إشكالية العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية: الدوافع والتداعيات

تتناول هذه الورقة طبيعة العلاقة بين حركة الشباب الصومالية وأنصار الله الحوثيين، والدور الإيراني في تشبيك العلاقات بين الطرفين، والأهداف والقواسم المشتركة بينهما والدوافع والمصالح، وتداعيات هذه العلاقة على أمن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ومستقبل هذه العلاقة بين تنظيمين تجاوزا المذهبية ويوظفان البراغماتية.
قوات من الجيش الصومالي تنتشر في مدينة بلدوين وسط البلاد عقب هجوم سابق (أسوشيتد برس)

المقدمة

أخذت بعض الأنباء، التي تذكر وجود علاقة مشبوهة بين حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة وبين جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، حيزاً واسعاً من التغطية الإعلامية منذ عام 2024، وأفادت تقارير الأمم المتحدة والمخابرات الأميركية بوجود تلك العلاقة بين الجانبين، لكن تضارب تلك المعلومات وصحتها لا تزال مثار بحث وجدل حتى الآن، بشأن ما إذا كانت هذه التقارير مجرد "بروباغندا" إعلامية تُمارس فقط من أجل خلط الأوراق، أم أن هناك خيطاً رفيعاً يربط العلاقات بين تنظيم سلفي جهادي وآخر محسوب على التيار الشيعي، وإمكانية أن توظف الجماعتان السياسةَ "الميكيافيلية" في تنفيذ أجندات مشتركة لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية في منطقة القرن الأفريقي.

في هذا التقرير نفكك طبيعة العلاقة بين حركة الشباب الصومالية وجماعة أنصار الله الحوثيين، ونتحدث ما بات يسمى إعلاميا بالدور الإيراني (الحرس الثوري) في تشبيك العلاقة بين الطرفين، وما هي الأهداف والقواسم المشتركة بينهما؟ وما الدوافع والمصالح وراء تشابك التحالفات والأهداف؟ وتداعيات هذه العلاقة على أمن منطقة القرن الأفريقي والبحر، ومستقبل هذه العلاقة بين تنظيمين تجاوزا حواجز المذهبية وباتا يوظفان "البراغماتية" في علاقاتهما راهناً ومستقبلاً.

أولا- في فهم طبيعة العلاقات بين حركة الشباب وجماعة أنصار الله الحوثيين

شكّل البحر الأحمر نقطة التقاء رئيسية بين الشعبين الصومالي واليمني قديمًا وحديثًا، ولم تتوقف حركة التجارة بينهما رغم التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها ضفتا البحر الأحمر، فموجات انتقال النظام غير السلسة والصادمة يُوعَز إليها السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة ودفن النفايات الكيماوية في سواحل الصومال، التي شكّلت نقطة عبور إلى اليمن، إذ تُقدّر أعداد المهاجرين التي تمر عبر المياه الصومالية -حسب تقارير حديثة- نحو 12 شخصًا شهريًا، معظمهم يعجزون عن الوصول النهائي بسبب الاستغلال والرحلات القاتلة.

وفي عام 2023، وصل إلى اليمن نحو 97 ألف مهاجر من أصل أفريقي، بينهم 21% من الصومال(1)، كما أن تهريب السلاح من التجار اليمنيين إلى القرن الأفريقي، يُعدّ تجارة رائجة، ومصدرًا رئيسيًا لتهريب الأسلحة غير الشرعية نحو الصومال منذ فرض الحظر عليه من قبل مجلس الأمن الدولي عام 1992، وهو ما يفتح الباب لتسليط الضوء على طبيعة التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب فيما يتصل بتهريب السلاح والهجرة غير النظامية.

وفي مقالة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمد، أشار إلى أن "هذه العلاقة تطوَّرت مؤخّرًا إلى تبادل شحنات الأسلحة والخبرات. وقد تمكَّنا من اعتراض ومصادرة شحنات متفجراتٍ وطائراتٍ مسيّرة قادمة من اليمن إلى الصومال، وألقينا القبضَ على شبكة من المهربين"(2). يأتي ذلك بينما كشف تقرير للأمم المتحدة أن اجتماعات فعلية جرت بين كبار ممثلي حركة الشباب الموالية للقاعدة وأعضاء من أنصار الله الحوثيين في الصومال خلال يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2024، وتم الاتفاق على نقل الأسلحة والتدريب مقابل تعزيز أنشطة القرصنة وجمع الفدية قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن(3).

