سباق الرئاسة سيدور حول أربعة مرشحين رئيسيين، بين الثلاثة عشر مرشحًا المتبقين: (من اليمين) أحمد شفيق، محمد مرسي، عبد المنعم أبو الفتوح، عمرو موسى، وأحمد شفيق (الجزيرة) |
أحاط بالانتخابات الرئاسية المصرية، منذ نهاية مارس/ آذار 2012، ولأسبوعين تاليين، مناخ من التوتر والترقب والتقلبات المفاجئة؛ فإعلان الإخوان المسلمين (الأحد، 31 مارس/آذار)، وذراعهم السياسي، حزب الحرية والعدالة، عن ترشيح القيادي الإخواني البارز، محمد خيرت الشاطر، شكَّل مفاجأة لقطاع واسع من الإخوان وغيرهم سببُها أن الإخوان سبق وأعلنوا منذ تأسيس حزب الحرية والعدالة في العام الماضي 2011، أنهم لن ينافسوا على مقعد الرئاسة، كما أنهم لن يدعموا مرشحًا إسلاميًا، بالمعنى الحزبي والتنظيمي. وقد أدى إعلان عبد المنعم أبو الفتوح، أحد القادة الكبار للجماعة وعضو مكتب إرشادها 22 عاما متواصلة، عزمه خوض انتخابات الرئاسة، إلى صدور قرار من مجلس شورى الإخوان بفصله من الجماعة في العام الماضي 2011.
لم يُفِق المصريون من مفاجأة ترشح خيرت الشاطر حتى تقدم اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات السابق وأول وآخر نائب للرئيس مبارك، بترشحه هو الآخر. ثم جاءت المفاجأة التالية في إعلان اللجنة العليا للانتخابات مساء السبت 14 إبريل/نيسان 2012 عن قرارها الأولي باستبعاد عشرة من بين الثلاثة وعشرين مرشحًا. وقد شملت قائمة المستبعدين كلاً من المرشحين الأقوياء: خيرت الشاطر، حازم أبو إسماعيل، وعمر سليمان. وبعد ثلاثة أيام من صدور هذا القرار، أعلنت اللجنة رفضها الطعون والتظلمات التي تقدم بها المستبعدون جميعًا، مؤكدة خروجهم نهائيًا من السباق، فتقلص عدد المتنافسين بالتالي إلى 13 مرشحًا.
هذه قراءة لسبعة عشر يومًا وقفت فيها مصر على أطراف أصابعها، لحظوظ المرشحين الرئيسيين، وللاحتمالات المتوقعة لسباق الرئاسة.
الشاطر: المخرج من الأزمة
حتى نهاية فبراير/شباط 2012، لم يكن لدى الإخوان أي مخطط جاد لخوض الانتخابات الرئاسية، بل أرادوا، بعد فوزهم الكبير في الانتخابات البرلمانية أن تصل لمقعد الرئاسة شخصية وطنية، تحترم الإسلام وتتمتع بعلاقات طيبة معهم، ويمكن التفاهم المسبق معها من أجل تجنب أية خلافات جوهرية بين الرئيس ورئيس الحكومة، التي تصور الإخوان أنهم سيقودونها بعد المرحلة الانتقالية بقوة أغلبيتهم البرلمانية. ولكن محاولات إخوانية حثيثة لإقناع المستشار المؤرخ طارق البشري، وشخصيات أخرى أقل أهمية، بالترشح، أخفقت جميعًا. ومنذ نهاية فبراير/شباط 2012، وجد الإخوان أنفسهم في أزمة، نظرًا لعدم اقتناعهم بأي من المرشحين المتواجدين، ورفضهم تغيير موقفهم من عبد المنعم أبي الفتوح، المرشح الأقرب لهم والأسهل في كسب تأييد قواعد الإخوان. وفي الوقت نفسه، كانت العلاقات بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تزداد توترًا، نظرًا للشروط الثقيلة التي وضعها المجلس لقبوله إطاحة حكومة الجنزوري وتكليف الأكثرية النيابية تشكيل حكومة بديلة.
