال شرق الجزيرة العربية–البحر الأحمر): أنشأته المملكة العربية السعودية عام 1982 خلال الحرب العراقية الإيرانية وقامت بتوسعته عام 1992 بعد حرب تحرير الكويت، ويربط المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200) كلم، وتبلغ الطاقة الاستيعابية له (4.5) مليون برميل يوميًا، كما تبلغ الطاقة التخزينية في مدينة ينبع ما يقارب (12.5) مليون برميل يوميًا، بما يمكِّن السعودية من تصدير ما يصل إلى 50? من إنتاجها اليومي عبر ذلك المنفذ.
-
إنشاء منفذ بحري على بحر العرب عبر أراضي الجمهورية اليمنية أو سلطنة عمان.
-
إنشاء منفذ بحري على خليج عمان عبر أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة.
-
إنشاء خط أنابيب ضخم بين إماراتيْ الشارقة والفجيرة بطول (100) كلم يمكن من خلاله نقل البترول بالسفن من موانئ الدول المصدرة إلى إمارة الشارقة؛ حيث يتم تفريغه ونقله عبر الأنابيب إلى ساحل إمارة الفجيرة على خليج عمان، ومن ثم تحميله بالسفن مرة أخرى إلى جهته دون المرور بمضيق هرمز.
وغالبية هذه البدائل تقلِّل كلفة ورسوم التأمين والشحن، كما يمكن لهذه البدائل جميعها استقبال ناقلات النفط العملاقة.
ولما كانت تكلفة غلق مضيق هرمز مرتفعة لإيران، فإنها ستصعِّد ردها بالتدرج، وتميل دائما إلى الحلول التوفيقية لتجنب الحرب، وستضغط دول الخليج أيضا على القوى الغربية من أجل تفاديها حتى لا تتعرض اقتصادياتها لخسائر هائلة قد تضعضع السلم الداخلي، ويصاب الاقتصادي العالمي بمزيد من الإرهاق لن تنجو أمريكا نفسها من تبعاته.