مشكلات الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال: مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية أنموذجًا

تبحث الدراسة مشكلات الدرس الأكاديمي المرتبطة بمادة منهجية البحث الإعلامي في التجربة الأكاديمية العراقية بأقسام وكليات الإعلام في الجامعات العراقية، وترصد أهم الصعوبات التي تعيق تطوره على الوجه الأفضل. وانطلاقًا من ذلك تحاول الدراسة الإجابة على حقل استفهامي يمثِّل المشكلة البحثية للتجربة الأكاديمية العراقية: ما المشكلات التي يواجهها الأستاذ الجامعي في الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال؟ وما أهم المعوقات التي تعترض مسيرة البحث الإعلامي في الجامعات العراقية؟ وما انعكاسات الدرس الأكاديمي على مخرجات التعليم في علوم الإعلام والاتصال لتحقيق الجودة والكفاية في التدريس لدى الأستاذ والتحصيل الجيد لدى الطالب؟
ترتيب أولويات معالجة مشكلات الدرس الأكاديمي تبدأ بالطالب أولًا مرورًا بالمنهج الدراسي وانتهاء بالأستاذ الجامعي (الأناضول)

تقوم إشكالية هذا البحث على دراسة المعوقات التي تحول دون فهم وتطوير الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال فيما يتعلق بمنهجية البحث الإعلامي. وترتبط هذه الإشكالية بصعوبة التكميم واستخدام ألفاظ كيفية، ومن ثَمَّ صعوبة صياغة قوانين دقيقة، وإضفاء الإسقاطات التقييمية أو الأحكام على مادة الدرس الأكاديمي. ويرمي هذا البحث إلى تناول بعض القضايا المرتبطة بالأستاذ الجامعي والمنهج التعليمي والطالب الجامعي وممارستها في الفصول الدراسية. ويمكن اعتبار الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال نسقًا متكاملًا من المعارف والقدرات والمهارات التي تتيح للطالب القيام بإنتاجه المعرفي في مجال البحث الإعلامي من خلال ما يتركه الدرس الأكاديمي عبر طرائق التدريس الحديثة باتباع علم البيداغوجيا المعني بأصول وأساليب التدريس، معتمدًا على العديد من نظريات الإعلام والاتصال الحديثة، بالإضافة إلى احتوائه على فلسفة التعليم التي تركز على أهداف التعليم ومدى أهميته وقيمته من منظور فلسفي.

ولا يزال الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال يركز على دراسات الجمهور وتأثير وسائل الإعلام في الجمهور، ويهمل إلى حدٍّ كبير دراسة مضمون وشكل الرسالة الإعلامية التي يفترض أنها تُحدِث التأثير المطلوب أو المرغوب من وجهة نظر المُرْسِل أو القائم بالاتصال سواء كان شخصًا أو مؤسسة إعلامية، فضلًا عن اعتماد التحليل الكمي في الدراسات الإعلامية، واستبعاد الدراسات الكيفية بذريعة التحيز والبعد عن الموضوعية.

وقد سعت أقسام وكليات الإعلام في الجامعات العربية منذ أوائل التسعينات من القرن العشرين لتطوير طرائق التدريس الخاصة في مجال البحوث والدراسات الإعلامية والدرس الأكاديمي العربي لإيجاد حلول متعلقة بالمشكلات المنهجية التي تواجه تطور الدرس الأكاديمي وتطور المحتوى العلمي الخاص بعرض ومعالجة أسباب ونتائج الظواهر الإعلامية وأدواتها وتوظيفها، وما يحيط بها من تداخلات وتفاعلات تلائم التطور الحاصل في مجالات الإعلام بعد الثورة الاتصالية وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وظاهرة الدمج بين وسائل الإعلام الجديد والإعلام التقليدي.

1. اعتبارات منهجية   

أ- مشكلة الدراسة وتساؤلاتها

تبحث الدراسة مشكلات الدرس الأكاديمي المرتبطة بمادة منهجية البحث الإعلامي في أقسام وكليات الإعلام في الجامعات العراقية، وترصد أهم الصعوبات التي تعترضه وتعيق تطوره على الوجه الأفضل، وترفع الازدواجية في منهجية البحث العلمي بين العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومنها البحوث والدراسات الإعلامية، وبين العلوم الأخرى في الجامعات العربية.

وفي هذا الإطار، تحاول الدراسة الإجابة على الحقل الاستفهامي الآتي:

1. ما المشكلات التي يواجهها الأستاذ الجامعي في الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال؟

2. ما أهم المعوقات التي تعترض مسيرة البحث الإعلامي في الجامعات العراقية؟

3. ما الصعوبات والمعوقات التي يراها الطالب الجامعي تحول دون فهم الدرس الأكاديمي من وجهة نظر الأستاذ الجامعي؟

4. ما انعكاسات الدرس الأكاديمي على مخرجات التعليم في علوم الإعلام والاتصال لتحقيق الجودة والكفاية في التدريس لدى الأستاذ والتحصيل الجيد لدى الطالب؟

5. ما أهمية الاستقلالية المنهجية في بناء المعرفة الإعلامية؟ 

ب- أهمية الدراسة

يمكن تحديد أهمية البحث في مجالين، هما:

1. الأهمية العلمية: تنطلق أهمية هذا البحث من أهمية إشكالية وضع حلول لمشكلات الدرس الأكاديمي فيما يتعلق بمنهجية البحث الإعلامي وتنمية شخصية الباحث لارتباطها ارتباطًا مباشرًا بالبحث، وهي تعني طريقة تفكيره وأسلوبه في الاستنتاج. ولهذا قدم الباحث عن طريق استمارة الاستبانة مجموعة من معايير الاستدلال التي من شأنها أن تسهم في الكشف عن مشكلات الدرس الأكاديمي فيما يتعلق بالأستاذ الجامعي أو البحث العلمي أو الطالب في التخصص الإعلامي من وجهة نظر تدريسيي (أعضاء هيئة التدريس الأكاديمية) مقرر مناهج البحث الإعلامي في كليات وأقسام الاعلام في الجامعات العراقية. وتأتي أهمية هذا البحث كذلك لإثراء الدرس الأكاديمي وتطوير التعليم الجامعي وفتح مجال لإجراء دراسات أكثر توسعًا وعمقًا.

2. الأهمية المجتمعية: تبرز أهمية البحث بالنسبة للأستاذ أو الطالب في التخصص الإعلامي من حاجتهم للكشف عن مشكلات الدرس الأكاديمي لتطوير طرق القراءة وبناء المعلومة في البحث وأساليب مناقشتها وفق رؤية علمية، وإفادة المهتمين بتطوير الجامعات ببعض الصعوبات والمشكلات في التعليم الجامعي التي قد تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة.

ج- أهداف الدراسة

تتركز أهداف البحث على:

- تحديد المعوقات والصعوبات التي تعترض الدرس الأكاديمي في محور الأستاذ الجامعي والمنهج العلمي والطالب الجامعي من وجهة نظر النخبة الأكاديمية لمقرر مناهج البحث الإعلامي في الجامعات العراقية.

- تحديد مشكلات البحث العلمي في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العراقية.

- التعرف على المعوقات التي تحول دون فهم الطالب الجامعي للدرس الأكاديمي من وجهة نظر الأستاذ الجامعي.

- استعراض انعكاسات مادة منهجية البحث الإعلامي على مخرجات برامج الدراسات الأولية والعليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. 

- اقتراح الحلول الممكنة التي قد تفيد في تذليل وإزالة أهم المشكلات ولتعزيز مسيرة البحث العلمي في الدراسات الإعلامية بأقسام الإعلام في الجامعات العراقية بالشكل الذي يجمع لها بين الالتزام بالثوابت والمسلَّمات والأخذ بأساليب ووسائل العصر، وعلاج الظواهر الإعلامية في إطار فلسفة المجتمعات العربية. 

د- منهج الدراسة ونوعه

اعتمد الباحث المنهجَ المسحي الذي يهدف إلى مسح الظاهرة المستهدفة لتحديدها والوقوف على واقعها بصورة موضوعية تُمَكِّن الباحث من استنتاج علمي لأسبابها، والمقارنة فيما بينها. ومن أهم أهداف هذا المنهج وصف ما يجري والحصول على حقائق ذات علاقات بشيء ما، وتشخيص المجالات التي حدثت فيها المشاكل، والتي تحتاج إلى إدخال التحسينات المطلوبة(1).

- أداة الدراسة   

اعتمد الباحث في مقاربة المشكلة البحثية وأبعادها استمارة استبيان لمعرفة الصعوبات التي تواجه الدرس الأكاديمي من وجهة نظر أساتذة مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية على سلم مقياس (ليكرت) الثلاثي(2)، وللتحقق من صدق الأداة قام الباحث بعرضها على مجموعة من المحكمين.  

أعد الباحث استبانة تتضمن ثلاثة محاور لتحقيق أهداف البحث؛ أولها: محور الأستاذ الجامعي ويتناول مجموعة من الفقرات، من أهمها: ضعف اهتمام الأستاذ الجامعي بتحديد مستوى الطلبة وما لديهم من معارف ومهارات، وإهماله للفروق الفردية بين الطلاب، واعتماد التدريسي على الإلقاء والتلقين فقط في محاضراته، وقلَّة تنويع التدريسي في أساليب التعليم والتعلم أثناء المحاضرة، وعدم التواصل مع الطلبة خارج وقت المحاضرات، فضلًا عن عدم تمكن الأستاذ الجامعي من المادة التعليمية وضعفه في الإجابة عن أسئلة واستفسارات الطلبة، وعدم شرح أهداف ومفردات ومتطلبات الموضوع في بداية المحاضرة، وتأخر وغياب التدريسي عن المحاضرات دون إشعار الطالب بوقت كاف، وضعف قدرة التدريسي على ضبط السلوكيات غير المرغوب فيها من الطلبة.

ويركز المحور الثاني، الذي يعالج قضايا المنهج الدراسي، على ضعف مشاركة الطالب في اختيار مفردات المادة الدراسية التي تلبي حاجاته وتوقعاته، وندرة الأنشطة التعليمية المصاحبة للمقررات الدراسية، وكذلك التركيز على المناهج المقررة فقط مصدرًا أساسيًّا للتعلم في المقررات الدراسية، فضلًا عن الاقتصار على الاختبارات كمعايير للتقييم لتحصيل الطلبة في أغلب المقررات الدراسية، وعدم وجود نشاطات تعليمية إثرائية لتحسين أداء الطلاب، وصعوبة وعدم استيعاب الطالب للمحتوى المكثف للمقررات الدراسية، واعتماد مستوى الحفظ والتذكر فقط كأساليب للتقييم، وعدم توافر معايير واضحة ومعلنة للطلبة بكيفية تصحيح الواجبات والاختبارات، وعدم استخدام الخدمات الإلكترونية الحديثة في تدريس المقررات الدراسية، وعدم كفاية الوقت أثناء المحاضرات لفهم المحتوى التعليمي للمقررات الدراسية.

ويركز المحور الثالث، الذي يتناول شؤون الطالب الجامعي، على ضعف التحصيل الدراسي للطالب في مراحل التعليم العام، ودافعية الطالب للتفوق العلمي ضعيفة، وإهمال الطالب للاستعداد والتحضير لحضور المحاضرات التعليمية، فضلًا عن ضعف تمكن الطالب من مهارات تدوين المذكرات أثناء حضور المحاضرات وشعوره بعدم الثقة في النفس والقلق والتوتر باستمرار ومعاناته من نقص الإمكانات المادية لتحمل مستلزمات الدراسة. كذلك عدم تمكن الطالب من مهارات التعلم الأساسية، مثل: مهارات القراءة والكتابة، واعتماد الطالب على غيره في إنجاز الواجبات والتقارير، وشعور الطالب بعدم التوافق النفسي والاجتماعي مع الحياة الجامعية.

وتحتوي صحيفة الاستبيان على 30 فقرة يمكن الإجابة عنها بالمدى الثلاثي لمقياس ليكرت وبالعبارات الآتية: "صعوبة بدرجة كبيرة، وصعوبة بدرجة قليلة، وصعوبة بدرجة نادرة"، حددت فيها مجموعة من المؤشرات الأدائية التي تهدف لقياس المشكلات والمعوقات التي تواجه الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال بالنسبة للأستاذ الجامعي والبحث العلمي والطالب الجامعي من وجهة نظر النخبة الأكاديمية في تخصص البحث الإعلامي ضمن ثلاثة محاور، يتناول أولها مشكلات التدريس التي يواجهها الأستاذ الجامعي وتضم 10 عبارات، والمحور الثاني يناقش مشكلات المنهج الدراسي ويضم 11 عبارة، والمحور الثالث ويتناول المشكلات التي يواجهها الطالب الجامعي ويضم 9 عبارات. وتم تصميم الاستبانة بصيغة "غوغل فورمز" (Google Forms) ليسهل توزيعها إلكترونيًّا على أساتذة مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية وترميز الإجابات وجمعها.  

