حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر: دراسة في تحليل الشبكات الاجتماعية

تحاول الدراسة فهم واستكشاف الجوانب المختلفة لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر، وقد استخدمت برنامج (NodeXL) لتحليل الشبكات الاجتماعية، وهو برنامج يؤسس لآليات متقدمة في الدراسات الإعلامية تنسجم وطبيعة الشبكات الاجتماعية وتعقيدات الإعلام الجديد. كما استخدمت برنامج (MAXQDA) لتحليل مضمون عينة عشوائية من التدوينات ومعرفة موضوعاتها.
الحملة تُعد الأقوى على تويتر منذ 2012 وظهرت من حيث جوهرها حملة دينية بسلاح اقتصادي وهدف سياسي (رويترز)

ليست حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، التي تطالعنا يوميًّا في قائمة الأعلى تداولًا على موقع تويتر في أغلب الدول العربية، الأولى من نوعها؛ فقد ظهرت حملات أخرى شبيهة في الأعوام السابقة. ويعود أول ظهور لوَسْم (#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية) باللغة العربية إلى 22 سبتمبر/أيلول 2012، وكان يتضمن تدوينة واحدة فقط، ثم تكرر مطلع العام الذي يليه، في 13 يناير/كانون الثاني 2013، واستمر إلى 7 فبراير/شباط من العام نفسه، وظهرت فيه 68 تدوينة، نشرها مستخدمون لا يتعدون أصابع اليدين، وقالوا: إنها "مناصرة لإخواننا في مالي"، وذلك عقب التدخل العسكري الفرنسي في مالي(1). وفي بداية العام الذي يليه، وتحديدًا في 14 فبراير/شباط 2014، ظهر الوسم مجددًا، واستمر ليوم واحد وبواقع تغريدتين من شخص واحد، وكانت بهدف "وقف العدوان على إخواننا في إفريقيا الوسطى".

وفي مطلع العام 2015، بدأت حملة رقمية عُدَّت الأقوى في ذلك الوقت، بعد نشر مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية رسومات مسيئة لنبي المسلمين، شارك فيها مئات المستخدمين لموقع تويتر، ورافقها احتجاجات ميدانية في أغلب الدول العربية(2). بدأت الحملة الرقمية بتدوينة "ياليت عشان نخسِّرهم مثل الدول الي قبلهم"*، في إشارة إلى الدنمارك التي اعتذرت رسميًّا بعد سلسلة احتجاجات واسعة في عدد من الدول العربية والمسلمة(3)، وفَقَدَت الحملة التي بدأت في 13 يناير/كانون الثاني 2015، زخمها مع مرور الوقت، وانتهت عمليًّا في منتصف العام نفسه. وفي العام 2016، ظهرت حملة ضعيفة ببضع تدوينات على خلفية إجبار فرنسا محلات "بيع الحلال" على بيع لحم الخنزير والمشروبات الكحولية، وفق ما ذُكِر في الحملة. ولم يشهد العامان، 2017 و2018، أية حملات على تويتر، وفي 13 مارس/آذار 2019، ظهرت تدوينات قليلة ليوم واحد، تدعو إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، وربطها أصحابها بموافقة مجلس الشيوخ الفرنسي على قرار يقضي بمنع الأمهات المسلمات من ارتداء الحجاب، ودعم فرنسا اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في ليبيا، ومنع تصدير الأسلحة الفرنسية لتركيا، ونشر فرنسا الفساد والخراب في الجزائر.

عاد الوَسْم إلى الظهور من الجزائر، في 25 مايو/أيار 2020، مصاحبًا لوسم "مقاطعة القنوات الفرنسية" ليوم واحد، ثم ظهر مجددًا من مصر، في 16 يونيو/حزيران 2020، بعد اتهام شركة "أورانج" في مصر بحذف الحسابات الإسلامية.

وفي 2 سبتمبر/أيلول 2020، ظهرت أول تدوينة تحمل وسم "مقاطعة المنتجات الفرنسية"، بعد إعادة نشر مجلة "شارلي إيبدو" الرسوم المسيئة لنبي الإسلام(4)، ورفضِ فرنسا إدانة المجلة، أو انتقادها(5). وبدأت الحملة تشتد وتقوى خلال سبتمبر/أيلول وعَظُم انتشارها في أكتوبر/تشرين الأول إلى أن تصدَّرت وسومها قائمة الأعلى تداولًا في كثير من الدول العربية. واتفق المقاطعون على إطلاق وسوم يومية، يحمل كل يوم رقمًا جديدًا، وكان يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أول يوم يستخدم فيه وسم (#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية1)، وها نحن نصل إلى وسم (#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية123) المتصدر كالعادة أثناء كتابة البحث.

الجدول (1): تاريخ حملات مقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر وأسبابها منذ 2012 إلى مارس/آذار 2021(6)

العام

السبب المعلن في الحملة

قوة الحملة(7)

عدد التدوينات

2012

التدخل العسكري الفرنسي في مالي

ضعيفة جدًّا

1

2013

التدخل العسكري الفرنسي في مالي

ضعيفة

68

2014

العدوان الفرنسي على إفريقيا الوسطى

ضعيفة جدًّا

2

2015

نشر رسومات مسيئة لنبي المسلمين في مجلة شارلي إيبدو

قوية

نحو 1000

2016

إجبار الحكومة الفرنسية محلات "بيع الحلال" على بيع لحم الخنزير والمشروبات الكحولية

ضعيفة

15

2017

لا يوجد

 

 

2018

لا يوجد

 

 

2019

- مجلس الشيوخ الفرنسي يوافق على قرار يقضي بمنع الأمهات المسلمات من ارتداء الحجاب

- دعم فرنسا للواء المتقاعد، خليفة حفتر، وأعوانه

- نشر فرنسا الفساد والخراب في الجزائر

ضعيفة

9

2020

إعادة نشر رسومات مسيئة لبني المسلمين، وتبنِّي فرنسا الرسمي للرسومات

قوية جدًّا

مئات الآلاف

2021

إعادة نشر رسومات مسيئة لبني المسلمين، وتَعَنُّت الموقف الرسمي الفرنسي

قوية جدًّا

مئات الآلاف

يُبيِّن الجدول رقم (1) أن الحملة الحالية تتفوق على سابقاتها قوة وحجمًا واستمرارية وتصدرًا، ويمكن فهم ذلك في سياق ارتفاع نسبة انتشار الإنترنت وتغلغلها في المجتمعات العربية المسلمة، واشتهار مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما تويتر، كأحد أهم المواقع التي احتضنت الدعوة إلى المظاهرات، أو حتى الثورات، على سبيل المثال، الربيع العربي، وحركة "احتلال التايمز سكوير"، وأخيرًا حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter)، واهتمامه بالوسوم (Hashtags)، من خلال ما يوفره من قائمة الأعلى تداولًا (Trends)، فجُعِلَت فضاءً عامًّا للتعبير عن قضايا الناس ومطالبهم، حتى بدأ فرع جديد من الفروع العلمية لدراسة ظاهرة الوسوم باسم علم دراسة الوسوم (Hashtagology)، الذي يدرس طرق استخدام الوسوم في مواقع التواصل الاجتماعي(8).

وتهدف هذه الدراسة إلى استكشاف الجوانب المختلفة لحملة المقاطعة الأخيرة، من خلال وصف طبيعة الشبكة الرقمية التي تشكَّلت على موقع تويتر، وتحديد شكلها ونوعها والمجموعات التي ظهرت فيها، وإلى فهم أسباب تصدُّرها قائمة الوسوم الأعلى تداولًا(9)، وبحث أبعادها من خلال تحليل المضامين التي تداولها المدوِّنون. ويُؤَمَّل من الدراسة أن تشكِّل أرضية مناسبة للتحليل المعمق لهذا الشكل من الظواهر الرقمية، فلا يمكن فهم ظاهرة حملات المقاطعة الرقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحليلها، دون وصفها بشكل كاف ومستفيض، والكشف عن المضامين الخفية منها، والإجابة عن أسئلة: متى بدأت؟ ومن يقودها؟ ومن أين؟ وكيف؟ وما استراتيجيات القائمين عليها ومطالبهم؟  

والإجابة عن هذه الأسئلة في البيئة الرقمية تحتاج إلى مناهج رقمية، كالمنهج الذي استخدمناه في هذه الدراسة (منهج تحليل الشبكات الاجتماعية)، وقد مثَّل منطلقًا لمقاربة المشكلة البحثية من خلال الحقل الاستفهامي الآتي:

1. ما خصائص الشبكة الاجتماعية التي تشكَّلت على موقع تويتر حول مقاطعة المنتجات الفرنسية، على المستويات الواسعة والمتوسطة والضيقة: أي ما نوعها؟ وما المجموعات التي تشكَّلت منها؟ ومن الأشخاص المؤثرون والمشاركون فيها؟

2. ما دوافع الحملة، ومطالبها، والموضوعات التي ناقشتها؟

3. ما أسباب استمرار تَصدُّر وسم الحملة اليومي قائمة الأعلى تداولًا في أغلب الدول العربية؟

4. ما المضامين التي تداولها المشاركون في شبكة مقاطعة المنتجات الفرنسية؟

الإطار النظري للدراسة

1. الحملات الرقمية

عادة ما تكون شدة الارتباط بين الممارسات الرقمية والممارسات على أرض الواقع وكثافتها، في حالة المظاهرات والثورات، واضحة للعيان، بسبب تأثير كل منهما على الآخر، وأصبح يُشار إليها في أدبيات النشاطية السياسية الرقمية (Digital Activism) بالتمييز بين الممارسات الاحتجاجية المتصلة بالإنترنت وغير المتصلة به (Online/Offline)(10). ولقي استخدام التكنولوجيا بشكل عام، ومواقع التواصل بشكل خاص، كفضاء ووسيلة احتجاجية، اهتمامًا كبيرًا من قبل الدوائر الأكاديمية منذ بداية الألفية، بل شهد هذا الاهتمام صعودًا يشبه صعود دور النشاطية الرقمية كبُعد أساسي في الدعوات والحملات الاحتجاجية في مناطق مختلفة من العالم.

ويمكن تقسيم الإسهامات البحثية حول الظاهرة محل الدراسة إلى ما يلي:

أولًا: المتفائلون باستخدام التكنولوجيا كفضاء تحرري ووسيلة مهمة لتعزيز قدرة الحملات الاحتجاجية على تحقيق أهدافها(11)، وذلك من خلال قدرة مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص على نشر الأفكار بشكل سريع، وعلى نطاق واسع، وتسهيلها لحشد عدد كبير من المشاركين حول قضايا مختلفة. وفي هذا السياق يُقدِّم الباحث السياسي الأميركي، لانس بينيت (lance Bennett)، مفهوم الفعل المترابط (Connective Action) في مقابل الفعل الجماعي (Collective Action)، والذي يوضح قدرة الأفراد على بناء تأثير حقيقي، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بمعزل عن منطق المنظمات الحقوقية وإدارتها، بحيث تقوم تكنولوجيا التواصل الاجتماعي بدور الفاعلية التنسيقية، بدلًا من تلك المنظمات(12). وبالرغم من الطابع الفرداني والشخصي لهذه الحملات في ظل طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن عملية إنتاج المعلومات التي يقوم بها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومعالجتها وتكاملها، توفر حالة من التنظيم بين المشاركين.  

ثانيًا: المتشائمون، الذين يشيرون إلى نقائص استخدام التكنولوجيا في هذه الحملات وعيوبها، ويرون أنها لا تمثُّل سوى فضاء للتنفيس عن المشاعر وإعطاء المشاركين شعورًا مزيفًا بالرضا عن النفس، في حين أن تأثيرها الواقعي السياسي والاجتماعي يقترب من الصفر(13). فعلى الرغم من قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على نشر الأفكار بشكل سريع، وعلى نطاق واسع، وتسهيلها لحشد عدد كبير من المشاركين حول قضايا مختلفة، إلا أن هذا الحشد عادة يتكون على أُسُس سطحية، لا تسمح ببناء روابط قوية ومستدامة حول قضية ما(14). ويرى كل من توماس بويل (Thomas Poell) وخوسيه فان ديك ( José van Dijck) أن دراسة النشاطية الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب التعامل مع هذه المواقع، أو المنصات كفضاء تكنولوجي-تجاري، وليس سياسيًّا-اجتماعيًّا فقط، كما يغلب على الأدبيات في هذا المجال. وقد اقترحا آليتين مرتبطتين بالبنية التكنولوجية والنموذج التجاري لهذه المنصات، وهما: التسارع (Acceleration) والشَّخْصَنَة (Personalization)، ويعترف الباحثان بأن التحولات الرقمية، وما أنتجته من سرعة نقل المعلومات، والتعامل اللحظي مع الأحداث الواقعية، من مظاهرات، وتعامل الشرطة مع المتظاهرين، وتوثيقها على هذه المنصات، قد تمثِّل نوعًا من أنواع التمكين، وأهمية استراتيجية للنشطاء الرقميين(15).

