موازين متحركة: مضامين التقارب الإيراني-الغربي

عرفت العلاقات الإيرانية الأميركية تقاربا غير مسبوق منذ سقوط الشاه، فكل منهما يحتاج الثاني حاليا، حيث تسعى طهران لإنعاش اقتصادها، بينما تسعى أمريكا والغرب إلى حرمان إيران بالمفاوضات من بلوغ عتبة القدرة على إمتلاك السلاح النووي.
20131021131016876734_20.jpg

تشهد علاقات إيران بالدول الغربية، سيما الولايات المتحدة، بوادر تحولات جوهرية؛ فخلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، بدأت إيران جولات جديدة للتفاوض حول ملفها النووي، اعتبرها مسؤولون إيرانيون وغربيون الأكثر جدية ومدعاة للتفاؤل منذ 2002. ثمة أسباب اقتصادية ومالية، وصعوبات تقنية تكتنف البرنامج النووي، دفعت إيران إلى إبداء الاستعداد لقبول الشروط الدولية. كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى تجنب اللجوء لحل عسكري يمنع إيران من امتلاك القدرة النووية. ولا يُستبعد، في حال توصل الطرفين إلى حل نهائي ودائم لأزمة الملف النووي، أن ينعكس التحسن في العلاقات الإيرانية-الغربية على خارطة التوازنات الإقليمية، سيما في ظل الخلافات الإقليمية حول مصر، وتفاقم الأزمة السورية.

مقدمة

ن بداية الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول  وبداية الأسبوع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من 2013، بدا كأن علاقات إيران بالعالم الغربي تشهد متغيرات دراماتيكية متلاحقة. في 16 أكتوبر/تشرين الأول، خرجت المسؤولة الأوروبية عن السياسة الخارجية، كاترين آشتون، لتشيد بيومين من المباحثات في مدينة جنيف بين مندوبي الدول الأعضاء الخمس الدائمة بمجلس الأمن، إضافة لألمانيا، مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، واصفة إياها بـ "الجوهرية والمحفزة للتقدم". ظريف، من جهته، قال: إن المباحثات "تفتح أفقًا جديدًا للعلاقات بين إيران والدول الغربية". وبالرغم من أن آشتون وظريف تحدثا بصورة منفردة، ولم يعقدا مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا، فإن اللغة التي استخدماها غير مسبوقة في تاريخ الملف النووي الإيراني، منذ وضعه على جدول الأعمال الدولية في 2002.

 

بيد أن البداية لم تكن في جنيف، بل في نيويورك، مقر الأمم المتحدة؛ حيث ألقى كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الإيراني حسن روحاني، خطابًا أمام الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول. كان خطاب روحاني بداية لجدول مزدحم من اللقاءات الرسمية والإعلامية، مطلقًا حملة تصالحية مع الغرب، والولايات المتحدة بصورة خاصة. وبالرغم من أن خطاب أوباما تقاسمه الحذر والتفاؤل بخصوص حل للملف النووي الإيراني، إلا أن الجانب الأميركي لم يُخفِ سعيه لإظهار مقاربة جديدة للتعامل مع إيران. وبعد أن فشلت ترتيبات المصافحة بين الرئيسين في كواليس الأمم المتحدة، هاتف أوباما روحاني في خطوة غير مسبوقة في علاقات البلدين منذ 1979.

 

فهل يمضي الملف النووي الإيراني نحو حل تفاوضي سريع هذه المرة؟ وإلى أي حد سيؤثر حل هذا الملف على توازن القوى الإقليمي في المشرق؟

الملف النووي: شروط التسوية

لم يكن خافيًا عند فوز روحاني في انتخابات الرئاسة أن إيران تحتاج شخصية مثله رئيسًا في هذه المرحلة؛ حيث كانت إيران تسعى إلى بداية جديدة في علاقاتها الدولية، سيما بعد تضرر اقتصادها ضررًا بالغًا نتيجة سلسلة العقوبات الأممية، والأورو-أميركية. خلال العام الماضي، انخفض إنتاج النفط الإيراني بمقدار النصف، وانكمش اقتصاد البلاد بأكثر من خمسة بالمائة. وبالرغم من قوة النظام، وقدرته الأمنية الفائقة على مواجهة أي تحرك معارض داخلي، فإن مزيدًا من التدهور الاقتصادي ينذر بالتحاق شرائح اجتماعية جديدة إلى معسكر المعارضة.

