البشير وكير: آفاق اتفاق تجاوز العقبات

النظامان في دولتي السودان وجنوب السودان يواجهان ضغوطًا داخلية وخارجية تجعل من مصلحتهما الاتفاق على قضايا النزاع بينهما من أجل التكاتف في مواجهة القلاقل التي تواجه استقرار حكمهما.
20131149403218734_20.jpg
السودانان: نزاعات بعد الانفصال (الجزيرة)

التقى الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان في العاصمة الإثيوبية يومي الجمعة والسبت (الرابع والخامس من يناير/كانون الثاني الجاري 2013)، بناءً على دعوة من رئيس آلية الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى ثابو مبيكي، ووساطة نشطة بين الخرطوم وجوبا من رئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام بصفته رئيس منظمة الإيقاد لهذه الدورة، وذلك بهدف تحريك الجمود الذي شاب تنفيذ الاتفاقيات التسع التي وُقّعت بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان بحضور الرئيسين في 27 سبتمبر/أيلول 2012، والتي شملت كل القضايا العالقة بين البلدين منذ الفترة الانتقالية (2005-2011) وإلى ما بعد الانفصال في يوليو/تموز 2011. وقد تمت إجازة هذه الاتفاقيات بواسطة برلماني البلدين دون أدنى تغيير، رغم وجود بعض المعترضين في كل من المجلسين على بعض بنود الاتفاقيات. وقد شهد لقاء الرئيسين كل من رئيس وزراء إثيوبيا ورئيس الآلية الإفريقية اللذان وقّعا البيان الختامي للقمة. ولا تخلو الاستجابة للدعوة من ضغوط غربية تقف على رأسها الولايات المتحدة، ولقرب اجتماع مجلس الأمن في 9 يناير/كانون الثاني لمتابعة سير تنفيذ الاتفاقيات ومدى تعاون الحكومتين مع الآلية الإفريقية في التنفيذ. ويخشى الطرفان من تهديد مجلس الأمن حسب قراره (2046) بأن يوقع عقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الطرف الذي يعرقل الوصول إلى تسوية سلمية.

لقد جدّد لقاء الرئيسين الالتزام بالاتفاقيات الثمانية (الاتفاقية التاسعة التي وقّعها الرئيسان كانت مجرد تأكيد للالتزام بتلك الاتفاقيات) التي تشمل: الترتيبات الأمنية بين البلدين، البترول والمسائل الاقتصادية، التجارة والقضايا المتعلقة بها، الأصول والديون، التعاون بين البنوك المركزية، سداد فوائد ما بعد الخدمة للعاملين من البلد الآخر، أوضاع مواطني كل بلد في البلد الآخر (الحريات الأربع)، قضايا الحدود محل النزاع. وبعض هذه الاتفاقيات تم التوقيع على نصوصها أو مضمونها منذ ديسمبر/كانون الأول 2010، ومايو/أيار 2011، ويونيو/حزيران 2011، ومارس/آذار 2012، وأخيرًا سبتمبر/أيلول 2012، ولم يتم تنفيذها حتى لقاء الرئيسين. إذن ما هو الجديد الذي أتت به القمة الثنائية وضُمن في البيان الختامي؟

لقاء تجاوز العقبات

الحقيقة أن بيان القمة لم يتضمن جديدًا على ما ورد في الاتفاقيات السابقة، ولكنه حاول اقتراح خطوات عملية لتجاوز عقبات الطرفين تجاه بعض القضايا الحساسة التي حالت دون السير قدمًا في تنفيذ الاتفاقيات. العقبة بالنسبة لحكومة السودان هي الترتيبات الأمنية وتحديدًا فك الارتباط بين الجيش الشعبي ومسلحي الحركة الشعبية قطاع الشمال (كانت تسمى الفرقة التاسعة والعاشرة في الجيش الشعبي) التي تحارب الحكومة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتتهم الحكومة حكومة جنوب السودان بأنها تدعم تلك الجماعة المسلحة وكأنها ما زالت جزءًا من جيشها الشعبي. والعقبة بالنسبة لحكومة الجنوب هي استعادة منطقة أبيي المتنازع عليها والتي استعصت على كل مقترحات الحلول منذ بداية الفترة الانتقالية وأدت إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين، اتفق بعدها الطرفان على ترتيبات مؤقتة في يونيو/حزيران 2011 لإدارة المنطقة حتى إجراء الاستفتاء حولها الذي سيقرر إما ضمها للجنوب أو للشمال. وبخصوص تجاوز هذه العقبات ورد في البيان النقاط الآتية:

