تناقش هذه الورقة أهداف تركيا من وراء إرسال قواتها العسكرية في مهمة إلى أفغانستان، كما تستعرض أيضًا، ما يحف بتلك المهمة من مخاطر دولية وميدانية على حدٍّ سواء. وترى الورقة، في تقييمها للأوضاع الحالية، أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يؤشر إلى بداية ظهور نموذج تنافسي جديد بين القوى العظمى الفاعلة في قارة آسيا؛ إذ من المنتظر توقع مبادرة روسيا والصين إلى محاولة ملء الفراغ الحاصل في السلطة بسبب الانسحاب الأميركي في آسيا، أما فيما يتعلق بعلاقات تركيا مع كل من روسيا والصين، فقد جرت مناقشتها على مستويين(1): مستوى التجارة/الاقتصاد ومستوى المنافسة الإقليمية. وتشير الورقة أيضًا إلى المخاطر الكبرى التي قد تتعرض لها تركيا من قبل روسيا والصين في حال تولَّت دورًا في آسيا من خلال بوابة أفغانستان، كما تناقش الورقة سيناريوهات المخاطر التي قد تواجهها تركيا في الميدان أثناء أداء دورها في أفغانستان.
دور تركيا في أفغانستان: مخاطر كبيرة
قصة تركيا في أفغانستان ليست بالجديدة، إلا أن تطورات جوهرية في أفغانستان كشفت عن نزاعات حادة تتعلق بالدور التركي فيها.
ففي المقام الأول، لم يكن الدور التركي المهم في أفغانستان منذ عام 2003 قتاليًّا، وخاصة في مطار كابل ومحيطه(2). وعلى الرغم من أن الوجود العسكري التركي، غير المقاتل، أفرز علاقات عززت من تقارب تركيا مع أطراف الصراع في أفغانستان، فإن ما توصلت له المحادثات الأفغانية-الأفغانية في الدوحة والاتفاق بين أميركا وحركة طالبان قد أثَّرا سلبًا على موقف تركيا.
لقد اتخذت تحركات تركيا الجديدة في أفغانستان، التي كان منتظرًا منها إصلاح علاقات أنقرة بواشنطن وتعزيز موقع تركيا في حلف الناتو(3)، منعطفًا مغايرًا بسبب سيطرة طالبان السريعة على البلاد. لكن، ومع ذلك، فإن بسط طالبان سيطرتها على السلطة لم يدفع بتركيا إلى التراجع، فتركيا اليوم تبحث عن فرصة للحفاظ على وجودها العسكري من خلال آلية المفاوضات مع حركة طالبان(4). وذلك على الرغم من أن وزارة الدفاع التركية، أعلنت، أنها بدأت سحب قواتها من أفغانستان. وقد قدَّرت تركيا، من جانبها، أن مهمة تأمين حماية مطار كابل تعد فرصة براغماتية، في حين كانت غاية أميركا تتمثل في نقل مسؤوليتها عن تأمين حماية المطار إلى قوة وسطى ذات تأثير ومتعاونة، بينما تنفذ هي عمليات الانسحاب من أفغانستان ومن ثم الاستعداد لمواجهة منافسة القوى العظمى، ممثلة أساسًا في روسيا والصين(5). فما يُعرف باستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة آسيا الوسطى للفترة 2019-2025، فضلًا عن سياساتها تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ(6)، تدعم الفكرة القائلة: إن الانسحاب من أفغانستان هو مرحلة تدخل ضمن الإعداد لدورة من المنافسة الجديدة بين القوى العظمى.
وفي الوقت الذي ينصبُّ فيه الكثير من التركيز على الولايات المتحدة وكيفية استعدادها لرفع راية تحدي منافسة القوى العظمى، فإن لعبة المحصلة الصفرية، طويلة الأمد، بين بيجين وموسكو ستنتهي عند نقطة ما بعد استكمال انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، ولن تتمكن هاتان القوتان العظميان، اللتان تتغاضيان عن إحداهما الأخرى بسبب وقوفهما المشترك ضد الولايات المتحدة الأميركية، من الحفاظ على هذا التوازن القائم بينهما حاليًّا في منطقة آسيا الوسطى. وفي هذا السياق، تعتقد تركيا أن قيامها بدور في أفغانستان سيمكِّنها من الانخراط في المنافسة القائمة بين القوى العظمى في منطقة آسيا، وبالتالي تحقيق الإبقاء على نهج سياستها الإقليمية الرامية إلى تحقيق التوازن والظفر بمكاسب سياسية واقتصادية في الآن نفسه.