ووفق تقرير الأمم المتحدة، فإن التفاهمات توصّلت إلى آلية وصيغة للتعاون بين الجماعتين، تتضمن التالي:

  • توريد الأسلحة والخبرة الفنية: إذ زوّد الحوثيون حركة الشباب بأنظمة مسيّرة هجومية، وذخائر، ومتفجرات. ونُقل عن مسؤولين أميركيين أن هناك تدفقًا للأسلحة من اليمن عبر ميناءي ماركة وبراوه في شبيلي السفلى خلال النصف الثاني من العام 2024. ومنذ عام 2018 تم تهريب أكثر من 400 قطعة سلاح من نوع "Type‑56" من اليمن إلى الصومال عبر الشبكات الحوثية، وأسلحة من نوع "AK‑47" ورشاشات خفيفة وقنابل "آر بي جي"، إلا أن الحركة لم تستخدم هذه التقنيات الحديثة المستخدمة في تصنيع وتشغيل المسيّرات في هجماتها ضد الجيش الصومالي والقوات الأفريقية، وهو ما يشكك في صحة هذه التقارير التي تتحدث عن امتلاك الحركة حاليا مسيّرات قتالية، حيث تشهد الأقاليم الوسطى معارك ضارية أدّت إلى مقتل العديد من قيادات الحركة، وصُنّف الصومال عام 2023 ضمن أعلى 9 من 10 في معدل تداول السلاح، بينما يُعد اليمن من الأسواق الكبرى عالميًا لتهريب السلاح.
  • التنسيق لتكثيف نشاط القرصنة: إذ شمل الاتفاق دعمًا تقنيًا وطبيًا للقرصنة، بما في ذلك حوادث خطف سفن وجمع فدية، لا سيما في مضيق باب المندب وخليج عدن، وذلك من أجل توسيع رقعة نشاط الحوثيين ضد السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الإسرائيلي.

الدور الإيراني في تشبيك العلاقات بين الحوثيين وحركة الشباب

تحظى منطقة القرن الأفريقي بأهمية كبرى وجزءٍ مهمٍ في العمق الاستراتيجي الإيراني كبوابة عبور إلى أفريقيا، فباتت المنطقة تتصدّر اهتمامات الحرس الثوري الإيراني بعد العام 1989، وكثّفت طهران لاحقًا مساعيها في هذا الصدد خلال العقد الأول من القرن 21. ففي العام 1989، دعمت إيران سلطة الرئيس السوداني عمر البشير؛ وفي العام 2006، زوّدت اتحاد المحاكم الإسلامية بالأسلحة لمحاربة الحكومة الصومالية؛ وفي العام 2008، سعت إلى إقامة وجود عسكري لها في إريتريا بهدف استخدام أرخبيل دهلك لتزويد الحوثيين بالسلاح. هكذا حاولت إيران إنهاء عزلتها الدولية، وتوسيع شراكاتها الإقليمية، وتأمين خطوط إمدادٍ لوكلائها، ما أدّى إلى تعزيز نفوذها الاستراتيجي(4).

ويعتمد الحرس الثوري على شبكات القرصنة الصومالية وحركة الشباب وتجار الأسلحة في اليمن والصومال. كما يُشرف على المسار الاستراتيجي لهذا التعاون ذي المنفعة المتبادلة، في حين يتولى الحوثيون التنسيق شبه الإقليمي نظرًا إلى المرونة العملياتية التي أبدوها خلال أزمة البحر الأحمر، وقربهم الجغرافي. ويشرف على عمليات نقل الأسلحة فيلق القدس، الذي يشارك أحد أعضائه في مجلس الجهاد الحوثي، وهو الهيئة التنفيذية الأعلى في جماعة أنصار الله. وصبّ تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال بشكلٍ غير مباشر في خدمة إيران، إذ منحها عمقًا استراتيجيًا في الصومال والقرن الأفريقي، ووسّع قدرتها على إعادة تشكيل ديناميات الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب. ويسعى الحرس الثوري الإيراني، في معرض تقويض المصالح الغربية، إلى إرساء ثقلٍ موازن في وجه خصومه، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا، وتوسيع عمقه الاستراتيجي إلى منطقة القرن الأفريقي على الجانب الآخر من خليج عدن والبحر الأحمر(5).