  • تقوم آلية الاتحاد الإفريقي بوضع مصفوفة تحدد الخطوات اللازمة في إطار زمني محدد بقصد التنفيذ السريع وغير المشروط لكل الاتفاقيات الموقع عليها وبخاصة الترتيبات الأمنية، وأن تؤكد الآلية السياسية والأمنية المشتركة JPSM)) في اجتماعها الطارئ بتاريخ 13يناير/كانون الثاني الجاري (2013) إنشاء المنطقة منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين (10 كيلو مترات على كل جانب).
  • أكد رئيس حكومة جنوب السودان أنه وجّه قبل انفصال الجنوب بفك الارتباط بين الحركة الشعبية والحركة الشعبية قطاع الشمال وكذلك بين الجيش الشعبي والفرقتين التابعتين له من قطاع الشمال، وتعهد بالرد الكتابي على رسالة الآلية الإفريقية التي طلبت منه توضيح موقف حكومته من فك الارتباط. وأكد الرئيسان أن الشكاوى المتعلقة بهذا الأمر ينبغي أن تُرفع للآلية السياسية والأمنية المشتركة حسب ما تنص عليه اتفاقية الترتيبات الأمنية.
  • ووجّه الرئيسان باتخاذ الخطوات اللازمة التي تم عليها الاتفاق دون تأخير من أجل ترسيم الحدود (وضع العلامات الثابتة) على القطاعات المتفق عليها من الحدود (حوالي 70% تقريبًا)، وتفعيل الإجراءات الواردة في الاتفاقيات بخصوص موضوع المناطق محل النزاع.
  • وعندما تكمل الحكومتان التفاوض حول مناطق النزاع، بعد الاستماع إلى رأي خبراء الحدود في ذلك، يجتمع الرئيسان لتحديد الطريقة التي يحسم بها الموضوع.
  • تطلب الآلية الإفريقية من اللجنة الإشرافية المشتركة لأبيي (AJOC) أن تجتمع على وجه السرعة لتكوين إدارة أبيي ومجلسها التشريعي ووحدتها الشرطية والقضائية والتي سبق أن اتُّفق عليها بتفصيل منذ يونيو/حزيران 2011؛ وسيجتمع الرئيسان بعد ذلك لتحديد الوضع النهائي لمنطقة أبيي، والنظر في تكوين مفوضية الاستفتاء لها.

ويلاحظ من هذه البنود أن ليس فيها من إضافة تذكر على مواد الاتفاقيات الثمانية التي وُقعت في سبتمبر/أيلول الماضي (2012)، ولكن لقاء الرئيسين حاول فك بعض العقد الناجمة عن سوء الظن وعدم الثقة في الطرف الآخر والتي حالت دون التنفيذ الذي كان له مواعيد محددة لم يتم الالتزام بها. ولم يتعرض البيان بأية صورة لمفاوضات الحكومة مع قطاع الشمال المضمّنة أيضًا في قرار مجلس الأمن والتي لم تتم حتى الآن بصورة مباشرة، فقد اكتفت الآلية الإفريقية بطلب مذكرة من كل طرف يوضح فيها موقفه من النزاع ورؤيته لحله، ورأت تأجيل النظر في الأمر حتى يحدث اختراق إيجابي في العلاقة بين الشمال والجنوب والذي سيقود بالضرورة إلى تسهيل معالجة ملف الحركة الشعبية قطاع الشمال مع حكومة السودان.

