نيجيريا أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان الذي يُقدَّر بـ200 مليون نسمة، وكمعظم أخواتها الإفريقيات لا يمكن تناول تحولاتها السياسية دون التطرق إلى دور الجيش فيها من حيث الانقلابات العسكرية وخطط الانتقال إلى الإدارة المدنية وتنظيم العملية الانتخابية. وإذا كانت التحديات الراهنة بمناطق في البلاد تدفع بعض النيجيريين إلى الحنين إلى حقبة الحكم العسكري ومقارنتها بالحكم المدني من حيث الإنجازات والتعامل مع الأزمات؛ فإن التطورات السياسية في الآونة الأخيرة تؤشر إلى أن البلاد تواصل إحراز تقدم في تعزيز ديمقراطيتها الهشة؛ ما جعل البعض الآخر يرون أن هذه السنوات من التجارب الديمقراطية أفضل بكثير من الحكم العسكري.
وعلى ما سبق، ستتناول هذه الورقة التحول الديمقراطي وعسكرة السياسة في نيجيريا من خلال تناول موجز التحولات السياسية ما قبل الجمهورية الرابعة (ما قبل عام 1999)، وتأثير العامل العسكري في التداول السلمي للسلطة بين عامي 1999 و2015، ودور الجيش في تنظيم انتخابات 2019 الأخيرة والتوقعات المتعلقة بانتخابات 2023 القادمة.
التحول الديمقراطي قبل 1993
يمكن تتبع أولى الديمقراطيات الاختيارية في نيجيريا إلى مايو/أيار 1919 عندما منح الاستعمار البريطاني حق التصويت لثلاثة أعضاء في مجلس مدينة لاغوس جنوب غرب نيجيريا. وأُجريت أول انتخابات للمجلس في 29 مارس/آذار 1920(1). وفي عام 1922، أضاف الدستور الاستعماري الجديد أربعة مقاعد منتخبة في المجلس التشريعي: ثلاثة من هذه المقاعد للاغوس وواحد لـ كالابار. وفي سبتمبر/أيلول عام 1923، أُجريت أولى الانتخابات العامة في نيجيريا حيث فاز فيها "الحزب الوطني الديمقراطي النيجيري" (NNDP) بثلاثة من أربعة مقاعد منتخبة في المجلس التشريعي(2). ومن المراحل المهمة في عملية التحول الديمقراطي النيجيري انتخابات 1959 البرلمانية التي كانت نتيجتها فوز "المؤتمر الشعبي الشمالي" بـ 134 مقعدًا من عدد 312 مقعدًا في مجلس النواب(3).
على أن بهجة الاستقلال عام 1960 والتفاؤلات التي رافقت أمل الحكم الذاتي بعد مغادرة الاستعمار لم تدوما طويلًا؛ إذ شهدت نيجيريا بين عامي 1966 و1999 خمسة انقلابات عسكرية ناجحة، وحكمتها حكومات عسكرية مختلفة؛ الأمر الذي يؤكد التأثير العميق للجيش في السياسة النيجيرية وحقيقة أن جل انتقالاتها السياسية استندت إلى قناعة الحاكم العسكري ومجموعته بأن الحكم المدني مطلب المواطنين وأن ما توقعه النيجيريون من الجيش هو تسليم السلطة للمدنيين بعد أداء "مهمة الإنقاذ" عبر التدخل أو الانقلاب العسكريين(4).
ومن خلال الاعتراف بضرورة نزع الطابع العسكري من الحكم، سعى معظم الحكام العسكريين النيجيريين إلى وضع خطط انتقال سياسي مختلفة؛ بدءًا من تشكيل لجنة مراجعة الدستور وبرامج تسليم السلطة إلى المدنيين، كما هي الحال في عام 1976 بعد اغتيال رئيس الدولة العسكري الجنرال "مورتالا محمد" حيث أطلق خليفته الجنرال "أولوسيغون أوباسانجو" عملية الانتقال لإنهاء الحكم العسكري والتي أدت في عام 1979 إلى انتخابات جاء عبرها الحاج "شيخو شاغاري" من الحزب الوطني النيجيري (NPN) إلى السلطة(5). ومن خلال هذه العملية أصبح الجنرال "أوباسانجو" أول رئيس دولة نيجيري يتنحى عن طيب خاطره، بينما أصبح الحاج "شيخو شاغاري" أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا في نيجيريا.
