السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان: مفاوضات طويلة ومعقدة

بعد تعثر وتأجيل، انطلقت مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، في العاصمة القطرية، الدوحة، في سبتمبر/أيلول 2020، ويجري التعويل داخليًّا وخارجيًّا على هذه المحادثات بغية إحلال السلام في أفغانستان، لكن التوقعات تقول بأنها ستكون طويلة ومعقدة، خاصة مع استمرار أعمال العنف في أنحاء متفرقة من أفغانستان.
بدأت مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، في الدوحة، بحضور دولي وإقليمي كبير (الأناضول)

بعد تأجيل وأخذ ورَدٍّ، انطلقت مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، في العاصمة القطرية، الدوحة، في سبتمبر/أيلول 2020، بحضور دولي وإقليمي كبير، ويجري التعويل داخليًّا وخارجيًّا على هذه المحادثات التي وُصفت بالتاريخية والجادة بغية إحلال السلام في أفغانستان ووضع نهاية للنزاع الأفغاني المتواصل منذ 19 عامًا. وجاءت المفاوضات مصحوبة بتوقعات بأن تكون طويلة ومعقدة، خاصة مع استمرار أعمال العنف في أنحاء متفرقة من أفغانستان.

ويساعد مسؤولون أميركيون وقطريون في عقد هذه المحادثات بعد أن تعثرت لأكثر من مرة، لكن المفاوضات تجري بصورة أساسية بين طالبان والحكومة الأفغانية، وتشارك دول مثل ألمانيا في رعاية العملية. ويمثِّل فريقُ الحكومة قطاعًا عريضًا من المناطق والعرقيات والانتماءات السياسية وزعماء فصائل مسلحة سابقة. ويضم فريق طالبان عددًا من أعضاء اللجنة المركزية الحاكمة للحركة.

تسعى هذه المحادثات للوصل إلى تسويات بخصوص عدد من القضايا الشائكة، مثل: وقف إطلاق النار، وشكل النظام السياسي ومصير الحكومة الحالية برئاسة محمد أشرف غني، وغيرها من القضايا التي تناقشها هذه الورقة.

"اتفاقية جنيف" و"اتفاق الدوحة": أوجه التشابه

بدأ الاتحاد السوفيتي السابق انسحاب قواته من أفغانستان يوم 15مايو/أيار 1988 في إطار اتفاقية جنيف الموقَّعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، من جهة، وأفغانستان وباكستان، من جهة أخرى، بهدف الوصول إلى حل سياسي. وبموجب هذه الاتفاقية، كان على الجيش السوفيتي مغادرة الأراضي الأفغانية مقابل وقف إيصال السلاح للأفغان من قبل الحكومتين، الأميركية والباكستانية(1).

ويجد المتابع للشأن الأفغاني أوجه تشابه بين اتفاقية السلام الموقعة بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان وبين تلك التي وُقِّعت في جنيف ومهدت الطريق للانسحاب السوفيتي من أفغانستان أواخر الثمانينات من القرن الماضي.

بدأت مفاوضات جنيف 16 يونيو/حزيران 1982 بوساطة الأمم المتحدة بين أطراف أربع (الأميركان، والسوفيت، والأفغان، والباكستانيين)، في مقر الأمم المتحدة في مدينة جنيف وانتهت في 14 أبريل/نيسان 1988، بعد سبع سنوات، بعد اثنتي عشرة جولة بحثت القضية الأفغانية آنذاك(2).