ترشح الشاطر كان بالتالي المخرج الأرجح من أزمة انتخابات رئاسية حرجة، ساهمت الظروف وساهم الإخوان في صنعها. وكان ما شجع الإخوان على اتخاذ هذه الخطوة، ربما، تلقيهم إشارات إيجابية حول دورهم السياسي من الموفدين الأميركيين والأوروبيين، بخلاف ما يقوله لهم المجلس العسكري من أن الغرب يخشاهم ويخشى صعودهم السياسي.
الاعتقاد بأن ترشيح الشاطر قد تم بعد صفقة مع المجلس العسكري غير صحيح، ولكن المجلس كان يعرف أن الأمور تتجه نحو ترشح الشاطر خلال الأسبوع أو العشرة أيام السابقة على الإعلان، نظرًا لأن أغلبية داخل مجلس شورى الإخوان بدأت تتشكل بالفعل، وبصورة غير سرية تمامًا، لدفعه إلى الترشح. لم يصدر عن المجلس العسكري خلال اليوم التالي لإعلان ترشح الشاطر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ما يشير إلى موقفه من المسألة. وقد ساد اعتقاد في صفوف الإخوان بأن المجلس العسكري، بخلاف صلاحياته الدستورية في المرحلة الانتقالية، أصبح منذ أحداث نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في وضع أضعف مما كان عليه خلال الشهور السابقة من 2011، وأن المصريين سيقاتلون ضد أية محاولة لفرض نظام عسكري جديد على البلاد، وأن المجلس العسكري يدرك هذا تمامًا.
سليمان: فزاعة الإخوان
كما في حالة الشاطر، التزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصمت وعدم التعليق على ترشح عمر سليمان، ولكن تحليلات أفادت بأن المجلس لم يكن سعيدًا بترشح سليمان؛ فمن الأمور المتداولة هو أن العلاقات بين اللواء سليمان والمشير طنطاوي خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك لم تكن جيدة على الإطلاق، وأن المجلس لم يكن سعيدًا بمشروع تنحي مبارك لصالح سليمان في الأيام الأخيرة للثورة، فربما يكون بعض من صمت المجلس على ترشح سليمان يتعلق برغبة المجلس بعدم التدخل في الانتخابات، وكذلك قد يعد قبولا تحكمه المصلحة، فسليمان كان في النظام السابق جزءا من ترتيبات تعطي قيادة الجيش صلاحيات واسعة تتعلق في جانب منها بالقضايا الاقتصادية، علاوة على أن صمت المجلس قد يكون حرجا من رد فعل دولة عربية مهمة، وقفت بقوة خلف سليمان.
اعتُبِر سليمان مرشحًا جادًا بلا شك، وهو ما استشعرته القوى السياسية وجماعات شباب الثورة. وقد قدم سليمان نفسه باعتباره مؤيدًا للثورة وحريصًا على مكتسباتها. كما قدّم نفسه باعتباره المنقذ من خطر سيطرة الإخوان المسلمين على مصر، آملاً بكسب تأييد القوى المعادية للإخوان أو تلك التي تخشى صعودهم السياسي، بما في ذلك الصوت المسيحي. ولكن ترشح سليمان واجه مشكلة كبيرة من البداية، بعد أن قام مجلس الشعب في 12 إبريل/نيسان 2012، بتعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية، لمنع كل من تولى منصب الرئيس أو نائبه أو رئيس الوزراء، أو كان من كبار قيادات الحزب الوطني، خلال السنوات العشر السابقة على تنحي مبارك، من حقوقه السياسية، بما في ذلك الترشح للرئاسة، طوال السنوات العشر القادمة. كما نهضت حركة شعبية واسعة النطاق للاحتجاج على ترشح سليمان، غطت معظم المدن المصرية.
