الدبلوماسية العسكرية: كيف تحولت رواندا إلى دولة ذات نفوذ عسكري؟

النجاحات المتتالية لرواندا في دبلوماسيتها العسكرية تضع البلاد بديلًا يمكن الاعتماد عليه إفريقيًّا نظرًا للاضطرابات الأمنية بسبب التمرد المسلح وأنشطة الإرهابيين بدول إفريقيا. كما أن الوجود العسكري الرواندي في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق يوفر للرئيس كاغامي فرصة للتزاحم على موارد الدولتين مع الأطراف المتنافسة عليها.
عزز الجيش الرواندي من خلال تجربته في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية حكم الرئيس كاغامي (الفرنسية).

تؤكد جميع المؤشرات على أن رواندا تحت قيادة الرئيس بول كاغامي قد قررت تبني إستراتيجات طموحة والعمل خارج النطاق المعهود في إفريقيا؛ إذ كانت كيغالي في الشهور الماضية متهمة بزعزعة استقرار الكونغو الديمقراطية المجاورة والقيام بأنشطة غير شرعية على أرض دولة أخرى ذات سيادة. وقبل ذلك وقعت خلافات أخرى بين نظام كاغامي ونظامي الرئيس "سيريل رامافوسا" في جنوب إفريقيا والرئيس "يوري موسيفيني" في أوغندا.

وقد استقطبت التدخلات العسكرية، أو ما يوصف بـ"الدبلوماسية العسكرية" التي تنتهجها كيغالي مؤخرًا الاهتمام؛ إذ بالرغم من صغر مساحة رواندا التي تقدر بـ26.338 كيلومترًا مربعًا وقلة عدد سكانها وأفراد جيشها، إلا أنها تمكنت من الترويج لنفسها قوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها في عمليات صنع السلام الإقليمي والقاري من خلال نشر قوات عسكرية إلى دول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، إضافة إلى أنشطتها المثيرة للجدل ضد جيرانها بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وعلى ما سبق، ستتناول هذه الورقة خصائص الجيش الرواندي بعد الإبادة الجماعية لعام 1994، وتجارب الدبلوماسية العسكرية الرواندية في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق والخطة المقترحة لنشر قوة عسكرية رواندية في بنين، ومواقف بعض الأفارقة من طموحات كاغامي.

الجيش الرواندي بعد الإبادة الجماعية لعام 1994

كانت رواندا أحد أكبر المزودين لقوات حفظ السلام لعمليات الأمم المتحدة في إفريقيا، وهي مكانة حققتها إدارة الرئيس بول كاغامي من خلال "قوات الدفاع الرواندية" (Rwanda Defence Forces) التي تنفرد بخصائص متعددة، منها ما يتعلق بنشأتها من مجموعة لاجئين مسلحة في المنفى (أوغندا)، وكونها جماعة متمردة مسلحة قاتلت في "دولتها الأصلية" (رواندا)، وأصبحت القوة المهيمنة في سياسات ما بعد الإبادة الجماعية، عام 1994(1).

وتعود جذور "قوات الدفاع الرواندية" إلى "جيش المقاومة الوطني" الأوغندي؛ حيث بعد انتهاء الحرب الأهلية الأوغندية (من 1980 إلى 1986) شكَّل اللاجئون الروانديون الأعضاء في الجيش الوطني لتحرير أوغندا "الجبهةَ الوطنية الرواندية" (RPF) وفرعَها المسلح "الجيش الوطني الرواندي" (Rwandan Patriotic Army) بهدف معارضة الحكومة الرواندية وقتذاك وإحداث تغيير من خلال خبراتهم التي اكتسبوها أثناء قتالهم إلى جانب المتمردين الأوغنديين في الثمانينات.

