المعارضة السورية: مخاطر التشتت وضرورات التوافق

تقف المعارضة السورية أمام موعد جنيف 2 مضطربة ومشتتة، فبينما يخشى بعض مكوناتها أن يكون المؤتمر مناورة تعمق خلافاتها، يعتقد آخرون أنه فرصة تجعل منها شريكا أصيلا في تحديد نظام الحكم بسوريا إذا إستطاعت أن تتوصل إلى توافق يرص صفوفها.
20131212113014579734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

ملخص
فوجئت قوى الثورة والمعارضة بالتوجه المتسارع نحو مؤتمر جنيف 2، كما فوجئت بالفتور السعودي-الأميركي، وانتهت إلى تباعد مواقفها (بين الداخل الخارج) من المؤتمر، وإلى حالة أقرب إلى العجز عن التأثير في مجرياته. وبيّن تشكيل الجبهة الإسلامية حجم افتراق المواقف وحجم المخاوف والشكوك المتبادلة فتبدو ساحة الثورة السورية وكأنها في طريق التوزع إلى عدد من مراكز الثقل السياسي والعسكري، منها إلى المركز الواحد.

النجاح في تشكيل الحكومة المؤقتة، رغم الشكوك الكبيرة، بالرغم من أنها تعتبر مسؤولة أمام الائتلاف الوطني وتتبع له، قد يوفر فرصة كبيرة لتعزيز العلاقة بين الداخل والخارج. إلا أن التحدي الملح للثورة السورية اليوم، هو شيء تعزيز ثقة بين كافة مراكز قوتها السياسية والعسكرية، يساعد على بناء توافق سياسي وعسكري. بدون ذلك، ستصبح الثورة، عسكريًا وسياسيًا، أكثر عرضة للتأثر بأنواء السياسة وتقلبات الموقف العسكري.

مقدمة

لم يعد ثمة جدل كبير حول تمثيل الائتلاف الوطني، المظلة التي تجمع عدة قوى وشخصيات سياسية، للمعارضة السورية، ولا حول تعبير الائتلاف عن الثورة السورية ضد نظام دمشق. فمنذ تشكيله في لقاء ضم طيفًا واسعًا من المجموعات والأحزاب والشخصيات السورية في اجتماع بالدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، نجح الائتلاف في ضم قوى وشخصيات جديدة، من خلفيات سياسية مختلفة، وفي ضم المجلس الوطني الكردي، الذي ينضوي في إطاره العدد الأكبر من الجماعات والأحزاب الكردية السورية. كما يوجد في صفوف الائتلاف أيضًا، تمثيل لقيادة أركان الجيش الحر، الاسم الفضفاض للقوى المسلحة المناهضة لنظام الأسد. وقد حصل الائتلاف على الاعتراف الفعلي لمعظم الدول المؤيدة للثورة السورية، وخاصة المجموعة التي تُعرف بأصدقاء سورية، والتي تشمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسة، إضافة إلى الدول العربية والإقليمية المتعاطفة مع الثورة السورية.

هذه هي الصورة السائدة والمتداولة والمتعارف عليها، ولكن الائتلاف، بعد مرور عام على ولادته، يواجه عددًا من التحديات الحاسمة، التي تضع مستقبله على المحك، أهمها في هذه اللحظة، مسألة الالتحاق بمؤتمر جنيف 2، والكيفية التي ينبغي أن يعالج بها الائتلاف المخاطر الناجمة عن انعقاد المؤتمر؛ وتشكيل الجبهة الإسلامية السورية من كبريات الفصائل الإسلامية المسلحة؛ وما تعنيه الحكومة المؤقتة، التي وُلدت تحت عباءة الائتلاف.

هذه قراءة في مجريات الثورة السورية في نهاية 2013، من زاوية وضع الائتلاف الوطني والتحديات التي تواجهه.

جنيف 2: الضرورات والمخاطر

تعتبر فكرة عقد مؤتمر حول سورية، لمتابعة نتائج مؤتمر جنيف1 في يونيو/حزيران 2012، فكرة أميركية-روسية، أُطلقت بعد لقاء بين وزيري خارجية البلدين في مايو/أيار الماضي 2013؛ ففي جنيف الأول، اتفق الأميركيون والروس على عقد مؤتمر يضم ممثلين عن النظام والمعارضة للاتفاق على حل سياسي للأزمة السورية، يتضمن تشكيل إدارة سورية انتقالية، تعمل على تنظيم انتخابات حرة. ولكن الخلافات بين الطرفين أحاطت بيان جنيف 1 بالغموض، فلم يحدد المقصود بالمعارضة، ولا المقصود بالنظام، ولا أشار إلى دور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية. وقد استمر هذا الغموض يحيط بالإعلان الصادر عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري بعد لقائهما في موسكو قبل شهور؛ حيث دعا إلى ما بات يُعرف بجنيف 2، الذي يقوم على إطلاق عملية التفاوض بين النظام والمعارضة للاتفاق على الحكومة الانتقالية.

خلال الأشهر القليلة التالية على صدور بيان موسكو، بدا أنه ليس بين الأطراف المعنية من يرحب فعلاً بانعقاد المؤتمر؛ فالائتلاف الوطني يخشى أن يجد نفسه مجبرًا على قبول شركاء آخرين، يمثلون المعارضة أيضًا، وأن يصبح المؤتمر مناسبة لتطبيع وضع الرئيس السوري. ويخشى النظام أن يكون المؤتمر مقدمة لصفقة أميركية-روسية على حسابه. أما على مستوى الدول الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، فقد استشعرت إيران القلق من محاولات بعض القوى الغربية والعربية والائتلاف الوطني استبعادها من المؤتمر، وترددت السعودية في دعم فكرة المؤتمر نظرًا لتوتر علاقتها مع الولايات المتحدة بفعل الخلافات حول مصر وإيران وعدم وضوح السياسة الأميركية في سورية. لهذه الأسباب جميعًا، فشلت محاولة عقد المؤتمر في نوفمبر/تشرين الثاني، الموعد الأول الذي حُدد لانعقاده.

بيد أن احتمالات عقد المؤتمر أخذت في التحسن مع مرور الوقت؛ حيث مارست روسيا ضغطًا كبيرًا على الأسد، الذي أعلن موافقته على المؤتمر، واستمرت الضغوط الأميركية والغربية على الائتلاف الوطني؛ و في الأثناء وُقّع الاتفاق النووي المرحلي مع إيران. في اجتماع لندن، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2013، قدم أصدقاء سورية إغراء كبيرًا للمعارضة السورية، عندما أشار البيان الصادر عن اللقاء إلى أن الرئيس السوري لا يجب أن يكون له دور في الحكومة الانتقالية.

أخيرًا، وبعد أن وجد الائتلاف نفسه أسيرًا لضغوط متناقضة من الولايات المتحدة، التي تريد إعلانًا واضحًا بالتحاقه بالمؤتمر، والسعودية، التي توصي بالتمهل وعدم الإعلان إلى اللحظة الأخيرة، وقوى الثورة المسلحة في الداخل، التي ترفض تقديم أية تنازلات تفاوضية للنظام، أعلنت قيادة الائتلاف، بعد لقاء عاصف في إسطنبول (11 نوفمبر/تشرين الثاني 2013)، الاستعداد للمشاركة في المؤتمر بصورة مشروطة؛ حيث دعا بيان الائتلاف إلى ضرورة استبعاد إيران، بصفتها شريكًا في الحرب، وإلى ضرورة أن تُفتح ممرات إغاثة للمناطق المحاصرة في ريف دمشق ومحافظتي حمص وحماة، وإلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وضرورة توفير دعم كاف للثوار على الأرض، من أجل منع قوات النظام وحلفائه من تحسين مواقعهم العسكرية.

أعلن السكرتير العام للأمم المتحدة، بان كيم-أون، أن المؤتمر سيُعقد في منتصف يناير/كانون الثاني المقبل 2014. وكلف مبعوث الأمم المتحدة لسورية، الأخضر الإبراهيمي، بالتحضير لعقده. والواضح أن الإرادة الدولية تتجه إلى عقد المؤتمر، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن يسفر عنها. السؤال المهم الآن يتعلق بقدرة الائتلاف الوطني على تحصين موقفه من المؤتمر بشكل كاف، وأن يتجنب في الوقت نفسه خسارة المجتمع الدولي، والداعمين العرب الرئيسيين، والقوى الثورية الفاعلة على الأرض.

الملاحظ، أن معضلة الائتلاف الوطني في مواجهة جنيف 2 باتت أصعب؛ فالشروط التي وضعها للمشاركة في أعمال المؤتمر لن تُنفذ، بالطبع، والأسئلة الرئيسة المحيطة التي ولدت مع التفاهم الأميركي-الروسي جنيف 1 لم تزل قائمة. فبالرغم من بيان أصدقاء سورية في لندن، لم يصدر عن الولايات المتحدة ولا روسيا موقف صريح وحاسم حول الدور الذي سيلعبه الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، وليس من الواضح حتى الآن من سيمثل النظام في المؤتمر المنشود، وما هي مرجعية هؤلاء الممثلين، كما لم يصدر عن الأخضر الإبراهيمي ما يشير إلى أن الائتلاف الوطني سيكون الممثل الوحيد للمعارضة في المؤتمر.