المخاطر الرئيسية: تنافس القوى العظمى ودور تركيا
من المنتظر أن يُعيد انسحاب أميركا من أفغانستان ترتيب المواقف الجيوسياسية على خلفية موقف الولايات المتحدة تجاه كل من الصين وروسيا. ونتيجة لذلك، فإن المنافسة بين القوى العظمى ستتحول من تركزها في المناطق عالية التكلفة في الشرق الأوسط نحو منطقة آسيا الأكثر تمحورًا حول الدبلوماسية والتجارة. غير أن هذا التحول لن ينقص من قيمة الخطط الاستراتيجية الخاصة بالمناطق والبلدان، بل على العكس من ذلك، سيجعلها أكثر أهمية باعتبارها قاسمًا مشتركًا للصراع بين القوى العظمى. غير أن هذه التطورات سوف تحدد أيضًا حقبة من المنافسة المتجددة بين القوى العظمى في منطقة آسيا، بقيادة الصين وروسيا، وبين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لتحل محل النظام العالمي أحادي القطب(7).
وفي الوقت الذي أصبح فيه العالم قاب قوسين أو أدنى من دخول حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى تجاريًّا وسياسيًّا، تشعر تركيا، في المقابل، بهذا التنافس بين القوى العظمى بمختلف جوانبه، وذلك بسبب دورها المزمع تأديته في أفغانستان. فعلى الرغم من علاقات أنقرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الواسعة مع الغرب، إلا أن توليها المحتمل لمهمة في كابل، بطريقة ما، سيضع سعيها في محاولة تحقيق التوازن في علاقاتها بين آسيا والغرب أمام مصاعب كبيرة(8). وعلى الرغم من الآراء السلبية السائدة بكثافة، سواء داخل الأوساط السياسة أو في وسائل الإعلام التركية(9) ضد الغرب ومؤسسات الحرب الباردة التي أنشأها بما فيها منظمة الأمم المتحدة، فإن الحكومة التركية، وهي تحاول الحفاظ على مستوى معين من العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا، تتوجس من تشكل علاقة اقتصادية تقوم بين القوتين العظميين في آسيا تعمل ضد مصالحها.
فبخصوص ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية -بعيدًا عن تأثير جائحة كوفيد-19 ومع اعتماد العام 2019 كأساس- فإننا نجد أن أغلب صادرات تركيا تذهب إلى الأسواق الغربية. وفي المقابل، تأتي أغلب واردات تركيا، في نفس العام 2019، من روسيا والصين. ووفقًا لبيانات معهد الإحصاء التركي، فقد بلغت واردات تركيا من الصين وروسيا في عام 2019 ما قيمته 40 مليار دولار، من أصل إجمالي ورادتها البالغ 202 مليار دولار.
الصين |
روسيا |
الإجمالي |
|
الصادرات | 2.586.637.371 |
3.852.993.806 |
6.439.631.177 |
الواردات | 18.496.580.460 |
22.453.026.441 |
40.949.606.901 |
15.909.943.089- |
18.600.032.635- |
34.509.975.724- |
|
البيانات الواردة في الجدول أعلاه حصل عليها كاتب الورقة من المعهد التركي للإحصاء. |
ووفقًا للبيانات المنشورة على التليفزيون التركي الرسمي، كانت الصين تأتي في المرتبة 18 لوجهة الصادرات التركية في العام 2019، أما من حيث الواردات فكانت الصين، في نفس العام، تحتل المرتبة الثالثة من بين الدول المورِّدة لتركيا. و"خلال السنوات الخمسة الماضية، صدَّرت تركيا إلى الصين سلعًا وخدمات بلغت 13 مليارًا و179 مليون دولار، في حين بلغت قيمة مجموع وارداتها من الصين 112 مليارًا و902 مليون دولار. وهكذا، فقد بلغ مجموع حجم التجارة بين البلدين 126 مليار دولار"(10). ووفقًا لما تضمنته قائمة الواردات، الصادرة عن وزارة التجارة التركية ومعهد الإحصاء في يونيو/حزيران 2021، فإن الصين وروسيا تتصدران، على التوالي، هرم قائمة الواردات التركية(11). وبعبارة أخرى، فإن علاقات تركيا الاقتصادية مع روسيا والصين ليست في صالح أنقرة.