جرت مفاوضات الولايات المتحدة وحركة طالبان، عام 2008، في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ودخلت الحركة هذه المفاوضات بإيعاز مباشر من مؤسس حركة طالبان، الملا محمد عمر. ووفقًا لطيب أغا، رئيس المكتب السياسي السابق، فإن خمسًا من القيادات على علم بلقاء ممثل طالبان بالأميركيين بوساطة قطرية وألمانية في مدينة ميونخ، في العام 2008(3)وبالمقارنة بين عمليتي التفاوض اللتين جريتا خلال أربعة عقود من الصراع الأفغاني، نرى أوجه تشابه، أهمها:

  • قبيل بدء المفاوضات الأخيرة، شهدت معظم الأراضي الأفغانية تصعيدًا عسكريًّا من قِبل مسلحي طالبان وتمكنت الحركة من السيطرة على معظم الطرق الرئيسة والقرى والأرياف، وهذا تكرار لما حدث قبل مفاوضات جنيف.
  • جاءت المفاوضات السابقة بعد أن فشل الاتحاد السوفيتي في حسم الصراع عسكريًّا؛ فقرر اللجوء إلى التفاوض وينطبق الأمر نفسه على الولايات المتحدة.
  • غابت المنظمات الجهادية عن مفاوضات جنيف وشاركت الحكومة الباكستانية نيابة عنها، وهكذا كانت حال الحكومة الأفغانية برئاسة محمد أشرف غني حيث لم تكن حاضرة في المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة، العام 2019.
  •  غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة، كلاهما عارض الحرب ودعا إلى انسحاب قوات بلادهما من أفغانستان.
  • كانت مفاوضات جنيف مثل محادثات الدوحة على مرحلتين وتتألَّف من أربعة محاور: المرحلة الأولى: بدء المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان، وتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. والمرحلة الثانية: بدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ووقف إطلاق النار في أفغانستان(4).

أما المحاور الأربعة فهي:

أ: توقيع اتفاقية بين أفغانستان وباكستان تضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

ب: اتفاق بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على عدم دعم الجماعات المقاتلة ضد بعضها البعض على الأراضي الأفغانية.

ج: اتفاق بين أفغانستان وباكستان بشأن عودة اللاجئين.

 د: توقيع اتفاقية بين أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لتحديد فترة انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان(5).

وُلِدت اتفاقية جنيف بشأن أفغانستان ميتة ولم يتمكن الوسيط الأممي آنذاك، بينان سيوان، من نقل السلطة بصورة سلمية إلى المقاتلين السابقين نهاية التسعينات من القرن الماضي وواصلت الحكومة الباكستانية والولايات المتحدة دعم المقاتلين لإسقاط حكومة نجيب الله، آخر رئيس شيوعي، ودخلت أفغانستان في دوامة  الحرب الأهلية واستمرت حتى ظهور حركة طالبان. ويرى الأستاذ الجامعي، ودير صافي، "أن أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية في أفغانستان هو فشل مفاوضات جنيف ورفض زعماء المقاتلين السابقين الدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة نجيب الله"(6).

ما يميز اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أنهما جلسا إلى طاولة المفاوضات بعيدًا عن الوسطاء واتفقا على الخطوط العريضة في الاتفاق. ورغم قلق الأفغان من المستقبل إلا أن الأمور تسير وفق الأجندة المتفق عليها بين الطرفين.

تعويل
تعويل كبير على محادثات الدوحة لوضع نهاية للنزاع الأفغاني المتواصل منذ 19 عامًا.(الأناضول)

الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وجهًا لوجه

بدأت مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بعد تأجيل استمر ستة أشهر، وتهدف إلى إنهاء واحد من أكثر الصراعات دموية في العالم اليوم، ويسود انطباع عام بأنها ستكون صعبة للغاية وطويلة.

كشفت اللقاءات الرسمية والمناقشات غير الرسمية على مدى أسبوعين من المحادثات في العاصمة القطرية، الدوحة، عن بوادر مبكرة لحسن النية وبناء الثقة بين الطرفين، ورغم هذا التقدم كانت هناك اختلافات جوهرية بشأن الرؤى للمستقبل ما بعد الحرب بما يهدد الدفع باتجاه السلام.

كانت المهمة الأولى على طاولة المفاوضات هي صياغة "مدونة لقواعد السلوك"، وتجري المحادثات وفق المدونة المتفق عليها بين الطرفين.

وافق الطرفان على 23 نقطة في الجلسات الأولية، مثل بدء كل جلسة بتلاوة القران الكريم، وختم الجلسة بالدعاء والتعامل بين الفريقين بأدب واحترام وعدم إثارة القضايا المثيرة للجدل والتي تؤثر على سير المفاوضات.

