إسرائيل و"نتفليكس": منصة عالمية لـ"هاسبارا" الدعائية: تحليل لمضمون المسلسل التليفزيوني الإسرائيلي "فوضى"

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد السادس من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتسعى إلى التعرف على مضامين الدعاية الإسرائيلية في الدراما التليفزيونية الإسرائيلية المعروضة على منصات البث التليفزيوني الرقمية العالمية، نموذج "نتفليكس" الأميركية.
الدعاية الإسرائيلية السوداء تعرض أعمالها على منصات عالمية لتُوسِّع قاعدتها انتشارها وتأثيرها عبر الجمهور في العالم (الأناضول).

تُبْرِز الدراسة الأهمية الخاصة التي أولتها الحركةُ الصهيونيةُ للدعاية، وأفردت لها إمكانيات أدبية وبشرية ومالية هائلة ووسائط ومنصات مختلفة؛ إذ تمثل الدعاية الصهيونية أُنموذجًا فريدًا من حيث بنية الخطاب الدعائي، الذي يتغيَّر ويتطور تبعًا للمتغيرات المحيطة به، مع احتفاظه دائمًا بجذوره ومرجعيته المرتبطة بمنابع الفكر الصهيوني؛ وبما في هذا الفكر من مُسوِّغات تاريخية ودينية وسياسية وثقافية واقتصادية. وحسب الرؤية الصهيونية، فإن مهمة الدعاية والإعلام لا تنتهي بمجرد إنجاز الكيان السياسي والسيادي لإسرائيل، بل إن المهمة مستمرة ومتطورة تبعًا لتطورات احتياجات الدولة، مع ضرورة تدعيم الخطاب الدعائي ووسائل الإعلام والوسائط الأخرى بالإمكانيات التي تتلاءم ومتطلَّبات كل مرحلة.

وتشير الدراسة إلى أن الحركة الصهيونية اهتمت ببناء جهازها الدعائي على أُسُس نظرية وعلمية اقتبستها من تجربتي الدعاية النازية (مدرسة غوبلز- هتلر) وتجربة الدعاية السوفيتية، ومن مختلف النظريات والنتائج المحقَّقة في شتى العلوم الإنسانية، مثل علمي الاجتماع والنفس. وقد توازى الاهتمام الصهيوني بتطوير الإطار النظري للدعاية مع تأسيس نظام محكم من الأجهزة والأدوات، التي تشرف على الأداء الدعائي وترتبط مباشرة بالوحدات المركزية المتخصصة في المنظمات الصهيونية العالمية. كما سعت الدعاية الصهيونية إلى توفير كافة الإمكانيات المادية والبشرية والفنية من أجل حشد الرأي العام العالمي وراء المشروع الصهيوني، وإقناع العالم بضرورة إنجاز الوطن القومي لليهود في فلسطين ومسؤوليته عن تحقيق ذلك. وقد هدفت المنظمات الصهيونية، بذلك، إلى تحويل الرأي العام العالمي من مجرد جمهور متعاطف إلى قِوى ضغط على مراكز القرار السياسي.

ويتَّخذ الخطاب الدعائي الصهيوني الكثير من الأشكال والصيغ، متدفِّقًا عبر آلاف الرسائل الإعلامية، وعلى امتداد الخارطة الواسعة لوسائل الإعلام والتواصل التقليدية والجديدة. وتختلف لغة الخطاب الدعائي الصهيوني من حيث الشكل والمضمون تبعًا لثلاثة عوامل أساسية: الجمهور المستهدف، واللغة الحاملة للخطاب، والظروف الموضوعية، مع التركيز الدائم على المرتكزات الأساسية والمتمثلة في: "إسرائيل حقيقة تاريخية، قيام إسرائيل هو تحقيق لنبوءة دينية و"وَعْد إلهي" يُعطي أرض فلسطين لليهود، إسرائيل ليست دولة عدوان وإنما تسعى إلى السلام مع جيرانها والحفاظ على بقائها وأمنها، إسرائيل واحة للديمقراطية الغربية وسط عالم عربي متقلِّب، تحكمه أنظمة دكتاتورية متخلِّفة...".

ولأجل ترويج هذه المضامين الدعائية، أَسَّست المنظمات الصهيونية، في الولايات المتحدة وإسرائيل، في عام 2003 "مشروع إسرائيل" (The Israel Project -TIP)، وهو منظمة للدعاية والعلاقات العامة، تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل والدفاع عنها في العالم عبر مختلف المنصات الدعائية والإعلامية، مع تركيز واضح على منصات التليفزيون الرقمية، مثل "إتش بي أو" (Home Box Office - HBO) و"نتفليكس" (Netflix)، بوصفها منصات أميركية واسعة الانتشار عالميًّا. وقد عرضت منصات "تليفزيون الاشتراك والطلب" الأميركية، ("إتش بي أو" و"نتفليكس")، ما يزيد عن 20 عملًا من الإنتاجات الإسرائيلية (أفلام، مسلسلات، وثائقيات) خلال السنوات الخمس المنصرمة.