إلا أن هذا التمركز على الأحداث قد يحوِّل الأنظار إلى مشاهد الاحتجاج، بعيدًا عن القضايا محل الاحتجاج، ويشير الباحثان إلى أهمية فهم هذا التركيز على الأحداث اللحظية، فالبُعد عن مناقشة القضايا ليس نتيجة ممارسات المشاركين في الاحتجاج الرقمي بقدر ما هو نتيجة لبنية مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، ووسائله المعروفة، كالاتجاهات الشائعة (Trends) والوسم (Hashtag). ولفهم كيفية تشكيل هذه الوسائل التواصل المعلوماتي بين الناشطين، من المهم الانتباه إلى أنها لا تعكس اهتمامات المستخدمين بشكل مباشر، بل نتيجة لخوارزميات تعالج خليطًا من (إشارات) المستخدمين. وفي ظل هذه المعادلات، يكون الوزن النسبي الأعلى لسرعة الصعود، وليس الاستمرارية، أو حتى عدد التدوينات؛ لذلك قد لا يظهر موضوع يتسم بصعود نظامي في قائمة الأعلى تداولًا حتى وإن كان محل اهتمام عدد كبير من التدوينات، في حين قد يعتلي موضوع جديد، يشهد صعودًا سريعًا في هذه القائمة، لفترة، قبل أن يفقد تسارعه؛ ومن هنا يرى الباحثان أن موقع تويتر يرفع من شأن الأخبار العاجلة، وسرعة انتشارها، على حساب القضايا المهمة وطويلة المدى(16).

بالإضافة إلى طابع التسارع، تمثِّل سمة شَخْصَنَة النشاطية الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعي عائقًا آخر أمام النشاطية السياسية، والتي تعني أن السرد الفردي، بدلًا من تصورات الهوية الجماعية، يصبح أكثر أهمية في عملية التواصل والحشد، والذي قد يخلق لحظات من الشعور بالاجتماع (Togetherness)، إلا أنه من الصعب أن يتطور إلى بناء جماعة حول شبكات مستدامة، يمكنها أن تعمل كأساس لتوجهات سياسية مستقبلية.

من الناحية العملية، حققت فعاليات الاحتجاج والحملات الرقمية تأثيرًا لا يمكن إنكاره في كثير من الحالات، وتطور مفهوم المجال العام الرقمي عن مفهوم المجال العام الهابرماسي، كعنصر فاعل في تنظيم الحوارات، حول القضايا العامة، وتوجيه الرأي العام، والقدرة على الحشد والتنظيم، في الإطار العربي أكثر من غيره، ذلك لأن وظيفة المجال العام تتمايز بحسب طبيعة الأنظمة السياسية، ويُعَدُّ الخيار المتاح لشعوب الأنظمة الاستبدادية، رغم محاولات عديدة لضبطه واختراقه واستخدامه للمراقبة والمعاقبة، بفرض قوانين خاصة به، وهو قد يكون غير ضروري في حالة الشعوب التي تحكمها أنظمة ديمقراطية، لديها حرية النزول إلى الشارع.

2. أدبيات المقاطعات الاستهلاكية

يُعرِّف مونرو فريدمان (Monroe Freidman) المقاطعة الاستهلاكية بأنها "محاولة من قبل طرف أو أكثر لتحقيق أهداف معينة، من خلال حثِّ المستهلكين على الامتناع عن القيام بمشتريات محددة في السوق"(17). ويميز أنواع المقاطعات الاستهلاكية بعدد من المعايير، منها: المقاطعات ذات التركيز الإعلامي والمقاطعات ذات التركيز الفعلي، وتشير الأولى إلى نوع من المقاطعات يُعلي من الجانب الإعلامي بالتركيز على مهاجمة صورة الكيان المُستهدف بالمقاطعة، على حساب تنفيذ المقاطعة في السوق، والتي قد تتطلب موارد أو ظروفًا تسمح ببعض الممارسات المصاحبة للامتناع عن العلميات الشرائية، كالتظاهر أو الاعتصام أمام الشركات أو الأسواق. غير أن الباحث يستدرك بأن بعض المقاطعات قد تعكس البعدين، أو تبدأ بصبغة إعلامية قوية، قبل أن تتحوَّل إلى ممارسات واقعية، أو العكس.

ومن المهم الانتباه هنا إلى أن هذا التمييز سابق على صعود مواقع التواصل الاجتماعي كأداة إعلامية، وبالتالي من المفيد النظر في هذا التوازن بين الإعلامي والفعلي في إطار هذا الصعود، كما يراه المتشائمون من استخدام التكنولوجيا بشكل عام كأداة احتجاجية غير مؤثِّرة على الواقع، كما سبقت الإشارة إليه.

وفي سياق مقاطعة المنتجات الاستهلاكية أيضًا، يرى فريدمان أن المقاطعات تتمايز فيما بينها طبقًا لأهدافها؛ فهناك مقاطعات أداتية (Instrumental) ومقاطعات تعبيرية (Expressive)، حيث تستهدف الأولى تحقيق أهداف عملية، في حين تهدف الأخرى إلى مجرد محاولة للتنفيس عن الغضب، والإحباط المرتبط بالاستياء، من سلوك الكيان المستهدف بالمقاطعة. ويرى فريدمان أيضًا أنه قد ينتج نوع مختلط من المقاطعات، يتضمن أهدافًا عملية وتعبيرية يطلق عليها مقاطعات عقابية (Punitive Boycott)، وهي تختلف عن الأداتية من حيث كونها لا تسعى إلى "تصحيح" ممارسات الكيان المستهدف بالمقاطعة، بل معاقبته على تلك الممارسات، التي قد يكون المقاطعون في الحقيقة مقتنعين بأنه لا يمكن التراجع عنها. وهذا النوع من المقاطعة، وإن كان ذا أهداف تعبيرية، إلا أنه أيضًا كما يرى فريدمان نفسه يمثِّل إشارة، سواء أكانت للكيان المستهدف بالمقاطعة أو للكيانات الأخرى، بأن أي إساءة مستقبلية لن تمر دون تكلفة؛ لذلك قد يكون هذا النوع من المقاطعة تعبيريًّا في المدى القصير وأداتيًّا في المدى الطويل(18).

ويُقدِّم أندرو جون (Andrew John) وجيل كلين (Jill Klein) معالجة مختلفة، في إطار أدبيات علم النفس، ونظريات العمل الجماعي، وينقلان النقاش إلى دوافع مشاركة الأفراد في المقاطعة، على الرغم من مشاكل العمل الجماعي المعروفة؛ كالاعتقاد بضآلة التأثير الفردي، والركوب المجاني. ويقترحان بهذا الصدد أن ما يوازن هذه المشاكل الأداتية منطلقات وأهدافًا تعبيرية، تدفع الأفراد للمشاركة في المقاطعة، أهمها: أن الدعوة إلى المقاطعة عادة تكون نتيجة لفعل صادم أو فظيع (Egregious Act)، وبالتالي يكون التعبير عن الغضب والاستياء من هذا الفعل دافعًا أساسيًّا للمشاركة. وانطلاقًا من أدبيات علم النفس يشير الباحثان إلى حالة ذهنية، تجمع بين التعبيري والأداتي، وتمثِّل دافعًا آخر للمشاركة، والتي تنعكس في رغبة الأفراد في المشاركة، لتحقيق الرضا عن النفس، من خلال القيام بما هو "صحيح" أخلاقيًّا، بالإضافة إلى اعتقاد التأثير ووَهْم التحكُّم، والذي يعني حاجة الفرد إلى الاعتقاد بالتحكم في بيئته(19)، وقد يؤدي ذلك إلى المبالغة في العلاقة بين الأفعال والنتائج.

وفيما يخص الدراسات التي تناولت موضوع المقاطعة الاقتصادية وعلاقتها بمواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي فهي قليلة، وتكشف في مجملها عن جوانب تتعلق بحجم المشاركة، وتوجهات المستخدمين تجاه حملات المقاطعة الرقمية. وقد نُشِرت دراسة حديثة (بعنوان "تعرُّض الشباب الجامعي لقضية الإساءة للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عبر الشبكات الاجتماعية وعلاقته بالسلم المجتمعي في مصر"(20)) عن العلاقة بين درجة تعرُّض الشباب الجامعي لقضية الإساءة للرسول ﷺ عبر الشبكات الاجتماعية وتأثيره على السلم المجتمعي في مصر، واستخدمت المنهج الوصفي وأداة الاستبيان، على عينة قوامها 565 شابًّا بجامعتي المنيا والأزهر. وبيَّنت الدراسة أن 67.4% من الشباب يتابعون قضية الإساءة إلى رسول الله ﷺ على مواقع التواصل الاجتماعي دائمًا، و32.6% منهم يتابعونها أحيانًا، وليس من بينهم من لا يتابعها. ويعتقد 90.8% منهم بدور شبكات التواصل الاجتماعي في تفعيل مقاطعة المنتجات الفرنسية، وأن موقع تويتر يأتي في المرتبة الثانية من حيث تأثيره في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد موقع فيسبوك.

وهناك دراسة أخرى (بعنوان "تأثير الاتصالات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أزمة المنتج على سلوك الجمهور المصري نحو مقاطعة شرائه") حول تأثير الاتصالات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أزمة المنتج على سلوك الجمهور المصري نحو مقاطعة شرائه(21)، توصلت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي -مع تزايد استخدام الجمهور- أدَّت دورًا كبيرًا في تعرُّض العلامات التجارية للأزمات لما تتمتع به هذه الوسائل من سرعة عالية في نقل المعلومات وتفاعل الجمهور معها. 

وبيَّنت دراسة (بعنوان "إعلانات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأجنبية وتأثيرها على المستهلك العربي: دراسة وصفية مقارنة على عينة من المستهلكين المصريين والسعوديين") حول إعلانات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأجنبية وتأثيرها على المستهلك العربي(22)، باستخدام منهج المسح وأداة الاستبيان، من عينة من المجتمع المصري والسعودي، أن مواقع التواصل الاجتماعي تصدَّرت وسائل الإعلام الجديد في معرفة إعلانات المقاطعة للمنتجات الأجنبية، وأن 77% من المبحوثين يؤيدون إعلانات المقاطعة الاقتصادية لأسباب دينية بالدرجة الأولى ثم سياسية فاقتصادية، ثم ثقافية واجتماعية وأخيرًا رياضية. وأكد 81% من أفراد عينة الدراسة أنهم تأثروا بإعلانات المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر الحملات تأثيرًا على المستهلك العربي، هي: حملة "إلا رسول الله"، تلتها مقاطعة المنتجات الصهيونية، وأكثر أشكال التأثر طالت صورة الشركة المنتجة، وقرار الشراء للمنتجات.

وأُجريت دراسة (بعنوان "دراسة تحليلية باستخدام نموذج الجاذبية لتأثير المقاطعة الاقتصادية على واردات الدول الإسلامية من الدنمارك") حول أثر حملة المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدنماركية، التي انطلقت بعد نشر صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية صورًا مسيئة لنبي الإسلام في 2005، على واردات الدول الإسلامية من الدنمارك(23)، وتوصلت إلى أن تلك المقاطعة لم تكن فعَّالة بشكل كاف، كما أنها كانت لمدة قصيرة، وربطت ذلك بقلَّة نسبة مستخدمي الإنترنت في ذلك الوقت، لأن معظم حملات المقاطعة دُعِي إليها من خلال الإنترنت، بافتراض أنه كلما زادت نسبة مستخدمي الإنترنت تصبح المقاطعة أكثر فاعلية. وتوصلت كذلك إلى أن الدول العربية والإسلامية تقدِّم مصالحها الاقتصادية على المقاطعة، وخصوصًا العربية، وذلك بسبب انعدام الوعي بالمقاطعة وأهميتها في الدول العربية، مقارنة بالدول الإسلامية غير العربية، وقد يرجع ذلك إلى ضعف البنية الاقتصادية واعتماد الدول العربية على الواردات بشكل كبير مقارنة بالدول الإسلامية غير العربية.

لقد اعتمدت الدراسات السابقة على الأساليب الكمية، وأدواتها المعروفة، كالاستبانة والنماذج الإحصائية، وتتميز دراستنا باستخدام منهج تحليل الشبكات الاجتماعية الذي يوفر بيانات رقمية تختلف عن تلك التي يتم جمعها بالطريق التقليدية. ويتناسب هذا المنهج مع البيئة التي انطلقت وتفاعلت من خلالها الحملة، وهو يمكِّن من استكشاف شبكة العلاقات التي كوَّنت الشبكة، ومعرفة مضامينها، وأبرز المؤثرين فيها، وغيرها من البيانات الرقمية العميقة، ثم تحليلها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. وتأتي الدراسة في سياق توفير التراكم المعرفي الذي يُعين على المقارنة، واستخلاص النتائج، والفروق بين الحراكات ذات الطابع الاقتصادي/الاستهلاكي، وأشكال الاحتجاجات والسلوكيات الرقمية. وهي أيضًا دراسة متعددة التخصصات، شارك فيها باحثون من علم الاجتماع، والعلاقات الدولية، والاقتصاد، وتتَّبِع المنطق الاستقرائي في محاولة لتوصيف الحملة الرقمية وشبكة التفاعلات التي كوَّنتها، ومضامينها.

