اتجاهات التغطية للأزمة الخليجية في الصحف الإماراتية

هدفت الدراسة إلى تحليل مضمون الصحف الإماراتية الرئيسية لتحديد السياسة الإعلامية والضوابط الحاكمة لأدائها وممارستها، في ظل الأزمة الخليجية والحصار الذي كان مفروضًا على دولة قطر، وذلك قبل التوصل إلى "إعلان العلا" يوم 4 يناير/كانون الثاني 2021، والذي تحققت بموجبه المصالحة الخليجية. وشملت الدراسة صحف "الخليج" و"الاتحاد" و"البيان"، وركزت على بحث الموضوعات التي تناولتها وتحديد اتجاهاتها، وأيضًا تحليل أولويات هذه الصحف في تعضيد حيثيات الاتهامات الموجهة لدولة قطر خلال الأزمة.
(الجزيرة)

فرض "إعلان العلا" مطلع يناير/كانون الثاني 2021، واقعًا اتصاليًّا جديدًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، بعدما أنهى ثلاث سنوات ونصف السنة لأسوأ أزمة تقع بين دول المجلس فيما عرفت "بالأزمة الخليجية". وصدر "إعلان العلا" في ختام قمة دول مجلس التعاون الحادية والأربعين بمدينة العلا في المملكة العربية السعودية، وكان حدثًا حظي باهتمام كبير، لكن إنجاز "المصالحة الخليجية" لا يؤثر على أهمية ما حصل خلال الأزمة على المستوى الإعلامي إلى جانب الأصعدة الأخرى، سواء بسبب طول أمد الأزمة، أو شدتها، وخطورة ما بلغته من مستويات ما زالت تستوجب الدراسة والتحليل.

أنجزت هذه الدراسة قبل تحقيق "المصالحة الخليجية"، التي لا تزال نتائجها تحظى بأهمية خاصة جديرة بالرصد والمتابعة والتحليل، وتهدف إلى تحليل مضمون ثلاث صحف إماراتية رئيسية، وهي: "الخليج" و"الاتحاد" و"البيان"، لاستكشاف السياسة التحريرية والقواعد الحاكمة لأداء الصحافة وممارستها الإعلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في ظل الأزمة الخليجية والحصار الذي كان مفروضًا على دولة قطر. 

وعلى الرغم من أن الأزمة منشؤها سياسي بالدرجة الأولى، فإن الإعلام بكافة وسائله التقليدية والرقمية استُخدِم منذ البداية لإشعال فتيل الأزمة، وتوتير مساراتها وتأجيج الصراع وبث الفرقة، وإفشال المبادرات العديدة التي قادتها الولايات المتحدة والكويت ودول أخرى لتقريب وجهات النظر.

بدأت الأزمة الخليجية بقرصنة إعلامية استهدفت الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية، وجرى بث خبر كاذب وتصريحات مزيفة منسوبة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد ثبت في التحقيقات التي قامت بها قطر ودول صديقة، تورط الإمارات في عملية القرصنة الإعلامية.

وتمثِّل دراسة اتجاهات الأخبار في وسائل الإعلام الإماراتية مدخلًا مهمًّا ومنهجيًّا لكشف أبعاد الأزمة والتخطيط الإعلامي لها، وبالتالي دراسة النتائج التي ترتبت عليها. ومن شأن هذه الدراسة أن تقدم إجابات منطقية لكثير من المواقف السياسية لدولة الإمارات، وتفسر في الوقت ذاته دوافعها في الحرص على استمرار الأزمة وإطالة أمدها. كما تقدم تفسيرًا لسؤال جوهري عن السبب الإعلامي لاختراق موقع وكالة الأنباء القطرية في وقت متأخر من الليل يوم 23 مايو/أيار 2017، واعتماد وسيلة غير مهنية في التأثير على الرأي العام، وتكوين صورة ذهنية سلبية غير حقيقية عن دولة قطر، وترصد الخطوات التي اتبعتها وسائل الإعلام الإماراتية، وأولويات ومراكز اهتمامها تمهيدًا لتحقيق تلك الأهداف.

1. الإطار المنهجي والنظري للدراسة

أ- مشكلة الدراسة

تسببت الأزمة الخليجية (يونيو/حزيران 2017 - يناير/كانون الثاني 2021) في ضرر غير مسبوق في العلاقات بين دول مجلس التعاون، وكان جزء جوهري من هذا الضرر يتعلق بوسائل الإعلام، سواء كمتسبب أو كضحية، أو كليهما معًا. وتتعلق مشكلة البحث بدراسة وسائل الإعلام التابعة لأحد أبرز أطراف الأزمة، وهو البلد الذي انطلقت منه عملية القرصنة الإلكترونية على وكالة الأنباء القطرية، وبث خبر مفبرك ليكون بداية الحملة الإعلامية التي تُوِّجَت بقطع العلاقات والحصار الجوي والبحري والبري لدولة قطر. هذه الأزمة التي تسببت في تداعيات استراتيجية خطيرة على المستوى الإقليمي والدولي، بدأت بحملة إعلامية مبرمجة استندت إلى القرصنة وبث خبر كاذب وتصريحات مزيفة، وهو ما يجعل من الضروري دراسة وسائل الإعلام في البلد الذي كان مسؤولًا عن القرصنة، والخبر الكاذب الذي بدأ تلك الحملة، لبناء فهم متكامل للمستوى الإعلامي من الأزمة الخليجية.

ب- أهداف الدراسة

 في سياق مقاربة المشكلة البحثية وأبعادها، تهدف الدراسة إلى:

1. تحديد السياسة التحريرية للصحف الإماراتية خلال الأزمة الخليجية وطبيعة الخطاب الإعلامي تجاه دولة قطر.

2. التعرف على مصادر عينة الدراسة في جمع المعلومات والأخبار والتقارير الصحفية المنشورة حول الأزمة الخليجية.

3. تحديد درجة التزام الصحف الإماراتية بالمعايير والقواعد الحاكمة للممارسة المهنية في تناول الشأن القطري خلال الأزمة الخليجية. 

4. التعرف على أولويات الخطاب الإعلامي لعينة الدراسة في تناول الأحداث المتعلقة بدولة قطر.

5. كشف أبعاد الصورة الذهنية عن قطر في عينة الدراسة وأساليب تسويقها للرأي العام.

6. التعرف على دوافع السياسة التحريرية لعينة الدراسة والتفريق بين الدعاية والخدمات الإخبارية المجردة من التوجيه السياسي والإعلامي.

7. التعرف على الأشكال الصحفية التي اعتمدت عليها عينة الدراسة.

8. تحديد درجة اعتماد الصحف الإماراتية على مصادر إعلامية عالمية مستقلة في نقل الأخبار عن دولة قطر.  