بالنسبة لأنقرة، أصبح الاقتصاد التركي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ عام 2019 وانخفاض قيمة الليرة التركية بالإضافة إلى انتشار جائحة كورونا عالميًّا، نقطة ضعف في سياسة أنقرة الخارجية. وبالإشارة إلى ما كشفت عنه البيانات أعلاه، فإن علاقة تركيا بالقوى العظمى في آسيا ليست في صالح أنقرة، كما ينطبق الشيء نفسه على علاقات تركيا الاقتصادية مع الغرب. وفي المحصلة، فإن الاقتصاد التركي يفتقر إلى الوسائل التي تؤهله لمواجهة، أو على الأقل لموازنة، التداعيات الإقليمية التي ستترتب على تنافس القوى الجديد المركَّز على آسيا، والذي تريد أنقرة المشاركة فيه من بوابة دورها المرتقب في أفغانستان.
في هذا السياق، يؤشر تكثيف مستوى التواصل عبر عقد قِمم، على غرار قمة C5+1 التي أنشأتها الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الخمسة السابقة على انسحابها من أفغانستان، إلى أن آسيا الوسطى(12) مُقبلة على التحول إلى منطقة صراع تجاري جدي بين القوى العظمى. وإذا كان على تركيا أن تختار موقعها من المشاركة في سباق التنافس المحموم في آسيا تحت نير الضغط الاقتصادي الذي تمارسه عليها بيجين وموسكو، فيُحتمل أن تجد نفسها في مواجهة عقوبات أميركية ستؤثر حتمًا، وبشكل خطير، على الاقتصاد وصناعة الدفاع التركيين، ولن تكون عقوبات يسيرة مثلما كانت في السابق(13). فحتى الآن، كانت تركيا توازن بين علاقاتها بالقوى العالمية الكبرى عبر استغلال وتوظيف النزاعات الإقليمية القائمة بين تلك القوى، وهو ما أبقاها في مأمن من ردود الفعل الاقتصادية والسياسية المدمرة. لكن، ومع ذلك، فقد تخاطر تركيا، من خلال لعب دور ما في أفغانستان، بانفراط عقد التوازن الذي حققته في علاقاتها بين القوى الغربية والآسيوية لأن حكومة كابل الحالية لم تكن اللاعب الأوحد الذي غيَّر الوضع في أفغانستان. فاللاعبون وقواعد اللعبة يتغيرون بدورهم شيئًا فشيئًا، سواء أكان ذلك على الساحة الدولية أم على أرض الميدان.
في الفقرات القادمة، سنقيم المخاطر الميدانية لدور تركيا في أفغانستان، والذي سيكون مطار كابل مسرحه. لكن، قبل ذلك، فإننا نجد أنه من الضروري معالجة قضية أخرى ستؤثر على تركيا على المستوى العالمي.
مخاطر إضافية: تأملات في سياسات تركيا الإقليمية
على الرغم من هشاشة اقتصادها، تتعاون تركيا مع روسيا إقليميًّا في كل من سوريا وليبيا وأذربيجان(14). كما أن روسيا نفسها باتت مؤثِّرة للغاية في أفغانستان من خلال رعايتها المباشرة لقمة المحادثات الأفغانية-الأفغانية في موسكو، والتي انعقدت مباشرة بعد المحادثات التي جمعت بين أميركا وطالبان. لكن "ومع أن تلك الاجتماعات لم تحرز أي تقدم يُذكر في التوصل إلى تسوية سياسية، غير أنها ضمنت لروسيا احتفاظها بدور أساسي في العملية".