الاستبعاد: شباك الإدارة
تأسس قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاد سليمان على أن التوكيلات التي جمعها غير مكتملة الشروط في محافظة من المحافظات الخمس عشرة الضرورية للترشح. وبذلك، تحرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة من حرج التصديق على تعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية، الذي أُحيل للمحكمة الدستورية، نظرًا للشكوك المثارة حول دستوريته.
أما المرشح القوي حازم أبو إسماعيل، فتوجه للقضاء الإداري (مجلس الدولة)، لتوكيد جنسية والدته المصرية، بعد أن ازدادت الشكوك حول حصولها على الجنسية الأميركية. وقد كسب أبو إسماعيل القضية بالفعل (11 إبريل/نيسان 2012)، نظرًا لأن ممثل النيابة الحكومية لم يستطع تقديم أدلة قاطعة ومقبولة تثبت جنسية والدة أبو إسماعيل الأميركية. ولكن الهيئة العليا للانتخابات لم تكن ملزمة بحكم القضاء الإداري، وقد تسلمت في اليوم التالي لصدور قرار المحكمة الإدارية وثائق كافية من الحكومة الأميركية تؤكد تمتع والدة أبو إسماعيل بالجنسية الأميركية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2006؛ فقررت استبعاده.
أما خيرت الشاطر فقد واجه شكوكًا من نوع آخر، بعد أن قدّم اليساري أبو العز الحريري اعتراضًا على ترشحه أمام المحكمة الإدارية واللجنة العليا للانتخابات، يتعلق بمسألة العفو الذي شمله (و120 آخرين) من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ إن كان هذا العفو شاملاً، يؤهله للتمتع بحقوقه السياسية، أم لا؟ وإن كان العفو أصبح فعالاً قبل إغلاق قائمة الناخبين أم بعد إغلاقها؟ وكان الإخوان قد احتاطوا لاحتمال استبعاد الشاطر، بالتقدم بأوراق محمد مرسي، زعيم حزب الحرية والعدالة، كمرشح ثان.
باستبعاد الشاطر من قبل اللجنة العليا للانتخابات، اتجه الإخوان مباشرة إلى إطلاق حملة مرسي الانتخابية.
المرشحون الأبرز وسباق الرئاسة
باستبعاد المرشحين العشر، بما في ذلك الثلاثة الأقوياء، يمكن القول: إن سباق الرئاسة سيدور حول أربعة مرشحين رئيسيين، بين الثلاثة عشر مرشحًا المتبقين: عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد مرسي، وعمرو موسى، وأحمد شفيق. ويشير عدد من الاستطلاعات (غير العلمية بالضرورة)، في الأسابيع القليلة الماضية، إلى تراجع حظوظ محمد العوا وحمدين صباحي وهشام البسطويسي، بصورة ملحوظة، بالرغم من حضورهم النشط والملحوظ في الساحة السياسية منذ تنحي الرئيس مبارك.
عبد المنعم أبو الفتوح: يركز هذا الطبيب الإسلامي، والقيادي الإخواني الكبير السابق، على مخاطبة حاجات عموم المصريين، وعلى الخطاب الوطني في الاقناع. ولكن من الصعب تصور فوز أبو الفتوح بدون دعم ملموس من الصوتين الإخواني والسلفي. وسيحدد صعوده إلى الدور الثاني من الانتخابات، إن استطاع بالفعل الوصول إلى جولة الإعادة، وهوية المرشح الذي سيخوض الانتخابات النهائية في مواجهته، الجزء الأكبر من حظه في كسب السباق الانتخابي. وليس ثمة شك في أن استمرار المرشح الإخواني في السباق يشكل تهديدًا لحظوظ أبو الفتوح في حصد قطاع معتبر من الصوت الإسلامي.