ج- أهمية الدراسة

تتمثَّل أهمية الدراسة في محاولة استكشاف دوافع السياسة الإعلامية وأثرها المتوقع على مستقبل الشعوب المستهدفة بالرسالة الإعلامية، وهي الدول الخليجية، كما تجمع بين دراسة المحتوى والوسيلة ومدى التزام الرسالة الإعلامية بالمعايير المهنية والأخلاقية والقانونية التي تُعد مؤشرات ضرورية لقياس الالتزام المهني المطلوب في صنع رسالة إعلامية تحقق أهدافها في خدمة المجتمعات، دون التأثر بسلبيات الانحياز والتضخيم والمبالغة وترويج المحتوى الإعلامي الذي يفتقر إلى المصادر الحقيقية والمعلومات الدقيقة. كما تفيد هذه الدراسة في المقارنة بين السياسة الإعلامية لدولة الإمارات العربية، والسياسة الإعلامية لدولة قطر في ذات القضايا محل البحث، لمعرفة أيهما أكثر التزامًا بالمعايير المهنية، مما يكشف الكثير من التأثيرات المحتملة لوسائل الإعلام في الدولتين.

ولهذه الدراسة أهمية أخرى في استكشاف مصادر المعلومات في عينة البحث، وتحديد نوعها بخصوص ما إذا كانت مصادر متنوعة حرة أم موجهة وذات طبيعة واحدة ويتم ترويجها في عدد من الوسائل. وتكتسب الدراسة أهمية خاصة؛ إذ تساعد على تحليل أهداف السياسة الإعلامية عبر تحديد أهداف مصدرها وما إذا كانت تمثِّل الدولة بأكملها أم هي مجرد أهداف لجهات معينة تسعى إلى فرض تلك الأفكار والسياسات على المتلقين.

د- منهج الدراسة

جمعت الدراسة بين منهج تحليل المضمون والمنهج الوصفي، ويمثِّل تحليل المحتوى أحد الأساليب البحثية الشائعة الاستخدام في الدراسات الإعلامية التي تندرج تحت منهج المسح. وتنبع أهمية دراسات تحليل المضمون من أهمية الرسالة الإعلامية ذاتها، فهي المنتج الإعلامي الأساسي في العملية الاتصالية، التي يهدف القائم بالاتصال من خلالها إلى إحداث التأثيرات المرجُوَّة. ويستخدم تحليل المضمون في دراسة محتوى الرسالة الإعلامية لتحديد مراكز اهتمامها بشأن القضايا والموضوعات المختلفة، من خلال المؤشرات الكمية والنوعية للتغطية الإعلامية. ويشكل الخطاب الإعلامي أو مضمون ما تقدمه وسائل الإعلام أحد المصادر المهمة في تكوين الأطر السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للجمهور من خلال إحاطته بمجريات الأحداث في المجتمع؛ إذ تقوم وسائل الإعلام بدورها في تقديم المعلومات حول القضايا والأحداث المحلية والدولية، وفقًا لمعايير عملها المهنية والأخلاقية، وهو ما يساعد الجمهور على فهم مجريات الأحداث، والقضايا البارزة، وتكوين الآراء، والاتجاهات، واتخاذ القرارات التي تتحكم في سلوكه.

ويتطابق هذا التعريف مع متطلبات الدراسة التي تهدف إلى تحليل مضمون الخطاب الإعلامي لعينة البحث في الفترة الزمنية المحددة، وإبراز الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وتحديد منطلقات الخطاب الإعلامي الإماراتي السياسية والمهنية، والمضمون المشترك لوسائل الإعلام، ومن ثم تكشف الدراسة مدى الحرية التي تتمتع بها وسائل الإعلام في دولة الإمارات؛ إذ كلما زادت درجة السيطرة السياسية في توجيه وسائل الإعلام قلّت الحرية المتاحة لها وفقًا لنظرية وليم روو (William Rugh) في تصنيف وسائل الإعلام في العالم العربي(1).

ه- مجتمع البحث وعينته

يتضمن مجتمع الدراسة ثلاث صحف إماراتية يومية (الخليج، والاتحاد، والبيان)، وتصدر "الخليج" في إمارة الشارقة، وتعبر عن اتجاه حكومتها المحلية، وتصدر "الاتحاد" في أبوظبي وهي كذلك قريبة من الحكومة الإماراتية المركزية في العاصمة، لكنها تعبِّر بشكل عام عن رؤية حكومة أبوظبي، بينما تصدر "البيان" في دبي، ولها نفس التوجه تجاه حكومة هذه الإمارة. وتُعد هذه الصحف المصدر الأساسي للمعلومات لبقية الوسائل، حيث تعتبر بمثابة صانع المحتوى الموجه إلى الجمهور المستهدف داخل دولة الإمارات وخارجها.

وقد تم اختيار هذه العينة دون سواها من الوسائل الأخرى باعتبار أن كل المحتوى الاتصالي المتعلق بالأزمة الخليجية يتدفق في المرحلة الأولى من الحكومة الإماراتية ويتم توجيهه عبر وسائل الاتصال الرسمية الناطقة باسمها، ومنها هذه الصحف الإماراتية التابعة للدولة(2). و"تمتلك الدولة في الإمارات سلطة الإشراف على وسائل الإعلام، ومن بينها الصحافة، ويتضح ذلك من خلال الإشراف في صورته الكاملة على المحتوى ووضع الضوابط المختلفة للموضوعات والمسائل التي يمكن مناقشتها في وسائل الاتصال، بمعنى أن سيطرة الدولة على وسائل الإعلام من ناحية المضمون كاملة تحت ضوابط قانونية يؤدي الإخلال بها إلى إيقاف الوسيلة أو سحب الترخيص منها"(3)، ولذلك تعكس الموضوعات الإعلامية الصادرة عن هذه الوسائل توجهات دولة الإمارات تجاه الأزمة الخليجية.

- صحيفة الاتحاد: جريدة يومية تصدر عن شركة أبوظبي للإعلام في إمارة أبوظبي، وقد تأسست عام 1969 "برؤية مؤسس دولة الإمارات ورئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" حسبما تذكر في التعريف عن نفسها، وظلت تصدر بشكل متقطع، حتى صدرت بشكل يومي في 22 أبريل/نيسان 1972(4). وقد صدرت "الاتحاد" وفق مرسوم اتحادي بوصفها الصحيفة المعبرة عن وجهة النظر الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد تولت وزارة الإعلام في البداية مسؤولية التمويل والإنفاق على مؤسسة الاتحاد، إلى أن استقلت ماليًّا، وأصبحت لها ميزانية خاصة تعتمد على العائدات الإعلانية والتوزيع، إضافة إلى حصولها على دعم سنوي في إطار الميزانية العامة للدولة(5).

- صحيفة الخليج: صدر العدد الأول منها في إمارة الشارقة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 1970، على يد تريم عمران تريم وأخيه عبد الله عمران تريم، وهما من الشخصيات المشاركة في تأسيس دولة الإمارات. وارتبط إصدار الصحيفة بتحدٍّ مهني وسياسي خاضه مؤسساها في غمرة جهود تأسيس دولة الإمارات، والوضع الخاص الذي كانت تواجهه إمارة الشارقة. ولمؤسسي الصحيفة توجهات قومية، ولذلك تشير الصحيفة في التعريف بنفسها على موقعها الإلكتروني إلى أن رسالتها تتمثَّل في الدفاع عن كل القضايا الوطنية والقومية ومناصرة الحق في كل مكان(6).

 - صحيفة البيان: صحيفة يومية تصدر في إمارة دبي، تأسست يوم 10 مايو/أيار1980 ، وتصدر منذ ذلك الحين عن دائرة إعلام دبي، التابعة للحكومة المحلية في الإمارة، وتحصل على دعم سنوي في إطار الميزانية المخصصة للدائرة(7).

 وقد لجأ الباحث إلى جمع الأخبار والتقارير والمقالات والمقابلات في إطار العينة المدروسة خلال شهر كامل، من 1 إلى 31 مارس/آذار 2019، وهي فترة نشطة تمثِّل إطارًا زمنيًّا مناسبًا للحصول على مؤشرات إحصائية تعبِّر عن اتجاهات النشر خلال الأزمة الخليجية بصورة دقيقة تخلو من الخطأ في تشتت القيم الإحصائية المعبرة عن الظاهرة محل البحث. وتشمل عينة الدراسة التي خضعت للتحليل 82 مادة صحفية تتوزع بين خبر وتقرير ومقال، نُشِر أغلبها في صحيفة الخليج (50 مادة)، ثم الاتحاد (27 مادة)، ثم البيان (5 مواد)، كما يبدو في الجدول رقم (1).

الجدول (1): توزيع المواد الصحفية في عينة الدراسة

الصحيفة

عدد المواد الصحفية

الشكل الصحفي

الخليج

50

تقارير ومقالات

الاتحاد

27

تقارير ومقالات

البيان

5

مقالات

المجموع

82

و- مصطلحات الدراسة

- الأزمة الخليجية: يشير المصطلح إلى الأزمة السياسية التي نشبت بين دول الحصار الأربع (المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر) ضد قطر، والتي بدأت بسحب السفراء ثم قرصنة وكالة الأنباء القطرية، وانتهت إلى فرض حصار جوي وبري وبحري على قطر يوم 5 يونيو/حزيران 2017.

- دول الحصار: الدول التي تحالفت لفرض حصار على قطر ومقاطعتها سياسيًّا واقتصاديًّا وفرض حصار جوي وبحري وبري عليها، وهي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

- أخبار الأزمة الخليجية: وهي جميع الأخبار الصادرة عن صحف دول الحصار، والتي تشن حملات إعلامية مستمرة على قطر.

- الحملات الإعلامية: وهي الموضوعات الإعلامية التي تتكرر عبر أشكال تحريرية مختلفة بهدف ترسيخ مفاهيم محددة لدى الرأي العام القطري والعالمي، تتعلق بمواقف هذه الدول من الأزمة الخليجية.

- الإرهاب: ويقصد به كافة الأشكال غير القانونية التي تنطوي على أعمال عدائية لا يقرها القانون الدولي وتعتبرها المنظمات الدولية أعمالًا عدائية وفقًا لنصوص القانون الدولي.

- تمويل الإرهاب: سلوك عدائي لا يلتزم بالقوانين والمواثيق الدولية التي تنظم نقل الأموال والتأكد من مصادرها.

- المهنية الإعلامية: وهي الشروط والضوابط التي تنظم كفاءة وعدالة ونزاهة وموضوعية الرسالة الإعلامية. والالتزام بالمهنية يعني التقيد بأخلاقيات الممارسة الإعلامية والقواعد الحاكمة لها، مثل: الدقة والمصداقية والموضوعية والحياد والتوازن في بث الأخبار.

- مصادر الأخبار: وهي المصادر الموثوقة والمعترف بها في رفد وسائل الإعلام بالأخبار والتقارير والبيانات الصحفية، ويضاف إليها الجهات التي تقدم تصريحات لوسائل الإعلام حول تطورات الأزمة الخليجية وتحليل علاقاتها بمسارات الأزمة كأشخاص فاعلين في صناعة القرار أو باحثين أو متابعين لتطورات الأزمة مثل عامة الجمهور.

ز- مدخل نظري

تفسير السلوك الاتصالي

يعتمد الإطار النظري للدراسة على محاولة تفسير السلوك الاتصالي لوسائل الإعلام الإماراتية، وقياس مدى التزامها بالقيم المهنية القابلة للقياس. ويمكن تحديد مفهوم القيم المهنية بمتطلبات ومعايير الموضوعية والمصداقية وتوافر المصادر الحقيقية للمعلومات، والنأي عن التقدير الذاتي وإطلاق المفاهيم العامة والدعاية المضادة والتهم الجزافية وبناء الرسائل الإعلامية بمنأى عن الأسس المهنية المعروفة في إطار القيم الإخبارية، حيث تفتقر الأخبار في مثل هذه الحالات إلى السند؛ فلا تمثِّل واقعة ولا معلومة ولا تصريحًا منسوبًا إلى مصدر معروف. ويمكن تحديد ذلك بتحليل المحتوى الإعلامي وفقًا لهذه المتطلبات وقياس مدى التزام الرسالة الإعلامية بتلك الشروط.

من جهة أخرى، يصبح من الممكن دراسة طبيعة المدرسة الإعلامية المتبعة وفقًا لتفسيرات نظريات الاتصال الحديثة، ومعرفة مدى اتساق الرسالة الإعلامية مع مدرسة صحافة المرآة أو الصحافة المهنية الاحترافية التي تعلي من شأن القيم الإخبارية العامة في نقل الوقائع، أم صحافة السلطة التي تمثِّل وعاء لنقل آراء صانع القرار إلى المتلقين. بالإضافة إلى نظرية ترتيب الأجندة التي تحدد الهدف من الرسالة الإعلامية وتوجيهها، ونظرية حارس البوابة التي تفسر سيطرة القائم بالاتصال على المحتوى الاتصالي وتوجيهه للتأثير على الرأي العام بالتركيز على جوانب بعينها بالتكرار أو الاهتمام.

وتحاول الدراسة من خلال توظيف هذه النظريات تفسير السلوك الاتصالي لعينة البحث، وبالتالي فإن تطابق أهداف القائم بالاتصال مع مرتكزات هذه النظريات، يفسر بالضرورة التوجهات الاتصالية والهدف منها، ويحدد مسارها والأهداف المستبطنة من غرض الاتصال(8).