من جهة أخرى، ثمة تقارير متضافرة تشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني يواجه صعوبات جدية، لاسيما فيما يتعلق ببلوغ عتبة القدرة على صناعة قنبلة نووية. لكن في المقابل، تفسر عدة تحليلات اختيار إيران هذه اللحظة لقبول التقارب مع الغرب بحصولها على مكاسب صلبة في المشروع النووي تجعلها قادرة مؤقتا على أخذ ما يشبه "استراحة محارب"، ومن ثمَّ الإلتفات إلى وضع اقتصادي محفوف بالمخاطر، بحيث بات يشكل خطرا على تماسك النظام وشرعيته الداخلية.
هذا ما فرض على إيران تبني سياسة تفاوضية جديدة مع القوى الغربية للتوصل إلى حل للملف النووي، وإلى رفع للعقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها.

ولكن إيران لم تكن وحدها من يريد الصفقة التفاوضية. الولايات المتحدة، من ناحيتها، تحاول تخليص نفسها من الشرق الأوسط، بصورة تحفظ مصالحها، ومصالح حلفائها، الضرورية. فنظرًا لتغيير أولوياتها العالمية، تعمل إدارة أوباما على تجنب أي تورط كبير في الشرق الأوسط، بما في ذلك نزاع مسلح مع إيران. تقوم السياسة الأميركية أصلاً على منع أية قوة إقليمية منفردة من السيطرة على الشرق الأوسط؛ وضمن هذا التصور، ليس من مصلحة واشنطن أن تتعرض إيران لانهيار اقتصادي، أو أن تتعرض لضربة عسكرية شاملة، تصيبها بالشلل. ولكن إدارة أوباما لا تستطيع التسامح مع طموحات إيران النووية في الوقت نفسه؛ ليس لأن مقدرات إيران النووية يمكن أن تهدد أمن أميركا أو مصالحها، بل لما ستؤدي إليه إيران نووية من فوضى نووية في الشرق الأوسط. بكلمة أخرى، تتلخص السياسة الأميركية تجاه إيران في ضرورة وضع حد لبرنامجها النووي، مقابل تطبيع سياسي واقتصادي، ضمن توازن قوى تعددي في الشرق الأوسط.

التقاء الرغبة الإيرانية في بداية جديدة من أجل الإنعاش الاقتصادي، والرغبة الأميركية في تجنب خيار الحرب، هو ما صنع المناخ التفاؤلي الذي أخذ يحيط مسألة الملف النووي منذ سبتمبر/أيلول 2013؛ وهذا ما جعل خطاب أوباما في الجمعية العامة حذرًا وترحيبيًا معًا. أشاد الرئيس الأميركي بالإشارات الإيجابية الصادرة من إيران، ولكنه طالب بأن تصاحب الأفعال الأقوال، مبديًا بعض الشك في جدية الإشارات الإيرانية. وفي حديثه لما يراه سياسة ناجعة، ذكّر أوباما مستمعيه بأن صفقة نزع السلاح الكيماوي السوري لم تكن ممكنة بدون التهديد الفعلي باستخدام القوة.

تجنب روحاني في 24 سبتمبر/أيلول مشهد مصافحة أوباما، الذي يمكن أن يصيبه بمتاعب في إيران، أكثر مما يجلب من مصالح. ولكن المؤكد أنه سرعان ما حصل على موافقة المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، على التحدث تليفونيًا، بعد أيام قليلة، مع الرئيس الأميركي. وفي الأيام القليلة التي قضاها في نيويورك، أجرى الرئيس الإيراني كل ما تطلبته حملة علاقات عامة لتقديم إيران في صورة جذابة، ليس فقط عن الصورة التي ارتبطت بسلفه أحمدي نجاد، بل أيضًا عن الصورة النمطية للجمهورية الإسلامية. أدان روحاني الهولوكوست، تحدث عن مكانة أميركا في قلب الشعب الإيراني، وتعهد بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي. ولكن الأهم، كانت الاتصالات غير المعلنة بين الجانبين الأميركي والإيراني، التي جرت على هامش اجتماع الجمعية العامة، والتي أكدها وزير الخارجية الأميركي.