ورغم تجارب الفشل العديدة في إنفاذ ما تتفق عليه الحكومتان إلا أن هناك بعض الخطوات الإيجابية حدثت على الأرض مباشرة بعد لقاء الرئيسين دون أن يكون ذلك مطلوبًا بهذه السرعة، ولعل هذا يحدث لأول مرة منذ الانفصال المتوتر بين البلدين. وأعلن على هذه الخطوات أمام صحفيين ومراسلي فضائيات عربية، أحد كبار القادة العسكريين من قلب نادي الضباط في الخرطوم، وكان من عادة الجيش في معظم الأحيان "فرملة" الاتفاقات بين الحكومة وحركات التمرد لا الإسراع في تنفيذها، فالذي سارع فجر الجمعة بنقل تحفظ الجيش على اتفاق نافع-عقار في أديس أبابا بتاريخ (28/6/2011) إلى رئيس الجمهورية العائد لتوه من زيارة طويلة إلى الصين هو صديقه وزير الدفاع. وما كان من الرئيس إلا أن اعتلى المنبر عقب صلاة الجمعة ليعلن رفضه القاطع للاتفاق ويعطي أوامره للقوات المسلحة بأن يهاجموا مسلحي الحركة الشعبية (قطاع الشمال) في أوكار جبال جنوب كردفان ويأتوا بالقائد المتمرد عبد العزيز الحلو إلى الخرطوم. أما اليوم، فقد صرّح الفريق عماد الدين مصطفى رئيس اللجنة الفنية وعضو الآلية السياسية والأمنية المشتركة في مؤتمر صحفي، بعد يومين فقط من لقاء الرئيسين، أن قوات الجيش الشعبي قد شرعت بالفعل في تنفيذ انسحاب فوري من 6 مناطق داخل الحدود السودانية تدعيها حكومة الجنوب، وسيعقب ذلك إعادة الانتشار إلى خارج المنطقة منزوعة السلاح (10 كيلومترات على جانبي حدود البلدين)، وقال: إن الاتفاق تم على إنشاء 10 معابر حدودية بعد تكوين اللجان الفنية الخاصة بإدارة المعابر لتجهيز الترتيبات المتعلقة بنقاط الجمارك وإجراءات الهجرة ووحدات الشرطة وأن افتتاحها سيكون بحلول 27 مارس/آذار القادم (2013)؛ وأن المنطقة منزوعة السلاح التي تتألف من 4 قطاعات قد تحددت مواقع إدارتها في البلدين (فلج، كادقلي، راجا، قوك مشار)، وستكون رئاستها في منطقة أبيي تحت حماية (300) جندي إثيوبي، وأن قوة المراقبة العسكرية المشتركة التي ستتولى التحقق بالمنطقة منزوعة السلاح يجري تدريبها حاليًا في منطقة أصوصة الإثيوبية.

وإذا تمت هذه الترتيبات وفق البرنامج الموضوع لها، فإن الوساطة الإفريقية ستعتبر أن الاستجابة قد تمت بالنسبة لشروط حكومة السودان حول الترتيبات الأمنية، وبالتالي ينبغي عليها في ظرف مدة قصيرة السماح باستئناف ضخ النفط الجنوبي عبر خط أنابيب الشمال، وفتح المعابر الحدودية للتبادل التجاري بين البلدين ولحركة النقل والدخول والخروج بعد إكمال الإجراءات الإدارية المطلوبة. ورغم أن  القمة لم تتعرض لتلك التفاصيل إلا أن الوساطة الإفريقية تتصرف على أساس أن القمة قد منحتها الضوء الأخضر لتنفيذ الخطوات التي من شأنها استكمال تطبيع العلاقة بين البلدين حسب ما جاء في الاتفاقيات الموقعة بينهما. ولا يُستبعد أن يحدث خلاف ما بين الطرفين يعطل تنفيذ بعض تلك الخطوات ولكنه لن يعود بها للمربع الأول بحكم حاجة كل من الطرفين لتأمين حدوده مع الطرف الآخر، واستعادة عائدات ضخ البترول بعد اضطراب اقتصاد الدولتين في الفترة الماضية بسبب فقدان تلك العائدات، ولتنفيذ قرار مجلس الأمن المسلط على رأس الحكومتين بتوقيع عقوبات على الطرف المعرقل.