- نظرية ترتيب الأولويات

لكل مؤسسة إعلامية خطة واستراتيجية وأهداف تسعى إلى تحقيقها، وبالتالي ترتّب الأولويات وتحدّد الاهتمامات وفقًا لتلك الأهداف. ومن هنا، تبرز العلاقة بين عرض وسائل الإعلام للمعلومات وترتيب الموضوعات حسب أهميتها بالنسبة للمؤسسة، وهو ما يؤدي إلى نقل تلك الرؤية إلى المتلقي وفقًا لمنظور هذه النظرية(9).

إن وسائل الاعلام تلفت الأنظار إلى ما هو مهم بالنسبة لها فتجعله بالدرجة نفسها مهمًّا لدى الجمهور(10)، لذلك تهتم نظرية ترتيب الأولويات بفرضية أن وسائل الإعلام تساعد على بناء الصور الذهنية للجمهور إزاء القضايا المختلفة، وتؤثر على تركيز انتباهه على موضوعات وإجراءات معينة(11).

 - بناء وتشكيل الصورة الذهنية

تُعرَّف الصورة الذهنية بأنها "الصورة الفعلية التي تتكون في أذهان الناس عن المنشآت والمؤسسات المختلفة. وقد تتكوَّن هذه الصورة من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو الإشاعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها في النهاية تمثِّل واقعًا صادقًا بالنسبة لمن يحملونها في رؤوسهم"(12). ووفقًا لهذا التعريف يصبح هدف الرسالة الإعلامية لوسائل الإعلام الإماراتية في بناء الصورة الذهنية محلَّ بحث لمعرفة علاقة هذا السلوك بدوافع تشكيل أو تشويه الصورة الذهنية.

- توظيف الأخبار المزيفة في تضليل الرأي العام

يمثِّل توظيف الأخبار في بناء الصورة الذهنية السلبية جزءًا من أساليب التضليل الإعلامي الشائعة، وقد وجد هذا الأسلوب بيئة مناسبة في شبكات التواصل الاجتماعي بسبب عادات القائمين بالاتصال التي تتصف بالتسرع وتمرير ومشاركة الرسائل مع الغير دون التدقيق والتمحيص أو المراجعة، وأدى ذلك إلى سهولة توجيه الرأي العام برسائل ذات أهداف ومضامين غير حقيقية.

إن استعداد الإنسان المعاصر لنشر وتصديق الأخبار المفبركة ظاهرة لها جذورها وتقاليدها الثقافية القديمة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت في ترسيخها، وسلبت الناس الوقت الكافي للتَّحقُّق من الأخبار بسبب كثافة تدفقها وسرعة سريانها على شبكة الإنترنت. وقد رافقت صناعة الأخبار المزيفة والمفبركة ونقلها مسيرة الإنسانية لعشرات الآلاف من السنين، فلم تولد المبالغة والتهويل في عصر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت(13). وكان لهذا الواقع الاتصالي المعاصر دور في تركيز الدعاية الإماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي لإغراق الرأي العام بالرسائل الاتصالية المسيئة.

ح- إجراءات التحليل

- بناء استمارة تحليل

لتحقيق أهداف الدراسة والإجابة على التساؤلات المطروحة، استخدم الباحث استمارة تحليل المضمون. وقد هدفت الاستمارة إلى التعرف على محتوى الصحف الإماراتية حول الأزمة الخليجية وخطابها الإعلامي تجاه قطر بقياس التكرارات والشكل التحريري المستخدم ومدى التزامه بالضوابط المهنية في النشر، مثل: المصداقية والدقة والحياد، والاستناد إلى المصادر الموثوقة، وصولًا إلى هدف رئيسي يحدد طبيعة السياسة الإعلامية إن كانت مهنية أم تحريضية وخطابية ومنحازة.

وقد تم بناء استمارة التحليل في مرحلتها الابتدائية بتضمينها ثلاثة محاور أساسية يتعلق أولها بالموضوعات والقضايا التي تناولتها الصحف الإماراتية حول الأزمة الخليجية، ومراكز الاهتمام بشأن الأجندة الإعلامية وأولوياتها، بينما يركز المحور الثاني على الأشكال التحريرية المستخدمة، مثل الخبر والتقرير والمقال ومستويات التركيز على كل منها. أما المحور الثالث فيتمثل في قياس موثوقية مصادر المعلومات. وجرى وضع الفئات التحريرية بشكل أولي بعد مراجعة الصحف الإماراتية الثلاث (الخليج والبيان والاتحاد) ومتابعة ما نشرته خلال ثلاثة أشهر سابقة تجاه الأزمة الخليجية وتقييم اتجاهات النشر خلال هذه الفترة.

وتم توزيع الاستمارة على ثلاثة محكمين من المتخصصين في دراسات الإعلام للتأكد من صلاحية أداة القياس، وسلامة صياغة الفقرات، وقد بلغت نسبة الاتفاق بين المحكمين ما يزيد على 85%، مما يشير إلى أن أداة القياس تتمتع بدرجة صدق مقبول. وأوصى المحكمون باستبعاد متغير واحد لعدم تطابقه مع كل فئات مجتمع البحث، وتم بالفعل استبعاده.

- فئات تحليل المضمون

اعتمد الباحث على الخطوات التالية في تحديد فئات تحليل المضمون:

1. فئة المضمون؛ وتشمل محتوى الخبر ومصدره واتجاهه، وما إن كان نوعه معلوماتيًّا، أو إخباريًّا، أو دعائيًّا، وتحديد الهدف من النشر.

2. فئات الشكل؛ وتشمل الأشكال التحريرية المختلفة، مثل: الأخبار والتقارير والمقالات والمقابلات الصحفية وكذلك مساحة الخبر وحجمه وموقعه وما يعززه من صور وخرائط أو تصاميم فنية (غرافيك).

وركزت الدراسة على وحدات التحليل التالية:

- وحدة الموضوع: سياسي، اجتماعي، اقتصادي، رياضي...إلخ

- وحدة الكلمات، مثل: الإرهاب، تمويل الإرهاب، الحصار، الأزمة الخليجية.

- وحدة الأفكار، مثل: اتهام قطر بقضايا مثل: زعزعة الأمن الخليجي، دعم تركيا، دعم إيران، دعم الحوثيين.

وتعتمد إجراءات تحليل المضمون على ضوء أكثر الاتهامات الموجهة إلى قطر في الحملات الإعلامية لوسائل إعلام دول الحصار، والتي وردت ضمن المسح الأولي لتصميم استمارة تحليل المضمون بحيث يمكن الوصول إلى مفردات دقيقة تعبِّر عن مشكلة البحث. ويلاحظ أن ذات الاتهامات وردت في المطالب التي وضعتها دول الحصار على قطر لحل الأزمة الخليجية، وبذلك تكشف استمارة التحليل طبيعة الدلائل التي تعرضها وسائل الإعلام الإماراتية ومدى قوة هذه الاتهامات، وهل هناك ما يسندها في حيثيات الاتهامات التي تقدمها السعودية والإمارات والبحرين.