من وجهة النظر الغربية، فإن مباحثات جنيف، هي الامتحان الحقيقي للسلطة الإيرانية الجديدة لمعرفة إن كانت ستتخذ موقفًا مختلفًا عن جلسات المفاوضات السابقة، التي أجريت خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن ما رشح من المفاوضات كان قليلاً، بالرغم من التصريحات الباعثة على التفاؤل من الجانبين. ضمن ما سُرّب من الجلسات المغلقة، أن المفاوضات بدأت بكلمة لوزير الخارجية الإيراني تحت عنوان "إغلاق أزمة غير ضرورية: فتح آفاق جديدة". وطبقًا لمسؤولين غربيين، فإن كلمة ظريف تضمنت تصورًا للحل، يشمل إجراءات بناء ثقة، تُنجَز من الطرفين، خلال ستة شهور، تنتهي باتفاق شامل، يؤكد على حق إيران في مواصلة برنامج نووي لأهداف سلمية، في مقابل سماح إيران لنظام مراقبة دولي صارم، وإقرارها بما يُعرف بـ "البروتوكول الإضافي"، الذي يمنح المراقبين حق زيارة أية مواقع يشتبه بوجود نشاطات نووية فيها، وليس فقط تلك التي تعلن عنها إيران.

في نهاية جولة التفاوض، اتفق الطرفان على أن تُعقد الجولة التالية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2013، على أن تجري لقاءات على مستوى الخبراء، سواء خبراء النشاط النووي أو خبراء العقوبات، قبل ذلك. 

لم يحدث من قبل أن تحدث مسؤولون إيرانيون وغربيون بهذه الدرجة من التفاؤل؛ ولكن النتائج ليست مضمونة. ما تقوله أوساط أميركية أن المطلوب من إيران يشمل السماح بتخصيب اليورانيوم عند 5 بالمائة فقط، والقبول برقابة دولية طبقًا للبروتوكول الإضافي، وإغلاق مركز فوردو، الذي يعتبر عماد التطوير في البرنامج الإيراني، والتخلي نهائيًا عن جهود فصل البلاتينيوم. في المقابل، ستبادر الدول الغربية إلى رفع حثيث، وتدريجي للعقوبات. هل يمكن أن تقبل إيران بهذه الصفقة؟ ليس من السهل الإجابة، ولكن المؤكد أنه سواء داخل إيران، أو في الولايات المتحدة، أو في الإقليم المشرقي ككل، هناك قوى مؤثرة لا تريد تسوية تفاوضية للملف النووي الإيراني.

آثار جيو-سياسية محتملة

طوال السنوات الماضية، حاولت إيران الربط بين المفاوضات على البرنامج النووي ومصالحها والوضع الإقليمي، أو ما سُمي بالصفقة الكبرى. وما يقال حتى الآن أن إدارة أوباما رفضت الربط بين النووي والإقليمي. ولكن لا يمكن استبعاد أن يترك اتفاق على البرنامج النووي أثرًا مباشرًا على الوضع الإقليمي؛ ليس فقط لأن إيران جزء لا يتجزأ من عدد واسع من مسائل الجوار المشرقي، ولكن أيضًا لرغبة إدارة أوباما في تحقيق إنجازات تفاوضية في المنطقة، بما في ذلك أفغانستان، سورية، لبنان، ومسار التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي. بيد أن ما لا ينبغي تجاهله أن المشرق العربي-الإسلامي أخذ يشهد بالفعل تفاعلات جيو-سياسية أولية، ولَّدتها أجواء التفاؤل المحيطة بالملف النووي، ويبدو أن السعودية والأردن والإمارات ستكون أول من يتأثر بها.