وقد أُجريت، في أغسطس/آب من عام 1983، انتخابات رئاسية أخرى فاز فيها شاغل المنصب الحاج "شاغاري" بفترة رئاسية ثانية(6)، ولكنه سرعان ما أُطيح به في 31 ديسمبر/كانون الأول 1983 في انقلاب عسكري آخر قاده الجنرال "محمد بخاري"، ليتبع ذلك انقلاب آخر في عام 1985 بقيادة الجنرال "إبراهيم باداماسي بابانغيدا" الذي قاد بدوره عام 1990 خطة انتقال إلى حكم مدني ونتج عنها إجراء الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو/حزيران 1993(7).
وفي حين لم تعلن اللجنة الوطنية للانتخابات نتائج رئاسيات 1993، فقد أشارت النتيجة غير الرسمية إلى فوز الحاج "مشهود أبيولا"، وهو رجل الأعمال من جنوب غرب نيجيريا من "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" (SDP). وتعتبر هذه الانتخابات حتى في وجهة نظر الحكومة النيجيرية الحالية أكثر الانتخابات نزاهة وحرية منذ استقلال نيجيريا. ومع ذلك ألغى الجيش نتائجها في 24 يونيو/حزيران من العام نفسه بدعوى وجود مخالفات. وأدى الإلغاء إلى احتجاجات واضطرابات سياسية شملت استقالة الحاكم العسكري الجنرال "بابانغيدا" نفسه وإنشاء حكومة مدنية مؤقتة وضعيفة أمام السيطرة العسكرية؛ حيث أطيح بهذه الحكومة في العام نفسه (عام 1993) عبر انقلاب أبيض وصعد إلى السلطة الجنرال "ساني أباتشا" رئيسًا عسكريًّا للدولة(8).
يضاف إلى ما سبق أن رئيس الدولة العسكري وقتذاك الجنرال "بابانغيدا" برَّر في وقت لاحق إلغاءه لانتخابات 1993 على أساس أنه "ضروري" لإنقاذ أمة نيجيريا وأن الأنشطة السياسية التي سبقت تلك الانتخابات كانت "معادية" للسلام والاستقرار(9). ومع ذلك كانت لانتخابات 1993 رمزيتها كنقطة تحول في تاريخ نيجيريا السياسي من حيث تنظيم الانتخابات بنجاح وشفافية وشعبية الفائز فيها والتي تخطت الخطوط العرقية والدينية، ومن حيث الأزمة السياسية التي كادت تدفع البلاد إلى حافة الهاوية بسبب إلغاء النتائج رغم فوز "أبيولا" بأغلبية 58 في المئة من الأصوات، ولسجنه من قبل الحكومة العسكرية لمدة أربع سنوات ووفاته لاحقًا داخل السجن(10).
جدير بالذكر أن المطالب الوطنية بضرورة الاعتراف الرسمي بفوز "أبيولا" برئاسيات 1993 أدت إلى تكريمه في عام 2018 من قبل الحكومة النيجيرية بوسام "القائد الأعلى للجمهورية الفيدرالية" (GCFR) وتغيير العطلة الرسمية الوطنية للاحتفال بـ"يوم الديمقراطية" إلى يوم 12 من شهر يونيو/حزيران (يوم إجراء انتخابات 1993)(11).
