الاستحقاق الانتخابي في الصومال: خارطة المرشحين وسيناريوهات المستقبل

سبعة مرشحين للاستحقاق الرئاسي الصومالي القادمة والعديد من التحديات الداخلية والإقليمية والدولية فضلا عن رهانات متعددة المنازع كلها عناصر تفتح على مجموعة من السيناريوهات، تلك أبرز العناصر التي تتناولها هذه الورقة.
أنصار مرشحي المعارضة للرئاسيات الصومالية يتظاهرون في مقديشو يوم 19 فبراير 2021 . (الفرنسية)

إذا استحضرنا المشهد الذي استلم فيه الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، مقاليد الحكم، متوسطًا بين رئيسين سابقين ومتنازلًا عن خوض الجولات المتبقية من المنافسة الانتخابية؛ حيث رفع الحاضرون أيديهم معًا في مشهد كرَّس أهمية التداول السلمي للسلطة، يتفاجأ المتابع للوضع الصومالي الراهن الذي يشهد حالة احتقان سياسية ويشعر بخيبة أمل وانتكاسة كبيرة، إثر فشل تنظيم الانتخابات في موعدها، وهو ما أجَّج أزمات سياسية أدت إلى مواجهات مسلحة شهدتها مقديشو مؤخرًا عاكسة انسداد الأفق السياسي في المشهد الصومالي.

في هذه الورقة، نعرِّج على معضلة الانتخابات الصومالية الحالية، إلى جانب رصد حظوظ أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في البلاد، واستشراف مآلات الوضع السياسي المعقد في البلاد.

الانتخابات الصومالية: معضلة تبحث عن مخرج

منذ أغسطس/آب 2020، شهد الصومال مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية، كانت تنتهي أحيانًا بتوافق مبدئي بين الشركاء السياسيين (رؤساء الولايات الفيدرالية والرئيس الصومالي ورئيس الحكومة الفيدرالية)، وتصطدم أحيانًا بصخرة الخلافات السياسية والمواقف المتباينة، خاصة بين الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، ورئيسي بونتلاند (سعيد دني) وجوبالاند (أحمد إسلام مدوبي)، وهو ما كان يعيق إحراز تقدم نحو مسار تنظيم انتخابات توافقية. واتفقت الأطراف الصومالية، في سبتمبر/أيلول 2020، على إجراء انتخابات غير مباشرة، وهو ما عكس فشل الحكومة الصومالية الفيدرالية في تنظيم انتخابات مباشرة، والعودة إلى نموذج انتخابات 2016، وذلك يوحي بأن الرئيس فرماجو فشل في تحقيق وعوده لإيصال البلاد إلى انتخابات مباشرة.

وعلى الرغم من التوافق السياسي بين الأطراف الصومالية المبدئي أواخر العام الفائت، إلا أن المشكلة تكمن في آليات تنفيذ مخرجات مؤتمر طوسمريب (سبتمبر/أيلول 2020)، وهو ما مهَّد الطريق لخلافات جديدة بين القيادات الصومالية، وتعقدت الأزمة السياسية بعد انتهاء المؤتمر الأخير في طوسمريب، مطلع فبراير/شباط 2021، بالفشل، نتيجة تباين المواقف بين الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، من جهة ورئيس جوبالاند، أحمد إسلام مدوبي، من جهة ثانية، وخاصة حول مقاعد إقليم جدو النيابية، إلى جانب سحب القوات الصومالية من مدينة جربهاري كمطلب مُلح من رئيس الإقليم، بينما يرفض الرئيس الصومالي، فرماجو، الاستجابة لمطالب أحمد مدوبي، وهي الخلافات التي أجَّجت صراعًا مسلحًا بين قوات موالية لإقليم جوبالاند وأخرى للحكومة المركزية في مقديشو، ما زاد طين حدة التوتر العسكري والنزاع السياسي بين الجانبين بلَّة(1).

