عشر سنوات على ثورة يناير: التحولات السياسية في مصر وهيمنة السلطة

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد التاسع من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتبحث سؤالًا إشكاليًّا في مسار الثورة المصرية: إلى أي مدى أدت التحولات السياسية بعد عشر سنوات من ثورة 25 يناير إلى تفكيك منظومة الهيمنة العسكرية والأمنية على العملية السياسية في مصر، وذلك في إطار مقاربة منهجية تنطلق من مقولات وأدبيات اقتراب العلاقات المدنية-العسكرية في مراحل الانتقال الديمقراطي؟
في ظل سياسات القمع والهيمنة لم يتوقف الحراك السياسي والاجتماعي في مصر خلال مرحلة ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 (رويترز)

تلاحظ الدراسة أن التجارب التاريخية للعديد من الثورات الشعبية أكدت أن لكل ثورة شعبية ثورة مضادة. ومن هذا المنطلق، فإذا كانت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 قد سعت إلى تفكيك هيمنة الأجهزة الأمنية والعسكرية على مقدرات الدولة ومؤسساتها وعملياتها، فإن قوى الثورة المضادة -وفي القلب منها هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية- قد تبنَّت العديد من السياسات والأدوات لمواجهة الحراك الشعبي الثوري، كما يرى الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سكاريا التركية ورئيس أكاديمية العلاقات الدولية.

وفي إطار هذه الثنائية، الثورة والثورة المضادة، تسعى الدراسة إلى الإجابة على سؤال إشكالي في مسار الثورة المصرية: إلى أي مدى أدت التحولات السياسية والحراك الشعبي بعد عشر سنوات من ثورة 25 يناير إلى تفكيك منظومة الهيمنة العسكرية والأمنية على العمليات السياسية والاقتصادية في مصر؟

وترتبط بهذا السؤال الإشكالي تساؤلات فرعية:

1. ما التحولات الأساسية التي شهدتها مصر بين 25 يناير/كانون الثاني 2011 و25 يناير/كانون الثاني 2021؟

2. ما سياسات وممارسات قوى الثورة سعيًا نحو تحقيق أهدافها وتفكيك بنية الاستبداد والهيمنة العسكرية والأمنية؟

3. ما سياسات وممارسات المؤسسة العسكرية لترسيخ الهيمنة والسلطوية في مواجهة القوى الثورية؟

وفي سياق هذه المشكلة البحثية، تسعى الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:

- بيان المفاهيم المركزية التي تتمحور حولها التحولات السياسية بعد الثورة المصرية، ومن ذلك: التحول السياسي، والتغيير السياسي، والتغير السياسي، وموقع مفهوم الثورة بين هذه المفاهيم.

- تحليل أبعاد الثنائيات المركزية التي شهدتها السنوات العشر الماضية في مسار الثورة المصرية، ومن بينها ثنائية "الثورة والانقلاب"، وثنائية "العسكر والإخوان"، وبيان تأثير هذه الثنائيات على تحولات الثورة وتداعياتها.

- تقديم رؤية تقييمية لما تسميه "تعثر المسار الثوري"، والأسباب التي أدت إلى هذا التعثر، والأولويات التي تساعد في تجاوزه.

ويتأسس فهم وتفسير أبعاد المشكلة البحثية على مقولات اقتراب العلاقات المدنية-العسكرية، والذي ينطلق من:

1. أن الركيزة الأساسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي فيما يتصل بالعلاقات المدنية-العسكرية، هي التركيز على إخراج الفئة الحاكمة (الجيش) من السياسة وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.

2. أن هناك العديد من الطرق المتبعة في ذلك، منها: بناء تحالف القوى المدنية وقيامها بعملية تعبئة وحشد لإخراج الجيش، مع تقديم ضمانات للمؤسسة العسكرية، أو قيام تحالف القوى المدنية الديمقراطية بعقد اتفاق مع الجناح المعتدل داخل الفئة الحاكمة، كما حدث في أورغواي وتشيلي في الثمانينيات.