فقد أعلنت روسيا تأييدها الكامل لاتفاق سلام بين أميركا وطالبان، في فبراير/شباط 2020، غير أن عددًا من المسؤولين شكَّكوا في إمكانية نجاحه. وفي انتظار ما ستؤول إليه الأحداث، "ظلت روسيا مستعدة لاستئناف نهجها الإقليمي في حال تعثر المفاوضات الأميركية مع طالبان"(15)، وقد اتبعت موسكو في ذلك نفس مسارها في سوريا. كما لعبت موسكو دور الوسيط القهري المستند إلى القوة النارية(16) ووظَّفت الصراعات، التي تحكمت في وتيرتها وجمدتها بين الحين والآخر(17) في سوريا لتستخدمها لاحقا كأوراق ضغط رابحة في معالجة المشاكل المحتملة مع تركيا.
وبعبارة أخرى، فإن هناك مجالات من المتوقع أن تملأ فيها روسيا والصين الفراغ الحاصل في السلطة في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها؛ حيث أظهرتا تفوقهما العسكري على تركيا، بالإضافة إلى ما تمتلكانه من ضغوط اقتصادية عليها أيضًا. لا شك في وجود تنافس إقليمي واسع النطاق قائم على مناطق باردة نسبيًّا، مثل البحر الأسود والقوقاز، فضلًا عن الصراعات بالوكالة التي تنشط على مختلف المستويات في سوريا وليبيا وناغورنو قرة باغ بين تركيا وروسيا. وعلى الرغم مما يبدو من اكتساب تركيا ميزة نسبية في ليبيا وناغورنو قرة باغ، فإننا نعلم أن أنقرة اختارت حلولًا سياسية وسطًا لحل تلك المشاكل في أسرع وقت ممكن حتى تتجنب التدخل الروسي المباشر في تلك المناطق. ومن بين هذه المناطق، تمثل سوريا نقطة ضعف وموقعًا غير حصين بالنسبة لتركيا. فقد زاد اعتماد أنقرة على روسيا في القضية السورية منذ أن اضطلعت الأخيرة بدور الضامن مع نهاية العمليات التركية ضد منطقة وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، عام 2019. وقد أتاح التعاون التنافسي بين تركيا وروسيا، باعتبارها إحدى القوى العظمى في آسيا، ضد الولايات المتحدة الأميركية ووحدات حماية الشعب في سوريا، لموسكو فرصة لتعزيز مستوى علاقاتها مع المنظمات المناهضة لتركيا على الأرض غير بعيد عن حدود أنقرة الخارجية. إن المهمة العسكرية التي تعتزم تركيا تنفيذها في أفغانستان، وما يرتبط بها من مبادرات لتعزيز نفوذها السياسي هناك قد تدفع موسكو إلى اتخاذ إجراءات ضد تركيا في المناطق المشار إليها آنفًا في حال نشوب نزاع، لأن المنطقة التي تستهدفها تركيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، من خلال مهمتها في أفغانستان، هي "الدول التركية" الواقعة في منطقة آسيا الوسطى(18)، والتي تعتبرها روسيا دول "الجوار القريب" وترى أنها منطقة تقع تحت مسؤوليتها الحصرية في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي(19).
لذا، فقد تتسبب مشاركة تركيا في سباق التنافس القائم بين القوى العظمى، من خلال دورها المرتقب في أفغانستان، في بروز مشاكل بينها وبين روسيا، وقد تلجأ موسكو حينها إلى استخدام وكلائها في سوريا أو ليبيا، أو حتى المنظمات المناهضة لتركيا، ضد تركيا في عمق الجوار القريب من أنقرة في الصراعات الآسيوية المتمحورة حول أفغانستان. كما بإمكان موسكو استخدام المنظمات الفرعية الناشطة في أفغانستان ضد تركيا في حال حدوث أي تضارب في المصالح كما فعلت ضد أميركا في الماضي(20).