لكن حركة طالبان ما لبثت أن طرحت قضايا أكبر على الطاولة -وهو ما كان مقلقًا للطرف الآخر- مثل الإصرار على أن يتم حل الخلافات وفقًا للمذهب الحنفي وأن تكون المفاوضات الأفغانية على أساس اتفاق الدوحة الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في فبراير/شباط 2020.

ويقول الملا خير الله خيرخواه، وهو وزير سابق وعضو المكتب السياسي لحركة طالبان: "تريد الحركة المفاوضات مع الجانب الحكومي على أساس اتفاق الدوحة، الذي رحَّب به مجلس الأمن وأكثر من 36 دولة، وحظي باحترام الجميع. وفي حال إصرار الحكومة الأفغانية على بدء المفاوضات في إطار آخر فجلوسنا معها إلى طاولة المفاوضات يواجه أسئلة كثيرة"(7).

وهناك نقطة خلافية أخرى بين الطرفين تتلخص في أن الجانب الحكومي ينظر إلى ما يجري في أفغانستان بوصفه حربًا ولكن حركة طالبان ترى أنه جهاد ومقاومة ضد المحتل. وبعد نقاش، اتفق الطرفان على تسمية ما يجري في أفغانستان بالصراع، وحاولت حركة طالبان إضفاء شرعية على قتالها ضد القوات الأميركية طيلة 19 عامًا ولكن بعد معارضة الوفد الحكومي قبل ممثلو حركة طالبان تسمية الصراع(8).

وتمكَّن الفريقان من حل مشكلة المصطلحات قبيل بدء المفاوضات الأساسية. وترى مصادر مقربة من المفاوضات أن هناك أمورًا سيكون من الصعب التوافق عليها أثناء المفاوضات، ويقول الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة: "إن حركة طالبان قطعت شوطًا كبيرًا في المفاوضات مع الولايات المتحدة، وإنها حصلت على مباركة دولية، وكانت الحكومة الأفغانية غائبة عن طاولة المفاوضات وسيكون من الصعب على طالبان الانتظار حتى تصل الحكومة الأفغانية إلى ما وصلت إليه، لو كانت الحكومة الأفغانية جزءًا من هذه المفاوضات لم يصل الأمر إلى نفق مسدود كما نراه الآن"(9).

وسيتفق الطرفان على تعيين آلية لإدارة المفاوضات ولكن هناك تهديدات أخرى بإمكانها التأثير على سير المفاوضات وإطالة مدتها، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