محمد مرسي: الأرجح أنه كان يجهز نفسه لرئاسة الحكومة، وأنه لم يتوقع أن يصبح المرشح الإخواني لرئاسة الجمهورية. وقد تلقى مرسي تعليمًا عاليًا في الهندسة المدنية من جامعة كاليفورنيا، وعمل أستاذًا جامعيًا لعدة سنوات، قبل أن يصبح نائبًا في مجلس الشعب المصري لدورتين متتاليتين. وهو الآن رئيس حزب الحرية والعدالة، الحزب السياسي للإخوان المسلمين. ويُعتبر نجاح الآلة الإخوانية في حشد الصوت الإسلامي، بما في ذلك صوت مناضليها وقطاع ملموس من الصوت السلفي، الرهان الرئيس لقدرة مرسي على الوصول للدور الثاني من المنافسة.
أما مصدر ضعف محمد مرسي، فيتعلق بكون صورته هي صورة المرشح الإسلامي البحت، وأن استمراره في السباق يجعل الإخوان عرضة للاتهام بالسعي للهيمنة على مقاليد الحكم. ويحتاج مرسي دعمًا من شخصيات عامة ومثقفين وأكاديميين ورجال أعمال من خارج دائرة القوى الإسلامية، وذلك لا يبدو سهل التحقق في الظروف الحالية. على المدى البعيد، إن فاز مرسي بالرئاسة، فإن عليه أن يبذل جهدًا كبيرًا لإعادة صناعة نفسه كرئيس للمصريين جميعًا وكمعبِّر عن فئاتهم وقطاعاتهم الوطنية المختلفة.
وسيفتح خروج حازم أبو إسماعيل الصراع على كتلته التصويتية الكبيرة من السلفيين والطبقات الشعبية. ولكنْ هناك شك كبير في أن تذهب هذه الكتلة إلى الإخواني محمد مرسي، بالطريقة التي كان يُتوقع ذهابها لصالح خيرت الشاطر لو أنه استمر في السباق.
عمرو موسى وأحمد شفيق: يُعتبر عمرو موسى، وزير الخارجية المصرية الأسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية، شخصية مصرية شعبية لفترة طويلة، ولكن هذه الشعبية تقاس بالمقارنة مع رجالات العهد السابق وليس بمقاييس ما بعد الثورة. وربما يتعلق ضعفه باعتباره أحد رجالات نظام انتهى، وأنه في السبعينيات من عمره. أما قوته، فتنبع من هذين السببين أيضًا، بمعنى أن عمله الطويل في الوزارة وسنه المتقدم يوحيان بالخبرة والثقة لدى قطاعات ملموسة من المصريين، أثقلت كاهلها أعباء ما بعد الثورة الأمنية والاقتصادية. وبالرغم من صعوبة التقدير في ظل غياب تقاليد موثوقة لاستطلاع الرأي فإن الاعتقاد السائد أن موسى في وضع أقوى بكثير من أحمد شفيق، قائد الطيران الأسبق، ووزير الطيران المدني الأسبق، وآخر رئيس لوزراء عهد مبارك؛ الذي يُحسب بوضوح على النظام السابق. كما يبدو شفيق أقل خبرة وحنكة في إدارة حملته الانتخابية. مهما كان الأمر، فالمتوقع أن يتنافس موسى وشفيق على الكتلة التي ترفض أو تخشى وصول إسلامي إلى الرئاسة، سواء كان هذا الإسلامي محمد مرسي أو عبد المنعم أبو الفتوح.
الأرجح أن المنافسة لن تُحسم من الجولة الأولى، وأن الإعادة بين المرشحين الاثنين الأعلى أصواتًا ستشمل واحدًا من المرشحين الإسلاميين، وآخر من المرشحين غير الإسلاميين. سيناريو الإعادة بين أبو الفتوح ومرسي لا يجب استبعاده كلية، ولكنه ضعيف الاحتمال. أما لتأمين مقعد الرئاسة من رجال نظام ما قبل الثورة، سيكون على الإسلاميين وقوى الثورة الأخرى الالتفاف حول واحد من المرشحين الإسلاميين. ولكن حتى إن التف الصوت غير الإسلامي حول عمرو موسى أو أحمد شفيق، فإن احتمال وصول أحدهما لمقعد الرئاسة يبدو أضعف.