منهج الدراسة

1. منهج تحليل الشبكات الاجتماعية

ينشأ عن محادثات تويتر شبكة رقمية تُبْرِز كلَّ من يذكر شخصًا آخر، أو يشير إليه، أو ينشر، أو يعيد نشر التدوينات حول قضية ما، وقد تمكَّنت برامج حديثة من رصد جميع أشكال التفاعلات، وتحليلها، وتصوير الحشود المشاركة فيها رقميًّا، وتُعَدُّ هذه البرامج أدوات بحثية ضمن ما يُسمَّى منهج تحليل الشبكات الاجتماعية(Social Network Analysis)(24)، وهو منهج مختلط ومتعدد التخصصات يعمل على الكشف عن هيكل العلاقات بين الكيانات الاجتماعية، وكذلك تأثير تلك الهياكل على الظواهر الاجتماعية الأخرى، والتحقيق في نمط العلاقات الاجتماعية بين الفاعلين (المستخدمين). ويقوم تحليل الشبكات الاجتماعية على رسم الخرائط، وقياس العلاقات، والتدفقات بين الأشخاص والمجموعات والمؤسسات وأجهزة الكمبيوتر ومواقع الويب وغيرها من كيانات معالجة المعرفة، بحيث يكون هناك عقد/رؤوس (nodes/vertices) وهم الأشخاص، في حين تُظهر الروابط (edges\links)  العلاقات أو التدفقات بين العقد. وباختصار، يوفر تحليل الشبكات الاجتماعية تحليلًا بصريًّا ورياضيًّا للعلاقات الإنسانية، ويُقدِّم تحليلًا لمضمون بيانات الإعلام الاجتماعي وما فيها من مشاعر(25)، كما يُقدِّم صورة للشبكة الاجتماعية تمكِّن الباحث من تحديد نوع الشبكة وفقًا للشكل أو الهيكل الذي تبدو عليه محادثات المشاركين في الحديث حول موضوع ما. وقد توصل الباحثون في مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) بالتعاون مع مؤسسة أبحاث وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media Research Foundation) بعد تحليل الآلاف من الشبكات إلى أن الحوارات الرقمية عبر تويتر تنقسم إلى ستة أشكال من الشبكات الاجتماعية، بناء على طبيعة الحوار المكوِّن للمحتوى، والأفراد المشاركين في هذا الحوار أو النقاش الرقمي:

أولًا: المنقسم أو الحشود المستقطبة (Polarized Crowd): وهو يتشكَّل من مجموعتين كبيرتين متقاطبتين يندر الترابط بين أفرادهما، رغم تركيزهما على نفس الموضوع، وغالبًا ما تكون الموضوعات النقاشية المشكلة لهذه الشبكة ذات أبعاد سياسية أو موضوعات خلافية.

ثانيًا: والموحد أو الحشود المتراصة (Tight Crowd): وهو يتشكَّل من قِبَل أشخاص يناقشون رقميًّا موضوعات فيها جانب كبير من الاتفاق، مع عدد محدود جدًّا من الأشخاص المعزولين، وعادة ما تتشكَّل هذه الشبكة في النقاشات المهنية والمؤتمرات ومجموعات الهوايات.

ثالثًا: والمجزأ أو مجموعات العلامات التجارية (Brand Clusters): وهو يتشكَّل عندما يناقش الأشخاص عبر تويتر منتجات أو خدمات أو شخصيات معينة معروفة ومشهورة.

رابعًا: والمجمَّع أو المجموعات المجتمعية (Community Clusters): وهو يتشكَّل من مجموعات شبكية صغيرة، كل منها يناقش محورًا محددًا ضمن موضوع ما يخص المجتمع، ولكل مجموعة صغيرة جمهورها ومؤثروها ومصادر المعلومات الخاصة بها. ويوجد عدد من الأفراد المنعزلين في الشبكة ممن أبدوا رأيهم، ولكن لم تجد تدويناتهم اهتمامًا من الآخرين، فلم يشكِّلوا مجموعات أخرى.

خامسًا: والمتجه إلى الداخل أو شبكة البث (Broadcast Network)، وهو يتشكَّل عندما يقوم الأشخاص بإعادة تدوين ما تنشره حسابات المؤسسات الإعلامية، أو الإخبارية البارزة، وما يجمع الأفراد في الشبكة غالبًا هو الحساب الإخباري دون اتصال بعضهم ببعض، ونادرًا ما تتكوَّن مجموعات فرعية صغيرة من الأشخاص المرتبطين والمتابعين لبعضهم البعض والذين يناقشون الأخبار مع بعض.

سادسًا: والمتجه إلى الخارج أو شبكة الدعم (Support Network): وهو يتشكَّل عندما يقوم حساب خدمة العملاء للشركات عبر تويتر بالرد على العديد من المستخدمين، ومحاولة حلِّ مشكلاتهم، وهو عكس شبكة البث(26).

وسنتمكن في هذا البحث من تصوير الحشود التي شاركت في الحملة، والشبكة التي تكوَّنت حول مقاطعة المنتجات الفرنسية خلال فترة جمع البيانات، ثم نحدد نوع الشبكة ومعناها.

2. جمع البيانات وتحليلها

لتحقيق أهداف الدراسة والإجابة على السؤال الأول، استخدمنا برنامج (NodeXL)(27) لجمع البيانات وتحليلها، وتصوير شبكة حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، وتحديد نوعها، والتعرف على المستخدمين الأكثر تأثيرًا، والوسوم الأعلى مشاركة، والروابط الأعلى مشاركة، والمفردات الأكثر استخدامًا. وللحصول على مدى أوسع من البيانات، وبسبب كثرة الوسوم التي تستهدف المقاطعة، قمنا بإنجاز بحث عن الكلمات المفتاحية "مقاطعة المنتجات الفرنسية"، في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2020 و4 يناير/كانون الثاني 2021، جُمعت خلالها (108813) علاقة (edges)، تشكَّلت بنتيجتها (21298) علاقة من شكل عقد (node).

وللإجابة على بقية التساؤلات حول دوافع الحملة ومطالب المشاركين فيها، ومضامين التدوينات والموضوعات التي تمت مناقشتها، قمنا بجمع (40393) تدوينة، تمت تصفيتها وحذف المكرر ليصبح عددها (7107)، ثم اخترنا عينة عشوائية من (1000) تدوينة ليتم تحليلها باستخدام برنامج (MAXQDA)(28) الخاص بتحليل البيانات الكيفية. وقد تم ترميز العينة المختارة لغايات إجراء تحليل المضمون والتحليل الموضوعاتي إلى أن تحقق الإشباع النظري، ويتحقق الإشباع النظري عندما يتوقف ظهور موضوعات جديدة أثناء تحليل البيانات(29). وتم تصنيف الموضوعات المركزية التي ظهرت وفق مراحل الترميز الستة التي وضعتها فيرجينيا براون (Virginia Braun) وفيكتوريا كلارك (Victoria Clarke)(30).

عرض النتائج ومناقشتها

1. وصف الشبكة الاجتماعية لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر

في هذا الجزء سنعرض النتائج الخاصة بتحليل الشبكة الرقمية التي ظهرت في المدة التي جُمِعت فيها البيانات، وهي على ثلاثة مستويات: المستوى الواسع الذي يتناول صورة الشبكة كاملة وخارطتها التي تدل على نوعها وخصائصها، والمجموعات التي ظهرت فيها، والروابط والوسوم والتدوينات الأكثر تداولًا، والحسابات الأكثر تلقيًا للردود، ثم هناك المستوى المتوسط الذي يهتم بالمجموعات والموضوعات المتداولة فيها، أما المستوى الضيق فهو يركز على أهم المؤثرين في عموم الشبكة في أول ثلاث مجموعات.

1.1. المستوى الواسع: نوع الشبكة وخصائصها

شكل 1
الشكل (1): شبكة المدونين حول "مقاطعة المنتجات الفرنسية"  من 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى 4 يناير/كانون الثاني 2021

يمثِّل الشكل الأول شبكة تضم (21298) مستخدمًا لتويتر قاموا بالتدوين حول "مقاطعة المنتجات الفرنسية"، بين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020 و4 يناير/كانون الثاني 2021، شكَّلوا (108813) علاقة (edge) بينهم، توزَّعت على خمسة أشكال من العلاقات: إعادة تدوين (retweet) (29713)، ويليها (5901) تدوينة (tweet)، ثم الرد على التدوينات (reply) (2119)، ثم إشارة (mention) لشخص آخر في إعادة التدوين (1708)، وأخيرًا إشارة لشخص آخر بدون إعادة التدوين (950)، وذلك بعد حذف التدوينات المتكررة. وهذه التدوينات كلها كُتِبَت ونُشِرت خلال فترة جمع البيانات الخاصة بالدراسة، إلا أن ثلاثًا منها ترجع إلى حملة العام 2015، أُعِيد تدوينها في الحملة الحالية.

وقد أخفى أغلب المدونين في الشبكة موقعهم الجغرافي أو أشاروا إليه بتعبيرات رمزية، أما القلَّة المتبقية (316) مدونًا فقد كان أكثرهم من البلاد العربية، تليها دول أوروبية، مثل: بريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وغيرها، ثم أميركا الشمالية، وكندا، وأخيرًا دول مسلمة وتحديدًا تركيا، وماليزيا، وإندونيسيا.

  الشكل (2): توزيع مواقع المشاركين في حملة "مقاطعة المنتجات الفرنسية"

شكل 2
المصدر: من إعداد الباحثين استنادًا إلى بيانات تويتر

أما المشاركات من الدول العربية فجاء أغلبها من السعودية، ومصر، ثم الأردن، واليمن، والكويت، وسلطنة عُمان، تليها قطر، والمغرب، وغيرها من البلاد العربية، كما يظهر في الشكل أدناه.

الشكل (3): توزيع مواقع المشاركين في الحملة من الدول العربية

شكل 3
المصدر: من إعداد الباحثين استنادًا إلى بيانات تويتر

وبالعودة إلى صورة الشبكة في الشكل رقم (1)، نلاحظ ظهور عدة مجموعات مقسمة في مربعات، وتُسمَّى كل مجموعة وفق الوسوم الأكثر استخدامًا بين المدونين، ويظهر اسم المجموعة في أعلى كل مربع، ويتجمَّع المدونون الذين يتابعون، أو يذكرون، أو يردون على بعضهم بعضًا أو يستخدمون المصادر نفسها، أو يتحدثون في موضوع فرعي واحد معًا في مجموعة واحدة، وكلما زاد عدد الأشخاص المتصلين ببعضهم داخل المجموعة أصبحت أكثر كثافة (Density)، وقلَّ ارتباطهم بأشخاص خارج مجموعتهم.

ولأن المجموعات ترتبط معًا بشكل كثيف جدًّا، مع وجود بعض الأشخاص الذين يدونون بشكل منعزل عن الآخرين، فإن شكل هذه المجموعة أقرب ما يكون إلى الحشود المتراصة، ويتميز هذا النوع من الشبكات بنقاشات من قِبَل أشخاص متشابكين رقميًّا بشكل ممتاز، مع عدد محدود جدًّا من الأشخاص المنعزلين كما يظهر في الشبكة. كما أن الشبكة تحمل بعض خصائص الشبكات المجتمعية، التي تتشكَّل عند تنوع الموضوعات والأفكار فيتناولون القضية ذاتها من زوايا نظر مختلفة، لكنها لا تكون متضادة، وهو ما يؤدي إلى تشكُّل عدة مجموعات، لكل منها جمهورها، ومؤثِّروها، ومصادر المعلومات الخاصة بها. كما تظهر مجموعة من الأفراد المنعزلين الذين يتحدثون حول الموضوع، دون أن يشاركهم أحدٌ تدويناتهم. ويؤكد غياب ظهور حشود مستقطبة في الشبكة أن نشطاء الحملة متفقون ولا تظهر بينهم انقسامات واضحة، إلا في حالات قليلة جدًّا، وهي لم تتحول إلى مجموعة مؤثرة(31). وهذا مؤشر على قوة الحملة وأحد أسباب استمراريتها.

1.1.1. المواقع الأعلى تداولًا في الشبكة

استندت الشبكة إلى مجموعة من مصادر المعلومات (Domains) تراوحت في أهميتها وفقًا لتكرار استخدامها من قِبَل المدونين، كما في الجدول أدناه (رقم 2).

الجدول (2): المواقع الأكثر استخدامًا في الشبكة

م

التكرار

اسم الموقع

1

863

twitter.com

2

227

youtube.com

3

142

google.com

4

27

mc-doualiya.com

5

25

facebook.com

6

20

islamreligion.com

7

16

office.com

8

16

lejdd.fr

9

15

aljazeera.net

10

9

msf-online.com

المجموع

1360

وقد حظي رابط ملف خاص بالأدوية الفرنسية وبدائلها بمرتبة الأعلى تداولًا بين المشاركين(32)، يليه رابط ندوة في موقع يوتيوب نظَّمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن "مقاطعة المنتجات الفرنسية بين المحصول والمأمول"(33). كما انتشر تقرير صحفي لإذاعة مونت كارلو الدولية عن "جرائم قتل الزوجات في فرنسا: ارتفاع وغموض"(34)، وكذلك تقرير لقناة صادق الإخبارية بعنوان "مجلس الدولة الفرنسي يوجه صفعة مزدوجة لماكرون وحكومته"(35)، وبث مباشر لقناة شؤون إسلامية عن "الرجل الثاني في فرنسا: الصناعة الفرنسية تعيش أزمة!"(36).

2.1.1. الوسوم الأكثر تداولًا في الشبكة

الجدول (3): الوسوم الأكثر استخدامًا في الشبكة

م

التكرار

الوسم

1

4751

مقاطعة_المنتجات_الفرنسية

2

4039

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه

3

2757

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه51

4

2514

إلا_رسول_الله

5

2313

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه50

6

2217

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه62

7

1882

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه53

8

1722

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه52

9

1668

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه54

10

1564

مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه60

المجموع

25427

وكما يظهر في الجدول رقم (3)، فإن وسوم المقاطعة العامة (مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه)(37)، والوسوم اليومية المرقمة، اكتسحت الشبكة عمومًا، وجاء وسم (إلا_رسول_الله) في المرتبة الرابعة، كما ظهرت في الشبكة وسوم المقاطعة المرقمة بين 50-62 وهي الأيام التي جمعت فيها البيانات.