وترى حركة الشباب في مسيَّرات الحوثيين وأسلحة إيران وسيلةً لاستعادة السيطرة على الساحل، بعدما ضاعت من يديها مناطق استراتيجية في وسط البلاد، إثر سلسلة من الهزائم على يد الجيش الوطني الصومالي وحلفائه الدوليين، حدّت من قدرتها على جمع المال. وذكر خبراء أن الحوثيين يرون في تحالفهم مع حركة الشباب وسيلةً لبسط نفوذهم، وبالتالي نفوذ إيران في البحر الأحمر، وصولاً إلى القرن الأفريقي.

ولا توجد حالياً علاقات دبلوماسية بين إيران والصومال بعدما بادرت مقديشو أواخر العام 2016 إلى طرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من العاصمة الصومالية بعد اتهامات لإيران بنشر المذهب الشيعي. وتزامن القرار مع قطع العلاقات الإيرانية السعودية بعد الاعتداء على السفارة السعودية في طهران آنذاك. ولا تزال إيران تبحث عن إمكانية العودة إلى الصومال وحلّ خلافها مع مقديشو.

وتُعتبر العلاقة الراهنة بين الحوثيين وحركة الشباب بدائية ولم تتطور بعد، لكن يمكن أن تمهّد لعلاقات أكبر مستقبلاً إذا لم تتخذ الحكومة الفيدرالية وشركاؤها الدوليون خطواتٍ جادة لقطع الطريق بين الطرفين. كما أن إمكانية استخدام حركة الشباب للسلاح الإيراني في مهاجمة أهداف أميركية وغربية في المنطقة، يعطي إيران الفرصة لتحقيق خرق جديد في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما تسعى إلى توسيعه تدريجيًا(6).

ثانيا- الحوثيون و"الشباب" تباين الأيديولوجيا وتشابك المصالح

رغم اختلاف الأيديولوجيا التي تُعدّ الديناميات الأساسية لاستقطاب الجمهور والمجندين، بين حركة الشباب والحوثيين، فإن البرغماتية والدوافع المشتركة طغت على التعاون بين الجانبين، كما أن طابع التشدد يغلب على المنهجية المتبعة لديهما، وهو ما يظهر في الأطروحات الفكرية التي يُوظفها التنظيمان، إذ غالباً ما يلجأ التيار السلفي الجهادي في الصومال إلى استخدام الدعاية الأيديولوجية الموجَّهة ضدّ التيار الصوفي واتهامه بالشعوذة وتكفيره، وسادت في أدبياته المتداولة داخلياً علاقةُ الصوفية الصومالية بالشيعة، وهو ما كان أساس الدعاية التي روَّجتها التنظيمات السلفية بشِقّها الجهادي في محاربة من يخالفها في الرأي والمنهجيات وتكفيره، بينما بنى الحوثيون أيضاً هويتهم على أساس مواجهة الأيديولوجيات السنية المتطرفة. لكن البُعد الشاسع بين الجماعتين يكمن في اختلاف المذهبين، إلا أنهما قرّرا تحييد عامل العقيدة، إذ تعتنق جماعة الحوثيين مذهب الشيعية الزيدية (الجارودية)(7)، بينما تُصنّف الشباب الصومالية حركةً سلفية جهادية، وتنتهج مبدأ الامتناع عن التعاون مع غير المسلمين السنة، ويمكن لذلك أن يؤثر مستقبلاً على تماسك الحركة من الداخل، وينسف أيديولوجيتها المبنية على عدم التعاون مع الأجنبي (لفظ "الأجنبي" في أدبيات التيارات الجهادية يُقصد به غير المسلم)، وهو مبرر قتالها ضدّ الحكومة الصومالية قرابة عقدين من الزمن، ويجعل سرديّتها في استهداف مباشر من خصومها التقليديين في الصومال، من التيارات السلفية والصوفية الأخرى:

ثمة عوامل مشتركة بين الحوثيين وحركة الشباب يمكن حصرها في النقاط التالية:

  • العداء للغرب والولايات المتحدة: في سياق الدعاية المرئية عبر الإنترنت والحشد الميداني، فإن الجماعتين (الحوثيين وحركة الشباب) تُعلنان وبشكل صريح العداء للغرب والولايات المتحدة، ومكافحة هذا الوجود الأميركي خصيصاً في المنطقة، وهو ما يمكن أن يكون سبباً في وحدة الأهداف والنيات لدى التنظيمين، رغم اختلاف الأيديولوجيا والتكتيكات القتالية بين التقليدية والتطور التكنولوجي العسكري للحوثيين(8).
  • مكافحة الحكومات المحلية: تعتبر حركة الشباب أن الحكومةَ الفيدرالية في الصومال حكومة "عميلة" وموالية للغرب، وأنها مجرد أداة استعمارية، ويجب مكافحتها. وفي السياق، تُعتبر الحكومة الشرعية اليمنية بالنسبة لجماعة أنصار الله أنها تخدم أجندات من تصفه "بالشيطان الأكبر"، ما يرفع سقف التعاون بين الحوثيين وتنظيم القاعدة والموالين له في اليمن والصومال. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن الطرفين اتفقا على وقف الصراع داخلياً، كما يُنسّقان العمليات بشكل مباشر ضد الحكومة (اليمنية) منذ أوائل عام 2024(9).
  • مكافحة التيارات الإسلامية الأخرى: تكافح جماعة الحوثيين وجود التيارات الأخرى في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك من خلال إغلاق المدارس والمساجد التابعة للتيارات الأخرى، خاصة التيار السلفي، من أجل فرض هيمنتها العقائدية وممارساتها السياسية فقط. وعلى هذا المنوال دأبت حركة الشباب منذ عام 2009 على مواجهة الفصائل المسلحة الأخرى، لتقليص مساحة النفوذ العسكري لكافة التيارات المسلحة ذات النزعة الأيديولوجية، وحصرت العمل الجهادي المسلح (السلفي) بيدها دون غيرها، ما أكسبها تفوقاً عسكرياً وميدانياً. لكنْ، خرج من رحمها لاحقاً تنظيم الدولة المعروف اختصارا باسم "داعش" عام 2015، ويتقاسم حالياً السيطرة معها على مناطق جبلية وعرة في بونتلاند شمال شرقي الصومال.

ثالثا- دوافع الارتباط بين الحوثيين وحركة الشباب

لعل السبب الوحيد الذي يدفع حركة الشباب إلى التعاون مع جماعة أنصار الله، يتمثل في الآتي:

  • حاجتها إلى التسليح وتطوير ترسانتها العسكرية والانتقال من استخدام السلاح التقليدي إلى استخدام التكنولوجيا المتطورة والطائرات المسيّرة، على غرار تنظيم الدولة في بونتلاند، الذي يستخدم طائرات مسيرة بدعم من الحوثيين، ولهذا فإن تزايد الضربات الجوية ضد حركة الشباب شلّ قدراتها العسكرية، وجعل حاجتها الرئيسية تتمثل حالياً في توجيه ضربات جوية انتحارية عبر الطائرات المسيرة بأنواعها(10).
  • حاجتها إلى إيجاد خطوط إمداد للحصول على الأسلحة والذخائر وقذائف الهاون من خلال جماعة الحوثيين. وتُعدّ الموانئ الصغيرة التي تسيطر عليها الحركة في جنوب البلاد، منفذاً رئيسياً لتهريب الأسلحة والذخائر.
  • تحاول الحركة الصمود والبقاء أمام الحشد العسكري الحكومي، خاصة بعد خسارتها مدناً رئيسية وساحلية كانت تمدها بالمال والسلاح.

أما حوثياً، فهناك عدة دوافع وعوامل جعلت أنصار الله يتعاونون مع حركة الشباب الموالية للقاعدة، وهي كالتالي:

  • تنويع مصادر الدخل، وهذا من الأسباب الجوهرية، إذ كشف تقرير استخباراتي أميركي أن القدرة على بيع بعض الأسلحة لحركة الشباب ستجلب للحوثيين الدخل الذي هم في أمسّ الحاجة إليه(11)، لأن الحركة تنفق أموالاً كبيرة من أجل رفع كفاءتها القتالية وتسليح عناصرها، خاصة المجندين الجدد، كما تعتمد على أسلوب الهجوم المضاد في المواجهات العسكرية وسط البلاد بعد خسارتها العديد من المدن الاستراتيجية عام 2023، وهو ما يكلّفها عدداً أكبر من المقاتلين المزوّدين بمختلف أنواع الأسلحة، ولهذا فإن توفير أسلحة من نوع "AK‑47" يعدّ أساسياً لعناصرها. ووفق تقديرات غير رسمية، تنفق الحركة على الأسلحة نحو 40% من ميزانيتها السنوية التي تفوق 100 مليون دولار(12). وفي هذا السياق، يوفر الحوثيون أسلحة مختلفة لحركة الشباب تتراوح قيمتها ما بين 10 و40 مليون دولار سنوياً، وهذه أرقام تقريبية تشمل تكاليف التهريب والتدريب والتطوير التقني. و في العام الماضي، ألقت سلطات بونتلاند القبض على 7 رجال بحوزتهم 5 طائرات مسيّرة رباعية محمّلة بالمتفجرات في المياه الصومالية، يُعتقد أنها مرسلة من الحوثيين. وبعد الحملة العسكرية التي شنّتها بونتلاند على تنظيم الدولة في سلسلة جبال علمسكاد بإقليم بري، استخدم التنظيم طائرات مسيّرة لضرب أهداف عسكرية للقوات الصومالية. وعُرضت صور مسيّرات أسقطتها القوات المحلية في تلك المناطق، مما مثّل تحوّلاً في استخدامها من مهام الاستطلاع إلى الاستخدام القتالي الفتّاك في المنطقة، وهو ما يهدد أمن دول المنطقة والقواعد الأجنبية في القرن الأفريقي(13).
  • رصد ومتابعة مسار السفن الأجنبية من خلال التعاون مع التنظيمات المسلحة في الصومال، لا سيما داعش وحركة الشباب، إلى جانب وجود تنسيق مع شبكة من القراصنة الصوماليين المرتبطين بنشاط تلك الجماعات المسلحة، يسهّل تتبّع مسار وحركة السفن العابرة قبالة السواحل الصومالية، والمتجهة نحو الموانئ الإسرائيلية، ما يعطي جماعة أنصار الله الحوثيين قدرة أكبر على رصد حركة تلك السفن خارج نطاقها الجغرافي، برغم أن بعض الأبحاث تشكك في وجود علاقة قوية بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين، هذا فضلاً عن الشك في وجود تنسيق وتعاون بين حركة الشباب والقراصنة، لأن الحركة تعتبر نشاط القراصنة محرّماً شرعاً، كما أن سلوكياتهم من تعاطي المخدرات والدعارة والاختلاط المخالفة للشرع أصلاً؛ لا يمكن التساهل معها في مناطق الحركة. لكن في السنوات الأخيرة رُصدت حالات تعاون بين القراصنة والحركة، وسمحت بتنفيذ عمليات قرصنة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بغية المشاركة في تقاسم العوائد المالية التي يجنيها القراصنة مقابل الفدية للسفن الأجنبية المختطفة(14).