تشكّل السعودية والإمارات والأردن كتلة سياسية فعالة في المشرق العربي-الإسلامي. قبل سنوات قليلة، لم تكن الدول الثلاث مرشحة لتشكيل مثل هذه الكتلة؛ ولكن التحولات المصاحبة لحركة الثورة العربية في 2011 صنعت تقاربًا بين الدول الثلاث، ولَّدته المخاوف من موجة التغيير التي اجتاحت عددًا من الدول العربية، بما في ذلك الأردن والمغرب، وصعود التيار الإسلامي السياسي في الدول التي مرت بعملية التغيير. وتجمع الدول الثلاثة بين الوفرة المالية والخبرة الأمنية والنفوذ السياسي، وقد تعاونت معًا في مجريات الثورة الليبية وتعقيداتها التالية على سقوط نظام القذافي، وكادت أن تنجح في إيصال مرشحها المفضل لرئاسة الحكومة الليبية. كما عملت، بدرجات متفاوتة، مع قطر وتركيا على دعم الثوار السوريين، بعد أن وصلت في ربيع 2012 إلى قناعة بضرورة إسقاط نظام الأسد. خلال الشهور القليلة الماضية، ساندت الدول الثلاث بعملية إسقاط الرئيس محمد مرسي في مصر، وأعلن مسؤول كبير في الإمارات عن العمل لتغيير النظام في تونس.

عندما اندلعت حركة الثورة العربية في 2011، لم تكن الدول الثلاث جميعها في وضع سياسي أو جيو-سياسي سيء. الأردن وحده شهد حركة مطلبية شعبية للإصلاح، كما أن حركات التغيير والثورة العربية، من تونس وليبيا إلى مصر واليمن، لم تحمل أي عداء خاص نحو أي من الدول العربية الأخرى، سيما دول الخليج، ولكن ذلك لم يحرر الدول الثلاث من الخوف من فكرة التغيير، الخوف من الفكرة الديمقراطية، والخوف من التيار الإسلامي السياسي، فاندفعت الدول الثلاث إلى التقارب، ومن ثم إلى تشكيل محور سياسي، نشط وفعال. توحي النظرة السريعة للخارطة العربية السياسية بأن الكتلة الثلاثية حققت عددًا من الانتصارات المتتالية، وأنها تعمل على رسم هذه الخارطة على صورتها، ولكن المقاربة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط، والخلافات الإقليمية حول مصر، ومحاولة إيران الخروج من براثن الحصار الدولي، توشك أن تعيد رسم الخارطة من جديد. 

بنت الدول الثلاث مقاربتها للمسألة السورية على أساس من مشاركة قطرية-تركية وثيقة، وتصاعد الانخراط الغربي، والأميركي، بصورة خاصة. وقد أوشك الانخراط الغربي-الأميركي أن يتحقق بالفعل عندما تورط النظام السوري في استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق في أغسطس/آب الماضي، فأعلنت بريطانيا وفرنسا، ومن ثم الولايات المتحدة، عزمها معاقبة النظام. للحظة، بدا أن دول الكتلة الثلاثية، بنفوذها القوي في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، والمساندة الإسرائيلية المعلنة، باتت قاب قوسين أو أدنى من إحداث تغير كبير في موازين القوى على الأرض السورية بقوة الضربة الأميركية المرتقبة.

قللت دول الكتلة الثلاثية من أهمية الانسحاب الأميركي الملموس من المشرق، والمستمر بلا تردد منذ بداية ولاية أوباما الأولى، ولا استماتة واشنطن في تجنب التورط في الأزمة السورية منذ أيامها الأولى، ولا توكيد واشنطن على أن الضربة المخططة للنظام السوري، إن وقعت، ستكون محدودة وقصيرة إلى حد كبير. ولذا، ما إن قررت إدارة أوباما الذهاب للخيار التفاوضي، على أساس من تجريد نظام دمشق من ترسانة سلاحه الكيماوي، حتى أصيبت دول الكتلة الثلاثية بخيبة أمل كبيرة. المشكلة كانت في تصور دول الكتلة الثلاثية المبالغ فيه لطبيعة علاقتها بالولايات المتحدة، وإمكانية الضغط عليها، أو استخدامها لخدمة مصالحها الإقليمية، حتى عندما لا ترى واشنطن أن ثمة مصلحة لها.

تمامًا، كما أن دول الكتلة الثلاثية، إضافة إلى الدولة العبرية، قللت من سعي إدارة أوباما الحثيث إلى تجنب خوض حرب مع إيران، وبحثها الدائم عن تسوية تفاوضية للملف النووي الإيراني. منذ بداية العقد الأول لهذا القرن، اعتبرت دول الكتلة الثلاثية إيران مصدر التهديد الرئيس، بعد أن أفادت إيران من فراغ القوة الذي أحدثته سياسة الحرب قصيرة النظر التي تبنتها إدارة بوش الابن. وحتى قبل تفاقم الأزمة اللبنانية الداخلية، واندلاع الثورة السورية، وتحولها إلى أزمة إقليمية ودولية، كان النفوذ الإيراني المتزايد في العراق يشكّل مصدر قلق كبيرًا لدول الخليج العربية، سيما السعودية. فنفوذ إيراني متصل، من البصرة إلى ساحل المتوسط، سيتيح لطهران التحكم في كل الحزام الشمالي للجزيرة العربية.

لم تزل المفاوضات الإيرانية-الغربية في بدايتها، بالطبع، ولكن انتهاء هذه المفاوضات إلى تسوية دائمة، يعني نهاية آمال خصوم إيران الإقليميين في ضربة أميركية تضعفها عسكريًا وسياسيًا. كما ستؤكد تسوية الملف النووي على أن لا إسرائيل بنيامين نتنياهو، ولا دول الكتلة الثلاثية، وهي الجهات التي ترفض نهج إدارة أوباما التفاوضي، تستطيع لعب دور معطل فعلي في هذا المسار، بل إن افتراق مصالح دول الكتلة الثلاثية والولايات المتحدة في الموقف من إيران، ليس مرتبطًا بتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق؛ إذ أصبح من الواضح أن أي فشل في التوصل إلى حل تفاوضي، يتعلق فقط بعجز إحداهما، أو كلتيهما، عن التضحية ببعض شروطهما المسبقة. 

من جهة أخرى تشكل توجه عربي خليجي خلال السنوات القليلة الماضية للتقارب مع تركيا، وإفساح المجال لتوازن قوى إقليمي جديد، تلعب تركيا فيه دور الموازن الاقليمي لإيران. اليوم، وبعد أن تسببت سياسة دول الكتلة الثلاثية في دول الثورة العربية في خلق فجوة ثقة عميقة مع أنقرة، تبدو تركيا أقرب إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية، منها إلى الاستجابة لمتطلبات العلاقة مع دول الكتلة الثلاثية. إن وقع تقارب تركي-إيراني، فستقف دول الخليج منفردة في مواجهة الضغوط الإيرانية، وتعقيدات العراق وسورية ولبنان، وقد فاقمتها سياسات أوباما.

 

نتائج

 

تمر أزمة الملف النووي الإيراني بلحظة حاسمة يمكن أن تنتهي فعلاً إلى اتفاق تفاوضي، تقبل إيران على أساسه بعدد من الإجراءات التي تمنعها من تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 بالمائة أو أعلى، وتفتح مؤسساتها النووية لرقابة دولية صارمة. إن لم تستطع إيران القبول بالشروط التي تطلبها مجموعة الدول الغربية، وطرحت تصورًا للحل لا يصل إلى ما تطالب به الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ستقف الأزمة من جديد أمام عدد من الاحتمالات السيئة، بما في ذلك التصعيد العسكري. ولكن التوصل إلى اتفاق نهائي، سيكون مقدمة لتحسن تدريجي في علاقات إيران الغربية.

ليس ثمة مؤشر حتى الآن إلى أن الولايات المتحدة قبلت بالتفاوض حول "صفقة كبرى"، أي التفاوض حول الملف النووي ومجمل الوضع الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط؛ وهو الأمر الذي كانت إيران تطرحه منذ بدأت أزمة الملف النووي قبل سنوات. ولكن حل أزمة الملف النووي، يعني بالضرورة أن تتحرك إيران والولايات المتحدة للحديث حول عدد من الملفات الأخرى، بما في ذلك العراق، ولبنان، وسورية، وفلسطين، والخليج. مثل هذا الاحتمال يثير قلقًا بالغًا في دول الجوار، خصوصًا السعودية وحليفاتها العربيات؛ لاسيما أن هذا التطور يواكب إخفاق المراهنة على توجيه ضربة أميركية لنظام الأسد، وتفاقم الخلافات الإقليمية حول الوضع المصري، واحتمال تفكك التحالفات الإقليمية في سورية، وتباين مواقف القوى الإقليمية من إيران.