حكومة المعارضة: تحديات عويصة

في لقائه الأخير بمدينة إسطنبول، نجح الائتلاف في حل مسألة التمثيل الكردي في هيئته العامة، بالإعلان عن ضم ممثلين عن المجلس الوطني الكردي. بذلك، أصبح أعضاء الهيئة العامة للائتلاف 122 عضوًا. ولكن النجاح الأبرز، كان الإعلان عن اختيار السيد أحمد طعمة الخضر (13 نوفمبر/تشرين الثاني 2013)، بأغلبية الأصوات (75 صوتًا من زهاء 90 عضوًا حضروا الاجتماع)، رئيسًا للحكومة المؤقتة، التي عجز الائتلاف عن تشكيلها طوال شهور. كان الائتلاف قد اختار في مطلع هذا العام غسان هيتو، الإداري الكردي-الدمشقي، رئيسًا للحكومة المؤقتة، لكن الخلافات بين دول عربية من أصدقاء سوريا حالت دون استلامه المنصب.

في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف في يوليو/تموز الماضي 2013، الذي خيمت عليه أجواء تراض بين الدول الثلاث الأكثر تأييدًا للثورة السورية، تركيا والسعودية وقطر، انتُخب أحمد الجربا، الموالي للسعودية، رئيسًا للائتلاف للدورة المقبلة، وقدم هيتو استقالته من مهمة تشكيل الحكومة المؤقتة، وبدأت مساعي الكتل الرئيسة في الائتلاف للتوافق على رئيس جديد للحكومة، يحظى بتأييد أغلبية أعضاء الائتلاف ويلقى القبول والدعم من الدول المؤيدة للثورة. وسرعان ما برز اسم أحمد طعمة، طبيب الأسنان من محافظة دير الزور، الإسلامي المعتدل، والعضو السابق في إعلان دمشق. أعربت السعودية في الاتصالات التمهيدية السابقة لاجتماع الائتلاف عن قبولها بطعمة، وهو ما ساعد، وإن لم يكن السبب الوحيد، على انتخابه بأغلبية لا جدال فيها في اجتماع إسطنبول.

سارع الائتلاف في الاجتماع ذاته إلى اختيار أعضاء الحكومة والانطلاق بعملها. وقد تم بالفعل الإعلان عن ياسين النجار، عن مجموعة العمل الوطني، لحقائب الصناعة والنقل والاتصالات؛ إبراهيم ميرو، كردي، للمال والاقتصاد؛ عثمان بديوي، من الحراك الثوري، للإدارة المحلية؛ إلياس وردة، مسيحي ومرشح مجموعة ميشيل كيلو، للنفط والطاقة؛ تغريد الحجلي، درزية، للثقافة والأسرة؛ فايز الظاهر، مرشح الإخوان المسلمين وإن لم يكن من الإخوان، للعدل؛ وليد زعبي، من نشطي الداخل، للزراعة والموارد المائية؛ وأسعد مصطفى، المحافظ والوزير السابق، للدفاع. ولكن حقائب الداخلية، والصحة والتربية والتعليم، لم تحسم.

أظهر أعضاء الائتلاف إمكانية التوافق السريع والمضي بصورة حثيثة نحو تشكيل حكومة يتمتع رئيسها وأعضاؤها بثقة الأغلبية. ولأن الائتلاف أخفق منذ تأسيسه في توطيد صلاته بالداخل السوري، سواء بعموم الشعب في المناطق المحررة من سيطرة النظام، أو بالفصائل المسلحة، فمن المتوقع أن تعمل الحكومة على علاج هذا الخلل من خلال عملها على الأرض السورية، وسعيها لإظهار قدرة قوى المعارضة والثورة على إدارة شؤون الشعب والبلاد.

بيد أن طريق الحكومة ليس ممهدًا، وقد تؤدي المخاطر المحيطة بها إلى إجهاض الآمال التي علقت عليها في الائتلاف، ومن قبل عموم السوريين، الذين يعيشون نكبة كبرى، طالت أوليات وضرورات حياتهم. ستتخذ الحكومة من مدينة غازي عينتاب التركية الحدودية مقرًا لها، نظرًا للمخاطر الأمنية التي لم تزل تهدد المناطق السورية المحررة؛ وهو ما سيجعل من تواجد الوزراء وسط شعبهم محدودًا بالزيارات التي يقومون بها للداخل السوري. من ناحية أخرى، تحتاج الحكومة المؤقتة لمئات الملايين من الدولارات قبل أن تبدأ في ترك أثر ملموس على حياة الناس في المناطق المحررة؛ وحتى بعد مرور أكثر من شهر على تشكيلها، لم يعلن سوى عن استعداد السعودية لمنح الحكومة 300 مليون دولار. من ناحية ثالثة، من المعروف أن ليس ثمة قوة مسلحة واحدة تبسط سيطرتها على كافة المناطق المحررة، بل يتوزع النفوذ على عدد من الفصائل. وبالرغم من أن بعض هذه الفصائل ينضوي تحت مظلة قيادة أركان الجيش الحر، فإن أغلبيتها تنشط في استقلال عن قيادة الأركان. والسؤال الذي يواجه الحكومة ورئيسها الآن يتعلق بمدى قبول الفصائل المختلفة، لقيام الحكومة بإدارة المناطق المحررة.

قوة جديدة: الجبهة الإسلامية السورية

أُعلن يوم الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وبصورة مفاجئة، عن اتفاق سبع فصائل إسلامية على العمل المشترك في إطار جبهوي، تحت اسم الجبهة الإسلامية. ضمت الجبهة حين الإعلان عنها: لواء التوحيد، حركة أحرار الشام، جيش الإسلام، ألوية صقور الشام، لواء الحق، كتائب أنصار الشام، والجبهة الإسلامية الكردية. تُعَدُّ هذه الفصائل من بين أكبر الفصائل السورية المسلحة وأكثرها نفوذًا، وتكاد المجموعات التابعة لها تغطي كافة أنحاء البلاد، وتقاتل في معظم الجبهات. والملاحظ، أن الإسلاميين الأكراد المسلحين اختاروا الانضواء في صفوف الجبهة، وليس في أي من الأطر الكردية القومية، وأن الجبهة نأت بنفسها عن دولة العراق والشام الإسلامية، التي يثير سلوكها الكثير من الجدل، وعن جبهة النصرة، التي تعتبر أكثر اعتدلاً في مقاربتها للوضع السوري بالرغم من أنها تنتسب للقاعدة.

يعتبر تشكيل الجبهة الإسلامية تتويجًا لجهود سورية وعربية-إسلامية، عملت منذ زمن على توحيد الفصائل المسلحة. وبالرغم من تبلور محاولات سابقة للتوحيد والتعاون، لم تستمر طويلاً، تبدو هذه المحاولة الأكثر جدية، حتى وإن جاءت نتاج مشاورات سريعة وغير معلنة من قبل. مشكلة تعدد الفصائل المسلحة في سورية أن العمل المسلح انطلق بصورة تلقائية وليس من خلال قرار مركزي أو بناء على توجه قوة سياسية رئيسة، وقد تشكلت فصائله محليًا في أغلب الحالات وأفرزت بالتالي قياداتها المحلية. وباتساع نطاق عمل بعض الفصائل، ونشوء تمايزات أيديولوجية بينها، وتلقيها المساعدات المالية والعسكرية، تشكلت لكل فصيل عصبية خاصة. والملاحظ أن تشكيل الجبهة الإسلامية أتى من استشعار الفصائل الإسلامية المسلحة خطر الجهود الإقليمية والدولية، التي تعمل على بناء وتدريب وتسليح قوة خاصة بالجيش الحر، تتولى في المستقبل أمن المناطق المحررة، أو تصبح نواة الجيش السوري بعد الإطاحة بالنظام، وتتعهد القضاء على المجموعات الإسلامية المسلحة.

تحدث بيان التأسيس بوضوح لا لبس فيه عن الجبهة باعتبارها تكوينًا عسكريًا وسياسيًا، وليس عسكريًا وحسب. وفي حين أن عددًا من الفصائل السبعة المشكِّلة للجبهة ارتبط بقيادة الأركان للجيش الحر، التي تتحكم بالمساعدات العسكرية والمالية للثوار، وتعتبر الجهة الأقرب للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فقد صدرت تصريحات غير مؤكدة المصدر دائمًا تفيد بأن الجبهة قطعت صلتها نهائيًا بقيادة الأركان، وأنها لم تعد تعترف بها مظلة للثوار. من جهة أخرى، لم يتحدث بيان تشكيل الجبهة عن موقفها من الائتلاف الوطني، ولكن إشارة البيان إلى "التكوين السياسي" يعني أن الجبهة قد تطرح نفسها منافسًا للائتلاف في تمثيله للثورة وقوى المعارضة.

في نهاية الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول 2013، نُشرت تقارير تفيد بقيام مجموعات من الجبهة بالسيطرة الكاملة على معبر باب الهوى الحدودي الحيوي، وعلى مخازن السلاح والذخيرة التابعة لقيادة أركان الجيش الحر في المنطقة. بيد أن إسلام علوش، المتحدث باسم الجبهة، ذكر بعد ذلك أن قيادة الأركان هي التي اتصلت بالجبهة للتدخل، بعد تعرض المخازن لاعتداء من مسلحين مجهولين. لم يصدر عن قيادة الأركان ما يؤكد أو ينفي رواية علوش، ولكن الواضح أن مقدرات الفصائل التابعة للجبهة، سيما في شمالي سورية، من القوة بحيث يمكنها فرض سيطرتها على معظم محافظتي حلب وإدلب.

من ناحية أخرى، وبالرغم من أن جبهة النصرة ليست جزءًا من الجبهة، فإن علاقة مقاتليها بمعظم فصائل الجبهة تتسم بالتعاون والثقة. المشكلة هي في مستقبل علاقة فصائل الجبهة مع دولة العراق والشام الإسلامية، التي تكاد تصطدم يوميًا بمعظم الفصائل المسلحة للثوار.

معركة التوافق

شهدت مجريات الثورة السورية خلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من 2013 اندفاعة بطيئة، ولكن حثيثة، لقوات النظام والقوات المساندة له من حزب الله والمتطوعين الشيعة في منطقة القلمون بوسط البلاد. وفي حال استطاع النظام في النهاية فرض سيطرته على القلمون، وهو الأمر المحتمل، سيصبح الطريق بين دمشق وحمص ودمشق والساحل مؤمَّنًا، إضافة إلى حدود سورية مع لبنان، ويصبح للنظام قاعدة قوة متماسكة تضم الساحل السوري وقطاع البلاد الأوسط. من جهة أخرى، يسيطر الثوار على معظم محافظات دير الزور والرقة والحسكة وحلب وإدلب، في الشمال والشرق، ودرعا، في الجنوب، بينما يخوضون معارك مريرة مع النظام في كافة أنحاء ريف دمشق.

ليست الثورة السورية في وضع عسكري حرج، ولكن جبهات القتال أصبحت أكثر صعوبة نسبيًا، وتحولت الحرب إلى مكاسب وخسائر وليس انتصارات وحسب؛ فالزيادة الهائلة في أعداد مقاتلي حزب الله والمتطوعين العراقيين وغير العراقيين الشيعة إلى جانب النظام، أدخل عاملاً جديدًا إلى حسابات القوة.

المتغير العسكري، إضافة إلى التعقيدات المتصلة بصراع القوى الإقليمية والدولية في الساحة السورية، كانا يستدعيان مبادرة وتوافقًا أسرع في ساحتي الثورة السياسية والعسكرية، ولكن الارتباطات الخارجية من جهة، والطبيعة غير المركزية لاندلاع الثورة وتوجهها نحو العمل المسلح، من جهة أخرى، أنتجت ساحة سياسية وعسكرية متعددة الأطراف والمراكز، وأحيانًا الولاءات. الملاحظ الآن، أن قوى الثورة والمعارضة فوجئت بالتوجه المتسارع نحو مؤتمر جنيف 2، كما فوجئت بالفتور السعودي-الأميركي، وانتهت إلى تباعد مواقفها (بين الداخل الخارج) من المؤتمر، وإلى حالة أقرب إلى العجز عن التأثير في مجرياته. وبيّن تشكيل الجبهة الإسلامية حجم افتراق المواقف وحجم المخاوف والشكوك المتبادلة فتبدو ساحة الثورة السورية وكأنها في طريق التوزع إلى عدد من مراكز الثقل السياسي والعسكري، منها إلى المركز الواحد.

النجاح في تشكيل الحكومة المؤقتة، رغم الشكوك الكبيرة، بالرغم من أنها تعتبر مسؤولة أمام الائتلاف الوطني وتتبع له، قد يوفر فرصة كبيرة لتعزيز العلاقة بين الداخل والخارج. إلا أن ما تحتاجه الثورة السورية اليوم، وتحتاجه بصورة ملحة، هو شيء أقرب إلى لقاء مصارحة وتعزيز ثقة بين كافة مراكز قوتها السياسية والعسكرية، يساعد على بناء توافق سياسي وعسكري. بدون ذلك، ستصبح الثورة، عسكريًا وسياسيًا، أكثر عرضة للتأثر بأنواء السياسة وتقلبات الموقف العسكري.