- الصدق والثبات

اعتمد الباحث على التحقق من الصدق الظاهري لاستبانة المقياس عن طريق عرضها على مجموعة من المحكمين(3)، والأخذ بملاحظاتهم. وأسفر التحكيم عن حصول الأداة على درجة اتفاق بلغت 85%، وتم إجراء التحليل الإحصائي للفقرات عن طريق اختبار الاتساق الداخلي للأسئلة، ومدى تمثيلها لكل أسلوب تنتمي إليه من محتويات الاستبانة عن طريق إجراء الارتباط البسيط ما بين كل عبارة والأسلوب الخاص بها، وقد تبيَّن أن جميع الأسئلة تميزت باتساق ذي مقبولية من الناحية الإحصائية؛ إذ تراوحت قيم معامل الارتباط البسيط بينها ما بين (0.428-0.764)، وتعد نسبة الارتباط هذه مقبولة في إعداد الاستبانات.

أما الثبات الخاص بنتائج الاستبانة فقد تم التحقق منه بوساطة معامل "ألفا كرونباخ"، وهي طريقة يعتبرها مختصون في إعداد المقاييس أدق الطرق المستعملة وأصدقها في احتساب الثبات باعتبار أن طريقة "ألفا كرونباخ" تشير إلى مدى الانسجام بين فقرات المقياس الواحد أو المجال نفسه وتماسكها الداخلي في تعرف الإجابات لعيِّنة الدراسة العمدية، وبلغت قيمة الثبات للاستبانة (0.842)، وهي قيمة جيدة ومقبولة في إعداد الاستبانات.

2. مشكلات الدرس الأكاديمي في مقرر منهجية البحث الإعلامي

شهدت مدخلات الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال مشكلات كبيرة بعد التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وظاهرة الدمج بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة؛ الأمر الذي تطلب تطوير مدخلات الدرس الأكاديمي فيما يتعلق بمنهجية البحث الإعلامي. وقد لاحظ الباحث، من خلال الدراسة التطبيقية على عينة من النخبة الأكاديمية في أقسام وكليات الإعلام في الجامعات العراقية، أن أساتذة الدرس الأكاديمي لم يطوروا من الأطر النظرية للدرس الأكاديمي التي استخدموها في دراسة وسائل الإعلام التقليدية، ولم يحاولوا تطوير الدرس الأكاديمي بما يتناسب مع البيئة الإعلامية الجديدة. ويرى الباحثون في مجال التكنولوجيا وأزمة النظرية والمنهج في الدراسات الإعلامية أن إحدى أهم القضايا المثارة تتمثَّل في "مدى كفاءة نظريات الاتصال الحالية ونماذجها في استيعاب تكنولوجيا الاتصال الحديثة وفهمها وتفسيرها، وعدم وجود نماذج أو نظريات جديدة للاتصال بسبب السرعة المتلاحقة التي تتطور بها التكنولوجيا الرقمية"(4).

ولاحظ الباحث أيضًا من خلال اطلاعه على البحوث والدراسات والرسائل والأطروحات الجامعية فيما يخص البحوث والدراسات الإعلامية أن دراسات تحليل الخطاب الصحفي في المدرستين الإعلامية واللغوية لا تزال تحتاج إلى تطوير. فعلى الرغم من البدايات المبكرة لتحليل الخطاب في المدرسة العربية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين؛ حيث قُدِّمت اجتهادات متميزة في تحليل مسار البرهنة، والتحليل الدلالي والأسلوبي للغة الصحافة، وتحليل الأطر المرجعية والقوى الفاعلة، إلا أن أغلب الدراسات التي جاءت بعد ذلك لم تخرج عن نطاق تلك الاجتهادات في إطار تحليل الخطاب(5). وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بتجاهل البحوث الإعلامية الكيفية وحصرها في البحوث الكمية، وعدم اعتماد البحوث والدراسات الإعلامية على المنهج السيميولوجي (التأويلي) الذي يعنى بتحليل الرسائل الإعلامية من خلال "التركيز على الآليات المنتجة للمعاني من جهة، كما يعنى من جهة أخرى بتشكيل نظام دلالي مرن يتيح فهمًا لوظيفة الرسالة الإعلامية داخل النسق الاتصالي"(6). ويرجع سبب عدم اعتماد بعض الباحثين على المناهج الكيفية منهجًا للتحليل النقدي، والتي تستخدم التحليل الأسلوبي والدلالي، باعتبارها تتسم بالتعقيد المرتبط بقلة الدراسات العربية في هذا المجال؛ إذ تختص أساسًا بالبحوث اللغوية واللغويات النقدية والحجاجية ذات الجوهر الكيفي.

ومن بين الإشكاليات المنهجية في البحوث العربية الغموض الذي تتسم به عملية تحليل الصورة الصحفية والتليفزيونية؛ إذ نجد نقصًا معرفيًّا في الدراسات الإعلامية المتعلقة بالصورة، حيث تتسم عملية تحليل الصورة - صحفية ثابتة أم تليفزيونية متحركة- بصعوبة التأويل الضمني للصورة البصرية نظرًا لتعدد معانيها ودلالاتها ولارتباط هذا التأويل بالعلامة أو النص المرافق للصورة. فالصورة عبارة عن "نسق سيميائي غير دال بنفسه، بل تشتغل وفق علامة خاصة بين مجموعة من العناصر التي تحدد خصوصيتها وتمايزها، فإذا كانت العلامة داخل النسق اللساني تتميز بالطابع الاعتباطي في علاقة الدال بالمدلول، فإن العلامة الأيقونة على عكس ذلك تتميز بخاصية تعليلية، لتطور بذلك مناهج تحليل الصورة استنادًا إلى لسانيات العالم السويسري، فرديناند دي سوسير (Ferdinand de Saussure)،‏ وأبحاث العالم الفرنسي، رونالد بارت (Ronald Barthes)، السميولوجية التي عملت على ربط خصائص النصوص الإعلامية بالأيديولوجيات الصريحة والضمنية"(7).

ومن هنا، يؤكد الباحث محمد شومان أن السميولوجيا (العلاماتية) قادت في الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين حقل تحليل النصوص الإعلامية، ووفرت للباحثين أسلوبًا لتحليل المعنى، بينما هيمن التحليل الأيديولوجي على هذا الحقل في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، وقد زود الباحثين بمنهج للتفكير في العلاقات بين المعنى والبنية الاجتماعية. ومنذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر، أصبحت نظرية الخطاب تقود عمليات تحليل النصوص الإعلامية. وقد دفعت نظرية الخطاب الباحثين إلى إعادة التفكير في العلاقة بين المعنى والبنية الاجتماعية من خلال التركيز على السلطة من داخل نظام المعنى وليس من خارجه، فنظم المعنى نفسها تعتبر سلطة، وهي لا تظهر بسهولة كنظم، مثل بنية اللغة بل من خلال ممارسات ذات دلالة. إنها ليست ببساطة المعاني المرتبطة بالممارسات الاجتماعية، كما يقول فرديناند دي سوسير في نظرية الأيديولوجية، بل إن المعنى والممارسة لا يمكن التمييز بينهما فهما مترابطان، أي إن المعنى هو الممارسة في نظرية الخطاب(8).