وفي هذا السياق، فإن السؤال الإشكالي الذي تبحثه الدراسة: كيف تُتَرْجِم الدراما التليفزيونية الإسرائيلية أبرز مضامين دعاية "هاسبارا" الإسرائيلية، من خلال تحليل المضامين الدعائية الأبرز في مسلسل "فوضى" المعروض على منصة نتفليكس الأميركية؟

ويربط البحث بشكل مباشر بين مضمون عمل درامي إسرائيلي وبين التعاليم الدعائية الواردة في الأدبيات التي تُزوِّد بها أجهزة "هاسبارا" مؤسسات الإنتاج الإعلامي الإسرائيلية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تُظهر الدراسة مَيْلَ الدعاية الإسرائيلية إلى عرض أعمالها على منصات عرض عالمية، مثل نتفليكس ذات الانتشار العالمي، تحت غطاء ما يُسمى بـ"تليفزيون الجودة" و"المعايير العالمية"، لِتُوَسِّع قاعدة انتشارها وتأثيرها عبر الجمهور في العالم. كما يكشف البحث مخاطر فتح المنصات العالمية أمام الرواية الإسرائيلية مقابل غياب أو تغييب الرواية الفلسطينية. ويسلط البحث الضوء أيضًا على اهتمام أجهزة الدعاية الصهيونية بمنصات البث التليفزيوني مثل نتفليكس، نظرًا لخصوصيتها التقنية وقدرتها على التكيف مع البيئة الرقمية لاسيما تحرير المشاهد من إكراهات المكان والزمان بفضل التسييل (streaming)، وقدرتها على جذب شريحة واسعة من الشباب الذي أدار ظهره للقنوات التليفزيونية التقليدية، ومع ذلك لم ينصرف عن متابعة منصات البث الجديدة مثل نتفليكس؛ إذ كشف استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، في العام 2017، أن 6 من بين كل 10 أميركيين بالغين (فئة الأعمار 18 إلى 26) يفضلون مشاهدة التليفزيون عبر منصات البث الرقمية، مثل "إتش بي أو" ونتفليكس.

أضف إلى ذلك، يكشف هذا البحث عن دور الدراما الإسرائيلية في إبراز التفوق الإسرائيلي، حتى إنسانيًّا، مقابل الحط من مكانة الفلسطيني إلى حدِّ تجريده من إنسانيته مهما كان جنسه أو عمره أو موقعه الاجتماعي أو حتى موقفه من الصراع العربي-الإسرائيلي، وكأن هذه الدراما تتساوق مع مقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، عندما سُئل: مَنْ هو الفلسطيني الجيد؟ فأجاب: "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، الذي لا أثر له، ولا فاعليه له".

ويحلِّل البحث أبرز مضامين الدعاية الإسرائيلية الراهنة في الإنتاج التليفزيوني الإسرائيلي المعروض على واحدة من أهم منصات الفيديو بالاشتراك والطلب، والمقصود هنا منصة نتفليكس الأميركية. ويهدف إلى تحديد أطر الدعاية التي ترفع من شأن إسرائيل وتُقلِّل من إنسانية الفلسطيني عبر استعراض بعض المضامين النصية والبصرية الواردة في مسلسل "فوضى" الإسرائيلي الذي عرضت "نتفليكس" حلقاته الـ24.

ويعتمد البحث على المنهج الوصفي الموجز "لتحليل مضامين مسلسل "فوضى" بجزأيه وحلقاته الـ24، ثم "المنهج الموجه" لتفسير هذه المضامين استنادًا إلى تعليمات ووثائق "هاسبارا" للدعاية الإسرائيلية، أي الجهاز أو الجهات المعنية بتوجيه مضامين كل النشاطات الإعلامية والدعائية المعنية بالدفاع عن وجهة نظر إسرائيل.

وخلصت الدراسة إلى أن إسرائيل تتبنى من خلال الأعمال الدرامية التليفزيونية صورة نمطية للفلسطيني تحت غطاء "المعايير العالمية". وتتمظهر الصورة النمطية للفلسطيني في كونه إرهابيًّا مرتبطًا بأخطر التنظيمات الإرهابية في العالم؛ ثم إنه كاذب وخائن ومراوغ؛ ليس لديه مشروع سياسي، أو تحرري. كل الشخصيات الفلسطينية تتخلى عن شعاراتها مقابل مصالح شخصية؛ فالسياسي يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية، سواء بكسب المال والامتيازات أو الحصول على مواقع ومناصب سياسية أو مقابل التغطية على فضائحه وفساده. أما العسكري الذي يزعم أنه مقاوِم من أجل الحرية، فهو مجرد غاضب يسعى للانتقام من أي كان، إسرائيلي أو من أبناء جلدته.

وفي المقابل، تعيد الدراما الإسرائيلية تأكيد مضامين ثابتة في الدعاية الإسرائيلية من قبيل مقاربات تضع إسرائيل في مصاف الدول الغربية، مرة بإبراز "ديمقراطية" نظامها السياسي الذي يحاكي الديمقراطيات الغربية، ومرة أخرى في إبراز المخاطر التي تواجهها إسرائيل من جيرانها العرب، ووحدة الحال التي تجمعها مع الدول الغربية في خندق مواجهة الإرهاب الإسلامي.  

وتسعى الدعاية الإسرائيلية من وراء نشر هذه المضامين إلى إقناع الرأي العام الغربي، الرسمي والشعبي، المؤيِّد منه لنضال الشعبي الفلسطيني على الوجه الخصوص، بعدم التعاطف مع الفلسطينيين، مع محاولة إقناع الرأي العام العالمي بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة، لأنهم فاسدون. وتتقاطع هذه المضامين مع الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن تحريض المجتمع الدولي وتأليبه على الشعب الفلسطيني ومؤسساته ومقاومته.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب