مستقبل الأقليات في العراق ومصادر تهديدها

تبحث الدراسة إشكالية استمرار الصراع السياسي وظهور مشكلة التنظيمات الإرهابية في العراق، وتغلغل الممارسات العنصرية في بنية المجتمع، وتصاعد التدخلات الإقليمية والدولية، مما دفع إلى بروز مشكلة هجرة الأقليات الدينية والعرقية من العراق. وترى الدراسة أن تداعيات هذه العوامل والدوافع ستلقي بظلالها على التركيبة الديمغرافية للبلاد في الأعوام العشر المقبلة، واختفاء ظاهرة التنوع الإثني التي تميز بها العراق منذ أقدم العصور.
7 يونيو 2021
السياسات التي تعرضت لها الأقليات في العراق بعد الاحتلال الأميركي تدفع إلى رسم مشاهد مستقبلية تهدد وجودها إما تهجيرًا أو انزواءً أو رضوخًا (رويترز)

يمثِّل العراق منذ القدم نموذجًا للتعايش السلمي بين مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية؛ حيث اندمجت فيه الثقافات والعادات الاجتماعية والمشاركات السياسية والتربوية وحتى الدينية لمكونات عرقية أصيلة عبر آلاف السنين، وأخرى مستوطنة وافدة من تركيا وإيران ودول أخرى بحسب ظروف وتفاصيل تاريخية عديدة، وأيضًا بترتيب وتنظيم لاحق من بريطانيا التي احتلت العراق خلال الحرب العالمية الأولى، ثم الاحتلال الأميركي/البريطاني للعراق عام 2003. ويشير تاريخ العراق السياسي خلال فترة الخلافة العثمانية إلى مشاركة اليهود والمسيحيين العراقيين بشكل فاعل في أول تجربة نيابية عرفها العراق (مجلس المبعوثان العثماني) بين 1876 و1914. وبعد تشكيل أول مجلس نواب عراقي، في 16 يوليو/تموز 1925، كان للأقليات دور فاعل في تفعيل عمل هذا المجلس، وتشير الوثائق الخاصة بالعهد الملكي إلى أن النواب اليهود اقترحوا 99 لائحة قانونية في مختلف المجالات (1925- 1952)، فيما اقترح النواب المسيحيون 66 لائحة خلال الفترة الممتدة بين 1925 و1958(1).

وشكَّل احتلال العراق من قِبل الولايات المتحدة في العام 2003 -وما تبعه من تدهور للقيم الاجتماعية والسياسية، وتكريس مفاهيم المحاصصة والطائفية بدل الاعتبارات القانونية والحقوقية- نكسةً للكثير من مكونات المجتمع العراقي، ومنها الأقليات الدينية على وجه الخصوص.

ويتألف العراق من قوميتين رئيسيتين، هما: العربية والكردية (دستور عام 1970)، وتمثِّل الأولى غالبية سكان العراق (نحو 80%)، كما يتألَّف من قوميات أخرى أصغر مثل التركمان وغيرهم، وبحسب موقع الاستخبارات الأميركية (Fact Book)، فإن العرب يشكِّلون 75-80%، والأكراد 15-20%، وتتوزع بقية الملل والطوائف كاليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين والأزيديين والآشوريين والشبك على نسبة 5%(2).   

1. الإجراءات المنهجية للبحث

أ- إشكالية البحث وفرضيته

إن استمرار الصراع السياسي وظهور مشكلة التنظيمات الإرهابية في العراق، وتغلغل الممارسات العنصرية في بنية المجتمع العراقي، وتصاعد التدخلات الإقليمية والدولية، دفعت إلى بروز مشكلة هجرة الأقليات الدينية والعرقية من العراق، وهو ما سيلقي بظلاله السلبية على التركيبة الديمغرافية للعراق في عشر السنوات المقبلة واختفاء ظاهرة التنوع الإثني التي تميز بها العراق منذ أقدم العصور.

لذلك، تفترض الدراسة أن ما تعرضت له أقليات العراق من سياسات إرهاب وتمييز وتهجير بعد احتلال العراق 2003، سيدفع إلى رسم مشاهد مستقبلية تهدد واقع ووجود الأقليات في العراق إما تهجيرًا أو انزواءً أو رضوخًا، وهو ما سينعكس على هوية العراق التي تشكَّلت تاريخيًّا على أساس التنوع نحو الهوية الواحدية أو الهوية المتغلبة من خلال رؤية الأقليات العراقية لهوياتهم الفرعية على حساب هويتهم الوطنية. 

ب- أهمية البحث

تبرز أهمية البحث من خلال المخاطر الكبيرة التي يخلِّفها التغيير في الديمغرافية العراقية بسبب حملات النزوح والهجرة الداخلية والخارجية بما يفضي إلى انزواء الأقليات في جيوب معينة تجعلها منفصلة عن بعضها جغرافيًّا ومتقوقعة بحدود هوياتها الذاتية. وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض التفاعل بينها وزيادة التعصب تجاه أقليات أخرى أو الأكثرية على حساب الهوية الوطنية. كما أن زيادة الاهتمام الدولي والمحلي بشأن الأقليات العراقية وضرورة الحفاظ على هوياتها الثقافية والاجتماعية وحرية التعبير عن هواجسها ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة، جعل مستقبل هذه الأقليات يحظى بأهمية كبرى للحفاظ على طبيعة هوية العراق الجامعة لكل هذه الأقليات عبر التاريخ.

ج- منهجية البحث

اعتمد الباحث المنهجَ الوصفي التحليلي لرصد واقع الأقليات في العراق، ودراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ووصفها وصفًا دقيقًا وتوضيح خصائصها. ويشيع استخدام هذا المنهج في الدراسات التي تصف وتُفسِّر الوضع الراهن، أو ما هو كائن في أرض الواقع، وكذلك في الدراسات التي تهتم بتكوين الفرضيات واختبارها. كما يُعَدُّ هذا النوع من البحوث ذا أهمية خاصة في مجال الدراسات الإنسانية، لاسيما أنه يُستخدم للكشف عن آراء الناس ومعتقداتهم واتجاهاتهم إزاء موقف معين، والوقوف على قضية محددة تتعلق بجماعة أو فئة معينة. وبالرغم من أن الهدف الرئيس للمنهج الوصفي هو فهم الحاضر لتوجيه المستقبل، فإنه يشتمل في كثير من الأحيان على عمليات تنبؤ لمستقبل الظواهر والأحداث التي يدرسها(3). ومن أجل مقاربة موضوع البحث وأبعاده، استخدم الباحث أيضًا تقنية السيناريوهات (المشاهد) لتصور مستقبلات الأقليات في العراق خلال عشرة الأعوام المقبلة (2030).

د- مفاهيم إجرائية

- الدراسات المستقبلية

هناك تعريفات كثيرة للدراسات المستقبلية، ولعل أدق تعريف لها هو ما تناولته مجلة (World Future Society)؛ إذ اعتبرتها "دراسات تستهدف تحديد وتحليل وتقويم كل التطورات المستقبلية في حياة البشر في العالم أجمع بطريقة عقلانية موضوعية، وإن كانت تفسح مجالًا للإبداع الإنساني وللتجارب العلمية ما دامت هذه الأنشطة تسهم في تحقيق هذه الأهداف"(4). وعرَّفها الأكاديمي، مازن الرمضاني، بـ"مجموعة من البحوث والدراسات التي تهدف إلى الكشف عن المشكلات ذات الطبيعة المستقبلية والعمل على إيجاد حلول عملية لها، كما تهدف إلى تحديد اتجاهات الأحداث وتحليل المتغيرات المتعددة للموقف المستقبلي، والتي يمكن أن يكون لها تأثير على مسار الأحداث في المستقبل"(5).

وتستخدم الدراسات المستقبلية العديد من التقنيات العلمية في تصور المستقبل وتوقعه، بما يمكِّن من اتخاذ قرارات في الزمن الحاضر، وبما يتوافق مع المستقبل الممكن أو المحتمل. ومن هذه التقنيات: العصف الذهني (Brainstorming)، وتتبع الظواهر (Monitoring)، والبحث المستقبلي الإثنوغرافي (Ethnographic Futures Research)، ونماذج المحاكاة (Simulation Models)، وطرق السلاسل الزمنية Time Series Methods))، وتقنية أو أسلوب دلفي (Delphi Method)، وتقنية السيناريوهات (Scenarios Method)(6)، وهي التقنية التي سيستخدمها الباحث في هذه الدراسة.

- الأقليات

يُطلَق مصطلح الأقليات على تجمُّع أناس في دولة يشتركون في خاصية مشتركة، وتكون عادة إما جنسية أو دينًا أو عِرقًا أو لغة أو صفة متماثلة. وتُعرِّف الموسوعة الأميركية الأقلية بـ"جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع، وتمتلك قدرًا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددًا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع. وغالبًا ما يُحْرَم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطني الدرجة الأولى"(7(. كما عرَّفت الموسوعة البريطانية الأقليات بـ"جماعات من الأقوام الذين يتمايزون عرقيًّا، ودينيًّا، أو قوميًّا عن بقية الأفراد في المجتمع الذين يعيشون فيه". ووردت الأقليات في المعجم الفرنسي "لاروس" بأنها تلك التي تكون أقل هيمنة من الناحية العددية بحيث لا يكون لها إلا القليل من الأصوات. أما الأمم المتحدة فعرَّفت الأقليات بجماعات متوطنة في المجتمع، تتمتع بتقاليد خاصة، وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة، تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما، وترغب في دوام المحافظة عليها(8).