المخاطر على الميدان
بالرغم من النفي الروسي الرسمي لضلوع موسكو في تحريض طالبان وتقديم التمويل لعناصرها لقتل جنود أميركيين، فإن تنوع المنظمات الناشطة في أفغانستان يوفر بيئة مناسبة لتنفيذ مثل تلك العمليات الاستخباراتية. وفي هذا السياق وجب التذكير بأن حركة طالبان رَعَت وحَمَت تنظيم القاعدة لعقدين كاملين منذ أن لجأ إليها زعيم التنظيم، أسامة بن لادن(21). كما أنه، وعلى الرغم من تصريح الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خطابه الداعم للانسحاب من أفغانستان(22)، بالقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان، إلا أن التقارير الصادرة عن البنتاغون والأمم المتحدة تشير إلى عكس ذلك(23).
ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، فإن طالبان توفر مظلة واقية للعديد من التنظيمات المسلحة، وخاصة الأوزبك والطاجيك والباكستانيين، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة. ولا تزال حركة طالبان باكستان وجماعاتها الفرعية -(لشكر إسلام) أو (جيش الإسلام)، وحزب تركستان الإسلامي، وجماعة أنصار الله، وجماعة التوحيد والجهاد، وحركة أوزباكستان الإسلامية، وكتيبة الإمام البخاري- موجودة في أفغانستان(24). هذا، وقد تعهدت طالبان بضمان أمن جميع جيرانها تقريبًا، بما فيهم الصين(25) وروسيا(26).
وفي هذا الإطار، يبقى العديد من الأسئلة التي ظلت دون إجابة عنها، وهي تلك المتعلقة بمصير تلك التنظيمات المسلحة التي حاربت إلى جانب طالبان مدة عقدين كاملين. وإذا ما تصورنا أفضل سيناريو ممكن وافترضنا إيفاء طالبان بجميع الوعود التي قطعتها على نفسها للمجتمع الدولي، فإن الحركة ستواجه في الفترة الجديدة القادمة، بلا شك، توترات مع حلفائها السابقين وقادتها الذين يدعمون حلفاء الأمس(27).
إن مثل هذا الاضطراب الداخلي المحتمل سيجعل دور تركيا في أفغانستان في وضع محفوف بالمخاطر. وحتى في ظل غياب أية عملية استخباراتية من قبل أية دولة، فإن تنظيمات مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي تواجه تركيا مشاكل مع فروعها السورية، ستشكِّل تهديدات خطيرة للوجود العسكري التركي في أفغانستان، حيث لا وجود لقوات حلف شمال الأطلسي، وحيث لا يمكن لطالبان تشكيل قوات إنفاذ القانون حتى الآن.
خاتمة: حسابات الربح والخسارة
يبدو أن مكاسب تركيا من مهمة قواتها في كابل، التي كان من المقرر تنفيذها بدعم من أميركا وحلف الناتو، لا تتضمن غير مكاسب نسبية من حيث الإنجاز السياسي: إصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن، والقيام بخطوة تقرِّب أنقرة من استعادة موقعها السابق والقوي في حلف الناتو، وكسب مزايا دبلوماسية بما ستمثله من نقطة تواصل بين الغرب وأفغانستان، وفرصة إقامة علاقة مع إدارة طالبان الجديدة باعتبارها قوة مباشرة ومهيمنة يُفترض أن تحمي الاستثمارات في المنطقة...إلخ.
غير أنه، وبسبب ما أحرزته طالبان من تقدم سريع صاحبه انهيار كامل لحكومة كابل، فإن الخطة المتفق عليها مع الجانب الأميركي قد فشلت. ومع ذلك، بدأت تركيا في البحث عن سبل للبقاء في كابل وبادرت إلى صياغة مفردات خطاب جديد. وكما تشير إليه بعض التحليلات، فإن الخطابات المصاحبة لمهمة أفغانستان أعادت للأذهان محاولة تركيا إحياء رغبتها في زيادة نفوذها في آسيا الوسطى، إلا أن هذا التحليل لا يجيب على السؤال التالي: كيف لقوة تركية محدودة وغير مقاتلة في كابل، حتى وإن قبلت حركة طالبان الوجود العسكري التركي، أن تُحدث آثارًا مضاعَفة يكون لها تداعيات على الأوضاع الإقليمية؟
نشير هنا إلى أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفغانستان لا يتجاوز ما قيمته 200 مليون دولار. وإذا ما قارنَّا هذا المعطى مع حجم المشاريع الصينية في مجالات التعدين، والطاقة، والبنية التحتية، واستثمارات بيجين الإقليمية الضخمة في إطار برنامج الاستثمارات الخاصة بمشروع الحزام والطريق في أفغانستان(28)، فإن "دور" تركيا، الذي جرى تقليصه إلى مجرد وجود عسكري، يبدو عالي التكلفة.
ختامًا، إذا ما أرادت تركيا اغتنام الفرصة في أفغانستان على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وبالتالي تجنب المخاطر التي عرضناها أعلاه، فإنها ستحتاج، بالضرورة، إلى تحرير دورها في أفغانستان من مجرد كونه وجودًا عسكريًّا ومهمة محدودة في الزمان والمكان تتمثل في حماية مطار كابل. أما إذا لم تغتنم أنقرة هذه الفرصة على هذا النحو، فالأرجح أنها لن تتمكن من تحويل أفغانستان إلى نقطة انطلاق نحو آسيا الوسطى في الحقبة الجديدة من سباق التنافس بين القوى العظمى، وربما يكون المكسب الوحيد الذي يمكن لتركيا تحقيقه، من خلال أفغانستان، هو إعادة التوازن في علاقاتها مع القوى الغربية والتي تمر حاليًّا بمصاعب على مستوى عدة قضايا.
ملاحظة: النص أُعدَّ في الأصل لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنجليزية، وترجمه إلى العربية الدكتور كريم الماجري.
- استندت هذه الورقة في المعلومات والبيانات الواردة على مقالات الخبراء والإحصاءات الصادرة عن الحكومة التركية والمنظمات الدولية.
- NATO praises Turkey’s key role in Afghanistan mission, Hürriyet Daily News, 28 October 2019, https://www.hurriyetdailynews.com/nato-praises-turkeys-key-role-in-afgh… (accessed 23 August 2021)
- Opinion: Why Turkey wants to be in charge of securing Kabul airport, 2 Aug 2021, https://www.aljazeera.com/opinions/2021/8/2/why-is-turkey-eager-to-rema… (accessed 20 August 2021)
- Afghanistan: Turkey exploring ways to station troops in Kabul even after Taliban victory, 16 August 2021, https://www.middleeasteye.net/news/afghanistan-turkey-kabul-airport-exp… (accessed 21 August 2021)
- U.S. Focus Shifting to China From Afghanistan, Blinken Says, Bloomberg, 18 Nisan 2021, https://www.bloomberg.com/news/articles/2021-04-18/afghan-pullout-fits-… (accessed 21 August 2021)
- Yogesh Joshi and Archana Atmakuri (2021), Biden's Indo-Pacific Strategy: Expectations and Challenges, Institute of South Asian Studies Sasakawa Peace Foundation, Japan, Special Report Issue No. 12, Trump’s Indo-Pacific Strategy and Biden’s Way Forward p.7-13 - A Free And Open Indo-Pacific: Advancing a Shared Vision, State Department, 4 November 2019, https://www.state.gov/wp-content/uploads/2019/11/Free-and-Open-Indo-Pac… (accessed 20 August 2021)
- Ronald O'Rourke (2021), Renewed Great Power Competition: Implications for Defense—Issues for Congress, 3 August 2021, Congressional Research Service, Comparisons to Past International Security Environments, p.22 and p.26
- Kemal İnat, Turkey’s Balance of Power Politics in the Axis of Europe, US, and Russia, 19 September 2017, https://ormer.sakarya.edu.tr/20,3,,234,turkey_s_balance_of_power_politi… (accessed 22 August 2021)
- İhsan Aktaş, Turkey's rise in the new global power struggle, Daily Sabah, 13 February 2021, https://www.dailysabah.com/opinion/columns/turkeys-rise-in-the-new-glob… (accessed 22 August 2021)
- Türkiye ile Çin arasında 126 milyar dolarlık ticaret (126 billion dollars of trade between Turkey and China), TRT Haber, 29 February 2020, https://www.trthaber.com/haber/ekonomi/turkiye-ile-cin-arasinda-126-mil…. (accessed 21 August 2021)
- Türkiye Ticaret Bakanlığı ve İstatistik Kurumu'nun 2021 yılı Haziran ayı ithalat listesi (Import list of Turkish Ministry of Commerce and Statistical Institute for June 2021), En fazla ithalat yapılan 10 ülke (Top 10 importing countries), June 2021, https://ticaret.gov.tr/data/5d63d89d13b8762f7c43a738/6-En%20Fazla%20Ith… (accessed 21 August 2021)
