إفريقيا جنوب الصحراء وأزمة الصحراء الغربية.. بين المصالح والمبادئ

تتناول هذه الورقة مواقف دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تجاه الصحراء الغربية ودور عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في تراجع حكومات إفريقية عن مبادئها وتبنّي حكومات أخرى موقفا "حياديا" بسبب المصالح الاقتصادية والمكاسب التنموية.
جاءت عودة المغرب في عام 2017 إلى الاتحاد الإفريقي بعد سلسلة من الزيارات لدول إفريقية مختلفة (AP)

كانت قضية الصحراء الغربية منذ عقود من الأسباب الرئيسية لتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر، وظلت الحدود البرية بينهما مغلقة منذ عام 1994؛ حيث تعارض الجزائر السيادة المغربية في الصحراء الغربية، وتدافع عن استقلالها مع تزويد جبهة البوليساريو بالتمويل وقاعدة العمليات والدعم الدبلوماسي. ومن منظور القانونيين الدوليين لا تزال الصحراء الغربية إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي، بينما تحمّل الأمم المتحدة إسبانيا - بصفتها القوة الاستعمارية السابقة - مسؤولية سياسية تجاه الإقليم وشعبه(1).

وقد تصاعدت حدة التوترات مؤخرا، وهو ما وضع قضية الصحراء الغربية في دائرة الضوء، واتخذ التنافس المغربي الجزائري منعطفاً دراماتيكياً في عام 2021 عندما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وأوقفت شحنات الغاز التي كانت تمر عبر المغرب إلى إسبانيا مع تبادل الاتهامات بين الجانبين(2). وعلى مستوى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يُلاحظ تراجع الاهتمام بقضية الصحراء الغربية، والذي يعزز الشعور العام بأن المطالبة المغربية بالسيادة في الصحراء الغربية تكتسب الدعم الإفريقي المطلوب.

وعليه، ستتناول هذه الورقة مواقف دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تجاه الصحراء الغربية ودور عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في تراجع حكومات إفريقية عن مبادئها وتبنّي حكومات أخرى موقفا "حياديا" بسبب المصالح الاقتصادية والمكاسب التنموية.

المواقف الإفريقية تجاه الصحراء الغربية

كانت مواقف معظم الدول الإفريقية تجاه قضية الصحراء الغربية قبل عام 2017 متشابهة بشكل عام، وكانت الأغلبية مصطفة وراء موقف الاتحاد الإفريقي وما يصدر عنه من مواقف تجاه هذه الأزمة، ونسبة قليلة من الدول الإفريقية كانت داعمة للمغرب. وينظر الاتحاد الإفريقي (ومن قبله منظمة الوحدة الإفريقية) إلى القضية كـ"أزمة تصفية استعمار"، وهو موقف يرفضه المغرب منذ التأسيس الأول لمنظمة قارية إفريقية موحدة؛ إذ في 25 مايو 1963 شُكِّلت منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي اليوم) في أديس أبابا بإثيوبيا، وازدادت دولها الأعضاء الأصلية من 32 دولة إلى 53 دولة، وقد استوعبت هذه المنظمة القارية كل دولة أفريقيا تقريبًا. ولكن قبول "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1982 أدّى إلى انسحاب المغرب في عام 1984 مع أن المملكة المغربية من مؤسسين المنظمة. وظل المغرب منذ ذلك التاريخ خارج  منظمة الوحدة الأفريقية وهيئاتها، وتم تأسيس الاتحاد الإفريقي في عام 2002 والمغرب لا يزال خارجه(3).

وقد انعكس موقف الاتحاد الإفريقي والدول الأفريقية الداعمة للاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" على علاقات المغرب مع معظم هذه الحكومات الإفريقية التي ربطت موقفها من القضية مع سياستها الخارجية، وهو ما أثّر في مساعي المغرب لتأكيد موقفه وتحقيق تطلعاته في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي عام 2017، وذلك بعد ثلاثة عقود من الغياب، عاد المغرب مرة أخرى إلى الاتحاد الأفريقي وبأغلبية ساحقة من الأصوات، وهو تطور فاجأ بعض الأعضاء البارزين في المنظمة القارية الذين عارضوا عودة المغرب، بما في ذلك جنوب إفريقيا والجزائر(4).

وبناءً على الأوراق القانونية وتطورات مواقف الدول الإفريقية مع القضية وتناغمها مع موقف المغرب منذ عام 2019؛ يمكن تصنيف مواقف دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الصحراء الغربية على النحو التالي:

أولا: الدول التي تعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" هي: أنغولا وبوتسوانا وإثيوبيا وغانا وكينيا وليسوتو ومالي وموريتانيا وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا ونيجيريا ورواندا وسيشيل وجنوب إفريقيا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا وزمبابوي(5).

ثانيا: الدول التي تدعم اقتراح الحكم الذاتي لـلصحراء الغربية تحت السيادة المغربية(6). وتشمل هذه الدول: بوركينا فاسو وجزر القمر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجيبوتي والغابون وغامبيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وسيراليون والصومال. وتشمل هذه الفئة أيضًا:

أ- الدولة التي اعترفت بالصحراء الغربية كجزء من المملكة المغربية من خلال إعلان رسمي. وهذه الدولة هي توغو.

ب- والدول التي سحبت أو جمدت أو علّقت اعترافها بـ "الجمهورية الصحراوية"، وهي زامبيا وبوروندي والرأس الأخضر وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية وإيسواتيني وغينيا بيساو وليبيريا وملاوي وساو تومي وبرينسيبي.

والملاحظ أن بعض الدول من الفئتين المذكورتين قد غيرت موقفها من القضية مرارا؛ حيث أن بعض الداعمين لـ"الجمهورية الصحراوية" أعلنوا دعمهم للمغرب، والعكس صحيح. كما أنه توجد بين فئة الدول الداعمة لـ "الجمهورية الصحراوية" ورقيًّا ولكنها تعاملاتها تؤشر على وقوفها مع المغرب.

عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وأثرها

لقد جاءت عودة المغرب في عام 2017 إلى الاتحاد الإفريقي بعد مناورات وضغوطات تجارية واجتماعية وسياسية مع حلفائه الذين مهدوا الطريق أمامه في المنظمة، بما في ذلك سلسلة الزيارات لدول إفريقية مختلفة شملت رواندا وتنزانيا والغابون والسنغال وإثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا، وتوقيع اتفاقيات عديدة مع هذه الدول(7). وقد أثارت هذه الخطوة المغربية تساؤلات حول مدى مصداقية الاتحاد الأفريقي وقدرته على التعامل مع الأجندات والأهداف الخاصة للدول الأعضاء المهيمنة والقوية، ومدى إمكانية المنظمة في الاطلاع بالتوازن بين أجندات الدول الأعضاء الكبيرة الإفريقية ذوات النفوذ ومطالب الدول الأعضاء الصغيرة. كما تعني هذه العودة أنه أصبح بإمكان المغرب العمل من الداخل وتنفيذ استراتيجية طويلة المدى، بما في ذلك مواجهة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي تتهمه الرباط بالدعوة دائما لاستقلال "الجمهورية الصحراوية"(8).

ومما يُلاحظ في الاتحاد الإفريقي في السنوات الثلاث الماضية بروز بعض الخلافات بين أعضائه المعارضين للموقف المغربي والداعمين لاستقلال "الجمهورية الصحراوية" بقيادة جنوب إفريقيا والجزائر، وبين مؤيدي المغرب وحلفائه؛ إذ تؤثر هذه الخلافات في تراجع قدرة المنظمة على اتخاذ قرارات ملموسة متعلقة بقضية الصحراء الغربية بالرغم من أن المنظمة تعتبرها من القضايا الإفريقية الرئيسية التي يجب معالجتها، إذ بدلا من ذلك أصبحت المنظمة تحمّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسؤولية حلها داعية مرارا إلى اتخاذ قرار بشأنها.

وقد تعززت الكتلة الداعمة للمغرب داخل الاتحاد الإفريقي بعد تطورات وأحداث مختلفة بين عامي 2018 و2019. وكانت أولى هذه الأحداث في يناير/ كانون الثاني 2018 عندما انتخب المغرب لعضوية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. وفي شهر يناير نفسه دعا الاتحاد الإفريقي إلى "محادثات مشتركة" بينه وبين الأمم المتحدة "لإجراء استفتاء حر ونزيه لشعب الصحراء الغربية". ولكنه في يوليو/ تموز 2018 قرّر الاتحاد الإفريقي في القمة الحادية والثلاثين في نواكشوط بموريتانيا الحدَّ من جهود السلام الخاصة به في الصحراء الغربية لصالح عملية الأمم المتحدة (UN) وإحالة القضية إليها، واكتفاء الاتحاد الإفريقي بدعم جهود الأمم المتحدة، وناشدت جمعية الاتحاد الأفريقي أطراف النزاع "استئناف المفاوضات بسرعة دون شروط مسبقة وبحسن نية تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، الذي ينظر مجلس الأمن التابع له في هذه المسألة"(9).

ويبدو من قراري يناير ويوليو 2018 سابقي الذكر تناقض الاتحاد الإفريقي(10) حيث يُفهَم ضمنيًّا أن قرار يوليو 2018 ألغى اللجنة الخاصة لرؤساء الدول الإفريقية حول الصحراء الغربية التي تأسست عام 1978 لتهدئة المواجهة العنيفة بين جانبي الصراع، بالإضافة إلى عدم ذكره الممثلَ الأعلى للاتحاد الإفريقي لـ"الصحراء الغربية". كما أن إحالة حل القضية إلى الأمم المتحدة تخالف مطالب بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ولا سيما الجزائر وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، التي تشكك في قدرة الأمم المتحدة على حل النزاع اعتمادا على فشل تدخلات الأمم المتحدة السابقة في القضية على مدى العقود الخمسة الماضية.

أما في عام 2019؛ فقد نظمت كل من "مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي" (Southern African Development Community) والمغرب مؤتمرين مختلفين في شهر مارس/ آذار من هذه السنة. وقد أقيم الأول في الفترة من 24 إلى 25 مارس/ آذار 2019 في بريتوريا بجنوب إفريقيا بهدف التضامن مع شعب "الصحراء الغربية"، وحضره أكثر من 20 دولة أفريقية وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، إلى جانب رؤساء دول ليسوتو وناميبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وأوغندا. وانتهى الإعلان الختامي للمؤتمر إلى تبني الوصف الموجود في وثائق الاتحاد الإفريقي باعتبار الصحراء الغربية "الإقليم الوحيد في إفريقيا الخاضع للحكم الاستعماري"، وعبّر عن دعمه "لتقرير المصير وإنهاء الاستعمار في الإقليم"، كما حثّ المغرب على "احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، كما كانت موجودة وقت الاستقلال، على النحو المنصوص عليه في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي"(11).

وفي المقابل أقيم المؤتمر الثاني في مراكش بالمغرب تحت عنوان "المؤتمر الوزاري الأفريقي حول دعم الاتحاد الأفريقي للأمم المتحدة"، وحضره ممثلون من 36 دولة أفريقية، بما في ذلك الكاميرون وساحل العاج وإثيوبيا وليبيريا ونيجيريا ورواندا وتونس وزامبيا. وانتهى الاجتماع ببيان أعرب عن دعمه لتنفيذ قرار مؤتمر الاتحاد الأفريقي (AU/Dec.693-XXXI) الصادر في يوليو/ تموز 2018(12)، وأقرّ بإطار عمل الأمم المتحدة للسعي إلى "حل سياسي مقبول وواقعي ودائم للطرفين". وخالف هذا المؤتمر المنعقد بالمغرب بيان المؤتمر الأول (مؤتمر مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي) الذي أسند إلى الاتحاد الإفريقي دورا مهما في حل القضية، في حين قلّل مؤتمر مراكش من أهمية أجهزة الاتحاد الأفريقي في هذه المفاوضات(13).

جدير بالذكر أن البعض رأوا أن قرار يوليو/ تموز 2018 كان إيجابيا؛ لأنه جنّب الاتحاد الإفريقي التفكّك وتدهور العلاقات من خلال تقديم حل وسط جمع بين حلفاء المغرب والداعمين لـ "الصحراء الغربية". كما أنه لم يكن لمؤتمري عام 2019 تأثير قانوني على قرارات الاتحاد الأفريقي وإجراءاته، حتى وإن ساهما مع تطورات 2018 في سهولة تغيير دول إفريقية لمواقفها، وخاصة تلك الدول التي تعارض سرّا تدخلات الاتحاد الأفريقي لدعم استقلال "الصحراء الغربية".

على أن القضية اتخذت منحى جديدا في يونيو/ حزيران 2019 عندما نجح المغرب في دعوته للدول المختلفة، بما في ذلك الدول الإفريقية الصديقة لفتح قنصليات في "الصحراء الغربية". وكانت ساحل العاج أولى هذه الدول حيث افتتحت قنصليتها الفخرية في العيون، وحذت جزر القمر حذوها في ديسمبر 2019 بافتتاح أول قنصلية عامة أجنبية في "الصحراء الغربية". وفي عام 2020 اعترف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في مقابل تطبيع المملكة لعلاقاتها مع إسرائيل(14). وتبع ذلك بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول 2020 افتتاح قنصليات دول إفريقية كثيرة في مدينتي الداخلة والعيون الصحراويين دون استشارة الاتحاد الأفريقي أو العبور عبر آلياته قبل اتخاذ هذا القرار. وهذه الدول هي: غامبيا والغابون وغينيا وساحل العاج (افتتحت هذه المرة قنصلية عامة) وجمهورية أفريقيا الوسطى وساوتومي-وبرينسيبي وبوروندي وجيبوتي وليبيريا وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو وإسواتيني وزامبيا(15).

وبالرغم من انتقاد الأمين العام للبوليساريو "إبراهيم غالي" افتتاح هذه القنصليات ووصفها بـ"خرق للموقف القانوني الدولي للصحراء الغربية كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي"(16)؛ إلا أن داعمي المغرب وجدوا مكسبا جديدا بعد انتهاء فترة رئاسة رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامافوزا" للاتحاد الأفريقي في 6 فبراير/ شباط 2021، حيث كرّس جزءًا كبيرًا من رئاسته لدعم استقلال "الصحراء الغربية". وجلبت انتخابات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي عندما تم اختيار مفوضين مجموعةً من القادة الذين يؤيدون المغرب أو يتبنون موقف "الحيادية". كما خلف الدبلوماسي الجزائري إسماعيل شرقي، الذي كان على رأس مجلس السلم والأمن الذي يصنع القرار في الاتحاد الأفريقي والمسؤول عن إدارة النزاعات وحلها، الدبلوماسيَّ بانكولي أديؤويي الذي خفّفت بلاده نيجيريا في السنوات الأخيرة من انتقادها للمغرب بخصوص قضية الصحراء، رغم أنها لا تزال تدعم جبهة البوليساريو على الورق(17).

المواقف الإفريقية بين المبادئ والمصالح

لم تتأثر المواقف الإفريقية تجاه قضية الصحراء الغربية فقط بالتحركات الاستراتيجية والتطورات داخل الاتحاد الإفريقي بعد عودة المغرب إليه؛ بل تأثّرت أيضا بموقف بعض الحكومات الإفريقية من أن الصحراء الغربية تمثل نقطة عبور أكثر استقرارًا لوقوعها في موقع استراتيجي قريب من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. هذا إلى جانب التحركات الفردية بين المغرب ودول المنطقة، بما في ذلك الدول الفرنكوفونية في غرب إفريقيا مثل السنغال وساحل العاج ومالي التي للمغرب معها علاقات استثنائية.

وفي فبراير/ شباط من عام 2017 استغلّ المغرب زخم عودته إلى الاتحاد الإفريقي وانتصاره الدبلوماسي الكبير داخل المنظمة القارية للتقدم بطلب رسمي للحصول على العضوية في "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"(18). ولكن هذا الطلب المغربي لم ينجح حتى الآن لاعتبارات قانونية تأسيسية للايكواس ومعارضة الدول الأنغلوفونية المتشككة في خطوة المغرب بشأن الصحراء الغربية وموقف الاتحادات الوطنية في دولة مثل نيجيريا التي ترى الانضمام المغربي تهديدًا لنفوذها في غرب إفريقيا. وكانت النتيجة أن لجأ المغرب إلى مناورة دول غرب إفريقيا المعارضة له من خلال دبلوماسية اجتماعية ودينية ومبادرات اقتصادية عابرة للحدود وخاصة لكل دولة.

وتبدو هذه الاستراتيجيات الفردية من المغرب ناجحة؛ إذ يمكن القول في ظل الوضع الراهن إن معظم الدول الأفريقية التي تدعم "الجمهورية الصحراوية" تفعل ذلك فقط من أجل حفظ مبادئها أو لتجنب الانتقادات والمواجهات القانونية. وتقلل التطورات الجديدة في الاتحاد الأفريقي والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي يطرحها المغرب مع دول أفريقية مختلفة من حدة معارضة المغرب بين هذه الدول الإفريقية، حتى بين مؤيدي "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، باستثناء الجزائر وجنوب إفريقيا ودول قليلة أخرى في منطقة إفريقيا الجنوبية.

ومما يؤكد ما سبق أن الرئيس النيجيري "محمد بخاري" الذي كان من أكبر داعمي جبهة بوليساريو أصبح اليوم يتبنّى موقفًا "الحياد" من القضية ويفضّل التركيز على مشاريع التنمية الكبرى مع المغرب، مثل خط أنابيب الغاز الذي اقترحها الملك محمد السادس في عام 2016 أثناء زيارته لنيجيريا التي تعتبر مركز القوة الاقتصادية والاستراتيجية في إفريقيا. ويشمل مشروع الخط أكثر من 11 دولة أخرى في غرب إفريقيا مع إمكانات على تعزيز العديد من برامج التنمية الإقليمية والقارية الهامة. ولم تستطع نيجيريا رفض هذا النوع من المشروع من المغرب بسبب خطتها الوطنية لتعظيم أرباحها من الغاز الطبيعي عن طريق تصدير الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا(19).

ومع ذلك، يتوقع أن الدول التي تدعم جبهة البوليساريو على الورق وتتبنّى في الوقت نفسه نهجًا ليّنا أو حياديا مع المغرب ستواجه ردود فعل ومعارضة مكثّفة من مؤسساتها القانونية ومنظماتها المدنية؛ إذ في حالة مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي تواجه إدارة الرئيس "بخاري" تساؤلات وشكوك حول دوافع الخط وما إذا كانت نيجيريا تتخلى عن مبادئها وموقفها من الصحراء الغربية نظرا لأن خط أنابيب الغاز هذا سيمر عبر الصحراء الغربية التي يتنازع عليها ولا تزال نيجيريا تدعمها. بل كان موقف بعض النيجيريين أن الأفضل لحكومتهم إيلاء الأهمية لمشروع آخر متمثل في خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (الذي يربط نيجيريا والنيجر والجزائر) لأنه يجنب البلاد من اختراق القانون الدولي والصراع المحتمل بشأن "الصحراء الغربية"(20).

وتجدر الإشارة إلى أن التطورات السابقة لا تزال قضية الصحراء الغربية تتمتع بمتابعة كبيرة لدى منظمات حقوقية ونشطاء قانونيين، بمن فيهم محامي حقوق الإنسان النيجيري الشهير "فيمي فالانا" (Femi Falana) الذي كان يناهض منذ فترة الوجودَ المغربي في الإقليم(21). بل ورفع "فيمي فالانا" الدعوى بالنيابة عن "برنارد أنباتايلا مورنا" - السياسي الغاني والرئيس الوطني لحزب "المؤتمر الوطني الشعبي" - ضد ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأفريقي (جمهورية بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا ومالي وملاوي وتنزانيا وتونس) أمام "المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" في تنزانيا بشأن "تقاعس هذه الدول عن أداء واجبها القانوني في الدفاع عن سيادة الصحراء الغربية وأراضيها وسلامتها واستقلالها." وقد قضت المحكمة في سبتمبر 2022 بأن "الاحتلال المغربي للصحراء الغربية هو انتهاك خطير للحق في تقرير المصير"، واعتبرت "وجود القوات المغربية في الصحراء الغربية احتلال عسكري، وهو انتهاك للقانون الدولي"(22).

خاتمة

من خلال ما سبق، يمكن القول إن موقف الاتحاد الإفريقي تجاه الصحراء الغربية من أنها قضية "تصفية استعمار" سارٍ دون تغيير. ومن المؤكد أن تحقيق ما يسعى إليه المغرب من حيث إخراج "الجمهورية الصحراوية" من هيئات الاتحاد الإفريقي سيستغرق وقتا طويلا؛ لأنه سيتطلب تعديل القانون التأسيسي للمنظمة القارية، بالإضافة إلى وجود حكومات دول أعضاء في المنظمة تعارض الموقف المغربي بشدة. ومع ذلك، تأثرت مواقف البلدان الأفريقية باستراتيجيات المغرب الأخيرة في الاتحاد الإفريقي و"المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا"، والتي تركز على نتيجتين أساسيتين هما: التودد إلى جيل جديد من القادة الأفارقة بوعود ومزايا اقتصادية وأمنية مربحة للجانبين؛ واستخدام الثقل الاقتصادي المتزايد لتوسيع الدعم السياسي لمطالبته بالاعتراف بمغربية الصحراء، هذا إلى جانب تحركات دبلوماسية غير معلنة لممثلي المغرب في المؤسسات الإفريقية المختلفة، وافتتاح القنصليات التابعة لحكومات إفريقية مختلفة في الداخلة والعيون والذي يعتبر أكبر انتصار مغبري حتى الآن من حيث تأكيد سيادتها على الإقليم.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- Sven Simon. "Western Sahara". In Self-Determination and Secession in International Law. OUP Oxford (2014). p. 262.

2- Federica Fasanotti. “Will Western Sahara trigger the next crisis?”. Geopolitical Intelligence Services (November 9، 2022): https://bit.ly/3Wu32No

3- Rawhani، Carmel. "Morocco Joins the AU: Motives and Meanings." South African Institute of International Affairs (2018): https://bit.ly/3R6qtuX

4- “Morocco readmited into the African Union after 32 years of absence”. Africa News (January 30، 2017): https://bit.ly/3H2QXJ1

5- Bishku، Michael B. "Morocco and sub-Saharan Africa: In the shadow of the Western Sahara dispute." Contemporary Review of the Middle East (Issue 8، No. 3، 2021): 273-289.

6- المصدر السابق.

7- Louw-Vaudran، Liesl. "The meaning of Morocco’s return to the African Union." ISS North Africa Report 2018، no. 1 (2018): 1-20.

8- المصدر السابق.

9- Ani، Ndubuisi Christian، and Liesl Louw-Vaudran. "How the latest AU decision on Western Sahara could affect other crises." ISS Peace and Security Council Report (No. 105، 2018): 2-3.

10- المسصدر السابق.

11- Diatta، Mohamed، Liesl Louw-Vaudran، Andrews Attah-Asamoah، and Shewit Woldemichael. "Africa’s divisions over Western Sahara could impact the PSC." ISS Peace and Security Council Report (No. 112، 2019): 9-10.

12- African Union. “Assembly AU Dec 693 XXXI”: https://bit.ly/3ZW5BdJ

13- المسدر سابق:

Diatta، Mohamed، Liesl Louw-Vaudran، Andrews Attah-Asamoah، and Shewit Woldemichael. "Africa’s divisions over Western Sahara could impact the PSC."

14- Trump، Donald J. "Proclamation on Recognizing the Sovereignty Of The Kingdom Of Morocco Over The Western Sahara." White House (2020): https://bit.ly/3Hp04oX

15- Crisis Group Middle East and North Africa Briefing. “Time for International Reengagement in Western Sahara”. International Crisis Group (2021): http://www.jstor.org/stable/resrep31615.

16- MINURSO. “Situation in Western Sahara”، Report of the UN Secretary-General، S/2020/938 (September 23، 2020): https://bit.ly/3iYvOrG

17- Kozlowski، Nina. "This year، the AU could work to Morocco’s advantage over Western Sahara." The Africa Report (March 3، 2021): https://bit.ly/3XU4Ccx

18- Imru AL Qays Talha Jebril. “Morocco-ECOWAS: Good intentions are not enough”. MIPA Institute (January 23، 2023): https://bit.ly/3iYxKQY

19- حكيم نجم الدين. "نيجيريا بين خطي أنبوب الغاز العابر للصحراء” (TSGP) و أنبوب الغاز النيجيري المغربي". الأفارقة للدراسات والاستشارات (يناير 16، 2023): https://alafarika.org/ar/5497

20- المصدر السابق.

21- “Femi Falana calls on African lawyers to fight Morocco's violation of Sahrawi activists rights”. Sahara Reporters (2009): https://bit.ly/3JcWcZH

22- “Application 028/2018 - Bernard Anbataayela Mornah vs Republic of Benin Republic of Burkina Faso Republic of Cote d’Ivoire Republic of Ghana Republic of Malawi Republic of Mali Tunisian Republic United Republic of Tanzania”. African Court on Human and Peoples’ Rights (September 22، 2022): https://bit.ly/3XKgnC2