وبلغت رسالة الحكومة المتصالحة مع حكومة الجنوب أطرافًا أخرى كانت تستغل الجفوة القائمة بين الطرفين لتؤمّن مصالحها القبلية في أبيي فتشتد في مطالبها من الطرف الجنوبي، ولكن اتفاق الرئيسين دعا قيادة المسيرية لتكون أكثر اعتدالاً في مطالبها؛ فقد عقدت بعض قيادات المسيرية اجتماعًا مع مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع، بعد يومين من لقاء الرئيسين، أكدوا فيه التزام قبيلتهم بعدم "إحراج الحكومة" في تعهداتها للمجتمع الدولي. وصرح زعيم المسيرية مهدي بابو نمر عقب الاجتماع أن قيادات الإدارة الأهلية قررت أن تستقر خلال عام 2013 بأبيي خريفًا وصيفًا حتى تضمن المشاركة في الاستفتاء بشأن تبعية المنطقة حتى يرجحوا ضمها للسودان (لجنة مبيكي قالت: إن حق الاستفتاء حول تبعية المنطقة سيكون لمن يقيم سنة كاملة في المنطقة). ويبدو أن الفكرة خرجت من مساعد رئيس الجمهورية نفسه لذلك طلب الزعيم القبلي من الحكومة أن تساعد قبيلة المسيرية حتى تستطيع الاستقرار سنة بالمنطقة. وليس واضحًا إن كانت لجنة مبيكي تعني الاستقرار سنة لمرة واحدة أو لعدة مرات أو بصورة دائمة.

فضلاً عما سبق، فقد أعلنت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوربي أن رئيسي الدولتين وافقا على عقد قمة بينهما تُخصص بكاملها لمشكلة أبيي على أمل الوصول لحلٍ نهائيٍ لها، ويعتبر هذا مؤشرًا على أن فكرة الإحالة لمجلس الأمن باتت قابلة للتأجيل ولو لبضعة شهور حتى تتاح للطرفين فرصة أخيرة لإبرام اتفاق بالتراضي للقضية المستعصية.

السودان والمسلحون: وجهًا لوجه

أما بالنسبة لمفاوضات الحركة الشعبية قطاع الشمال مع حكومة السودان، فقد كانت الحكومة تعترض على المفاوضات المباشرة معها بحجة أن تلك الوحدات العسكرية ما زالت تابعة للجيش الشعبي في الجنوب وتتلقى تمويلها وتسليحها من حكومة جنوب السودان، ويتوجب على حكومة الجنوب أن تسحبها جنوبًا مثل بقية قوات الجيش الشعبي أو أن تسرحها وتنزع أسلحتها كما فعلت الحكومة مع العناصر الجنوبية في الجيش السوداني. وقد رفضت الحكومة الاستجابة لتوصيل مواد الإغاثة للنازحين في مناطق قوات الحركة بجنوب كردفان والنيل الأزرق رغم الجهود الدولية التي بُذلت في هذا السبيل. وترد حكومة الجنوب بأنها سرّحت وحدات الشمال بالفعل ولا تستطيع أن تنزع سلاحها لأنها تقيم في دولة أخرى هي موطنها الأصلي ولا يمكن لحكومة الجنوب أن تدخل أراضي الدولة الأخرى لتنزع سلاح بعض المجموعات بها. وبما أن حكومة السودان قد قبلت بتعهدات رئيس حكومة الجنوب ورسالته للآلية الإفريقية بفك الارتباط فلقد تبدل سياق موقفها السابق المتمثل في عدم التفاوض المباشر مع الحركة قطاع الشمال، كما أن قرار مجلس الأمن وخريطة الطريق التي وضعتها الآلية الإفريقية وأجازها مجلس السلم والأمن الإفريقي يلزمان الطرفين الشماليين بالمفاوضات المباشرة على مرجعية اتفاقهما السابق في يونيو/حزيران 2011 بأديس أبابا. وتشجع مبيكي بقبول حكومة السودان لخطوات الترتيبات الأمنية ليقترح يوم 17 يناير/كانون الثاني الجاري 2013 موعدًا لبدء المفاوضات المباشرة، وتدل المؤشرات على أن الاجتماع سيتم في الموعد المذكور أو في موعد قريب منه ما لم تحدث تطورات تؤثر على العملية التفاوضية مثل اشتداد المعارك بين الطرفين، وإذا تعذر التفاوض سيجد مبيكي نفسه مضطرًا للتوصية لدى الاتحاد الإفريقي بإحالة الأمر إلى مجلس الأمن، وهذا ما تحاول حكومة السودان تفاديه بتحرك دبلوماسي نشط بين الدول الإفريقية. وتبدو لجنة مبيكي متفائلة بأن المفاوضات المباشرة ستبدأ خاصة لو حدث تقدم في مسار الاتفاقات بين الشمال والجنوب، علمًا بأن قوات الحركة تسيطر على مساحة طويلة من الحدود بين ولاية جنوب كردفان وولاية شمال بحر الغزال؛ مما يعني أن تلك المنطقة لا تسيطر عليها قوات الحكومتين ولا يمكن أن تنطبق عليها ترتيبات المنطقة منزوعة السلاح بما فيها الخضوع لآليات المراقبة المشتركة المتفق عليها. ويفرض هذا الوضع على حكومة السودان الدخول في مفاوضات مع الحركة الشمالية بقصد الوصول إلى تسوية وفقًا لما كان مقترحًا في اتفاقية نافع-عقار الملغاة. علمًا بأن الحركة الشعبية قطاع الشمال استغلت فترة رفض الحكومة لمفاوضتها فدخلت في تحالف مع بعض حركات دارفور المسلحة (العدل والمساواة وحركتي تحرير السودان بقيادة كل من عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي الذي عقد اتفاقية أبوجا مع الحكومة ثم تخلى عنها بحجة عدم جدية الحكومة في التطبيق) تحت مسمى "الجبهة السودانية الثورية" التي عقدت مؤخرًا مؤتمرًا موسعًا في كمبالا مع أحزاب المعارضة السياسية، وأصدروا وثيقة "الفجر الجديد" التي عبّروا فيها عن هدفهم بإسقاط حكومة المؤتمر الوطني بطريق العمل السلمي والكفاح المسلح معًا، ولكن أحزاب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي تراجعت عن توقيعها بحجة أن بعض بنود الوثيقة تحتاج إلى مراجعة وأن مندوبيها في ذلك المؤتمر ما كانوا مفوضين بالتوقيع.

