المنطقة الواقعة بين دول المغرب العربي إلى شمال دول الساحل الإفريقية، وهي المعروفة بمنطقة الصحراء والساحل، تعاني من اختلالات أمنية عديدة ومتداخلة، حركات معارضة مسلحة تتحدى سلطة الدولة المركزية، مثل مالي وليبيا وتشاد وبوركينا فاسو، وجماعات مسلحة عابرة للحدود مثل القاعدة، وشبكات تهريب للبشر، وأخرى لنقل المخدرات القادمة من أميركا اللاتينية إلى أوروبا، وقد تتعاون فيما بينها مثل تعاون القاعدة مع شبكات التهريب للبضائع بين الدول، أو تعاون القاعدة مع فصائل من أزواد المناهضة للحكومة المالية. تعتبر دول المنطقة هذه التنظيمات تهديدات يجب التصدي لها؛ إذ إن هذه الشبكات تنشئ مناطق رخوة على تخوم دول المنطقة تكون ملاذات آمنة لتجمعها وملائمة لتشكيل حاضنة اجتماعية في التجمعات السكانية المحرومة أو التي تشعر بتخلي حكومات المنطقة عنها، وتكون أيضًا قاعدة لعملياتها داخل دول المناطق المجاورة، مثل العملية التي نفذتها القاعدة بالمركب النفطي بعين آمناس في شرق الجزائر عام 2013 انطلاقًا من شمال مالي مرورًا بليبيا، أو اختطاف الرعايا الغربيين وتهريب البشر والمخدرات إلى أوروبا.
تنادت دول المنطقة إلى التعاون في التصدي لهذه التهديدات المشتركة، وقد بلغ عدد المبادرات نحو 27 كدليل من جهة على رغبة دول المنطقة في العمل المشترك لكنها تعني أيضًا أن تعدد أطر التعاون دليل على التعارض في الاستراتيجيات والمصالح، بينما الاتفاق عليهما ضروري لنجاح أي عمل مشترك وإلا تحولت المبادرات المتعددة إلى عامل تنافس وخصومة يسهم في تردي أوضاع المنطقة وليس في إصلاحها. وقد نشأت مبادرة مجموعة الخمس في سياق الأزمتين الليبية والمالية، وتُعَدُّ من المبادرات القليلة التي تحظى بدعم خارجي قوي، وهو الدعم الفرنسي، ونجحت في تشكيل قوة عسكرية مشتركة في 2017، لكنها تعاني من أوجه قصور عديدة قد تجعلها لا تختلف في قلة جدواها عن جدوى المبادرات الأخرى، بل قد تفاقم الاختلالات التي نهضت لإصلاحها.
هذا هو المشكل الذي يسعى عبد النور بن عنتر للإجابة عليه في كتابه الجديد "مبادرات الأمن في المغرب والساحل: مجموعة دول الساحل الخمس على المحك"، وهو يعلن من البداية أن المهمة صعبة فيستشهد في أول جملة بمقدمة الكتاب بقول قطبي النظرية السياسية، باري بوزان (Barry Buzan) وأولي ويفر (Ole Weaver): "كانت إفريقيا تحديًا دائمًا لنظرية العلاقات الدولية"(1)، فكيف بمحاولة فهم منطقة الصحراء والساحل وهي أكثر المناطق الإفريقية جمعًا بين هشاشة الدول وتلاقي الشبكات المنفلتة من سيطرة دول المنطقة واحتدام التنافس الدولي. ولا تعوز عبد النور للقيام بهذه المهمة المعرفة النظرية أو التطبيقية، فلقد قضى سنوات في تدريس العلاقات الدولية والنظرية السياسية في الجامعات وهو حاليًّا أستاذ في جامعة باريس الثامنة، وألَّف كتبًا عديدة عن العالم العربي في موضوعات راهنة تعالج قضايا جارية تتناول مواضيع الأمن والجيوبوليتيك والعلاقات الدولية والتيارات الأيديولوجية، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات العلمية تتناول القضايا الراهنة في العلاقات الدولية بمنظورات نظرية تجمع بين مختلف المدارس من الواقعية إلى البنائية إلى مدرسة كوبنهاغن، ونجد هذه المقاربات النظرية في الكتاب الذي نحن بصدد عرضه ونقده، فلا يكتفي عبد