أولًا: التهديدات الخارجية

  • لم تشهد أفغانستان في تاريخها الحديث من علاقتها مع المجتمع الدولي ما شهدته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؛ حيث أرسلت 44 دولة جنودها إلى أفغانستان في إطار قوات التحالف لمكافحة ما يسمى "الإرهاب"، وسَعَتْ كل دولة إلى الحفاظ على مصالحها، وموقف فرنسا وأستراليا الأخير حول قرار الحكومة الأفغانية بإطلاق سراح معتقلي طالبان دليل على تورط هذه الدول في أفغانستان.
  • الانتخابات الأميركية: كان هناك إصرار أميركي على إنجاح هذه المفاوضات مهما كانت النتيجة ويُعتقد بأن الرئيس الأميركي، ترامب، يريد استغلال المفاوضات لأسباب انتخابية لأنه يسعى إلى تحقيق نجاح في السياسة الخارجية قبل الاستحقاق الانتخابي. ويكتب مدير مكتب الرئيس الأفغاني السابق، عبد الكريم خرم، على حسابه في تويتر: "توحي وتيرة المفاوضات البطيئة والجدل حول المعتقلين الذين أُفرج عنهم بداية الشهر الجاري بأن مشكلة تعيين آلية إدارة المفاوضات ستُحسم خلال الانتخابات الأميركية بطريقة مرضية للجميع. وبدء المفاوضات الجوهرية بعد الانتخابات سوف يفيد الرئيس، ترامب، لكن بالنسبة لنا، سيكون السيناريو الأسوأ"(10).
  • المخاوف الإيرانية: إن وصول طالبان إلى السلطة مجددًا أو دمجها في العملية السياسية في أفغانستان يقلق القيادة الإيرانية. ويقول الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة: "التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط تؤثِّر على المفاوضات الأفغانية وإيران لا تعارض إحلال السلام في أفغانستان ولكنها لا تريد عودة طالبان إلى السلطة وتؤيد موقف الحكومة الأفغانية وتطالب أن تشرف على عملية المفاوضات، وتريد أن يكون لها دور في المستقبل السياسي في أفغانستان مثلما حصل في مؤتمر بون عقب سقوط حكومة حركة طالبان، عام 2001، وفي حال عدم الاعتراف بأي دور لإيران في الملف الأفغاني فإن بإمكانها عرقلة مسار المفاوضات حيث تتمتع بعلاقات واسعة مع عناصر في حركة طالبان إضافة إلى علاقتها المتينة مع قيادات شيعية في أفغانستان"(11).
  • ولم تشارك إيران في حفل افتتاح مفاوضات السلام الأفغانية في الدوحة لخلافها مع الولايات المتحدة الأميركية، ويقول رئيس مجلس السلام العالي، عبد الله عبد الله: "إن لطهران مخاوف مشروعة ومصالح مشروعة في أفغانستان وإن علاقات طهران مع أطراف في حركة طالبان يمكن أن تُستخدم كأداة لتعزيز جهود السلام"(12).
  • العلاقات الأميركية-الباكستانية: شهدت العلاقات الأميركية-الباكستانية فتورًا بعد مقتل زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، والزعيم الراحل لحركة طالبان، الملا أختر محمد منصور، في غارات أميركية داخل الأراضي الباكستانية، ونشأ مستوى من عدم الثقة بين الطرفين خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استراتيجية الولايات المتحدة بشأن جنوب آسيا وأفغانستان، وبعد توقيع الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاق السلام، تيقنت الإدارة الأميركية من أنه لا يمكن إنجاح هذه الصفقة دون مساعدة باكستانية وزياراتُ المبعوث الأميركي لأفغانستان، زلماي خليل زاد، إلى العاصمة، إسلام أباد، ولقاؤه بالقيادة العسكرية، خير دليل على ذلك. ويقول مصدر بالخارجية الأفغانية: "إن باكستان قدَّمت مساعدة مهمة للولايات المتحدة في جلب حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات وتقاريرنا تفيد بأن الولايات المتحدة قدمت وعودًا لها من أهمها وضع حدٍّ للدور الهندي في أفغانستان. وفي حال تراجع الولايات المتحدة عن وعودها، فإن عملية المصالحة في أفغانستان ستكون مهددة بسبب هذه العلاقات. لذا، يجب على فرقاء الأفغان التسريع في عملية المفاوضات وقطع الطريق على الجهات التي تؤثِّر على العملية، وعلى حركة طالبان أن تبعد نفسها عن محور العلاقات الباكستانية-الأميركية.."(13).
  • اختلاف الرؤى بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي: تتحدث تقارير أميركية عن خلافات بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بشأن السلام وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ويقول مصدر في الحكومة الأفغانية: "لاحظنا اختلافًا كبيرًا في الرؤية الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي؛ حيث ينوي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالذات وبعيدًا عن وزارة الدفاع الأميركية، من الاتفاق مع حركة طالبان والمفاوضات الأفغانية الوفاء بوعده وهو الانسحاب العسكري من أفغانستان، ونعتقد أنها مفاوضات الانسحاب وليس السلام، وأمر آخر يريده الرئيس الأميركي هو مكسب انتخابي واستغلال عملية السلام كدعاية انتخابية أمام منافسه الديمقراطي، جو بايدن،  وهذا الهدف يتشابه مع تحرك الرئيس، نيكسون، في انتخابات الرئاسة الأميركية، عام 1972، فأثناء الحملة الانتخابية ومحاولة "نيكسون" إعادة انتخابه، وظَّف قضية تحقيق السلام في فيتنام باعتبارها أهم أولوياته(14).