ومن خلال مسح التراث العلمي اتضح أن هناك العديد من الدراسات السابقة العربية التي تناولت مشكلات الدرس الأكاديمي في مجال منهجية البحث الإعلامي يمكننا إيجاز أهم نتائجها فيما يلي:

1. أغلب مشكلات البحث الإعلامي والأطر النظرية مستقاة من علوم إنسانية أخرى كالعلوم الاجتماعية والنفسية، ومن الواجب على الباحثين في مجال الإعلام أن يجدوا طرقًا لبناء أطر نظرية خاصة تتلاءم مع تطورات البيئية الاتصالية الجديدة(9).

2. تركز أغلب الدروس الأكاديمية في البحث الإعلامي على نظم اتصالية أحادية الاتجاه لمستقبلين سلبيين للمعلومات، في حين تتطلب تلك الدروس في منهجية البحث الإعلامي التركيز على النموذج الجديد للاتصال الذي وفرته الطبيعة التفاعلية للإنترنت وتأثيراتها في دمج العناصر الجديدة للاتصال مع الطبيعة التقليدية.

3. من بين أهم مشكلات الدرس الأكاديمي عدم استطاعة الباحث ضبط المصطلح عند كتابة البحث الإعلامي، حيث أفرزت ثورة المعلومات طوفانًا من المصطلحات الجديدة التي تتطلب إيجاد مقابل لها في الثقافة العربية؛ إذ يتعين على الباحث ضبط المصطلحات والتحكم في استعمالها وفهم سياقاتها وطرق توليدها وظروف نشأتها في لسانها الأصلي. ومن هنا، "صار لزامًا على الباحث الجاد أن يتحكم في المصطلح باعتباره أداة تواصلية على الباحث امتلاكها لكي يفهم موضوعه الفهم السليم"(10).

4. يعاني الدرس الأكاديمي العربي في مجال البحوث والدراسات الإعلامية سيادة التحليل الكمي لشكل ومضمون الرسالة الإعلامية منذ أن نشر برنارد بيرلسون (Bernard Berelson) مقاله، عام 1952، بعنوان "التحليل الكمي للمحتوى في أبحاث الاتصال"، بينما اختفى أو غُيِّب التحليل الكيفي الذي اتُّهِم بالتحيز والبعد عن الموضوعية بسبب شكلية وعدم موضوعية فئات تحليل المضمون الكمي التي تدَّعي بدون أساس علمي الدقة والموضوعية، ويُتهم التحليل الكمي أيضًا بتفتيت النص وتحويله إلى مجرد أرقام وبيانات إحصائية لا تكشف عن معاني النص أو المعاني الضمنية أو غير الظاهرة في النص(11).

5. يعاني الدرس الأكاديمي في منهجية البحث الإعلامي من مشكلات التعقيد في تقديم المعلومات المتعلقة بالبحث الإعلامي، وعدم تبسيط وحل المشكلات المنهجية التي تعترض البحث الإعلامي انطلاقًا من اختيار موضوع البحث وضبط متغيراته، إضافة إلى صعوبة ضبط المجال التطبيقي للدراسة، وصعوبات أخرى مرتبطة بعدم القدرة على التحديد الدقيق للإجراءات المنهجية الخاصة بالبحث، ثم عدم القدرة على إسقاط المعارف النظرية الخاصة بالبحث تطبيقيًّا من خلال الأدوات البحثية المستخدمة(12).

6. من بين المشكلات التي يعاني منها الدرس الأكاديمي عدم وضوح العلاقة بين التوجه النظري في البحث والجانب العملي أو التطبيقي للبحث. وعليه، فإن الدرس الأكاديمي يجب أن يحدد مدى استفادة الباحث من التوجه النظري للبحث في استجلاء الأهمية النظرية لموضوع الدراسة، وتحديد المفاهيم الأساسية أو صياغة التساؤلات والفرضيات والأهداف للبحث(13).

7. قصور الدرس الأكاديمي عن الارتباط الوثيق بمدى فعاليته وقدرته على الاستجابة لاحتياجات المجتمع بشكل عام، ومتطلبات واحتياجات سوق العمل من تقديم تكوين وتدريب جيد يتكيَّف مع تلك الاحتياجات.

8. لا يزال الدرس الأكاديمي في مجال منهجية البحث الإعلامي قاصرًا عن استيعاب الاتجاهات الحديثة في مجال محتوى الدراسات الصحفية والمعرفة الإعلامية ومن بين أهم تلك الاتجاهات: الدراسات الصحفية الدولية المقارنة، والتوجهات الجديدة في بحوث وضع الأجندة وفي مجال حارس البوابة، ودراسات متعلقة بصحافة المشاركة وصحافة المواطن، ودراسات متعلقة بتحولات الإنتاج الصحفي، وبالتأطير في الدراسات الإعلامية(14).

9. ومن المشكلات الأخرى التي يعاني منها الدرس الأكاديمي صعوبة قياس تأثير الإعلام في الظاهرة التي يقوم الباحث بدراستها نظرًا لتأثر البحث والوضع التجريبي بالمراقبة والملاحظة التي يقوم بها الباحث الإعلامي، مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تغيير في السلوك لدى الأفراد والمجتمعات موضوع الدراسة والبحث، ومن ثم صعوبة الملاحظة أحيانًا، وصعوبة إجراء الضبط التجريبي إذا ما لجأ الباحث الإعلامي إلى البحث التجريبي وعزل المتغيرات المتداخلة للظاهرة الاجتماعية والإنسانية موضع الدراسة، والصعوبات التي تصل إلى حدِّ الاستحالة في بعض الحالات في ضبط هذه المتغيرات والتحكم في أكبر عدد منها.

10. ومن الصعوبات المنهجية التي يواجهها الدرس الأكاديمي عدم استخدام الباحث المناهج المختلفة في دراسة الظواهر والمشكلات الاجتماعية، والاقتصار على استخدام منهج واحد، مما يؤدى إلى احتمال عدم إمكانية التوصل إلى المعلومات الصحيحة، وصعوبة التثبت من صحتها وصدقها ودلالتها. كذلك فإن من الصعوبات المنهجية الأخرى في الدرس الأكاديمي عدم توافر مقاييس دقيقة يمكن استخدامها في البحوث الإعلامية بصفة خاصة(15).

3. تقويم واقع الدرس الأكاديمي من وجهة نظر أساتذة المنهجية في الجامعات العراقية

تُعد الدراسة محاولة علمية لإيجاد البدائل والحلول لمعالجة مشكلات الدرس الأكاديمي في علوم الإعلام والاتصال بالتطبيق على مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية؛ إذ شملت عينة البحث 20 شخصًا من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات العراقية للمقرر المذكور. وقام الباحث بتوزيع استمارة استبيان إلكترونية على أساتذة المقرر في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العراقية، وكانت نتائج البحث بحسب محاور الاستبانة:

1.3. عرض وتحليل ومناقشة فقرات محور الأستاذ الجامعي

من أجل التحقق والتعرف على واقع مشكلات الدرس الأكاديمي في محور الأستاذ الجامعي من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العراقية من القائمين على تدريس مقرر مناهج البحث الإعلامي، قام الباحث بعرض استمارة استبيان إلكترونية على أفراد عينة البحث والإجابة على مجموعة الفقرات التي تحتويها وعند إدخال البيانات ومعالجتها إحصائيًّا ظهرت النتائج كما مبين في الجدول رقم (1).

جدول (1) يوضح مشكلات الدرس الأكاديمي في محور الأستاذ الجامعي

من وجهة نظر أساتذة منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية

م

محور الأستاذ الجامعي

صعوبة بدرجة

الوسط المرجح

النسبة المئوية

كبيرة

قليلة

نادرة

1

ضعف اهتمام التدريسي بتحديد مستوى الطلبة وما لديهم من معارف ومهارات في بداية الفصل الدراسي

5

11

4

2.05

68%

2

إهمال التدريسي للفروق الفردية بين الطلاب

5

10

5

2.0

67%

3

اعتماد التدريسي على الإلقاء والتلقين فقط في محاضراته

4

11

5

1.95

65%

4

قلة تنويع التدريسي في أساليب التعليم والتعلم أثناء المحاضرة

7

4

9

1.9

63%

5

عدم التواصل مع الطلبة خارج وقت المحاضرات

4

9

7

1.85

62%

6

عدم تمكُّن التدريسي من المادة التعليمية في المحاضرة

6

4

10

1.8

60%

7

ضعف قدرة التدريسي على الإجابة عن أسئلة واستفسارات الطلبة

3

9

8

1.75

58%

8

عدم شرح أهداف ومفردات ومتطلبات الموضوع في بداية المحاضرة

3

7

10

1.65

55%

9

تأخر وغياب التدريسي عن المحاضرات دون إشعار الطالب بوقت كاف

3

4

14

1.5

50%

10

ضعف قدرة التدريسي على ضبط السلوكيات غير المرغوب فيها من الطلبة

1

7

12

1.45

48%

استخدم الباحث العُدَّة الإحصائية للعلوم الاجتماعية (SPSS) لمعالجة البيانات(16)، ومن خلال ملاحظة الجدول رقم (1) نجد في محور "الأستاذ الجامعي" أن هناك فقرتين متحققتين هما: "ضعف اهتمام التدريسي بتحديد مستوى الطلبة وما لديهم من معارف ومهارات في بداية الفصل الدراسي"، والتي حصلت على المرتبة الأولى بوسط مرجح (2.05) ووزن مئوي قدره (68%)، وفقرة "إهمال التدريسي للفروق الفردية بين الطلاب"، والتي حصلت على المرتبة الثانية بوسط مرجح قدره (2.00) ووزن مئوي قدره (67%).

ويفسر الباحث هذه النتيجة كالآتي:  

1. حصلت الفقرة (1)، "ضعف اهتمام التدريسي بتحديد مستوى الطلبة وما لديهم من معارف ومهارات في بداية الفصل الدراسي" على المرتبة الأولى، ويعزى ذلك إلى غياب الاختبارات والمقاييس القبلية، أي التي تطبق في بداية العام الدراسي، كما أن مدرسي مقرر مناهج البحث الإعلامي يرون أن الطلبة يتميزون بالتقارب في قضية المعلومات والمهارات السابقة.

2. فيما يخص الفقرة (2)، "إهمال التدريسي للفروق الفردية بين الطلاب"، والتي حصلت على المرتبة الثانية، نجد أن مدرسي هذا المقرر وغيره من المقررات الدراسية يعتمدون على طرائق وإستراتيجيات تدريسية اعتيادية تعتمد على المدرس بشكل كبير وإهمال دور المتعلم. وبهذا يجري إهمال الفروق الفردية بين الطلبة في أساليب التدريس والتقويم. 

3. حصلت الفقرة (3)، "اعتماد التدريسي على الإلقاء والتلقين فقط في محاضراته"، على المرتبة الثالثة. وهذا يعني أن الدرس الأكاديمي يعاني من طرائق تدريس قديمة في التعليم الجامعي، وينبغي على الأستاذ الجامعي أن يتخلى عنها من أجل تطوير العملية التعليمية وتحسين مخرجات التعليم الجامعي ليواكب حاجات سوق العمل. وتتطابق نتيجة هذه الفقرة مع الفقرة (6) التي تشخِّص إحدى مشكلات الدرس الأكاديمي في عدم تمكن التدريسي من المادة التعليمية في المحاضرة. وترتبط هذه الفقرة أيضًا مع أهم المعوقات التي تعترض مسيرة البحث الإعلامي في الجامعات العراقية في أن بعض التدريسيين في هذا المجال لا يمتلكون الكفاءة المعرفية لتوصيل مفاهيم ومبادئ وشروط البحث الإعلامي وتطبيقاته العلمية، ولم يواكبوا المستجدات والتطورات البحثية. وتتطابق هذه النتيجة مع نتائج بعض الدراسات الميدانية السابقة؛ إذ إن الكفاءة والقدرة على توصيل المعلومات التي يرغب التدريسي في إيصالها إلى طلابه لا تأتي إلا من خلال المطالعة والتعرف على طرق التدريس والتي يمكن من خلالها توصيل كل المفاهيم والتغيرات التي تطرأ في مجال البحث العلمي(17).

2.3. عرض وتحليل ومناقشة فقرات محور المنهج الدراسي

بيَّنت نتائج هذا المحور في استمارة الاستبيان أن 10 فقرات من مجموع 11 فقرة كانت متحققة؛ إذ تراوحت قيم الوسط المرجح ما بين (2.05-2.55) بوزن مئوي قدره (85%- 68%).