وقد شملت الجبهة الوطنية الرواندية في أوغندا بعض مسؤولين وشخصيات معاصرة، بمن فيهم الرئيس الرواندي الحالي، بول كاغامي. واكتسب "الجيش الوطني الرواندي" -الفرع المسلح من "الجبهة الوطنية الرواندية"- هوية إثنية إقليمية بعد تصاعد الصراع في رواندا في أوائل التسعينات؛ حيث جمع عرقية التوتسي من أوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف الإطاحة بالنظام الذي كان يهيمن عليه الهوتو، ولوضع حدٍّ للإبادة الجماعية برواندا، عام 1994. وفي النهاية، تمكنت "الجبهة الوطنية الرواندية" بقيادة كاغامي من السيطرة على رواندا وقيادة المرحلة الانتقالية وتنفيذ برامج هادفة إلى إعادة بناء البلاد(2).

وقد أعقب مساعيَ استعادة السيطرة والأمن والسلام وإعادة البناء في رواندا تدخل عسكري للقوات الرواندية في جارتها، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك لمواجهة الهوتو الهاربين والمقيمين فيها والذين كانوا على استعداد لتحدي حكم كاغامي الذي يعتبرونه حكومة للتوتسي فقط. وشاركت القوات الرواندية أيضًا في مواجهات سياسية مختلفة بالكونغو الديمقراطية، بما في ذلك الإطاحة بالرئيس الكونغولي، موبوتو سيسي سيكو، وتنصيب زعيم المعارضة، لوران ديزاير كابيلا، رئيسًا جديدًا للبلاد. ودفع الانشقاق بين "كابيلا" وداعمَيْه -أوغندا ورواندا- الجيشَ الرواندي إلى محاولة السيطرة على العاصمة الكونغولية، كينشاسا، وعزَّز النظام الرواندي قبضته على مقاطعتي شمال وجنوب كيفو من خلال التحالفات وتمويل الجماعات المسلحة المختلفة(3).

وعلى ما سبق، يمكن القول: إن الجيش الرواندي من خلال تجربته في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية عزز حكم الرئيس كاغامي والذي بدوره رأى ضرورة إعادة الإدماج الاجتماعي والأيديولوجي للجيش الرواندي وتحويله من جيش يهيمن عليه التوتسي إلى جيش وطني يجمع جميع العرقيات الرواندية. ولذلك، أعيدت تسمية "الجيش الوطني الرواندي" باسم "قوات الدفاع الرواندية"، عام 2003، وضمت قادة سابقين من الهوتو ومجندين حديثًا إلى جانب القوات من التوتسي(4).

جدير بالذكر أنه بالرغم من أن المعادن المنتجة في رواندا تشمل التنتالوم وخام القصدير والتنجستين والذهب؛ إلا أن موارد البلاد المعدنية قليلة نسبيًّا مقارنة بمعظم الدول الإفريقية منتِجات المعادن. وهذا يعني أنه على حكومة كاغامي بحث طرق عملية لتمويل نفسها وتعزيز صورتها على المستوى الإقليمي والعالمي فاعلًا إقليميًّا مؤثرًا. ويبدو أن الدبلوماسية العسكرية واحدة من هذه الإستراتيجات حيث تولت "قوات الدفاع الرواندية" دورها الجديد، عام 2005، أداة لتحقيق أجندة كاغامي؛ بدءًا من العمل الناجح تحت رعاية الأمم المتحدة والذي أكسب القوات الرواندية ثناءات كثيرة على مهاراتها واحترافية عملياتها وانضباطها الذي يختلف عما يُعتاد في وحدات حفظ السلام الأخرى(5).

تجربة جمهورية إفريقيا الوسطى

يمكن اعتبار جمهورية إفريقيا الوسطى بمنزلة الاختبار الحاسم لقوات الدفاع الرواندية؛ حيث جربت كيغالي نموذجين ناجحين للدبلوماسية العسكرية: أولهما في عام 2014 عندما شاركت القوات الرواندية جزءًا من "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى" (مينوسكا). وفي تقدير سبتمبر/أيلول 2021، كانت قوات الدفاع الرواندية أكبر المساهمين بأفراد عسكريين في البعثة الأممية بجمهورية إفريقيا الوسطى، كما أثبتت رواندا منذ وجود قواتها في البلاد أنها قادرة على التعامل مع الصراعات المعقدة والعمل إلى جانب أطراف دولية أخرى مثل جنود شركة "فاغنر" الروسية الخاصة وغيرها(6).

وقد عززت رواندا وجودها العسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى عبر اتفاقات عسكرية مختلفة بين عامي 2020(7) و2021(8). وأكدت رواندا في سبتمبر/أيلول من العام الجاري (2022) وصول فرقة أخرى مكونة من 150 جنديًّا روانديًّا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، وستتمركز الفرقة الجديدة في معسكر "أوانغو" بالمنطقة السابعة من العاصمة "بانغي" قبل نشرهم في مدن المقاطعات الأخرى للبلاد. وإلى جانب القوات الرواندية الملحقة بـ"مينوسكا"، يُقدر وجود أكثر من 2000 جندي رواندي آخرين في جمهورية إفريقيا الوسطى بموجب اتفاقيات التعاون العسكري بين البلدين(9).

من جانب آخر؛ تكشف الاتفاقات العسكرية بين البلدين بين عامي 2020 و2021 أن رواندا اختبرت نهجًا جديدًا للدبلوماسية العسكرية متمثلًا في تنفيذ العمليات العسكرية بمفردها بعيدًا عن أي هيئة أو منظمة دولية. وهذا النهج لا يتعارض مع مشاركة قواتها في مهام متعددة الأطراف؛ حيث إن هذه القوات الرواندية التي أُرسِلت بموجب ترتيب عسكري ثنائي مع جمهورية إفريقيا الوسطى لن تعمل تحت وصاية "مينوسكا"(10).

ويؤكد هذا ما أشارت إليه مصادر بأن الفرقة الأخيرة المكونة من 150 جنديًّا روانديًّا نُشِرَت بناءً على طلب الرئيس الأفرو-وسطي، فوستين أرشانج تواديرا، لحمايته وفرض الهدوء في حالة حدوث انتفاضة نتيجة خطة الرئيس "فوستين" مراجعة دستور البلاد، وهي خطوة تعارضها غالبية السكان. أما حكومة رواندا فهي تقول إن جميع قواتها موجودة في جمهورية إفريقيا الوسطى بهدف حماية مؤسسات البلاد وسكان العاصمة، بانغي، وحماية قوات حفظ السلام الرواندية من الاستهداف من قبل المتمردين(11).

مواجهة الحركات المسلحة في شمال موزمبيق

في عام 2019، شهد الوضع الأمني في شمال موزمبيق نقلة جديدة عندما بايعت جماعة إرهابية باسم "أنصار السنَّة/حركة الشباب" تنظيم الدولة الإسلامية؛ الأمر الذي أثار مخاوف حكومات دول إفريقيا الجنوبية من تمدد الإرهابيين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها. وفي مارس/آذار من العام نفسه، شنَّ مقاتلون من الجماعة هجومًا على بلدة "بالما" الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لمقاطعة "كابو ديلغادو" الموزمبيقية والقريبة من محطات الغاز، وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات. وبحلول أبريل/نيسان، أحكم الإرهابيون سيطرتهم على أربع مقاطعات من المقاطعات الشمالية الخمس(12). واضطرت شركة "توتال" الفرنسية إلى إعلان تعليق عملها في مواقع مشروع الغاز حتى تصبح المنطقة آمنة(13).