ويقول جاويد كوتوال، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية: "إن الحكومة الأفغانية لا تعرف تفاصيل الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ومن أهمها: مصير القوات الأميركية: هل ستنسحب أم يبقي عدد منها في إطار الاتفاق؟ وكذلك شكل النظام السياسي. وفيما تميل واشنطن إلى طالبان على حساب الحكومة الأفغانية فإن الاتحاد الأوروبي يدعم موقف الحكومة الأفغانية في موضوع المفاوضات مع طالبان وموقفه واضح ويطالب الولايات المتحدة بالانسحاب المسؤول حتى لا ينهار النظام الحالي ولا المكاسب التي حصل عليها الشعب الأفغاني بعد سقوط حكومة حركة طالبان العام 2001، مثل حرية المرأة وحقها في التعليم، وحرية الصحافة...."(15).

ثانيًا: التهديدات الداخلية

بعد 19 عامًا من انتهاء حكمها، قبلت حركة طالبان التفاوض مع الحكومة الأفغانية، كنتيجة مباشرة لاتفاقها مع الولايات المتحدة، وهذه أول مفاوضات ثنائية للوصول إلى سلام شامل في أفغانستان، وثمة قضايا داخلية تهدد هذه المفاوضات، من أهمها:

  • وقف إطلاق النار في أفغانستان: طالبت الحكومة الأفغانية بوقف إطلاق النار في أول جلسة لمحادثات السلام مع حركة طالبان إضافة إلى 16 دولة دعت الحركة إلى وقف إطلاق النار كبادرة حسن نية ولبناء الثقة ولإيصال الخدمات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب جراء السنوات الماضية.

لم يتطرق نائب الشؤون السياسية لحركة طالبان، الملا عبد الغني برادر، خلال كلمته يوم افتتاح حفل اتفاق السلام في أفغانستان، إلى موضوع وقف إطلاق النار في أفغانستان.

تشدِّد حركة طالبان على إزالة الأسباب التي أدت إلى الحرب والتوتر الأمني في عموم البلاد، وهذا أهم من وقف إطلاق النار، ولكن مصادر في طالبان تقول: إن عدم قبول الحركة وقف إطلاق النار يرجع إلى طلب الجناح العسكري الذي يعتقد بأنه إذا فشلت المفاوضات أو انهارت فسيكون من الصعب عودة المقاتلين إلى ساحة القتال(16).

ويقول الكاتب والمحلِّل السياسي، نظر محمد مطمئن: إن حركة طالبان لا توافق على وقف إطلاق النار لسببين: "أنها تعتقد أن لها اليد العليا في المعركة وإذا وافقت على وقف إطلاق النار تخسر الكثير، والسبب الثاني أن وقف إطلاق النار قُبيل الاتفاق على أمور مصيرية في المفاوضات يسبِّب إطالة فترة المحادثات ولا يوجد جدول زمني للوصول إلى سلام دائم في أفغانستان"(17).

  • الخلافات الداخلية في الحكومة وحركة طالبان: هناك خلافات داخلية واضحة داخل الحكومة الأفغانية بين الرئيس الأفغاني، أشرف غني، ومنافسه السابق، عبد الله عبد الله، من جهة، وبين الأحزاب السياسية، من جهة أخرى.

واتهمت بعض المصادر الرسمية الأفغانية، الحكومةَ، بأنها غير صادقة فيما يخص عزمها المضي في عملية السلام، بل يرون أنها تراهن فقط على عامل الوقت، وتنتظر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لعلها تُخرِج دونالد ترامب من البيت الأبيض؛ ما قد يقود إلى تغيير في السياسة الأميركية حيال الأزمة الأفغانية(18).