جدول (2) يبرز مشكلات الدرس الأكاديمي بشأن محور المنهج الدراسي

من وجهة نظر أساتذة مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية

م

محور المنهج الدراسي

صعوبة بدرجة

الوسط المرجح

النسبة المئوية

كبيرة

قليلة

نادرة

1

ضعف مشاركة الطالب في اختيار مفردات المادة الدراسية التي تلبي حاجاته وتوقعاته

13

5

2

2.55

85%

2

ندرة الأنشطة التعليمية المصاحبة للمقررات الدراسية

10

8

2

2.4

80%

3

التركيز على المناهج المقررة فقط مصدرًا أساسيًّا للتعلم في المقررات الدراسية

11

6

3

2.4

80%

4

الاقتصار على الاختبارات كمعايير لتقييم تحصيل الطلبة في أغلب المقررات الدراسية

10

8

2

2.4

80%

5

عدم وجود نشاطات تعليمية إثرائية لتحسين أداء الطلاب

9

8

3

2.3

77%

6

عدم استيعاب الطالب محتوى المقررات الدراسية المكثف

7

11

2

2.25

75%

7

صعوبة استيعاب الطالب لمحتوى المقررات الدراسية

7

10

3

2.2

73%

8

اعتماد مستوى الحفظ والتذكر فقط كأساليب التقويم

9

6

5

2.2

73%

9

عدم توافر معايير واضحة ومعلنة للطلبة بكيفية تصحيح الواجبات والاختبارات

6

9

5

2.05

68%

10

عدم استخدام الخدمات الإلكترونية الحديثة في تدريس المقررات الدراسية

5

11

4

2.05

68%

11

عدم كفاية الوقت أثناء المحاضرات لفهم المحتوى التعليمي للمقررات الدراسية

4

10

6

1.90

63%

3.3. عرض وتحليل ومناقشة فقرات محور الطالب الجامعي  

ويظهر من خلال الجدول (2) أن المشكلات في محور المنهج الدراسي في معظم فقراته تعود إلى ضعف مشاركة الطالب في اختيار مفردات المادة الدراسية التي تلبي حاجاته وتوقعاته، وندرة الأنشطة التعليمية المصاحبة للمقررات الدراسية، والتركيز على المناهج المقررة فقط مصدرًا أساسيًّا للتعلم في المقررات الدراسية، والاقتصار على الاختبارات معاييرَ لتقييم تحصيل الطلبة في أغلب المقررات الدراسية، مع غياب واضح لمنهج أو كتاب منهجي موحد في مقرر منهجية البحث الإعلامي، وإنما هناك مفردات مقررة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أما تفاصيل هذه المفردات فتكون من صلاحية التدريسي. ويمكن للباحث تفسير هذه النتيجة حول وجود مشكلات في محور المنهج الدراسي بأن "غالبية الجامعات في الوطن العربي حديثة النشأة، وهي مؤسسات معنية بإنجاز المهام الوظيفية والمهنية بالدرجة الأولى ومنها التدريس، والتي تستنفد الكثير من الوقت، وخاصة من التحق بالوظيفة حديثًا ولا يبقى من الوقت المخصص للبحث وتطوير المنهج الدراسي إلا القليل"(18). كذلك، فإن من أكثر المعوقات الأخرى كما تشير إليها بعض الدراسات الحديثة تلك المتعلقة بظروف العمل والإمكانات المادية والأمور المتعلقة بالإدارة والتشريعات الجامعية(19).

بيَّنت نتائج هذا المحور أن جميع فقرات هذا المحور والبالغ عددها (9) فقرات كانت متحققة؛ إذ تراوحت قيم الوسط المرجح ما بين (2.50 – 2.01) بوزن مئوي قدره (67%-83%).

جدول (3) يبيِّن مشكلات الدرس الأكاديمي في محور الطالب الجامعي

من وجهة نظر أساتذة مقرر منهجية البحث الإعلامي في الجامعات العراقية

م

محور الطالب

صعوبة بدرجة

الوسط المرجح

النسبة المئوية

كبيرة

قليلة

نادرة

1

ضعف التحصيل الدراسي للطالب في مراحل التعليم العام

13

4

3

2.5

83%

2

دافعية الطالب للتفوق العلمي ضعيفة

8

10

2

2.3

77%

3

إهمال الطالب للاستعداد والتحضير لحضور المحاضرات التعليمية

7

11

2

2.25

75%

4

ضعف تمكُّن الطالب من مهارات تدوين المذكرات أثناء حضور المحاضرات

5

15

0

2.25

75%

5

شعور الطالب بعدم الثقة في النفس والقلق والتوتر باستمرار

7

10

3

2.2

73%

6

معاناة الطالب من نقص الإمكانات المادية لتحمل مستلزمات الدراسة

7

10

3

2.2

73%

7

عدم تمكُّن الطالب من مهارات التعلم الأساسية، مثل: مهارات القراءة والكتابة

6

11

3

2.15

72%

8

اعتماد الطالب على غيره في إنجاز الواجبات والتقارير

5

12

3

2.1

70%

9

شعور الطالب بعدم التوافق النفسي والاجتماعي مع الحياة الجامعية

4

13

3

2.01

67%

ويمكن للباحث أن يفسر هذه النتيجة، التي بيَّنت تحقق كافة فقرات هذا المحور بأن معظم الطلبة هم من خريجي الأعوام الدراسية المتأخرة؛ إذ تم اعتماد التعليم الإلكتروني في الأعوام الثلاثة الماضية بسبب جائحة كورونا، وهذا أدى إلى ظهور خلل معرفي ومهاري لدى الطلبة بسبب المشكلات التي ترافق اعتماد التعليم الإلكتروني في تعليم المواد الدراسية بشكل عام ومادة منهج البحث بشكل خاص، على الرغم من أن "تكنولوجيا المعلومات أحد المكونات الرئيسية في منظومة التعليم الحديث من خلال تطبيقات الوسائط المتعددة وشبكات الاتصال في العملية التعليمية، وتشجع الاستمرار في التواصل لفترات طويلة، لذا يمكنها الارتقاء بالعملية التعليمية كونها قنوات فعالة للتعلم الجيد"(20).

ويظهر من خلال الجدول (3) أن مشكلات الدرس الأكاديمي فيما يتعلق بالطالب الجامعي من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس تعود بدرجة كبيرة إلى ضعف التحصيل الدراسي للطالب في مراحل التعليم العام، ذلك لأن التحصيل الدراسي الجيد في المراحل التعليمية السابقة يؤدي إلى النمو المضاعف للمعرفة، وزيادة حجم المعلومات. ومن بين أهم مشكلات الدرس الأكاديمي الأخرى فيما يتعلق بالطالب الجامعي ضعف دافعية الطالب للتفوق العلمي، وإهماله الاستعداد والتحضير لحضور المحاضرات التعليمية، وشعوره بعدم الثقة في النفس والقلق والتوتر باستمرار، ويعود سبب ذلك إلى تأثر الطالب الجامعي كغيره من شرائح المجتمع العراقي بما يمر به العراق من أحداث أثَّرت عليه، خاصة الحروب وما تبعها من أعمال إرهابية والتي تسببت في ظهور مشكلات نفسية واجتماعية للطالب الجامعي كالعنف والعزلة والحقد والانحرافات الجنسية والتعصب، ومشكلات انفعالية كالقلق والاكتئاب والتوتر والتبلد واللامبالاة، ومشكلات الانتباه كقلَّة الانتباه والسَّرحان وتشتت الانتباه وغيرها(21).