رابعا- تداعيات ارتباط الحوثيين بحركة "الشباب" في البحر الأحمر ودول المنطقة

  • أمن الملاحة في البحر الأحمر:

وفقًا لمقال شارك في كتابته المبعوث الأميركي الأسبق إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، فإن "منطقة القرن الأفريقي أصبحت بشكل متزايد جزءًا لا يتجزأ من المشهد الأمني في الشرق الأوسط"، مترافقًا مع بروز وعي جديد بالتكامل بين ضفتي البحر الأحمر، وتداخل التأثيرات المتنوّعة السياسية والأمنية والاقتصادية بين بيئتي البحر الأحمر والشرق الأوسط. ونتيجة للعدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدّى الاستهداف الحوثي للمصالح الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب وخليج عدن؛ إلى زيادة غير مسبوقة في عسكرة المنطقة، حيث أرسلت الولايات المتحدة سفنًا حربيةً متطوّرة لتعمل ضمن مسرح عمليات الأسطول الخامس، الذي يدخل في نطاقه البحر الأحمر وخليج عدن. ومن هذه السفن: المدمّرتان "كارني"، و"ماسون"، كما أعلنت واشنطن عن إطلاق تحالف أمني بحري باسم "حارس الرخاء"(15).

ونظرًا لخطورة التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب، فإن سلاسل الإمدادات وتهريب الأسلحة والذخائر من الحوثيين إلى حركة الشباب ازدادت منذ عام 2023.

ويُبيّن الجدول التالي التسلسل الزمني للأسلحة والذخائر والمتفجرات التي ضُبطت في سواحل الصومال منذ عام 2023:

📅 التاريخ

📍 المكان

الجهة المنفذة

📝 ملخص الحادث

22/10/2023

ميناء بوصاصو، الصومال

شرطة بونتلاند

ضبط سفينة محمّلة بأسلحة وذخائر يشتبه في تهريبها من اليمن، تضمنت بندقيات "AK"، ورشاشات ثقيلة "PKM"، ومسدسات، واعتقال شخص واحد

23/10/2023

الغيظة، اليمن

الشرطة اليمنية

اعتراض شحنة من 250 قطعة سلاح صغيرة بحوزة مواطنين صوماليين

11/1/2024

على بعد 49 ميلا بحريا شمال غرب سقطرى، اليمن

البحرية الأميركية

اعتراض شحنة متجهة إلى السواحل الصومالية كانت مخصصة لنقل بحري، تضمنت مكونات صواريخ باليستية متوسطة المدى (MRBM) وصواريخ مضادة للسفن (ASCM) ومكونات توجيه ودفع، واعتقال 14 شخصا

7/2/2024

رأس عسير، الصومال

شرطة بونتلاند البحرية

ضبط زورق محمّل بأسلحة يُشتبه في أنها موجهة لقراصنة، واعتقال ثلاثة أشخاص

7/2/2024

بلدة عرمو، الصومال

شرطة بونتلاند

ضبط أسلحة، واعتقال 5 أشخاص يُحتمل انتماؤهم لحركة الشباب

15/2/2024

الشحر، اليمن

السلطات اليمنية

اعتقال 6 أشخاص متهمين بتهريب أسلحة من محافظة المهرة إلى بربرة على الساحل الصومالي، وتأويلات تربطهم بمناطق تحت سيطرة الحوثيين

2/5/2024

إيل، الصومال

شرطة بونتلاند البحرية

ضبط أسلحة واعتقال شخص في عملية ضد القراصنة

18/5/2024

بوصاصو، الصومال

شرطة بونتلاند البحرية

ضبط أسلحة واعتقال 4 أشخاص

يونيو 2024

قرب بوصاصو، الصومال

قوات أمن بونتلاند

ضبط مسيّرات انتحارية جنوب بوصاصو، يُرجّح أنها من الحوثيين، واعتقال 7 أشخاص يُشتبه في انتمائهم لحركة الشباب

3/8/2024

المخا، اليمن

قوة المقاومة الوطنية اليمنية

ضبط مجموعة كبيرة من المكونات غير المصرّح بها تتعلق بتطوير أسلحة تقليدية متقدمة، وتشمل طائرات مسيرة "UAVs" وأسطوانات هيدروجين لنظم خلايا الوقود الخاصة بالطائرات