إن نجاحات القوات الرواندية في جمهورية إفريقيا الوسطى والنتائج الإيجابية من الاتفاقات العسكرية الثنائية بين البلدين خاصة من حيث فرض الاستقرار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المتمردة؛ كلها دفعت الرئيس الموزمبيقي "فيليب نيوسي" إلى طلب مساعدة الرئيس الرواندي، كاغامي، في محاربة الجماعة الإرهابية. وفي يوليو/تموز 2021، أرسلت قوات الدفاع الرواندية حوالي 1000 جندي وضابط شرطة إلى شمال موزمبيق(14)، وخلال أسابيع من الوصول أحرزت القوات الرواندية تقدمًا أكثر مما حققه جيش موزمبيق والمرتزقة الأجانب الموجودون في البلاد منذ أربع سنوات؛ حيث حرر الروانديون المناطق التي كان الإرهابيون يسيطرون عليها واستعادوا البنية التحتية الرئيسية(15).

وقد نالت إنجازات القوات الرواندية إشادات الموزمبيقيين، خاصة السكان المحليين الذين تمكنوا من العودة إلى منازلهم ومناطقهم المهجورة بسبب هجمات الإرهابيين. وأظهرت المقابلات مع سكان "موسيمبوا" شمال موزمبيق أنهم مرتاحون بوجود القوات الرواندية لكون هذه القوات الرواندية تتصرف بمهنية وأخلاقية أكثر من تصرف الجيش الوطني الموزمبيقي الذي اتُّهم جنوده بالنهب وإثارة التوترات بين سكان المنطقة.

يضاف إلى ما سبق أن المشاركة العسكرية الرواندية في موزمبيق أصبحت مثالًا لنموذج "الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية"، وصارت حديث المحللين الأفارقة الذين دعوا الدول الإفريقية الأخرى التي تكافح حركات التمرد إلى التعاون البيني والتحالف الإقليمي والقاري، وذلك بدلًا من الاعتماد على المساعدات من الدول الغربية والقوات من المستعمرين السابقين مثل فرنسا التي يواجه وجودها العسكري معارضة شعبية في عدة دول إفريقية بما في ذلك موزمبيق.

وإذا كان النجاح الذي أحرزته القوات الرواندية من حيث استعادة "موسيمبوا دا برايا" الموزمبيقية يعني انتصارًا مهمًّا لنظام كاغامي وقواته وتلميعًا لصورته بين شعبه داخل رواندا وأمام منتقديه في الخارج؛ فقد كان التوازن الذي تفرضه القوات الرواندية في شمال موزمبيق وتقدمها فيها يعني أنه يمكن استئناف مشروع الغاز الضخم لشركة "توتال" الفرنسية؛ حيث كشفت خريطة حكومية بموزمبيق أن الجيش الرواندي سيحافظ على بلدتي "موسيمبوا دا برايا" و"بالما" اللتين تعتبران حيويتين لمشروع الغاز. ومع ذلك، بدأ الوجود العسكري الرواندي يثير أسئلة جديدة، مثل: متى ستغادر القوات الرواندية شمال موزمبيق؟(16)

جمهورية بنين وطلب مساعدة رواندا لمحاربة الإرهاب

كانت جمهورية بنين واحدة من أكثر الدول استقرارًا في غرب إفريقيا، ولكنها منذ شهور ضمن دول الساحل الغربي الإفريقي لخليج غينيا التي يهددها الإرهابيون الزاحفون من دول مجاورة مثل النيجر وبوركينا فاسو؛ حيث هاجم الإرهابيون، في ديسمبر/كانون الأول 2021، للمرة الأولى منطقة حديقة "بندجاري" الوطنية الواقعة في الركن الشمالي الغربي من البلاد والممتدة على أراضي بوركينا فاسو والنيجر(17). واضطرت الحكومة البنينية لإقامة قاعدة عسكرية في شمال البلاد بهدف تعزيز أمن البضائع والسكان. ومع ذلك استمرت الهجمات مع اقتحام مركزي شرطة "مونسي" و"داساري" ومحليات أخرى في الشمال مما تسبب في خسائر كبيرة(18)

ومن الخطوات التي اتخذتها بنين لمعالجة الوضع مبادرات التعاون مع منظمات إقليمية والتحالف مع الجيران في مكافحة الإرهاب والأنشطة الإجرامية. وفي يوليو/تموز الجاري (2022)، تعهدت فرنسا بتقديم معدات عسكرية إلى بنين لدعم جهود مكافحة الإرهاب، ومع ذلك لم يقتنع البنينيون بعدُ بأن المحاولات والخطوات الحكومية ستسهم في تحسين الوضع الأمني(19).

من جهة أخرى، كان نجاح نموذج التعاون البيني الإفريقي والإنجازات التي حققتها القوات الرواندية في كلٍّ من جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق أدى إلى النظر للقوات الرواندية بديلًا إفريقيًّا فعالًا، ومنح نظام كاغامي فرصًا للتقدم في دول أخرى والتوسع في المجالات التي لا تتجرأ معظم الدول الإفريقية على خوضها. وكانت النتيجة أن لجأ مسؤولون عسكريون من بنين، في سبتمبر/أيلول الجاري (2022)، إلى قوات الدفاع الرواندية لتعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين، كما تجري محادثات معها بشأن تقديم الدعم اللوجستي والخبرة العسكرية في محاربة المتمردين والإرهابيين(20).

وكشف تقرير "أفريكا إنتليجنس" أن رواندا وفق هذه المحادثات قد ترسل حوالي 700 جندي إلى بنين، وأن المجموعة الأولى من القوات الرواندية، أي حوالي 350 جنديًّا روانديًّا، قد تصل إلى البلاد في أكتوبر/تشرين الأول في حال التوصل إلى اتفاقات في الشهر الجاري (سبتمبر/أيلول 2022) مع احتمال زيادة العدد(21).

طموحات كاغامي أمام المنتقدين

من الملاحظ أن النجاح العسكري الرواندي في موزمبيق وضع الرئيس كاغامي في موضع يغبطه عليه أقرانه في منطقة شرق إفريقيا؛ إذ تمكن من إثبات أنه متفوق تكتيكيًّا وعسكريًّا من جيرانه في منطقة البحيرات العظمى، وأنه أكثر طموحًا من زميله السابق وأخيه في السلاح، الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني"، اللذين خاضا مؤخرًا خلافًا شرسًا(22) أدى إلى إغلاق حدود بلديهما قبل وساطات مختلفة لإنهائها، ولا تزال مؤشرات التنافس بين الزعيمين قائمة(23).

على أن طموحات كاغامي تتعارض أيضًا مع إدارات بعض القادة الأفارقة والقوانين الوطنية ومصالح دول إفريقية أخرى. وعلى سبيل المثال: يبذل كاغامي قصارى جهده للقضاء على معارضيه الروانديين ومنتقديه خارج رواندا، حيث وُجِّهت إليه تُهَم عمليات اختطاف مختلفة وتدبير عمليات اغتيال في دول مثل موزمبيق وجنوب إفريقيا وأوغندا وكينيا(24).

بل تأزمت علاقة رواندا مع جنوب إفريقيا منذ أكثر من عقد بسبب موقف كيغالي من أن بريتوريا تُؤوي منشقين روانديين معارضين لـكاغامي. واتهمت بريتوريا كيغالي بأنها وراء عملية اغتيال "باتريك كاريجيا"، الكولونيل السابق ومسؤول التجسس للرئيس الرواندي كاغامي. وفي 2014، طرد رئيس جنوب إفريقيا السابق، جاكوب زوما، دبلوماسيين روانديين في قضية محاولة اغتيال قائد الجيش الرواندي السابق، الجنرال فاوستين كايومبا نيامواسا، في جوهانسبرج في عام 2010، وردَّت حكومة كاغامي بطرد ستة مبعوثين من جنوب إفريقيا من كيغالي.

يضاف إلى ما سبق أن خطوات كاغامي الجريئة قد تسهم في اعتزاله من قبل بعض الدول وزعمائها، وهذا واضح من ردود أفعال منتشرة بعدما كشفت تقارير في عام 2021 أن هاتف رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامافوزا" ضمن قائمة الهواتف التي تنوي كيغالي استهدافها باستخدام برنامج تجسس إسرائيلي الصنع(25)؛ الأمر الذي أثار غضب مسؤولين بجنوب إفريقيا الذين أعربوا علنًا عن استيائهم ومواطنين بجنوب إفريقيا الذين أظهروا غضبهم تجاه رواندا.

ومما يلاحظ فيما يتعلق بشمال موزمبيق أن كاغامي أرسل قواته في الوقت الذي تحدد فيه "الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي" طبيعة تدخلاتها في موزمبيق والتعامل مع أزمة الجماعة الإرهابية وكيفية احتوائها. وقد فسر البعض تدخل رواندا العسكري خارج نطاق أي أطر إقليمية ودولية بأنه تحدٍّ صريح لدول إفريقيا الجنوبية وشرق إفريقيا الأعضاء في "جماعة شرق إفريقيا" و"الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي".

ويبدو نجاح العمليات العسكرية الرواندية أيضًا محاولةً لتقويض نفوذ دول مثل جنوب إفريقيا في منطقة إفريقيا الجنوبية وتنزانيا في شرق إفريقيا، خاصة أن كاغامي كان يسعى منذ سنوات إلى التقرب من موزمبيق وتوطيد علاقاته معها بعدما أصبحت وجهة للمعارضين الروانديين. وهذا يعني أن المشاركة العسكرية في موزمبيق تمكِّن كيغالي من القضاء على الذين تنظر إليهم باعتبارهم تهديدًا محتملًا سواء داخل موزمبيق أو في الدول المجاورة.

وبالرغم من شعار "الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية" التي اكتسبتها مشاركات القوات العسكرية الرواندية؛ إلا أن طبيعة هذه المشاركات وأماكن العمليات وتوقيتها جعل البعض يشككون فيما إذا كان الوجود الرواندي لصالح هاتين الدولتين أو لصالح أطراف دولية أخرى.

على أن الرئيس كاغامي نفى الانتقادات الموجهة إليه وما إذا كانت عمليات القوات الرواندية ممولة من قبل طرف ثالث مؤكدًا أن جميع هذه الجهود تأتي من بلاده دون رعاية أحد(26). وعلى هذا قد تكون ضمن دوافع التدخل العسكري الرواندي الدروس التي استفادتها كيغالي من صراعها وحربها وتداعياتها، أو بسبب مخاوف كيغالي من انتشار الحركات الإرهابية إلى داخل أراضيها، خاصة عبر جارتها الكونغو الديمقراطية التي تنشط فيها حركة "تحالف القوى الديمقراطية" الموالية لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، وعبر موزمبيق التي لها حدود مع تنزانيا.

خاتمة

على ما سبق، يمكن القول: إن النجاحات المتتالية لرواندا في دبلوماسيتها العسكرية تضع البلاد حلًّا بديلًا يمكن الاعتماد عليها في الدول الإفريقية التي تعاني الاضطرابات الأمنية بسبب التمرد المسلح وأنشطة الإرهابيين، وإن الوجود العسكري الرواندي في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق قد يوفر للرئيس كاغامي إمكانية للتزاحم على موارد الدولتين مع الأطراف النشطة الأخرى عندما تسنح الفرصة لذلك.

وبالنظر إلى جل آراء الأفارقة، يبدو أن وجود رواندا العسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق أفضل من وجود قوات غير إفريقية مهما كانت دوافع رواندا وما دام وجودها يوفر حلًّا للأزمة الأمنية. وهناك احتمال لأن تستمر القوات الرواندية في الانتشار إلى مناطق أخرى بحاجة إلى خدمتها، حتى وإن كان من المحتمل أيضًا ظهور لاعبين إفريقيين جدد لمنافسة القوات الرواندية؛ مما قد يؤزم العلاقات البينية الإفريقية ويخلق صدامات بين هؤلاء اللاعبين.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- DONELLI، Federico. "Rwanda’s Military Diplomacy. Kigali’s Political Use of the Military Means to Increase Prestige and Influence in Africa and Beyond." (2022): https://bit.ly/3eYGCnk

2- حكيم ألادي نجم الدين، "الأزمة الكونغولية الرواندية: جذورها والجهود الإفريقية لإنهائها"، متابعات إفريقية، (2022)، العدد 29، ص 8–19.