3.1.1. التدوينات الأكثر تداولًا والحسابات الأكثر تلقيًا للردود

أهم التدوينات التي حظيت بالاهتمام والتكرار في الشبكة عامة هي على التوالي:

- "هي لله... المقاطعة منهج حياة. قاطعوا المنتجات الفرنسية نصرة لخير البرية".  

- "مر شهران على حملة #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه. إيمانويل #ماكرون يراهن على عامل الوقت وفتور العزيمة، ونحن نراهن على محبة النبي(ﷺ) في القلوب. هي لله...المقاطعة منهج حياة، قاطعوا المنتجات الفرنسية نصرة لخير البرية".

- "السلطات الفرنسية تغلق المدرسة الوحيدة بالعاصمة #باريس التي تسمح لطالباتها بارتداء الحجاب بدعوى ممارسة الانفصالية".

- "من سأل عن المحلات التي تعود ملكيتها لفرنسا هنا، من المهم أن تنخفض جزء أرباح الشركات حتى تضغط على الحكومة الفرنسيه وتمنع من ترشحها لرئاسة أخرى". https://t.co/WrBqOR4ZOX

- "لم ننس المقاطعة، فقد صارت أسلوب حياة بالنسبة لنا لا مجرد هاشتاغ".

ويلاحظ إعلان المدونين المشاركين في الحملة أن المقاطعة ليست مجرد رد فعل، وإنما أسلوب ومنهج للحياة، كنوع من التأكيد والعزم على الاستمرار، كما يبدو الاهتمام بعامل الزمن الذي لم يؤثر في فتور عزيمة المشاركين في الحملة. ويشير شيوع أخبار تعنت السلطات الفرنسية وموقفها من المظاهر الإسلامية إلى الحرص على رصد مثل هذه المواقف، التي تشكِّل وقودًا لقوة الحملة واستمرارها، وتعويل النشطاء على خسارة ماكرون السياسية، نتيجة الضغوطات الاقتصادية. وأظهرت البيانات أن حساب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون (emmanuelmacron)، كان الأعلى في تلقيه للردود، يليه حساب خاص بمقاطعة المنتجات الفرنسية (franceboycottee) الذي أُغْلِق من إدارة تويتر لاحقًا، كما ظهر التفاعل النشط مع حساب كارفور السعودية (carrefoursaudi)، وشبكة رصد (rassdnewsn)، إلى جانب حسابات شخصية لناشطين في المجال الديني والسياسي.

وتعليقًا على ذلك، فإن غالبية الشركات تسعى إلى إخفاء مقدار تضررها من المقاطعة؛ لأن التضرر الكبير لهذه الشركات يؤدي إلى تحفيز المقاطعة، فشركة كارفور سعت للنأي بنفسها عن آثار المقاطعة، من خلال ادعائها بأن 95% من منتجاتها محلية، وليست فرنسية المصدر(38)، كما حاولت التركيز على إسهامها الإيجابي في سوق العمل المحلية بقولها بأنها توفر 2.800 فرصة عمل، وأن 40% من عمالها سعوديو الجنسية. وبالتأكيد، فإن هذا التوضيح يهدف إلى التأثير على دعوات المقاطعة الاقتصادية، ومحاولة التخفيف من حدتها.

1.2. المستوى الوسط والضيق: المجموعات والمؤثرون في الشبكة

تتكوَّن الشبكة من ثلاث مجموعات كبيرة، وثلاث متوسطة، وكثير من المجموعات الصغيرة والمغردين المنفردين. وهناك أشخاص محوريون (Hubs)، يتموضعون في مواقع استراتيجية في قلب كل مجموعة، وآخرون يشكِّلون جسورًا بين المجموعات Bridges))، وهي مواقع المؤثرين.

1.1.2. المجموعة الأولى: دينية وسياسية

تظهر المجموعة الأولى كأكبر تجمع حول قضية مقاطعة المنتجات الفرنسية، وهي من نوع "شبكة البث" تتكوَّن من (4960) مستخدمًا، تشكَّلت بينهم (5262) رابطة، وقد حظيت إحدى الشخصيات الدينية الشهيرة بالدرجة الأولى بتفاعل واسع من الناشطين (in-degree centrality= 6915) عن طريق ذكر اسمه في تدويناتهم مع جزء من لقاء تليفزيوني معه حول موضوع المقاطعة(39).

أما أبرز التدوينات في المجموعة الأولى فلا تخرج عن إطار الموضوعات التي طُرحت في عموم الشبكة، مثل:

- "هي لله... المقاطعة منهج حياة. #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه51، قاطعوا المنتجات الفرنسية نصرة لخير البرية".

- "مر شهران على حملة #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه61، إيمانويل #ماكرون يراهن على عامل الوقت وفتور العزيمة، ونحن نراهن على محبة النبي(ﷺ) في القلوب".

الشكل (4): سحابة الكلمات في تدوينات المجموعة الأولى

شكل 4

وتُظهِر سحابة الكلمات في الشكل رقم (4) أن المجموعة الأولى ذات مضامين دينية بالدرجة الأولى، وسياسية بالدرجة الثانية، فقد ورد الحديث فيها عن رجب طيب أردوغان، وأوروبا، والدولة العثمانية الجديدة، وإيمانويل ماكرون. كما يظهر تضمنها لاستبانة لقياس الاتجاهات والآراء والمواقف، كما أن هناك حديثًا عن العزيمة والفتور.

أما أهم الروابط التي استخدمت فهي استبانة إلكترونية لدراسة: "اتجاهات الرأي العام العربي حول موقف الحكومة الفرنسية المؤيد للرسوم الكرتونية المسيئة للرسول محمد ﷺ"(40) تليها مقالة عن المقاطعة(41)، وبعدها خبر ندوة بعنوان: "ثلة من العلماء يؤكدون الاستمرار في مقاطعة المنتجات الفرنسية وبيان مشروعيته وأهميته شرعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا"(42). وكثرت في المجموعة وسوم يوميات المقاطعة إلى جانب وسم (ماكرون).

2.1.2. المجموعة الثانية: دينية واقتصادية

تتكوَّن المجموعة الثانية من (2973) مستخدمًا تشكَّلت بينهم (9517) علاقة، وهي من نوع شبكة (البث)، تَحَلَّق أعضاؤها حول حساب خاص بمقاطعة المنتجات الفرنسية، وتستهدف أبرز تدويناتها المنتجات الفرنسية ونشر الأخبار والتوعية الاقتصادية، ومخاطبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من خلال حسابه الشخصي على تويتر، مثل:

- "من سأل عن المحلات التي تعود ملكيتها لفرنسا هنا، من المهم أن تنخفض جزء أرباح الشركات حتى تضغط على الحكومة الفرنسيه وتمنع من ترشحها لرئاسة أخرى".   https://t.co/WrBqOR4ZOX

- "لا تغسل وجهك بالنفايات الفرنسية صابون جوي ديور فرنسي قاطعوه وكل منتجات شركة ديور".  

- "@EmmanuelMacron النازية الفرنسية تفوقت على نازية هتلر".

- "أغذية وحليب أطفال تابع لشركة رونيسكا الفرنسيه، البدائل كثيره في الصيدليات".

- "اندماج "الصافي" السعودية و"دانون" الفرنسية.

الشكل (5): سحابة الكلمات في تدوينات المجموعة الثانية

شكل 5

تشير سحابة الكلمات إلى بروز المحتوى الديني، وبعده المحتوى الاقتصادي، فقد ورد فيها الحديث عن الشركات المستهدفة بالمقاطعة، وعن الحملات المضادة من خلال التخفيضات، وعن الأرباح. كما تضمنت مواضيع سياسية وتحدث فيها المشاركون عن النازية، وهتلر، والحكومات، وتضمنت أيضًا مشاركات باللغة الإنجليزية.

أما أبرز الروابط التي شاركَها أعضاءُ المجموعة، فهي: ملف من 64 صفحة يتضمن قائمة بالأدوية الفرنسية وبدائلها(43). كما تَشَارَكَ أعضاءُ المجموعة ملفًا آخر من 65 صفحة، يتضمن قائمة بالمنتجات الفرنسية وبدائلها(44). يليها رابط يوتيوب لتقرير صحفي من قناة صادق الإخبارية بعنوان "تابع اليوم أكبر ندوة علمية عالمية عن مقاطعة المنتجات الفرنسية"(45). كما تداول أعضاء المجموعة روابط لصفحات باللغة الفرنسية، تتحدث عن صفات الرسول عليه الصلاة والسلام(46).

ونشير هنا إلى أن نشر قوائم المنتجات الفرنسية المستهدفة من المقاطعة، وتقديم بدائل للمنتجات المستهدفة دليل على الاهتمام بقضية الاستمرارية، فلا يمكن مقاطعة بعض المنتجات الحيوية بدون وجود بدائل لها، وهذا مؤشر على قابلية الحملة للاستمرار.

وقد كان حساب إيمانويل ماكرون الرسمي على تويتر (emmanuelmacron) الأكثر تلقيًا للرود من قبل أعضاء هذه المجموعة، أما الحساب الأكثر إشارة له فكان حسابًا خاصًّا بمقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر وهو (jsgnoyerx0ooosc).

3.1.2. المجموعة الثالثة: دينية بلغات مختلفة

تتكوَّن المجموعة الثالثة من (2938) مستخدمًا منفردًا، وتشكَّلت بينهم (2938) علاقة لولبية (self-loop) أي إنهم كانوا يعيدون نشر تدويناتهم. وأكثر التدوينات انتشارًا: "هي لله... المقاطعة منهج حياة. #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه، قاطعوا المنتجات الفرنسية نصرة لخير البرية". أما المدونون الأكثر إسهامًا في هذه المجموعة فهم شخصيات غير معروفة. وكانت أهم الوسوم -إلى جانب وسم المقاطعة العام واليومي- مرتَّبة حسب التكرار كالتالي: (إلا_رسول_الله)، و(boycott_french_products)، و(رسولنا_خط_أحمر)، و(إلا_حبيب_الله)، و(ماكرون_يسئ_للنبى)، و(مقاطعه_المنتجات_الإماراتيه).

الشكل (6): سحابة الكلمات في تدوينات المجموعة الثالثة

شكل 6

ويلاحظ من الشكل (6) أن مضامين المجموعة الثالثة دينية بالدرجة الأولى، إلا أنها كانت باللغات الأجنبية، وتحديدًا الإنجليزية والفرنسية، وتتميز هذه المجموعة بتركيزها على الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإماراتية.

أما أهم الروابط الإلكترونية التي انتشرت، فكانت لصفحات شخصية، تتضمن صورة ليدين تمسكان معًا، وقد كُتِب عليها: مستمرون ملتزمون على خلفية علم فرنسا، وعليه إشارة Xـ يليها رابط لصفحة شخصية أخرى تتضمن تدوينة مفادها: "اقتصاد الإمارات يعاني من أزمة كبيرة حاليًّا، والخسائر الفادحة تُطارِد شركاتها التي أغلق معظمها أبوابها. وبالتالي، فإن #مقاطعة_المنتجات_الإماراتية ستعمِّق من أزمتها الاقتصادية بشكل يُجبرها على مراجعة سلوكها الوقح تجاه الدول العربية وشعوبها"، وكذلك رابط يوتيوب لفيديو من حساب (شؤون إسلامية) يحمل عنوان: "الرجل الثاني في فرنسا: الصناعة الفرنسية تعيش أزمة!"(47).

2. تحليل مضمون التدوينات: حملة دينية بسلاح اقتصادي وهدف سياسي

ظهرت تدوينات الشبكة بأشكال متنوعة، كالنصوص، والصور، والتصاميم، والمواد الإخبارية، والأفلام المسجلة، وهو ما جعل مضامينها غاية في العمق والثراء، وقد اكتفى هذا البحث بدراسة مضامين النصوص فقط، مع النظر في الصور والأفلام، إذا كانت مرتبطة بنصوص. ومن اللافت للنظر في هذه الحملة ظهور أعداد كبيرة جدًّا من التصاميم المعبِّرة فنيًّا عن الحملة من جهة دوافعها وأفكارها وأهدافها، وتصلح أن تكون مضامينها موضوع دراسة منفصلة.

وفيما يلي نعرض نتائج التحليل الكيفي لنصوص العينة العشوائية المكونة من (1000) تدوينة، خلال مدة جمع البيانات، باستخدام برنامج (MAXQDA)، ونبدأ بنتائج تحليل المضمون، كما يبيِّن الجدول رقم (4)، فقد صُنِّفت المحتويات من حيث نوعها، والدول، وأسماء الشخصيات، والوسوم التي تم تداولها، وهي مرتبة بحسب التكرارات.