4/8/2024

بوصاصو، الصومال

شرطة بونتلاند البحرية وجهاز المخابرات

ضبط أسلحة تشمل ذخائر مضادة للطائرات، ورشاشات "PKM" وبندقيات "AK" ومسحوق "TNT" وقنابل يدوية وملابس تمويه، واعتقال 4 أشخاص

يوليو-سبتمبر 2024

شبيلي السفلى، الصومال

بعثة ATMIS

تسلّم حركة الشباب شحنات متنوعة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات من اليمن عبر موانئ مركا وبراوي

16/4/2025

براوي، الصومال

القوات الأميركية وقوات الأمن الصومالية

ضربة جوية استهدفت قوارب غير موسومة تحمل أسلحة متقدمة لحركة الشباب قبالة ساحل براوي

*المصدر: الأمم المتحدة، قوات حفظ السلام الأفريقية، ولاية بونتلاند، مراكز أبحاث أفريقية

  • تنامي نشاط القرصنة والتنظيمات المسلحة:

مع مطلع عام 2024، عاد نشاط القراصنة في المياه الصومالية إلى ما كان عليه في العام 2009، وسُجّلت 47 عملية قرصنة وسطو، نتيجة تراجع عمليات الردع في المياه الإقليمية، وانشغالها بصد هجمات الحوثيين التي تستهدف السفن الأجنبية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. وانخفضت حركة السفن عبر قناة السويس بنسبة 50% في مارس/آذار 2024 مقارنة بالعام السابق له، نتيجة التحوّلات الأمنية. كما أن نشاطات حركة الشباب عادت إلى الواجهة، وزادت عملياتها العسكرية في فبراير/شباط 2024، واستعادت مدنًا رئيسية من ضمنها مدينة "أدن يبال" بإقليم شبيلي الوسطى، والتي كانت مركز تحكم عسكري للجيش الصومالي في عملياته ضد الحركة وسط البلاد. هذا مع بروز احتمالات عودة نشاط الحركة في الدول المجاورة للصومال، خاصة كينيا وجيبوتي وإثيوبيا، وإمكانية ضرب أهداف أميركية بمسيّرات انتحارية(16).

  • تداعيات اقتصادية لدول المنطقة:

أدّت الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر وتنامي نشاط القراصنة وعمليات الحوثيين المنسّقة مع أطراف محلية في الصومال؛ إلى ارتفاع تكاليف الشحن، خاصة لدول المنطقة، التي تأثّر اقتصادها بالعدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقطاع الشحن في موانئ دول القرن الأفريقي شبه مشلول، وخسرت موانئ جيبوتي مكانتها، إذ لم تظهر في أحدث تقرير لمؤشر أداء موانئ الحاويات (CPPI) الصادر عن البنك الدولي عام 2024، ولا وجود فيه سوى ميناءي بربرة ومقديشو، وكان ترتيبهما في المؤشر 106 و166 على التوالي(17)؛ ما يعكس مدى تأثّر ميناء جيبوتي بعمليات الحوثيين وهجماتهم ضدّ السفن المحمّلة بالبضائع. كما تأثّرت حركة النقل في باب المندب، وكبّدت الاقتصاد المصري خسائر مالية كبيرة؛ حيث أدّى استهداف الحوثيين للمصالح الإسرائيلية في منطقة باب المندب إلى تداعيات هدّدت سلاسل الشحن والتوريد، وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي الذي ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400%(18). ولهذا، فإن أي تعاون وثيق بين الحوثيين وحركة الشباب سيفاقم بلا شك المخاطر الاقتصادية التي ستضرب اقتصادات دول المنطقة، خاصة على جانبي البحر الأحمر.

خاتمة

لا تزال العلاقات بين حركة الشباب وجماعة أنصار الله الحوثيين محاطة بالسرية، ولم يبادر الطرفان إلى كشف هذه العلاقة الكامنة في الصندوق الأسود، ولهذا فإن غياب أدلة ملموسة تثبت افتراضات وجود هذه العلاقة بين التنظيمات المسلحة "السلفية الجهادية" في الصومال وبين الحوثيين، يفسح المجال أمام تأويلات غير دقيقة، رغم وجود قرائن تشير إلى وجود هذه الشبكة من التحالفات منذ عام 2016، وتنامي هذه العلاقة العابرة للحدود من إيران إلى اليمن والصومال، بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2023.

