الحضور العسكري الروسي في إفريقيا ودلالاته

يدعم الحضور العسكري الروسي في القارة السمراء حزمة من مصالح موسكو يتشابك فيها الاقتصاد بتوسيع النفوذ الجيوسياسي. ورغم نجاحها في السنوات الأخيرة في إحداث اختراقات مهمة في القارة فإن المقارنة بمنافسيها تكشف عن وجود قدر من المبالغة في تضخيم الدور الروسي هناك.
حقيقة مقاتلي فاغنر في إفريقيا.. مخابرات روسية أم شركة أمنية خاصة؟ (مواقع التواصل)

أعاد الجدل الذي ثار حول كل من القاعدة الروسية في السودان وتقرير للتايمز البريطانية حول ارتباط مقاتلي جبهة الوفاق التشادية بمجموعة فاغنر في ليبيا(1)، الدور الروسي العسكري في إفريقيا إلى الأضواء مجددًا.

تحاول هذه الورقة بحث تمظهرات هذا الدور الذي يتشابك فيه الحضور القانوني بضروبه المختلفة بنوع آخر تلفُّه غلالة من الغموض، واستخدامهما من قبل الكرملين لتوسيع وجوده ونفوذه الجيوسياسي في القارة السمراء.

مَثَّل ضمُّ روسيا لشبه جزيرة القرم، عام 2014، منعطفًا في الانتقال خطوة إلى الأمام بسياستها الخارجية نحو إثبات حضورها كأحد اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية، تلا ذلك تدخلها العسكري في سوريا، 2015، الذي غيَّر بشكل راديكالي مسار الحرب في البلاد وأبرز قوة روسيا في الشرق الأوسط.

هذه المحاولة الروسية للانتقال من دور القوة الإقليمية إلى التمظهر كقوة عالمية تجلَّت بشكل واضح في التوجه الروسي نحو إفريقيا، الذي بلغ ذروته في القمة الإفريقية الروسية الأولى في سوتشي، أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومن أصل 54 دولة إفريقية شاركت في القمة، وهي كل دول القارة، مثَّل 43 منها قادتُها(2).

وثمة مجموعة من الدوافع المتداخلة وراء التوجه الروسي نحو إفريقيا، بعضها اقتصادي مرتبط بحاجة روسيا إلى المواد الأولية والأسواق الناشئة لتصريف بضائعها، وبعضها سياسي متعلق بمحاولة روسيا كسر الحصار الذي حاول الغرب فرضه عليها إثر حرب أوكرانيا، 2014، ورؤية روسيا لنفسها كقوة كبرى ضمن عالم متعدد الأقطاب تدعو إليه.

وبجانب منافسة القوى الغربية في المناطق الحيوية من العالم، يرى بعض أن الباحثين أن الفراغ الناتج عن خطط الولايات المتحدة لسحب قواتها من أجزاء من إفريقيا دفع روسيا والصين إلى محاولة مَلئِه(3).

ونتيجة محدودية قدرات موسكو الاقتصادية قياسًا بمنافسِيها الرئيسيين، الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد مثَّلت سوق الخدمات الأمنية العسكرية أبرز أوجه حضورها إفريقيًّا. ويمكن تقسيم أنشطة موسكو ضمن هذه السوق إلى قسمين رئيسيين: أنشطة قانونية علنية، وأنشطة أخرى يلفها الغموض وعدم القانونية.

أوجه النشاط العسكري القانوني لروسيا إفريقيًّا

تتوزع الأنشطة الروسية تحت هذا العنوان ضمن مجموعة من المجالات، ويمكن إبراز أهمها في التالي:

بيع المعدات العسكرية

خلال العقدين الماضيين، تمكنت روسيا من أن تصبح أكبر مصدِّر للأسلحة إلى إفريقيا لتمثل نحو 49% من إجمالي صادراتها إلى القارة السمراء، وذلك بناء على قاعدة البيانات في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام(4)، كما تمثل حصتها نحو 37.6% من حصة سوق السلاح الإفريقية، تليها الولايات المتحدة 16%، وفرنسا 14% والصين 9%(5).