- New C5+1 Commitment Highlights the Importance of Central Asia to the United States, Anthony B. Kim, The Heritage Foundation, 22 Jun 2021, https://www.heritage.org/asia/commentary/new-c51-commitment-highlights-…. (Accessed 22 August 2021)
- Turkish markets shrug off softer-than-expected U.S. sanctions, CNBC, 15 December 2020, https://www.cnbc.com/2020/12/15/turkish-markets-shrug-off-softer-than-e… (accessed 22 August 2021)
- Martin Russell (2021), Russia–Turkey relations: A fine line between competition and cooperation, European Parliamentary Research Service, https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2021/679090/EPRS_BRI… p.11
- David G. Lewis (2020) Russia as Peacebuilder? Russia’s Coercive Mediation Strategy, George C. Marshall European Center for Security Studies, p.5
- İbid.
- Anton Mardasov, Is Russia prepared for an open-ended conflict in Syria?, 14 May 2021, Middle East Institute, https://www.mei.edu/publications/russia-prepared-open-ended-conflict-syria (Accessed 23 August 2021)
- Yusuf Erim (2021), Turkey’s Growing Central Asian Influence Is an Opportunity for Joe Biden, National Interest, 1 March 2021, https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/turkey%E2%80%99s-gr… (Accessed 23 August 2021)
- Özge Eletek, Russia’s New Central Asia Strategy, Ankasam, 14 May 2021, https://www.ankasam.org/en/russias-new-central-asia-strategy/ (accessed 23 August 2021)
- Russian spy unit paid Taliban to attack US troops, US intelligence says, Fox News, 27 June 2020, https://www.foxnews.com/us/russian-spy-unit-paid-taliban-to-attack-us-t… (Accessed 22 August 2021)
- Taliban admit sheltering Bin Laden, The Guardian, 1 October 2001, https://www.theguardian.com/world/2001/oct/01/afghanistan.terrorism (Accessed 23 August 2021)
- Fact check: Biden claims al Qaeda is 'gone' from Afghanistan. Then the Pentagon confirms it's still there, CNN International, 21 August 2021, https://edition.cnn.com/2021/08/20/politics/fact-check-al-qaeda-gone-af… (Accessed 23 August 2021)
- The 22-page report, numbered S/2021/486, prepared by the "Analytical Support and Sanctions Monitoring Team", which works in accordance with the UN Security Council (UNSC) resolutions 1526 (2004), 1988 (2011) and 2557 (2020) on Afghanistan: https://www.undocs.org/S/2021/486, 1 June 2021 (Accessed 23 August 2021)
- İbid. P.18-19-20
- Taliban tell China Afghanistan will not be base for separatists, France 24, 28 July 2021, https://www.france24.com/en/live-news/20210728-taliban-tell-china-afgha… (Accessed 23 August 2021)
- Taliban visit Moscow to say their wins don’t threaten Russia, AP, 8 July 2021, https://apnews.com/article/taliban-moscow-europe-russia-51327432f145502… (Accessed 23 August 2021)
- Taliban ve Ortadoğu’daki Fay Hatları (The Taliban and the Fault Lines in the Middle East), Levent Kemal, Perspektif Online, 22 August 2021, https://www.perspektif.online/taliban-ve-ortadogudaki-fay-hatlari/ (Accessed 24 August 2021)
- Is China About to Tuck Afghanistan Under Its Belt and Road?, Ruth Pollard, Bloomberg, 18 August 2021, https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2021-08-17/china-isn-t-about- to-tuck-afghanistan-under-its-belt-and-road (Accessed 24 August 2021)