النور بتطبيقها على الموضوع الذي يدرسه بل يحرص على تطبيقها على ذاتها، فيحذِّر من أن مفهوم الأمن الذي يستعمله ليس مفهومًا موضوعيًّا يحظى باتفاق الدارسين له بل هو مفهوم سجالي وهو دائمًا أمن لطرف ما ومن تهديد ما(2)، وقِسْ على ذلك يقظته الدائمة في انتقاد المفاهيم التي يستعين بها في تحليل موضوع الكتاب. ولعل يقظته النقدية المستمرة تعود إلى خشيته من تبني مفاهيم متحيزة أيديولوجيًّا لا تساعد على كشف الواقع وإنما تجعل القارئ ينظر إليه بعيون الجهات التي أنتجت تلك المفاهيم، وقصدت بها تصوير الواقع بما يتماشى مع مصالحها، من ذلك مفهوم الإرهاب الذي تستعمله الدول والأوساط الأكاديمية دون تمحيص، فتسهم في جعل الواقع أكثر غموضًا بدلًا من المساعدة على فهم أبعاده المتعددة؛ إذ إن إطلاق مصطلح الإرهاب على أي فصيل معارض يعمي النظر عن مطالبه السياسية والاقتصادية والثقافية ويحصره في الجانب الأمني والعسكري، مع أن هذا الجانب ليس إلا عَرَضًا من أعراض تلك المطالب ولن تفلح أية معالجات أمنية إذا لم تعالج في المقام الأول الأسباب العميقة التي أوصلت إليها.
وقد اعتمدت في قراءة الكتاب حصر أفكاره الرئيسة حتى وإن كانت موزعة بين عدة فصول، وهي الدواعي التي أنشأت تجمع دول الساحل الخمس، واستعراض العوائق التي تحول دون تحقق الغاية من نشأتها، ثم مناقشة جوانب الالتباس في جوابه على السؤال المركزي في كتابه وهو استكشاف مستقبل تجمع دول الساحل الخمس.
الاعتماد الذاتي والرعاية الفرنسية
في 2014، نشأت مجموعة دول الساحل الخمس للتعاون في ضمان أمنها الإقليمي، وهي: موريتانيا وتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وقد جاءت نشأتها من تلاقي اتجاهين، اتجاه ينزع إلى تكفل الدول الإفريقية بأمنها واتجاه يدفع الدول الغربية، والمقصود هنا فرنسا، إلى خفض وجودها العسكري المباشر في القارة الإفريقية، وقد تفرَّع الاتجاه الأول من الاتجاه الثاني، فلقد تراكمت عدة عوامل جعلت فرنسا تحبذ خفض تدخلها المباشر في إفريقيا وتوكيل دول حليفة بالاعتماد على نفسها في المقام الأول لضمان أمنها، هذه العوامل هي ماضي فرنسا الاستعماري الذي لا يزال يستفز شعوب المنطقة، ووقوع هجمات مسلحة على قواتها ومصالحها، تتبناها القاعدة وجماعات مسلحة أخرى، وتناقص الموارد المالية، والسمعة السيئة لشبكة مصالحها الاقتصادية في فرنسا المسماة: شبكات فرنسا-إفريقيا، وهي شبكات متهمة بالفساد والتعاون مع الحكام المستبدين.
تنصبُّ مهمة دول الساحل الخمس على تأمين حدودها المشتركة من التهديدات العابرة لها، فهي دول متجاورة، وأرادت تشكيل هذا التجمع المصغر لأنها تتقاسم نفس المصلحة، ويساعدها عددها الصغير على اتخاذ قرارات سريعة، وتشكيل دوريات حدودية مشتركة، ثم إنها جميعًا وثيقة العلاقة مع فرنسا التي تُعَدُّ الراعي الفعلي لهذا التجمع، فتحشد له الدعم الدولي والتمويل وتوفر لقواته التدريب والتسليح وتزوده بالمعلومات. لكن عدة عقبات تحول دون تحقيق غايتها، وليست جميعها أسبابًا خارجية، بل يرجع بعضها إلى دول الساحل الخمس نفسها. فهذه الدول ضعيفة الإمكانات ولن ينفع اتحادها في جعل ضعفها قوة، ويعتمد بقاؤها مجتمعة على الدعم الفرنسي ولن تستطيع تعويضه حاليًّا بجهدها الذاتي إذا توقف. هذان خللان بنيويان، وهناك عوائق أخرى إضافية.
تعاني دول الساحل الخمس من العجز في التوفيق بين الوظيفة التنموية والوظيفة الأمنية اللتين يشكِّل تكاملهما شرطًا للنجاح في القضاء على التهديدات العابرة للحدود، فلقد تضاءل بمرور الوقت اهتمامها بالجانب التنموي وتركزت أنشطتها على الجانب الأمني، فوقعت في فخ اختزال المشاكل المعقدة ومتعددة الجوانب في شق واحد، يُعَدُّ عَرَضًا لاختلالات عميقة سياسية وتنموية. وحتى الجانب الأمني اختزلته دول الساحل في العناية بالقوة المشتركة وأغفلت بقية الجوانب الأمنية، فاختزلت المختزل، وحصرته في العمليات العسكرية المشتركة. هذا الاختزال نشأ من اضطرار الدول إلى الاستجابة السريعة للمخاطر الداهمة، وهي مخاطر سريعة الحدوث والرد عليها ينبغي أن يكون سريعًا، لكن تحويل هذا الاضطرار إلى استراتيجية عامة يعمي دول الساحل عن تصحيح الاختلالات السياسية والتنموية والثقافية التي تحتاج إلى وقت أطول من وقت العمليات العسكرية، ثم إن الاعتماد الكلي على القوات المشتركة في بسط الأمن بالقوة يجعلها تعتبر كل مقاومة تهديدًا ينبغي استعمال القوة للقضاء عليه، فتخلط بين التهديدات الأمنية والمعارضة السياسية والاحتجاجات التنموية، فتزيد من عدد الساخطين على الأوضاع، فتتعزز صفوف الجماعات المسلحة، فتتسع المساحات الحدودية التي تفلت من سيطرة الدول المتجاورة، بل إن الجماعات المسلحة، إذا خارت قواها، تبحث عن ملاذات آمنة في الدول المجاورة للدول الخمس لتستعيد أنفاسها وتسترد عافيتها، فتزعزع استقرار هذه الدول وتهدد أمنها.
يفاقم من إخفاق الرهان على الحل العسكري فشل دول الساحل في الاتفاق على مواصفات العدو الذي يحاربونه، فلقد عجزوا عن التمييز في حركات الأزواد بين الفصائل السياسية التي يمكن التوصل معها إلى تسويات بالمفاوضات والفصائل المرتبطة بالجماعات الموالية للقاعدة، من الأمثلة أن في عام 2017 اعتقلت القوة المشتركة أعضاء من تنسيقية حركات الأزواد، الطرف المشارك في اتفاق الجزائر عام 2015، ثم أطلقت سراحهم بعد أربعة أيام. ونفس الخلط تعاني منه بوركينا فاسو التي تحاول الفصل أيضًا بين الجماعات المسلحة الثائرة في شمال البلاد والجماعات التي تعتبرها إرهابية لا تحظى بأي تمثيل سياسي. لن تنجح دول الساحل في الفصل بين الثوار و"الإرهابيين" إذا لم تكسب السكان المحليين إلى جانبها، لكن سبق أن أشرنا إلى أنها أهملت الإجراءات السياسية والتنموية التي لا غنى عنها لكسب قلوب السكان المحليين، لذلك تعجز حملات القوة المشتركة عن اللحاق بالجماعات المسلحة لأن خبرها يكون قد بلغهم من بداية تحركها، فينتقلون إلى مناطق بعيدة آمنة ينتظرون نهاية الحملة للعودة مجددًا إلى قواعدهم السابقة(3).