وتُرجّح المصادر الأمنية إمكانية بروز هذا النوع من التعاون العسكري إلى العلن في حال استفحال الأوضاع على جانبي البحر الأحمر، واستمرار تصدّع المنظومة الأمنية لدول القرن الأفريقي، هذا إلى جانب تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، ما يهدد مصالح دول عربية وإقليمية، ويُصعّب مستقبلاً مواجهة مخاطر الحالة السائلة الأمنية للمنطقة، وإفرازات التعاون الاستخباراتي والعسكري بين الحوثيين وبين تنظيم الدولة وحركة الشباب في الصومال.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1)- Yemen - Annual Migration Report, IOM, Aug 26, 2024., (visited on: 5 June 2025), https://bit.ly/44R8HmL

2)- Hassan Sheikh Mohamud, Protecting the Red Sea and the Gulf of Aden is Our Shared Responsibility, Alsharqalwsat, 29 April 2025, (visited on 5 June 2025), https://bit.ly/45dFYsH

3)- تقرير مجلس الأمن الدولي حول وجود علاقة بين جماعة أنصار الله الحوثيين وحركة الشباب الصومالية، 6 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 5 يونيو 2025)، https://bit.ly/3UfFahz

4)- Dhows, Drones, and Dollars: Ansar Allah’s Expansion into Somalia, carnegieendowmen, March 14, 2025, (visited on: 5 June 2025), https://bit.ly/4lPThql

5)- Ibid

6)- ما وراء التواصل بين حركة الشباب الصومالية والحوثيين؟ مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، 13 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 10 يونيو 2025)، https://bit.ly/3GvxGUG

7)- تشابك المصالح: العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية، مركز اليمن والخليج للدراسات، 18 يناير/كانون الأول 2025، (تاريخ الدخول: 10 يونيو 2025)، https://bit.ly/40Snpso

8)- تنامي العلاقات بين الحوثيين والقاعدة وحركة الشباب الصومالية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 26 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 10يونيو 2025)، https://bit.ly/3UfKKR3

9)- تشابك المصالح: العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية، مركز اليمن والخليج للدراسات، مرجع سابق.

10)- Al-Shabaab, Houthis Join Forces to Disrupt Red Sea, ADF, April 15, 2025, (visited on: 23 June 2025), https://bit.ly/4kCRzqF

11)- الحوثيون يجرون محادثات لتزويد حركة الشباب الصومالية بالأسلحة، الشرق الأوسط، 11 يونيو/حزيران 2024، (تاريخ الدخول: 25 يونيو 2025)، https://bit.ly/46eWJFQ

12)- كيف بنت حركة الشباب الصومالية شبكتها المالية؟، الجزيرة نت، 18 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 25 يونيو 2025)، https://bit.ly/3IvtTaw

13)- Somalia puntland-forces capture-9-drone, Grooweonline, 14 January 2025, (visited on: 25 June 2025), https://bit.ly/40ka63Y

14)- Piracy and Peril in Somalia: Economic Despair and Overfishing, SIDRA, June 2024, (visited on: 25 June 2025), https://bit.ly/4kNInjn

15)- A Pact Between Al-Shabab and the Houthis Threatens Red Sea Shipping, New lines magazine, 1 July 2025, (visited on: 5 July 2025), https://bit.ly/46eHzk2

16)- Expanding Al Shabaab–Houthi Ties Escalate Security Threats to Red Sea Region, the Africa Center for Strategic Studies, May 28, 2025, (visited on: 5 July 2025), http://bit.ly/44yksj3

17)- The Container Port Performance Index 2023, WORLD BANK, 2024, (Visited on:  October 2024, https://bit.ly/3zQWR0C

18)- ثنائية تهدد أمن دول القرن الأفريقي.. الإرهاب والنزاعات الداخلية، العربي الجديد، 27 يونيو/حزيران 2025، (تاريخ الدخول: 10 يوليو 2025)، https://bit.ly/456DvkD