اتفاقية الانتقال السياسي لعامي 1998 و1999
يصعب تناول التحولات السياسية النيجيرية دون التطرق لقضية الانقسامات الإقليمية والعامل الإثني والديني في سيرورة شؤون الحكومات النيجيرية؛ فنيجيريا واحدة من أكثر دول العالم تنوعًا ثقافيًّا حيث تضم أكثر من 250 مجموعة عرقية، وأكبرها تأثيرًا سياسيًّا هي هوسا-فولاني ويوروبا وإيغبو وإيجاو وكانوري وإبيبيو وتِف. وجميع هذه المجموعات العرقية تكافح بطريقة أو أخرى للحصول على نصيبها من الموارد ونفوذ السلطة المركزية(12).
ومن خلال تتبع البرامج والمبادرات السياسية يمكن القول بأن معظم قادة الأحزاب السياسية النيجيرية غير مهتمين كثيرًا بالتماسك الوطني؛ ففي حين أن الأحزاب السياسية في الجمهورية الأولى (بين عامي 1963 و1966) كانت أكثر تنوعًا عرقيًّا وثقافيًّا، إلا أن معظم الجهود المبذولة لتشكيل الأحزاب السياسية الوطنية خلال الجمهورية الثانية (بين عامي 1979 و1983) اتبعت الخطوط العرقية والإقليمية.
كما أنه من خلال أحداث 1993، يمكن القول بأن الجيش لم يكن يتوقع ردود الأفعال التي جذبها إلغاء الانتخابات حيث كان اعتقاده أن شعبية الحاج "أبيولا" محصورة في الجنوب فقط؛ ولذلك تفاجأ من مستوى الأزمة التي تبعت ذلك والتي كانت بمنزلة بداية لكفاح دام عقودًا من أجل استعادة نتيجة الانتخابات وإعادة الحكم إلى المدنيين عبر آليات ديمقراطية(13)، خاصة أن الزعماء السياسيين من جنوب غرب نيجيريا اعتبروا إلغاء نتائج الانتخابات استخفافًا بالإقليم من قبل الجيش؛ الأمر الذي أسهم في نشوب العنف المدني في ولايات جنوبية غربية وصعود شكاوى الإقصاء السياسي من قبل النخبة السياسية والعسكرية الشمالية، وهي الشكاوى نفسها التي أدت إلى انهيار الجمهوريتين الأولى (بين عامي 1963 و1966) والثانية (بين عامي 1979 و1983).
على أن وفاة رئيس الدولة العسكري، الجنرال "ساني أباتشا"، في 8 يونيو/حزيران 1998، أفسحت المجال لجهود الإصلاحات السياسية والتماسك بين العرقيات التي تكونت منها نيجيريا. وقاد هذه الجهود النخبة العسكرية وحلفاؤها وخرجوا باتفاقية الانتقال السياسي لعامي 1998 و1999 والذي كان عبارة عن صفقة لم تكن ضمن الدستور النيجيري ولكنها مدمجة ضمن لوائح "الحزب الديمقراطي الشعبي" (PDP) الذي حكم نيجيريا من 1999 إلى 2015. وشملت الاتفاقية ضمن نقاطها الرئيسية تناوبَ الرئاسة كل ثماني سنوات بين الجنوب والشمال. ويعني تطبيقها العملي أنه إذا كان المرشح الرئاسي مسيحيًّا فسيكون مرشح نائب الرئيس مسلمًا، والعكس صحيح. وعلى هذا الأساس وخلفية دعم وعلاقات مع النخب العسكرية فاز الجنرال "أولوسيغون أوباسانجو"، المسيحي من الجنوب، بالرئاسة في انتخابات 1999(14).
