الأزمة الحدودية السودانية-الإثيوبية بين التصعيد والاحتواء

23 ديسمبر 2020
(الجزيرة)

قام الجيش السوداني، يوم الأربعاء، 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، بالتقدم في الخطوط الأمامية للحدود السودانية-الإثيوبية داخل منطقة الفشقة بمحافظة القضارف، التي تعتبرها السودان أراضي مغتصبة من طرف ميليشيات من قومية الأمهرة الإثيوبية منذ أزيد من عقدين. وتعتبر الخرطوم منطقة الفشقة جزءًا من أرضها، والتي تتميز بخصوبتها ووفرة المياه وبها أكثر من 600 ألف فدان صالحة للزراعة، وتعبر بالنسبة للسودان أرضا سودانية وفقًا لاتفاقيات 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا.

أي خيار في المستقبل: التصعيد أم الاحتواء؟

تحظى عملية الجيش السوداني بمساندة شعبية واسعة ولها صدى مساند وتعبئة في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي السودانية؛ حيث يلاحظ متابع الإعلام السوداني أن هذا التحرك يحقق سيادة البلاد على مناطق يراها السودانيون أراضيَ مغتصبة. ويؤكد الإعلام السوداني على أن إثيوبيا لم تُخْفِ منذ تسعينات القرن الماضي رغبتها في تغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة؛ حيث سمحت باستيطان نحو ألفي مزارع أمهري على طول الشريط الحدودي، وشيَّدت قرابة 30 قرية ذات بنية تحتية جيدة. كما يعتقد الأمهرة، وهم حلفاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السياسيون، أن أراضي الفشقة جزء من إقليمهم. وبموازاة ذلك، عبَّرت مصر على لسان وزارة خارجيتها عن مساندتها للسودان في مسعى جيشه لاستعادة تلك المناطق.

وقد تم الهجوم السوداني على منطقة الفشقة بُعيد زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لولاية القضارف، يوم السبت، 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك لتفقد قوات الجيش هناك والاطمئنان على الترتيبات الأمنية والعسكرية. وكان السودان قد أغلق مناطقه الحدودية مع إثيوبيا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أثناء حملة أديس أبابا على منطقة تيغراي، وتزامنًا مع تدفق آلاف اللاجئين الإثيوبيين إلى الداخل السوداني.

وقد تعرض الجيش السوداني قبيل توغله في المنطقة الحدودية لكمين من ميليشيات الأمهرة الإثيوبية فأصيب أربعة من أفراده مما زاد حدَّة الاضطرابات الأمنية بين البلدين.

لم يمنع التوتر الحدودي من عزم الدولتين على عقد اجتماع للجنة المشتركة للحدود بين السودان وإثيوبيا؛ حيث اتفق رئيسا الحكومتين، السودانية والإثيوبية، حمدوك وآبي أحمد، على هامش قمة "الإيغاد" بجيبوتي، 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، على التئام اللجنة الحدودية، وهو ما أكده آبي أحمد -في تغريدة بتويتر- مذكرا بأن هذه الحوادث لن تؤثر على الروابط بين البلدين.

من الواضح أن أديس أبابا ترغب في تهدئة الوضع على الحدود السودانية، فهي لا تريد أن تخسر الخرطوم في معركة سد النهضة ضد القاهرة؛ إذ من مصلحة إثيوبيا أن يظل السودان غير منخرط كليًّا مع مصر في تدبير أزمة سد النهضة وألا يكون هناك تنسيق مصري سوداني ضد أديس أبابا. كما تسعى أديس أبابا إلى أن يساندها السودان، أو يكون حياديا على الأقل، في حربها ضد جبهة التيغراي التي من الممكن، بعد هزيمتها في مواجهة الجيش الإثيوبي، أن تعيد تمركزها في عمق الأراضي السودانية. فالسودان يعدُّ المنفذَ الرئيس لقوات جبهة التيغراي، خصوصًا أن الجبهة في عداء مستحكم مع إريتريا التي تؤيد إثيوبيا في هذا الصراع. لذلك، سيحرص آبي أحمد على أن تكون علاقاته مع السودان في حدٍّ أدنى من التفاهم، وأن يجد مخرجًا تصالحيًّا مع الخرطوم حول أزمة الحدود المستجدة.

تداعيات الأزمة في ظل حسابات معقدة

لم تسفر العملية العسكرية السودانية سوى عن عودة 10 إلى 15 ألف فدان من نحو 600 ألف فدان صالحة للزراعة تعد من أخصب الأراضي السودانية بل من أخصب الأراضي في القارة الإفريقية. وما زالت الميليشيات الإثيوبية تسيطر على 300 ألف فدان من الفشقة الكبرى، إضافة إلى كامل أراضي الفشقة الصغرى (500 ألف فدان) وهي المنطقة التي استعاد الجيش بعض أراضيها. وقد ظلت هذه المناطق معزولة عن السودان لانعدام الطرق الممهدة التي تربطها ببقية القُطر. فما استعاده الجيش السوداني حتى الآن ضئيل مقارنة بالأراضي التي يرى السودان أنها ما زالت بيد الميليشيات الأمهرية الإثيوبية، وهو ما يجعل العملية لم تحقق حتى الآن الهدف الكامل منها وهو استرجاع جميع الأراضي التي يراها السودان جزءًا مغتصبًا من ترابه القومي.

تزامن تحرك الجيش السوداني نحو الحدود مع إثيوبيا مع الذكرى الثانية لاندلاع شرارة ثورته الشعبية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، ومن المحتمل أن يكون مخططو العملية أرادوا الربط بين العملية وبين هذه المناسبة الرمزية التي تحظى بإجماع الشارع السوداني وتثمينه. كما أن الجيش السوداني وجد في انشغال النظام الإثيوبي بحربه ضد جبهة التيغراي في شرق البلاد فرصة مناسبة لتغيير الوضع على الأرض، فاستغل النزاع الإثيوبي الداخلي لخلق واقع جديد سيكون أحد المتغيرات التي ستحكم العلاقات السودانية-الإثيوبية في المستقبل.

وقد جاءت أزمة الحدود السودانية-الإثيوبية في وقت يتدفق فيه اللاجئون الإثيوبيون نحو ولاية القضارف السودانية وغيرها جرَّاء حرب إقليم التيغراي بإثيوبيا، وهو ما يعني أن المنطقة تعاني من توترات متعددة الأسباب.

وإذا كانت مصر قد ساندت السودان في هذه الأزمة الحدودية مع إثيوبيا بشكل صريح، وهو أمر قد تفسره علاقة القاهرة المتوترة مع أديس أبابا بسبب سدِّ النهضة ومحاولة العاصمتين كسب الخرطوم إلى جانب كل منهما، فإن السودان يتهم مصر باحتلال مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد منذ 1995، وهو المثلث المطل على البحر الأحمر والتي تبلغ مساحته نحو 20.5 ألف كيلومتر مربع. فلماذا لا تخشى القاهرة من أن السودان إذا نجح باستعادة منطقة الفشقة على الحدود الإثيوبية قد يطالب بمثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد على الحدود المصرية؟

نبذة عن الكاتب