دعا الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو (8 فبراير/شباط 2017-8 فبراير/شباط 2021)، المنتهية ولايته رؤساء الولايات الفيدرالية إلى مؤتمر تشاوري جديد في مدينة جروي بإقليم بونتلاند، لكن رُفض مقترحه من قبل إدارة بونتلاند، التي طرحت فكرة تنظيم المؤتمر في العاصمة، مقديشو، وبمشاركة المجتمع الدولي والشركاء السياسيين في البلاد؛ الأمر الذي زاد الوضع السياسي قتامة بين الأطراف السياسية. وللحد من التوترات السياسية، شكَّل رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، لجنة فيدرالية مكونة من 12 عضوًا لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى صيغة توافقية نهائية تلزم القيادات الصومالية بتوقيع معاهدة جديدة بعد قمة تشاورية جديدة في مقديشو(2)، وأنهت اللجنة الفيدرالية عملها بنتائج إيجابية لحل الأزمة السياسية الراهنة، ودعا بموجبها الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، رؤساء الولايات الفيدرالية إلى انعقاد المؤتمر التشاوري في العاصمة، مقديشو(3)، لكن أحداثًا أمنية طارئة حالت دون انعقاد المؤتمر بعد مواجهات عنيفة شهدتها العاصمة بين القوات النظامية من جهة وحرس عدد من المرشحين من جهة ثانية، ما يعكس خطورة المشهد الأمني والسياسي في البلاد، ما لم تعقبها اتفاقيات جديدة لتحديد موعد وجدول للانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد(4).

المرشحون للانتخابات: الفرص والعقبات

أولًا: محمد عبد الله فرماجو

يمتلك الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، الذي انقضت مدة حكمه في 8 من فبراير/شباط 2021، عدة أرصدة سياسية ربما ستمكِّنه من العودة إلى القصر الرئاسي بمقديشو، والتي تتمثل فيما يلي(5):

  1. تحالفه مع ثلاث ولايات فيدرالية، وهي ولاية جلمدغ وولاية جنوب غرب الصومال وولاية هرشبيلي، هذا بالإضافة إلى إمكانية أن يدير تحالفه مقاعد أعضاء صومالياند ونواب قبائل البنادري في البرلمان بغرفتيه، والتي يتم انتخابها في مقديشو. لكن لا يمكننا أن نغفل أن أصوات نواب البرلمان من هذه الولايات الفيدرالية الثلاثة ليس مضمونًا أن جلها سيذهب لصالح فرماجو(5).
  2. يحظى فرماجو بدعم شرائح المجتمع الصومالي، رغم أن شعبيته تضاءلت في الفترة الأخيرة، إلا أنه وبلا شك ما زال يحتفظ برصيد من التأييد الشعبي، ورغم أن نواب البرلمان هم الذين سيختارون رئيس البلاد، إلا أن اتجاهات الرأي العام في البلاد يمكن أن تلعب دورًا في تأثير توجهات الناخبين أثناء فترة الانتخابات.
  3. الدعم التركي والقطري للحكومة الصومالية ربما سيكسبانه فرصة ثمينة للعودة إلى الحكم من جديد، ورغم أن العامل الخارجي في حسم الانتخابات المرتقبة لن يكون كما كان سابقًا بسبب اختلالات وتشوهات في العلاقات الدبلوماسية بين الصومال من جهة وبعض الدول الإقليمية والعربية من جهة ثانية.