وقد تولى "أوباسانجو" الرئاسة في عام 1999 ثالثَ رئيس لحكومة منتخبة بنجاح من قبل الشعب النيجيري؛ ما يعني نهاية لـ 16 عامًا من الحكم العسكري (من 1983 إلى 1999) وبداية للجمهورية الرابعة التي تتمتع بها نيجيريا إلى اليوم. وقد تعهد "أوباسانجو" بحقبة جديدة من الاستقرار والسلام والازدهار والالتزام بردم الانقسامات بين الإثنيات والجماعات الدينية المختلفة وتوجيه البلاد من خلال عملية التحول الديمقراطي. وأثبتت السنوات اللاحقة من حكمه نجاحه النسبي وفتح المجال أمام حريات التعبير والدين وتكوين الجمعيات وما إلى ذلك. ومع ذلك استغل البعض هذه الحريات الديمقراطية الجديدة مبررًا لتعزيز المشاعر الانفصالية ونشر الأيديولوجيات المزعزعة للاستقرار والمقوضة لجهود التكامل الوطني للحكومة والتنمية السياسية في البلاد(15).
فعلى سبيل المثال، أعلنت ولاية زمفارا الشمالية، في أواخر عام 1999، اعتماد الشريعة الإسلامية؛ مما أدخل نيجيريا في أزمة قانونية وتوتر بين الأقاليم. وفي منطقة دلتا النيجر تكثفت أعمال العنف من قبل مسلحين مطالبين بالسيطرة المحلية على الثروة النفطية. وهناك منظمات انفصالية أخرى؛ حيث قُدِّر أنه في السنوات التي أعقبت تنصيب إدارة الرئيس "أوباسانجو"، عام 1999، عانت نيجيريا أكثر من 50 صراعًا عرقيًّا دينيًّا(16).
وفي حين تمكنت إدراة "أوباسانجو" من إجراء سلسلة انتخابات بنجاح، بما فيها الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في 19 أبريل/نيسان 2003، وهزم "أوباسانجو" فيها أقرب خصومه "محمد بخاري" بأكثر من 24 مليون صوت(17)؛ فقد أدت التحديات الدستورية والمشاكل التطبيقية للفيدرالية العملية منذ عام 1999 إلى اعتبار بعض النيجيريين أن الانتقال إلى الحكم المدني عام 1999 لم يكن سوى "انتقال زائف"(18)، وأن دستوره صناعة عسكرية لم يشارك مختلف الأطراف السياسية والمدنية في صياغته ووضعه(19).
التداول السلمي للسلطة: حالتا 2007 و2015
حاول الرئيس "أوباسانجو" البقاء في السلطة عندما اقتربت نهاية فترة رئاسته الثانية؛ حيث سعى بين عامي 2005 و2006 إلى تعديل الدستور الوطني كي يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو غير قانوني بموجب الدستور ومخالف لصفقة الانتقال لعامي 1998 و1999(20).
وقد تراجع الرئيس "أوباسانجو" عن خطة الولاية الثالثة بعد تحركات معارضة من قبل أعضاء في الجمعية الوطنية النيجيرية. وفي أبريل/نيسان 2007، أُجْرِيت الانتخابات العامة وأُعلن فوز الرئيس "عمر موسى يارادوا". ومثَّل هذا أول انتقال سلمي للسلطة بين المدنيين في نيجيريا رغم أن الرئيسين، "أوباسانجو" و"عمر يارادوا"، كانا من الحزب نفسه (حزب الشعب الديمقراطي أو PDP)، ورغم أن الانتقال بمنزلة استمرار لإدارة "أوباسانجو". وقد شابت تلك الانتخابات مخالفات خطيرة لصالح خليفته "عمر يارادوا"، مع الإشارة إلى أن الرئيس "عمر يارادوا" من ولاية كتسينا الشمالية والشقيق الأصغر لـ"شيهو موسى يارادوا"، القائد العسكري الذي شغل منصب الرجل الثاني رئيسًا لأركان القيادة العليا في الحكومة العسكرية النيجيرية من 1976 إلى 1979(21).