الجدول (4): مضامين التدوينات في العينة العشوائية

نوع المحتوى

الدول

الشخصيات

الوسوم

- ديني

- اقتصادي

- سياسي

- اجتماعي

- فكري

- فني إعلامي

 

- فرنسا

- الإمارات

- تركيا

- مصر

- فلسطين

- الجزائر

- الكويت

- المغرب

- قطر

- تونس

- الصين

- الأردن

- محمد ﷺ

- إيمانويل ماكرون

- عبد الفتاح السيسي

- علي عزت بيجوفيتش

- شخصية دينية

- رجب طيب أردوغان

- محمد بن زايد

- عمر المختار

- محمد بن سلمان

 

- الوسم العام للمقاطعة

- وسوم يوميات المقاطعة مرقمة

- وسوم دينية

- وسوم أخرى

1.2. المحتوى: الدين كمحفز والاقتصاد كأداة والسياسة كهدف

يُظهر الشكل رقم (7) غلبة المحتوى الديني، ولا عجب في ذلك، فالدفاع عن الدين ونبي الإسلام هو المحفز الأساسي لانطلاق الحملة، ثم جاء المحتوى الاقتصادي بالدرجة الثانية كأداة أو سلاح رئيسي يمكن استخدامه في حملة مقاطعة منتجات دولة ما، ثم جاء المحتوى السياسي بالدرجة الثالثة، تعبيرًا عن البعد السياسي الذي حملته حادثة إعادة نشر الصور المسيئة لنبي الإسلام، بعد أن قامت الحكومة الفرنسية بنشرها على المباني الحكومية، كما ظهرت المحتويات الاجتماعية والفكرية والفنية والإعلامية على التوالي بدرجات متواضعة. ويمكن القول بأن الحملة استخدمت الإعلام الاجتماعي حاضنًا أساسيًّا لها، واستخدمت أيضًا الفنون في إنتاج عدد هائل من التصاميم الفنية الغنية بالرموز كما سبقت الإشارة.

الشكل (7): نوع المحتوى في تدوينات المقاطعة

شكل 7
المصدر: من إعداد الباحثين استنادًا إلى بيانات تويتر

ويُظهِر الشكل رقم (8) أن المحتوى الديني يتضمن أشكالًا من الذكر، وعلى رأسها: الصلاة على النبي، ثم التسبيح والاستغفار، والتكبير، والتلبية. كما تضمن المحتوى الديني الكثير من الدعاء بالبركة، والأجر العظيم لكل من شارك في الحملة، ونال إيمانويل ماكرون وفرنسا حظًّا وافرًا من الدعاء إلى الله بجعلهم "عبرة لكل من يعادي الإسلام والمسلمين". T0948, Pos. 2)).

الشكل (8): أشكال المحتوى الديني في تدوينات الشبكة

شكل 8
المصدر: من إعداد الباحثين استنادًا إلى بيانات تويتر

كما أورد المدونون نصوصًا عديدة في حب الرسول ومدحه، واستعانوا بنصوص قرآنية لإيصال رسائل تخدم قضيتهم؛ فاستعانوا بآية: ﴿أَم حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخرِجَ ٱللَّهُ أَضغَٰنَهُم﴾ (سورة محمد: الآية 29) عند الحديث عن موقف النخب الليبرالية من الإساءة للرسول الكريم. و﴿فَإِن لَّم تَأتُونِي بِهِۦ ‌فَلَا ‌كَيلَ لَكُم عِندِي وَلَا تَقرَبُونِ﴾ (سورة يوسف: الآية 60) للتدليل على أن المقاطعة الاقتصادية من منهج الأنبياء، و﴿إِنَّا كَفَينَٰكَ ٱلمُستَهزِءِينَ﴾ (سورة الحجر: الآية 95)، و﴿مَن ‌كَانَ ‌يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأخِرَةِ فَليَمدُد بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاءِ ثُمَّ ليَقطَع فَليَنظُر هَل يُذهِبَنَّ كَيدُهُۥ مَا يَغِيظُ﴾ (سورة الحج: الآية 15) و﴿وَلَا تَحسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَوم تَشخَصُ فِيهِ ٱلأَبصَٰرُ﴾ (سورة إبراهيم: الآية 42)، وغيرها من النصوص الدينية لتعزيز الثقة بنصر الله لرسوله والمؤمنين.

أما بقية النصوص الدينية فتنوعت ما بين حديث شريف، أو مقولات دينية، أو تعريف بالدين الإسلامي، وفتاوى حول المقاطعة، كما ظهرت محتويات دينية ذات طابع تكفيري متطرف، منها تداول نص من كتاب "الصارم المسلول" لابن تيمية، وفتاوى متشددة حول تحريم تهنئة المسيحيين بعيد رأس السنة الميلادية، ولكنها قليلة جدًّا.

وكما سيظهر لاحقًا، فإن الناشطين دعوا إلى تقديم محتوى سهل ليتمكَّن عامة الناس من المشاركة في الحملة، ويشير معظم هذا النوع من المحتوى إلى أن الدين هو الملجأ الأخير للشعوب إذا أعياها التمكُّن من أدوات السياسة والاقتصاد.

2.2. الدول: وقفة شعبية عربية مباشرة ضد فرنسا وحلفائها

أكثر الدول التي ذُكِرت في الشبكة هي فرنسا لكونها المعنية مباشرة بحملة المقاطعة، إلا أن ظهور دولة الإمارات إلى جانب فرنسا من خلال الدعوة لمقاطعة منتجاتها كان لافتًا للنظر، وقد استُخدِم في ذلك وسم خاص، تداوله المدونون، معتبرين أن "الإمارات وفرنسا أكثر دولتين ضرا الإسلام والمسلمين ومقاطعتهن واجب ديني" (T0088,Pos. 1)، واتُّهِمَت بمحاربة الإسلام والتآمر على أهله ومساندتها للرئيس، إيمانويل ماكرون، وتداولوا خبر افتتاح أربع شركات إسرائيلية مصانع لها هناك.

وظهرت تركيا بالمستوى الثالث من الأهمية، وقد ذُكرت في سياق الدعوة إلى مقاطعة منتجاتها: "الإماراتية، الفرنسية، التركية ياليت تنحظر والبديل المنتج الوطني وإذا تعذر اليونان وإسبانيا منتجاتهم ممتازة" (T0479, Pos. 2)، إلى جانب الثناء عليها والاحتفاء بمواقف وزير خارجية تركيا الذي "لقَّن الوفد الفرنسي درسًا عن تاريخهم الأسود بعكس بعض الدول العربية التي تدافع عن ماكرون وحكومته". (T0145, Pos. 3). وظهرت مصر في سياقات زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى فرنسا المتزامنة مع حملة المقاطعة، ودمج نشطاء مصريون دعمهم لحملة المقاطعة بمطالبات للإفراج عن بعض المعتقلين في مصر، والشكوى من الإهمال، وأخبار اللقاحات ضد فيروس كورونا في مصر.

وقد أكد المدونون على عروبة فلسطين وأهمية القدس، ومكانتها في قلوب المسلمين، وأن "القضية الفلسطينية هي بوصلة الحق في هذا الزمان" (T0124, Pos. 1)، كما طُرِحت قضية الجزائر، ومعاناتها مع الاستعمار الفرنسي، وتاريخ جرائمه على مدى 132 سنة، وتداول المدونون صور جماجم الثوار الجزائريين مع تعليقات مستنكرة لادعاء فرنسا احتضانها للقيم والحريات. أما الكويت، فقد ظهرت من خلال نشطائها الذين كانوا من أوائل الدعاة للحملة، ونشروا صورًا وأخبارًا عن مقاطعة جمعيات الكويت التعاونية للمنتجات الفرنسية، ووقف التعاون بين جمعية الكاريكاتير الكويتية مع أية منظمة بالعالم تنشر رسومات مسيئة لنبي الإسلام، واستغل ناشطون كويتيون آخرون الحملة للتذكير بقضية البدون. وظهر المغرب في أكثر من سياق كرفض المغاربة للتطبيع، و"التفرنس"، وتعليم اللغة العربية للأبناء، كما ظهر في سياق خبر لجوء شركة "رينو" لمصانع المغرب لتخفيض كلفة إنتاج سياراتها. أما بقية الدول كقطر، وتونس، والأردن، فقد ظهرت في سياقات تغطية أخبار المقاطعة فيها، كما ظهرت الصين في الدعوة إلى المقاطعة كذلك.

وتمثِّل الدولُ التي ظهرت في الشبكة الأطرافَ المختلفة الفاعلة في القضية، والموقف الشعبي العربي منها، تأييدًا واستنكارًا. ويُلاحظ أن السعودية لم تظهر كثيرًا في المحتوى، رغم كون أغلب المشاركين في الحملة منها.

3.2. أهم الشخصيات: محمد عليه الصلاة والسلام

يظهر نبي الإسلام محمد ﷺ، كشخصية مركزية في مضامين الشبكة، وقد ورد ذكره بأكثر من طريقة، مثل: محمد، نبينا، رسولنا، رسول الله، في سياقات الدفاع عنه، ومدحه، وذكره والصلاة عليه. ولا عجب في ذلك؛ لأن حملة المقاطعة ارتبطت بشكل أساسي بحوادث الإساءة المتكررة لشخصه الكريم، وهو نبي نحو 2 مليار مسلم حول العالم(48).

ثم ورد ذكر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في سياقات النقد الشديد، فهو "يلقي خطابات عظيمة لمواطنيه حول أهمية القيم الفرنسية، لكنه يكرم في نفس الوقت الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المتهم من قِبَل العالم كله بانتهاك حقوق الإنسان" (T0060, Pos. 1) وقد اعتبروا ذلك ازدواجية صارخة في المعايير. كما اتُّهِم بتبنِّي الرسوم المسيئة من خلال إعادة نشرها على المباني الحكومية، وما وجَّهَه له رئيس وزراء باكستان، عمران خان، من تقريع: "من المؤسف أن ماكرون اختار تشجيع الإسلاموفوبيا بمهاجمة الإسلام واستفزاز المسلمين عمدًا، بما في ذلك مواطنيه المسلمين" (T0061, Pos. 1)، وردود فعله على حملة المقاطعة، كتدوينه باللغة العربية على حسابه في تويتر، وتوقعاتهم بتقديمه اعتذارًا للمسلمين، وتمنياتهم بعزله من منصبه، إذا ما ضغط عليه أصحاب رؤوس الأموال. وقد ورد اسم إيمانويل ماكرون في عدة وسوم منها: وسم (#ماكرون_يسئ_للنبى)، (#ماكرون_خنزير_فرنسا)، وتداول المدونون بكثرة خبر إصابته بفيروس كورونا، وقد ظهرت زوجته بأكثر من صورة تهكمية.

ومن اللافت للنظر انتقاد الناشطين للرئيس المصري وولي عهد كل من الإمارات والسعودية، وتعرُّض أردوغان لخطابات متناقضة مدحًا وذمًّا. واللافت أيضًا استدعاء شخصيات تاريخية مثل علي عزت بيجوفيتش، من خلال مقولته: "دعت الثورة الفرنسية إلى العقل، وباسم العقل قَطعتْ بالمقصلة رؤوس الآلاف من العقلاء"، وعمر المختار بمقولته الشهيرة: "نحن لن نستسلم: ننتصر أو نموت".

الشكل (9): الشخصيات التي ورد ذكرها في التدوينات

شكل 9
المصدر: من إعداد الباحثين استنادًا إلى بيانات تويتر

وقد ظهر اسم أحد القادة الدينيين المعاصرين بشكل واضح من خلال مشاركاته الإعلامية، وقد يُعَدُّ ذلك أحد عناصر القوة في الحملة إذا نظرنا إليه في ضوء ما توصلت إليه دراسة تجريبية، تناولت تأثير القادة الدينيين على سلوك المستهلكين في حملات المقاطعة، وأن المشاركة في المقاطعات ذات الدوافع الدينية تكون أقوى تأثيرًا لدى المستهلكين عندما يدعمها زعيم ديني(49).

4.2. الوسوم: المقاطعة.. وإلا رسول الله

بدأت الحملة بالوسم العام (#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية)، وهو وسم قديم ظهر أولًا خلال العام 2012، وتكرر ظهوره في مناسبات عدة، كما أوضحنا سابقًا. واللافت للنظر في هذه الحملة أن وسم المقاطعة أصبحت تلحق به أرقام متسلسلة، تعبِّر عن عدد الأيام التي مرَّت من بداية حملة المقاطعة، وظهر أول وسم يحمل رقم (1)، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

ولم تقتصر وسوم المقاطعة على اللغة العربية، بل ظهر مثلها باللغتين الفرنسية والإنجليزية. كما ظهرت وسوم تدعو لمقاطعة منتجات دول أخرى، أكثرها: الإماراتية، ثم التركية، والصينية. وكثرت الوسوم المعبِّرة عن حب الرسول، والدفاع عنه، مثل (إلا_رسول_الله)، و(#أمة_واحدة). واستغل ناشطون تصدُّر وسوم المقاطعة للتعبير عن قضايا أخرى كالتطبيع، وإطلاق سراح بعض المعتقلين، وغيرها من أسماء البلدان، والموضوعات المتعددة، التي تعبِّر عن مطالب وقضايا محلية، في بعض الدول العربية على وجه التحديد. وهذا سلوك رقمي يستغله كثيرون من أجل الترويج للقضايا، والدعاية للخدمات والمنتجات المختلفة.

وبهدف معرفة أسباب تصدُّر الوسوم اليومية، رجعنا إلى بدايات الحملة، وتدوينات اليوم الأول من الحملة، للكشف عن الاستراتيجية التي مكَّنت الناشطين من التغلب على خصائص تويتر في رفع الوسم اللحظي، وتبيَّن تبنِّيهم لما يلي:

أ- الوسوم اليومية المرقمة: الدعوة إلى تبني سياسة الوسم اليومي وذلك لتجاوز نظام رفع الوسوم المتصدرة في خوارزميات تويتر.