3- المصدر السابق.

4- مصدر سابق:

DONELLI, Federico. "Rwanda’s Military Diplomacy. Kigali’s Political Use of the Military Means to Increase Prestige and Influence in Africa and Beyond."

5- المصدر السابق.

6- Federico Donelli. “Rwanda’s unilateral interventionism in African conflicts: Determinants and implications”. Trends Research، (15 December 2021): https://bit.ly/3Sb1lCK

7- “Rwanda Deploys Force Protection Troops To Central African Republic”. Ministry of Defence – Rwanda, (20 December 2020): https://bit.ly/3BOJax9

8- “Rwanda Deploys More Troops to Central African Republic”. AllAfrica (3 August 2021): https://bit.ly/3DwMAG8

9- Chief Bisong Etahoben. “150 Rwandan Soldiers Arrive Central African Republic Under Military Cooperation”. HumAngle (6 September 2022): https://bit.ly/3UbMcmi

10- المصدر السابق.

11- المصدر السابق.

12- حكيم ألادي نجم الدين، "محاولةٌ في فهم التمرد المسلح في موزمبيق"، الأفارقة للدراسات والاستشارات، 16 مايو/أيار 2021، 10 سبتمبر 2022: https://bit.ly/3LoreMX

13- “Total suspends $20BN LNG project in Mozambique indefinitely”. Aljazeera (26 Apr 2021): https://bit.ly/3dl2cll

14- Edward Rwema & Venuste Nshimiyimana. “Rwanda Sends 1,000 Soldiers, Police to Fight Mozambique Militants”. VOA (09 July 2021): https://bit.ly/3DzFh0r

15-  Andres Schipani. “Rwanda flexes muscles in fight against terror in Mozambique”. Financial Times (3 October 2021): https://on.ft.com/3xyTy9L

16- Antonio Cascais. “Rwanda's military intervention in Mozambique raises eyebrows”. Deutsche Welle (24 Aug 2021): https://bit.ly/3RVhFri

17- حكيم ألادي نجم الدين، "توغو ومساعي زحف الحركات المتطرفة العنيفة نحو ساحل خليج غينيا"، مركز الجزيرة للدراسات، 5 يونيو/حزيران 2022، 10 سبتمبر 2022: https://bit.ly/3duoVvg

18- Romuald Vissoh. “Beninese insecure as terrorism increases”. Africa News (7 July 2022): https://bit.ly/3dnRqec

19- “Macron says France will equip Benin militarily against terrorism”. Anadolu Agency (27 July 2022): https://bit.ly/3QSMDyU

20- “Rwanda readies to deploy troops to northern Benin”. Africa Intelligence (9 Sept 2022): https://bit.ly/3UhYidA

21- المصدر السابق.

22- Nicholas Norbrook, Parselelo Kantai, & Patrick Smith. “How Kagame and Museveni became the best of frenemies”. The Africa Report (4 October 2019): https://bit.ly/3QN9Oux

23- “The cold war continues after President Kagame delays response on meeting  President Museveni”. Africa Confidential (15 September 2021): https://bit.ly/3Dtj8Rs

24- Abu-Bakarr Jalloh. “Rwanda: The mysterious deaths of political opponents”. Deutsche Welle (15 September 2021): https://bit.ly/3Bp3QKP 

25- Carien du Plessis. “Pegasus spying scandal: Rwanda targeted South Africa’s Ramaphosa”. The Africa Report (23 July 2021): https://bit.ly/3eY2f7f

26 “Rwanda’s intervention on Cabo Delgado not financed by third parties, says President Kagame”. Further Africa (6 September 2021): https://bit.ly/3S7M85c