جدوى القوة المشتركة في القضاء على شبكات تهريب البشر والهجرة والمخدرات أقل نجاعة من عملياتها في القضاء على الجماعات المسلحة، وذلك أن هذه الشبكات نشأت كبديل عن إخفاق الدول الخمس في توفير مشاريع تنموية تشغل سكان المناطق الحدودية وإقامة مؤسسات ترعاهم صحيًّا وتعليميًّا وتفصل في خصوماتهم بأحكام يثقون في عدلها، فنشأت هذه الشبكات لأنها تدرُّ دخلًا على فئات عديدة محلية، ولن تجدي الحملات العسكرية في تحسين مستواها المعيشي وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية، بل إن الحملات العسكرية عليها قد تدفعها إلى الاحتماء بالجماعات المسلحة، فتفاقم الحملات العسكرية من المخاطر بدلًا من إنقاصها والقضاء عليها، ولا حل يزيل هذه الشبكات إلا مشاريع تنموية وتسويات سياسية تجعل مصلحة سكان المناطق الحدودية في دول الساحل الخمس ترتبط بالحفاظ على سلطة الدولة ومؤازرتها.
تَعَدُّد انتماءات دول الساحل إلى نحو 27 منظمة إقليمية ودولية ليس بالضرورة عاملًا مساعدًا في نجاحها، فقد جعلها (أي التعدد) تتعهد بالتزامات تفوق قدرات قواتها ومواردها المالية، وأوقعها في تناقضات مثل التزام مالي والنيجر برفض التدخل الأجنبي في إطار دول الميدان(4)، وقبولها الوجود الفرنسي العملي في إطار مجموعة دول الساحل الخمس، ودفعها إلى تبني خصومات قوى إقليمية ودولية تؤجج الخلافات بينها فتعيق اتفاقها على توجه استراتيجي مشترك. مثال على ذلك: المقابل السياسي الذي ستحصل عليه السعودية والإمارات من الموافقة على تمويل دول الساحل، هو على الأرجح الحصول على دعم أجندتها في ليبيا، فتنصرف دول الساحل أو بعضها عن مهمتها الرئيسية وتنخرط في أعمال عسكرية تفاقم الاضطرابات في الدول المجاورة.
العلاقات بين دول الساحل الخمس ودول المغرب العربي لا تصب في جهود تعزيز الأمن في المنطقتين بل تزيد في ترديها، فالدولتان المغربيتان الكبيرتان تتنافسان في منطقة الساحل، وتنظر كل منهما لنفوذ الأخرى انتقاصًا من نفوذها، فأصابا بعضهما بعضًا بالشلل، فحرما دول الساحل من الاستعانة بهما وأفسحا المجال أمام استعانتها بالقوات الفرنسية الأجنبية التي يتفقان من حيث المبدأ على رفض وجودها في مناطقهم الجنوبية. قد يكون البُعد سببًا إضافيًّا يمنع المغرب من التأثير على دول الساحل لأنه لا يتشارك معها الحدود ما عدا فاصلًا حدوديًّا صغيرًا مع موريتانيا، لكن الجزائر تتشارك الحدود مع ثلاث دول من دول الساحل الخمس، وهي: موريتانيا ومالي والنيجر، وتعتبرها الجزائر امتدادًا لأمنها القومي لأن الوضع في شمال مالي مثلًا تمتد تأثيراته إلى داخل الجزائر للارتباط بين السكان على جانبي الحدود وللعمليات المسلحة التي تنفذها جماعات مسلحة في الأراضي الجزائرية انطلاقًا من مالي، ورغم ذلك لا تقوم الجزائر بدور يتناسب مع إمكاناتها الهائلة وضرورات أمنها؛ وذلك أن الجزائر تتبنى عقيدة استراتيجية تمتنع عن تنفيذ عمليات عسكرية خارج حدودها، وهي عقيدة تصلح للصراع التقليدي بين الدول لكنها لا تصلح للقضاء على التهديدات العابرة للحدود كما هي الحال حاليًّا مع الجماعات المسلحة العابرة للحدود وشبكات التجارة بالبشر وتهريب المخدرات. لا يقلِّل هذا الامتناع من الإسهام غير المباشر الذي تقدمه الجزائر لأمن دول الساحل الخمس، فالجزائر تراقب حدودها المشتركة مع هذه الدول وتمنع الجماعات المسلحة من جعل أراضيها ملاذات آمنة وقواعد خلفية، فتخفف بذلك العبء الأمني الذي تنوء به دول الساحل الخمس.