الجدول (2): مصادر المواد الصحفية في عينة الدراسة

م

الشكل الصحفي

المصادر

1

خبر

وكالة أنباء

2

تقرير

مصدر مسؤول

3

مقال افتتاحي

مصدر غير معلوم

4

مقال رأي

كاتب متخصص

ويمثِّل تحليل مصادر المعلومات أهمية قصوى في تأكيد مصداقية الموضوعات الصحفية، وتزداد هذه الأهمية خلال الأزمات، حيث تصبح الحاجة ماسة إلى مصدر يؤكد مصداقية ودقة المعلومات المنشورة، فضلًا عن الإجابة على أحد أسئلة البحث المتعلقة بمدى التزام وسائل الإعلام الإماراتية بالمصادر وبدقة ومصداقية ما تنشره من موضوعات.

2. تحليل نتائج الدراسة

أ- المقالات الافتتاحية في عينة الدراسة وترويج الاتهامات 

جرى استخدام التحليل الإحصائي -كما يوضح الجدول رقم (3)- في تفسير المؤشرات الواردة حول السياسة الإعلامية لوسائل الاتصال الإماراتية ومنهجها في تناول موضوعات الأزمة الخليجية، مع الاستناد إلى نظريات الاتصال التي تفسر أهداف السلوك الاتصالي، وتساعد في تصنيف توجهها المهني والسياسي بمقاييس موضوعية.

وتم خلال فترة البحث من 1 إلى 31 مارس/آذار 2019، حصر وتصنيف 7 موضوعات سياسية وحقوقية في افتتاحيات عينة الدراسة.

الجدول (3): موضوعات الافتتاحيات في عينة الدراسة

م

الموضوع

الصحيفة

تاريخ النشر

1

دعم الإرهاب

الاتحاد

1 مارس/آذار 2019

2

تشويه السعودية

البيان

3 مارس/آذار 2019

3

دعم إيران

الخليج

5 مارس/آذار 2019

4

انتهاك حقوق الإنسان

البيان

6 مارس/آذار 2019

5

ادعاء الحصار

البيان

9 مارس/آذار 2019

6

دعم تركيا

الخليج

23 مارس/آذار 2019

7

اتهام بالإرهاب

البيان

31 مارس/آذار 2019

ويكشف الجدول النهج الذي اتبعته الصحف الإماراتية الثلاث في توجيه الاتهامات إلى دولة قطر دون الاهتمام بشروط المصادر، حيث وجدت في الافتتاحيات فرصة سانحة لترويج الاتهامات كمسلمات نهائية لا تحتاج إلى دليل، وذلك على الرغم من خطورة هذه الاتهامات.

وتمثَّلت الاتهامات فيما أوردته صحيفة "البيان" أن "قطر تدعم الإرهاب"، كما أوردت ذات الصحيفة مقالًا افتتاحيًّا آخر اتهمت فيه دولة قطر بتشويه سمعة السعودية، وهو ما أسمتها "أسطوانة قطر المشروخة"، ولم تأت بما يدل على هذا التشوية ولم تورد نصًّا يبرر الاتهام ووسائله(14).

وفي 9 مارس/آذار 2019، نشرت صحيفة "البيان" مقالًا افتتاحيًّا ذكرت فيه أن قطر تسببت في عزل نفسها بسبب سياساتها، لكنها لم تورد نوع هذه السياسات، ثم اختتم المقال الافتتاحي بالقول "إن قطر تدعي أنها محاصرة"، وهي مغالطة واضحة تشير بوضوح إلى أن النص يفتقر إلى المعلومات والبيانات التي تسنده، لذلك استخدم مضمونًا واحدًا لتبرير فكرتين متضادتين. وفي 23 مارس/آذار 2019، أوردت "البيان" في مقالها الافتتاحي اتهامًا لقطر بالوقوف مع تركيا ومرة أخرى بدعم إيران، لكنها لم تشر إلى نوع هذا الدعم ولا وقته ولا طبيعته، ولم تسند المعلومات التي وردت بشأنه إلى أي جهة.  

 وفي 26 مارس/آذار 2019، ذكرت "البيان" في مقالها الافتتاحي أن قطر تدعم تنظيم الدولة، ولم ترفق ذلك بأي إيضاحات عن نوع الدعم ومكانه وحجمه وكيفيته، ولا حتى عن المكان الذي يوجد فيه تنظيم الدولة المعروف باسم "داعش". ويعزز هذا التحليل المؤشرات التي كشفتها بيانات الصحف الثلاث بشأن أسلوبها التحريري القائم على رسائل دعائية تقدم في شكل من الأشكال التحريرية المعروفة.

ب- فئات المواد الصحفية في عينة الدراسة

تركزت المواد الصحفية المنشورة في الصحف الإماراتية على موضوع الأزمة الخليجية، وخلال فترة العينة، نشرت الصحف الثلاث ما مجموعه (104) مواد إعلامية حول الأزمة الخليجية كانت كالتالي:

أولًا: صحيفة الخليج

نشرت الخليج 50 مادة حول الأزمة الخليجية، كانت متنوعة الموضوعات والأشكال التحريرية، كما يوضح الجدول رقم (4).

الجدول (4): توزيع الموضوعات في صحيفة "الخليج"

م

الموضوع

ك

 (%)

1

سياسي

35

70

2

اقتصادي

8

16

3

رياضي

4

8

4

آخر

3

6

المجموع

50

100

ويبين الجدول أعلاه تركيز صحيفة "الخليج" الإماراتية على الأخبار السياسية بنسبة بلغت 70% من المواد التي نشرتها حول الأزمة الخليجية، مقابل 16% للأخبار الاقتصادية، و8% للأخبار الرياضية، و6% لفئة أخرى. وتدل الإحصاءات على أن الصحيفة استخدمت في موادها الإعلامية معظم الأشكال الصحفية، مثل: الخبر والتقرير والتحليل والمقال، ووظفت كل هذه الأشكال لخدمة وجهة نظرها تجاه الأزمة الخليجية. ووفقًا لهذه التصنيفات ولأغراض البحث الأكاديمي، يحق لنا تقييم هذه الأشكال بمفهوم الضوابط المهنية المتفق عليها مهنيًّا، مثل: المصداقية والالتزام بالمصادر وبشروط الكتابة الصحفية المهنية، وبالتالي يساعدنا ذلك على الإجابة على تساؤلات البحث وتقييم السياسة التحريرية للصحيفة.