وفي تحول جديد ومفاجئ في عام 2010؛ توفي الرئيس "عمر يارادوا" في منصبه وأكمل فترته الرئاسية "غودلاك جوناثان"، وهو نائبه الجنوبي والمسيحي. وقد توقع الشماليون من "جوناثان" عدم الترشح للرئاسة في عام 2011 لأن الدور الرئاسي لا يزال للشمال وفق صفقة عامي 1998 و1999. ولكن "جوناثان" تجاهل الصفقة وأُعيد انتخابه رئيسا لنيجيريا في عام 2011، وأعقب إعلان نتائج هذه الانتخابات أعمال الشغب في مدن شمالية(22).
وفي عام 2015، حققت نيجيريا إنجازًا جديدًا في ديمقراطيتها عندما فاز الجنرال السابق "محمد بخاري"، وهو مسلم من الشمال، برئاسيات عام 2015 بعد تحالفات مع أحزاب معارضة أخرى واستثمار فشل إدارة "جوناثان" في محاربة الفساد ومعالجة الأزمة الأمنية. وبهذا، كان "بخاري" أول زعيم معارض في نيجيريا يطيح بالرئيس شاغل المنصب في انتخابات حرة ونزيهة نسبيًّا. وقد جنَّب قبول "جوناثان" لخسارته دولةَ نيجيريا أزمة سياسية وصراعًا عرقيًّا وعزز الشعور العام بإمكانية التعبير عن عدم الرضا والاستياء العام عبر صناديق الاقتراع.
وعليه، كانت انتخابات عام 2015 لحظة فاصلة في النمو الديمقراطي بنيجيريا، حتى وإن كانت جميع التحولات الديمقراطية بين عامي 2007 و2015 مشتركة في نقطة واحدة: وهي دور النخبة العسكرية وشركائها من السياسيين المدنيين في اختيار رئيس البلاد. واتضحت هذه النقطة في تحركات حكومات "الحزب الديمقراطي الشعبي" (بدءًا من أوباسانجو إلى جوناثان) والتي قلَّلت تدخل الجيش في العملية السياسية من خلال تعيين قادته في مناصب وزارية وفتح قطاعات مثل البترول والغاز ومجالات اقتصادية أخرى أمامهم.
الجيش وتنظيم الانتخابات
كان دور الجيش في تنظيم الانتخابات واضحًا خلال فترات الحكم العسكري، وخفت هذا الدور نسبيًّا في الانتخابات العامة التي أُجريت بين 1999 حتى 2011. ولكن هذا الدور برز للعلن مرة أخرى في عام 2014 أثناء انتخابات حُكام الولاية في "إيكيتي" و"أوسون" بجنوب غرب نيجيريا. هذا رغم أن الشرطة النيجيرية هي المنوط بها دستوريًّا حماية ومراقبة البلاد أثناء الانتخابات؛ ما يعني أن لا علاقة بين الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في الممارسة الانتخابية إلا في الحالات الاستثنائية التي يُطلب من الجيش ذلك. وقد أجبرت الانتقادات التي تعرض لها الجيش قيادته على تشكيل مجلس تحقيق للنظر في الممارسات التي اتُّهِموا بها وقتذاك(23).
وإذا كان الجيش النيجيري عقب ممارسات 2014 أشار إلى أنه سيواصل تعزيز القيم والهياكل الديمقراطية في الدولة؛ إلا أن الانتخابات العامة عام 2019 التي فاز فيها الرئيس الحالي "بخاري" بفترة رئاسته الثانية والأخيرة جعلت البعض يقولون: إن الجيش أصبح أداة يحركها الرؤساء المدنيون والمنتخبون ديمقراطيًّا لتحقيق مصالحهم الحزبية؛ حيث اتهم الجيش في عام 2019 بالتدخل المباشر في عملية التصويت وترهيب الناخبين وغيرها من الاتهامات. وقد أسهم تدخل الجيش المباشر أثناء هذه الانتخابات في تعميق الحزبية فيما بين أفراد الجيش أنفسهم واتهامهم من قبل مواطنين وأحزاب المعارضة بالتحيز لمرشح وحزب محدد(24).
من جانب آخر، هناك تصور عام بانحياز اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (INEC) للحزب الحاكم وأن مسؤوليها تواطؤوا في بعض المناطق والولايات مع الأجهزة العسكرية والأمنية، رغم أن الأساس القانوني أن تكون الهيئة الانتخابية مستقلة ومسؤولة عن تنظيم الانتخابات والإشراف عليها ومنع سوء السلوك الانتخابي. إضافة إلى فقدان الثقة في القضاء لاعتباره فاسدًا وغير نزيه وللاعتقاد السائد بأنه غالبًا ما يخضع القضاء النيجيري للضغوط والنفوذ من قبل السلطتين، التنفيذية والتشريعية، والمصالح التجارية مما يعيق أداء دوره المدني باستقلالية. ولذلك وصفت منظمات مدنية انتخابات جولة الإعادة، التي أُجريت بين عامي 2018 و2019، في ولايتي "أوشن" و"كانو" بعملية "احتيالية ومعادية للديمقراطية" لما حدث فيها من ارتفاع معدل شراء الأصوات والعنف والترهيب(25).
رئاسيات 2023 وتضاؤل العامل العسكري
من مجمل التوقعات حيال انتخابات عام 2023 القادمة أنه بعد ثماني سنوات من حكم رئيس مسلم من الشمال، سيحل دور حُكم مسيحي من الجنوب. ولكن المفارقة أن "حزب الشعب الديمقراطي"، الذي كان رائدًا لصفقة تناوب السلطة بين الأقاليم والأديان في عام 1999، قد اختار مسلمًا من الشمال ليكون مرشحه الرئاسي لعام 2023(26). في حين أن الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك حزب "مؤتمر الجميع التقدميين" الحاكم الذي لم يتبنَّ رسميًّا صفقة التناوب على الرئاسة، قد اختار مسلمًا من الجنوب ليكون مرشحه الرئاسي لعام 2023(27).
وإذا كان إجراء الانتخابات عام 2023 وتسليم السلطة للفائز المنتخب سيعززان ما حققته نيجيريا من حيث الانتقالات الديمقراطية السلمية؛ فإن متابعة الحملات الحزبية المختلفة لهذه الانتخابات تؤشر إلى أنها قد تكون المرة الأولى التي لن يكون فيها دعم النخبة العسكرية والعصبة المدنية مهميْن، وأنها قد تكون النهاية الحتمية لصفقة عامي 1998 و1999 حول تناوب السلطة نظرًا لتجاهل الأحزاب مؤخرًا هذا المبدأ في اختيار مرشحيها. وقد تكون بداية حقيقية لفترة ما بعد الجيش لأن معظم المتنافسين الكبار في هذه الانتخابات القادمة ليسوا جنرالات عسكريين متقاعدين.
جدير بالذكر أنه رغم التوقعات السابقة هناك من جادل بأن الخلفيات السياسية لبعض المرشحين الرئيسيين في انتخابات 2023 تعود إلى فترات الانقلابات العسكرية وحقبة الحكم العسكري. وعلى سبيل المثال؛ عمل الحاج "أتيكو أبو بكر" مرشح الحزب المعارض الرئيسي (حزب الشعب الديمقراطي) في عام 2023، مع دائرة الجمارك النيجيرية لمدة 20 عامًا قبل تقاعده في عام 1989 للعمل مع الجنرال الحاج "شيهو يارادوا" وأصبح لاحقًا أحد زملائه السياسيين الموثوق بهم. وكان "أتيكو" نائب رئيس "الجبهة الشعبية لنيجيريا" (Peoples Front of Nigeria) التي قادها "شيهو يارادوا" وأشرفا مع غيرهما على ضمان نجاح البرنامج الانتقالي الذي بدأه الجنرال "إبراهيم بابانغيدا". وقد شارك أتيكو أيضًا في سياسات محلية مختلفة وكان من عام 1999 إلى عام 2007 نائبًا للرئيس "أوباسانجو" (وهو أيضًا جنرال متقاعد)(28).