لكن ثمة مواطن ضعف كثيرة للرئيس "فرماجو"، والتي من الممكن أن توظفها المعارضة لصالحها، والتي من أبرزها:

  1.  فشله في تطبيق وعوده حول إصلاح الجيش الصومالي وفرض العدالة وتوفير الخدمات الأساسية للشعب، وبحسب مختصين فإن في فترة حكم الرئيس فرماجو لم يحقق الجيش انتصارات كبيرة ضد حركة الشباب، وخاصة في تحرير المدن والأقاليم الجنوبية؛ حيث إن بسط نفوذ الدولة تجاه مناطق سيطرة "الشباب الصومالية" توقف منذ توليه الحكم عام 2017.
  2. أخفق في تنظيم انتخابات مباشرة عام 2021، وانتهت فترة حكمه دون أن تتضح ملامح مستقبل انعقاد انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد، فضلًا عن الخلافات السياسية التي باتت بمنزلة دوامة سياسية لا أفق لها منذ عام 2020.
  3. تدهور العلاقات الدبلوماسية الصومالية مع الدول الإقليمية، وخاصة كينيا وجيبوتي، حيث الخلافات مع نيروبي على أشدها منذ عام 2020، حتى وصلت إلى حدِّ القطيعة(6)، أما عربيًّا، فما زالت العلاقات مع الإمارات ومصر والسعودية يشوبها جليد الجمود جاثمًا وصامدًا أمام انفراجة جديدة في العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وتلك الدول العربية، ومن دون أن تعود إلى مجاريها الطبيعة أو تصل حدَّ القطيعة(7).

ثانيًا: حسن شيخ محمود

ما زال الرئيس الصومالي السابق، حسن شيخ محمود، يتمتع بحظوظ وافرة ستسهم في عودته إلى القصر الرئاسي من جديد، نظرًا للنقاط التالية:

  1. يحظى شيخ محمود بعلاقات واسعة مع المجتمع المحلي، وما زال يُنظر إليه كرجل سياسي محنك ويتمتع بالحكمة السياسية التي تؤهله للحكم من جديد، نظرًا لخطاباته الهادئة، والتي ربما تجعله رجل المرحلة لدفع الصومال نحو الأمام.
  2. تحالفه مع منتدى الأحزاب السياسي المعارض، لتوحيد صفوف المعارضة، وخاصة المرشحين للانتخابات الرئاسية وهي كتلة مكونة من 14 مرشحًا.
  3. يتمتع بعلاقات واسعة مع عدد من الدول العربية والإقليمية، ويمكن أن يصبح خيارًا جامعًا، نظرًا للعلاقات الدبلوماسية التي حظي بها الصومال أثناء فترة حكمه، والتي أورثت البلاد اعترافًا دوليًّا منذ عام 2013، ولعل علاقاته الجيدة ستوفر له دعمًا أثناء فترة الانتخابات المرتقبة.
  4. إنجازاته في بناء النظام الفيدرالي في الصومال؛ حيث أسهمت جهوده في فترة حكمه (2012-2016) في تأسيس أربع ولايات فيدرالية في البلاد، وهو ما أكسبه شعبية داخل النخب السياسية في البلاد، التي ترجح إمكانية إعادة انتخابه رئيسًا للصومال في الانتخابات المرتقبة.

ثالثًا: شريف شيخ أحمد

كونه الرئيس الصومالي الأسبق (2009-2012)، يعد شريف شيخ أحمد مرشحًا قويًّا في الانتخابات الصومالية المقبلة نظرًا للاعتبارات الآتية:

  1. هو رئيس منتدى الأحزاب السياسي المعارض، ورئيس اتحاد كتلة المرشحين للانتخابات الرئاسية، عادت شعبيته منذ عودته إلى مقديشو العامين الماضيين، وترأسه حزب هملوقرن؛ حيث يحظى بدعم عدد من نواب البرلمان الذين يؤيدون حملته الانتخابية على غرار بعض المرشحين الأقوياء مثل حسن شيخ محمود.
  2. رصيده السياسي وإنجازاته الأمنية السابقة، وخاصة إبَّان طرد حركة الشباب من العاصمة، عام 2011، في فترة حكمه، كإنجاز عسكري يُحسب له.

لكن ترى بعض الأوساط السياسية والمثقفة أن عودة أي من الرئيسين السابقين، حسن شيخ محمود وشريف شيخ أحمد، تواجهها مشاكل وعقبات كثيرة، فبحكم التجارب السياسية التي شهدها الصومال مؤخرًا فإن عودة الرؤساء السابقين والرئيس الحالي إلى الحكم من جديد تبدو مهمة شبه مستحيلة، إن لم تتغير المعادلة السياسية وقواعد اللعبة الانتخابية الرئاسيات المقبلة في الصومال.