وعمدت "الخليج" إلى نشر مواد صحفية حول الأزمة الخليجية دون اهتمام بشروط المصداقية، مثل الإشارة إلى مصادر موثوقة ومحددة، حيث جاءت معظم الأخبار مجهولة المصدر، أو منسوبة إلى مصادر مطلعة، أو مصادر مسؤولة، وأحيانًا تنسب إلى تقارير دولية، لكن في متن الخبر أو التقرير لا تُحدّد هوية هذه المصادر (المطلعة أو المسؤولة)، بل يكتفى بإيراد "المعلومات" التي تتناسب مع الخطاب السياسي لدول الحصار ضد قطر. انظر الجدول رقم (5).

وكانت الأخبار الاقتصادية في الأغلب مدعومة بمصادر، لكنها تنشر بطريقة تتضمن "تحليلًا" وإضافات يفترض أن تكون "تفسيرية"، تستهدف تسخير الخبر أو المعلومة لخدمة خطاب دول الحصار. ومن أمثلة ذلك، خبر أوردته صحيفة "الخليج" عن "تراجع أرباح بنك قطر الأول خلال الربع الأول من العام"، والخبر بصيغته تلك منسوب إلى مصدر، ولكن أضيف إليه رأي شخصي بأن هذا الانخفاض "جزء من أزمة اقتصادية وضعت (قطر) نفسها فيها بسبب تبنّيها سياسات خاطئة فرضت عليها عزلة شبه دولية أدت إلى خسائر اقتصادية كبرى". كما وردت الأخبار التي تتحدث عن اتهام قطر بالإرهاب وبانتهاك حقوق الإنسان، أو انتهاك حقوق العمال، وجميعها منسوبة إلى "خبير مصري" كمصدر لهذه الاتهامات.

ومن خلال تحليل محتوى الأخبار التي حصرتها الدراسة، نجد أن جميعها دون استثناء لم ترد في وكالة أنباء أجنبية ولا عربية، بل إن وكالة الأنباء الإماراتية نفسها لم تنشر تلك الأخبار، واكتفت بترديد تلك الاتهامات من خلال إعادة نشر افتتاحيات الصحف الإماراتية ضمن الموضوعات المنشورة في الوكالة.

ويكشف الجدول رقم (5) نسبة الأخبار المجهَّلة المصدر، والتي جاء تفصيلها كما يلي: 25 خبرًا سياسيًّا من أصل 50 خبرًا غير منسوبة إلى مصدر صحفي معلوم بنسبة 50%، و8 تقارير إخبارية بنسبة 16% غير معلومة المصدر، بالإضافة إلى 6 أخبار اقتصادية بنسبة 12% من أصل العينة و3 أخبار رياضية من أصل 50 خبرًا بنسبة 6%. وبلغ مجموع الأخبار غير المنسوبة إلى مصدر 42 خبرًا بنسبة 84% من أصل العينة، مقابل 8 أخبار منسوبة إلى مصادر صحفية معلومة بنسبة 16%.

الجدول (5): توزيع نسب المصادر في المواد الصحفية بالخليج

م

المواد الصحفية

معلومة المصدر

مُجهَّلة المصدر

ك

%

ك

%

1

خبر سياسي

3

6

25

50

2

تقرير

2

4

8

16

3

خبر اقتصادي

2

4

6

12

4

خبر رياضي

1

2

3

6

المجموع

8

16

42

84

وتنوعت أولويات صحيفة "الخليج" فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة إلى قطر، حيث جاءت تهمة دعم الإرهاب في صدارة هذه الأولويات بنسبة 42% مقابل 20% لتمويل الإرهاب و10% للاتهامات بدعم الإخوان المسلمين و6% لدعم إيران، ثم 4% لدعم تركيا و4% لدعم تنظيم الدولة.

الجدول (6): أولويات صحيفة "الخليج" في تشكيل صورة قطر

م

أولويات ومراكز اهتمام "الخليج"

ك

%

1

دعم الإرهاب

21

42

2

تمويل الإرهاب

10

20

3

دعم الإخوان المسلمين

5

10

4

 انتهاك حقوق العمال

4

8

5

 دعم إيران

3

6

6

أزمة اقتصادية

3

6

7

دعم تركيا

2

4

8

دعم تنظيم الدولة

2

4

المجموع

50

100

ثانيًا: صحيفة الاتحاد

أحصى الباحث (27) مادة صحفية نشرتها صحيفة "الاتحاد" حول الأزمة الخليجية، وكانت متنوعة الاتجاهات والأشكال التحريرية.

الجدول (7): توزيع نسب الموضوعات في صحيفة "الاتحاد"

م

الموضوع

ك

%

1

سياسي

13

48

2

اقتصادي

6

22

3

رياضي

5

19

4

آخر

3

11

المجموع

27

100

يوضح الجدول أعلاه أن "الاتحاد" نشرت حول الأزمة الخليجية، 13 خبرًا سياسيًّا بنسبة 48% من مجموع الأخبار المنشورة، مقابل 22% للأخبار الاقتصادية، و19% للأخبار الرياضية، و11% ضمن فئة أخرى.

وكانت غالبية الموضوعات المتعلقة بقطر مُجَهَّلة المصدر، أي بمستوى مصداقية منخفض، ويكشف الجدول رقم (8) أن صحيفة "الاتحاد" نشرت 17 مادة بنسبة 63% غير منسوبة لمصدر محدد، مقابل 10 مواد صحفية بنسبة 37% منسوبة لمصدر معلوم.

الجدول (8): توزيع نسب المصادر في المواد الصحفية بالاتحاد

م

المواد الصحفية

معلومة المصدر

مُجهَّلة المصدر

ك

%

ك

%

1

خبر سياسي

 2

7.40

 3

11

2

تقرير

 1

 3.70

 7

26

3

خبر اقتصادي

 2

 7.40

 4

15

4

خبر رياضي

 2

 7.40

 3

11

5

مقال سياسي

3

11.11

0

0

المجموع

10

37

17

63

وحتى المصادر المعلومة تجسدت في أشخاص لا يمثلون جهة اعتبارية بعينها، أو نسبت إلى تقارير دولية أو تغريدات أو مقالات تعبِّر عن آراء كتابها. كما أن الأخبار الاقتصادية استندت إلى تقارير يومية للبورصة، وتوظف عند تراجع البورصة لتكملة الخبر بأن الاقتصاد القطري "يشهد انهيارًا شاملًا" على غرار ما نشر يوم 4 مارس/آذار 2019 حول تراجع البورصة، وكان عنوانه "عزلة قطر تقودها إلى أزمة اقتصادية". وفي 6 مارس/آذار 2019، نشرت "الاتحاد" تقريرًا ذكر أن "قطر تعيش حالة من الفوضى والارتباك والاضطرابات والقلق"، ونسبت ذلك إلى مفكر أميركي يدعى توماس هوارد، وكان دليله على الحالة التي تعيشها قطر زيارةً قام بها إلى الدوحة لمدة ثلاثة أيام. وتبيَّن من خلال تحليل مصادر المعلومات أن الأخبار لا تنسب إلى مصادر معلومة مثل وكالات الأنباء العالمية، أو الوكالات الإخبارية المحلية ومراكز البحث والدراسات، أو التصريحات المباشرة لأشخاص اعتباريين معروفين.