ويظهر من خلال الجدول رقم (3) أن مشكلات الدرس الأكاديمي فيما يتعلق بالطالب الجامعي من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس تعود بدرجة قليلة إلى عدم تمكن الطالب من مهارات التعلم الأساسية، مثل: مهارات القراءة والكتابة، واعتماده على غيره في إنجاز الواجبات والتقارير، وشعوره بعدم التوافق النفسي والاجتماعي مع الحياة الجامعية، ويعود سبب ذلك إلى "غياب الموهبة التي تساعده على الخلق والابتكار، وضعف الميل إلى القراءة والكتابة التي تساعده على الفهم والتمحيص والنقد، وعدم التحلي بالصبر والمثابرة وتحمل المشاق(22).

4. الفروق بين المحاور

بيَّنت نتائج المحاور أن محور الطالب حصل على أعلى مرتبة بوسط مرجح قدره (2.50) ووزن مئوي قدره (83%)، أما محور الأستاذ الجامعي فقد حصل على أقل مرتبة بوسط مرجح قدره (1.79) ووزن مئوي قدره (60%) كما هو مبين في الجدول رقم (4).

جدول (4): الوسط المرجح والوزن المئوي لمحاور الاستبيان

م

المحور

الوسط المرجح

النسبة المئوية

1

الطالب

2.50

83%

2

المنهج الدراسي

2.03

68%

3

الأستاذ الجامعي

1.79

60%

وقد جاءت نتائج هذه الدراسة متفقة مع نتائج الدراسات الآتية:

1. دراسة (الياسري، 2007)، التي ذكرت أن مشكلات التدريس والمرتبطة بالطلبة قد حصلت على المرتبة الأولى، يليها مجال طرائق التدريس، وجاء مجال الكتاب المنهجي في المرتبة الثالثة(23).

2. دراسة (عبد الكاظم وجواد، 2012)، التي بيَّنت أن مجال الطلبة حصل على المرتبة الأولى من بين مجالات استبانة مشكلات التدريس، يليها مجال الوسائل وطرق التدريس ومن ثم مجال النظام، وأخيرًا يأتي مجال المعلم بالمرتبة الأخيرة(24).

3. دراسة (المطيري، 2016)، التي بيَّنت أن مشكلات التدريس المتعلقة بالطالب حصلت على المرتبة الأولى من بين المجالات الأخرى (المدرس، الكتاب المدرسي، طرائق التدريس)(25).

4. دراسة (الدوغجي، 2022)، التي أوضحت مشكلة معايير جودة أساليب الاستدلال العلمية المعتمدة من قِبَل الباحثين في كتابة البحوث الإعلامية، وبحوث الصحافة تحديدًا، بتحليل الفقرات التي تتعلق بشخصية الباحث عند الحكم على المعلومة ومناقشتها ووضع مجموعة من المعايير العلمية التي تبيِّن جودة بناء شخصية الباحث في كتابة البحث وبيان مستوى جودتها(26).

الاستنتاجات

على الرغم من النتائج التي توصل إليها الباحث بشأن محور الأستاذ الجامعي الذي يُعد أقل المحاور إثارة للإشكاليات في تدريس مادة منهج البحث الإعلامي، إلا أن المعوقات التي يعاني منها الأستاذ الجامعي في الدرس الأكاديمي بسبب ضعف التحصيل الدراسي للطالب في مراحل التعليم العام، وعدم تمكُّنه من مهارات التعلم الأساسية، مثل: مهارات القراءة والكتابة، فضلًا عن إهمال الطالب للاستعداد والتحضير لحضور المحاضرات التعليمية، تؤثر بشكل سلبي على استراتيجية الأستاذ الجامعي وتحبط رغبته في تطوير الدرس الأكاديمي.

1. أكدت نتائج الاستبانة أن الأستاذ الجامعي مثقل بأعباء الدرس الأكاديمي وأعمال إدارية وبحثية ونشاطات علمية تتعلق بوجوب مشاركته بحضور الندوات والمؤتمرات وتقديم أبحاثه، فضلًا عن تكليفه بمحاضرات إضافية بسبب قلَّة أعضاء هيئة التدريس في الأقسام العلمية للكلية، وهذا ما يؤثر سلبًا على تطويره للمنهج الدراسي للمقررات التي يدرسها بسبب تشتيت جهد الأستاذ الجامعي وحالة الارتباك الناتجة عن تكليفه بأكثر من مهمة ونشاط إداري في الكلية.

2. وجود مشكلات عدة في تدريس مقرر منهجية البحث في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العراقية، بسبب عدم التزام التدريسي بمفردات المقرر الدراسي، والتركيز على المناهج المقررة فقط مصدرًا أساسيًّا للتعلم في المقررات الدراسية، وافتقار أغلب التدريسيين لمهارات استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني.

3. حصل محور الطالب على المرتبة الأولى من بين محاور الاستبيان، وهذا يعني أن أهم مشكلات الدرس الأكاديمي مرتبطة ارتباطًا فعليًّا بأداء وفاعلية الطالب وتنفيذه لواجباته في تحضير ومتابعة الدرس الأكاديمي، وتنمية دافعيته للتفوق العلمي.

4. إن حصول محور المنهج الدراسي على المرتبة الثانية من بين محاور الاستبيان يعني أن ترتيب أولويات معالجة مشكلات الدرس الأكاديمي تبدأ بالطالب أولًا مرورًا بالمنهج الدراسي وانتهاء بالأستاذ الجامعي.

المقترحات

في ضوء نتائج البحث الحالي يمكن للباحث اقتراح ما يأتي:

1. اهتمام مدرِّسي مقرر منهجية البحث الإعلامي بإضافة محاور إلى الدرس الأكاديمي توضح آلية تقديم الرأي العلمي عند إعداد بحوث أو أوراق عمل بحثية تخص الدرس الأكاديمي.

2. عقد ندوات ومؤتمرات تشمل أساتذة ومدرسي مقرر منهجية البحث الإعلامي من أجل تفعيل منهج دراسي موحد ومفردات موحدة لتدريس هذه المادة الأساسية.

3. الاهتمام بقضية تعلم الطلبة من خلال تكليفهم بأنشطة وواجبات ومهمات تعلمية معينة من أجل تسهيل عملية التعلم وجعل الطالب محورًا للعملية التعليمية.

4. يكون لزامًا على الأستاذ الجامعي لتجويد المعلومات والأفكار الخاصة بالدرس الأكاديمي في مجال منهجية البحث الإعلامي أن يتمتع بالقـدرة على الاســتفادة من اتســاع مجالات التناول العلمي في مجال اختصاصه لتقديم دراسات وأفكار متجددة، وفق ضوابط العلم وسياقاته.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1) سعد سلمان المشهداني، منهجية البحث العلمي، (عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2019)، ص 242.