ب- الاستعانة بالأشخاص المؤثرين: حيث يملك المؤثرون، ممن لديهم أعداد كبيرة من المتابعين، القدرة على الوصول لأعداد أكبر من المهتمين، وبالتالي يكون الترويج للحملة. وقد رُصِدت دعوات عديدة للمؤثرين بالتفاعل مع وسوم المقاطعة.

ج- تعدد اللغات: دعا كثير من الناشطين إلى تفعيل الوسم باللغات الأخرى خاصة الفرنسية، كما ظهرت وسوم ومضامين باللغة الإنجليزية.

د- بساطة المحتوى: دعا المدونون إلى المشاركة في الحملة بمضامين بسيطة، لا تتطلب كثيرًا من الوقت والجهد، أو الاكتفاء بإعادة التدوين.

ه- عدم ربطها بأي تيار سياسي: حرص الناشطون على عدم ربط حملتهم بأي تيار سياسي أو أيديولوجي ما، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

و- تسريع تصفح الوسم: شارك بعض الناشطين خبراتهم التقنية في تسريع تصفح الوسم بالتخلص من صور الإعلانات البعيدة عن موضوع الوسم.

وبهذا، تغلب ناشطو حملة المقاطعة على تويتر على مساوئ خوارزميات الموقع التي أشار إليها كل من بويل وفان ديك(50)، في سياق تشاؤمهما من عدِّ مواقع التواصل فضاء تحرريًّا يسهم في تحقيق الحملات الاحتجاجية لأهدافها، فبنية تويتر التي تستهدف رفع النشاط على قائمة الأعلى تداولًا بناء على سرعة الصعود، لا على استمرارية القضايا، محل الاهتمام طويلة المدى، وهو أمر يُحسَب للناشطين، ويشير إلى فهمهم للحاضنة التي يستخدمونها، وبنية مواقع التواصل، وآليات عملها.

3. التحليل الموضوعاتي: سردية المقاطعة

الشكل (10): الموضوعات التي تداولها الناشطون في الشبكة

شكل 10

1.3. الخلفية: استدعاء التاريخ الاستعماري الغربي أثناء رصد الإساءات

حشد المدونون بجانب حوادث الإساءة المتكررة للنبي محمد ﷺ في فرنسا، حوادث التاريخ الاستعماري الغربي، والفرنسي تحديدًا ووحشيته، واستفزاز المسلمين المستمر في فرنسا، وانتشار الإسلاموفوبيا، والعنصرية، وازدواجية المعايير في السياسة الفرنسية. وكأنما يود المقاطعون التأكيد على أن الإساءة إلى نبي الإسلام ليست أمرًا عارضًا، وإنما استمرار لسلسلة طويلة من حرب فرنسا على الإسلام، ولممارسات ترفضها جموع الشعوب المسلمة، وأن هذه الشعوب لا تنسى حوادث التاريخ المرتبطة بحوادث اليوم، وأكثر ما هوجم في ذلك هو الاحتلال الفرنسي للقارة الإفريقية. وقد رصد المدونون ممارسات الاحتلال الفرنسي في حظر اللغة العربية، وفرض الرقابة الشديدة على المساجد، وتعذيب العلماء والمعلمين، ومحو ثقافة الشعوب وحضارتها، ونهب خيراتها وثرواتها وغيره، وهذا ينسجم مع أسباب ظهور حملات المقاطعة، خلال عشر السنوات الماضية على تويتر. ويُلاحظ في الحملة الحالية أن المدونين استمروا بتوثيق المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في فرنسا، في هذه الأيام، كإغلاق السلطات الفرنسية ثانوية "ميو" الخاصة في باريس؛ لأن "إدارتها تمنح الطالب حرية ارتداء الرموز الدينية" (T0034, Pos. 1)، وازدواجية معاييرها في أكثر من حادثة، وغير ذلك. وهذا يشير إلى أن حضور الذاكرة التاريخية للشعوب التي عانت طويلًا، وما زالت تعاني من قوى الاستعمار القديم والحديث، وعدم نسيانها، وقدرتها على الاستدعاء والتحفيز نحو مقاومة كافة أشكال العنف المادي والرمزي تجاههم.

2.3. استجماع مكامن القوة: وحدة الأمة وحب الرسول

حملت التدوينات عدة مضامين تحفيزية للمقاطعة والمشاركة في الحملة الرقمية، واستعانت بالكثير من النصوص الدينية، وعلى رأسها نصوص قرآنية، وأحاديث نبوية، وأدعية، وأذكار. ومن أهم ما اتفق عليه الناشطون فكرة وحدة الأمة الممتدة على بقعة جغرافية واسعة، وتشترك في محبة رسولها، واستعانوا على ذلك بوسم (#أمة_واحدة) في كثير من التدوينات، والتسميات الجامعة كالمناداة بـ"يا أمة محمد"، و"أمة المليار"، واستخدام الضمير الجمعي "نبينا"، و"رسولنا"، و"أمتنا"، واستجماع مكامن قوة الأمة بالتأكيد على وحدتها: "انصروا نبيكم وقاطعوا كل المنتجات والبضائع الفرنسية علموهم يا أمة محمد صل الله عليه وسلم بأن نبينا خط أحمر وهذا أبسط شيء نقدر نرد عليهم همتكم يا أمة المليار قاطعوهم ولقنوهم الدروس" (T0294, Pos. 6)، والاحتفاء بالحراك العابر للحدود: "تحيه طيبه لكل الوطن العربي والإسلامي على تواصل المقاطعة" (T0387, Pos. 2)، واستدعاء الهوية الجامعة المتجاوزة للهويات الضيقة الأخرى: "أقل ما تفعله يا مسلم لنصرة دينك ونبيك" (T0527, Pos. 2). وربما تكون فكرة وحدة الأمة أكثر ما تخشاه فرنسا، وأكثر ما يمكن أن تتركه تلك المقاطعة من أثر على مستوى الشعور الجمعي بالوحدة والانتماء العابر للهويات الوطنية، فيتحقق لها ما يتجاوز الهدف القريب المعلن.

3.3. رد الفعل: استهداف الوعي الجمعي.. المقاطعة منهج حياة

اعتبر المدونون المقاطعة الاقتصادية من منهج الأنبياء واستدلوا على ذلك من خلال قصة سيدنا يوسف مع إخوته للضغط عليهم، من خلال منعهم من الكيل، كما ورد في القرآن الكريم ﴿فَإِن لَّمۡ تَأۡتُونِي بِهِۦ ‌فَلَا ‌كَيۡلَ لَكُمۡ عِندِي وَلَا تَقۡرَبُونِ﴾ (سورة يوسف: الآية 60)، وتداولوا الفتاوى الشرعية حول اعتبار مقاطعة المنتجات الفرنسية واجبًا شرعيًّا على كل مسلم ومسلمة، وعدُّوا مقاطعتهم "هي لله... المقاطعة منهج حياة يومي والحمد لله.... شرف للمسلمين والمسلمات الدفاع عن رسولنا الكريم" (T0342, Pos. 2)، وأكدوا أننا "نستطيع أن نجعلها سلوك حياة ودرسًا قاسيًّا لفرنسا ولمن يفكر في الإساءة لديننا" (T0672, Pos. 9)، وأن المقاطعة "أصبحت أسلوب حياة فالمنتج الذي تستغني عنه لا تعود إليه أبدًا" (T0552, Pos. 1)؛ كلها أفكار متداولة بكثرة في الشبكة، ومن خلال وسوم خاصة تشير إلى أن هدف الحملة ليس فقط خلق حالة وعي ينعكس على الممارسة اليومية، وإنما هو أسلوب حياة جديد مستند على قناعة جمعية بالتحرر من أسر التعود على منتجات معينة، وساند ذلك التوعية بأسماء المنتجات الفرنسية وعلاماتها التجارية، والبدائل المتوافرة لها. ورافقت هذه التوعية أشكال تحفيزية عديدة كاللوم، والحث على طلب العلم للتحرر من الجاهلية، والتوقيع على بيان مقاطعة فرنسا، ونشر الفيديوهات والصور التثقيفية، ومنها: فيلم عن روجيه غارودي، الفيلسوف والكاتب الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، والتذكير بأن الرسول كان يفكِّر بنا (الأجيال المستقبلية)، والحث على المقاطعة، "حتى لو بقيت وحدك" (T0065, Pos. 1)، وتعظيم قدرة الله على تغيير الأحوال، والاحتفال باستمرار المقاطعة من خلال العد اليومي، وقد ظهرت عبارات، "استمروا" و"قاطعوا"، كأحد أساليب التحفيز والاستمرارية بشكل كبير: "استمرو في مقاطعة المنتجات الفرنسية فهي جهاد في سبيل الله" (T1000, Pos. 2)، ويبدو أن كلمة الجهاد قد أثارت حنق الفرنسيين؛ ما جعل الكاتب الفرنسي وعضو البرلمان الأوروبي، جيلبرت كولارد، يطلق على المقاطعة "الجهاد الاقتصادي"، وطالب بوقف بيع السلاح الفرنسي للدول المسلمة، كما يظهر في الصورة أدناه، وقد التقط الناشطون تدوينته وسخروا من عدم قدرته على التمييز بين جهاد النفس والجهاد بالسلاح!

الصورة (1): تدوينة لكاتب فرنسي حول الجهاد الاقتصادي ورد المدونين عليها

شكل 11
(المصدر: تويتر)

إن تحوَّل المقاطعة إلى أسلوب حياة من شأنه تحويل الاقتصاد ومؤشراته إلى وسيلة لتحقيق الأهداف، حتى على مستوى الأفراد والجماعات الصغيرة؛ فالضغط الاقتصادي وفقًا لهذا المفهوم، لم يعد حكرًا على الدول والحكومات، أو على مستوى الجماعات الكبيرة، بل تعداها ليشمل الأفراد، والجماعات الصغيرة، وهذا يشير إلى الانتشار العمودي للمفاهيم الاقتصادية على مستوى الأفراد.

4.3. الأهداف: إضعاف الاقتصاد الفرنسي وإسقاط ماكرون

يدرك كثير من المقاطعين أن فرنسا جزء من المنظومة الرأسمالية، ولم تقرِّر الشعوب الرد بالمقاطعة إلا لأنها وسيلة موجعة وسلاح فعال، "هؤلاء يعبدون المال فلنستمر في المقاطعة للمنتجات" (T0674, Pos. 2). كما يدرك المدونون علاقة المال بالسياسة، فإذا نجحت المقاطعة، وتأثر الاقتصاد الفرنسي، فستكون لها عواقب على المستقبل السياسي للرئيس الفرنسي، الذي تبنَّى الرسومات، ودافع عنها، وأيًّا كان الهدف حالمًا، فإن الناشطين متفائلون بقدرتهم على تحقيق ذلك، خصوصًا بعد تصريحات إيمانويل ماكرون أن "الدعوات للمقاطعة شيء جنوني ونرفضه تمامًا"، واعتبروا هذا التصريح كأحد نتائج المقاطعة وأن "الصراخ على قدر الألم" (T0318, Pos. 1).

وعززوا ذلك بنشر مقاطع فيديو تحصي آثار الحملة على الاقتصاد الفرنسي وغيرها من الدول التي على ما يبدو أنها تأثرت بردود فعل المسلمين تجاه الإساءات الفرنسية. ويظهر في فيديو شاب يسرد آثار الحملة وتبعاتها داخل فرنسا وخارجها(51). واعتبروا ذلك "أقوى رد على من ينادي بتفاهة المقاطعة، والتي فرضت بدورها احترام المسلمين على من يعاديهم وربما تكون السبب في دمارهم"؛ ما جعل فرنسا "تناشد حكومات الدول الشرق أوسطية بمنع الشركات عن مقاطعة المنتجات الفرنسية" (T0075, Pos. 5).

وطالب الناشطون بتراجع فرنسا "عن كل إساءاتها وقراراتها الجائرة بشأن المساجد والجمعيات الإسلامية" (T0420, Pos. 1)، وسنِّ قانون يُجرِّم الإساءة للأديان، وآخر "يُجرِّم الإساءة للرسول والإسلام؟" (T0558, Pos. 3)، وربما كان الأوْلى الدعوة إلى اتفاقيات دولية تضمن احترام الأديان لكونها أكثر فاعلية من ناحية نفاذ الأحكام والملاحقات القانونية والقضائية.

5.3. المواقف المختلفة: دعم أوروبي وتجاهل رسمي عربي

من الموضوعات المهمة التي برزت في الشبكة ردود الأفعال الرسمية العربية والإسلامية والدولية سواء أكان على الإساءة للنبي، أو على حملة المقاطعة، بجانب موقف النخبة المثقفة في البلاد العربية المسلمة؛ كأخبار استمرار التعاون الاقتصادي بين بعض الدول العربية وفرنسا، على مستوى شراء الطائرات أو استحواذ شركات فرنسية على خدمات ومصالح اقتصادية. واستنكر الناشطون عدم تفاعل بعض الدول العربية مع حملة المقاطعة، وقالوا: إن مواقفهم "تعكس انفصال حكام الدول العربية عن الشعوب" (T0559, Pos. 2). كما وجَّه الناشطون سهام نقدهم للتجار الذين "لو أرادوا لفسخوا العقود مع الشركات الفرنسية لكن لو حصل لهم لباعوا الدين جُلة لكسب المال" (T0688, Pos. 2).