واهتمت الصحيفة بموضوعات مختلفة تتهم فيها قطر بما تسميه "الإرهاب" دون مصادر أو أدلة، مستندة إلى رأي يتيم لشخص ليس في موقع مسؤول أو مطلع، ويجري من خلاله بناء صورة ذهنية، وإطلاق اتهامات افتراضية، كما في مقال بعنوان "قطر والإرهاب"(15)، فضلًا عن موضوعات أخرى مماثلة، مثل خبر عن "دعم قطر للإرهاب"، ومصدرها في ذلك "قانوني مصري" قال: "إن قطر تدعم الإرهاب"، دون أن يشير إلى نوع هذا الدعم وجهته وحجمه والجهة التي قدم لها. وأوردت الصحيفة خبرًا عن "تمويل قطر للإرهاب" اعتمادًا على خبر نشر في وسائل الإعلام القطرية عن إطلاق قطر للعملة الرقمية، واعتبرت الخبر دليلًا على "تمويل قطر للإرهاب"، وخبرًا عن مرشحة تركية "ترفض بيع جزيرة إسطنبول لقطر"، ولم يرد الخبر في أي مصدر عالمي أو محلي ونشر دون الإشارة إلى مصدره.

واعتمدت الصحيفة في 25% من التقارير المجهلة المصدر على "أكاديمي مصري" حسب تسميتها، ومن ذلك قوله: إن "إيران وراء التعنت القطري في حل الأزمة الخليجية". ونسبت أيضًا إلى مصادر مصرية أن قطر تواجه محاكمة دولية بسبب دعمها للإرهاب في ليبيا.

ونشرت "الاتحاد" يوم 31 مارس/آذار 2019 خبرًا بعنوان "الخليج لن يعود كما كان قبل الأزمة"، وكان مصدره تغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش. كما نشرت موضوعًا في صفحتها الأولى بعنوان "قطر وفتنة الإرهاب" استقت معلوماته من مقال رأي، وموضوعًا آخر بعنوان "الجحيم القطري وخلية داعش"، ولم يتضمن أي معلومات عن سبب هذا الجحيم، ولم يورد الكاتب أي مصدر لاتهاماته التي أوردها في شكل مقال.

كما أوردت "الاتحاد" خبرًا منسوبًا إلى وكالة "رويترز" عنوانه انهيار الأسهم القطرية، لكن نص الخبر لم يحمل أي إشارة إلى حدوث انهيار، بل يشير إلى خسائر عدد من الشركات في التداولات اليومية في جلسة واحدة. وعنوان آخر يقول: "مونديال قطر مهرجان للموت والعبودية"، ومصدره مقال في مجلة إيطالية لا يحوي أي معلومات عن مشروعات المونديال، ولا أين حدث مهرجان الموت والعبودية الذي جرى الحديث عنه. ونشرت "الاتحاد" مقالًا عنوانه "المنحنى القطري الهابط"، ويتحدث عن أزمة اقتصادية، لكنه لم يشر إلى أي مصدر ولا إلى طبيعة هذا الهبوط. ونسبت أيضًا إلى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم قوله: إن قطر غير قادرة على استضافة المونديال، وإنه محبط من مساحة قطر. وبمراجعة نص الخبر لم يتحدث رئيس الاتحاد عن مساحة قطر ولم ترد مفردة "محبط" في النص. كما نقلت تصريحات لمعارض لقطر قال: إن "الوضع في قطر مضطرب"، لكنه لم يبيِّن حيثيات هذا الاضطراب.

وبقراءة هذه الإحصاءات، نلاحظ اتفاق صحيفتي "الخليج" و"الاتحاد" في أسلوب التناول الإخباري وطبيعة الموضوعات وغياب المصادر، واعتماد السياسة التحريرية نفسها في معالجة الشأن القطري.

ثالثًا: صحيفة البيان

أحصى الباحث 27 مادة نشرتها صحيفة "البيان" حول قطر، خلال فترة البحث، وبخلاف صحيفتي "الخليج" و"الاتحاد"، اقتصر اهتمام "البيان" على المقالات الافتتاحية، لكنها تضمنت نفس الموضوعات والاتجاهات والأطر الإعلامية، وأبرزها "دعم وتمويل الإرهاب" و"التعاون مع تركيا وإيران"، و"دعم الإخوان المسلمين"، و"انتهاك حقوق العمال"، و"وجود أزمة اقتصادية في قطر"، و"دعم قطر لتنظيم الدولة".

ويشير الجدول رقم (9) إلى مراكز اهتمام صحيفة "البيان" من خلال الموضوعات التي نشرتها، والتي جاءت كالتالي: 45% من الموضوعات تروج لدعم قطر للإرهاب، و11% لموضوعات تروج لتمويل الإرهاب، ومثلها لدعم الإخوان المسلمين، ومثلها أيضا لدعم إيران في مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي، و7% لكل من دعم تركيا، وانتهاك حقوق العمال، و1% لكل من وجود أزمة اقتصادية في قطر، ودعم تنظيم الدولة.

الجدول (9): أولويات صحيفة "البيان" في تشكيل صورة قطر

م

أولويات ومراكز الاهتمام

ك

%

1

دعم الإرهاب

12

45

2

تمويل الإرهاب

3

11

3

دعم الإخوان المسلمين

3

11

4

دعم إيران

3

11

5

دعم تركيا

2

7

6

انتهاك حقوق العمال

2

7

7

أزمة اقتصادية

1

4

8

دعم تنظيم الدولة

1

4

المجموع

27

100

خلاصة

كشفت الدراسة في تقييمها للسياسة الاتصالية للصحف الإماراتية الرئيسية (الاتحاد والخليج والبيان) تجاه الأزمة الخليجية، عن غياب المهنية والقواعد الأساسية الحاكمة لصناعة الأخبار فيما يخص تغطية ومتابعة مسارات الأزمة الخليجية. فقد انشغلت الصحف بتوجيه اتهامات عديدة إلى دولة قطر بدون مصادر مهنية معتبرة وموثوقة أو دليل.

ومن بين أبرز هذه الاتهامات "دعم وتمويل قطر للإرهاب"، و"استضافة الإرهابيين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين"، و"تقديم الدعم المادي واللوجيستي لتنظيم الدولة الإسلامية"، و"مساعدة إيران على فك الحصار الدولي المضروب عليها"، و"الوقوف إلى جانب تركيا في قضايا لا تخدم مصالح الشعوب العربية"، والحديث عن "حالة من الارتباك والفوضى والاضطراب في نظام الحكم في قطر"، و" تعرض الشركات القطرية وشركة الخطوط الجوية القطرية لخسائر ضخمة".