رابعًا: طاهر محمود جيلي

لعدة اعتبارات، تتوافر لدى المرشح الرئاسي، طاهر محمود جيلي (السفير السابق بالرياض)، عدة نقاط قوة يمكن أن تمكنه من الفوز بالاستحقاق الانتخابي في البلاد، وهي:

  1. كونه رجلًا مشهورًا في الأوساط السياسية في الصومال، وعمل وزيرًا في الحكومات الصومالية الانتقالية والفيدرالية، ويتمتع بعلاقات واسعة مع المجتمع المحلي، وخاصة فئة الشباب والمثقفين الصوماليين.
  2. لم يترشح جيلي سابقًا لمنصب الرئاسة الصومالية، ومن المتوقع أن يحظى بتأييد من عشيرته، رغم أن منافسيه من نفسه العشيرة قويَّان، وهما: شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، لكن من المحتمل أن يحظى ببعض الدعم من عشيرته وجماعة الاعتصام بالكتاب والسنَّة، وهي تيار سلفي لديه ثقل سياسي في المشهد الصومالي حاليًّا.
  3. يتمتع بعلاقات جيدة مع عدة دولة عربية وخاصة الخليجية منها، وهو ما يوفر له أرصدة قبول إقليمية. كما أنه يشكِّل تأثيرًا كبيرًا في الانتخابات القادمة، كوجه جديد في الانتخابات المرتقبة.

خامسًا: حسن علي خيري

 برز حسن علي خيري، رئيس الحكومة الصومالية السابق، لاعبًا سياسيًّا محنكًا بعد تصدره المشهد السياسي إثر انتخاب فرماجو رئيسًا للصومال، كما أصبح شخصية مؤثرة في السياسة الصومالية، إبان فترة رئاسته الحكومة الفيدرالية (2017-2020)؛ حيث أعاد حرارة العمل إلى الحكومة الصومالية وخاصة الوزارات، إلى جانب تشبيك علاقات واسعة مع الخارج؛ الأمر الذي دفعه للترشح للانتخابات الرئاسية أواخر عام 2020، وخاصة بعد إطاحته من رئاسة الحكومة في يونيو/حزيران 2020 من قبل البرلمان الصومالي.

ويمكن أن تسهم عدة نقاط في تصدره، وهي:

  1. علاقاته الواسعة مع عدد من دول العالم وخاصة الدول الإقليمية والغربية، هذا إلى جانب علاقاته مع مؤسسات ومنظمات عالمية، وهي علاقات ظهرت جليًّا في الفترة الأخيرة بعد صولات وجولات أجراها "خيري" في الخارج من أجل رفع حظوظه في السباق الانتخابي المرتقب.
  2. بعد إبعاده من رئاسة الحكومة الصومالية من قبل البرلمان، وجد تعاطفًا من شرائح المجتمع الصومالي، لكن الرجل لم يوظِّف جيدًا هذا التعاطف، بحسب متابعين، على غرار الرئيس الحالي، فرماجو، الذي استغل موقف عزله من رئاسة الحكومة عام 2010، طبقًا لاتفاقية كمبالا بين شريف آدم، رئيس البرلمان آنذاك، والرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، حيث وجد فرماجو تأييدًا واسعًا من الشعب بسبب هذه الاتفاقية.

لكن العقبة الرئيسية التي ستواجه حملة المرشح الرئاسي، حسن علي خيري، تكمن في إشكالية العامل القبلي، حيث إن التركيبة القبلية التي ينتمي إليها، وخاصة قبائل الهوية والتي يتصدر مشهدها السياسي قبيلتا هبرغدر وأبغال، لا تسمح بمرور قبيلة أخرى، نحو المنصب الرئاسي؛ الأمر الذي من شأنه أن يضعف حظوظ "خيري" في السباق الانتخابي القادم.