وتبيِّن طبيعة الصراع في القرن العشرين أن الأزمات المفتعلة تساعد على فهم الفلسفة الاستعمارية في النخب العربية، واعتبر الناشطون أن "الأزمة الفرنسية الأخيرة مع الإسلام هي الفاضحة لدخائل #دجاجلة_التنوير والليبرالية" (T0037, Pos. 3). وبالمقابل، نشر الناشطون فيديو لوزير الخارجية التركي وهو يواجه البرلمانية الفرنسية بوقائع فعلية عن تاريخ فرنسا، فغادرت القاعة منزعجة، "بعكس بعض الدول العربية التي تدافع عن ماكرون وحكومته" (T0145, Pos. 2-5)، مؤكدين أنهم لا يعوِّلون على المواقف الرسمية العربية، وذلك لأن "مقاطعة المنتجات الفرنسية هي أقل شيء نفعله كمسلمين بعد تخاذل كل حكام العرب والمسلمين"، وأن "التاريخ والتجارب والمحن تبيِّن حقيقة العالم يومًا بعد يوم" (T0730, Pos. 2).

كما برزت مواقف الدول الأوروبية الداعمة لفرنسا، ومنها بريطانيا وهي "تستنفر أوروبا كلها من أجل نصرة فرنسا في معركة المقاطعة مع المسلمين!!" (T0202, Pos. 1)، معتبرين ذلك دليلًا على "أن المقاطعة أوجعتهم، وأن المعركة ليست مع فرنسا وحدها بل مع أوروبا بأجمعها" (T0202, Pos. 1-2). كما رصدت العروض التجارية التي تقدمها الشركات الفرنسية لبيع بضائعها كدليل آخر على نجاح المقاطعة، مستشهدين بما أورده مراسل صحيفة "لوموند" في الشرق الأوسط "لم أرَ حملة مقاطعة للمنتجات الفرنسية بهذا الحجم والمدى، وستكون هناك عواقب كبيرة في حال توسعت الحملة جغرافيًّا واستهدفت شركات كبرى في سوق الخليج"  (T0648, Pos. 2-4).

على المستوى الشعبي، ظهرت تسجيلات لاحتجاجات في القدس، و"وقفة بعد صلاة الجمعة في ساحات المسجد الأقصى المبارك" (T0057, Pos. 2)، وفيديو آخر لرجل يتحدث بالفرنسية، ويعبِّر عن غضبه من الإساءة لنبي الأمة، وكذلك فيديو آخر لداعية أوغندي، كما ظهر "بيان عام إلى الأمة الإسلامية والعالم بشأن الإجراءات الإرهابية ضد المسلمين ومقدساتهم في فرنسا"(52). ورغم نجاح وسم المقاطعة في تصدُّره على مدى أربعة شهور إلى حين كتابة هذه الدراسة، فإن المقاطعين لا يهمهم ذلك "فسواء رأوه ترند أم لا، فسَيَلْمِسون نتائجه في مصانعهم وفنادقهم وعطورهم" (T0142, Pos. 2).

رغم ما قيل في شدة العلاقة وكثافتها بين الممارسات الرقمية والممارسات على أرض الواقع، إلا أن الارتباط بين الدعوة الرقمية للمقاطعة وبين ممارسة المقاطعة لم تكن بذلك الوضوح، إلا في حالات قليلة، كنقل صور المظاهرات المنددة بالإساءة لنبي الإسلام، وإزالة البضائع الفرنسية من الرفوف، أو رميها، وغير ذلك. وقد يُفسَّر ذلك بطبيعة سلوك المقاطعة ذي الطابع الفردي الذي لا يتطلب حشدًا جماهيريًّا، كما أن الحالة التي يمر بها العالم نتيجة جائحة كورونا وما صاحبها من سياسات الحظر والتباعد الجسدي جعل من الممارسات الرقمية في قضايا أساسية كالتعليم والعمل والتسوق وغيرها أمر شائعًا، وتأثرت بها أشكال الاحتجاجات والحملات المختلفة. وقد لقيت الحملة اهتمام الشباب العربي ومتابعتهم عبر مواقع التواصل، كما أظهرت دراسة إيمان عاشور عن "تعرض الشباب الجامعي لقضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم عبر الشبكات الاجتماعية وعلاقته بالسلم المجتمعي في مصر"(53).

6.3. سياقات وظروف أخرى: كورونا والتطبيع

تزامنت حملة المقاطعة مع تطبيع دول عربية علاقاتها مع إسرائيل، فكانت مناسبة لإظهار الناشطين احتجاجهم على ذلك؛ ما جعل القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة لكونها "بوصلة الحق في هذا الزمان، ونصرتها والتطبيع مع الصهاينة ضدان لا يجتمعان" (T0124, Pos. 1-3). وظهرت وسوم ترفض التطبيع بكثرة في الشبكة: (#التطبيع_خيانة)،(#فلسطين_قضيتي)،(#لا_للتطبيع_المهين_بدون_حقوق_فلسطين)، (#التطبيع_خيانة_للعقيدة)، (#لا_للتطبيع)، (#التطبيع_خيانة_للإسلام_والأمة)، (#مغاربة_ضد_التطبيع)، (#مغاربة_ضد_تطبيع)، (#التطبيع_خيانة)، (#التطبيع_خيانة_لله_و_لرسوله)، (#لاللتطبيع_مع_الصهاينة)، (#لا_للتطبيع_مع_الكيان_الصهيوني)، (#الجنسية مغربية والدم فلسطيني).

كما تزامنت الحملة مع ما يعيشه العالم من انتشار لجائحة كورونا، وبدء حملات التطعيم ضد الفيروس، وقد ظهرت كورونا أكثر ما يكون في سياق نقل خبر إصابة إيمانويل ماكرون بفيروس كورونا، ووسوم إلغاء الدراسة للحفاظ على الصحة، وأخبار المطاعيم، وظهرت دعوات للصبر على مشاق انتشار وباء كوفيد-19، وعبَّر أحدهم عن العلاقة التي تربط كورونا بالحملة: "يجب الاحتراز من كورونا ومن المنتجات الفرنسية" T0809, Pos. 2)).

خلاصة واستنتاجات

توضح النتائج حضور الأبعاد الدينية والاقتصادية والسياسية بشكل كثيف في تدوينات المقاطعين، وتُبزِر هيمنة البعد الديني على دوافع المقاطعين، كما هو متوقع، لكون الإساءة إساءة دينية في الأساس. في حين ظهر البعد الاقتصادي بشكل أكبر في التدوينات ذات التوجه الأداتي التي تركز على تحقيق نتائج مباشرة وقصيرة المدى، وتتلخص في القدرة على تكبيد الشركات والاقتصاد الفرنسي خسائر كبيرة كأداة للتأثير والضغط لتغيير سياسات الحكومة الفرنسية الداعمة للرسومات المسيئة. وقد مثَّل البُعد السياسي مستوى من مستويات الإدراك في سياق المصالح والأهداف والمواقف والتوازنات المحيطة بحملة المقاطعة وسبل التعامل معها. وقد لا يستهان بسيطرة البعد الديني على حملة اقتصادية، فالسلوك الاقتصادي للفرد يتأثر بالمعتقدات الدينية بشكل مباشر، وتقود الأخيرة إلى تنميط النشاط الاقتصادي للفرد والمجتمع، وتكون له -في النهاية- مواقف، قد تتحوَّل إلى مواقف سياسية كما هي في الحالة الفرنسية.

وأظهرت النتائج الحجم الكبير للمشاركة في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية؛ إذ يقدر بمئات آلاف، وتشكَّلت بينهم شبكة مجتمعية قوية، تناقش موضوعات مختلفة، لم تنقسم على ذاتها، ولم تتشكَّل فيما بينها استقطابات أو خلافات جوهرية حول القضية الأساسية، ويشير ذلك إلى أمرين مرتبطين بأنواع حملات المقاطعة التي قدَّمها فريدمان: الأول: أن الحملة حققت نجاحًا في حالتها التعبيرية، والثاني: أن حالتها الأداتية المعنية بتحقيق نتائج عملية ذات تأثير اقتصادي، تحتاج إلى دراسة منفصلة تتحقق من أثر الحملة على سلوك المستهلك الفعلي في الدول العربية على الأقل.

وتبيَّن من الدراسة أن غالبية المشاركين في الحملة باللغة العربية يعيشون في الدول العربية، وإذا قمنا بسحب النسبة على كامل العينة مع هامش خطأ 5%، فسيكون 87% من المشاركين من الدول العربية. ومع الأخذ بعين الاعتبار تمايز كثافة استخدام تويتر في الدول العربية المختلفة، فإن نسبة المشاركين في الحملة الرقمية من تلك الدول لا ينسحب بالضرورة على التأثير الاقتصادي للمقاطعة فيها، فالمدخلات الاقتصادية كحجم التجارة والاستثمارات تقوم بالدور الأهم.

كما تشير النتائج إلى حضور القيادات الدينية، مع حرص وتنبيه النشطاء على أن حملتهم بعيدة عن التوجهات الأيديولوجية، والتنظيمات الحزبية، أيًّا كان نوعها. ورغم أهمية القيادات الدينية في التأثير على سلوك المستهلكين، إلا أن غياب قادة متخصصين في القانون، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، قد يؤثر على فاعلية الحملة، ونتائجها المتوقعة، لاسيما أن من أهداف الحملة الدفع باتجاه إصدار قوانين تمنع الإساءة للأديان عمومًا، والتأثير الاقتصادي الذي يستتبع تأثيرًا سياسيًّا، فغياب قادة متخصصين في هذه العلوم يقودون الحملة ويوجهونها بشكل علمي واع، قد يجعل من الحملة فقاعة قد تختفي بعد فترة، رغم أن التعويل الأكبر يكون على الأثر بعيد المدى الذي تتركه الحملة على مستوى الوعي الجمعي، وأسلوب الحياة والتفكير.

ونحو محاولة للفهم والتفسير، فإن النتائج تشير إلى نسقين جوهريين مهمين في تشكيل الوعي الذي يتجاوز ربما الأهداف التي وُضعت للحملة:

أولًا: التعامل الكلي، وليس الجزئي، مع موضوع المقاطعة، أي الرسومات المسيئة، من خلال وضعه في سياق حالة الإسلام والمسلمين في العالم، واستهداف عقيدتهم وحقوقهم، وذلك من خلال ربط الرسومات المسيئة بالعنصرية ضد المسلمين، والإسلاموفوبيا، والتطبيع، والتاريخ الاستعماري، ومواقف النخب الليبرالية العربية، بل والحكومات العربية، واصطفاف هذه الحكومات على طيف "الالتزامات الإسلامية"، والتي تمثِّل كلًّا من الإمارات وتركيا على الأقل، في وعي المشاركين في الحملة، كما تعكسه النتائج الأكثر وضوحًا لطرفي هذا الطيف. ويشير هذا الوعي الكلي للمشاركين في الحملة إلى التعامل مع موضوع المقاطعة، كحالة تنتمي إلى نسق من التفاعلات العالمية العابرة للحدود، تمثِّل "الأمة الإسلامية" أحد أطرافه، ونتجت عنه الرغبة لفعل جماعي، يتسم بالقدرة على التأثير العابر للحدود للتعامل معًا، كما تشير النتائج.

ثانيًا: الإدراك الواضح من قبل المشاركين في الحملة لأهمية استمرارية هذا الفعل الجماعي واستدامته وأثره على المستوى الطويل؛ فالنتائج تشير بوضوح إلى هذا النسق كما يعكسه التوصيف الكمي للتدوينات الأكثر تداولًا، مثل: "هي لله... المقاطعة منهج حياة"، و"مر شهران على حملة #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه، إيمانويل ماكرون يراهن على عامل الوقت وفتور العزيمة، ونحن نراهن على محبة النبي (ﷺ) في القلوب".

وعلى المستوى الكيفي، يمكن ملاحظة أن مفهومي "العزم" و"المقاطعة كمنهج حياة" سيطرا على المستويات التراتبية المفاهيمية الأعلى في العلاقة بأدوات المقاطعة السياسية والاقتصادية ووسائلها ونتائجها. ويعطي المفهومان معًا إشارة واضحة إلى التعامل مع المقاطعة، والحملة الرقمية الداعمة لها، كمنطلق للبناء والحفاظ على فاعلية جماعية مستدامة ذات تأثير معنوي ومادي، يتعدى النتائج قصيرة المدى المرتبطة بمقاطعة المنتجات الفرنسية.

ويدفع النظر الكلي للمشاركين في حملة المقاطعة والسعي نحو فاعلية طويلة المدى التركيز على بناء تطوير نموذج تفسيري يتعدى توصيف النتائج الضرورية، الذي قدَّمه هذا البحث إلى التنظير عن مقاطعة المنتجات الفرنسية كحالة تنتمي إلى نوع من أنواع السعي لعمل جماعي ذي منطلقات إسلامية، في السياسة العالمية المعاصرة، قابل للتفسير والتوقع، من خلال استكشاف ارتباطاته ببنيتها وقنواتها.

وخلصت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن عرضها فيما يلي:

1. نشأت عن التفاعلات المختلفة في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية على تويتر شبكة مجتمعية متراصة، دون أي استقطابات أو خلافات جوهرية، وإنما تنوع في الموضوعات. وحظيت الحملة بإجماع عام وتأييد شامل للمقاطعة على المستوى التعبيري على الأقل.

2. تُعَدُّ الحملة الأقوى على تويتر منذ 2012 من حيث حجم المشاركين، وعدد التدوينات، والاستمرارية، وقد استخدمت لذلك استراتيجيات مكَّنتها من تجاوز خوارزميات موقع تويتر، القائمة على رفع الأحداث السريعة على حساب الأحداث المستمرة، وأهمها: الوسوم اليومية المرقمة، والاستعانة بالمؤثرين، وتعدد اللغات، وبساطة المحتوى، وحرص الناشطين على استقلاليتها عن أي تيار، أو حزب ديني، أو سياسي.

3. استهدفت الحملة الوعي الجمعي، واعتمدت على الخطابات المحفزة، وقد تربعت تدوينة تدعو إلى عدِّ المقاطعة منهجًا وأسلوبَ حياة على قائمة الأعلى تداولًا في الحملة كاملة، وظهرت فكرة وحدة الأمة وحب الرسول، كأبرز المحفزات المعبِّرة عن مكامن القوة لفعل المقاطعة.

4. ظهرت الحملة من حيث جوهرها حملة دينية بسلاح اقتصادي وهدف سياسي، وقد صُنِّفت محتويات الحملة، من حيث نوعها، إلى دينية بالدرجة الأولى ثم اقتصادية ثم سياسية.

5. هدفت الحملة إلى إضعاف الاقتصاد الفرنسي، والضغط بسلاح الاقتصاد لإسقاط إيمانويل ماكرون سياسيًّا، إلى جانب سنِّ قوانين تُجرِّم الإساءة للأديان عمومًا.

6. برزت شخصية نبي الإسلام محمد ﷺ أكثر ما يكون تعبيرًا عن حبه والدفاع عنه. وقد استخدمت في ذلك أساليب الذكر، والدعاء، والتعبير عن محبة الرسول، ومدحه. بالإضافة إلى القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، والمقولات الدينية، والتعريف بالدين الإسلامي، وفتاوى المقاطعة.

7. استطاعت الحملة فرز المواقف المختلفة من الرسوم المسيئة، وحملة المقاطعة، على حدٍّ سواء، وتوصلت إلى عدم التعويل على المواقف الرسمية العربية، التي تفاعل بعضها خجلًا، في بداية الحملة، ولا على النخب الليبرالية العربية، وقد تأكد للناشطين الدعم الأوروبي لفرنسا ضد الحملة، وشنُّوا هجومًا كبيرًا على الدول العربية التي دعمت فرنسا، وانخرطت في التطبيع، ومحاربة قضايا الأمة.

8. اعتمدت الحملة على التنظيم الشبكي، القائم على وجود أطراف تحظى بالأهمية المركزية، من جهة تأثيرها، أو مواقعها، أو قدرتها على الربط، وشارك في الحملة شخصيات دينية وناشطون من مختلف التوجهات، أسهموا في نشر فكرة المقاطعة، واستطاعت إيصال رسائل قوية للأطراف الفاعلة في قضية الرسوم المسيئة، وقد تمكَّن الناشطون من مخاطبة إيمانويل ماكرون عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر الذي تصدَّر الحسابات الأكثر تلقيًا للردود.

9. عكست موضوعات الحملة سردية ذات جذور تاريخية، وسلسلة أحداث مستمرة، ومتكررة، ورد فعل أطراف من مستويات مختلفة فردية ودولية، عربية وأوروبية، أو علاقات قريبة وبعيدة، وتدور هذه السردية حول عقدة موقف العلمانية الفرنسية من الإسلام كدين غير قابل للتطويع ضمن رؤيتها الخاصة.

نشرت هذه الدراسة في العدد العاشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

* تشير الدراسة، في سياق تحليل حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية واستكشاف أبعادها، إلى الوسوم والتغريدات بصيغها وتراكيبها النحوية الأصلية وقوالبها اللغوية كما وردت في مواقع الشبكات الاجتماعية، دون أي تعديل أو تصويب.

(1) أُونُووها فريدوم، "التدخل العسكري الفرنسي الإفريقي في مالي والمخاوف الأمنية المتفاقمة"، مركز الجزيرة للدراسات، 14 فبراير/شباط 2013، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/eLVL3.

(2) "رسوم "شارلي إيبدو" تؤجج الغضب في عواصم عربية وإسلامية"، الشرق الأوسط، 17 يناير/كانون الثاني 2015، العدد 13199.

(3) "صحيفة دنماركية تعتذر للمسلمين لنشرها رسومًا كاريكاتيرية تسخر من النبي محمد"، بي بي سي عربي، 26 فبراير/شباط 2010، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/bjbq0.

(4) "مع بدء محاكمة متهمين بالهجوم عليها.. "شارلي إيبدو" تعيد نشر رسوم مسيئة للنبي عليه السلام"، الجزيرة، 2 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3dSjTqs.

(5) "ماكرون يرفض انتقاد إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد"، شبكة مواقع الأناضول، 2 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/2ZYliDv.

(6) صُنِّفت قوة الحملات بناء على مدتها، وعدد المشاركين فيها، وعدد التدوينات.

(7) الجدول من إعداد الباحثين، ويستند إلى بيانات موقع تويتر نفسه.

(8) Vibhuti Gupta & Rattikorn Hewett, “Harnessing the power of hashtags in tweet analytics,” IEEE International Conference on Big Data (Big Data), 2017.

 (9) "رغم تصريحات ماكرون.. مقاطعة المنتجات الفرنسية يتصدر الترند العالمي"، قناة الجزيرة، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2021)، https://cutt.us/QiVwy.

(10) Homero Gil de Zúñiga & Sebastián Valenzuela, “The mediating path to a stronger citizenship: online and offline networks, weak ties, and civic engagement,” Communication Research, 38(3), (June 2011): 397-421.

(11) W. Lance  Bennett & Alexandra Segerberg,  “The logic of connective action: Digital media and the personalization of contentious politics,” Information, Communication & Society, 15(5), (2012): 739–768.

(12) Ibid, 749.

(13) Evgeny Morozov, “The Net Delusion: The Dark Side of Internet Freedom,” Public Affairs, 2011.

(14) Malcolm Gladwell, “Small change: Why the revolution will not be tweeted,” The New Yorker, October 4, 2010, “accessed February 27, 2021”. https://cutt.us/Kwu8X.

(15) Poell Thomas & José van Dijck, “Social Media and Activist Communication,” in the Routledge Companion to Alternative and Community Media, edited by C.  Atton, (London: Routledge, 2015), 527-537.

(16) Ibid, 530.

(17) Monroe Freidman, Consumer Boycotts: Effecting Change through Marketplace and Media, (Routledge, 2015), 4.

(18) Ibid, 13.

(19) Andrew John, Jill Klein, “The Boycott Puzzle: Consumer Motivations for Purchase Sacrifice,” Management Science, 49(9), (2003): 1196-1209.

(20) إيمان عاشور وسيد حسين، "تعرض الشباب الجامعي لقضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم عبر الشبكات الاجتماعية وعلاقته بالسلم المجتمعي في مصر"، مجلة البحوث في مجالات التربية النوعية (المجلد 7، العدد 32، الشتاء 2021)، ص 345-411.

(21) محمد عبد الله، "تأثير الاتصالات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أزمة المنتج على سلوك الجمهور المصري نحو مقاطعة شرائه"، المجلة المصرية لبحوث الإعلام (العدد 61، 2017)، ص 229-305.

(22) عبد الراضي حمدي البلبوشي، "إعلانات المقاطعة الاقتصادية وتأثيرها على المستهلك العربي: دراسة ميدانية مقارنة على عينة من المستهلكين المصريين والسعوديين"، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، المجلد 1، العدد 44، 2015)، ص 51-104.

(23) فاطمة عبد الشافي، عمرو رضوان، "دراسة تحليلية باستخدام نموذج الجاذبية لتأثير المقاطعة الاقتصادية على واردات الدول الإسلامية من الدانمارك"، المجلة العالمية للتسويق الإسلامي (الهيئة العالمية للتسويق الإسلامي، المجلد 3، العدد 2، مايو/أيار 2014)، ص 77-84.

(24) Katarzyna Musial, “Research Designs for Social Network Analysis,” Encyclopedia of Social Network Analysis and Mining, Springer, (June 12, 2018).

(25) Stanley Wasserman, Katherine Faust, “Social network analysis: Methods and applications,” Cambridge University Press, Vol. 8, (1994).

(26) Marc Smith et al., “Mapping Twitter Topic Networks: From Polarized Crowds to Community Clusters,” Pew Research Center,  February 20, 2014.

(27) أداة متخصصة لجمع وإجراء تحليل الشبكات الاجتماعية، واكتشاف المؤثرين، وتحليل المحتوى، وتحليل المعنويات، وتحليل السلاسل الزمنية وغير ذلك الكثير، https://bit.ly/3cZy8IW.

(28) Udo Kuckartz, Stefan Rädiker, “Introduction: Analyzing Qualitative Data with Software,” in Analyzing Qualitative Data with MAXQDA, Springer, Cha2019, “accessed February 27, 2021”. https://bit.ly/3g5hVUT.

 (29) Hikari Ando, Rosanna Cousins, Carolyn Young, “Achieving Saturation in Thematic Analysis: Development and Refinement of a Codebook,” Comprehensive Psychology, January 2014, “accessed February 27, 2021”. doi:10.2466/03.CP.3.4.

(30) Virginia Braun & Victoria Clarke, “Using thematic analysis in psychology”, Qualitative research in psychology, 3(2), (2006): 77-101.

(31) للاطلاع على أشكال الشبكات وخصائصها، يرجى مراجعة:

Marc Smith et al., “Mapping Twitter Topic Networks: From Polarized Crowds to Community Clusters,” Pew Research Center, February 20, 2014, “accessed February 27, 2021”. https://cutt.us/qpW2b.

(32) "قائمة الأدوية الفرنسية، البدائل والأدوية المماثلة، أطباء المقاطعة"، المخبر الاقتصادي، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/KcTyv.

(33) "أكبر ندوة علمية عالمية عن مقاطعة المنتجات الفرنسية"، الإخبارية، 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/cl2JU.

(34) منية بالعافية، "جرائم قتل الزوجات في فرنسا: ارتفاع وغموض"، مونت كارلو، 3 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3azfYLP.

(35) "مجلس الدولة الفرنسي يوجه صفعة مزدوجة لماكرون وحكومته"، جولة الأخبار، 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/ML0Gv.

(36) "الرجل الثاني في فرنسا: الصناعة الفرنسية تعيش أزمة!"، شؤون إسلامية، 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/dlDRx.

(37) يرصد برنامج "نودكسيل" الوسوم بغضِّ النظر عن طريقة كتابتها، أحيانًا تكون بالتاء المربوطة وأحيانًا بالهاء، ولكنه فصل بينهما من ناحية التكرار، كما يبين الجدول رقم (3).

(38) الموقع الرسمي لشركة كارفور السعودية على تويتر، (تاريخ الدخول: 20 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/RG5wR.

(39) لم تذكر الدراسة اسم الشخصية، بسبب عدم أخذ موافقته الشخصية على إظهار اسمه، التزامًا بأخلاقيات البحث العلمي.

(40) "دراسة عن الرسوم الفرنسية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم"، نماذج غوغل، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/nmeS5.

(41) محمد إلهامي، "حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية"، منتدى العلماء، 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)،https://cutt.ly/1lV8bc4 .

(42) "ثُلة من العلماء يؤكدون الاستمرار في مقاطعة المنتجات الفرنسية وبيان مشروعيته وأهميته شرعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، منتدى العلماء، 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)،  https://cutt.ly/FlV8EUY.

(43) "قائمة الأدوية الفرنسية، البدائل والأدوية المماثلة، أطباء المقاطعة"، مرجع سابق.

(44) "قائمة المنتجات البديلة للمنتجات الفرنسية"، غوغل درايف، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/j6vgG.

 (45) "أكبر ندوة علمية عالمية عن مقاطعة المنتجات الفرنسية، مرجع سابق.

(46) “Une rencontre avec le Prophète Mohammed,” IslamReligion.com, March 31, 2018, “accessed February 27, 2021”. https://cutt.us/gelx0.

(47) "الرجل الثاني في فرنسا: الصناعة الفرنسية تعيش أزمة!"، مرجع سابق.

(48) “Muslim Population by Country 2021,” worldpopulationreview, “accessed March 5, 2021”. https://cutt.us/Mu8rm.

(49) Morris Kalliny, Elizabeth Minton, Mamoun Benmamoun,  “Affect as a driver to religious‐based consumer boycotts: Evidence from qualitative and quantitative research in the United States,” International IJC 42(6), (August 2018): 840– 853. 

(50) Thomas, van Dijck, “Social Media and Activist Communication,”: 350.

(51) "الآثار الاقتصادية لمقاطعة المنتجات الفرنسية، موقع تويتر، 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/qBMc7.

(52) "بيان عام إلى الأمة الإسلامية والعالم بشأن الإجراءات الإرهابية ضد المسلمين ومقدساتهم في فرنسا"، موقع مقاطعة فرنسا، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/EEDmi

(53) عاشور، حسين، "تعرض الشباب الجامعي لقضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم عبر الشبكات الاجتماعية وعلاقته بالسلم المجتمعي في مصر"، مرجع سابق.