- الهوية الوطنية

وهي معرفة وإدراك الذات القومية ومكوناتها من القيم والأخلاق والعادات والتقاليد، وتشكِّل سمات وخصائص يتميز بها شعب ما عن غيره من الشعوب، وترتبط هذه السمات بالسلوكيات العامة لمجموع الأفراد والعلاقات السائدة والمنتج الفني والثقافي لهذه المجموعة أو هذا المجتمع. وهي تمثِّل، بحسب الباحث إبراهيم ديب، "الوعاء الكبير الذي يعترف ويُوثِّق ويستوعب كل طوائف ومكونات المجتمع، وأنها كائن يتجسد في نفوس أبناء الوطن الواحد كجزء من تكوينهم الوجداني والذهني والنفسي"(9)

ومن خلال فهمنا لآلية وتشكُّل الهوية الوطنية للعراقيين، وطبيعة فهم السلطة في العراق لتلك الهوية، ولاسيما بعد 2003، نكون أقرب لفهم آلية التعامل مع اندماج الأقليات في الهوية الوطنية، أي كيف فهمت السلطةُ والمجتمع العراقي الهويةَ الوطنية بعد عام 2003، لأن هذا الفهم هو الذي يحدد آلية التعامل مع الأقليات سلبًا أو إيجابًا.

- مفهوم الهوية الفرعية للأقليات

وتعني تغليب المجتمعات الدينية والعرقية بأسمائها وانتماءاتها بشكل رئيس على حساب هوياتها الجامعة (الوطنية)، وهي تمثِّل أحد المخاطر والهواجس التي تواجه أنظمة الحكم غير الديمقراطية(10). ففي العراق مثلًا، ونتيجة غياب الحكم الرشيد للدولة المركزية، عزلت المجتمعات القومية والدينية نفسها في مجالات مغلقة أبعدتها عن الانغماس في الفضاء الوطني بعد العام 2003 من جهة، كما دفعت تلك الهويةُ الأقليات إلى الانشغال بانقساماتها الداخلية من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، فإن المسيحيين في العراق لم يتشرذموا على أساس كونهم أقلية مهمشة فحسب، وإنما انقسموا داخليًّا على أساس مكوناتهم الفرعية: كلداني، وآشوري، وأرمني... إلخ؛ مما عمل على إضعاف مقاومة الأقلية لوجودها الوطني، وبالتالي دفعها للهجرة أو الانعزال، وكذلك الأكراد والتركمان (بين سُنَّة وشيعة).

2. مكونات الأقليات في العراق وتوزيعها الجغرافي  

تتوزع الأقليات الدينية والعرقية على كامل مساحة العراق تقريبًا. ويُظْهِر التوزيع الجغرافي للأقليات، في إحصاء تقديري أَجْرَته وزارة التخطيط العراقية، عام 2020، أن "حجم سكان العراق تجاوز 40 مليونًا و150 ألف نسمة"(11). وتشمل خريطة الأقليات في المجتمع العراقي المكونات الآتية:

- الأكراد

يشكِّل الأكراد المجموعة العرقية الثانية من حيث عدد السكان بحوالي 15-19%، وهي بحسب آخر إحصائية لسكان إقليم كردستان أجرتها إدارة الإقليم، سنة 2020، تبلغ 6 ملايين و171 ألفًا و83 شخصًا، يتمركزون في محافظات: أربيل، والسليمانية، ودهوك، وحلبجة، فيما يشكِّلون نسبة 25% من سكان محافظة كركوك وحوالي 6% من سكان محافظة نينوى. كما يوجد الأكراد وبأعداد قليلة في محافظات ديالى وواسط والعاصمة، بغداد. دينيًّا ومذهبيًّا، فإن 97% من الأكراد مسلمون؛ منهم 80% سُنَّة، و17% شيعة ويُسمون بـ"الكرد الفيلية"، ويتوزعون من الناحيتين الجغرافية والسياسية على الدولتين، العراقية والإيرانية، ويشكِّل الأكراد المسيحيون والصابئة نسبة 3% من مجموع الأكراد(12).

- التركمان

يعيش التركمان في المنطقة الفاصلة بين العرب والأكراد ويشكِّل السُّنَّة التركمان نحو 50% من تركمان العراق، وينتشرون في كركوك ومدن الشريط التركماني في جلولاء والسعدية وكفري وسليمان بيك وينكجة وحمرين وتلعفر، بينما يمثِّل التركمان الشيعة نحو 50% أيضًا ويشكِّلون غالبية في أقضية: طوز خرماتو وتلعفر وداقوق ونواحي أمرلي وتازة خورماتو وقزانية وقرة تبة، بالإضافة إلى بلدات وقرى، مثل: البشير وبسطاملي، وقرى حول الموصل وأحياء كبيرة في كركوك وكذلك في خانقين وبلدروز وبدرة وجصان في محافظة ديالى(13).

- المسيحيون

تُعَدُّ المسيحية ثاني أكبر ديانة في العراق بعد الإسلام، وهي ديانة مُعترَف بها في الدستور العراقي الذي أسماهم الكلدوآشوريين، وتعني كل أقسام المُكَوِّن المسيحي من الكلدان، والآشوريين، والسريان الأرثوذكس (اليعاقبة)، والأرمن وغيرهم. أما الكنائس المسيحية في العراق فهي متعددة أيضًا، مثل: الكنيسة الإنجيلية والكنيسة المشيخية والكنيسة المعمدانية والكنيسة النظامية والكنيسة السبتية والبروتستانتية والكاثوليكية(14).

ويوجد مسيحيو العراق في معظم محافظات العراق، لكن يتركز وجودهم في بغداد والموصل والبصرة وكركوك ومناطق من إقليم كردستان العراق، ولعل ما تعرَّض له المسيحيون من حملات تقتيل وترهيب وتهجير تسبَّب في تناقص أعدادهم. ويشير تقرير أعدَّه الأسقف البريطاني، فيليب ماونستيفن، إلى وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت، في مايو/أيار 2019، إلى تراجع عدد المسيحيين في العراق إلى 120 ألف مسيحي مقابل 1.5 مليون مسيحي قبل 2003(15).

- الأيزيديون

الأيزيديون عرقيًّا هم خليط من الأكراد والعرب والفرس والأتراك، وهم بذلك يتكلمون لغات هذه القوميات. وتتراوح أعداد هذه الأقلية العرقية بين 500 ألف و700 ألف نسمة، ويتوزعون في محافظة نينوى: قضاء الشيخان، وبعشيقة، وبحزاني، وشنكال (سنجار)، وزمار والقوش، وفي محافظة دهوك: شاريا (سميل)، ومجمع خانك ومنطقة ديرة‌بون(16). وظهرت الأيزيدية في بلاد ما بين النهرين قبل أكثر من أربعة آلاف عام. ويقول أتباعها إنها أقدم ديانة في العالم وتجد جذورها في الزرادشتية، وقد اختلطت على مرِّ الزمان بالمسيحية والإسلام(17).

- الصابئة المندائيون  

كان تعداد الصابئة في عام 1919 يُقدَّر بـ8500 شخص في عموم العراق، فيما يُقدَّر عددهم حاليًّا بـ15 ألف شخص يوجدون في بغداد والمحافظات الجنوبية. ويتكلمون اللغة الآرامية إضافة إلى العربية. ويعتبر الصابئة ديانتهم إحدى الديانات الإبراهيمية، وأن آدم عليه السلام أول أنبيائهم ثم ابنه شيت وَسام بن نوح، ويتبعون منهج يحيى بن زكريا(18).

- الشبك

في الوقت الذي اعتبرت الحكومات العراقية قبل 2003 الشبك عربًا أيزيديين، فإن الكثير من المصادر المعتبرة تشير إلى أن الشبك ينحدرون من أصول غير عربية، وهم مسلمون منقسمون بين شيعة اثني عشرية وسُنَّة شافعية، لهم لغتهم الخاصة التي يُعتقد أنها خليط من اللغات العربية والكردية والفارسية والتركمانية. استوطنوا قرى صغيرة شرق الموصل(19).

- اليهود

يعود تاريخ الوجود اليهودي في العراق إلى فترة حكم الملك البابلي، نبوخذ نصر، الذي جاء بهم سبيًا من القدس إلى "بابل العظيمة"، عامي 597 و586 ق.م، وتعايش اليهود مع العراقيين بشكل ودي طيلة مراحل التاريخ. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد اليهود في العراق قبل العام 1948 بلغ حوالي 135 ألف يهودي؛ توزعوا على العاصمة، بغداد، وعدة محافظات، لكن -وبسبب الضغوط الكبيرة التي تعرض لها اليهود لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين بعد إعلان إنشاء إسرائيل- بدأت أعدادهم تتقلص حتى بلغ عددهم في عام 2003 أقل من 100 شخص فقط كلهم من كبار السن(20). وما زال البعض القليل ممن تبقى منهم يقوم برعاية ومتابعة أصول اليهود العقارية في بغداد وغيرها من مدن العراق، وكان موقع "ويكيليكس" نشر برقية دبلوماسية أميركية، في سبتمبر/أيلول 2009، أشارت إلى أن عدد اليهود المتبقين في بغداد هو ثمانية أشخاص فقط. وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإن يهود العراق وبعد دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" "يتطلعون بشوق إلى موطنهم ويخططون للعودة إلى أحضانه"(21).

- الكاكائية

معتقد غير تبشيري، أو لا يقبل التحوُّل الديني، وبحسب اعتقادهم، فإذا لم تولد كاكائيًّا فلن تكون كاكائيًّا أبدًا، وهي شبيهة في سريتها وانطوائها على ذاتها بجيرانها من الأيزيديين والشبك، وهو ما فتح الباب لكثير من الاتهامات والأساطير حول الجماعة وطبيعة معتقداتها. ويُقدَّر عدد الكاكائيين في العراق، بحسب المختص في شؤون الأقليات سعد سلوم، بنحو مئتي ألف(22).

- البهائيون

يُقدَّر عددهم في العراق بحوالي ألف شخص. وكان بهاء الله، مؤسس البهائية، أعلن نبوته من بغداد، وعاش فيها تسع سنين، قبل أن يُنفى إلى إسطنبول "ففي العاصمة بغداد، يوجد البيت الذي سكنه، وحديقة الرضوان (نجيب باشا حاليًّا)، وهي المكان الذي أعلن فيه البهاء دعوته العلنية"(23).

3. مكانة وأدوار الأقليات في تاريخ العراق المعاصر

كان للأقليات العراقية دور مباشر وكبير في رسم معالم الدولة العراقية الحديثة التي أسسها الملك الراحل، فيصل الأول، عام 1921؛ حيث لم تكن في دائرة العمل السياسي والعسكري والثقافي حساسيات الدين والقومية والمذهب قد ظهرت بعد. فالأكراد مثلًا كانوا موجودين وبقوة في أكثر من مجال، ولعل أبرزها الجيش؛ حيث كان للضباط الأكراد دور في تأسيس الجيش العراقي، وقد ارتبط تأسيس هذا الجيش، في 6 يناير/كانون الثاني 1921، بأسماء القادة المؤسسين الذين شكَّلوا أكثر من نصف قيادته الرسمية المؤلَّفة من 14 ضابطًا، أمثال: اللواء جعفر باشا العسكري، والعقيد حميد أحمد، والرائد سعيد محمد، والرائد بكر صدقي، والرائد توفيق وهبي بك، والرائد عبد الرزاق حلمي، والنقيب حسن حسين، والنقيب محمد أمين زكي بك، ثم توالت مساهمات الضباط الأكراد في بناء وقيادة وحدات من الجيش العراقي حتى احتلال العراق عام 2003(24). كما تولَّى جعفر العسكري رئاسة وزراء العراق للمرة الأولى عام 1923، وكان مما تقدم به إلى المجلس التأسيسي مقترح يقضي بجعل الدفاع عن العراق واجبًا وطنيًّا، كما سنَّ قانونًا للتجنيد الإجباري في العراق(25).   

ورغم تسيُّس القضية الكردية خلال فترات تلت هذه المرحلة ودخولها ضمن اهتمامات دولية وإقليمية (تركيا، وإيران، وغيرهما) للتأثير على العراق، إلا أن مشاركة الأكراد في الحياة العراقية السياسية والعامة ظلت قائمة دون أي تراجع حتى الآن، بل باتت مكانة الأكراد دستوريًّا وتشريعيًّا حقًّا ثابتًا في كونهم شركاء في هذا الوطن إضافة إلى مزايا إدارة إقليم كردستان.

أما المسيحيون العراقيون، فقد كانوا من ضمن الرعيل الأول لبناء الدولة العراقية الحديثة، وقد شاركوا في أول مجلس للنواب، فكان لهم ستة مقاعد؛ ثلاثة للموصل واثنان لبغداد وواحد للبصرة، إضافة إلى مقعد واحد في مجلس الأعيان حتى ثورة 14 يوليو/تموز 1958. وكانت المناصب الوزارية للمسيحيين بداية مع الدكتور حنَّا خياط كأول وزير للصحة العراقية، ثم يوسف غنيمة كوزير للمالية والتموين في عدة وزارات، وروفائيل بطي، الأديب والصحفي، الذي اختير في وزارة الجمالي، سنة 1953، كوزير للإعلام، وكان لهم أيضًا مشاركة بصورة محدودة ولكن فعالة في الأحزاب السياسية حتى يومنا هذا. فالسياسي العراقي الراحل، طارق عزيز، كان من قياديي حزب البعث في العراق، ومن قبله كان القيادي الشيوعي، يوسف سلمان يوسف (فهد)، الذي أُعدم يوم 14 فبراير/شباط 1949، كما انخرط المسيحيون في تشكيل حركات سياسية دخلت أجواء العمل السياسي البرلماني بعد عام 2003، مثل: "المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري"، و"اتحاد بيث نهرين الوطني"، و"حركة تجمع السريان"، و"ائتلاف الكلدان"، و"ائتلاف الرافدين"، و"حزب أبناء النهرين"، و"حركة بابليون"(26).

وكان للمسيحيين دورهم في قضية مطالبة تركيا بولاية الموصل، واشترك البطريرك، يوسف عمانوئيل الثاني، ونائبه، المطران يوسف غنيمة، والقس، سليمان الصائغ، في إثبات عراقية المحافظة. وهنا لا يفوتنا خطاب المطران غنيمة بالفرنسية في الوفد الأممي الذي قدم إلى الموصل لتقصي الحقائق واستطلاع الأوضاع؛ حيث أبدى رغبة أهالي الموصل في الحكم الوطني وتعلقهم بالعراق(27). كما أرسل فيما بعد البطريرك عمانوئيل رسالة مطولة إلى مقرر عصبة الأمم في جنيف تشير إلى أن المسيحيين يؤيدون الحكم الوطني والاستقلال. ولبَّى الملك فيصل الأول أثناء زيارته إلى الموصل، سنة 1931، دعوة البطريرك يوسف عمانوئيل بزيارة تاريخية إلى دير مار أوراها القريب من الموصل عرفانًا بهذا الدور(28). وأسهم مسيحيو العراق أيضًا في مجال إنشاء المطابع والطباعة والنشر والإعلام بوقت مبكر جدًّا. وفي مجال الصحف، كان هناك نجوم ورواد ما زالت أسماؤهم تُذْكَر في بعض فصول دراسة الصحافة بكلية الإعلام العراقية كالصحفي المحترف، روفائيل بطي، الذي أصدر في عام 1923 مع زميله عبد الجليل أوفي صحيفة "الحرية"، ثم أصدر روفائيل بطي صحيفة "البلاد" التي دامت فترة طويلة، وكذلك سليم حسون الذي أصدر صحيفة "العالم العربي" وتبعه جبران مكلون فأصدر صحيفة "الأخبار"، وهي صحيفة يومية إخبارية وسياسية. وفي عام 1937، أصدر توفيق السمعاني صحيفة "الزمان" التي استمرت حتى ثورة 14 يوليو/تموز 1958(29).

وكان للمرأة المسيحية أيضًا -ولا يزال- دور مهم في الصحافة العراقية، فقد أصدرت بولينا حسون، سنة 1927، أول مجلة نسوية في العراق حملت اسم "ليلى"، كما برزت الصحفية مريم نرمة التي عملت في الحقل الصحفي ما يزيد عن ربع قرن حتى وفاتها في خمسينات القرن العشرين(30). كما تميز الكثيرون في مجال التأليف والترجمة والمسرح والآثار والتنقيبات والسياحة والرياضة وغيرها. ويشار إلى أن موسوعة أعلام العراق، في القرن العشرين التي أصدرتها وزارة الإعلام العراقية، سنة 1995، أوردت في الجزء الأول ألف شخصية عراقية كان منهم 50 شخصية مسيحية أسهمت إسهامًا فعالًا في مختلف الميادين الفكرية والثقافية والعلمية، وكذلك نفس العدد في الجزء الثاني منها. وجدير بالذكر أن المسيحيين تمتعوا خلال فترة حكم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بالحرية النسبية وبالحماية، وبحسب أديب دويشه، الأستاذ بجامعة ميامي في أوهايو، فقد "كان هناك عقد اجتماعي بين الأقليات وصدام حسين، وأن المسيحيين ازدهروا اقتصاديًّا ووظيفيًّا بشكل ملحوظ"(31).

أما بالنسبة للتركمان، فقد كان لهم دورهم أيضًا في المساهمة ببناء العراق؛ حيث كان منهم ضباط كبار في الجيش العراقي ونواب وإعلاميون معروفون في كافة التخصصات(32). ومن الشخصيات المعروفة سياسيًّا من التركمان: الفريق عزت باشا صاري الكركوكلي، وهو أول وزير للمعارف والصحة في أول حكومة عراقية، عام 1921، واللواء ناظم الطبقجلي، والدكتور مظفر أرسلان، مستشار رئيس الجمهورية الأسبق، جلال الطالباني، والإذاعي سعاد الهرمزلي، والشاعر عبد الوهاب البياتي، والمئات غيرهم(33).

4. شكاوى الأقليات من محاولات التغيير الديمغرافي والتهميش

استخدمت بعض الأقليات العراقية في مراحل عدة من تاريخ العراق "شكاوى"/عمليات وصفتها أحيانًا بـ"التغيير الديمغرافي"، وأحيانًا أكثر بـ"الـتهميش" لجلب الانتباه الدولي، ومن بين أكثر الأقليات التي امتزج تاريخها بهذه "العقدة": الأقلية الكردية رغم حصول أكراد العراق على ما لم يحصل عليه أكراد المنطقة من حقوق دستورية وتشريعية وتنفيذية متقدمة. فمنذ فترات وقوع العراق بمناطقه المختلفة تحت السيطرة العثمانية وحتى العام 1996، كان هناك دائمًا صدامات وحركات عصيان وتمرد لمجاميع كردية بعضها قبلي وآخر حزبي(34). ومن هذه الحركات انتفاضة الأكراد في منطقة برزان احتجاجًا على دخول العراق في عصبة الأمم وتجاهل دعوات الأكراد للحكم الذاتي، وانتفاضة 1943 بقيادة الملا مصطفى البارزاني؛ سيطر خلالها على مناطق كبيرة من أربيل وبادينان. وخلال الحكم الجمهوري، وبعد تطورات إيجابية بين حكومة المركز في بغداد وقيادات الحركة الكردية، عاد التمرد الكردي، في عام 1961، بعد أن حلَّت الحكومة العراقية الحزب الديمقراطي الكردستاني(35).