من ناحية أخرى، كان الحاج "بولا أحمد تينوبو"، مرشح حزب "مؤتمر الجميع التقدميين" الحاكم لرئاسيات 2023، رجلَ أعمال من لاغوس بدأ حياته السياسية عندما انضم إلى "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" حيث كان عضوًا في "الجبهة الشعبية لنيجيريا"؛ مما يعني أن كلا المرشحين الرئيسيين للحزب الحاكم والمعارض الرئيسي، "تينوبو" و"أتيكو"، صديقان قديمان. وقد شارك "تينوبو" أيضًا في التحركات ضد الحكم العسكري وأُجبِر على مغادرة نيجيريا والبقاء في المنفى خلال الديكتاتورية العسكرية في تسعينات القرن الماضي، إضافة إلى أنه عضو سابق بمجلس الشيوخ في الجمهورية النيجيرية الثالثة (بين 1992 و1993)، ثم حاكم لولاية لاغوس من 1999 إلى 2007. وكان الزعيم الوطني لحزب "مؤتمر الجميع التقدميين" الحاكم منذ تشكيله عام 2013؛ ما يعني تلقائيًّا أن لديه علاقة استثنائية مع الجنرال المتقاعد "محمد بخاري"، الرئيس النيجيري الحالي الذي ستنتهي ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة في عام 2023(29).
خاتمة
يُستنتج مما سبق أن الأحزاب السياسية لم تكن حتى اليوم تشاركية بما يكفي لكون السياسة النيجيرية متركزة على الأفراد والشخصيات وليست على السياسات والبرامج والأيديولوجيات التي تؤثر في تقدم البلاد وإرساء دعائم القانون والمساءلة القضائية. وهناك أثر واضح للثروة في تكوين العرَّابين السياسيين أو الذين باتوا يُطلق عليهم "الرجال الأقوياء" في السياسة النيجيرية.
وأخيرًا، يشير الوضع الحالي للديمقراطية النيجيرية إلى أن عملية انتقال طويلة الأجل وحدها لا تكفي، حيث لا تزال هناك حاجة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والأقاليمية التي قد تؤدي إلى عودة الجيش في المستقبل وحدوث عملية انتقال أخرى. ومن مجمل المقترحات لتعزيز الممارسات الديمقراطية النيجيرية؛ أن تحفز الجمعية الوطنية أنشطة الشباب من خلال سنِّ قوانين إضافية تسهِّل المشاركة الشبابية في السياسة ودخول البرلمان للدفع بمصالحهم وأجنداتهم. وهناك من يرى ضرورة إجراء حوار وطني جدي لإعادة تأسيس العلاقات بين الأقاليم والعرقيات التي تكونت منها نيجيريا وتنفيذ مخرجاته على أسس عادلة بما يدعم تحقيق الفيدرالية الحقيقية، بالإضافة إلى دعم استقلال القضاء وإصدار أوامر صارمة تحد من التدخل في شؤون المحاكم وإدارتها.
1- Tekena N Tamuno. “Nigeria and Elective Representation 1923−1947”, Heinemann (1966), p .18−20
2- “Nigeria: Report for 1923”. Colonial Reports, 1924 (accessed on 25 June 2022): http://libsysdigi.library.illinois.edu/ilharvest/Africana/Books2011-05/3064634/3064634_1923/3064634_1923_opt.pdf
3- Ogbeidi, Michael M. "A culture of failed elections: Revisiting democratic elections in Nigeria, 1959-2003." Historia Actual Online 21 (2010): 43-56.
4- Toyin, O. S. "The impact of military coup d’etat on political development in Nigeria." International Journal of Business and Social Science 6, no. 10 (2015): 194-202.
5- Adediran, M. Olu. "Awolowo v. Shagari & Others-A Case of Compromise between Law and Political Expediency." Zam. LJ 12 (1980): 38.