3. في معظم الحالات الناجحة للانتقال، كان دعم الجيش للمتظاهرين ودعاة الديمقراطية، أو عدم ممانعته فعلًا في انتقال السلطة إليهم؛ عاملًا حاسمًا، كما في إسبانيا والفلبين وبيرو ورومانيا والأرجنتين واليونان. وفي حالات أخرى، انقسم الجيش بين مؤيد ومعارض للانتقال إلى الحكم المدني، كما في البرازيل وأورغواي وتشيلي وكوريا الجنوبية وإندونيسيا.

4. أن حالات الانتقال الديمقراطي الناجحة ترتبط بظهور تحالفات مدنية قوية من القوى الرئيسية تستطيع أن تتفاوض على انتقال السلطة بإجماع وطني واسع، وتكون قادرة على تولي السلطة دون التصادم مع قوى رئيسية أو مع المؤسسة العسكرية.

5. في حالات الانتقال الديمقراطي الفاشلة التي استمر فيها الجيش في التأثير، كان السبب الرئيسي هو انقسام النخب والقوى السياسية، وعدم وجود إجماع وطني على إخراج الجيش، فضلًا عن عدم وجود بديل سياسي له، مثلما حدث في بنغلاديش وباكستان وفيجي وميانمار (بورما) وتايلند. كما فشلت حالات أخرى بسبب تسييس الجيش وعقد اتفاقيات لتعزيز دوره، ووضع دساتير وتشريعات لتقنين هذا الدور.

ومن أبرز الاستنتاجات التي خلصت إليها الدراسة:

أولًا: من الناحية المفاهيمية، وفي إطار ما أثارته الثورة المصرية من جدل حول مفاهيم الثورة والانقلاب والتحول السياسي والتغيير السياسي، انتهى الباحث إلى:

1ـ أن ما حدث يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 يُشكِّل نموذجًا من نماذج التغيير الثوري، استنادًا إلى توفر الضوابط الشكلية والمنهاجية لمفهوم الثورات باعتبارها "هبَّة فجائية غير مخططة تشارك فيها كل أطياف الشعب، وتعبِّر عن إرادة جمعية للمواطنين، سعيًا نحو تحقيق أهدافهم المشتركة. وهي شكل من أشكال التغير السياسي، ترتب عليها لاحقًا عدة تغييرات وتحولات سياسية، ارتبطت بنظام الحكم وبنيته التشريعية والمؤسسية والتنفيذية". 

2. ما حدث يوم 3 يوليو/تموز 2013 هو انقلاب عسكري، استنادًا إلى توفر الضوابط الشكلية والمنهاجية لمفهوم الانقلاب، والذي يرتبط بتدخل القوات المسلحة بما لديها من قوة عسكرية وأمنية رادعة للإطاحة بالنظام السياسي القائم الذي جاء وفق آليات ديمقراطية متعارف عليها.

ثانيًا: أن المؤسسة العسكرية المصرية التي أدارت مصر بعد ثورة 25 يناير بشكل مباشر (على مرحلتين: الأولى فترة حكم المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي بين فبراير/شباط 2011 ويونيو/حزيران 2012ـ، والثانية بعد الانقلاب منذ يوليو/تموز 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2021)، وبشكل غير مباشر (خلال العام الأول من حكم الرئيس محمد مرسي، حيث هيمنت على مؤسسات الدولة، ووجهت العمليات السياسية والاقتصادية والإعلامية بما يؤدي إلى إفشال حكمه وتأجيج الغضب الشعبي ضده، وذلك بين يونيو/حزيران 2012 ويونيو/حزيران 2013).

وخلال السنوات العشر الماضية، تعددت السياسات والممارسات التي تبنتها المؤسسة العسكرية الحاكمة بمصر، في إدارتها للتحولات السياسية، ومن ذلك:

1. ترسيخ السلطوية والاستبداد عبر ترسانة من القوانين والتشريعات والمؤسسات التي يتم بها الهيمنة على مختلف مقدرات الدولة، وتأميم كل القطاعات السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والدينية، واستخدامها كأدوات وظيفية تحت الإشراف المباشر للمؤسسة العسكرية.

2. الانتهاك الممنهج للحقوق والحريات سواء عبر عمليات القتل المباشر في الميادين والساحات ضد المتظاهرين السلميين، أو القتل خارج إطار القانون في مواجهتها للمعارضين السياسيين، تحت دعاوى واهية لا تستقيم مع الاتفاقيات والمعاهدات القانونية والحقوقية، الوطنية والدولية، أو عبر عمليات الاعتقال والاختفاء القسري، والمطاردات والملاحقات الأمنية التي لم تتوقف ضد المعارضين وأسرهم منذ 3 يوليو/تموز 2013 وحتى الآن (يناير/كانون الثاني 2021).

3. فرض هيمنة على كل القطاعات الاقتصادية للدولة، ونقل ملكيتها إلى المؤسسة العسكرية التي أصبحت أكبر مالك وأكبر مستثمر وأكبر شريك تجاري في مصر منذ 3 يوليو/تموز 2013، مع إغراق البلاد في ديون داخلية وخارجية (وصلت رسميًّا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى 124 مليار دولار)، واستنزاف جزء كبير من مقدرات الدولة في مشروعات وهمية بهدف تحقيق شرعية إنجاز زائفة للنظام الحاكم (مثل تفريعة قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، والمقرات الحكومية الجديدة في مناطق خارج القاهرة).

4. تبني سياسات الإفقار المتعمد للمواطنين، والتوسع في قوانين وتشريعات الجباية، ورفع الدعم عن المواطنين في السلع الأساسية، مما ترتب عليه ارتفاع نسبة الفقر إلى نحو 60% وفق المؤشرات الدولية حول الحد الأدنى للفقر.

ثالثًا: في ظل سياسات القمع والقهر والانتهاك والتأميم والهيمنة التي قام عليها نظام الحاكم، لم يتوقف الحراك السياسي والاجتماعي للقوى الثورية، وإِنْ كان بدرجات ومستويات وأدوات مختلفة خلال مرحلة ما بعد 3 يوليو/تموز 2013، حيث كانت بدايته مع الاعتصامات الواسعة في عدد من الميادين الكبرى، والتي تمَّ فضها بالقوة من جانب النظام في رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها، ثم الدعوات السنوية إلى التظاهر في ذكرى 25 يناير من كل عام، وكذلك في فترات ومناسبات مختلفة (كما في يوم الأرض خلال أبريل/نيسان 2016 احتجاجًا على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية، أو في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 فيما عُرِف باسم "ثورة الغلابة"، أو دعوات سبتمبر/أيلول 2019 وسبتمبر/أيلول 2020).

كما اتخذ الحراك أشكالًا أخرى عبر الحركات الطلابية، والنقابات المهنية، والمنظمات الحقوقية، والوقفات الاحتجاجية، ومبادرات التسوية، والمواجهة الإعلامية عبر قنوات فضائية ومنصات إلكترونية وشبكات تواصل اجتماعي أصبحت تشكِّل إحدى أدوات كشف انتهاكات النظام، ونشر الحقائق حول ممارساته، في ظل هيمنته الكاملة على الإعلام الداخلي -الحكومي والخاص- ورغم إقراره العديد من القوانين والتشريعات لملاحقة القنوات والمنصات والشبكات الإعلامية المعارضة له.

رابعًا: يرتبط ضعف الحراك السياسي والاجتماعي بشأن قدرته على تحقيق وإدارة تغيير سياسي حقيقي في مواجهة النظام -بدرجة أساسية- بالعديد من أوجه القصور الذاتي التي تعاني منها القوى السياسية الثورية والمعارضة، سواء على مستوى بناء البديل الوطني الجاهز لقيادة الثورة وإدارة الحراك من ناحية، أو بناء المشروع السياسي والفكري المتكامل للثورة من ناحية ثانية، أو بناء القيادة السياسية الموثوقة والمتوافق عليها من ناحية ثالثة، أو الإدارة الفعلية للحراك السياسي والاجتماعي والحقوقي وللعلاقات الدولية من ناحية رابعة. وهي أمور تحتاج إلى استكمال حقيقي وجاد، إذا كانت هناك إرادة حقيقية لاستكمال مسار ثورة 25 يناير.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب