أعلن وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في 29 أغسطس/آب 2023، عن مبادرة دبلوماسية لتسوية الأزمة النيجرية عقب زيارته لنيجيريا وغانا وبنين، وهم أعضاء إيكواس الذين يتوعدون الانقلابيين بالتدخل العسكري إذا لم يعيدوا الرئيس المحتجز، محمد بازوم، إلى السلطة. في تلك الأثناء كانت الجزائر تتباحث مع قادة الانقلابيين، وقد أجرت معهم ثلاثة اتصالات منذ استيلائهم على السلطة. وقال عطاف إن المبادرة هي حصيلة مشاورات مع مختلف الأطراف المنخرطة في أزمة النيجر، وإن معظمهم يعترضون على التدخل العسكري لتسوية الأزمة.
التقديرات والصفقة
عدة اعتبارات اقتضت من الجزائر إطلاق هذه المبادرة الدبلوماسية، فمن جانب أدانت الانقلاب العسكري على الرئيس النيجري المنتخب، بازوم، التزامًا بمقررات الاتحاد الإفريقي، ومن جانب آخر تعترض الجزائر بشدة على التدخل العسكري الذي يتوعد به بعض أعضاء إيكواس لإفشال الانقلاب وإعادة بازوم إلى منصبه. وللتوفيق بين هذين الرفضين دعت الجزائر إلى الحل الدبلوماسي لأزمة النيجر.
هناك اعتباران إضافيان جعلا الجزائر تقرر قيادة المبادرة الدبلوماسية، الأول: هو وصول المفاوضات بين قادة الانقلاب وموفدي إيكواس إلى طريق مسدود، لمَّا تمسك قادة الانقلاب بفترة انتقالية تدوم ثلاث سنوات، ورفض إيكواس ذلك. والثاني: هو اعتزام إيكواس التدخل العسكري، وإعلانهم تحديد يوم التدخل. حسبت الجزائر أن احتمالات التدخل العسكري باتت مرتفعة، وأنها إذا لم تقدم بديلًا دبلوماسيًّا عنه فإنه واقع لا محالة، فيوقع أضرارًا جسيمة بأمنها الوطني؛ إذ إن الجزائر والنيجر يتشاركان حدودًا بطول نحو 1000 كم، وتتخوف الجزائر من موجات نزوح كبيرة هروبًا من الحرب إن وقعت، ويترابط البلدان بوشائج قربى على طرفي الحدود، وقد يُحدث الاقتتال الداخلي في النيجر تمزقات بداخلها، وقد توقع الحرب حالة فلتان في السلاح فينتشر دون قيود، فتنتهز الفرصة الجماعات المسلحة المتمردة، وتستولي على كميات كبيرة منه، بل إن هذه الجماعات قد تستغل فرصة انشغال الجيش النيجري بتأمين الانقلاب في العاصمة، نيامي، فتوسع نطاق سيطرتها في المناطق الشمالية المحاذية للجزائر والقريبة من مناجم اليورانيوم والذهب، وقد يكسر التدخل الجيش النيجري، فيعجز عن التحكم في مناطق البلاد، فتتشكل جماعات مسلحة مناطقية، تكون أشبه بالجماعات المسلحة التي تحكم حاليًّا ليبيا.
تتضمن المبادرة الجزائرية ست نقاط، منها فترة انتقالية لستة أشهر، تقودها قيادة انتقالية توافقية، تشرف على صياغة ترتيبات مع مختلف الأطراف، والسعي لعقد مؤتمر أممي للعودة بالبلاد إلى الشرعية الدستورية والنظام الديمقراطي، واستضافة مؤتمر دولي للمانحين يسهم في إعمار الساحل.
رحَّب أعوان الرئيس بازوم بالمبادرة الجزائرية، واعتبروها تراعي مصالح النيجر، وطالبوا قادة الانقلاب بالترحيب بها، لكنهم طالبوا بأن يتولى قيادة الجيش ضباط محايدون وتنحية الانقلابيين وإصدار عفو بحقهم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
الرهان الدبلوماسي
يبدو من المبادرة أن الجزائر لمست أن قادة إيكواس يتهيبون من التدخل العسكري لأنه معقد وغير مضمون النتائج، فحققت جوانب من مطالبهم بخفض مدة المرحلة الانتقالية، والعودة السريعة للوضع الدستوري والديمقراطي نتيجة توافق نيجري داخلي واسع. ومن جانب آخر، قد تكون الجزائر لمست تخوف قادة الانقلاب من تدخل إيكواس العسكري، وبأنه قد يقضي على حكمهم، بل قد يهدد حياتهم، فحققت جوانب من مطالبهم بإشراكهم في ترتيبات المرحلة الانتقالية حتى لا تكون على حسابهم، وأعطتهم ضمانات، وتركت المجال مفتوحًا أمام مشاركتهم السياسية، وامتنعت عن إلزامهم بإطلاق سراح الرئيس المحتجز، محمد بازوم، كبادرة حُسن نية.
تثير المبادرة الجزائرية عدة تساؤلات، ففترة ستة الأشهر المقترحة، قد لا تكون كافية لإجراء المشاورات وصياغة الترتيبات، واختيار شخصية توافقية لقيادة المرحلة الانتقالية وتنظيم التصويت على الدستور الجديد والانتخابات الرئاسية. مع العلم بأن متوسط الفترات الانتقالية في الحالات المشابهة للنيجر في إفريقيا يقدر بنحو 18 شهرًا، ولعل المبادرة الجزائرية ستتطور في هذا الاتجاه.
لا تتطرق المبادرة الجزائرية للإجراءات العقابية إذا لم تلتزم الأطراف النيجرية، خاصة الانقلابيين، بترتيبات المرحلة الانتقالية؛ إذ من الوارد أن يوافقوا على المرحلة الانتقالية ثم يتراجعوا عنها ويطالبوا بتمديدها مثل ما جرى في مالي أو قد يرفضوا النتائج إذا لم تكن لصالحهم.
قد تلاقي الجزائر صعوبة في جعل النيجر قضية أممية؛ لأن الدول الغربية قد تتخوف من أن تحويلها إلى مجلس الأمن قد يعطي روسيا والصين إمكانية وضع قيود على الدول الغربية، ومنعهم من اللجوء إلى الخيار العسكري لمساندة إيكواس. قد ترفض إيكواس أيضًا الإشراف الأممي لأنه يفرض قيودًا على الخيار العسكري الذي تتوعد به الانقلابيين.
قد تعترض فرنسا على المبادرة الجزائرية؛ لأن العلاقة بين البلدين تمر بمرحلة برودة، ولا توجد مؤشرات على أن الجزائر تشاورت مع فرنسا، بل إن الإذاعة الجزائرية أعلنت أن السلطات الجزائرية رفضت طلبًا فرنسيًّا باستعمال الأجواء الجزائرية لعبور المقاتلات الفرنسية تجاه النيجر، فردَّت قيادة الأركان الفرنسية بنفي الأمر. في هذه الأجواء المتشنجة، قد يكون من الصعب أن توافق فرنسا على مبادرة دبلوماسية جزائرية ليست شريكة في صياغتها، ولا تراعي مصالحها المهمة في النيجر، ولا تقدم ضمانات لها بأن نتائج المرحلة الانتقالية لا تضر بالمصالح الفرنسية. علاوة على أن إيكواس ستَحْذَر من الترحيب بأية مبادرة لا تحصل على موافقة فرنسا؛ لأنها تحرص على الدعم الفرنسي لقراراتها.
آفاق المبادرة
قد تسعى الجزائر إلى تطوير مبادرتها بالتنسيق مع الولايات المتحدة للاستعانة بها في إقناع الفرنسيين ونيجيريا بجدوى الحل الدبلوماسي، وقد سبق أن التقى عطاف بوزير الخارجية الأميركية، بلينكن، في 9 أغسطس/آب، بواشنطن خلال أزمة النيجر، وقد تستعين واشنطن في المقابل بالجزائر لتليين موقف الانقلابيين وإقناعهم بتقديم تنازلات تراعي اشتراطات إيكواس والقوى الغربية.
قد تولي الجزائر اهتمامًا أكبر لوضع الرئيس بازوم، فتفاوض الانقلابيين على تحسين وضعه، والسماح له بإجراء مشاورات، كبادرة على استجابتهم لضغوط إيكواس والقوى الغربية، مقابل حصولهم على ضمانات بتأجيل خيار التدخل العسكري، واتقاء العقوبات الغربية.
قد تكون هذه التعديلات غير كافية لمنع التدخل العسكري، إذا حسب قادة الانقلاب أن إيكواس وفرنسا لن يجرؤا على شن عملية عسكرية للإطاحة بهم، أو أنهم يمتلكون قوة كافية لهزيمة إيكواس. كذلك، قد لا تقتنع إيكواس بالتزامات قادة الانقلاب أو بجديتهم وأنهم يماطلون ليجعلوا الانقلاب أمرًا واقعًا، فتقرر التدخل العسكري حتى تحول دون وقوع انقلابات جديدة قد تطيح بقادتها.