6- “Elections in Nigeria”. African Elections Database (accessed on 25 June 2022): https://africanelections.tripod.com/ng.html
8- Campbell, Ian. "Nigeria's failed transition: The 1993 presidential election." Journal of Contemporary African Studies 12, no. 2 (1994): 179-199.
9- Reinvent Media. “Abacha explained the Shonekan coup to me- Ibrahim Babangida on Straight Talk with Kadaria.”, Youtube, 30 January 2015 (accessed on 25 June 2022): https://youtu.be/h-vWxrspj8U
“Elections in Nigeria”. African Elections Database.
11- Taiwo Ojoye. “Buhari declares June 12 Democracy Day, honours Abiola with GCFR”. Punch Nigeria, 7 June 2018 (accessed on 25 June 2022): https://bit.ly/3NxkThO
12- Samuel, Osadola Oluwaseun. A Historical Analysis of Ethnic Conflict in Nigeria. GRIN Verlag, 2012 (accessed on 25 June 2022): https://www.grin.com/document/202626
Campbell, Ian. "Nigeria's failed transition: The 1993 presidential election." Journal of Contemporary African Studies
14- John Campbell. “The Legacy of Nigeria's 1999 Transition to Democracy”. Council on Foreign Relations, 4 October 2019 (accessed on 25 June 2022): https://on.cfr.org/3NCYako
15- Okafor, Jude, Barrister Vincent Okeke, and Ernest Aniche. "Power struggle, political contest and ethno-religious violence in Nigeria." Nnamdi Azikiwe Journal of Political Science (NAJOPS) 3, no. 1 (2012): 74-87.
“Elections in Nigeria”. African Elections Database.
18- Collins Osuji. “1999 Constitution remains a fraud and should be revoked, says Nwakaeti”. The Guardian Nigeria, 20 October 2020 (accessed on 25 June 2022): https://bit.ly/3ybybLp
19- Anokwuru, George, and Edmund Obomanu. "Exploring the Missing Gaps in the 1999 Constitution of Nigeria: A Review." International Journal of Political Science (IJPS) Volume 3, Issue 1 (2017): PP 35-44
John Campbell. “The Legacy of Nigeria's 1999 Transition to Democracy”. Council on Foreign Relations.
21- “Tafidan's ghost.” Africa Confidential, 19 January 2007 (accessed on 25 June 2022): https://bit.ly/3R9mNZc
John Campbell. “The Legacy of Nigeria's 1999 Transition to Democracy”. Council on Foreign Relations.
23- “Nigerian Army raises panel to probe General, others over 2014 Ekiti, Osun guber polls”. Premium Times, 20 October 2015 (accessed on 26 June 2022): https://bit.ly/3OQQHQ0
24- “Militarisation of 2019 elections.” Vanguard Nigeria, 21 March 2019 (accessed on 26 June 2022): https://bit.ly/3uiT8my
25- “2019 Elections: Army, SSS used to intimidate voters, INEC officials – U.S. Report”. Premium Times, 15 March 2020 (accessed on 26 June 2022): https://bit.ly/3OWXtng
26- “Atiku Defeats Wike, Becomes PDP Presidential Candidate”. Thisday, 29 May 2022 (accessed on 26 June 2022): https://bit.ly/3uk94EN
27- Solomon Elusoji. “Tinubu Beats Osinbajo, Amaechi, 11 Others to Win APC Presidential Primary”. Channels TV, 8 June 2022 (accessed on 27 June 2022): https://bit.ly/3yakITR
28- “Life and politics of Atiku”. The Guardian Nigeria, 29 May 2022 (accessed on 27 June 2022): https://bit.ly/3ulw4Dr
29- “Bola Ahmed Tinubu: Biography, Age, Education, Political Career, Net worth, and Controversy”. Newswire Nigeria, 29 May 2022 (accessed on 27 June 2022): https://bit.ly/3R5AYOH