لابد أن هذا الحراك المعارض يشكّل تهديدًا جديدًا للحكومة وهي لا تزال لم تستوعب تأثير مؤتمر الحركة الإسلامية الذي أظهر انشقاقًا داخل صفوف الحركة يعارض سياسات حكومة البشير، وما أعقب ذلك من محاولة انقلابية قام بها بعض الإسلاميين في القوات المسلحة والأمن والشرطة والدفاع الشعبي وفصيلة المجاهدين التي اشتركت في عمليات حربية كثيرة في الجنوب آخرها معركة هجليج في إبريل/نيسان من السنة الماضية 2012. كل هذه العوامل بالإضافة للوضع الاقتصادي المتردي والضغوط الخارجية على النظام ستدفعه إلى أن يصل لتهدئة شاملة مع حكومة جنوب السودان بتسوية المسائل العالقة وإعادة ضخ بترول الجنوب عن طريق الشمال، وإلى عقد صفقة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لأنها ترتبط بالتسوية مع الجنوب. ولن تجد الحركة الشعبية حرجًا كبيرًا في التحلل من حلفها مع حركات دارفور إذا ما لقيت تسوية مقبولة من الحكومة؛ فقد سبق للحركة الشعبية الأم أن نفضت يدها من تحالفها مع الأحزاب السياسية الشمالية بعد أن وجدت أن اتفاقية نيفاشا يمكن أن تحقق لها أهم مطالبها في الانفراد بحكم الجنوب، واقتسام ثروة البترول، والحفاظ على جيش الحركة، وإقرار حق المصير لأهل الجنوب في استفتاء نزيه تشارك في إدارته ويراقبه المجتمع الدولي.

والخلاصة هي أن النظامين في دولتي السودان وجنوب السودان يواجهان ضغوطًا داخلية وخارجية تجعل من مصلحتهما الاتفاق على قضايا النزاع بينهما من أجل التكاتف في مواجهة القلاقل التي تواجه استقرار حكمهما، وحتى إن عرفت العلاقة بينهما بعض التوتر فإن المخاطر المحدقة بهما من الداخل والضغوط المسلطة عليها من الخارج سرعان ما تجعلهما يغلّبان عوامل التقارب على الصراع.