سادسًا: عبد الكريم حسين جوليد

جوليد أحد الوجوه الجديدة التي أعلنت الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتمتع بحظوظ تميزه عن بقية المرشحين وهي أنه:

  1.  رجل سياسي عرفه الوسط السياسي والاجتماعي بجرأته عندما استقال من منصب وزارة الأمن، عام 2015، نتيجة الضغوط السياسية والتردي الأمني في البلاد، وهو ما عكس مرونته في إدارة ملف الأمن في الصومال.
  2. يعتبر جوليد من السياسيين الذين أسهموا في إخماد حرائق الحرب الأهلية والأزمات السياسية في البلاد، نتيجة تحالفاته المحلية مع رجال القبائل والسياسيين، ويتمتع بعلاقات واسعة مع أطياف كثيرة من الشعب الصومالي وخاصة نواب البرلمان وفئة الشباب.

سابعًا: عبد الرحمن عبد الشكور

سياسي صومالي معارض، رئيس حزب ودجر المعارض، وهو من أشد معارضي النظام الرئاسي في الصومال، وينتقد توجهات السياسة الداخلية والخارجية للحكومة الصومالية، عمل سابقًا وزير التخطيط والتعاون الدولي (2009)، ترشح في الانتخابات الأخيرة (2017)، وأعلن ترشحه مبكرًا للانتخابات المقبلة.

تحديات الواقع ورهانات المستقبل

تواجه عملية الانتقال السلمي في الصومال مصاعب جمة لم تشهدها منذ العقد الأخير؛ حيث كان التداول السلمي للسلطة مجسِّدًا التحول الديمقراطي في المشهد الصومالي، لكنْ نتيجة فشل القيادات الصومالية وخاصة الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، ورؤساء الولايات الفيدرالية في كسر حالة الجمود السياسية وعدم الاتفاق على تحديد موعد وجدول للانتخابات البرلمانية والرئاسية(8)، فقد تأزم الوضع الأمني والسياسي، وباتت عملية التحول الديمقراطي مهددة بفعل تقاعس الحكومة الفيدرالية عن لجم الخلافات السياسية والحد من التوترات، وتقريب وجهات النظر بين الشركاء السياسيين، وهو ما يدفع للتساؤل والتشكيك، حول دور وقدرة رئيس الحكومة الصومالية، محمد حسين روبلي، على تفكيك ألغام العقد السياسية، وخاصة بعد تفاقم الخلافات التي لا تزال فصولها مستمرة حتى الآن.

وتواجه عملية الاستحقاق الانتخابي في الصومال حاليًّا تحديات كثيرة، والتي من شأنها أن تؤجل مسار إجراء الانتخابات، والتي من أبرزها:

  1. التحدي السياسي: لم يكن الخلاف السياسي في البلاد منذ انتخابات عام 2012، عقبة تؤجل الاستحقاق الانتخابي، وكانت الأطراف الصومالية تنجح في التوصل إلى نموذج انتخابي توافقي، لكن بسبب تباين المواقف بين الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، ورؤساء ولايات بونتلاند وجوبالاند، بات من الصعوبة بمكان اليوم إيجاد تسويات ناجعة لإنهاء الانقسام السياسي، وهو ما قد يفسَّر لدى القبائل القاطنة في جنوب الصومال وخاصة (قبائل الهوية) بالتلاعب في مصير الانتقال الديمقراطي والمماطلة في تدويل الحكم، وهو ما ترفضه القبائل من خلال كتلة من المرشحين للانتخابات، الذين يوجهون التهم للرئيس الصومالي، محمد فرماجو، بالتملص والتلكؤ في تنظيم الانتخابات الرئاسية والسعي نحو البقاء في القصر الرئاسي بصفة غير قانونية(9).
  2. التحدي الأمني: ما زال التحدي الأمني في القرن الإفريقي شائكًا ويؤخر عجلة التعافي السياسية والاقتصادية، وهو التحدي الذي ازداد تفاقمًا بعد انسحاب القوات الأميركية من جنوب الصومال، في 15 من يناير/كانون الثاني 2021؛ حيث من المحتمل أن تهدد عناصر حركة الشباب أمن المقار الانتخابية وخاصة في عواصم الولايات الفيدرالية(10).
  3. التدخل الخارجي: يتعاظم دور التدخل الأجنبي في البلاد، مع بدء استعدادات إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال، وتستغل بعض الدول المهتمة بالشأن الصومالي حالة الفراغ السياسية والدستورية التي تعيشها البلاد، لتلعب دورها في إذكاء نار الخلافات ودعم المعارضة السياسية، وهو ما قد يدفع الحكومة الصومالية لتوجيه تهم بالتدخل في شأنها الداخلي وانتهاك سيادتها، ولعل اتهام الصومال، في 20 من فبراير/شباط 2021، دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتدخل في شأنها الداخلي، يعكس مدى حجم وتأثير عامل التدخل الخارجي في المشهد الصومالي في موسم الانتخابات(11).

ويتجه الوضع الصومالي المعقد حاليًّا نحو سيناريوهات عدة والتي ربما تلخص المشهد الداخلي، ويمكن إيجازها في البنود التالية:

السيناريو الأول: انزلاق الوضع الأمني والسياسي في البلاد: إذا واصلت المعارضة ضغطها على الحكومة الفيدرالية والرئاسة الصومالية عبر التظاهرات السلمية التي تصفها الحكومة بأنها احتجاجات غير مشروعة، وكانت أحداث 19 من فبراير/شباط 2021، والتي واجهت القوات الأمنية بالمتظاهر بالرصاص الحي، نقطة بداية لاحتجاجات قادمة حسب ما أعلن اتحاد المعارضة في مقديشو عن تنظيم مظاهرات جديدة.

السيناريو الثاني: انعقاد مؤتمر تشاوري في مقديشو: بمشاركة واسعة من الدول الراعية بالشأن الصومالي، من أجل الإشراف على اتفاقية ملزمة لتحديد جدول وموعد زمني لإجراء انتخابات توافقية، وذلك استكمالًا لأعمال اللجنة الفيدرالية المكونة من 12 عضوًا من الحكومة والولايات الفيدرالية والتي شكَّلها رئيس الحكومة الفيدرالية، محمد حسين روبلي، لاحتواء الخلافات السياسية.

السيناريو الثالث: التدخل الدولي والإفريقي: لحماية الاستقرار السياسي والأمني في الصومال، وخاصة من قبل بعثة الأمم المتحدة في البلاد والاتحاد الإفريقي، لفرض قرارات جديدة على الأطراف الصومالية، لإجراء الانتخابات، وخاصة إذا لم يتوصل الشركاء السياسيون في البلاد إلى مخرج عاجل من النفق السياسي المظلم الذي يعيش فيه الصومال حاليًّا.

خلاصة

أشرنا في خلاصة ورقة سابقة، بعد تنصيب فرماجو رئيسًا للصومال، منشورة في موقع مركز الجزيرة للدراسات، في فبراير/شباط عام 2017، عُنونت: مستقبل الصومال بقيادة الرئيس الجديد فرماجو، أنه إذا نجح فرماجو في تحقيق 10% من جملة وعوده للشعب فإنه سيجتاز تحديات كثيرة، أما إذا لم ينجح في محاربة الفساد وتثبيت الأمن في البلاد، وترميم علاقاته مع الجوار، إلى جانب التعاطي مع الاهتمام والنفوذ الخليجي بالصومال، ولم يشكِّل علاقة قوية مع تركيا، فإن الفترة المقبلة من رئاسته ستنتهي بمشاحنات سياسية هنا وهناك وقلاقل أمنية لا تستثني أحدًا. وهو ما يبدو اليوم جليًّا في الوضع الصومالي الموبوء بالاضطرابات السياسية والأمنية الداخلية والتدهور في العلاقات الخارجية، فإقليميًّا، تبدو العلاقات مع دول الجوار ليست في أفضل حالها وخاصة مع جيبوتي وكينيا، أما عربيًّا، فما زالت جهود ترميم العلاقات مع الرياض والقاهرة غائبة وهشة وضعيفة إن وُجدت أصلًا، فضلًا عن العلاقة مع الإمارات التي يسودها التوتر الدبلوماسي بين الجانبين في الوضع الراهن.

وتبدو محصلة الأوضاع المتدهورة، الداخلية والخارجية، في الصومال أن السباق الانتخابي المرتقب سيكون محمومًا وتشتد فيه المنافسة بين التيارات السياسية، ولا يمكن التكهن إلى أين ستؤول إليه الأمور، لكن يمكن الجزم أن المنافسة ستدور بين محورين، المحور المؤيد للرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، ومحور اتحاد المرشحين المعارض، وستنتهي في الجولة الأولى من التصويت بين مرشحين فقط، وسيفوز المرشح الذي سيحصل على أصوات قريبة جدًّا من أصوات الرئيس الحالي، كما درجت العادة في النموذجين السابقين من الانتخابات (2012-2016)، إن لم يتمكن الرئيس الحالي من حسم السباق الانتخابي في الجولة الأولى بأصوات كثيرة، وهو ما يضعف حظوظ الرئيس الحالي، فرماجو، الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية في العودة إلى كرسي الحكم، بعد أربع سنوات ازدادت فيها التوترات السياسية والنزاعات العشائرية في طول البلاد وعرضه، فضلًا عن تدهور علاقات الصومال مع محيطه الإقليمي والدولي والعربي.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. حكومة الصومال تحمّل زعماء الأقاليم مسؤولية فشل مساعي حل أزمة الانتخابات، الجزيرة نت، 6 فبراير/ شباط 2021، (تاريخ الدخول: 18 فبراير/شباط 2020). https://bit.ly/3bJs7yz
  2. الصومال: لجنة لبحث حلول للخلافات السياسية والمعارضة تدعو إلى التظاهر، العربي الجديد، 14 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 18 فبراير/شباط 2021) https://bit.ly/3uoAyI0
  3. Somalia, Farmajo invites federal states leaders to talks on pre-election dispute, Garoowe Online, 18 February 2021,( visited on: 19 February 2021)  https://bit.ly/3kcOU9y
  4. Gun battle erupts near Somalia’s presidential palace, Anadolu Agency, 19, February, 2021 (visited on: 20, February 20201) https://bit.ly/3uoZGhC
  5. أنظر الدستور الصومالي، بند 91، فقرة 96، التي تحدد مدة الرئيس لأربع سنوات منذ توليه السلطة.
  6. Kenya/Somalia: Tensions rise ahead of February presidential elections, theafricareport, 29 January 2021, (visited on 20, February, 2021) https://bit.ly/37BRotd
  7. حوار صحفي مع وزير الخارجية الصومالي، مع صحيفة الشروق المصرية، 17 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/ شباط 2021)، https://bit.ly/2Nl4nZn
  8. Somalia leaders fail to break deadlock over presidential vote, Reuters, 6, February, 2021, (visited on: 21, February, 20201) https://reut.rs/2NP5250
  9. Nabadoon Xaad “Farmaajo baal madoow uu ka galay tariikhda soomaaliya, Somali Cable, 19 February, 2021 ( visited on: 22 February 2021) https://www.youtube.com/watch?v=XYfd3XCTK5k
  10. US Military Pulls Last Troops Out of Somalia, VOA, 17, January, 2021, (visited on: 22 February 2021) https://bit.ly/2ZDuLjo
  11. Somalia accuses UAE of encouraging unrest, violence, Daily Sabah, 21, February, 2021 (visited on: 22 February, 2021) https://bit.ly/3up6oEk