وتتمتع الأسلحة الروسية في هذه السوق بالعديد من المزايا التنافسية؛ إذ تعد مع جودتها أرخص من نظيرتها الغربية(6)، كما أن لدى العديد من الجيوش الإفريقية مخزونات من الأسلحة السوفيتية تتوافق مع الأسلحة الروسية الحديثة، وتتضمن عقود الأسلحة الروسية أحكامًا لتحديث أو إصلاح المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.

ومن أهم الميزات التنافسية للسلاح الروسي أن موسكو لا ترهن تقديمها بالالتزام بالمعايير الديمقراطية أو مراعاة حقوق الإنسان، كما قد يشترط مصنِّعو السلاح في المنظومة الغربية(7).

الاتفاقيات العسكرية والتدريب

نشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الإفريقية؛ فوقَّعت منذ عام 2015 إحدى وعشرين اتفاقية عسكرية(8) مع دول، من بينها: أنغولا، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وتشاد، وإثيوبيا، وغينيا، ومدغشقر، ونيجيريا، والنيجر، وسيراليون، وتنزانيا، وزيمبابوي.

وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات متعددة، منها: التدريب الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب.

القواعد العسكرية

برزت في السنوات الأخيرة رغبة موسكو في بناء قواعد عسكرية في إفريقيا، ووفقًا لوثيقة روسية مسربة فقد تم اختيار ست دول لهذا الهدف، وهي: مصر وإفريقيا الوسطى وإريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان(9)، كما لم تُكلَّل محاولاتها بالنجاح مع عدد آخر من الدول، منها جيبوتي، نتيجة الضغوط الأميركية(10).

وفي عام 2018، أعلن سيرغي لافروف عن خطط لبناء مركز لوجستي عسكري في إريتريا، 2018، وهو ما أعيد إحياؤه مؤخرًا بتصريحات سفير أسمرة في موسكو المرحِّبة باستقبال المركز اللوجستي الروسي في بلاده(11).

تظل أنجح الخطوات الروسية في هذا السياق اتفاقها مع الخرطوم على بناء مركز دعم لوجستي على الساحل السوداني(12)، والذي تم طرحه من قبل الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في قمةٍ جمعته بفلاديمير بوتين، عام 2017، وأصدر الأخير قرار الشروع في بناء المركز اللوجستي في ولاية البحر الأحمر، في ديسمبر/كانون الأول 2020، إثر الإعلان عن توقيع اتفاقية مع الجانب السوداني(13).

وسيدعم هذا المركز العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة، ويشكِّل منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية لمراقبة أنشطة القوى المنافسة لموسكو في حوض البحر الأحمر والقرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، كالقوات الأميركية أو الصينية أو الفرنسية أو السعودية أو الإماراتية.

أنشطة روسيا العسكرية "الغامضة"

شركات المتعاقدين العسكريين

شهدت الأعوام الأخيرة حضورًا متناميًا لمجموعات عسكرية روسية غير رسمية في إفريقيا، تأتي على رأسها مجموعة "فاغنر"، التي أسسها ضابط الاستخبارات العسكرية السابق، ديمتري أوتكين، عام 2014، وبرز دورها أولًا في الحرب الأوكرانية في نفس العام، ولاحقًا ارتبط اسمها برجل الأعمال الروسي، يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

والسرية المحيطة بالمجموعة تصعِّب تحديد هوية متعاقديها وعددهم وقدراتهم، ومع ذلك تذهب بعض التقديرات إلى أن عددهم بما بين 3.600 إلى خمسة آلاف مقاتل جُلُّهم من العسكريين الروس السابقين. ويعد الدخل المرتفع أبرز العوامل وراء انخراطهم في المجموعة؛ "ففي حين بلغ متوسط أجر عناصر فاغنر شهريًّا، عام 2017، قرابة 240 ألف روبل، بلغ متوسط الأجر في روسيا 39 ألف روبل"(14).

تعمل هذه المجموعات في مجموعة من المجالات الرئيسية، أهمها:

النشاط العسكري الأمني

وترتبط مشاركة فاغنر في السياق الإفريقي بحالات عدم الاستقرار والتمردات المسلحة، ونتيجة التكتم على دورها فليس من السهل القطع اليقيني بعدد البلدان التي تنشط فيها، وقد ذكر تقرير لوكالة بلومبيرغ أسماء عشر دول، هي: السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق والكونغو الديمقراطية(15). غير أن أبرز رصد لنشاط فاغنر ظهر في الدول الآتية:

إفريقيا الوسطى

تغرق هذه الدولة في حرب أهلية ذات بُعد عرقي ديني منذ 2012، ومنذ 2017، بدأ الدور الروسي ينشط تحت قرار أممي سمح لروسيا بتزويد البلاد بمساعدة تقنية عسكرية توصف بأنها "مجانية"(16).

وما لبث هذا الحضور العسكري أن تعزز مع تدفق الأسلحة الروسية، ومع تولي فاليري زاخاروف، ضابط الاستخبارات الروسية السابق، منصب مستشار الأمن القومي للرئيس، نجح الروس في السيطرة على المهام الأمنية الحساسة في إفريقيا الوسطى، حتى تولوا مهمة الحراسة الشخصية للرئيس، فوستان تواديرا، ومهام تدريب وحدات الجيش والقوات الخاصة، كما أُعلن أن بانغي تدرس إقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها(17).

ووفقًا للباحث المختص في الشؤون الروسية، سيرغي شوخانك، فإن التعاون القانوني الشفاف ضمن مهمة الأمم المتحدة، يُخفي "البقع المظلمة" و"الطبيعة المزدوجة لهذه العلاقات"(18).

يتشابك في الدور الروسي بإفريقيا الوسطى النشاطُ الأمني المرتبط بالمهام العسكرية، بالاهتمام الاقتصادي؛ حيث حصلت شركة لوباي إنفيست المحدودة (Lobaye Invest Ltd)، ذات الصلة برجل الأعمال الروسي، بريغوجين، على امتيازات لاستخراج الذهب في البلاد، والجيوسياسي؛ ففضلًا عن تحدي فرنسا في أحد مواقع نفوذها التقليدية فإن الروس، وفقًا لأحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة، يهتمون بالدولة الواقعة في وسط القارة لتشكيل "محور نفوذ عبر السودان في الشمال وأنغولا في الجنوب"(19).

ليبيا

هدفت موسكو من استخدام مقاتلي فاغنر في ليبيا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية المتعلقة بتعزيز علاقاتها مع مصر والإمارات العربية المتحدة، وتوسيع نفوذها على الحدود الجنوبية لأوروبا ووصولها إلى موارد ليبيا من النفط والغاز، وضمان أدائها دورًا في التسوية السياسية بعد الحرب.

وفي مايو/أيار 2020، قدَّر تقرير سري أممي عدد عناصر فاغنر في ليبيا بـ800 إلى 1000(20)، وقد أمدَّتها موسكو، وفق اتهام من القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، بطائرات مقاتلة(21)، وهو ما أدى إلى دعم معسكر الجنرال خليفة حفتر، قبل أن يغيِّر التدخل التركي المعادلات الليبية.

واستمرار نشاط مقاتلي فاغنر في ليبيا يؤشر إلى تزايد نفوذ الكرملين في معسكر حفتر، ولاسيما بعد انسحاب فرنسا من دعم الجنرال وضغط الولايات المتحدة على الإمارات لقطع تمويل المجموعة(22).

السودان

برز ظهور فاغنر في السودان بعد التوقيع، عام 2017، على اتفاقية اقتصادية متعلقة بمجال التعدين بين وزارة الثروة المعدنية السودانية وشركة م-إنفيست (M-Invest) ذات الصلة بممول مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين(23).

على إثر ذلك، تدفق المتعاقدون العسكريون الروس على السودان لحماية المصالح التجارية الروسية، ونشطت المجموعة في مدن سودانية مختلفة منها الخرطوم وبورتسودان، ودربت قوات الدعم السريع وعناصر عسكرية وأمنية سودانية، كما نقل مقاتلو المجموعة أسلحة وأفرادًا من السودان إلى جمهورية إفريقيا الوسطى(24).

كما ذُكر مشاركة متعاقديها في القمع العنيف للثورة السودانية المناهضة لنظام الإنقاذ والتي اندلعت شرارتها في ديسمبر/كانون الأول 2018، رغم النفي الرسمي لذلك(25).

موزمبيق

دفع شعور النخب السياسية والاقتصادية الموزمبيقية بعدم الرضا عن الاتفاقات الهيدروكربونية "غير العادلة"، بجانب عجز القوات المسلحة المحلية عن مواجهة التهديد الإرهابي في شمالي البلاد، إلى طرح التعاون مع موسكو في هذين المجالين. ومنذ عام 2019، ظهرت أنباء عن وجود المقاولين العسكريين الروس في موزمبيق رغم نفي المسؤولين الرسميين(26).

ويبدو أن الفشل رافق هذه المغامرة الموزمبيقية؛ حيث قُتل العديد من المتعاقدين في صفوف الروس دون الوصول إلى النتائج المرجوة نتيجة نقص المعرفة بالعادات والتقاليد والبيئة المحلية، وهي عناصر مهمة في خوض العمليات العسكرية على أرض غير مألوفة، بالإضافة إلى أن بيئة التمرد وتكتيكات المتمردين في موزمبيق كانت مختلفة عن مسارح عمليات أخرى خاضتها فاغنر(27).

النشاط الاقتصادي

تتعدى أنشطة مجموعة فاغنر المجال العسكري الأمني المرتبط بالمشاركة في القتال وتدريب القوات وحماية المسؤولين، إلى الاقتصادي، حيث تقوم في جمهورية إفريقيا الوسطى على سبيل المثال بحماية مناجم الذهب والماس في البلاد، مقابل نسبة من الإيرادات، وتقع معظم هذه المناجم بالقرب من مدينة بامباري في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد.

وحصلت شركة (Lobaye Invest)  الروسية على ترخيص للبحث عن الذهب والماس واستخراجهما بعد أشهر قليلة من إرسال موسكو معدات عسكرية إلى العاصمة، بانغي، في عام 2018(28).

كما يندرج في السياق الاقتصادي عمل أنشطة فاغنر على زيادة العائدات الروسية في سوق الشركات العسكرية الخاصة من خلال ترويج "الحل الروسي" لدى الدول التي تواجه التهديدات الأمنية وتعاني من عدم الاستقرار(29).

  • النشاط في توجيه الرأي العام

لهذه المجموعات الروسية نشاط في العمل على توجيه الرأي العام داخل الدول الإفريقية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة فيسبوك، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أنها علَّقت ثلاث شبكات من الحسابات الروسية حاولت التدخل في السياسة الداخلية لثماني دول إفريقية، وأن الحسابات التي جمعت مليون متابع مرتبطة بكيانات يمولها بريغوجين(30).

ووفقًا لباحثين من جامعة ستانفورد، تضمَّنت الشبكات صفحات "إخبارية" ومواقع إلكترونية، وصفحات يُزعم أنها تنتمي إلى أحزاب سياسية بالإضافة إلى سياسيين(31)؛ حيث يتم الترويج لحلفاء موسكو في الدول المستهدفة، وللأحداث الثقافية التي تقوم بها المجموعات الروسية مما يدخل في إطار الدبلوماسية الشعبية.

كما تم استخدام هذا النوع من النشاط ضد القوى المنافِسة الدولية؛ حيث لاحظ الخبراء ترويج الحسابات المرتبطة بروسيا بنشاط لصورة سلبية لفرنسا لزعزعة استقرار "التعاون بين فرنسا ومجموعة الخمسة"(32)، وذكر فيسبوك وتويتر أنهما "أزالا شبكة من الحسابات المزيفة المرتبطة بروسيا والتي تم تشغيلها من غانا ونيجيريا واستهدفت الولايات المتحدة"(33).

ب- لماذا تعتمد روسيا على هذه القوات؟

وتقف مجموعة من الدوافع وراء استخدام روسيا للشركات الأمنية الخاصة بديلًا عن القوات النظامية في نشاطها الإفريقي، من ذلك تواضع قدرات روسيا في الانتشار الواسع في إفريقيا؛ حيث لم تقم موسكو بأي عمليات انتشار عسكري في إفريقيا خلال نصف قرن، ونفذت أنشطتها العسكرية والأمنية حصريًّا بمساعدة المتعاقدين/المرتزقة(34).

كما أن هذه القوات تعد غير مكلفة بالنسبة إلى الكرملين؛ حيث تعتمد على التمويل الذاتي المرتبط بمموليها الخاصين والعقود الاقتصادية التي تجريها في الدول المعنية(35)، بالإضافة إلى الرغبة الروسية في توسيع الاستثمار في سوق الشركات العسكرية الخاصة الآخذ في الازدهار، ويبدو أثر هذا المردود الربحي في دفعه نحو نشوء شركات روسية أخرى من نفس النمط كباتريوت وسيوى(36).

وتوظِّف موسكو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لدعم الأنظمة الحليفة في مواجهة الثورات والتمردات، وهو ما عبَّر عنه الرئيس بوتين واصفًا إياها بأنها "أداة لتحقيق المصالح الوطنية حيث لا يتعين على الدولة نفسها الانخراط في الصراع"(37).

كما تتجنب موسكو المخاطرة بأرواح الجنود الروس في عمليات غير مرتبطة مباشرة بالدفاع عن البلاد في ظل حساسية الروس تجاه تكبد خسائر كبيرة منذ تجربة غزو أفغانستان، عام 1979(38).

عدم تقنين الشركات العسكرية الخاصة في روسيا يتيح لموسكو التنصل من المسؤولية عن أنشطتها، وهو ما فعله الرئيس بوتين في إجابته عن سؤال حول وجود عسكريين متعاقدين روس في ليبيا، قائلًا: "حتى إذا كان هناك مواطنون روس، فإنهم لا يمثلون مصالح الدولة الروسية، ولا يحصلون على أي أموال منها"(39).

خريطة
Source: Jacobsen, Russia’s Showy and Shadowy Engagements, p.41

خلاصة

يدعم الحضور العسكري الروسي في القارة السمراء حزمة من مصالح موسكو يتشابك فيها الاقتصاد بتوسيع النفوذ الجيوسياسي، ورغم نجاحها في السنوات الأخيرة في إحداث اختراقات مهمة في القارة فإن المقارنة بمنافسيها تكشف عن وجود قدر من المبالغة في تضخيم الدور الروسي هناك.

على الرغم من أن تصدير المعدات العسكرية يأتي في مقدمة القطاعات التي نجحت فيها موسكو إفريقيًّا؛ إذ ضاعفت قيمة مبيعاتها من 1.1 مليار دولار أميركي، عام 2009، إلى 2.1 مليار دولار بعد عقد من الزمان(40)، فإنه سيتعين على مصنِّعي الأسلحة الروس التنافس مع بائعين يتراوحون من الصين إلى إسرائيل، وقد يؤدي التقدم التكنولوجي إلى جعل السوق الإفريقية أكثر تنافسية، ممَّا قد يسفر عن تآكل الميزة النسبية لروسيا بمرور الوقت كمزوِّد للأسلحة الجيدة منخفضة التقنية(41).

وفي مقابل المركز اللوجستي الروسي على الشاطئ السوادني، لواشنطن 34 قاعدة عسكرية في إفريقيا(42) بوظائف وأحجام متنوعة، في حين يُقدَّر بـ16 عددُ القواعد والمنشآت العسكرية التي تديرها فرنسا في إفريقيا بأحجام ووظائف مختلفة، بالإضافة إلى قواتها المشاركة في عملية بركان في منطقة الساحل(43).

أما استخدام روسيا للمتعاقدين العسكريين في إفريقيا أداة لتشكيل نفوذ استراتيجي بعيد المدى في القارة فقد لا يحقق الهدف المرجو، لعدة أسباب، منها: أن القضاء على التمردات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يكمن في مجموعة واسعة من الإجراءات المتكاملة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، القائمة على القضاء على العوامل الأساسية التي تولِّد التمرد، كما أنه ليس لدى موسكو في هذا السياق استراتيجية إفريقية شاملة، بل تعتمد بشكل أساسي على الفرص الناشئة في بلدان معينة.

كما أن فشل المتعاقدين الروس في العديد من التجارب الإفريقية يشكِّك في قدرتهم على إحداث تغييرات استراتيجية في القارة لمصلحة موسكو.

ولعل أوضح تعبير في هذا السياق ما ذكره الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس في حديثه عن المنافسة الروسية والصينية لبلاده في إفريقيا "أنا أقل قلقًا بشأن المنافسة الروسية.. أعتقد أنهم [الروس] أقل أهمية بالنسبة لي على المدى الطويل مقارنة بالصين. الصين مصدر قلق اليوم وعلى المدى الطويل"(44).

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) محمد علي، عبد القادر، تشاد ما بعد إدريس ديبي.. هل تكون ساحة صراع فرنسي روسي جديدة؟، TRT عربي، 28 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 5 مايو/أيار): https://n9.cl/p8qnw

(2) بوتين والسيسي يفتتحان أول قمة روسية إفريقية في سوتشي، فرانس 24، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 6 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/tk5lh

(3) Eguegu, Ovigwe, US threat to withdraw from African security efforts leaves Sahel vulnerable, The African Report, January 8, 2020, (Seen May 4, 2021), https://n9.cl/02vb1

 (4) روسيا: صادرات السلاح إلى إفريقيا استراتيجية طويلة المدى، DW، 13 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 3 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/ou6pt

(5) Suciu, Peter, Russian Military Looks to Establish Six Military Bases in Africa, The National Interest, August 11, 2020, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/q1hat

(6) The strengths and weaknesses of Russia's military, DW, April 7, 2018, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/v3dzw

(7) Campbell, John , Russia Selling Su-30 Fighters to Nigeria, Consel On Forgein Relations, July 5, 2017, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/o6wb3

(8) Russia seeks to Establish Military Bases in 6 African Nations, Defense World, August 4, 2020, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/7qbc

(9) ناشيونال إنترست: روسيا تتطلع لإنشاء 6 قواعد عسكرية في إفريقيا، الجزيرة، 12 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 4 مايو/أيار): https://n9.cl/6xtoj

(10) Stronski, Paul, Late to the Party: Russia’s Return to Africa, (Carnegie Endowment for International Peace, Washington, DC, 2019), p.18.