(2) سعد سلمان المشهداني، منهجية البحث الإعلامي: دليل الباحث لكتابة الرسائل الجامعية، (الإمارات، دار الكتاب الجامعي، 2020)، ص 242.

(3) تألفت لجنة المحكمين من أ.د. فريد صالح فياض، جامعة تكريت كلية الآداب، أ.د. محسن عبود كشكول، الجامعة العراقية كلية الإعلام، أ.د. حسين علي الفلاحي، الجامعة العراقية كلية الإعلام، أ.د. شكرية كوكز السراج، جامعة بغداد كلية الإعلام، أ.د. سهام حسن الشجيري، جامعة بغداد كلية الإعلام، أ.د. هادي حسن فليح، جامعة ذي قار كلية الإعلام، أ.د. مؤيد خلف الدليمي، جامعة الأنبار كلية الآداب.

(4) محمود عبد القوي، سلوى أبو العلا، "اتجاهات بحوث الإعلام في جامعة المنيا: دراسة تحليلية ورؤية مستقبلية"، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية (المجلد 75، العدد 1، صيف 2012)، ص 249.

(5) محمود حمدي عبد القوي، "اتجاهات بحوث تحليل الخطاب الصحفي: دراسة تحليلية مقارنة بين المدرستين الإعلامية واللغوية"، مجلة البحوث والدراسات الإعلامية (المعهد الدولي العالي للإعلام بالشروق، المجلد 5، العدد 5، صيف 2018)، ص 152.

(6) نجاة بوثلجة وشهيناز زياد، "استخدام المنهج السيميولوجي في البحوث الإعلامية المعاصرة: الصورة الإعلامية الثابتة أنموذجًا"، مجلة المعيار لبحوث الاقتصاد والإدارة (الجزائر، المجلد 4، العدد 35، 2014)، ص 395.

(7) المرجع السابق، ص 405.

(8) محمد شومان، "إشكاليات تحليل الخطاب في الدراسات الإعلامية العربية: الدراسات المصرية أنموذجًا"، المجلة العلمية لكلية الآداب (مصر، جامعة المنيا، أبريل/نيسان 2004)، ص 229- 230.

(9) محمد حمدي عبد القوي، سلوى أحمد أبو العلا، "اتجاهات بحوث الإعلام في جامعة المنيا: دراسة تحليلية ورؤية مستقبلية"، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية (مصر، كلية الآداب جامعة المنيا، العدد 76، 2013)، ص 247.

(10) صورية دحماني وسليمان بوراس، "إشكالية ضبط المصطلح في البحوث العلمية"، مجلة التنوير (الجزائر، العدد 8، ديسمبر/كانون الأول 2018)، ص 229- 230.

(11) شومان، "إشكاليات تحليل الخطاب في الدراسات الإعلامية العربية"، مرجع سابق، ص 229-230.

(12) ليندة ضيف، "المشكلات المنهجية في البحث العلمي في علوم الإعلام والاتصال"، مجلة الإعلام والمجتمع (المجلد 3، العدد 1، يونيو/حزيران 2019)، ص 40.

(13) هبة زكري خليفة، الاتجاهات النظرية في البحوث السكانية: دراسة تحليلية لعيِّنة من الأطروحات خلال الفترة الزمنية من 1990 إلى 2014، (رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب جامعة المنيا)، ص 197- 198.

(14) المشهداني، منهجية البحث الإعلامي، مرجع سابق، ص 68- 71.

(15) المرجع السابق، ص 55.

(16) محفوظ جودة، التحليل الإحصائي الأساسي باستخدام SPSS، (عمان، دار وائل للنشر، 2008)، ص274-298.

(17) ظافر هاشم الكاظمي وآخرون، "تقويم واقع البحث العلمي من وجهة نظر الأستاذ الدكتور في كليات التربية الرياضية في الجامعات العراقية، مجلة القادسية لعلوم التربية الرياضية (المجلد 14، العدد 2، الجزء الثاني، أيلول/سبتمبر 2014)، ص 173.

(18) محمد عودة عليوي، قحطان حميد يوسف، "مشكلات البحث العلمي في الوطن العربي"، مجلة آداب البصرة (العدد 42، 2007)، ص 305.

(19) أوان عبد الله محمود الفيضي، "مشكلات البحث العلمي واستراتيجية الحلول"، مجلة اشراقات تنموية (العدد 21، ديسمبر/كانون الأول 2019)، ص 255.

(20) فاطمة عبد مالح المالكي، "قياس الوعي بتكنولوجيا المعلومات وأثره في التحصيل المعرفي لحل مشكلات مادة البحث العلمي لطالبات المرحلة الرابعة في كلية التربية الرياضية للبنات"، مجلة كلية التربية الأساسية جامعة بابل (العدد 7، مارس/آذار 2012)، ص 391ـ-392.

(21) خمائل شاكر غانم، "المشكلات التي تواجه طلبة الدراسات العليا لأقسام اللغة العربية في البحث العلمي 2018- 2019"، مجلة الأستاذ للعلوم الإنسانية والاجتماعية (المجلد 59، العدد 1، مارس/آذار 2020)، ص 81.

(22) عبد الرزاق جدوع محمد وداليا حسين يحيى، "البحث العلمي بين نفعية الباحث ومصلحة المجتمع"، مجلة نسق، الجمعية العراقية للدراسات التربوية والنفسية (العدد 21، 2019)، ص 71.

(23) متمم جمال غني الياسري، مشكلات تدريس تاريخ العرب قبل الإسلام في أقسام التاريخ بكليات التربية في جامعات الفرات الأوسط من وجهة نظر التدريسيين والطلبة، (رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية التربية، جامعة بابل).

(24) محمود حمزة عبد الكاظم، مسلم كاظم جواد، "المشكلات التي تواجه طلاب معهد إعداد المعلمين في كربلاء أثناء مدة التطبيق"، مجلة أهل البيت (جامعة كربلاء، العدد 14، 2014)، ص 263.

(25) بدر غازي سحمي المطيري، "فاعلية التعليم الإلكتروني في ظل انتشار جائحة کورونا من وجهة نظر طلبة المرحلة الثانوية في منطقة الفروانية بدولة الکويت"، مجلة كلية التربية جامعة أسيوط (المجلد 37، العدد 2، فبراير/شباط 2021)، ص 302.

(26) وداد نجم عبود الدوغجي، "معايير جودة أساليب الاستدلال العلمية في البحوث الإعلامية: دراسة في بحوث الصحافة ومحكميها أنموذجًا"، مجلة آداب الفراهيدي (كلية الآداب جامعة تكريت، المجلد 14، العدد 49، مارس/آذار 2022)، ص 302.