وتمثلت الخروقات المهنية التي ارتكبتها الصحف الإماراتية في التالي:

1. لم تهتم الصحف الإماراتية باستخدام المصادر الإخبارية المعلومة في إثبات ما تناولته من موضوعات مختلفة، سواء في الأخبار أو التقارير أو المقالات. وتتسق هذه النتيجة مع فرضية الدراسة التي ترى أن الصحف الإماراتية لا تلتزم بالمصادر الموثوقة والمصداقية فيما توجهه من اتهامات لدولة قطر.

2. ركزت عينة الدراسة على تكرار اتهامات سياسية محددة تتعلق بدعم قطر للإرهاب، لكنها لم تورد ما يبرر هذا الاتهام في جميع مفردات العينة.

3. استخدمت عينة الدراسة جميع الأشكال التحريرية في حملتها الإعلامية ضد قطر، مثل الخبر والتقرير والمقال الصحفي والمقال الافتتاحي، التي تناولت موضوعات مختلفة سياسية واقتصادية وحقوقية ورياضية تم تأطيرها لخدمة أجندة وأولويات السياسة الرسمية.  

4. لجأت الصحف إلى تكرار الشخصيات التي استخدمتها كمصادر في الأخبار القليلة المنسوبة إلى مصدر.

5. استخدمت الصحف الإماراتية أساليب الترويج والدعاية السياسية المباشرة في نشر الأخبار والتقارير، ونسبت تلك الاتهامات إلى مصادر مُجَهَّلة أو مراقبين أو محللين سياسيين.

6. كشفت الدراسة خلطًا بين الأشكال التحريرية مثل الخبر والرأي، واستضافة شخص واحد ليُعبِّر باستمرار عن قضية سياسية بعينها، واعتبار رأي هذا الشخص ممثلًا للرأي العام بكامله، وتعميم تلك الآراء لتمثل حقائق دامغة.

7. كشفت الدراسة وجود تماثل كبير في الموضوعات والقضايا وحيثياتها والرسائل الموجهة ضد قطر في الصحف الثلاث، بما يشير إلى أن الأمر يتعلق بحملات إعلامية منهجية ومركزية.

8. تكرار الاتهامات الموجهة إلى قطر بشكل راتب لترسيخها في أذهان الرأي العام. وتم نشر العديد من الأخبار والتقارير والمقالات الافتتاحية في ذات التوقيت وبذات اللغة، مما يشير إلى أن مصدرها واحد.

9. أوضحت الدراسة اتجاه السياسة التحريرية للصحف الثلاث نحو صنع صورة ذهنية سلبية عن قطر من خلال تنميط المحتوى وتكراره في أشكال تحريرية متنوعة.

10. لم تنشر عينة الدراسة الرأي الآخر ولم تستخدم مصادر عالمية محايدة حول الأزمة الخليجية.

ومما خلصت إليه الدراسة أن هناك علاقة وثيقة بين الالتزام بالقيم المهنية المعيارية، مثل الصدق والتوازن والقبول بالرأي الآخر والموضوعية في طرح الأفكار ومعالجة الموضوعات، وبين الحرية الإعلامية والحد من خطاب الكراهية وزعزعة الاستقرار الاجتماعي. وهنا، بيَّنت الدراسة غياب المهنية في استخدام المصادر وعدم الالتزام بالموضوعية والتوازن، وظهر ذلك من خلال ميل الصحف الثلاث إلى تقديم الرأي الشخصي كشكل تحريري إخباري وحقائق نهائية في إدارة الحملات الإعلامية ضد دولة قطر.

ولعبت الصحافة الإماراتية دورًا مهمًّا في إطالة أمد الأزمة، بسعيها المستمر لتأجيج الصراع وبث الاتهامات التي لا تستند إلى أي دليل أو مصدر، بل تطوعت للعمل على إظهار قطر في ثوب الدولة الناشطة في دعم الإرهاب والإرهابيين، وتمويل العمليات الإرهابية، وشق الصف العربي، وكالت كل هذه الاتهامات دون اجتهاد لإثبات ادعاءاتها.

وخلصت الدراسة إلى كشف الدور السلبي للصحافة عندما تتجاوز المعايير المهنية بعدم اللجوء إلى المصادر الحقيقية للأخبار، بما يجعلها أداة لبث الفتنة والشقاق وإطالة أمد الأزمات. وبينت الدراسة خطر اعتماد الصحيفة على الدعاية السياسية، بدل القيام بوظيفتها الإعلامية المنضبطة بعدد من الشروط والقواعد الأساسية التي تتطلبها الممارسة المهنية ويتوقعها الجمهور. لذلك فإن الرسالة الإعلامية للصحف الإماراتية كانت في الواقع دعاية سوداء هدفها التأثير السلبي على الرأي العام وإثارة الكراهية.

نشرت هذه الدراسة في العدد الحادي عشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) وليم روو، الصحافة العربية، "الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي"، ترجمة موسى الكيلاني، (دار الكتاب الأردني، عمان، 1989)، ص 231.

(2) ابتسام السويد، "الإعلام الإماراتي.. النشأة والتطور" (المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان، جامعة القاهرة، العدد 8، خريف 2016)، ص 467.

(3) أحمد نفادي، "صحافة الإمارات.. النشأة والتطور الفني والتاريخي"، (منشورات المجمع الثقافي، أبوظبي، 1996)، ص 66.

(4) جريدة الاتحاد، "من نحن"، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3vwlmrx.

(5) نفادي، "صحافة الإمارات.. النشأة والتطور الفني والتاريخي"، مرجع سابق، ص 61.

(6) "النشأة والتأسيس"، الخليج، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2019)، https://bit.ly/3gxjg6v.

(7) نفادي، "صحافة الإمارات.. النشأة والتطور الفني والتاريخي"، مرجع سابق، ص 61.

(8) سامي محسن، "نظريات الاتصال والتأثير"، (دار المسيرة، الأردن، 2018)، ص 90.

(9) علي عجوة، "العلاقات العامة والصورة الذهنية"، (عالم الكتب، القاهرة، 1983)، ص 44.

(10) علي عجوة، "الرأي العام والدعاية"، (الدار المصرية للكتاب، 2013)، ص 226.

(11) عبد الرزاق الدليمي، "الأخبار المفبركة وتأثيرها على الصورة الذهنية"، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 17 يونيو/حزيران 2019)، https://bit.ly/3q43ove.

(12) عجوة، "الرأي العام والدعاية"، مرجع سابق، ص 226.

(13) جوناثان غراي، "صحافة البيانات"، ترجمة ندى رمضان، (الدار العربية للعلوم، بيروت، 2015)، ص 141-142.

(14) "قطر تدعم الإرهاب"، البيان، 12 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3q4r7fa.

(15) "قطر والإرهاب"، الاتحاد، 21 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3q2tH53.