قبل ثلاثة أسابيع، وقُبيل توجه الوفد الأفغاني للمشاركة في حفل افتتاح مفاوضات السلام في أفغانستان، برز خلاف بين الرئيس الأفغاني، أشرف غني، ورئيس مجلس السلام العالي، عبد الله عبد الله، عندما صعد وزير الخارجية الأفغاني، حنيف أتمر، إلى الطائرة، وجرى تسليم ملف لعبد الله يتضمن نصَّ بيان الحكومة الأفغانية لقراءته في الحفل، ولكن الأخير اعترض على نقاط في البيان واضطر لصياغته من جديد حتى يتمكن من دمج بعض الأفكار لطرحها في الحفل(19).

مثلما تعاني الحكومة الأفغانية من شرخ الصف بشأن المفاوضات، فالوضع نفسه داخل حركة طالبان؛ حيث إن إخراج أمير خان متقي من وفد المفاوضات وإقالة شير محمد ستانكزي من رئاسة الوفد المفاوض مع الحكومة وتعيين المولوي عبد الحكيم حقاني ينم عن خلافات داخلية بين صفوف طالبان، ويقول مصدر في الحركة: "إن تعيين المولوي عبدالحكيم حقاني على رأس المفاوضات مع الجانب الحكومي جاء خشية تمرد القادة العسكريين لأنه شخصية مؤثرة على بعض القادة في الميدان وأنه أفتى ببدء المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة نهاية العام 2018"(20).

  • عودة التوتر والانفلات الأمني في العاصمة كابل: بالتزامن مع بدء المفاوضات الأفغانية المباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ارتفعت نسبة التوتر الأمني في عموم البلاد وبالأخص في العاصمة، كابل، وقُتل ما لا يقل عن 380 موظفًا حكوميًّا و125 مدنيًّا، في شهر سبتمبر/أيلول 2020. ويرى الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة "هذه محاولات للتشويش على سير المفاوضات في الدوحة والهدف منها تأليب الجماعات والتيارات التي تقلق من دمج طالبان في الحياة السياسية"(21).

هناك جدل بشأن مصير الحكومة الحالية برئاسة محمد أشرف غني بين وفدى المفاوضات حيث إن الرئيس الأفغاني ونائبيه يرفضون تشكيل حكومة مؤقتة ويطالبون بدمج حركة طالبان في الحياة السياسية على غرار زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، ولكن الحركة لا تقارن نفسها بحكمتيار وتقول إنها دخلت المفاوضات مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية من موقع القوة وليس الضعف.

ويرى الكاتب الصحفي نجيب ننكيال أن "حركة طالبان والولايات المتحدة وباكستان تريد تشكيل حكومة مؤقتة لنقل السلطة والتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة وهذا أمر لا يقبله الرئيس الأفغاني، بينما يتفق رئيس مجلس السلام العالي مع موقف الولايات المتحدة في عملية المصالحة ولكنه يتحفظ على تشكيل حكومة مؤقتة"(22).

لم تشارك إيران في حفل افتتاح مفاوضات السلام الأفغانية وتحفظت روسيا على العملية برمتها وأما الهند فعارضت المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة من جهة ومع الحكومة الأفغانية من جهة أخرى وتعتقد أن وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان أو دمجها في العملية السياسية معناه تفوُّق خصمها اللدود، باكستان، في الملف الأفغاني. وجاءت اتهامات زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، بأن إيران والهند تحاولان عرقلة مسار السلام في أفغانستان وأن الأخيرة بصدد إنشاء ميليشيات بمقدار سبعين ألف مقاتل في الولايات الشمالية من أفغانستان(23).

خاتمة

رغم أن الجمع بين حكومة الرئيس، أشرف غني، وحركة طالبان على طاولة المفاوضات يعد إنجازًا في حدِّ ذاته، فإنه لا يعني أن طريق السلام في أفغانستان سيكون سهلًا؛ إذ ستناقش المفاوضات الأفغانية قضايا عديدة شائكة، من أهمها: مستقبل النظام السياسي ومصير القوات الأفغانية ومسلحي طالبان والدستور؛ وهو ما يفرض مفاوضات طويلة وصعبة ويعقد الرهان على جدية جميع الأطراف وسعيها الحقيقي لإحلال السلام.