نقاش مستأنف
لا يفصل الكاتب في تحديد العمل الرئيس الذي ينبغي الانطلاق منه في تصحيح الاختلالات التي تعاني منها دول الساحل، فمرَّة يركز على تصحيح السياسات، كإعادة الاعتبار للجانب التنموي وتفادي الوقوع في شَرَك الإغراء الأمني، لكنه في مواضع أخرى من الكتاب يعطي الأولوية لإعادة بناء الدولة لأن ضعفها وفشلها هما الاختلالان الرئيسان اللذان تتفرع عنهما بقية الاختلالات(5)، وما لم تستعد هذه الدول عافيتها بتقوية مؤسساتها وشرعيتها فإن مساعيها ستصاب بالإخفاق. ولا يدلنا الكاتب على أيهما أولى، وهل يمكن الجمع بينهما، وما شروط ذلك، وما الجهات التي تتولاه ولماذا أخفقت فيه سابقًا، وهل تحظى بمتسع من الوقت لإنجازه. يشمل الغموض أيضًا المقصود بالشق السياسي في استراتيجية دول الساحل الخمس، هل هو التوصل إلى تسوية مع القوى المعارضة أم عملية بناء الدول؟
اعتمد الكاتب مقاربتين في الحديث عن مستقبل المجموعة، فمرة يعتمد على المنظور المعياري الذي يفترض أن التوصيات إذا تحولت إلى سياسات قد تصحح الاختلالات التي تعاني منها دول الساحل الخمس، فخصص لذلك عدة صفحات تبدأ من الصفحة 201 إلى 207، وضعها تحت عنوان الورشات الاستراتيجية، وهي خمس: إعادة الاعتبار للجانب التنموي، وللإصلاح السياسي والانتباه للشرك الأمني، وإيجاد مصادر للتمويل مستقلة عن الدعم الفرنسي، وتطوير التنسيق العملياتي بين القوات المشتركة، واكتساب شرعية إقليمية تفتقر إليها حاليًّا لأن الرعاية الفرنسية لها تجعلها تبدو وكيلًا لقوى أجنبية. لكن ما الذي يجعل دول الساحل الخمس تأخذ بهذه التوصيات؟ هل تتفق مع مصالحها وأولوياتها؟ وإذا قبلت بالتوصيات فهل تمتلك القدرات لتنفيذها؟
إذا كان الكاتب لا يستبعد الإصلاح، كما سبق، فإنه في مواقع أخرى من الكتاب يرجِّح إخفاق دول الساحل لافتقارها للقدرات الضرورية للنجاح في مسعاها انطلاقًا من تحليله للعوائق القاهرة، مثل ترجيحه إخفاق دول الساحل وتحلُّل تجمعها إذا تخلت فرنسا عن إسنادها ورعايتها لأنها ليست قادرة على الاعتماد على نفسها(6).
يتضح الفرق بين المنظورين في تقييم الكاتب للدور الفرنسي، فهو في المنظور المعياري الإصلاحي يوصي دول الساحل بالاستغناء عن فرنسا حتى تكسب شرعية إقليمية تكون سندًا لها وعونًا في مهامها على النجاح لكن في المنظور الثاني يعطي الأولوية في التحليل للعوائق والإكراهات؛ لذا فإنه لا يستبعد تلاشي تجمع دول الساحل إذا افتقدت الرعاية الفرنسية.
هذه التساؤلات لا تقلِّل شيئًا من عمق التحليل واتساعه وثراء الكتاب بالمعلومات وفائدته سواء للدارسين أو للسياسيين أو لعموم المهتمين، وقد تكون منطلقًا جديدًا لكتاب آخر يوضح الكاتب فيه ما بدا غامضًا، ويفصل بين مآل دول الساحل إلى الإخفاق بناء على الإكراهات التي تقيد إرادتها أو الإصلاح إذا تبنت إجراءات سياسية تعزز اعتمادها على نفسها.
عنوان الكتاب: مبادرات الأمن في المغرب العربي والساحل: مجموعة دول الساحل الخمس على المحك
Les initiatives de sécurité au Maghreb et au Sahel: Le G5 Sahel mis à l’épreuve
المؤلِّف: عبد النور بن عنتر (Abdennour Benantar)
مراجعة: الحواس تقية
دار النشر: هارماتان (L’Harmattan)
تاريخ النشر: 2019
اللغة: الفرنسية
الطبعة: الأولى
عدد الصفحات: 280
نُشِرَت هذه الورقة في العدد السادس من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)