وقد تمتع أكراد العراق بحقوقهم كاملة عبر قانون الحكم الذاتي الذي تم التوافق عليه بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني مُمثَّلة بالملا مصطفى البارزاني، في مارس/آذار 1970، وبموجب ذلك تم تعديل دستور العراق المؤقت آنذاك بإدخال النص الآتي: "إن الشعب العراقي يتكون من قوميتين: القومية العربية، والقومية الكردية". ورغم الوضع المتقدم لأكراد العراق قياسًا بأكراد إيران وتركيا إلا أنهم وخلال الحرب العراقية-الإيرانية، وتحديدًا في عام 1986، رعت الحكومة الإيرانية اجتماعًا للتصالح بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ثم قدمت طهران لاحقًا دعمًا مباشرًا للحركتين الكرديتين مقابل خدمات معلوماتية ولوجستية قدمها الحزبان لإيران، وهو ما أغضب إلى حدٍّ كبير الحكومة العراقية التي كانت تعاني صعوبات كبيرة في إيقاف سيل الهجمات الإيرانية على مناطق واسعة من العراق، وخصوصًا في مناطق حيوية من كردستان. ومع اقتراب الحرب من نهايتها، وتحديدًا في العام 1988، أطلقت القوات العراقية "حملة الأنفال" ضد المسلحين الأكراد الذين تعاونوا مع الجانب الإيراني خلال الحرب، وهو ما دفع الآلاف من الأكراد إلى الهروب إلى إيران وتركيا(36).

إن مرحلة ما بعد 1991 تمثِّل فاصلة زمنية مهمة وصولًا إلى عام 2003؛ حيث كانت مناطق الأكراد التي تمردت على الحكومة المركزية بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت تحت إدارة الحزبين الكرديين: الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، كما أنها كانت ضمن مناطق حظر الطيران في جملة التحديدات التي فرضتها قوات التحالف الدولي على حكومة بغداد، والاستثناء الوحيد كان في أغسطس/آب من عام 1996؛ عندما ناشد مسعود البارزاني الرئيس العراقي، صدام حسين، إرسال قوات من الجيش العراقي لمواجهة قوات الاتحاد الوطني الكردستاني التي كانت سيطرت بشكل شبه كامل على معظم مناطق كردستان، وفعلًا قام الجيش العراقي حينها بطرد قوات الاتحاد الوطني من أربيل ثم انسحب إلى مواقعه خارج الإقليم(37).

تركمان العراق أيضًا كانوا، وما زالوا، يشتكون من موضوع سياسات "التعريب"، لكنهم لم يتعرضوا لاستخدام منهجي للقوة ضدهم في مراحل سبقت نشوء الحكومات الوطنية الخالصة في العراق، وحتى الحوادث الدموية التي تعرضوا لها، خلال المائة عام المنصرمة، لم يسجل أحد مشاركة حكومية فيها، وقد كان الأبرز بين هذه الحوادث، ما يوصف بـ(مجزرة) كركوك، عام 1924، وقد جرت على أيدي القوات البريطانية، وعملية "كاورباغي"، سنة 1946، وكانت بسبب إضراب عمالي عام لمنتسبي شركة نفط العراق في كركوك. أما (مجزرة) كركوك، 1959، فقام بها جنود متمردون من أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي، وقد جرى اعتقالهم ومحاكمتهم بعد ذلك(38)

وبعد عام 2003، بدأ التركمان فعلًا بالشكوى من عمليات الإقصاء والتهميش، وإضعاف دورهم في العملية السياسية، وتَعرُّض مناطقهم إلى تغيير ديمغرافي جديد بحجة إعادة المرحَّلين الأكراد. كما عانى التركمان العراقيون من تدهور الأحوال السياسية والأمنية والعسكرية في مناطقهم. فقد شهدت المناطق الممتدة من مدينة تلعفر في أقصى الشمال الغربي إلى المنطقة الجنوبية الشرقية في بلدتي: مندلي وبدرة، أقسى الاختراقات الأمنية والمواجهات المسلحة، دفعت نسبة كبيرة من التركمان إلى مغادرة تلك المناطق نحو تركيا وإقليم كردستان العراق، وزادت طبيعة الانقسام الطائفي داخل الجماعة التركمانية العراقية من فداحة ذلك؛ فالتركمان العراقيون انقسموا بين القوى الراديكالية المتصارعة في العراق، ولم تتمكن القوى السياسية التركمانية المحلية، ولا حتى التدخل التركي، من تجاوز ذلك الانقسام. فالفصائل التركمانية التي تحالفت مع القوى الإسلامية الراديكالية، من تنظيمات الزرقاوي وحتى تنظيم الدولة، تمكَّنت من تهجير كامل التركمان الشيعة من مناطقهم، لاسيما في بلدة تلعفر، إلا أن هؤلاء انتظموا في فصائل (الحشد الشعبي) وعادوا لتهجير التركمان السُّنَّة منها(39).

وبالنسبة إلى المسيحيين، فقد تسارعت وتيرة هجرتهم من العراق بعد عام 2003 نتيجة أعمال العنف الطائفي في بغداد والمحافظات الأخرى، واختار المسيحيون الهجرة إما إلى خارج العراق أو إلى إقليم كردستان العراق(40). تاريخيًّا، لم يتعرض المسيحيون العراقيون إلى أعمال عدوانية خلال فترة تأسيس الدولة العراقية الحديثة باستثناء (مذبحة) سميل، وهي عمليات عسكرية قامت بها الحكومة العراقية بحق المتمردين من أبناء الأقلية الآشورية في شمال العراق في عهد حكومة رشيد عالي الكيلاني، عام 1932-1933، بسبب اتهامهم بالتعاون مع الإنجليز ومطالبتهم بتأسيس كيان سياسي انفصالي للآشوريين(41). يشار إلى أن المسيحيين كانوا يُعاملون على أساس وطني وليس دينيًّا طيلة تاريخ العراق الحديث، سواء في الحقوق أو الواجبات، لكن في العام 2003، شهد المسيحيون معاملة على أساس ديني بما أفقدهم الأساس الوطني الذي تُبْنَى عليه كل الاعتبارات الأخرى، وشملت عمليات التصفية الجسدية وعمليات الاختطاف وتفجير المنازل والكنائس قيادات مسيحية ومواطنين أبرياء من عدة محافظات، كما اعتبرت تنظيمات سياسية مسيحية أن سياسات الاستحواذ على السلطة والتهميش والإبعاد مستمرة بحق المسيحيين في العراق، وجددت الدعوة لاستحداث محافظة في سهل نينوى ومعالجة التجاوزات على أراضي المسيحيين وأملاكهم وكنائسهم.

5. تمثيل الأقليات في النظام السياسي الجديد للعراق

يبلغ مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي 329 مقعدًا. وحاليًّا، وبحسب نتائج انتخابات 2018، فقد حصل السُّنَّة على 71 مقعدًا، والشيعة 177 مقعدًا، والأكراد على 58 مقعدًا، والتركمان على 4 مقاعد، فيما مُنحت الأقليات 9 مقاعد: 5 مقاعد للمكوِّن المسيحي، ومقعد واحد لكل من الشبك (نينوى)، والأيزيديون (نينوى)، والصابئة (بغداد)، والفيليون (واسط).

وترى الأقليات الدينية الرئيسية أن الكتل الكبيرة لا تزال تمارس ذات السياسة التي اتبعتها منذ سقوط نظام صدام حسين، عام 2003، لغرض الهيمنة على مقاعد الأقليات الدينية، وبالتالي مصادرة برامجها الانتخابية وحقوق ناخبيها. وبشكل عام، تعتقد الأقليات الدينية في العراق أن حقوقها "مسلوبة لعدم تمثيلها في مراكز صنع القرار السياسي، كما أن الأقليات الدينية لا تشغل المناصب التنفيذية الثانوية في الوزارات العراقية(42). ويعتبر عضو تجمع مسيحيي العراق، فارس حنا، أن الكوتا لم تمنح المسيحيين حقهم الطبيعي الذي يتناسب مع وجودهم وتاريخهم، مبينًا أن "الكوتا ما هي إلا واجهات إعلامية لإظهار الانتخابات العراقية بوجه حسن أمام المجتمع الدولي"، فيما يرى المرشح عن حزب التقدم الأيزيدي، صائب خدر، أن المقعد المخصص للأيزيديين تجب زيادته؛ لأن مجلس النواب يتكون -بحسب الدستور- من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة. وعدد الأيزيديين في العراق يقارب الـ500 ألف شخص حتى بعد التهجير والمجازر التي تعرضوا لها على يد تنظيم الدولة. كما يرى كثيرون أن الأقليات ظُلمت مرتين: الأولى: حين تم منحها كوتا لا تتناسب مع حجمها الحقيقي وجذورها التاريخية، والأخرى حين لم تتكفل قوانين الانتخابات بحمايتها من سطوة الأحزاب الكبيرة(43).

6. موقع الأقليات في تغيير الخريطة السياسية والديمغرافية

شهد العراق تحولات سياسية واسعة بعد الإطاحة بالنظام الوطني سنة 2003، نتج عنها تنافس ممنهج ومدعوم دوليًّا وإقليميًّا للاستحواذ على السلطة، واستُخدِمت في هذا التنافس الانتماءاتُ الدينية المذهبية والقومية وسائلَ لتحشيد المؤيدين لهذا الفصيل أو ذاك، بما أفضى إلى تشكيل مناخ خصب للطائفية الدينية، وأسَّس لنظام المحاصصة في تولي المناصب التنفيذية والتشريعية وكل أجهزة الدولة.

لم يكن نظام المحاصصة حصرًا بالكيانات والأحزاب السياسية بل وصل الاحتقان الطائفي ذروته لدى بعض مكونات الشعب العراقي بموجب سياسات اعتمدتها جماعات طائفية وعرقية تجسدت بأسلوب التصفيات الجسدية والتغييب أو التهجير لترويع معارضيها. وازداد الأمر سوءًا بعد حصول عمليات كبرى طالت رموزًا دينية لطوائف بعينها كعملية تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء، في 22 فبراير/شباط 2006، بما فتح أبواب تصفيات مباشرة من طرف ميليشيات شيعية تجاه السُّنَّة، وكذلك تبادلت الميليشيات الشيعية والسُّنِّية التفجيرات والاغتيالات وأعمال التخريب والاعتداءات بحق المدنيين المحسوبين على الطائفة الأخرى لفترة امتدت لحوالي السنتين، بغرض إرغام العوائل العراقية على مغادرة بيوتها نحو مناطق أخرى بعيدًا عن منطقة الأكثرية الشيعية أو الأكثرية السُّنِّية، وهو ما فتح أبواب تغيير خريطة العراق السياسية والسكانية بشكل كبير؛ حيث هاجر معظم سُنَّة البصرة إلى الموصل وتحرك سُنَّة بغداد نحو الأنبار وكذلك فعلوا في ديالى وسواها.

إن اعتماد بعض المكونات السياسية هذه الطريقة في بسط نفوذها المناطقي للإمساك بالسلطة في العراق حوَّل الكثير من مناطق البلاد إلى مناطق نفوذ حصري بطائفتهم أو مُكَوِّنهم، بل إن هناك مدنًا كاملة مُسِخَت، وأخرى جرى تغيير اسمها كما حدث في جرف الصخر بمحافظة بابل التي أصبحت (جرف النصر). وتُمثِّل محافظة ديالى النموذج المصغر للتغيير الديمغرافي الذي يحدث في العراق، فبعد أن كانت تعرف تنوعًا دينيًّا وعرقيًّا متوازنًا بين الشيعة والسُّنَّة والأكراد، بالإضافة إلى أقليات أخرى، لحقتها تغييرات ديمغرافية بارزة بسبب تمكن الميليشيات الشيعية من بسط نفوذها هناك وفق رؤية استراتيجية شديدة القوة تجاه تأمين هذه المحافظة على الحدود الإيرانية(44).

الأكراد أيضًا متهمون باستغلال الحرب ضد تنظيم الدولة لضم بعض المناطق المحررة إلى سيطرتهم، واتَّهَمَت منظمة العفو الدولية قوات البشمركة بإحداث تغيير ديمغرافي لصالحهم، وقالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري التعامل مع الأزمات في منظمة العفو الدولية: إن "قوات حكومة إقليم كردستان على ما يبدو، تقود حملة منسقة لتشريد المجتمعات العربية عمدًا عبر تدمير قرى بالكامل في المناطق التي انتزعوا السيطرة عليها من تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق"(45)، وبالطبع، فإن أخطر ما في هذا الأمر وأكثره حساسية كانت محاولات ضم كركوك إلى إقليم كردستان بعد تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة*.

ويُعزى تراجع أركان الوحدة الوطنية العراقية إلى انتشار عمليات القتل والخطف والتهجير في عموم العراق، وربما كان المسيحيون هم أكثر الجماعات التي تعرضت للتنكيل والتهجير والتفجير لكنائسهم(46). وفي الموصل، وتحديدًا بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، أُمْهِل المسيحيون الموصليون أسبوعًا واحدًا لتقرير مصيرهم، ووزع التنظيم بيانًا على سكان الموصل وضع للمسيحيين فيه أربعة خيارات: "اعتناق الإسلام، أو إعطاؤهم عهد الذمة بعد دفع الجزية (450 دولارًا)، أو مغادرة المدينة من دون أي أمتعة، أو القتل". وجاء في البيان أن ممتلكات (النصارى) في المدينة تعود ملكيتها منذ الآن إلى "الدولة الإسلامية"، وذلك عقب وضع حرف الـ "ن" (نصارى) على منازل المسيحيين، ولم يمض الأسبوع إلا وأُفْرِغَت ثاني أكبر مدينة عراقية من عشرات الآلاف المسيحيين(47).

وبعد تحرير الموصل وسهل نينوى ومناطق أخرى من قبضة تنظيم الدولة في 2017، لم تعد أوضاع المسيحيين إلى طبيعتها بسبب ما يعتقده الكثير من الموصليين بهيمنة ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي الموالية لإيران، والتي بدأت بابتزاز السكان المسيحيين والمسلمين (السُّنَّة) والتحكُّم في شؤونهم اليومية. وفي تصريح للأب بهنام بينوكا لصحيفة "ديلي تلغراف"، في 12 يوليو/تموز 2019، من كنيسته في بلدة برطيلا، أوضح أن "الأوضاع سيئة أكثر من أي وقت سابق؛ فالأمور أصعب حتى من قبل تنظيم الدولة، إنهم يريدون انتزاع المسيحيين من البلاد"(48).

أما بالنسبة للأيزيديين، فقد تعرضوا إلى (مجزرة) كبيرة أثناء اقتحام تنظيم الدولة معقلهم الرئيس في مدينة سنجار، ويذكر مدير عام الشؤون الأيزيدية في وزارة الأوقاف في إقليم كردستان، خيري بوزاني، أن عدد المفقودين الذين لا يُعرف مصيرهم جرَّاء اختطاف تنظيم داعش لهم يبلغ نحو 3210، من بينهم أطفال لا يُعرف أعدادهم على وجه الدقة. فضلًا عن 68 مزارًا ومرقدًا دينيًّا أيزيديًّا فجرها التنظيم(49).

ورغم أن اضطهاد الأيزيديين جلب لهم اهتمامًا دوليًّا دون بقية الأقليات العراقية إلا أنهم ما زالوا ضحية صراع على السيطرة بين بغداد وأربيل، ولاسيما في منطقة سنجار التي يشكِّلون غالبيتها(50)، كما لا يزال أغلبية الأيزيديين يواجهون ظروفًا قاسية، بحسب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت؛ إذ لاحظت بعد مرور حوالي خمسة أعوام على سيطرة تنظيم الدولة على سنجار وما تلا ذلك من تحرير للمنطقة أن "الكثيرين لا يزالون يعيشون في الخيام، على قمة الجبل الذي هربوا إليه في ذروة الحملة الإرهابية"(51).

ولا تختلف حال الأقليات الدينية الأخرى عن بقية المكونات المذكورة آنفًا، فالبهائيون والكاكائيون والصابئة المندائيون وغيرهم تعرضوا للقهر الديني وعمليات التهجير القسري، وبعضهم تعرض للإبادة، حتى صارت بعض الأقليات على وشك الانقراض في العراق، وتكاد مناطقهم تكون بشكل شبه كامل ضمن مشاريع تغيير ديمغرافي تقوم به قوى إقليمية وبتنفيذ مباشر من أطراف داخلية مسلَّحة سيطرت على أغلب هذه المناطق بعد تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة.

7. مستقبل الأقليات العراقية ومصادر التهديد

تُصنَّف السيناريوهات إلى صنفين:

أولًا: سيناريوهات استطلاعية ونقطة الانطلاق فيها وضع ابتدائي فعلي أو مفترض، وتُقَسُّم إلى:

- سيناريوهات الاتجاه العام: السيناريو المرجعي، ويفترض استمرار الوضع القائم.

- سيناريو محتمل: وهو السيناريو المتوقع حدوثه من وضع ابتدائي فعلي.

- سيناريو ممكن: وهو السيناريو الممكن تحقيقه من وضع ابتدائي مفترض مضمون.

ثانيًا: سيناريوهات استهدافية أو مرغوب فيها: ونقطة الانطلاق في هذه السيناريوهات هي وضع مستقبلي أو صورة مستقبلية مرجوة. ويمكن أن تتعدد السيناريوهات الاستهدافية تعددًا كبيرًا(52).

إن السيناريوهات المعروضة في هذا البحث هي نتاج مُدخلات متعددة؛ فقد قام الباحث بدراسة وتمحيص الافتراضات التي تستند إليها السيناريوهات والدوافع لأوضاع الأقليات في العراق وكيف يمكن أن تتحقق هذه الافتراضات والدوافع في الاحتمالات المستقبلية المتعددة، وتوصل إلى صياغة ثلاثة سيناريوهات تمثِّل: سيناريو الاتجاه العام، والسيناريو المحتمل، والسيناريو الممكن.

وبشكل عام، وتحديدًا من السياقات السياسية والاقتصادية في العراق، يفترض الباحث استمرار سمات متعددة، كما يفترض أن هذا البلد سيبقى حافلًا بالمظالم والصراعات العنيفة التي ستحاول الجهات الفاعلة طائفيًّا وقوميًّا استغلالها لصالح تثبيت الأوضاع لصالحها أو الحصول على المزيد من المكاسب على حساب حقوق الأقليات. ونتيجة هذه الصراعات على مدى السنوات العشرة القادمة، فإن العراق سيفتقر للقدرة على السيطرة على كامل أراضيه وستبقى الولايات المتحدة والدول الإقليمية أكثر قدرة وأكثر قوة في إطارنا الزمني لتسيير دفة الصراع.

وتفترض سيناريوهات الباحث أن الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا ستبقى خلال عشر السنوات المقبلة محددًا رئيسيًّا لأهمية الواقع الخاص بالعراق وبالأقليات العراقية على وجه التحديد.

1. الدوافع

يراد بالدوافع هنا العوامل التي سيكون لها الأثر الأكبر على المسار المستقبلي للأقليات في العراق. وتشمل هذه العوامل الظروف المجتمعية وسلوك الأقليات من الجهات الفاعلة. ويمكن تصنيف الدوافع ضمن ثلاث فئات: تلك المتعلقة بالجماهير والجهات الفاعلة غير الحكومية، وتلك المتعلقة بالدول الإقليمية والبيئة الإقليمية، واستراتيجيات الجهات الفاعلة من خارج العراق.

- بالنسبة إلى الجماهير والجهات الفاعلة غير الحكومية، فيعني كيفية تحديد الجماهير ذاتيًّا لانتماءاتها، ولاسيما قوة الهوية القومية أو الدينية أو الطائفية بالمقارنة مع الهوية الوطنية، والتي تعتبر الطريقة الرئيسية التي يُحدِّد من خلالها الأفراد انتماءهم في مجتمع معين. وفي هذه الحالة، سيشعر الأكراد والمسيحيون والصابئة والأيزيديون وبقية الأقليات العراقية بصلة مع مواطنيهم العراقيين بغضِّ النظر عن مرجعيتهم الدينية أو القومية وما سواها.

- الدافع الثاني هو الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل: منظمات المجتمع المدني، والميليشيات، التي يمكنها تحريك الصراع الديني والطائفي أو القومي أو إخماده وفق سلوكها، تمامًا مثل علماء الدين وبعض الزعامات السياسية. فمنظمات المجتمع المدني تستطيع بناء الجسور بين مكونات الشعب العراقي من خلال تنظيم التظاهرات أو حملات التوعية والدعم ضد الانقسامات التي تستهدفها الأعمال الإرهابية ضد الأقليات كتفجير الكنائس والمساجد أو قتل المدنيين أو تغييبهم قسريًّا. وبالعكس، قد تلعب الجهات الفاعلة غير الحكومية دور المخرِّب وتُعطِّل المبادرات الحكومية والمجتمعية للحد من التجاوزات بحق الأقليات، كقيام الميليشيات بعمليات انتقامية ضد مناطق سُنِّية على أساس طائفي أو رفع شعارات مستفزة ضد الأكراد والتركمان وسواهم، بما يؤدي إلى استمرار دورات العنف في البلاد.

- الدافع الثالث ويمثل الجهات الفاعلة من خارج العراق وتوجه سياساتها الإقليمية، وهذه الجهات، كما ذُكِر سالفًا إما تعكس صراعاتها وحروبها بالإنابة على أرض العراق أو إلى فرض نفوذها عبر بوابة اللعب على سياسة الهوية من خلال دعمها لجماعة معينة سواء كانت ذات صبغة دينية أو طائفية أو قومية وتشجيعها على التمرد والعصيان أو من خلال الضغط على الحكومة أو القوى الممثلة للأكثرية بممارسة الإرهاب المجتمعي أو الأمني أو الاقتصادي تجاه الأقليات بنيَّة الحصول على السيطرة الكاملة على مقدرات العراق أو منعه من الاستقرار والنهوض من جديد بما يخدم مصالح وأجندات هذه الدول. وهنا، يبرز دور الرؤية القيادية السيئة في العراق التي حفزت مكونات الشعب العراقي على اتخاذ عناوين وولاءات إلى غير الوطن الواحد بل إلى ولاءات أخرى تمثِّل الدين والقومية والمذهب، لذلك تعمل اتجاهات الصراع كظاهرة تعزِّز نفسها بنفسها، فيما يفترض أن تلتزم الحوكمة الرشيدة تجاه الشعب العراقي بموجب عقد اجتماعي.

وتعمل هذه الدوافع أحيانًا بشكل مستقل عن بعضها البعض أو قد يتمتع أحدها بقوة ليطغى على تأثيرات العوامل الأخرى. على سبيل المثال، قد يُعزِّز تحسين الحوكمة والأداء الاقتصادي القوي الحس الوطني لدى سكان العراق ويُرسِّخ الهوية الوطنية بدلًا من الهويات الأخرى. كما قد تُلغي الدوافع بعضها بعضًا أو تتسبب في بلبلة عندما يشير دافع أو أكثر باتجاه صراع أقل في حين تشير دوافع أخرى باتجاه صراع أكثر إيغالًا في توجُّهه الديني والطائفي أو القومي. على سبيل المثال، قد تعطي القوتان الأهم من خارج المنطقة، الولايات المتحدة وروسيا، الأولوية للاستقرار الإقليمي، في الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى الأهم في المنطقة إلى زيادة نفوذها من خلال أنشطة مزعزعة للاستقرار في العراق.

2. السيناريوهات

هناك ثلاثة احتمالات مستقبلية بديلة للعلاقات القومية والدينية والطائفية في العراق على مدى السنوات العشرة المقبلة. وستشمل السيناريوهات الأكراد والمسيحيين والتركمان كنماذج عن الأقليات العراقية موضوع البحث. وتعكس هذه السيناريوهات كافة الافتراضات والدوافع التي نوقشت سابقًا، وتوضح مسارات مختلفة ولكنها ليست شاملة، أي إن هناك سيناريوهات أخرى ممكنة غير تلك الثلاثة، لكن الباحث يفترض أن هذه السيناريوهات تمثِّل مجموعة متنوعة من الدوافع وتقدم بعض السيناريوهات الأصلية.

- السيناريو الأول: بروز النزعة المحلية

الدوافع الأهم: الهوية الذاتية والجهات الفاعلة غير الحكومية ونوعية الحوكمة

بسبب تراجع النموذج الإسلامي في المنطقة عمومًا، وفي العراق على وجه الخصوص؛ لما قدمه من تخلف في الأداء ونزعات استبدادية متزايدة، برزت وستزداد في أعقاب ذلك ظاهرة "النزعة المحلية" التي تطالب فيها المجتمعات المحلية بدور أكبر في شؤونها وبتقديم الخدمات الرئيسية. إن النزعة المحلية هي ردٌّ على إخفاقات الأحزاب الإسلاموية بشكل خاص وفشلها بشكل متكرر في تقديم إطار عمل لحوكمة الدولة الفعالة، ويُلقي العراقيون اللوم عليها لمسؤوليتها عن صناعة الإرهاب في العراق. ومن أجل ملء الفراغ، تبرز "النزعة المحلية"، كما ذكرنا، كدافع مهيمن للهوية الذاتية.

ولا تطرح النزعة المحلية نفسها دائمًا بطرق إيجابية؛ حيث تستعيض أحيانًا عن الوطنية بهويات حصرية بالقدر عينه تؤدي مثلًا إلى تجديد التركيز على العشيرة كهيكلية تنظيمية للمجتمع المحلي. ولكن النزعة المحلية ستحدُّ بوضوح من تأثير الهيمنة الطائفية أو الشوفينية وتقلِّل من قدرة المستفيدين من الفتن الطائفية على حشد الجماهير بناء على أسس واسعة مثل الانتماء الديني والطائفي أو القومي. أي إن الأقليات في العراق وخلال عشر السنوات المقبلة ستعزز وتكرس انتماءاتها المحلية وستحاول الحصول على وضع محلي معترف به عرفًا أو قانونًا يَحُدُّ من تدخل الفئات الأكبر والمختلفة قوميًّا أو دينيًّا (طائفيًّا)، ومن اضطهادها.

فبالنسبة للأكراد الذين يتمتعون بحكم ذاتي منذ سبعينات القرن الماضي سرعان ما تحوَّل إلى صيغة متقدمة جدًّا في إدارة شؤونه ورعاية مصالحه تشريعيًّا وتنفيذيًّا وقضائيًّا تحت اسم "إقليم كردستان". ووفق هذا السيناريو، فإن الأكراد، وبعد فشلهم في خريف عام 2017، في تحقيق استقلالهم التام عن العراق، سيعززون مكاسبهم وحدود إقليمهم الحالية مع التمسك بالمطالبة بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي حول المناطق المتنازع عليها. كما سيتم تجاوز المشاكل المترسخة بين القوى السياسية في محافظتي أربيل والسليمانية من خلال تقاسم الموارد وتوحيد الصفوف والمواقف تجاه القضايا الوطنية العراقية دون الولوج في مشاكل هذه القضايا.

وبالنسبة للمسيحيين، ومن خلال هذا السيناريو، فإنهم وبعد مواجهتهم -مثل بقية الأقليات الدينية الأخرى في المنطقة- الخيارات المستحيلة، وهي البقاء أو مغادرة العراق ومناطقهم التاريخية كسهل نينوى، ورغم الدعم الذي وُعِدوا به من قبل الولايات المتحدة إلا أنهم ما زالوا بين نيران الاستغلال الكردي لقضيتهم وسيطرة ميليشيا الحشد الشعبي على مناطق ذات وجود مسيحي مهم. إن قراءة هذا السيناريو تميل إلى أن مسيحيي مناطق شمال العراق كسهل نينوى والموصل وكركوك سيضغطون للحصول على الحكم الذاتي واعتبار منطقة سهل نينوى محافظة خاصة بهم؛ حيث يؤكد إصرار نسبة مهمة من المسيحيين العراقيين على التمسك بالبقاء؛ لأن المسيحية بالنسبة إليهم ليست مجرد إيمان، بل ارتباطًا بمكان ولغة وجنسية وهو ما لا يتحقق بالهجرة من العراق.

أما تركمان العراق، فقد تمسكوا بهويتهم الذاتية خلال الماضي الممتد لعدة قرون، وهم من بعد إعلان الدولة العراقية عام 1921، حافظوا على ثوابتهم الخاصة باللغة والممارسات والتجمعات وغيرها من متطلبات عدم الانجرار وراء محاولات الحكومات المتعاقبة لدمجهم في المجتمع العراقي أو محاولات الأكراد إغواءهم بوعود تخص حصولهم على حقوق ذاتية مقابل القبول بتنازلهم، أي التركمان، عن حقوقهم التاريخية في مناطق وجودهم في كركوك وتازة وداقوق وطوز خورماتو، وأربيل والموصل وديالى وتلعفر والرشيدية، وقرى تركلان ويحياوه وليلان. وفي هذا السيناريو، فإن تركمان العراق ومن خلال أنشطة خاصة وعامة للحفاظ على الهوية الذاتية، ومع أدوار مهمة للجهات الفاعلة غير الحكومية كمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وغيرها، ومع لعبهم دور فرس الرهان في معادلة الصراع بين إقليم كردستان والحكومة المركزية لانتزاع محافظة كركوك، سيتمتعون بحقوق ذاتية والتي سبق وأعلنوا عن رغبتهم بها عندما ساد حديث الأقاليم في العراق، عام 2007.

- السيناريو الثاني: استراتيجية الدفع باتجاه حافة الهاوية

الدافع الأهم: طابع الخطاب الديني والدول الإقليمية والجهات الفاعلة من خارج المنطقة

يتسم هذا السيناريو بتصعيد الصراع بين مكونات الشعب العراقي القومية والطائفية؛ يفضي بمدخلاته ونتائجه على الأرض إلى صراع مباشر بين القوى الإقليمية والجهات الفاعلة من خارج العراق قبل أن يتراجع الجميع في نهاية المطاف بدافع الخوف من العواقب إلى بذل جهود لاحتواء مناطق الاضطرابات والقلاقل الحرجة. وهناك مؤشرات على الأرض تشير إلى أن دولًا إقليمية ودولية بعينها تستثمر نشاطها ومخططاتها الخاصة في الاختلافات الاستراتيجية فيما بينها عن طريق الصراع بالوكالة تحت عناوين شتى منها الطائفية والعرقية والقومية.

ويُستَخدم رجال الدين بشكل خاص من خلال خطابهم الديني لتكريس الفرقة بين مكونات الشعب العراقي، وتحريض أتباعهم على ممارسة العنف والكراهية بحق هذه المكونات تحت شعارات وعقد تاريخية لا علاقة لها بالواقع وبشروط الدولة المدنية.

ويشير هذا السيناريو إلى احتمال زيادة الصراع القومي والطائفي في العراق، ولكن إلى حدود تدفع الجهات الفاعلة الإقليمية إلى التراجع عند الوصول إلى احتمالات عدم استقرار أكبر في هذا البلد. وهذا السيناريو هو الأكثر صعوبة من ناحية تصميم التدخلات السياسية؛ إذ يفيد أحد تفسيراته بأن الأمور ستزداد سوءًا قبل أن تتحسن.

وسيواجه الأكراد من خلال هذا السيناريو معاناة بشكل أكبر من التدخلات الإيرانية والتركية في شؤون إقليم كردستان الداخلية، وتأجيج الصراعات بين القوى والأحزاب السياسية التقليدية فيما بينها من جهة، وبينها وبين الأحزاب الإسلامية الكردية، من جهة أخرى. كما ستزداد خلال السنوات العشرة المقبلة الهوة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم بضغط من إيران وكذلك بتوافق مع الولايات المتحدة وتركيا لإبقاء منطقة كردستان ضمن حدود القدرة المحدودة للانفصال ولإبعاد شبح الحرب بين الطرفين في آخر المطاف. وسيسهم الخطاب الديني، وبخاصة الشيعي منه، في تأجيج المشاعر الطائفية تجاه الأكراد على أساس طائفي وقومي يجعل من التلويح بالحرب متاحًا خلال هذه الفترة لكنها تتلاشى قبل بلوغها الذروة.

وسيكون المسيحيون أيضًا في هذا السيناريو ضحية خطاب ديني وتحالفات إقليمية خطيرة تسعى إلى دفع آخر الجماعات المسيحية لهجرة العراق إلى دول أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا وسواها. فالمسيحيون في العراق حوصروا بين سندان الميليشيات المرتبطة بإيران وبين غياب حماية الدولة، ففي بغداد والموصل وعدد من المحافظات صودرت منازل المسيحيين بعد أن تركها أصحابها على إثر تلقيهم لتهديدات بالقتل، فيما التزمت حكومة بغداد بالصمت دون اتخاذ أي إجراء حازم لإيقاف هذه الممارسات؛ ما يوحي بحسب دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، عام 2015، أن الأمر يتم وفق تنسيق عالي المستوى يهدف لإجراء تغيير ديمغرافي يضمن خلو العراق من المسيحيين عام 2030(53).

أما التركمان، فإنهم ورغم الجهود والأموال التي تنفقها تركيا من أجل دعم قضاياهم في العراق، إلا أنهم يعانون من خطاب الكراهية والتحريض الذي تقوم الميليشيات ورجال الدين الداعمون لها بتأجيجه وتكريسه لدى أتباعهم، ويرتكز خطاب الكراهية على إثارة النعرة التاريخية وخلط الأوراق، وتعميم فكرة أن تركمان العراق امتداد للعثمانيين، وهو ما يطمس بشكل ممنهج حقيقة تاريخ وجود تركمان العراق في هذا البلد؛ إذ يعود إلى ما قبل نشوء السلطنة العثمانية بمئات السنين أو أكثر. هذا الربط غير الدقيق تاريخيًّا، قد يستخدم لتصفية حسابات عرقية أو طائفية أو سياسية، في حال جرى استهداف تركيا من قبل أطراف تمتلك النفوذ والقدرة في العراق. لكن مثل هذا الاحتمال سيظل مرهونًا بالعلاقة مع تركيا، فضلًا عن طبيعة التحالفات السياسية الداخلية وموقع التركمان فيها، مع الإشارة إلى أن التركمان ذاتهم لا يشهدون انقسامًا أو تنافسًا داخليًّا واضحًا أو مؤثرًا، يهيئ لاستقطابات ربما تقود لصراعات داخلية، لاسيما على أساس طائفي.

وبجانب الصراع الإقليمي الذي قد يصبحون من بين ضحاياه، فإنهم تعرضوا أيضًا لعمليات متصلة لغرض تهديد وجودهم في معقلهم بكركوك، ويشير رئيس الجبهة التركمانية العراقية، أرشد الصالحي، إلى أن التركمان تعرضوا إلى اعتداءات ممنهجة استهدفت رجال الأعمال في هذه المدينة، وخلال ثلاث سنوات تم دفع نحو 100 مليون دولار كفدية للعصابات المنظمة التي تعمل بشكل ممنهج(54).

- السيناريو الثالث: حكومة مركزية قوية تضمن استحقاقات الأقليات

الدوافع الأهم: الهوية الوطنية والحراك الشعبي ومنظمات حقوقية 

إن الحراك الشعبي، الذي تكرر في المشهد العراقي لعدة سنوات ضد الفساد والتغييب القسري وإهمال الهوية الوطنية العراقية وتصفية أصحاب قضايا الرأي والمجتمع المدني، سيستمر خلال السنوات المقبلة، وبرغم التدخلات الإقليمية والدولية سيصل هذا الحراك إلى أهدافه بإحداث تغيير كبير في بنية السلطة في العراق، وتمهيد الطرق لبناء نظام سياسي جديد مبني على الأسس الديمقراطية.

وفي هذا السيناريو، فإن الحكومة التي تتمخض عن هذا الحراك الشعبي، والممارسات الديمقراطية، ستعزز من مكانة المواطنة من خلال إعادة كتابة دستور يضمن حقوق جميع أبناء الشعب العراقي وإعطاء الأقليات حقوقًا إضافية تتعلق باللغة والتعليم والعبادة وبقية الممارسات، كما هي الحال بالنسبة لحقوق الأقلية الكردية. وسيكون للأكراد والمسيحيين والتركمان وغيرهم من الأقليات في العراق نصيبان من رعاية الدولة: أولهما: حق الهوية الوطنية، والآخر: حقوقهم كأقلية، بما يضمن عودة العراق للبناء والإنتاج والازدهار وأيضًا عودة المهاجرين من أبنائه بشكل طوعي.

خاتمة

من خلال بحث خريطة الأقليات في المجتمع العراقي وأوضاعها وتمثيلها السياسي وأدوارها، والسيناريوهات المستقبلية لمكانتها في النظام السياسي خلال الأعوام العشر المقبلة، تخلص الدراسة إلى الاستنتاجات الأساسية الآتية:

- في مدة زمنية تمتد إلى عشر سنوات، تتوافر احتمالات مستقبلية معقولة ومتعددة لواقع الأقليات في العراق؛ فمسألة زيادة اضطهاد الأقليات أو انخفاضها في العقد القادم غير حتمية، وذلك لأن درجات حدوثها تعتمد على دوافع قد تشير إلى متغيرات في أي من الاتجاهين.

- قد تتأثر بعض هذه العوامل بقرارات إقليمية ودولية، كما أن نوعية الحوكمة الوطنية والظروف الاقتصادية والتصدي للصراعات القائمة لمنع امتدادها كلها عرضة للتدخلات السياسية من عدة أطراف.

- تبقى مشكلة الخطاب الديني والخطاب الشوفيني قائمة حتى مع قيام حكومة مركزية وطنية قوية في العراق بسبب تأثر المجتمعات المحلية بهذا الخطاب وبسبب ارتباطه بمشاريع إقليمية واضحة.

- هناك توقعات لضغوط أميركية-أوروبية تجاه الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن العراقي ضمن أجندات تتعلق بالأقليات لتهدئة الصراعات فيما بينها على أرض العراق، ويمكن للمجتمع الدولي وينبغي له أن يلعب دورًا إيجابيًّا وداعمًا في هذا الصدد.

- إن المشكلة التي يعاني منها العراق تتمحور في تحديد الخيارات المستقبلية لبناء دولة عراقية جديدة وربما يكون مهمًّا الاستفادة من نماذج تاريخية ناجحة في الدول متعددة الطوائف والأعراق لإيجاد حل سياسي ودستوري.

- يُعَدُّ مستقبل الأقليات في العراق أمرًا محوريًّا لمسألة مستقبل العراق كدولة، وإن اتخاذ الإجراءات القانونية لحماية حقوق الأقليات سيكون أحد المؤشرات المهمة على التزام الحكومة العراقية بالتعددية والديمقراطية بما يضمن مستقبل العراق كدولة قومية توفر الحماية الحقوق لكل أبناء شعبها.

نشرت هذه الدراسة في العدد العاشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) زيد عدنان الطائي، أقليات العراق في العهد الملكي، ط 1 (دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، العراق، 2016)، ص 12.

(2) أحمد الدباغ، "بالأرقام والمناطق.. تعرف إلى خريطة التنوع الطائفي في العراق"، sasa post، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 27 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3kDCkAy.

(3) محمد سرحان علي المحمودي، مناهج البحث العلمي، ط 3 (دار الكتب، صنعاء، 2019)، ص 66.

(4) Edward Cornish, the Study of the Future, World future Society, Washington, (1977): 85.

(5) مازن إسماعيل الرمضاني، دراسة المستقبلات: رؤية في إشكاليات المفهوم ومقاربات التوظيف، استشراف، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، العدد 1، 2016)، ص 161-192.

(6) ضياء الدين زاهر، مقدمة في الدراسات المستقبلية: مفاهيم، أساليب، تطبيقات، (مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 2004)، 51.

(7) مصلح خضر الجبوري، الدور السياسي للأقليات في الشرق الأوسط، ط 1 (الأكاديميون للنشر والتوزيع، عَمَّان، الأردن، 2013)، ص 8.

(8) للتوسع، انظر: موفق محمد، مفهوم الأقلية وتعريفها في المواثيق الدولية، الحوار المتمدن، العدد 3168، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2010، (تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/389j2Oq.

(9) مجموعة من الباحثين، المواطنة والهوية الوطنية، ط 1 (مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، 2008)، ص 17.

(10) عبد الحكيم أحمين، الهويات الافتراضية في المجتمعات العربية، ط 1 (دار الأمان، المغرب، 2017)، ص 23.

(11) "التخطيط: سكان العراق تجاوز الـ40 مليونًا في العام 2020"، وكالة الأنباء العراقية، 12 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/38bD2jw.

(12) رائد الحامد، "العراق: فسيفساء الديانات والطوائف والقوميات"، وكالة الأناضول، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 30 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3rjMgSb.

(13) حنا بطاطو، العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ط 1 (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990)، ص 58.

(14) الطائي، أقليات العراق في العهد الملكي، مرجع سابق، ص 21.

(15) "اضطهاد المسيحيين بلغ حد الإبادة الجماعية"، بي بي سي، 4 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2021)، https://bbc.in/3qfmgpF.

(16) زهير كاظم عبود، الإيزيدية حقائق وخفايا وتفاصيل، ط 1 (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005)، ص 12.

(17) المرجع السابق.

(18) رشيد الخيون، الديانة المندائية في فقه وتاريخ الإسلام، ط 1 (دار مدارك، دبي، 2001)، ص 15.

(19) زهير كاظم عبود، الشبك في العراق، ط 1 (دار الوراق، بغداد، 2005)، ص 7.

(20) "يهود العراق"، ويكيبيديا، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 15 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3rePiqM.

(21) "بعد سنوات من هجرتهم لإسرائيل: يهود العراق يخططون للعودة لوطنهم"، أطلس للدراسات الإسرائيلية، 16 ديسمبر/كانون الأول 2017، (14 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3rmsHsE.

(22) سعد سلوم، "مئة وهم عن الأقليات في العراق، الجزيرة نت، 1 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3c3PjaP.

(23) "البهائية في العراق"، ويكيبيديا، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3e2kHsS.

(24) مصطفى القرة داغي، "دور الأكراد في وضع حجر أساس الدولة العراقية"، الحوار المتمدن، 8 يناير/كانون الثاني 2008، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار2020)، https://bit.ly/3sRuKoz.

(25) عادل محمد حسين، "تطور الدور السياسي للجيش العراقي 1935- 1939"، مجلة التربية والعلم، (جامعة تكريت، المجلد 14، العدد 1، السنة (2)، 2006). ص 17-40.

(26) مصطفى حبيب، "سبعة تحالفات مسيحية والكنيسة تدخل على الخط"، نقاش، 15 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3kK6SAx.

(27) الطائي، أقليات العراق في العهد الملكي، مرجع سابق، ص 29.

(28) Liora Lukitz, Iraq: The Search for National Identity (London: Frank Cass and Company, 1995), 37.

(29) كاظم حبيب، مسيحيو العراق: أصالة، انتماء، مواطنة، ط 1 (دار نينوى للدراسات والنشر، دمشق، 2018)، ص 89.

(30) المرجع السابق.  

(31) P. J. Tobia, “Why Did Assad, Saddam and Mubarak Protect Christians?,” pbs.org, October 14, 2011, “accessed February 15, 2021”. https://to.pbs.org/3bfgYGp.

(32) سعد سلوم، "مئة وهم عن الأقليات في العراق"، الجزيرة نت، 1 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/2O36SzN.

(33) مير بصري، أعلام التركمان والأدب التركي في العراق، ط 1 (دار الوراق، لندن، 1997)، ص 23.

(34) مصطفى القرة داغي، "دور الأكراد في وضع حجر أساس الدولة العراقية"، الحوار المتمدن، 8 يناير/كانون الثاني 2008، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/308cXgI.

(35) "المسألة الكردية في العهد الجمهوري العراقي"، moqatel.com، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3rhRxJQ.

(36) Ashley Smith, “Crisis in Iraq: The bitter fruit of war and occupation,” Issue 94, isreview.org, (2014), “accessed March 22, 2021”. https://bit.ly/3bYncJX.

(37) أحمد الدباغ، "ذكرى اقتتال الأكراد يوم استنجد البارزاني بصدام حسين ضد قوات الطالباني"، الجزيرة نت، 31 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 18 ديسمبر/كانون الأول 2020)،  https://bit.ly/3e9oTHs.

(38) نصرت مردان، "الوجود التركماني في كركوك كنموذج للتآخي الإثني تاريخًا وحاضرًا"، مجلة تركمان العراق، (العدد 3، أبريل/نيسان 2004)، (تاريخ الدخول: 23 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3kJlgJi.

(39) المرجع السابق.

(40) Ashraf al-Khalidi, Victor Tanner, “Sectarian Violence: Radical Groups Drive Internal Displacement in Iraq,” The Brookings Institution, University of Bern, Project on Internal Displacement, An Occasional Paper, October 2006.

(41) عوديشو ملكو سركيس آشيثا، نكبة سميل 1933 أسبابها وتأثيراتها المحلية والدولية، (أطروحة دكتوراه، جامعة سانت كليمنتس (مكتب دهوك)، 2012)، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/386zQFy.

(42) علي جواد، عارف يوسف، "برلمانيات العراق: الأقليات الدينية تواجه هيمنة الأحزاب الكبيرة"، وكالة الأناضول، 25 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 25 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3rfea1O.

(43) براء الشمري، "العراق: عين الأحزاب الكبيرة على كوتا الأقليات في الانتخابات"، العربي الجديد، 11 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 25 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3dKM4FS.

(44) خالد بن الشريف، "كيف تغير الصراعات الطائفية ديموغرافية العراق باستمرار؟"،sasa post ، 29 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول:27 مارس/آذار 2020)،  https://bit.ly/3sNeTYf.

(45) المرجع السابق.

* قامت القوات الاتحادية العراقية، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، باستعادة السيطرة على مدينة كركوك وإبعاد سيطرة قوات البشمركة عليها في عملية وُصفت بالنوعية؛ تمكنت خلالها القوات الحكومية من إعادة المدينة إلى الحاضنة الوطنية ومنع مزايدات الأحزاب الكردية على هويتها العراقية الجامعة.

(46) Rikar Hussein, “Mass Christian Immigration From Iraq Makes Future of Church Uncertain,” Voa news, February 26, 2017, “accessed December 2, 2020”. https://bit.ly/3riHTXv.

(47) سليم جوي، "تهجير مسيحيي الموصل: العراق إلى أربعة أجزاء" الأخبار، 22 يوليو/تموز 2014.  

(48) تيم ستانلي، في العراق ظن المسيحيون أن الأمور ستتحسن، ولكنها تحسنت لفترة وجيزة فقط"، ديلي تلغراف، 13 يوليو/تموز 2019.

(49) عبد القادر ديليمان، الأقليات اليزيدية ما زالت تعاني بعد سقوط الخلافة، الحرة، 5 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار2020)، https://arbne.ws/3kNtBvx.

(50) محمد آلاجا، "الإيزيديون العراقيون عالقون في الصراعات الكردية على سنجار"، الغد، 23 ديسمبر/كانون الأول 2020.

(51) تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في أعقاب التحقيقات التي أجرتها المفوضية والمؤرخ في 27 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 24 مارس/آذار 2020)، https://bit.ly/3kJ10r8.

(52) أحمد السيد، وآخرون، "الدراسات المستقبلية في التعليم: السيناريوهات نموذجًا"، العلوم التربوية، (العدد الثاني، الجزء 2، أبريل/نيسان 2018).

(53) "عام 2030.. عراق بلا مسيحيين"، أخبارك، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، https://bit.ly/389tmG6.

(54) "رئيس الجبهة التركمانية العراقية، أرشد الصالحي: تركمان العراق خارج الصراع الطائفي"، 2 أبريل/نيسان 2017.