ويظهر أن قوى إقليمية وتيارات داخلية تخسر الكثير بمجرد عودة طالبان إلى المشهد السياسي في أفغانستان؛ مما يوجب سياسة حذرة تفوِّت الفرصة على عرقلة المفاوضات وتستدعي تقديم التنازلات للوصول إلى السلام. وهناك مخاوف من حرب أهلية في حال انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان دون أي توافق بين أطراف الصراع على غرار ما حدث في ثمانينات القرن الماضي.

وعلى حركة طالبان وقف إطلاق النار بناء على اتفاق الدوحة لجلب ثقة الشعب الأفغاني والبرهنة على أن الحركة جادة في إنهاء الصراع في أفغانستان عبر طرق سلمية، كما ينبغي على الحكومة الأفغانية الاستفادة من تجارب وخلفيات مفاوضات جنيف التي مهَّدت الطريق لانسحاب السوفيت من أفغانستان لكنها قادت إلى اندلاع الحرب الأهلية. وهناك حاجة لدمج المؤسسات الحكومية التي تعمل في مجال المصالحة بهدف تركيز الجهود.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-  Barfield, Thomas (2010). Afghanistan: A Cultural and Political History. Princeton, NJ: Princeton University Press, p 64.

2- از پادشاهي مطلقه إلى سقوط جمهوريت دموكراتيك أفغانستان، عبدالوكيل (من السلطنة المطلقة إلى سقوط الجمهورية الديمقراطية الأفغانية، مذكرات عبد الوكيل، وزير الخارجية الأفغاني السابق)، 2018، الطبعة الأولى، ص524.

3- مقابلة طيب أغا رئيس المكتب السياسي السابق مع إذاعة BBC، 26 سبتمبر/أيلول 2020.

4 – نص اتفاق الدوحة الموقَّع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، 29 فبراير/شباط 2020، في العاصمة القطرية، الدوحة.

5 – المرجع السابق.

6 – مقابلة ودير صافي مع الباحث في كابل،27  سبتمبر/أيلول 2020.

7 – مقابلة الملا خير الله خواه بثها موقع حركة طالبان بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول ،2020 (تاريخ الدخول: 28 سبتمبر/أيلول 2020):  https://bit.ly/3kNY4s4

8  - مقابلة الباحث مع مصدر حكومي،27  سبتمبر/أيلول 2020.

9 – مقابلة الباحث مع الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة، 27 سبتمبر/أيلول 2020.

10-  تغريدة عبدالكريم خرم، 29 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/2G7UPNC

11 -  مقابلة الباحث مع الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة، 27 سبتمبر/أيلول 2020.

12 - مقابلة عبد الله عبد الله بثتها إذاعة صوت أميركا بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/2GorWgj

13 –  مقابلة الباحث مع مصدر في الخارجية الأفغانية، 29 سبتمبر/أيلول 2020.

14 – مقابلة الباحث مع مسؤول حكومي رفيع المستوى، كابل، 30 سبتمبر/أيلول 2020.

15 – مقابلة الباحث مع جاويد كوتوال، كابل، 30 سبتمبر/أيلول 2020.

16 – مقابلة الباحث مع مصدر في حركة طالبان، أفغانستان، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

17 – مقابلة الباحث مع الكاتب والمحلل السياسي، نظر محمد مطمئن، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

18 – مقابلة الباحث مع مصدر في الخارجية الأفغانية، 3 أكتوبر/تشرين أول 2020.

19 - "زيارة عبد الله عبد الله إلى باكستان، عندما يخرج الملف من يد أشرف غني"، صحيفة إطلاعات روز، 27 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/3lqkZub

20 – مقابلة الباحث مع مصدر في حركة طالبان، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

21 – مقابلة الباحث مع أكرم خبلواك.

22 – مقابلة الباحث مع نجيب ننكيال، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

23 -  مقابلة زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، مع تليفزيون حكومي، 24 سبتمبر/أيلول 2020:  https://bit.ly/36xOF4j