(11)a محمد علي، عبد القادر، أمن البحر الأحمر: السياسة الخارجية الإريترية في بيئة متغيرة، مركز الجزيرة للدراسات، 21 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 6 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/hoz20

(12) قاعدة بحرية روسية في السودان: مدخل إلى إفريقيا وإلى مناجم الذهب، DW، 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/8xx6

(13) بوتين يأمر بإنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان، الأناضول، 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مايو/أيار 2021):  https://n9.cl/ksgcg

(14) مولانا، أحمد فريد، شركة “فاغنر” الروسية: النشأة والدور والتأثير، مركز سيتا، 3 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 5 مايو/أيار 2021): HTTPS://SITAINSTITUTE.COM/?P=9865

(15) Dalaa, Mustapha, Aksoy, Halima Afra, Russia's Wagner Group reportedly deployed in Africa, Anadolu, March 5, 2021, (Seen: May 5, 2021), https://n9.cl/0pc8b

 (16) "UN Gives Green Light on Russia Arms to C Africa, News 24, December 16, 2017, (Seen: May 6, 2021), https://n9.cl/1942q

)17) SUKHANK, Sergey, Russian Private Military Contractors in Sub-Saharan Africa Strengths, Limitations and Implications, (Russie.Nei.Visions, No. 120, Ifri, September 2020), p.17.

(18) Ibid. p.16.

(19) Losh, Jack, & Mathews, owen, Battle for Africa’: Russia Pushes Into ‘Free Country for the Taking’ in Attempt to Rival the West, Newsweek, August 9, 2018, https://n9.cl/4m712

(20) تقرير أممي مسرب: مئات المرتزقة من "فاغنر" الروسية يقاتلون في ليبيا، BBC عربي، 7 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 6 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/vhp5q

(21) الجيش الأميركي: روسيا أرسلت مقاتلات لدعم المرتزقة في ليبيا، DW، 26 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 4 مايو/أيار 2021): https://n9.cl/y2ht6

(22) al-Atrush, Samer, Russia’sWagner Mercenaries calls the shot in fight for control of Libya, The Times, February 27 2021, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/2j0hs

(23) Shukhankin, Russian Private Military, p.20.

(24) Russia's Wagner Group reportedly, https://n9.cl/0pc8b

(25) Russian Private Military, p.20.

(26) Shukhankin, Russian Private Military, p.22.

(27) Ibid. p.24

(28) Dalaa, Aksoy, Russia's Wagner Group reportedly deployed in Africa, https://n9.cl/0pc8b

(29) Shukhankin, Russian Private Military, p. 18.

(30) Strubbs, Juck, Menn, Joseph, Facebook says it suspends accounts tied to Putin ally for meddling in Africa, Reuters, OCTOBER 30, 2019, (Seen: May 4, 2021), https://n9.cl/svqrd

(31) Evidence of Russia-Linked Influence Operations in Africa, Stanford, October 30, 2019, (Seen: May 5, 2021), https://n9.cl/6awef

(32) Jacobsen, Katja Lindskov, Russia’s Showy and Shadowy Engagements in Sub-Saharan Africa, (Djøf Publishing In cooperation with Centre For Military Studies, 2020), p.38.

(33) Culliford, Elizabeth, Facebook, Twitter remove Russia-linked accounts in Ghana targeting U.S., Reuters, March 13, 2020, (Seen: May 5, 2021), https://n9.cl/03e5z

(34) Stronski, Late to the Party, p.19.

(35) مولانا، شركة “فاغنر” الروسية.

(36) Jacobsen, Russia’s Showy and Shadowy Engagements, p.37.

(37) مولانا، شركة “فاغنر” الروسية.

(38) المصدر السابق.

(39) المصدر السابق.

(40) Russell, Martin, Pichon, Eric, Russia in Africa A new arena for geopolitical competition, (European Parliamentary Research Service, November 2019), p.2.

(41) Stronski, Late to the Party, p.20.

(42) Turse, Nick, U.S. Military Says It Has A "Light Footprint" In AfricaYhese Documents Show A Vast Network of Bases, The Intercept, December 1 2018, (Seen: May 5,2021), https://n9.cl/a314k

(43) FOI, France - A Continuing Military Presence in Francophone Africa, (Swedish Defense Research Institute, August 2019), p.3.

(44) SASC Hearing on U.S. Africa Command and U.S. Southern Command, United States Africa Command, April22, 2021, (Seen May 9, 2021), https://n9.cl/haos